|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() بحث حول صيغتي التعجب أ. د. أحمد محمد عبدالدايم عبدالله تعريف التعجب: وردتْ في كُتب النحو تعريفات عدَّة للتعجُّب، ومنها: "إفراط التعظيم لصِفة المتعجّب منه"[2]، و"تغيير يلحق النفْس لما خفِي فيه السبب ممَّا لم تجرِ به العادة"، و"استعظام فِعل فاعل ظاهر المزية فيه"[3]، وقول ابن عصفور: "استعظام زِيادة في وصْف الفاعِل خفِي سببها، وخرَج بها المتعجبُ منه عن أمثاله أو قلَّ نظيرُه فيها"[4]، ومعنى هذا: أنَّ التعجب له جانبان[5]: 1- نفْسي: يعني التأثُّر الحاصِل للنفس عندَ الاطلاع على أمْر خارج عنِ المعهود. 2- اصطلاحي: يعني التعبيرَ عن هذا التأثُّر الحاصِل للنفس بإحْدى صِيغتي التعجُّب[6]، وهما: "ما أفعله" و"أفعل به". أولاً: صيغتَا التعجُّب من حيث الدَّلالة: لصيغتي التعجُّب دلالتان: الأولى: دَلالتهما بيْن الاسمية والفعلية. الثانية: الدَّلالة على الزمن. أ - دَلالة "أفعل": صيغة "أفعل" في التعجُّب لا بدَّ أن يلزمها "ما" تسبقها نحو: ما أحسنَ زيدًا، وما أجملَ خالدًا[7]. فأما "ما" فقدْ أجمعوا على اسميتها؛ لأن في "أحسن" و"أجمل" ضميرًا يعود عليها[8]، وأجمعوا على أنَّها مبتدأ؛ لأنَّها مجردة للإسناد إليها[9]. ثم قال سيبويه: "هي نكرة تامَّة بمعنى شيء، وابتدئ بها لتضمُّنِها معنَى التعجب، وما بعدَها خبر فموضعه رفع[10]. وقال الأخفش: "هي معرفةٌ ناقِصة بمعنى (الذي)، وما بعدَها صِلة، فلا موضِع له، أو نِكرة ناقصة، وما بعدَها صِفة فمحله رفْع، وعليهما فالخبَر محذوف وجوبًا؛ أي: شيء عظيم"[11]. وأمَّا "أفعل": فقدِ اختلف فيها، أفِعْلٌ هي أم اسم؟ هي فِعل عندَ البصريِّين والكسائي، والهمزة فيها للنقْل[12]، وهي اسمٌ عند الكوفيِّين غير الكِسائي[13]، وقال بعضهم: "إنَّه اسمٌ عندَ الكوفيِّين"، ولم يستثنِ الكسائي منهم[14]، وقد استدلَّ مَن قال بفعليتها بأمورٍ، منها: 1- بكونها مبنيَّة على الفتْح. 2- ونصبها للمفعولِ به الصَّريح. 3- وبلزوم نون الوقاية لها إذا نصبتْ ياء المتكلِّم، نحو: ما أحسنني عندَك، وما أظرفني في عينيك، ونون الوقاية إنما تدخُل على الفِعل لا على الاسم[15]. أما مَن قال إنَّها اسم، فقد احتجَّ بأمور، منها: 1- أنها لا تتصرَّف، فلا يجوز في: (ما أحسن زيدًا): ما يحسن زيدًا، ولا نحوه من أنواع التصرُّف. 2- جواز تصغيرها في نحو: يَا مَا أُمَيْلِحُ غُزْلاَنًا شَدَنَّ لَنَا ![]() مِنْ هَؤُلِيَّائِكُنَّ الضَّالِ وَالسَّمُرِ[16] ![]() 3- بصحَّة عينها في التعجُّب، نحو: ما أقوله، وما أبيعه، وهذا التصحيح إنَّما يكون في الأسماء، نحو: زيد أقول مِن عمرو وأبيع منه، ولو كانتْ فعلاً لاعتلَّتْ بقلب عينها ألفًا، نحو: أقال وأباع. 4- ولأنَّهم تعجَّبوا مِن الله تعالى، فقالوا: ما أعظمَ اللهَ، ولا يصح شيءٌ أعظم مِن الله؛ لأنَّ عظمته لا سببَ لها، وهي مجلوبة[17]. ويرَى الرضيُّ أنّ مذهب الكوفيِّين كان جديرًا أن ينصرَ لولا انفتاحُ اللام في صيغة أفعل، وانتصاب المتعجِّب منه بعدها انتصاب المفعول به[18]. حقيقة الأمر فإنَّني أرَى أنَّ صيغة "أفعل" التعجبية "اسم" لا شكَّ في هذا، بالإضافة إلى عدمِ تصرُّفها، وجواز تصغيرها، وصحَّة عيْنها في التعجُّب، أرَى أنَّ "أفعل" التي للمفاضلة هي التي للتعجُّب، فالتفضيل نوعٌ مِن التعجُّب إلا أنَّ لكل سياقَه، فأنا حينما أقول: (فاطمة أجمل من هند)، فإنَّني في نفس الوقت أعجب من زيادة جمال فاطمة، كما أنَّ التعجب يكون من أمر زائد عن غيره. * أمَّا مَن يرى أنَّها "فعل" معتمدًا على أنَّها مبنيةٌ على الفتْح، فمردودٌ عليه بأنَّها هنا معرَبة وليستْ مبنية، فهي مفعولٌ به منصوب لفِعل محذوف تقديره "رأيت"، وإنْ كان السياق يمجُّه لطوله نحو: "ما أجملَ فاطمة"، التقدير رأيت أجملَ شيء أخصُّ به فاطمة. ونصب "فاطمة" في هذا التقدير نردُّ به على من ادَّعى فعليتَه لكونه ينصِب المفعول به. * أما قولهم بلزوم نون الوقاية لها: فمردودٌ عليه بأنَّ نون الوقاية ليستْ خالصة للفعل وحْده، وإنما يشاركه فيها الحرْف في نحو: "إنني"، والاسم نحو: "قطني"، واسم الفاعل نحو: "ضاربني"، وهناك رأيٌ آخَر يراه "صاحب التصريح على التوضيح" في (أفعل) قال: "إنَّه خبرُ ما منصوب على المخالَفة، ففتحتُه فتحةُ إعراب لا بناء؛ وذلك لأنَّ مخالفة الخبر للمبتدأ في المعنى تقتضي نصْبه، بخلافِ أن يكون الخبرُ هو المبتدأَ في المعنى كالله ربُّنا، فإنْ يرتفع بارتفاعه، والناصِب عندَهم معنوي، وهو معنى المخالَفة التي اتَّصف بها، ولا يحتاج إلى شيءٍ يتعلَّق بالخبر، و"زيدًا" عندهم في مِثل "ما أكرمَ زيدًا" مشبَّه بالمفعول به؛ لأنَّ ناصبه وصْف قاصِر، فأشْبه نصب الوجه في قولك: "زيد حسن الوجهَ"[19]. وقد يدعمنا فيما ذهبنا إليه ما يراه أستاذُنا الدكتور تمَّام حسان، حيث يرَى أنَّ صيغة التعجُّب ليستْ فعلاً، وأنَّ هناك ما يدعو إلى الظنِّ أنها ليستْ إلا أفعل تفضيل تنوسي فيه هذا المعنى، وأدْخل في تركيب جديد لإفادةِ معنًى جديد يمتُّ إلى المعنى الأوَّل بصلة، وليس المنصوبُ بعده إلاَّ المفضَّل الذي يوجد بعدَ أفعل التفضيل، ولكنَّه في تركيب جديد وبمعنى جديد، وليستِ العلاقة بين أفعل في التعجُّب وهذا الاسم علاقة تعدية، وإذًا فصِيغة التعجُّب هي صيغةُ التفضيل منقولةٌ إلى معنًى جديد، ولا سيَّما أنَّه ورَد تصغيرُها[20]، ويرَى الدكتور تَمَّام إطلاق مصطلح خالفة "التعجب" عليها؛ لأنَّها في تركيبها الجديد أصبحتْ (جامدة لا تقبَل الإسناد أو التصريف)[21]، وهذا تمامًا، نوافقه، ونذهب إلى ما ذهَب إليه. ب - دَلالة أفعل به: وأما "أفعل به" ففيه خِلاف، فقد ذهَب جمهورُ البصريِّين إلى أنَّه فِعل صيغتُه صيغة الأمْر، ومعناه معنى الفِعل