تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         معركة جلولاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          وقفات مع سورة البلد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          مواقع التواصل الاجتماعي بين المنافع والمفاسد الفيس بوك ًانموذجاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          قلبٌ وقلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 76 - عددالزوار : 20691 )           »          ماذا أخفت منى عن أمها؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          الأخ المفقود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          أقبل الليل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          زد من حلمك عليها طوال حملها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          أحكام خطبة الجمعة وآدابها***متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 110 - عددالزوار : 107155 )           »          خواطرفي سبيل الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 74 - عددالزوار : 22117 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #11  
قديم 25-07-2025, 04:02 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,390
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الزمر
الحلقة (1201)
صــ 331 الى صــ 340





وقال آخرون: عنى بذلك الشهداء.
حدثني محمد بن المثنى، قال: ثني وهب بن جرير، قال: ثنا شعبة عن عمارة، عن ذي حجر اليحمدي، عن سعيد بن جُبَير، في قوله: (فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ) قال: الشهداء ثنية الله حول العرش، متقلدين السيوف.
وقال آخرون: عنى بالاستثناء في الفزع: الشهداء، وفي الصعق: جبريل، وملك الموت، وحملة العرش.
* ذكر من قال ذلك، والخبر الذي جاء فيه عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم:
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا المحاربي عبد الرحمن بن محمد، عن إسماعيل بن رافع المدني، عن يزيد، عن رجل من الأنصار، عن محمد بن كعب القرظي، عن رجل من الأنصار، عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "يُنْفَخُ فِي الصُّورِ ثَلاثَ نَفَخَاتٍ: الأولى: نَفْخَةُ الفَزَعِ، والثَّانِيَةُ: نَفْخَةُ الصَّعْقِ، والثَّالِثَةُ: نَفْخَةُ القِيَامِ لِرَبِّ العَالَمِينَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، يَأْمُرُ اللهُ إسْرَافِيلَ بالنَّفْخَةِ الأولى، فَيَقُولُ: انْفُخْ نَفْخَةَ الفَزَعِ، فتَفْزَعُ أهْلُ السَّمَوَاتِ وأهْلُ الأرْضِ إلا مَنْ شَاءَ اللهُ" ، قالَ أبو هريرة: يا رسول الله، فمن استثنى حين يقول: (فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ) قال: "أُولَئِكَ الشُّهَدَاءُ، وإنَّما يَصلُ الفَزَعُ إلى الأحْياءِ، أُولَئِكَ أحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، وَقاهُمْ الله فَزَعَ ذلكَ اليَوْمِ وأمَّنَهُمْ، ثُمَّ يأْمُرُ اللهُ إسْرَافِيلَ بِنَفْخَةِ الصَّعْقِ، فَيَقُولُ: انْفُخْ نَفْخَةَ الصَّعْقِ، فَيَصْعَقُ أهْلُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ"
(1)
في اللسان: الظرب: الجبل المنبسط. وقيل: هو الجبل الصغير، وقيل: الروابي الصغار. والجمع ظراب.

إلا مَنْ شَاءَ اللهُ فإذا هُمْ خَامِدُونَ، ثُمَّ يَأْتِي مَلَكُ المَوْتِ إلى الجَبَّارِ تبَارَكَ وَتَعَالَى فَيَقُولُ: يَا رَبِّ قَدْ مَاتَ أهْلُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ إلا مَنْ شِئْتَ، فَيَقُولُ لَهُ وَهُوَ أعْلَمُ. فمَنْ بَقِيَ؟ فَيَقُولُ: بَقِيتَ أنْتَ الحَيَّ الَّذِي لا يَمُوتُ، وَبَقِيَ حَمَلَةُ عَرْشُكَ، وَبَقِيَ جِبْرِيلُ ومِيكائِيلُ، فَيَقُولُ اللهُ لَهُ: اسْكُتْ إنِّي كَتَبْتُ المَوْتَ عَلَى مَنْ كَانَ تَحْتَ عَرْشِي، ثُمَّ يَأْتِي مَلَكُ المَوْتِ فَيَقُولُ: يا رَبِّ قَدْ مَاتَ جِبْرِيلُ ومِيكائِيلُ، فيَقُولُ اللهُ وَهُوَ أعْلَمُ: فَمَنْ بَقِيَ؟ فَيَقُولُ بَقِيتَ أنْتَ الحَيّ الَّذِي لا يَمُوتُ، وبَقِيَ حَمَلَةُ عَرْشِكَ، وَبَقِيتُ أنا، فَيَقُولُ اللهُ: فَلْيَمُتْ حَمَلَةُ العَرْشِ، فَيَمُوتُونَ، وَيَأْمُرُ اللهُ تعالى العَرْشَ فَيَقْبِضُ الصُّورَ. فَيَقُولُ: أيْ رَبِّ قَدْ مَاتَ حَمَلَةُ عَرْشِكَ، فَيَقُولُ: مَنْ بَقِيَ؟ وَهُوَ أعْلَمُ، فَيَقُولُ: بَقِيتَ أنْتَ الحَيَّ الَّذِي لا يَمُوتُ وبَقِيتُ أنا، قال: فَيَقُولُ اللهُ: أنْتَ مِنْ خَلْقِي خَلَقْتُكَ لِمَا رَأَيْتَ، فَمُتْ لا تَحْيَى، فَيَمُوتُ "."
وهذا القول الذي رُوي في ذلك عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أولى بالصحة، لأن الصعقة في هذا الموضع: الموت. والشهداء وإن كانوا عند الله أحياء كما أخبر الله تعالى ذكره فإنهم قد ذاقوا الموت قبل ذلك.
وإنما عنى جل ثناؤه بالاستثناء في هذا الموضع، الاستثناء من الذين صعقوا عند نفخة الصعق، لا من الذين قد ماتوا قبل ذلك بزمان ودهر طويل، وذلك أنه لو جاز أن يكون المراد بذلك من قد هلك، وذاق الموت قبل وقت نفخة الصعق، وجب أن يكون المراد بذلك من قد هلك، فذاق الموت من قبل ذلك، لأنه ممن لا يصعق في ذلك الوقت إذا كان الميت لا يجدد له موت آخر في تلك الحال.
وقال آخرون في ذلك ما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ) قال الحسن: يستثني الله وما يدع أحدا من أهل السموات ولا أهل الأرض إلا أذاقه الموت؟ قال قتادة: قد استثنى الله، والله أعلم إلى ما صارت ثنيته، قال:
ذُكر لنا أن نبيّ الله قال: "أتاني مَلَكٌ فَقَالَ: يا مُحَمَّدُ اخْتَرْ نَبِيًّا مَلِكًا، أوْ نَبِيًّا عَبْدًا، فأَوْمَأ إليَّ أنْ تَوَاضَعْ، قَالَ: نَبِيًّا عَبْدًا، قال فأُعْطِيتُ خَصْلَتَيْنِ: أنْ جُعِلْتُ أوَّلَ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الأرْضُ، وأوَّلُ شَافِعٌ، فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَجِدُ مُوسَى آخِذًا بالعَرْشِ، فاللهُ أعْلَمُ أصَعِقَ بَعْدَ الصَّعْقَةِ الأولَى أمْ لا؟" .
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا عبدة بن سليمان، قال: ثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال يهودي بسوق المدينة: والذي اصطفى موسى على البشر، قال: فرفع رجل من الأنصار يده، فصكّ بها وجهه، فقال: تقول هذا وفينا رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم؟ فقال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ، فَأَكُونُ أنَا أوَّلَ مَنْ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، فإذَا مُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ العَرْشِ فَلا أدْرِي أرَفَعَ رَأْسَه قَبْلِي، أوْ كَانَ مِمَّنْ استثنى الله" .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عطاء، عن الحسن، قال: قال النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "كأنَّي أنْفُضُ رأسِي مِنَ التُّرَابِ أوَّلَ خَارِجٍ، فَأَلْتَفِتُ فَلا أَرَى أحَدًا إلا مُوسَى مُتَعَلِّقًا بالعَرْشِ، فَلا أدْرِي أمِمَّنْ اسْتَثْنَى اللهُ أنْ لا تُصِيبُه النَّفْخَةُ أوْ بُعِثَ قَبْلِي" .
وقوله: (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ) يقول تعالى ذكره: ثم نفخ في الصور نفخة أخرى، والهاء التي في "فيه" من ذكر الصور.
كما حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى) قال: في الصور، وهى نفخة البعث.
وذُكر أن بين النخفتين أربعين سنة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح،
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله: "ما بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أرْبَعُونَ" قالوا: يا أبا هريرة أربعون يومًا؟ قال: أبَيْتُ، قالوا: أربعون شهرا؟ قال: أبيت، قالوا: أربعون سنة؟ قال: أبيت، "ثُمَّ يُنزلُ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتَنْبِتُونَ كَمَا يَنْبِتُ البَقْلُ، وَلَيْسَ مِنَ الإنْسانِ شَيْءٌ إلا يَبْلَى، إلا عَظْمًا وَاحِدًا، وَهُوَ عَجْبُ الذَّنَبِ، وَمِنْهُ يُرَكَّبُ الخَلْقُ يَوْمَ القِيَامَةِ" .
حدثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا البلخي بن إياس، قال: سمعت عكرمة يقول في قوله (فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ) ... الآية، قال: الأولى من الدنيا، والأخيرة من الآخرة.
حدثنا بشر قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ) قال نبي الله: "بين النفختين أربعون" قال أصحابه: فما سألناه عن ذلك، ولا زادنا على ذلك، غير أنهم كانوا يرون من رأيهم أنها أربعون سنة.
وذُكر لنا أنه يبعث في تلك الأربعين مطر يقال له مطر الحياة، حتى تطيب الأرض وتهتزّ، وتنبت أجساد الناس نباتَ البقل، ثم ينفخ فيه الثانية (فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ) قال: ذُكر لنا أن معاذ بن جبل، سأل نبي الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: كيف يبعث المؤمنون يوم القيامة؟ قال: "يُبْعَثُونَ جُرْدًا مُرْدا مُكَحَّلِينَ بني ثَلاثِين سَنَةً" .
وقوله: (فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ) يقول: فإذا من صعق عند النفخة التي قبلها وغيرهم من جميع خلق الله الذين كانوا أمواتا قبل ذلك قيام من قبورهم وأماكنهم من الأرض أحياء كهيئتهم قبل مماتهم ينظرون أمر الله فيهم.
كما حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ (فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ) قال: حين يبعثون.
القول في تأويل قوله تعالى: وَأَشْرَقَتِ الأرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا
وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (69)
يقول تعالى ذكره: فأضاءت الأرض بنور ربها، يقال: أشرقت الشمس. إذا صفت وأضاءت، وأشرقت: إذا طلعت، وذلك حين يبرز الرحمن لفصل القضاء بين خلقه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر. قال. ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَأَشْرَقَتِ الأرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا) قال: فما يتضارون في نوره إلا كما يتضارون في الشمس في اليوم الصحو الذي لا دخن فيه.
حدثنا محمد، قال ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ (وَأَشْرَقَتِ الأرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا) قال: أضاءت.
وقوله (وَوُضِعَ الْكِتَابُ) يعني. كتاب أعمالهم لمحاسبتهم ومجازاتهم.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال ثنا سعيد، عن قتادة (وَوُضِعَ الْكِتَابُ) قال: كتب أعمالهم.
حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ (وَوُضِعَ الْكِتَابُ) قال: الحساب.
وقوله: (وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ) يقول: وجيء بالنبيين ليسألهم ربهم عما أجابتهم به أممهم، وردت عليهم في الدنيا، حين أتتهم رسالة الله، والشهداء، يعني بالشهداء: أمة محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، ويستشهدهم ربهم على الرسل، فيما ذكرت من تبليغها رسالة الله التي أرسلهم بها ربهم إلى أممها، إذ جحدت أممهم أن يكونوا أبلغوهم رسالة الله، والشهداء: جمع شهيد، وهذا
نظير قول الله: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) . وقيل: عنى بقوله: (الشُّهَدَاءِ) : الذين قتلوا في سبيل الله، وليس لما قالوا من ذلك في هذا الموضع كبير معنى، لأن عقيب قوله: (وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ) ، وفي ذلك دليل واضح على صحة ما قلنا من أنه إنما دعى بالنبيين والشهداء للقضاء بين الأنبياء وأممها، وأن الشهداء إنما هي جمع شهيد، الذين يشهدون للأنبياء على أممهم كما ذكرنا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ) فإنهم ليشهدون للرسل بتبليغ الرسالة، وبتكذيب الأمم إياهم.
* ذكر من قال ما حكينا قوله من القول الآخر:
حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ (وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ) : الذين استشهدوا في طاعة الله.
وقوله: (وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ) يقول تعالى ذكره: وقضي بين النبيين وأممها بالحقّ، وقضاؤه بينهم بالحقّ، أن لا يحمل على أحد ذنب غيره، ولا يعاقب نفسا إلا بما كسبت.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70) وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) }
يقول تعالى ذكره: ووفى الله حينئذ كل نفس جزاء عملها من خير وشرّ، وهو أعلم بما يفعلون في الدنيا من طاعة أو معصية، ولا يعزب عنه علم شيء من ذلك، وهو مجازيهم عليه يوم القيامة، فمثيب المحسن بإحسانه، والمسيء بما أساء.
وقوله: (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ) يقول: وحشر الذين كفروا بالله إلى ناره التي أعدّها لهم يوم القيامة جماعات، جماعة جماعة، وحزبا حزبا.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة في قوله: (زُمَرًا) قال: جماعات.
وقوله: (إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا) السبعة (وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا) قوامها: (أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ) يعني: كتاب الله المنزل على رسله وحججه التي بعث بها رسله إلى أممهم (وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا) يقول: وينذرونكم ما تلقون في يومكم هذا، وقد يحتمل أن يكون معناه: وينذرونكم مصيركم إلى هذا اليوم. قالوا: بلى: يقول: قال الذين كفروا مجيبين لخزنة جهنم: بلى قد أتتنا الرسل منا، فأنذرتنا لقاءنا هذا اليوم (وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ) يقول: قالوا: ولكن وجبت كلمة الله أن عذابه لأهل الكفر به علينا بكفرنا به.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ) بأعمالهم.
القول في تأويل قوله تعالى: {قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72) }
يقول تعالى ذكره: فتقول خزنة جهنم للذين كفروا حينئذ: (ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ) السبعة على قدر منازلكم فيها (خَالِدِينَ فِيهَا) يقول: ماكثين فيها
لا يُنقلون عنها إلى غيرها. (فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) يقول: فبئس مسكن المتكبرين على الله في الدنيا، أن يوحدوه ويفردوا له الألوهة، جهنم يوم القيامة.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74) }
يقول تعالى ذكره: وحُشر الذين اتقوا ربهم بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه في الدنيا، وأخلصوا له فيها الألوهة، وأفردوا له العبادة، فلم يشركوا في عبادتهم إياه شيئا (إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا) يعني جماعات، فكان سوق هؤلاء إلى منازلهم من الجنة وفدا على ما قد بيَّنا قبل فى سورة مريم على نجائب من نجائب الجنة، وسوق الآخرين إلى النار دعًّا ووردا، كما قال الله.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. وقد ذكر ذلك في أماكنه من هذا الكتاب.
وقد حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا) ، وفي قوله: (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا) قال: كان سوق أولئك عنفا وتعبا ودفعا، وقرأ: (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا) قال: يدفعون دفعا، وقرأ: (فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ) . قال: يدفعه، وقرأ (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا - و - نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا) . ثم قال: فهؤلاء وفد الله.
حدثنا مجاهد بن موسى، قال: ثنا يزيد، قال: أخبرنا شريك بن
عبد الله، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قوله: (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا) حتى إذا انتهوا إلى بابها، إذا هم بشجرة يخرج من أصلها عينان، فعمدوا إلى إحداهما، فشربوا منها كأنما أمروا بها، فخرج ما في بطونهم من قذر أو أذى أو قذى، ثم عمدوا إلى الأخرى، فتوضئوا منها كأنما أمروا به، فجرت عليهم نضرة النعيم، فلن تشعث رءوسهم بعدها أبدا ولن تبلى ثيابهم بعدها، ثم دخلوا الجنة، فتلقتهم الولدان كأنهم اللؤلؤ المكنون، فيقولون: أبشر، أعد الله لك كذا، وأعد لك كذا وكذا، ثم ينظر إلى تأسيس بنيانه جندل اللؤلؤ الأحمر والأصفر والأخضر، يتلألأ كأنه البرق، فلولا أن الله قضى أن لا يذهب بصره لذهب، ثم يأتي بعضهم إلى بعض أزواجه، فيقول: أبشري قد قدم فلان بن فلان، فيسميه باسمه واسم أبيه، فتقول: أنت رأيته، أنت رأيته! فيستخفها الفرح حتى تقوم، فتجلس على أسكفة بابها، فيدخل فيتكئ على سريره، ويقرأ هذه الآية: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ) ... الآية.
حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قال: ذكر أبو إسحاق عن الحارث، عن عليّ رضي الله عنه قال: يساقون إلى الجنة، فينتهون إليها، فيجدون عند بابها شجرة في أصل ساقها عينان تجريان، فيعمدون إلى إحداهما، فيغتسلون منها، فتجري عليهم نضرة النعيم، فلن تشعث رءوسهم بعدها أبدا، ولن تغبر جلودهم بعدها أبدا، كأنما دهنوا بالدهان، ويعمدون إلى الأخرى، فيشربون منها، فيذهب ما في بطونهم من قذى أو أذى، ثم يأتون باب الجنة فيستفتحون، فيفتح لهم، فتتلقاهم خزنة الجنة فيقولون (سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) قال: وتتلقاهم الولدان المخلدون، يطيفون بهم كما تطيف ولدان أهل الدنيا بالحميم إذا جاء من الغيبة، يقولون: أبشر أعد الله لك كذا، وأعد لك كذا، فينطلق أحدهم إلى زوجته، فيبشرها به، فيقول: قدم فلان باسمه الذي كان يسمى به في الدنيا، وقال: فيستخفها الفرح حتى تقوم على أسكفة بابها، وتقول: أنت رأيته، أنت رأيته؟ قال: فيقول: نعم، قال:
فيجيء حتى يأتي منزله، فإذا أصوله من جندل اللؤلؤ من بين أصفر وأحمر وأخضر، قال: فيدخل فإذا الأكواب موضوعة، والنمارق مصفوفة، والزرابيّ مبثوثة قال: ثم يدخل إلى زوجته من الحور العين، فلولا أن الله أعدها له لالتمع بصره من نورها وحسنها، قال: فاتكأ عند ذلك ويقول: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ) قال: فتناديهم الملائكة: (أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) .
حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، قال: ذكر السديّ نحوه أيضا، غير أنه قال: لهو أهدى إلى منزله في الجنة منه إلى منزله في الدنيا، ثم قرأ السديّ: (وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ) .
واختلف أهل العربية في موضع جواب "إذا" التي في قوله (حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا) فقال بعض نحويي البصرة: يقال إن قوله (وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا) في معنى: قال لهم، كأنه يلغي الواو، وقد جاء في الشعر شيء يشبه أن تكون الواو زائدة، كما قال الشاعر:
فإذَا وَذلكَ يا كُبَيْشَةُ لَمْ يَكُنْ ... إلا تَوَهُّمَ حَاِلمٍ بِخَيالٍ (1)
فيشبه أن يكون يريد: فإذا ذلك لم يكن. قال: وقال بعضهم: فأضمر الخبر، وإضمار الخبر أيضا أحسن في الآية، وإضمار الخبر في الكلام كثير. وقال آخر منهم: هو مكفوف عن خبره، قال: والعرب تفعل مثل هذا، قال عبد مَناف بن ربع في آخر قصيدة:
حتى إذَا أسْلَكُوهُمْ فِي قُتائِدَةٍ ... شَلا كما تَطْرُدُ الجَمَّالَةُ الشُّرُدا (2)
(1)
هذا البيت لم نقف على قائله. استشهد به المؤلف عند قوله تعالى "حتى إذا جاءوها وفتحت" على أن الواو زائدة في قوله تعالى "وفتحت أبوابها" كزيادتها في قول الشاعر: "فإذا وذلك" لأن الشاعر يريد: "فإذا ذلك" بدون واو.

(2)
البيت لعبد مناف بن ربع الهذلي (اللسان: جمل) . و (خزانة الأدب الكبرى للبغدادي 3: 170) شاهد على أن جواب إذ عند الرضي شارح كافية ابن الحاجب محذوف لتفخيم الأمر. (وقد تقدم الاستشهاد به على هذا وغيره في الجزء 14: 9) فراجعه ثمة. وفي مجاز القرآن لأبي عبيدة (الورقة 217) قال: وقوله "حتى إذا جاءوها، وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين" : مكفوف عن خبره (أي محذوف خبره) والعرب تفعل مثل هذا. قال عبد مناف: "حتى إذا أسلكوهم ... البيت" . وفي خزانة الأدب للبغدادي (3: 171) : وقال في الصحاح: إذا: زائدة. أو يكون قد كف عن خبره، لعلم السامع. هـ. ورد قوله بأن إذا اسم، والاسم لا يكون لغوا. اهـ.

وقال الأخطل في آخر القصيدة:
خَلا أنَّ حيَّا من قُرَيْشٍ تَفَصَّلُوا ... على النَّاسِ أوْ أنَّ الأكارِمَ نَهْشَلا (1)




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 94 ( الأعضاء 0 والزوار 94)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 1,654.60 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 1,652.92 كيلو بايت... تم توفير 1.68 كيلو بايت...بمعدل (0.10%)]