|
|||||||
| ملتقى القصة والعبرة قصص واقعية هادفة ومؤثرة |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
|||
|
|||
|
قرّر أن يهاجر حاملاً معه كلّ ما يملك .. أحضر جمله ووضع على ظهره كلّ ما استطاع أن يجمعه من المتاع . وقبل أن يهمّ بالمسير ، تذكّر تلك القشّة المعدنية التي أهداها له أبوه قبل موته ، دخل البيت وبحث عنها إلى ان وجدها وسط بعض الأغراض التي كان قد أهملها . أخرجها من كيس صغير ، وأمسكها بأصبعيه ناظرا إليها ، إنّها قشّة صغيرة لكنّ لها في القلب مكان كبير . عاد أدراجه ثمّ وضع القشّة بين المتاع الكبير الجاثم فوق ظهر الجمل ؛ لكنّ المفاجأة أنّ الجمل لم يتحمّل أيّ شيء إضافي ؛ فانهار من ثقل الحمل الكبير . نظر الرجل مصدوما إلى الجمل ، وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة ، ثم قال مندهشا : " كيف لقشّة صغيرة أن تفعل هذا بجمل قوي مثله ؟! " لم يدرك هذا الرجل أنّ معاناة جمله قد بلغت الذرى ، وأنّه لم يكن بحاجة إلى أي ثقل اضافي حتى وإن كان بحجم قشة صغيرة تافهة . لم يدرك أنّ ما قصم الظهر هو الغباء والتحامل ، والنظر للأمور بعين تفتقر إلى الفطنة والحكمة ؛ فكان ما كان من خسارة فادحة ألمّت به وأخذت منه الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن تساعده في سفره وترحاله . . . وكثير منّا – مع الأسف – يقع في مثل هذا المأزق يتعامل ببلادة شديدة ، وعدم وعي واهتمام ، ويخيّل إليه وهمه أنّ الأمور تسير وفق ما يشتهي ، إلى أن يجد نفسه قد خسر كل شيء في لحظة . زوج وهبه الله زوجة رائعة طيبة ، ذات أصل ونسب فلا يشكر نعمة الله ، ويتعامل معها بقسوة واستخفاف ؛ إلى أن تأتي اللحظة الحاسمة ، ويضع قشة صغيرة على كومة مشكلاته فتنهار حياته بأكملها . صديق جاد عليه الزمان برفيق مخلص وفيّ ؛ لكنه لم يعِ فضل الله عليه ، ولم يحفظ حق الصداقة ، أو يرعَ حق الزمالة ؛ إلى أن جاءت نقطة صغيرة فاض بها كأس الألم والمعاناة وكانت القشة التي قصمت ظهر الأخوة . هذه القشة التي يمكن أن تكون كلمة عابرة ، أو موقفاً تافهاً ، أو سلوكاً غير مسؤول . ويبدأ الاستنكار ، والدهشة ، والرفض .. كيف لكلمة عابرة أن تحطم صداقتنا ؟!!! كيف لعبارة في وسط الكلام أن تنهي حياتنا الزوجية ؟!! إنها كلمة عابرة ! إنها قشة صغيرة تافهة !! نعم قشة ؛ لكنها قاصمة ؛ لأنها فوق ظهر قد أحنته كثرة المشكلات والهموم ، وأثقلته أيام ، وربما سنوات من التحمل والصبر والمعاناة . يقولون لكل شخص طاقة على التحمل .. لا يوجد خارقون في الحياة ، كلنا بشر ، ربما تتفاوت قدرتنا على التحمل ؛ لكن الثابت أن هناك لحظة ما ، ينتهي فيها كل شيء .. كلُّ شيء .. ولعل من اقترب من علاقة محطمة – سواء زوجية أو إنسانية بشكل عام – سيسمع عبارات من نوعية " لم أعد أحتمل " ، " ليس لديّ ما أقدمه " ، " لقد استنفدت معه كل السبل .. ولو حولت نظركَ إلى الطرف الآخر ستصدمك تلك النظرة البلهاء ، وسترى في عينيه نفس السؤال الساذج " كيف لموقف تافه أن يفعل ذلك ؟!! إننا يا أصدقائي قادرون على تجنب هذا الموقف ، إذا ما تعاملنا بذكاء وفطنة مع الحياة ،إذا ما أعطينا علاقتنا الإنسانية ما تستحق من الاهتمام والحرص والحذر ، إذا لم نستخفّ بصغائر تتراكم فوق ظهر علاقتنا دون انتباه حتى تثقله . أن ننتبه قبل أن نقول .. ونفكر قبل أن نفعل .. ونعتذر إذا ما بدر منا ما يستحق الاعتذار .. ونعلم أنفسنا ألا نستخفّ بالتوافه والصغائر ؛ فربما كانت – على صغرها- قاصمة للظهر .
__________________
|
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |