
04-04-2021, 05:12 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,588
الدولة :
|
|
ختم القرآن الكريم عند السلف
ختم القرآن الكريم عند السلف
د. رياض محمود جابر قاسم
images (26).jpg
المقدمة:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسولنا الكريم وعلى آله وصحبه ومن اتبعه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
فإن الله تعالى فضل هذه الأمة المرحومة على سائر الأمم من الأولين والآخرين بفضيلتين عظيمتين، إحداهما: أنه أرسل فيها نبياً، هو أفضل الأنبياء على الإطلاق، وخاتم المرسلين، وسيد ولد آدم، وثانيتهما: أنه أنزل إليها كتاباً هو خير الكتب على الإطلاق وأفضلها، وقد تكفل الله تعالى بحفظه من التحريف والعبث، وذلك عن طريق أهل العلم الراسخين، الذين اعتنوا به تلاوة وحفظاً وفهماً وتعليماً، لما في ذلك من الأجر العظيم المترتب على الاشتغال بالقرآن الكريم وعلومه.
لقد ابتليت الأمة المحمدية في هذا العصر بداء الغفلة، والانصراف عن تلاوة القرآن الكريم، والعمل به، فأصابها من الذل ما أصابها، حتى صار المسلمون في آخر القافلة في العصر الحاضر، بسبب غفلتهم عن كتاب ربهم، الذي تكمن فيه أسباب النصر والتمكين، ولهذا أحببت أن أسلط الضوء على مسألة هامة، تتعلق بتلاوة هذا الكتاب العزيز، وأن أوضح مدى عناية السلف الصالح بتلاوة القرآن، والاشتغال به؛ لأنهم علموا أن سر عزتهم وظهورهم على أعدائهم إنما هو بتلاوة القرآن، والاشتغال به، واعتماده منهج حياة.
خطة البحث:
وقد اشتمل هذا البحث على مقدمة وثلاثة مباحث وخاتمة وفهرس للمصادر والمراجع على النحو التالي:
المبحث الأول: فضل تلاوة القرآن وآدابها ومراتبها.
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: فضل تلاوة القرآن.
المطلب الثاني: آداب تلاوة القرآن.
المطلب الثالث: مراتب تلاوة القرآن.
المبحث الثاني: تحزيب القرآن.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تعريف التحزيب لغةً واصطلاحاً.
المطلب الثاني: مشروعية تحزيب القرآن.
المبحث الثالث: مدة ختم القرآن.
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: الآيات والأحاديث الواردة في ختم القرآن.
المطلب الثاني: اختلاف العلماء في تحديد مدة ختم القرآن.
المطلب الثالث: أنواع الختم عند السلف(1).
الخاتمة: وتتضمن أهم النتائج والتوصيات.
المبحث الأول: فضل تلاوة القرآن وآدابها ومراتبها.
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: فضل تلاوة القرآن.
لقد اختص الله سبحانه وتعالى هذا الكتاب العزيز بفضائل كثيرة، يصعب حصرها، فالقرآن والسنة مليئان بالآيات والأحاديث الدالة على ذلك.
فمن الآيات الدالة على فضل تلاوة القرآن، قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر:29، 30]، يخبر تعالى عن عباده المؤمنين، الذين يتلون كتابه، ويؤمنون به، ويعملون بما فيه من إقامة الصلاة، والإنفاق مما رزقهم الله في الأوقات المشروعة ليلاً ونهاراً، بأنهم يرجون ثواباً من عند الله لا بد من حصوله(2).
وقوله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} [البقرة:121]، والمراد من قوله تعالى {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ} هم مؤمنوا أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأضرابه، {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ} بمراعاة لفظه عن التحريف، وبالتدبر في معانيه والعمل بما فيه، وقوله: {أُوْلَئِكَ} إشارة إلى الموصوفين بإيتاء الكتاب وتلاوته كما هو حقه، وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلتهم في الفضل(3).
وقوله تعالى: {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا} [الكهف:26].
وقوله تعالى: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ} [النمل:91، 92].
قال أبو السعود في معنى قوله تعالى: {وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ}: "أي أواظب على تلاوته لتنكشف لي حقائقه الرائعة المخزونة في تضاعيفه شيئاً فشيئاً، أو على تلاوته على الناس بطريق تكرير الدعوة، وتثنية الإرشاد، فيكون ذلك تنبيهاً على كفايته في الهداية والإرشاد"(4).
ومن الأحاديث الدالة على فضل تلاوة القرآن الكريم ما رواه ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَن قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف، ولكن ألِف حرف، ولام حرف، وميم حرف""(5).
وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه..."(6).
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "البيت الذي يقرأ فيه القرآن يتراءى لأهل السماء كما تتراءى النجوم لأهل الأرض"(7).
وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الرب عز وجل: من شَغَله القرآن وذِكْري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين، وفَضْل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خَلْقه"(8).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تحاسُد إلا في اثنتين، رجل آتاه الله القرآن، فهو يتلوه آناء الليل والنهار، يقول: لو أوتيت مثل ما أوتي هذا لفعلت كما يفعل، ورجل آتاه الله مالاً، يُنفقه في حقِّه، فيقول: لو أوتيت مثل ما أوتي لفعلُ كما يفعل"(9).
المطلب الثاني: آداب تلاوة القرآن.
لما كان القرآن كلام الله سبحانه وتعالى، كان واجباً على من أراد تلاوته أن يتعامل معه معاملة تدل على تعظيمه وتقديره، ومن الآداب التي ينبغي على القارئ مراعاتها ما يأتي:
أولاً: الإخلاص لله سبحانه وتعالى، وطلب الأجر والثواب منه وحده.
أولاً: الإخلاص لله سبحانه وتعالى، وطلب الأجر والثواب منه وحده.
قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء} [البينة:5]، وقال صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى..."(10).
ثانياً: استحباب السواك والوضوء عند قراءة القرآن، وطهارة المكان، واستقبال القبلة(11).
ثالثاً: الاستعاذة عند البدء بالقراءة؛ لقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل:98].
رابعاً: التدبر والخشوع أثناء التلاوة، لقوله تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} [ص:29]، وقوله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24].
خامساً: مراعاة أحكام التجويد، وتحسين الصوت بالقراءة(12).
سادساً: البكاء أو التباكي عند تلاوته(13).
سابعاً: الدعاء عند المرور بآيات الرحمة أو العذاب(14).
المطلب الثالث: مراتب تلاوة القرآن.
لقد قسم العلماء مراتب تلاوة القرآن إلى أربع مراتب:
أولاً: الحدر: بفتح الحاء وسكون الدال، مصدر من حَدَرَ يَحدُرُ إذا أسرع والحدرُ إدراج القراءة وسرعتها مع مراعاة إقامة الإعراب وتقويم اللفظ وتمكن الحروف(15).
ثانياً: التحقيق: وهو إعطاء كل حرف حقه من إشباع المد، وتحقيق الهمزة، وإتمام الحركات، واعتماد الإظهار، والتشديدات، وتوفية الغنات، وتفكيك الحروف، وإخراج بعضها من بعض، بالسكت والترسل واليسر والتؤدة، وهو أكثر المراتب اطمئناناً، ويؤخذ به في مقام التعليم(16).
ثالثاً: الترتيل: وهو القراءة بطمأنينة، على مكث وتفهم من غير عجلة، مع إعطاء الحروف حقها ومستحقها، وهذه المرتبة هي أفضل المراتب استناداً إلى قوله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل:4]، ولم يقتصر سبحانه وتعالى على الأمر بالفعل حتى أكّده بالمصدر اهتماماً به وتعظيماً له، ليكون عوناً على تدبر القرآن وتفهمه(17).
رابعاً: التدوير: وهو التوسط بين المقامين من التحقيق والحدر، وهو الذي ورد عن أكثر الأئمة ممن مد المنفصل، ولم يبلغ فيه إلى الإشباع، وهو مذهب سائر القرآن، وهو المختار عند أكثر أهل الأداء(18).
المبحث الثاني: تحزيب القرآن.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تعريف التحزيب لغةً واصطلاحاً.
أولاً: تعريف التحزيب لغةً:
(الحزب) هو تجمُّع الشيء، والحِزب الجماعة من الناس. قال الله تعالى: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون:53]، والطائفة من كل شيء حِزب، والحِزب: الوِرْد وَزْناً ومَعنى، والوِرْد: النوبة في ورود الماء(19).
ثانياً: تعريف التحزيب اصطلاحاً: الحزب: ما يعتاده المرء من صلاة وقراءة ودعاء(20).
قال الزمخشري: "قرأ حِزبَه من القرآن، وكم حِزبُك، وهو الطائفة التي وَظَفها على نفسه يقرؤها، وحَزَّب القرآن جعله أحزاباً"(21).
المطلب الثاني: مشروعية تحزيب القرآن.
لقد جاءت العديد من النصوص الشرعية الثابتة التي تدل على مشروعية تحزيب القرآن، ومنها ما يأتي:
أولاً: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نام عن حِزبه أو عن شيء منه فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كُتب له كأنما قرأه من الليل"(22).
ثانياً: عن ابن الهاد(23) قال: "سألني نافع بن جبير بن مطعم فقال لي: في كل تقرأ القرآن؟ فقلت: ما أحزبه، قال لي نافع: لا تقل ما أُحَزبه؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قرأت جزءاً من القرآن"(24).
ثالثاً: عن أوس بن حذيفة الثقفي، وفيه:... فلما كانت ليلة أبطأ عن الوقت الذي كان يأتينا فيه، فقلنا: يا رسول الله: لقد أبطأت عنا الليلة، قال: إنه طرأ عليّ جزئي من القرآن، فكرهت أن أجيء حتى أتمه، قال أوس: فسألتُ أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف تُحَزِّبون القرآن؟ قالوا: ثلاث، وخمس، وسبع، وتسع، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، وحزب المُفصَّل وحده(25).
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|