|
رمضانيات ملف خاص بشهر رمضان المبارك / كيف نستعد / احكام / مسابقات |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#11
|
||||
|
||||
![]() (نفحات قرأنية رمضانية) نفحات قرآنية (31) بخاري أحمد عبده ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 183 - 185]. عَوْد على بَدْء: في رحلتنا البصيرة مع نفحات آيات الصيام راعتْنا "مفاعلات" التحرير تشعُّ خلال الآيات، تُبْطِل رِقَّ الهوى، وتَنقض أحابيل الشيطان، ثم تنقَضُّ - بفتح القاف وتشديد الضاد - على مرابض الباطل؛ تدمَغ الفِرَى - بكسر الفاء، وفتْح الراء، جمْع فِرْيَة - وتُوهِي العُرى - جمع عُروة - وتردُّ كيْد الكائدين. ومفاعلات التحرير التي تنعش خلال الآيات تعتق الرِّقاب العانية - الأسيرة - وتحرِّك قُوَى الإيمان الكامنة، وتُبارِك الأنفس؛ حتى تُحدِّد الوجْهة، وتُسلم الوجْه المبارك إلى الله وحْده، فلا تستفزُّها رُقَى - بضم الراء وفتْح القاف، جمع رُقْية بضم الراء وإسكان القاف - الشيطان، ولا يستأثِرُ بها تراثُ الآباء، أو تقاليد البيئة؛ ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ * وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ [لقمان: 21 - 22]. وعلى هدى تلك المفاعلات، أبصرنا أقنعة الزَّيف تتطايَر فتشي بالخُبثاء الماكرين، وتَفضَح تدابير المجرمين المتربِّصين. وفي رحلتنا تلك واكبْنا - بعقيدة مَجلوَّة، وقلبٍ مؤمن - أرواحَ الحريَّة تُرفرف عبر كلِّ الهدايات القرآنيَّة، وتستنقذ من ظُلمة الطين، وأسْر المحسوس، ومن ذُلِّ الأنداد المتدافعة المتشاكسة، التي لا تفتأ تغرُّ وتُغري الإنسان؛ حتى يذلَّ وينحني، ثم يمضي مُكِبًّا على وجْهه، حَشْو أديمه تُرَّهات وخدَعٌ تتفاعل مع مركب النقْص الذي أحْكَم عُقدته ذُلُّ السنين، يمضي يَنْعِق نعيقَ البُهْم، ويَنِبُّ نبيبَ التيوس، ويهرُّ هريرَ الكلاب. ورأينا أُمَّة احتواها الفراغ، فغَدَت تختنق، وتتخبَّط صمَّاءَ عمياءَ، نُهْبَ حملات غزْوٍ فكري وغير فكري، والقرآن يتداركهم فيُوسع الخِناق، ويملأ الفراغ، ويُطلق من حقِّه قذائفَ تُهشِّم الأغلال، فتَفكُّ الرِّقاب. وأرواح الحرية الخفَّاقة لا يَطْعَمها ولا يَجد شَذاها، إلاَّ مَن رهَفَتْ مشاعره، وسَلِمتْ له حواسُّه، فغدَت تستقبل وتُرسل ما تستقبل، تغزو به كلَّ قُوى الإدراك التي تنشط؛ كي تَعِي وتتأثَّر، وتمثِّل وتختزن. أما المبتلون ذَوُو الحواسِّ المتبلِّدة، فأنَّى لهم أن يُحِسُّوا؟ ولقد ابْتُلِيت أُمَّتنا بذَوِي الحسِّ الصفيق المتبلِّد، الذي يُورث الجمود، ويُنذر بالعَتَه والعَمَه. والعَمَه نعني به: عمى الفؤاد؛ ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ [الحج: 46]. والعَمَه بهذا المفهوم: مظهر من مظاهر غضب الله ومَقْته، وازدرائه للضالِّين ذَوِي الحسِّ الصفيق؛ ﴿ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [البقرة: 15]. وهو - بهذا المفهوم - دليلُ تخلِّي المولَى عن العامهين، وأنه - سبحانه - وكَلَهم إلى أنفسهم الساقطة المتهالكة على الشِّعاب المنحرفة المضلة؛ ﴿ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [يونس: 11]. ومُهْوَى العَمَه؛ مشحون بالعَفن، مُتْرَع بأجواء الغفلة، مُنْذَر بالأخْذ الوشيك؛ ﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ * فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ * فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ﴾ [الحجر: 72 - 75]. والعَتَه نعني به: الغفلة التي تُسلم إلى السكرة، والتي تُعَطِّل أو تَسْلُب قُوَى الحواس والإدراك، فيُمسي الغافلون أنعامًا، بل أضل؛ ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [الأعراف: 179]. وأولئك وهؤلاء استبانتْ سبيلُهم، وتحدَّد مصيرهم، فلا ينبغي أن يُدْعَوا - بالبناء للمجهول - لرِيَادة، أو يُمَكَّنوا من قيادة، أو يُتْرَكوا في موقع تأثيرٍ؛ ﴿ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ [الكهف: 28]. وأولئك وهؤلاء منهم الجاحدون المخْلِدون إلى الأرض، المتشدِّقون بالماديَّة، والعلمانية، المتخذون دينَ الله هُزوًا ولعبًا، المحْتَذُون - حَذْوَ النَّعل بالنَّعل - خُطى الكافرين الموتورين؛ شبرًا بشبرٍ، وذراعًا بذراع. والكافرون الموتورون نُهينا عن أن نتَّخذَهم أولياءَ، أو وليجةً، أو بِطَانةً؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [المائدة: 57]. وهذه الآية التي تُحرِّم الموالاة، وتُجَرِّم - بضم التاء، وفتْح الجيم، وكسر الرَّاء المشددة - الموالين، دون أن تتعرَّض لأكثر من هذا، الآية تُشرع لحالة من حالات المسلمين، قد لا تكتمل فيها القُدرة على ردْعِ المستهزئين، أمَّا إذا كان الإسلام في ذِروة القوَّة والقدرة، فإن دستورَهم ما جاء في آية التوبة: ﴿ قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾ [التوبة: 29]. وتنفيذ أمْر القطعية والمفاصلة حسبما ورَد في آية المائدة جِهادٌ، ولكنَّه جهادُ المستضعفين الملتبسين بحالة من حالات الضَّعف. وأستطرد[1]، فأقول: إن القوى المناوئة للإسلام تَعْتريها في مواجهتها للمسلمين حالات: 1- حالة الهيبة البالغة؛ ﴿ لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ﴾ [الحشر: 13]، وفيها يحذرون أن تبدرَ منهم بادرة تشي بما في قلوبهم، فلا عجب إذا اتخذوا اللسان غِطاءً لِمَا يعتمل في الجَنان فأثنوا وهنَّؤوا، ونَمَّقوا الكلام، وداهنوا وأبدوا المودَّة، وتشدَّقوا واعتذروا عن مواقف الشُّبهات، وبرَّروا… إلخ، ولعل هذا إيحاءُ قول الله: ﴿ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ﴾ [آل عمران: 167]، وقوله: ﴿ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ﴾ [الفتح: 11]، ﴿ كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ ﴾ [التوبة: 8]، ﴿ لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ ﴾ [الحشر: 13]. 2- حالة الفرصة الآمنة، وهذه تَلْمسها وأنت تقرأ قوله - سبحانه -: ﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ﴾ [البقرة: 14]، وقوله - سبحانه -: ﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 76]. 3- حالة انكشاف الغُمَّة وإفلات اللسان؛ ﴿ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ ﴾ [الأحزاب: 19]. 4- حالة الظهور والتمكُّن، فلا مودَّة، ولا مُجاملة، ولا مسالَمة، بل عُدوان وإساءة، وطِعان؛ ﴿ إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ ﴾ [الممتحنة: 2]. وواضح أن كلَّ حالة من هذه الحالات ردُّ فعلٍ بليغٍ ينمُّ عن مكانة المسلمين ومستواهم العسكري، والمستوى الذي يُرضي الله هو مستوى الظهور والتمكُّن، مستوى القمة والذُّرَى، أما مستوى الحُفَر والقِيعان والسفوح، فهو مسارح الدِّيدان، ومكامِن الحشرات. والمسلم في أدنى حالاته، لا ينبغي أن يَهبط عن المستوى الذي يُمْكنه فيه أن يتَّخذ القرارَ ويَصمد، أمَّا أنْ يُحْشر إلى الله هشيمًا تَذروه الرياح، فذلك من الخُسران المبين. فإذا كان ذلك هو موقف الإسلام ممن اتَّخذ آيات الله هُزوًا من غير المسلمين، فماذا عسى أن يكون موقفه من مسلمين يتطاولون على الشريعة، ويستهزئون بأحكامها، ويرتضون أن يُصبحوا - بألسنتهم وأقلامهم، وكلِّ إمكاناتهم - سهامًا من جعبة الشيطان، ونِصالاً في كِنانة الأعداء؟ إن المسلم الذي مسَّ الإيمان شغاف قلبِه يَحكم للتَّوِّ على أصحاب مثل تلك الأقلام بالرِّدَّة والمروق، ثم يكرُّ عليهم بالوعظ الشافي، والقول البليغ، والإعراض الزاجر الأليم؛ إعمالاً لقول الله: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا ﴾ [النساء: 63]. ذلك هو المتاح في ظروف غيبة الشريعة، وانتشار مدِّ الطاغوت؛ ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ ﴾ [النساء: 60]. ومِن أولئك وهؤلاء جامدون يشتملون بمعلوماتهم اشتمالَ الصماء، والإسلام مع دقَّة تعاليمه مَرِنٌ، فِضْفاض، يَسَع ببُحبوحته الأوَّلين والآخِرين. هؤلاء تَمرق بهم الأيام، فلا ينتبهون، وتُغْرِي أُمَّتهم الأحداث ولا ينتفضون، وتُدَحْرجهم الأقدام، فلا يتأوَّهون، تحسبهم - حين تُنْعِم فيهم النظرَ - أيقاظًا وهم رُقود، وتظنُّهم - بجامع السَّمت والهيئة - وَحْدة متعاطفة، والحقُّ أنَّهم صورة ناطقة لقول الحقِّ - جل وعلا -: ﴿ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ﴾ [الحشر: 14]. فاتَهم فَهْمُ مُقتضى الحال، وإدراك عامل الزمن، وعامل المكان. وهؤلاء أفْزعتْهم فَرْقَعة السِّياط، وحَشَرتْهم صَيْحات الزَّجْر، ودَفعات الرَّكْل؛ حتى انْزَوَوا وتَقَوْقَعوا في محارات ضيِّقة، ظنُّوها كلَّ الدِّين، والدين أرحبُ وأرغدُ، وأرفعُ مما رأَوْا وخَالوا. هؤلاء الجامدون أيضًا آفتُهم تبلُّد الحِسِّ: والبَلادة كما تتأتي مما رانَ على القلب من شرٍّ، تتولَّد كذلك من طول المعاناة، أو من عضَّة اليأْس، أو من غمرة الحَيْرة، أو من استفحال عُقدة النقْص، أو..، أو..، وحينئذ تَركُد العقول، ويَجمد الفكر، ويتَسنَّه ويأْسَن، فيعجز المصابون بهذا الداء عن مُجاراة العالَم، ومُلاحقة الرَّكب، وعن إدراك سُنن المولى في الكون، وعن استثمار نِعَم الله المبثوثة في تضاعيف الوجود. والجامدون قد ينطوون على خيرٍ، ولكنَّهم في مَسيس الحاجة إلى يدٍ آسية؛ تفتح لذلك الخير المنافذ، وتَجلو ما انعقَد حوْله أو فوْقه من قَتَام وغَمام، وعِلَلٍ نفسيَّة جَليَّة وخفيَّة، تفقدُ التوازُن، وتُغري بعِشْق الذَّات، والتمحْوُر - بلا فِقهٍ - حول ما عرَفوا وألِفُوا. نعم هم في مسيس الحاجة إلى قيادة رشيدة تجمع بين خصائص إمام الدعوة، وإمام السياسة والدولة، ولكن لِمَ هذا اللف والنشر والحديث ذو الشجون عن الجمود والجامدين؟ ثم ما علاقة هذا الحديث الساخن بالنفحات وآيات الصيام؟ أهي الملابسة الوثيقة التي بين الجمود والقيود، وبين التطور والتحرُّر؟ قد يكون إدراك تلك العلاقة حافزًا من الحوافز، ولكنَّ الذي أهمَّني أمرٌ وراء هذا، أمرٌ محورُه رمضان والعيد، وزَيْغة الحُكماء، فإلى لقاءٍ قريب، والله المستعان. [1] أمْلَى هذا الاستطراد غُربةُ الإسلام ومِحنة المسلمين.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 6 ( الأعضاء 0 والزوار 6) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |