|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الكلمة في الإسلام السيد طه أحمد الحمد لله رب العالمين.. من علينا بنعمة البيان وهدى إلى الجنان أو إلى دركات الجحيم والنيران،فقال تعالى ﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾ [الرحمن: 1 - 4]. فنحمده تعالى علي نعمة الإسلام والبيان ونشكره أن هدانا للقرآن الكريم ونتوب إليه ونستغفره ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.. له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو علي كل شيئ قدير ضرب المثل بالكلمة الطيبة والكلمة الخبيثة فقال تعالى ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ * يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ﴾ [إبراهيم: 24- 27]. وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم حذر من خطر الكلمة وبين أننا مسئولون عنها يوم القيامة فقال صلي الله عليه وسلم ( (إن العبد ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً من رضوان الله يرفعه الله بها درجات وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوى بها في جهنم) (رواه البخاري ومسلم). أما بعد.. فيا أيها المؤمنون.. إن الله تعالى عرض علينا الأمانة بعدما عرضها علي السماوات والأرض فأبين أن يحملنها وأشفقن منها فقال تعالي﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب: 72]. لذلك لا بد أن نعلم أن مفهوم الأمانة في الإسلام مفهوم عام شامل لأقوال العبد وأعماله، فكما أنه محاسب على أعماله، مُؤتَمَنٌ عليها؛ فهو محاسب على الأقوال، ومُؤتَمَن عليها. إذًا - أخي المسلم - فالكلمة أمانة، فإمَّا أن تؤدي كلمة صادقة نافعة مفيدة، فتكتسب بها أجرًا وثوابًا، وإما كلمة سيئة، وكلمة خبيثة، وكلمة تدعو إلى باطل، وتؤيد الشرَّ والفساد؛ فتلك كلمة تُحاسَب عليها. فاسمع إذًا فضل الكَلِم الطيِّب، قال صلي الله عليه وسلم: (كلمتان خفيفتان على اللسان، حبيبتان إلى الرحمن، ثقيلتان في الميزان؛ سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم) أخرجه البخاري أخي المسلم، كم تتكلّم في حياتك بكلمات؟ هذه الكلمات ستكون عليك في دنياك وآخرتك، وسيخفُّ بها ميزان أعمالك، فأنت محاسَب على الأقوال؛ كما أنت محاسب على الأعمال؛ بل الأقوال أشدّ، فكم من مُسيطِر على نفسه في أعمال جوارحه، لكنَّه أمام لفَظَات اللسان عاجز، يُطلِق للسانه العِنان ليقول ما يشاء؛ فتعظم الأوزار والآثام. لذلك كان حديثنا عن الكلمة في الإسلام وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية.. 1- الوقوف مع نعمة البيان. 2- قيمة الكلمة في الإسلام. 3- جهاد الكلمة 4- أمانة الكلمة في الإسلام. 5- خطورة الكلمة. 6- السبيل لحفظ اللسان. 7- الخاتمة. العنصر الأول: الوقوف مع نعمة البيان:- نقف أمام عضوٍ خلقه الله، فجعل خلقته دليلاً على وحدانيته.. عضوٌ صغيرٌ، ولكنه جليلٌ وخطيرٌ يقود إلى الروح والريحان وعظيم درجات الجنان.. عضوٌ صغير إذا لم يتق العبد فيه ربه هوى، وضل عن سبيل ربه وغوى، إنه اللسان الذي إذا نظرت إليه حارك صنعه، ووقفت أمام بديع صنع الله في خلقته، ولئن سمعت أصواته وأنصت إلى عباراته بهرتك تلك الأصوات وتلك العبارات. خلق الله اللسان لكل ناطقٍ من الحيوان، وجعل لكل حيوانٍ لغته، ولكل حيوانٍ منطقه، فعلم جل جلاله وتقدست أسماؤه كلمات النمل في ظلمات الليل وضياء النهار، وسمع أصواتها، وعلم لغاتها، وقضى حوائجها جل جلاله وتقدست أسماؤه. تقف أمام هذا العضو الصغير، فيستهويك ما فيه من دلائل عظمة الله وشواهد وحدانيته، فلئن أصبحت وسمعت أصوات الطيور، فقل: سبحان الله! ولكل حيوانٍ لغته، ولكل مخلوقٍ عبارته ولهجته، ومع هذا كله لا يختلف عليه صوت من صوت، ولا تشكل عليه عبارة من عبارة، فكلها وسعها سمع الله، وكلها في علم الله عز وجل! أيها الأحبة في الله: يقف الإنسان حائراً أمام هذا اللسان الذي أخبر الله تبارك وتعالى في كتابه المبين أنه دليلٌ على وحدانية الله رب العالمين، آية آية.. وما أكثرها! يقول جل جلاله في كتابه محركاً القلوب للتفكر والاعتبار بهذه الآية من آياته: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ ﴾ [الروم: 22]. وقال تعالى ﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴾ [البلد: 8 - 10]. ومن آياته التي دلت على وحدانيته وعظمته وألوهيته وربوبيته اختلاف ألسنتكم وألوانكم، خلق الإنسان، وجعل له هذا اللسان لكي يعبر عما في القلب من أشجانٍ وأحزانٍ، لكي يعبر عما في الجنان من أفراح وأتراح.. خلق هذا اللسان وخلق صاحبه على صفاتٍ لا يعلمها إلا هو جل جلاله. نثر الناس من بني آدم في مشارق الأرض ومغاربها، وجعل لكل قومٍ لسانهم، ولكل أمة لهجتهم، فوقف أمام تلك اللهجات وتلك اللغات علماء اللغات فحيرتهم، ووقفوا أمامها حيارى من عظيم صنع الله جل جلاله! حتى إن اللغة الواحدة كلغة العرب - مثلاً- كم فيها من لهجات.. قد تفرقت قبائلهم، فأصبحت لكل قبيلةٍ لهجتها، يشب عليها الصغير ويشيب عليها الكبير، فلا إله إلا الله العليم الخبير! هذا اللسان ما خلقه الله عبثاً. هذا اللسان أمره عظيمٌ عند الله الواحد الديان! إنه طريقٌ إلى روح وريحان، أو إلى دركات الجحيم والنيران. هذا اللسان الذي إذا استقام لله جل وعلا استقامت من بعده جوارح الإنسان. هذا اللسان الذي إذا حركه قلبٌ يخاف الله ويخشاه لم تسمع منه إلا طيباً. هذا اللسان الذي إذا أُطلق له العنان هوى صاحبه في دركات الجحيم والنيران. ولقد وصَّى الله جل وعلا عباده المؤمنين بأن يتقوه -سبحانه وتعالى- في هذا العضو، وأن ينظر الإنسان إلى نعمة الله جل وعلا يوم أنطقه، فيستحي من الله أن يسمع منه كلمةً لا ترضيه، ويستحي يوم ينظر إلى الأخرس الذي لا يستطيع أن يعبر عن أشجانه وأحزانه، بينما تفضل الله عليه وأكرمه فأنطق لسانه وأفصح بيانه، فيستحي الإنسان من الله جل وعلا يتقي الله في اللسان. ولذلك وصَّى الله عز وجل عباده المؤمنين أن يتقوه فيما تنطق به الألسنة فقال جل وعلا في كتابه المبين آمراً عباده المؤمنين، وواعداً لهم بعظيم ما يكون من الخير في الدنيا والآخرة إذا اتقوا الله في اللسان: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]. من اتقى الله في لسانه، فإن الله وعده أن يصلح حاله، وأن يحسن عاقبته ومآله، وأنه يفوز فوزاً عظيماً. العنصر الثاني: قيمة الكلمة:- الكلمة خفيفة على اللسان، سهلة النطق والجريان، ولكن لها قيمة في نظر العقلاء وفي نظر الشارع الحكيم. أما عند العقلاء: فيقول أكثم بن صيفي: «رب قول أشد من صول». ويقول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: «من كثر كلامه كثر سقطه» وحسبك به حاكماً ودليلاً - فإننا نجد في القرآن الكريم وفي السنة النبوية الشريفة نصوصاً كثيرة تُؤكّد على قيمة الكلمة وتُنوّه بشأنها وعظيم خطرها. ومن ذلك قول الله عز وجل: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18]. وقال تعالي: ﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ﴾ [النور: 24، 25]. والكلمة في الإسلام ليست حركات يؤديها المرء دون شعور يتبعها بل إن الانضباط في الكلمة سمة من سمات المؤمنين الصادقين، وصدق الله تعالى إذ يقول: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴾ [المؤمنون: 1 - 3]. ويظهر لنا قيمة الكلمة من خلال هذه النقاط:- 1- أن الكلمة وسيلة البيان. 2- إنها وسيلة للإثبات والاعتراف: فحينما يريد الإنسان أن يثبت شيئاً مادياً أو معنوياً فهو بحاجة إلى الكلمة. 