الماضي الذي على وزْن أفعل، فإذا قيل: "أحسِن بزيد" فمعناه، "أحسَن زيد"؛ أي: صار ذا حُسن، كقولهم: أبقلتِ الأرض؛ أي صارت ذات بقْل، والباء زائدة، والفاعِل هو المجرور بالباء، ولا ضميرَ في الفِعل[22]، ويرى الفرَّاءُ والزجَّاج والزمخشريُّ وابن كيسان وابن خروف: أنَّ "لفظه معناه الأمر، وفيه ضمير، والباء للتعدية"[23]، ويرى ابن كيسان "أنَّ الضمير للحُسن"[24]، ويرَى غيره "أنَّه للمخاطَب"[25]، وإنَّما التزم إفراده؛ لأنَّه كلامٌ جرَى مجرى المَثَل. ولقدْ رجَّح ابن مالك مذهبَ البصريِّين من خمسة وجوه: الأول: أنَّه لو كان فِعْلَ أمْر لوجَب فيه استتار فاعِله وجوبًا إذا كان مفردًا مذكَّرًا. الثاني: أنَّه لو كان فِعْلَ أمْر لم يكُن المتكلِّم به متعجبًا، بل يكون آمرًا غيره بالتعجُّب. الثالث: أنَّه لو كان فِعْلَ أمْر لجازَ أن يقَع جوابه مقترنًا بالفاء. الرابع: أنَّه لو كان فِعْلَ أمْر لما جاز أن يتَّصل بباء التعدية الواقِعة بعدَه. الخامس: أنَّه لو كان أمرًا على الحقيقة لوجَب إعلالُ الأجوف منه بحذْف عينه؛ نقول في الأمر مِن أقام: "أقم"، وفي التعجب نقول: "أقوم بزيد"، فتبقى الواو، وكذلك في "أبين"[26]. والحقيقة في رأينا: أنَّنا نذهب مذهبَ ابن الأنباري "أبي بكر" في أنَّ (أفعل به) اسم لا فِعل، حيث يرى أنك إذا قلت: ما أحسن عبدالله، فأردتَ أن تسقط ما وتتعجَّب قلت (أحسن بعبدالله) وإذا أردتَ أن تأمر مِن هذا قلت: يا زيد أحسن بعبدالله رجلاً، وإذا ثنيتَ قلت: أحسن بعبدالله رجلين، ويا زيدون أحسن بعبدالله رجالاً. وتنصب رجالاً على التفسير (التمييز)، وأحسن لا يُثنَّى ولا يجمع ولا يؤنث؛ لأنَّه اسم[27]. ونحن نرفُض ما ذهب إليه النحاةُ مِن أن صيغة "أفعل به" صيغته صيغة الأمْر، ومعناه معنَى الفعل الماضي؛ للسببين الآتيين: السبب الأول: أنَّ بناء هذه الصيغة يختلف عن بناء الفِعل الأمْر. * فالأمر مِن (سمع) اسمع بفتْح عين الفعل على وزن (افعَل). * والأمْر مِن (كتب) اكتُب بضمِّ عين الفِعل على وزن (افعُل). * أمَّا صيغة التعجُّب فهي في جميع الأحوال على وزن (أفْعِل) بكسر عين الصيغة دائمًا. السبب الثاني: ليس معنى هذه الصِّيغة معنى الفعْل الماضي، وإنَّما فيها معنى الأمْر الصريح. لذلك، فإنَّ هذه الصِّيغة لكونِها اسمًا فيه معنى الأمْر، فقد لزمت البناء والجمود، وقد تحرَّكتْ مِن الإعراب إلى البناء لتلك المشابَهة القائمة بينها وبين الفِعل الأمْر، ويمكن أن نقول عنها: إنها (اسم فعل أمر) يُفيد التعجُّب بمعنى (اعجب)، فحينما نقول: (أحسن)، فإنَّ المعنى (اعجب بحسن زيد)، وعليه فإنَّها تعمل عملَ فِعل الأمر، وتفيد معناه، ففي قولنا: (أحسن) بزيد نقول: (أحسن) اسم فِعل أمر بمعنى اعجبْ، والفاعل ضمير مستتر وجوبًا وتقديره "أنت"، والباء حرْف جر زائد، والمجرور مصدر محذوف، لفظه مِن لفظ صِيغة التعجب (حسن)، وأقيم المضاف إليه (زيد) مقامه توسعًا. واسم فِعل الأمر هنا لا يُقصد به أمر غيرنا بالتعجُّب، وإنما هو مِن باب حديث الإنسان لنفْسه، فخطابه منه وإليه، صدَر منه إلى نفْسه حين استشعارها عظمةَ شيءٍ ما في المتعجَّب منه، فكان حديث صدًى لما تحرَّك في نفْسه وانفعل به. ثانيًا: دَلالة صِيغتي التعجُّب على الزمن: اختلف النحاةُ في زمن صِيغتي التعجُّب مِثل اختلاقهم في كونها فعلاً أو اسمًا، فالذين قالوا باسميتها فلا زمنَ لها عندهم، أما الذين قالوا بفعليتها فقدِ اختلفوا في دَلالتهما على الزمن، فمِنهم مَن ذهب إلى أن "ما أفعله"، و"أفعل به" فيهما دَلالة على الحال، واستدلَّ على ذلك بأنَّك لا تقول: ما أحسن زيدًا إلا وهو في الحال الحسَن[28]، ومنهم مَن ذهَب إلى أنه بمعنى الماضي إبقاءً للصيغة على بابها، إلا أنَّه يدلُّ على الماضي المتَّصل بزمانِ الحال، فإذا أُريد الماضي المنقطع أتَى بكان، ومِن الذين يميلون إلى هذا الرأي "أبو حيان" حيث يرَى أنَّ هذا المذهب أوْلى؛ لما فيه من بقاءِ اللفظ على بابه[29]، وأمَّا أستاذنا الدكتور "تمَّام حسَّان" فإنه يميل إلى أنَّ "ما أفعله" و"أفعل به" صالح للأزمنةِ الثلاثة[30]، وجائز أن يُفيد بكلِّ واحد منهما كذلك: ما أحسن زيدًا أمس، وغدًا، والآن، إلا أنَّهم يقيِّدون في ما أحسنه إذا أرادوا المضي بكان، وفي المستقبل يكون، نحو: ما أحسن ما يكون زيدًا، وقال الله تعالى: ﴿ أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا ﴾ [مريم: 38]، فـ(يوم يأتوننا) ظرْف مستقبل[31]. ونحن نرَى أنَّ صيغة (أفعل) ليس فيها دَلالة على الزمن قائمًا بها، وإنما يحسُّ الزمن مِن وجودها في سياق التعجُّب، فحينما أقول: "أجمل" مفردةً عن سياقها فليس فيها إحساسٌ بالزمن، بينما حينما أقول: "ما أجمل فاطمة" فإنَّ هذا القول تعبيرٌ عما استشعرته النفْس حالَ النظر إليها حيث ترَى فيه دَلالة على الحال، وحينما أقول: "ما أجملَ فاطمة أمس"، فإنَّ الزمن تحوَّل إلى الماضي، ليس مِن دَلالة "أفعل" عليه، ولكن بوجود قرينةٍ حدَّدتِ الزمن الذي حدَث فيه الانفعال بالجمال، وهي كملة "أمس"، وكذلك حينما نقول: "غدًا"، فإنَّ الدلالة الزمنية تغيَّرت بتغير القيْد، مِن الدَّلالة على الماضي بكلمة (أمس) إلى الدَّلالة على المستقبَل بكلمة (غدًا). ثالثًا: شروط ما يُصاغ على (صيغتي التعجب): اشترَط النُّحاةُ فيما يُتعجَّب منه على صِيغتي "أفعل" و"أفعل به" أن يكون: فعلاً، ثلاثيًّا مجردًا، تامًّا، مثبتًا، متصرِّفًا، قابلاً معناه للتفاضُل، غير مبني للمجهول، ولا معبَّر عن فاعله بأفعل فعلاء[32]. الشرط الأول: أن يكون فعلاً: فلا يصحُّ أن تُصاغ صيغتا التعجُّب مِن اسم؛ ولهذا فقد شذَّ قولهم: ما أكْلَبَه (من الكلب) وما (أحْمَره) من الحِمار[33]. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |