الْمَعَاصِي تُنْسِي اللَّهَ - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         محرمات استهان بها الناس كتاب الكتروني رائع (اخر مشاركة : Adel Mohamed - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          الهوية الإمبريالية للحرب الصليبية في الشرق الأوسط (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          «ابن الجنرال» ونهاية الحُلم الصهيوني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          التغيير في العلاقات الأمريكية الروسية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          هل اقتربت نهاية المشروع الإيراني؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          الشيخ عثمان دي فودي: رائد حركات الإصلاح الديني في إفريقيا الغربية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          دور العلماء الرّواة والكُتّاب في نشأة البلاغة العربية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          مرصد الأحداث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          وقفات مع قول الله تعالى: ﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          أصحّ ما في الباب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 12-01-2010, 07:46 PM
الصورة الرمزية نهر الكوثر
نهر الكوثر نهر الكوثر غير متصل
مشرفةواحة الزهرات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2008
مكان الإقامة: عابرة سبيل بلا عنوان
الجنس :
المشاركات: 7,794
047 الْمَعَاصِي تُنْسِي اللَّهَ






الحمد لله رب العالمين ، الواحد الأحد ، الفرد ، الصمد ، لا اله غيره غافر الذنب وقابل التوب ، هو الأول بلا ابتداء ، والأخر بلا انتهاء ،


والصلاة والسلام على سيد ولد أدم محمد


أيها الغارقون في الذنوب وبحور والمعاصي أما أنا الأوان للوقوف مع النفس والعقل لحظة تأمل






يا أيها المذنبون كفا كم ذنوب الذُّنُوبُ تُطْفِئُ الْغَيْرَةَ


وَمِنْ عُقُوبَاتِ الذُّنُوبِ : أَنَّهَا تُطْفِئُ مِنَ الْقَلْبِ نَارَ الْغَيْرَةِ الَّتِي هِيَ لِحَيَاتِهِ وَصَلَاحِهِ كَالْحَرَارَةِ الْغَرِيزِيَّةِ لِحَيَاةِ جَمِيعِ الْبَدَنِ ، فَالْغَيْرَةُ حَرَارَتُهُ وَنَارُهُ الَّتِي تُخْرِجُ مَا فِيهِ مِنَ الْخُبْثِ وَالصِّفَاتِ الْمَذْمُومَةِ ، كَمَا يُخْرِجُ الْكِيرُ خُبْثَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحَدِيدِ ، وَأَشْرَفُ النَّاسِ وَأَعْلَاهُمْ هِمَّةً أَشَدُّهُمْ غَيْرَةً عَلَى نَفْسِهِ وَخَاصَّتِهِ وَعُمُومِ النَّاسِ ،





وَلِهَذَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَغْيَرَ الْخَلْقِ عَلَى الْأُمَّةِ ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَشَدُّ غَيْرَةً مِنْهُ ،





*** كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ ؟ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي .





*** وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي خُطْبَةِ الْكُسُوفِ : يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ مَا أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ .






*** وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : لَا أَحَدَ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ، وَلَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ اللَّهِ ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَرْسَلَ الرُّسُلَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ، وَلَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللَّهِ ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ . فَجَمَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيْنَ الْغَيْرَةِ الَّتِي أَصْلُهَا كَرَاهَةُ الْقَبَائِحِ وَبُغْضُهَا ، وَبَيْنَ مَحَبَّةِ الْعُذْرِ الَّذِي يُوجِبُ كَمَالَ الْعَدْلِ وَالرَّحْمَةِ وَالْإِحْسَانِ ،




*** وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ - مَعَ شِدَّةِ غَيْرَتِهِ - يُحِبُّ أَنْ يَعْتَذِرَ إِلَيْهِ عَبْدُهُ ، وَيَقْبَلُ عُذْرَ مَنِ اعْتَذَرَ إِلَيْهِ ، وَأَنَّهُ لَا يُؤَاخِذُ عَبِيدَهُ بِارْتِكَابِ مَا يَغَارُ مِنَ ارْتِكَابِهِ حَتَّى يَعْذُرَ إِلَيْهِمْ ، وَلِأَجْلِ ذَلِكَ أَرْسَلَ رُسُلَهُ وَأَنْزَلَ كُتُبَهُ إِعْذَارًا وَإِنْذَارًا ، وَهَذَا غَايَةُ الْمَجْدِ وَالْإِحْسَانِ ، وَنِهَايَةُ الْكَمَالِ .






*** فَإِنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ تَشْتَدُّ غَيْرَتُهُ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ تَحْمِلُهُ شِدَّةُ الْغَيْرَةِ عَلَى سُرْعَةِ الْإِيقَاعِ وَالْعُقُوبَةِ مِنْ غَيْرِ إِعْذَارٍ مِنْهُ ، وَمِنْ غَيْرِ قَبُولٍ لِعُذْرِ مَنِ اعْتَذَرَ إِلَيْهِ ، بَلْ يَكُونُ لَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عُذْرٌ وَلَا تَدَعُهُ شِدَّةُ الْغَيْرَةِ أَنْ يَقْبَلَ عُذْرَهُ ، وَكَثِيرٌ مِمَّنْ يَقْبَلُ الْمَعَاذِيرَ يَحْمِلُهُ عَلَى قَبُولِهَا قِلَّةُ الْغَيْرَةِ حَتَّى يَتَوَسَّعَ فِي طُرُقِ الْمَعَاذِيرِ ، وَيَرَى عُذْرًا مَا لَيْسَ بِعُذْرٍ ، حَتَّى يَعْتَذِرَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ بِالْقَدَرِ ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا غَيْرُ مَمْدُوحٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ .





*** وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : إِنَّ مِنَ الْغَيْرَةِ مَا يُحِبُّهَا اللَّهُ ، وَمِنْهَا مَا يَبْغَضُهَا اللَّهُ ، فَالَّتِي يَبْغَضُهَا اللَّهُ الْغَيْرَةُ مِنْ غَيْرِ رِيبَةٍ وَذَكَرَ الْحَدِيثِ .




*** وَإِنَّمَا الْمَمْدُوحُ اقْتِرَانُ الْغَيْرَةِ بِالْعُذْرِ ، فَيَغَارُ فِي مَحِلِّ الْغَيْرَةِ ، وَيَعْذُرُ فِي مَوْضِعِ الْعُذْرِ ، وَمَنْ كَانَ هَكَذَا فَهُوَالْمَمْدُوحُ حَقًّا .





*** وَلَمَّا جَمَعَ سُبْحَانَهُ صِفَاتِ الْكَمَالِ كُلَّهَا كَانَ أَحَقَّ بِالْمَدْحِ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ ، وَلَا يَبْلُغُ أَحَدٌ أَنْ يَمْدَحَهُ كَمَا يَنْبَغِي لَهُ ، بَلْ هُوَ كَمَا مَدَحَ نَفْسَهُ وَأَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ ،





*** فَالْغَيُورُ قَدْ وَافَقَ رَبَّهُ سُبْحَانَهُ فِي صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ ، وَمَنْ وَافَقَ اللَّهَ فِي صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ قَادَتْهُ تِلْكَ الصِّفَةُ إِلَيْهِ بِزِمَامِهِ ، وَأَدْخَلَتْهُ عَلَى رَبِّهِ ، وَأَدْنَتْهُ مِنْهُ ، وَقَرَّبَتْهُ مِنْ رَحْمَتِهِ ، وَصَيَّرَتْهُ مَحْبُوبًا ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ رَحِيمٌ يُحِبُّ الرُّحَمَاءَ ، كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكُرَمَاءَ ، عَلِيمٌ يُحِبُّ الْعُلَمَاءَ ، قَوِيٌّ يُحِبُّ الْمُؤْمِنَ الْقَوِيَّ ، وَهُوَ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ، حَتَّى يُحِبَّ أَهْلَ الْحَيَاءِ ، جَمِيلٌ يُحِبُّ أَهْلَ الْجَمَالِ ، وَتْرٌ يُحِبُّ أَهْلَ الْوَتْرِ .





*** وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي إِلَّا أَنَّهَا تُوجِبُ لِصَاحِبِهَا ضِدَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ وَتَمْنَعُهُ مِنَ الِاتِّصَافِ بِهَا لَكَفَى بِهَا عُقُوبَةً ، فَإِنَّ الْخَطْرَةَ تَنْقَلِبُ وَسْوَسَةً ، وَالْوَسْوَسَةُ تَصِيرُ إِرَادَةً ، وَالْإِرَادَةُ تَقْوَى فَتَصِيرُ عَزِيمَةً ، ثُمَّ تَصِيرُ فِعْلًا ، ثُمَّ تَصِيرُ صِفَةً لَازِمَةً وَهَيْئَةً ثَابِتَةً رَاسِخَةً ، وَحِينَئِذٍ يَتَعَذَّرُ الْخُرُوجُ مِنْهُمَا كَمَا يَتَعَذَّرُ الْخُرُوجُ مِنْ صِفَاتِهِ الْقَائِمَةِ بِهِ .





*** وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ كُلَّمَا اشْتَدَّتْ مُلَابَسَتُهُ لِلذُّنُوبِ أَخْرَجَتْ مِنْ قَلْبِهِ الْغَيْرَةَ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَعُمُومِ النَّاسِ ، وَقَدْتَضْعُفُ فِي الْقَلْبِ جِدًّا حَتَّى لَا يَسْتَقْبِحَ بَعْدَ ذَلِكَ الْقَبِيحَ لَا مِنْ نَفْسِهِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ ، وَإِذَا وَصَلَ إِلَى هَذَا الْحَدِّ فَقَدْدَخَلَ فِي بَابِ الْهَلَاكِ .





** وَكَثِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى عَدَمِ الِاسْتِقْبَاحِ ، بَلْ يُحَسِّنُ الْفَوَاحِشَ وَالظُّلْمَ لِغَيْرِهِ ، وَيُزَيِّنُهُ لَهُ ، وَيَدْعُوهُ إِلَيْهِ ، وَيَحُثُّهُ عَلَيْهِ ، وَيَسْعَى لَهُ فِي تَحْصِيلِهِ ، وَلِهَذَا كَانَ الدَّيُّوثُ أَخْبَثَ خَلْقِ اللَّهِ ، وَالْجَنَّةُ حَرَامٌ عَلَيْهِ ، وَكَذَلِكَ مُحَلِّلُ الظُّلْمِ وَالْبَغْيِ لِغَيْرِهِ وَمُزَيِّنُهُ لَهُ ، فَانْظُرْ مَا الَّذِي حَمَلَتْ عَلَيْهِ قِلَّةُ الْغَيْرَةِ .





*** وَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ أَصْلَ الدِّينِ الْغَيْرَةُ ، وَمَنْ لَا غَيْرَةَ لَهُ لَا دِينَ لَهُ ، فَالْغَيْرَةُ تَحْمِي الْقَلْبَ فَتَحْمِي لَهُ الْجَوَارِحَ، فَتَدْفَعُ السُّوءَ وَالْفَوَاحِشَ ، وَعَدَمُ الْغَيْرَةِ تُمِيتُ الْقَلْبَ ، فَتَمُوتُ لَهُ الْجَوَارِحُ ؛ فَلَا يَبْقَى عِنْدَهَا دَفْعٌ الْبَتَّةَ .




*** وَمَثَلُ الْغَيْرَةِ فِي الْقَلْبِ مَثَلُ الْقُوَّةِ الَّتِي تَدْفَعُ الْمَرَضَ وَتُقَاوِمُهُ ، فَإِذَا ذَهَبَتِ الْقُوَّةُ وَجَدَ الدَّاءُ الْمَحِلَّ قَابِلًا ، وَلَمْ يَجِدْ دَافِعًا ، فَتَمَكَّنَ ، فَكَانَ الْهَلَاكُ ، وَمِثْلُهَا مِثْلُ صَيَاصِيِّ الْجَامُوسِ الَّتِي تَدْفَعُ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ ، فَإِذَا تَكَسَّرَتْ طَمِعَ فِيهَا عَدُوُّهُ




. الْمَعَاصِي تُذْهِبُ الْحَيَاءَ


وَمِنْ عُقُوبَاتِهَا : ذَهَابُ الْحَيَاءِ الَّذِي هُوَ مَادَّةُ حَيَاةِ الْقَلْبِ ، وَهُوَ أَصْلُ كُلِّ خَيْرٍ ، وَذَهَابُهُ ذَهَابُ الْخَيْرِ أَجْمَعِهِ .



وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ .
وَقَالَ : إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسَ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى : إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ وَفِيهِ تَفْسِيرَانِ :



أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ عَلَى التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ ، وَالْمَعْنَى مَنْ لَمْ يَسْتَحِ فَإِنَّهُ يَصْنَعُ مَا شَاءَ مِنَ الْقَبَائِحِ ، إِذِ الْحَامِلُ عَلَى تَرْكِهَا الْحَيَاءُ ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ حَيَاءٌ يَرْدَعُهُ عَنِ الْقَبَائِحِ ، فَإِنَّهُ يُوَاقِعُهَا ، وَهَذَا تَفْسِيرُ أَبِي عُبَيْدَةَ .


وَالثَّانِي : أَنَّ الْفِعْلَ إِذَا لَمْ تَسْتَحِ مِنْهُ مِنَ اللَّهِ فَافْعَلْهُ ، وَإِنَّمَا الَّذِي يَنْبَغِي تَرْكُهُ هُوَ مَا يُسْتَحَى مِنْهُ مِنَ اللَّهِ ، وَهَذَا تَفْسِيرُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ هَانِئٍ .


فَعَلَى الْأَوَّلِ : يَكُونُ تَهْدِيدًا ، كَقَوْلِهِ : اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ [ سُورَةُ فُصِّلَتْ : 40 ] .


وَعَلَى الثَّانِي : يَكُونُ إِذْنًا وَإِبَاحَةً .
فَإِنْ قِيلَ : فَهَلْ مِنْ سَبِيلٍ إِلَى حَمْلِهِ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ ؟ [قُلْتُ : لَا ، وَلَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَحْمِلُ الْمُشْتَرَكَ عَلَى جَمِيعِ مَعَانِيهِ ، لِمَا بَيْنَ الْإِبَاحَةِ وَالتَّهْدِيدِ مِنَ الْمُنَافَاةِ ، وَلَكِنَّ اعْتِبَارَ أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ يُوجِبُ اعْتِبَارَ الْآخَرِ .
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الذُّنُوبَ تُضْعِفُ الْحَيَاءَ مِنَ الْعَبْدِ ، حَتَّى رُبَّمَا انْسَلَخَ مِنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ ، حَتَّى إِنَّهُ رُبَّمَا لَا يَتَأَثَّرُ بِعِلْمِ النَّاسِ بِسُوءِ حَالِهِ وَلَا بِاطِّلَاعِهِمْ عَلَيْهِ ، بَلْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ يُخْبِرُ عَنْ حَالِهِ وَقُبْحِ مَا يَفْعَلُ ، وَالْحَامِلُ لَهُ عَلَى ذَلِكَ انْسِلَاخُهُ مِنَ الْحَيَاءِ ، وَإِذَا وَصَلَ الْعَبْدُ إِلَى هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يَبْقَ فِي صَلَاحِهِ مَطْمَعٌ
وَإِذَا رَأَى إِبْلِيسُ طَلْعَةَ وَجْهِهِ حَيَّا وَقَالَ : فَدَيْتُ مَنْ لَا يُفْلِحُ


وَالْحَيَاءُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْحَيَاةِ ، وَالْغَيْثُ يُسَمَّى حَيَا - بِالْقَصْرِ - لِأَنَّ بِهِ حَيَاةُ الْأَرْضِ وَالنَّبَاتِ وَالدَّوَابِّ ، وَكَذَلِكَ سُمِّيَتْ بِالْحَيَاءِ حَيَاةُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، فَمَنْ لَا حَيَاءَ فِيهِ فَهُوَ مَيِّتٌ فِي الدُّنْيَا شَقِيٌّ فِي الْآخِرَةِ ، وَبَيْنَ الذُّنُوبِ وَبَيْنَ قِلَّةِ الْحَيَاءِ وَعَدَمِ الْغَيْرَةِ تَلَازُمٌ مِنَ الطَّرَفَيْنِ ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَسْتَدْعِي الْآخَرَ وَيَطْلُبُهُ حَثِيثًا ، وَمَنِ اسْتَحَى مِنَ اللَّهِ عِنْدَ مَعْصِيَتِهِ ، اسْتَحَى اللَّهُ مِنْ عُقُوبَتِهِ يَوْمَ يَلْقَاهُ ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَحِ مِنْ مَعْصِيَتِهِ لَمْ يَسْتَحِ اللَّهُ مِنْ عُقُوبَتِهِ .




الْمَعَاصِي تُضْعِفُ فِي الْقَلْبِ تَعْظِيمَ الرَّبِّ


وَمِنْ عُقُوبَاتِ الذُّنُوبِ : أَنَّهَا تُضْعِفُ فِي الْقَلْبِ تَعْظِيمَ الرَّبِّ جَلَّ جَلَالُهُ ، وَتُضْعِفُ وَقَارَهُ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ وَلَا بُدَّ ، شَاءَ أَمْ أَبَى ، وَلَوْ تَمَكَّنَ وَقَارُ اللَّهِ وَعَظَمَتُهُ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ لَمَا تَجَرَّأَ عَلَى مَعَاصِيهِ ، وَرُبَّمَا اغْتَرَّ الْمُغْتَرُّ ، وَقَالَ : إِنَّمَا يَحْمِلُنِي عَلَى الْمَعَاصِي حُسْنُ الرَّجَاءِ ، وَطَمَعِي فِي عَفْوِهِ ، لَا ضَعْفُ عَظْمَتِهِ فِي قَلْبِي ، وَهَذَا مِنْ مُغَالَطَةِ النَّفْسِ ؛ فَإِنَّ عَظَمَةَ اللَّهِ تَعَالَى وَجَلَالَهُ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ تَقْتَضِي تَعْظِيمَ حُرُمَاتِهِ ، وَتَعْظِيمُ حُرُمَاتِهِ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الذُّنُوبِ ، وَالْمُتَجَرِّئُونَ عَلَى مَعَاصِيهِ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ، وَكَيْفَيَقْدِرُهُ حَقَّ قَدْرِهِ ، أَوْ يُعَظِّمُهُ وَيُكَبِّرُهُ ، وَيَرْجُو وَقَارَهُ وَيُجِلُّهُ ، مَنْ يَهُونُ عَلَيْهِ أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ ؟ هَذَا مِنْ أَمْحَلِ الْمُحَالِ ، وَأَبَيْنِ الْبَاطِلِ ، وَكَفَى بِالْعَاصِي عُقُوبَةً أَنْ يَضْمَحِلَّ مِنْ قَلْبِهِ تَعْظِيمُ اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ ، وَتَعْظِيمُ حُرُمَاتِهِ ، وَيَهُونُ عَلَيْهِ حَقُّهُ .


وَمِنْ بَعْضِ عُقُوبَةِ هَذَا : أَنْ يَرْفَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَهَابَتَهُ مِنْ قُلُوبِ الْخَلْقِ ، وَيَهُونُ عَلَيْهِمْ ، وَيَسْتَخِفُّونَ بِهِ ، كَمَا هَانَ عَلَيْهِ أَمْرُهُ وَاسْتَخَفَّ بِهِ ، فَعَلَى قَدْرِ مَحَبَّةِ الْعَبْدِ لِلَّهِ يُحِبُّهُ النَّاسُ ، وَعَلَى قَدْرِ خَوْفِهِ مِنَ اللَّهِ يَخَافُهُ الْخَلْقُ ، وَعَلَى قَدْرِ تَعْظِيمِهِ لِلَّهِ وَحُرُمَاتِهِ يُعَظِّمُهُ النَّاسُ ، وَكَيْفَ يَنْتَهِكُ عَبْدٌ حُرُمَاتِ اللَّهِ ، وَيَطْمَعُ أَنْ لَا يَنْتَهِكَ النَّاسُ حُرُمَاتِهِ أَمْ كَيْفَ يَهُونُ عَلَيْهِ حَقُّ اللَّهِ وَلَا يُهَوِّنُهُ اللَّهُ عَلَى النَّاسِ ؟ أَمْ كَيْفَ يَسْتَخِفُّ بِمَعَاصِي اللَّهِ وَلَا يَسْتَخِفُّ بِهِ الْخَلْقُ ؟


وَقَدْ أَشَارَ سُبْحَانَهُ إِلَى هَذَا فِي كِتَابِهِ عِنْدَ ذِكْرِ عُقُوبَاتِ الذُّنُوبِ ، وَأَنَّهُ أَرْكَسَ أَرْبَابَهَا بِمَا كَسَبُوا ، وَغَطَّى عَلَى قُلُوبِهِمْ ، وَطَبَعَ عَلَيْهَا بِذُنُوبِهِمْ ، وَأَنَّهُ نَسِيَهُمْ كَمَا نَسُوهُ ، وَأَهَانَهُمْ كَمَا أَهَانُوا دِينَهُ ، وَضَيَّعَهُمْ كَمَا ضَيَّعُوا أَمْرَهُ ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى فِي آيَةِ سُجُودِ الْمَخْلُوقَاتِ لَهُ : وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ [ سُورَةُ الْحَجِّ : 18 ] فَإِنَّهُمْ لَمَّا هَانَ عَلَيْهِمُ السُّجُودُ لَهُ وَاسْتَخَفُّوا بِهِ وَلَمْ يَفْعَلُوهُ أَهَانَهُمُ اللَّهُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ مُكْرِمٍ بَعْدَ أَنْ أَهَانَهُمُ اللَّهُ ، وَمَنْ ذَا يُكْرِمْ مَنْ أَهَانَهُ اللَّهُ ؟ أَوْ يُهِنْ مَنْ أَكْرَمَهُ اللَّهُ ؟






الْمَعَاصِي تُنْسِي اللَّهَ


*** وَمِنْ عُقُوبَاتِهَا : أَنَّهَا تَسْتَدْعِي نِسْيَانَ اللَّهِ لِعَبْدِهِ ، وَتَرْكَهُ وَتَخْلِيَتَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ وَشَيْطَانِهِ ، وَهُنَالِكَ الْهَلَاكُ الَّذِي لَا يُرْجَى مَعَهُ نَجَاةٌ ، قَالَ اللَّهُ : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ


[ سُورَةُ الْحَشْرِ : 18 - 19 ] .





*** فَأَمَرَ بِتَقْوَاهُ وَنَهَى أَنْ يَتَشَبَّهَ عِبَادُهُ الْمُؤْمِنُونَ بِمَنْ نَسِيَهُ بِتَرْكِ تَقْوَاهُ ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ عَاقَبَ مَنْ تَرَكَ التَّقْوَى بِأَنْ أَنْسَاهُ نَفْسَهُ ، أَيْ أَنْسَاهُ مَصَالِحَهَا ، وَمَا يُنْجِيهَا مِنْ عَذَابِهِ ، وَمَا يُوجِبُ لَهُ الْحَيَاةَ الْأَبَدِيَّةَ ، وَكَمَالَ لَذَّتِهَا وَسُرُورِهَا وَنَعِيمِهَا ، فَأَنْسَاهُ اللَّهُ ذَلِكَ كُلَّهُ جَزَاءً لِمَا نَسِيَهُ مِنْ عَظَمَتِهِ وَخَوْفِهِ ، وَالْقِيَامِ بِأَمْرِهِ ، فَتَرَى الْعَاصِيَ مُهْمِلًا لِمَصَالِحِ نَفْسِهِ مُضَيِّعًا لَهَا ، قَدْ أَغْفَلَ اللَّهُ قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِهِ ، وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ، قَدِ انْفَرَطَتْ عَلَيْهِ مَصَالِحُ دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ ، وَقَدْ فَرَّطَ فِي سَعَادَتِهِ الْأَبَدِيَّةِ ، وَاسْتَبْدَلَ بِهَا أَدْنَى مَا يَكُونُ مِنْ لَذَّةٍ ، إِنَّمَا هِيَ سَحَابَةُ صَيْفٍ ، أَوْ خَيَالُ طَيْفٍ كَمَا قِيلَ :





أَحْلَامُ نَوْمٍ أَوْ كَظِلٍّ زَائِلٍ إِنَّ اللَّبِيبَ بِمِثْلِهَا لَا يُخْدَعُ


*** وَأَعْظَمُ الْعُقُوبَاتِ نِسْيَانُ الْعَبْدِ لِنَفْسِهِ ، وَإِهْمَالُهُ لَهَا ، وَإِضَاعَتُهُ حَظَّهَا وَنَصِيبَهَا مِنَ اللَّهِ ، وَبَيْعُهَا ذَلِكَ بِالْغَبْنِ وَالْهَوَانِ وَأَبْخَسِ الثَّمَنِ ، فَضَيَّعَ مَنْ لَا غِنَى لَهُ عَنْهُ ، وَلَا عِوَضَ لَهُ مِنْهُ ، وَاسْتَبْدَلَ بِهِ مَنْ عَنْهُ كُلُّ الْغِنَى أَوْ مِنْهُكُلُّ الْعِوَضِ :
مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِذَا ضَيَّعْتَهُ عِوَضٌ وَمَا مِنَ اللَّهِ إِنْ ضَيَّعْتَ مِنْ عِوَضِ




*** فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ يُعَوِّضُ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ مَا سِوَاهُ وَلَا يُعَوِّضُ مِنْهُ شَيْءٌ ، وَيُغْنِي عَنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا يُغْنِي عَنْهُ شَيْءٌ ، وَيُجِيرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا يُجِيرُ مِنْهُ شَيْءٌ ، وَيَمْنَعُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا يَمْنَعُ مِنْهُ شَيْءٌ ، كَيْفَ يَسْتَغْنِي الْعَبْدُ عَنْ طَاعَةِ مَنْ هَذَا شَأْنُهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ ؟ وَكَيْفَ يَنْسَى ذِكْرَهُ وَيُضَيِّعُ أَمْرَهُ حَتَّى يُنْسِيَهُ نَفْسَهُ ، فَيَخْسَرُهَا وَيَظْلِمُهَا أَعْظَمَ الظُّلْمِ ؟ فَمَا ظَلَمَ الْعَبْدُ رَبَّهُ وَلَكِنْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ، وَمَا ظَلَمَهُ رَبُّهُ وَلَكِنْ هُوَ الَّذِي ظَلَمَ نَفْسَهُ




أما أنا الأوان أن نرجع إلى الله ونترك المعاصي والذنو
__________________
اللهم احفظ جميع المسلمين وامن ديارهم
ورد عنهم شر الاشرار وكيد الفجار
وملأ قلوبهم محبة لك وتعظيماً لكتابك
وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم
رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 134.12 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 132.44 كيلو بايت... تم توفير 1.68 كيلو بايت...بمعدل (1.26%)]