3- أنها وسيلة للنفي والإنكار: • فإذا نُسب إلى الإنسان شيء ولم يعترف به، فوسيلته للنفي الحقيقي هي الكلمة. • وإذا أراد تغيير المنكر وإزالته، فوسيلته القريبة والميسرة هي الكلمة أو القول. قال الله عز وجل: ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [المائدة: 78، 79]. وعن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان ). رواه مسلم. 4- الكلمة هي البريد إلى القلب والعقل، وسبيل الوصول إلى الإقناع والتفاهم. فالكلام أسيرك.. فإذا خرج من فيك صرت أنت اسيره.. وإذا أردت أن تستدل على مافي القلب فاستدل عليه بحركة اللسان فانه يطلعك على مافي القلب شاء صاحبه أم آبى.. قال يحي بن معاذ: " القلوب كالقدور تغلي بما فيها وألسنتها مغارفها فانظر إلى الرجل حين يتكلم فان لسانه يغترف لك مما في قلبه حلو وحامض وعذب وأجاج وغير ذلك ويبين لك طعم قلبه اغتراف لسانه "... 5- الكلمة السبيل لإعلاء كلمة الحق وهي السبيل لرد الباطل. 6- الكلمة السبيل لكسب القلوب. 7- الكلمة هي السبيل للدفاع عن النفس. العنصر الثالث: جهاد الكلمة:- إن الحرب الآن حربٌ كلامية؛ مقروءة، ومسموعة، ومرئية، ومرسومة، فواجب على أهل الحق بعدما تحرك أهل الباطل لباطلهم أن يتحركوا جميعاً لدين الله جل وعلا، إن الكلمة الصادقة هي السيف الذي يُجاهد به المسلم، فبها تقوم الحجة، وبها يرتّد الباطل على أدباره منهزماً، وبها تنجذب القلوب، وبها يرضى العاقل. ومتى أحيطت الكلمة بسياج العقل والشرع فإنها تفعل فعل السحر، كما قال عليه الصلاة والسلام: «إن من البيان لسحراً»[رواه البخاري في صحيحه]. ولكي تؤتي الكلمة ثمرتها لابد أن تكون سامية وصادقة تخرج من القلب، وتوضع من مكانها المناسب كما أن الطبيب يضع الدواء حيث يجد الداء، وأن تكون رقيقة قال الله عز وجل لنبيه موسى وأخيه هارون عليهما السلام حينما أرسلهما إلى فرعون: ﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ [طه: 43، 44] وامتن الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم باللين، فجعله خلقاً فيه، قال سبحانه: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [آل عمران: 159]. فإذا كانت الكلمة لينة رقيقة ورافقها لين في التعامل، فإنها تلامس الوجدان وتهزّ المشاعر، وتنفذ إلى القلب والعقل. ومن ذلك قصة الأعرابي الذي بال في المسجد فانتهره الناس فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - دعوه، ثم دعا بذنوب من ماء وأهريق على بوله، ثم دعا الأعرابي فعلمه برفق، قال الأعرابي بعد أن فقه: فقام إليّ بأبي وأمي فلم يُؤنّب ولم يسبّ فقال: «إنَّ هذا المسجد لا يُبال فيه وإنما بني لذكر الله وللصلاة». فلا حجْر على سعة رحمة الله، فكم من بلد فُتحت بالقرآن، وما فُتحت المدينة المنورة ودول جنوب شرق آسيا، وكثير من دول إفريقيا.. إلاَّ بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة، وقد أسلم معظم أهل المدينة على يد مصعب بن عمير المقرئ رضي الله عنه، ثم كانت بيعة العقبة المباركة، وتبعها هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام للمدينة التي فتحت قلبها قبل أبوابها لدين الله. وقد كان النبي صلي الله عليه وسلم يربي الرجال الذين أسلموا تربية خاصة في دار الأرقم بن أبي الأرقم، فكانت حياته صلى الله عليه وسلم في نشر دعوة التوحيد وتربية الناس على معاني الإيمان في مكة من أعلى صور الجهاد في سبيل الله، ونزل بشأنها: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69]. ولم يكن يومئذ جهاد بالسيف، وقد قام الأفاضل بهذا الجهاد خير قيام وصدعوا بكلمة الحق غير هيابين لما أصابهم في سبيل الله. فبعد ما أسلم أبو ذر رضي الله عنه قام يُعلن إسلامه وينطق بالشهادتين، فانهال المشركون عليه ضربًا. وكذلك قام ابن مسعود رضي الله عنه يتلو على المشركين آيات من كتاب الله، فكادوا يقتلونه، ولما تخوف عليه أصحابه، قال: لو شئتم لعاجلتهم بها من الغد. وكان بلال رضي الله عنه يردد: «أحد أحد» وهم يخرجون به في رمضاء مكة ويضعون عليه كتل الصخر في حر الظهيرة. وقُتلت سُميّة وزوجها ياسر وابنها عمار لنطقهم بهذه الكلمة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء. وكان خباب بن الأرت من أوائل من أسلم، وكانت سيدته أم تميم تسخن كتل الحديد حتى تحمر، ثم تضعها على رأسه حتّى يتلوى من الألم رجاء أن يكفر، ولما ذهب يومًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو لنا؟ والنبي متوسد بردة في ظل الكعبة، فغضب النبيّ صلى الله عليه وسلم وقال: «كان من منكم من قبل، كان يؤتى بالرجل ويُحفر له في الأرض، ويُؤتى بالمنشار، فيوضع فوق رأسه ما يصرفه ذلك عن دينه أبدًا، وكان يمشط بأمشاط الحديد ما بين لحمه وعظمه ما يصرفه ذلك عن دينه أبدًا، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت لا يخاف إلاّ الله والذئب على غنمه». كل هذا وغيره يدل دلالة قاطعة على أنّ جهاد الكلمة قد يكلف الكثير من التضحيات. ومن صور الجهاد بالكلمة:ـ • جهاد غلام أصحاب الأخدود مع الطاغية الظالم واستدراجه لأن يقول: بسم الله رب الغلام، ووقوع السهم في صدغ الغلام ونطق الناس جميعًا: «آمنّا بالله رب الغلام» ﴿ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾ [البروج: 8]. • جهاد مؤمن آل فرعون: ﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ * يَاقَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴾ [غافر: 28، 29]، ومحاولتهم قتله ﴿ فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ ﴾ [غافر: 45]. • جهاد مؤمن آل يس ودعوته لقومه:ــ وهي من أروع صور جهاد الكلمة عندما قال لقومه: ﴿ وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ * وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ * إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ * قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ﴾ [يس: 20 - 27]، أخذوه فقتلوه، فنصحهم ميتًا كما نصحهم حيًا. ومازال العلماء والدعاة إلى الله يُقتَلون ويُعَذَّبون ويُسجنون ويُشردون لنفس التهمة، وهي تهمة تعبيد الدنيا بدين الله، إنها نفس تهمة الأنبياء والمرسلين، حين قالوا لقومهم: ﴿ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ [المؤمنون: 23]، فقامت الدنيا ولم تقعد، واستمر دعاة الحق في ممارسة جهاد الكملة غير وجلين ولا مبالين بما يصيبهم من أذى في سبيل هذه المهمة العظيمة، ولسان حالهم ينطق تهمة لا ننفيها وشرف لا ندّعيه، فالمهم أن يرضى عنهم ربهم، وأن يدخلهم سبحانه برحمته في عباده الصالحين، قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ * وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ﴾ [إبراهيم: 13 - 15]. والكلمة في موطنها ومكانها قد تكون أوقع وأمضى من ضربات السيوف، ففي الحديث «سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى إمام فأمره ونهاهُ في ذات الله فقتله» رواه الحاكم - وصححه. وقال صلي الله عليه وسلم «ما من نبيّ بعثه الله إلاَّ كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته، ويقتدون بهديه، ثم إنه يتخلف من بعدهم خلوف، يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يُؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك حبة خردل من إيمان» رواه مسلم. وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم) رواه أحمد والنسائي. فسمى النّبيُّ صلى الله عليه وسلم الدعوة وبيان الحق جهادًا. عباد الله:- لقد عزّت وندرت الكلمات الطيبة التي تبنى، وكثرت الكلمات القبيحة والخبيثة التي تهدم، كلمات من سخط الله تراها في الإعلام والتعليم، في الثقافة والفن.. هي أشبه بالطوفان الذي يدمر البلاد والعباد، فلا أقل من غِيرَةٍ إذا انتهكت محارم الله، وشفقة ورحمة من قبل أن يأتي يوم لا مردَّ له من الله، لابد من جهاد كبير في إبلاغ الحق للخلق لِيَهْلَكَ من هَلَكَ عن بينة ويَحْيَى من حيَّي عن بيّنة، لا تبخل بكلمة تبصر بها بتوحيد الله جل وعلا ومتابعة النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، كلمة تزكو بها النفوس عساها يُنادى بها على أبواب الجنة وتقول الملائكة لأصحابها ﴿ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ﴾ [الزمر: 73]. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |