|
|||||||
| هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#11
|
||||
|
||||
![]() كتاب الناسخ والمنسوخ أبو جعفر محمد بن إسماعيل النحاس الناشر: دار العاصمة من صـ 519 الى صــ 529 الحلقة(11) وقد تكلم العلماء في الآية الثالثة عشرة. [ ص: 519 ] باب ذكر الآية الثالثة عشرة. قال جل وعز ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين هذه الآية من أصعب ما في الناسخ والمنسوخ. فزعم جماعة من العلماء أنها غير منسوخة واحتجوا بها وبأشياء من السنن وزعم جماعة أنها منسوخة واحتجوا بآيات غيرها وبأحاديث من السنن. فممن قال: إنها غير منسوخة مجاهد روى عنه ابن أبي نجيح أنه قال: 77 - فإن قاتلوكم في الحرم فاقتلوهم لا يحل لأحد أن يقاتل أحدا في الحرم إلا أن يقاتله فإن عدا عليك فقاتلك فقاتله" وهذا قول طاوس. والاحتجاج لهما بظاهر الآية ومن الحديث: 78 - بما حدثناه أحمد بن شعيب ، قال: أخبرنا محمد بن رافع ، قال: حدثنا [ ص: 520 ] يحيى بن آدم ، قال: حدثنا مفضل ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن طاوس ، عن ابن عباس ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: "إن هذا البلد حرام حرمه الله جل وعز لم يحل فيه القتال لأحد قبلي وأحل لي ساعة وهو حرام بحرمة الله جل وعز". وأما من قال: إنها منسوخة فمنهم قتادة. 79 - كما قرئ على عبد الله بن أحمد بن عبد السلام ، عن أبي الأزهر ، قال: حدثنا روح ، عن سعيد ، عن قتادة ، ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه " فكان هذا كذا حتى نسخ فأنزل الله جل وعز وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة أي شرك ويكون الدين لله أي لا إله إلا الله عليها قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وإليها دعا فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين من أبى أن يقول: لا إله إلا الله، أن يقاتل حتى يقول لا إله إلا الله ". [ ص: 521 ] قال أبو جعفر: وأكثر أهل النظر على هذا القول؛ إن الآية منسوخة وإن المشركين يقاتلون في الحرم وغيره بالقرآن والسنة قال جل وعز فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وبراءة نزلت بعد سورة البقرة بسنين وقال جل وعز وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة وأما السنة: 80 - فحدثنا أحمد بن شعيب ، قال: أخبرنا قتيبة ، قال: حدثنا مالك ، عن ابن شهاب ، عن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعليه المغفر فقيل له: إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال: "اقتلوه". [ ص: 522 ] 81 - وقرئ على محمد بن جعفر بن أعين ، عن الحسن بن بشر بن سلم الكوفي ، قال: حدثنا الحكم بن عبد الملك ، عن قتادة ، عن أنس ، قال: "أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة يوم الفتح إلا أربعة من الناس: عبد العزى بن خطل ، ومقيس بن صبابة الكناني ، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح ، وأم سارة، فأما ابن خطل فقتل وهو متعلق بأستار الكعبة " وذكر الحديث. [ ص: 523 ] وقرأ أكثر الكوفيين (ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقتلوكم فيه فإن قتلوكم فاقتلوهم) وهذه قراءة بينة البعد وقد زعم قوم أنه لا يجوز القراءة بها؛ لأن الله جل وعز لم يفرض على أحد من المسلمين أن لا يقتل المشركين حتى يقتلوا المسلمين. [ ص: 524 ] 82 - وقال الأعمش: "العرب تقول: قتلناهم أي قتلنا منهم. قال أبو جعفر: فهذا أيضا المطالبة فيه قائمة غير أنه قد قرأ به جماعة والله جل وعز أعلم بمخرج قراءتهم. وقد تنازع العلماء أيضا في الآية الرابعة عشرة. [ ص: 525 ] باب ذكر الآية الرابعة عشرة. قال جل وعز الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم . 83 - قال أبو جعفر: ، حدثنا محمد بن جعفر الأنباري ، قال: حدثنا عبد الله بن أيوب ، وعبد الله بن يحيى ، قالا: حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، قال: قلت لعطاء: قول الله جل وعز الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص قال: "هذا يوم الحديبية صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيت الحرام وكان معتمرا فدخل في السنة التي بعدها معتمرا مكة فعمرة في الشهر الحرام بعمرة في الشهر الحرام". [ ص: 526 ] 84 - وقال مجاهد: فخرت قريش بردها رسول الله صلى الله عليه وسلم محرما في ذي القعدة فاعتمر في السنة الثانية في ذي القعدة. قال أبو جعفر: التقدير عمرة الشهر الحرام بعمرة الشهر الحرام، والشهر الحرام هاهنا ذو القعدة بلا اختلاف وسمي ذا القعدة لأنهم كانوا يقعدون فيه عن القتال ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر في ذي القعدة من سنة ست من الهجرة فمنعوه من مكة. 85 - قال ابن عباس: " فرجعه الله تبارك وتعالى في السنة الأخرى فأقصه منهم والحرمات قصاص " 86 - وروي عن ابن عباس ، أنه قال: والحرمات قصاص "منسوخة كان الله جل وعز قد أطلق للمسلمين إذا اعتدى عليهم أحد أن يقتصوا منه فنسخ الله جل وعز ذلك وصيره إلى السلطان فلا يجوز لأحد أن يقتص من أحد إلا بأمر السلطان ولا أن يقطع يد سارق ولا غير ذلك". [ ص: 527 ] وأما مجاهد فذهب إلى أن "المعنى فمن اعتدى عليكم فيه أي في الحرم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم" والذي قاله مجاهد أشبه بسياق الكلام؛ لأن قبله ذكر الحرم وهو متصل به إلا أنه منسوخ عند أكثر العلماء وقد أجمع المسلمون أن المشركين أو الخوارج لو غلبوا على الحرم لقوتلوا حتى يخرجوا منه. فإن قيل فما معنى الحديث: 87 - "أحلت لي ساعة وهي حرام بحرمة الله جل وعز". [ ص: 528 ] فالجواب أن النبي صلى الله عليه وسلم دخلها غير محرم يوم الفتح ولا يحل هذا لأحد بعده إذا لم يكن من أهل الحرم فأما والحرمات فإنما جمع والله أعلم؛ لأنه أريد به حرمة الإحرام وحرمة الشهر الحرام وحرمة البلد الحرام. وأما فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم فسمي [ ص: 529 ] الثاني اعتداء وإنما الاعتداء الأول ففيه جوابان أحدهما أنه مجاز على ازدواج الكلام سمي الثاني باسم الأول مثل وجزاء سيئة سيئة مثلها والجواب الآخر أنه حقيقة يكون من الشد والوثوب أي: من شد عليكم ووثب بالظلم فشدوا عليه وثبوا بالحق. ![]()
__________________
|
|
#12
|
||||
|
||||
![]() كتاب الناسخ والمنسوخ أبو جعفر محمد بن إسماعيل النحاس الناشر: دار العاصمة من صـ 530 الى صــ 540 الحلقة(12) وقد تكلم العلماء من الصحابة وغيرهم بأجوبة مختلفة في الآية الخامسة عشرة. [ ص: 530 ] باب ذكر الآية الخامسة عشرة قال جل وعز: كتب عليكم القتال وهو كره لكم فقال قوم: هي ناسخة لحظر القتال عليهم ولما أمروا به من الصفح والعفو بمكة وقال قوم: هي منسوخة وكذا قالوا في قوله جل وعز انفروا خفافا وثقالا والناسخة وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة . [ ص: 531 ] وقال قوم: هي على الندب لا على الوجوب، وقال قوم: هي واجبة والجهاد فرض. 88 - وقال عطاء: هي فرض إلا أنها على غيرنا يعني أن الذي خوطب بها الصحابة قال أبو جعفر: فهذه خمسة أقوال، فأما القول الأول وهو أنها ناسخة فبين صحيح. ، وأما قول من قال: هي منسوخة فلا يصح؛ لأنه ليس في قوله جل وعز وما كان المؤمنون لينفروا كافة نسخ لفرض القتال وأما قول من قال: هي على الندب فغير صحيح؛ لأن الأمر إذا وقع بشيء لم يحمل على غير الواجب إلا بتوقيف من الرسول صلى الله عليه وسلم أو بدليل قاطع وأما قول عطاء: إنها فرض ولكنه فرض على الصحابة فقول مرغوب عنه وقد رده العلماء حتى قال الشافعي رحمه الله في إلزامه: من قال: [ ص: 532 ] وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة إن هذا للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة ولا تصلى صلاة الخوف بعده فعارضه بقوله جل وعز خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها . فقول عطاء أسهل ردا من قول من قال: هي على الندب؛ لأن الذي قال: هي على الندب قال: هي مثل قوله جل وعز كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت الآية. قال أبو جعفر: وهذا ليس على الندب وقد بيناه فيما تقدم، فأما قول من قال: إن الجهاد فرض بالآية فقوله صحيح وهو قول حذيفة ، وعبد الله بن عمرو وقول الفقهاء الذين تدور عليهم الفتيا إلا أنه فرض يحمله بعض الناس عن بعض فإن احتيج إلى الجماعة نفروا فرضا واجبا؛ لأن نظير كتب عليكم القتال كتب عليكم الصيام . 89 - قال حذيفة: الإسلام ثمانية أسهم: الإسلام سهم والصلاة سهم، [ ص: 533 ] والزكاة سهم والصيام والحج سهم والجهاد سهم والأمر بالمعروف سهم والنهي عن المنكر سهم ونظير الجهاد في أنه فرض يقوم به بعض المسلمين عن بعض الصلاة على المسلمين إذا ماتوا ومواراتهم قال أبو عبيد: وعيادة المريض ورد السلام وتشميت العاطس وأما قول من قال: الجهاد نافلة، فيحتج بأشياء وهو قول ابن عمر ، وابن شبرمة ، وسفيان الثوري ومن حجتهم قول النبي صلى الله عليه وسلم رواه ابن عمر: 90 - بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، والصلاة، والصيام، والزكاة، وحج البيت ". [ ص: 534 ] قال أبو جعفر: وهذا لا حجة فيه؛ لأنه قد روي عن ابن عمر أنه قال: " استنبطت هذا ولم يرفعه ولو كان رفعه صحيحا لما كان فيه أيضا حجة؛ لأنه يجوز أن يترك ذكر الجهاد هاهنا لأنه مذكور في القرآن، أو لأن بعض الناس يحمله عن بعض فقد صح فرض الجهاد بنص القرآن وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. 91 - كما روى مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة" فسره العلماء أنه في الغزو وفي ذلك أحاديث كثيرة كرهنا أن نطول الكتاب بها لأن فيما تقدم كفاية. والصحيح في الآية السادسة عشرة أنها منسوخة. باب ذكر الآية السادسة عشرة. قال جل وعز: يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير الآية. العلماء على أن هذه الآية منسوخة وأن قتال المشركين في الأشهر الحرم مباح غير عطاء فإنه قال: 92 - "الآية محكمة ولا يجوز القتال في الأشهر الحرم". 93 - ويحتج له بما حدثناه إبراهيم بن شريك ، قال: حدثنا أحمد يعني ابن عبد الله بن يونس ، قال: حدثنا ليث ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقاتل في الشهر الحرام إلا أن يغزى أو يغزو فإذا حضر ذلك أقام حتى ينسلخ". قال أبو جعفر: وهذا الحديث يجوز أن يكون قبل نسخ الآية. [ ص: 536 ] وابن عباس ، وسعيد بن المسيب ، وسليمان بن يسار ، وقتادة ، والأوزاعي على أن الآية منسوخة فمن ذلك: 94 - ما حدثناه عليل بن أحمد ، قال: حدثنا محمد بن هشام ، قال: حدثنا عاصم بن سليمان ، قال: حدثنا جويبر ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال: وقوله يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه أي في الشهر الحرام قل قتال فيه كبير " أي عظيم، فكان القتال فيه محظورا حتى نسخته آية السيف في براءة فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم فأبيحوا القتال في الأشهر الحرم وفي غيرها ". 95 - حدثنا جعفر بن مجاشع ، قال: حدثنا إبراهيم بن إسحاق ، قال: حدثنا عبيد [ ص: 537 ] الله ، قال: حدثنا يزيد ، قال: أخبرنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله جل وعز يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير " فكان كذلك حتى نسخه هاتان الآيتان في براءة فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ثم قال جل وعز وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة والأشهر الحرم عهد كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين مشركي قريش، انسلاخ أربعة أشهر بعد يوم النحر لمن كان له عهد ومن لم يكن له عهد فإلى انسلاخ المحرم فأمر الله جل وعز نبيه صلى الله عليه وسلم إذا انسلخت الأشهر الأربعة أن يقاتل المشركين في الحرم وغيره حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ". قال أبو جعفر: هذه الأشهر التي ذكرها قتادة وقال: "هي الحرم هي أشهر السياحة فسماها حرما؛ لأنه حظر القتال فيها" فأما الأشهر الحرم فهي أربعة والعلماء يختلفون في اللفظ بها فمن أهل المدينة من يقول: أولها ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب، ومنهم من يبدأ برجب، وأهل الكوفة يقولون: أولها المحرم، ورجب، وذو القعدة، وذو الحجة، [ ص: 538 ] وينكرون ما قاله المدنيون وقالوا: قولنا أولى لتكون من سنة واحدة. ومن قال من المدنيين: أولها رجب احتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة في شهر ربيع الأول فوجب أن يكون أولها رجب على هذا. قال أبو جعفر: والأمر في هذا كله سهل؛ لأن الواو لا تدل على أن الثاني بعد الأول عند أحد من النحويين علمته فإذا كان الأمر على هذا فالأولى أن يؤتى بالأشهر الحرم على ما لفظ به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأدي عنه بالأسانيد الصحاح وهو قول المدنيين الأول. 96 - روى أبو بكرة ، وغيره، أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب فقال: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض فالسنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان". قال أبو جعفر: وقد قامت الحجة بأن قوله جل وعز يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه [ ص: 539 ] منسوخ بما ذكرناه من نص القرآن وقول العلماء وأيضا فإن النقل يبين ذلك؛ لأنه نقل إلينا أن هذه الآية نزلت في جمادى الآخرة أو في رجب في السنة الثانية من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وقد قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم هوازن بحنين وثقيفا بالطائف في شوال وذي القعدة وذو القعدة من الأشهر الحرم وذلك في سنة ثمان من الهجرة. قال أبو جعفر: فهذا ما في القتال والجهاد من الناسخ والمنسوخ في هذه السورة مجموعا بعضه إلى بعض ثم نرجع إلى ما فيها من ذكر الحج في الآية السابعة عشرة. ![]()
__________________
|
|
#13
|
||||
|
||||
![]() كتاب الناسخ والمنسوخ أبو جعفر محمد بن إسماعيل النحاس الناشر: دار العاصمة من صـ 541 الى صــ 557 الحلقة(13) باب ذكر الآية السابعة عشرة. قال الله جل وعز وأتموا الحج والعمرة لله الآية، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر أصحابه بعد أن أحرموا بالحج ففسخوه وجعلوه عمرة. واختلف العلماء في فسخ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 541 ] الحج بعد أن أهلوا به إلى العمرة فقالوا فيه أربعة أقوال، فمنهم من قال: إنه منسوخ. 97 - كما روي عن عمر ، رحمه الله أنه قال في وأتموا الحج والعمرة لله : "إتمامهما أن لا يفسخا وقد قيل في إتمامهما غير هذا". 98 - كما قرئ على عبد الله بن أحمد بن عبد السلام ، عن أبي الأزهر ، قال: حدثنا روح ، قال: حدثنا شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الله بن سلمة ، عن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه في قول الله جل وعز وأتموا الحج والعمرة لله قال: "أن تحرم من دويرة أهلك". [ ص: 542 ] 99 - وقال سفيان: "إتمام الحج والعمرة أن تخرج قاصدا لهما لا لتجارة" ، وقيل: إتمامهما أن تكون النفقة حلالا. 100 - وقال مجاهد ، وإبراهيم: "إتمامهما أن يفعل فيهما كل ما أمر به، وهذا قول جامع". وذهب أبو عبيد إلى أن فسخ الحج إلى العمرة منسوخ بما فعله الخلفاء الراشدون المهديون أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي رضي الله عنهم؛ لأنهم لم يفسخوا حجهم ولم يحلوا إلى يوم النحر. [ ص: 543 ] فهذا قول في فسخ الحج: إنه منسوخ والقول الثاني إن فسخ الحج إنما كان لعلة وذلك أنهم كانوا لا يرون العمرة في أشهر الحج ويرون أن ذلك عظيم فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بفسخ الحج وتحويله إلى العمرة ليعلموا أن العمرة في أشهر الحج جائزة، والدليل على أنهم كانوا يتجنبون العمرة في أشهر الحج وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة في قول ابن عمر وفي قول ابن عباس: "شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة" [ ص: 544 ] والقولان صحيحان؛ لأن العرب تقول: جئتك رجبا ويوم الجمعة وإنما جئت في بعضه فذو الحجة شهر الحج؛ لأن الحج فيه. 101 - ولأن أحمد بن شعيب حدثنا قال: أخبرنا عبد الأعلى بن واصل بن عبد الأعلى ، قال: حدثنا أبو أسامة ، عن وهيب بن خالد ، قال: حدثنا عبد الله بن طاوس ، عن أبيه،عن ابن عباس ، قال: كانوا يرون أن العمرة، في أشهر الحج من أفجر فجور في الأرض ويجعلون المحرم صفرا ويقولون: إذا برأ الدبر، [ ص: 545 ] وعفا الوبر وانسلخ صفر أو قال: دخل صفر حلت العمرة لمن اعتمر، فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم صبيحة رابعة مهلين بالحج فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعلوها عمرة فتعاظم ذلك عندهم فقالوا: يا رسول الله، أي الحل نحل؟ قال: "الحل كله" فهذان قولان. والقول الثالث: إن ابن عباس كان يرى الفسخ جائزا ويقول: من حج فطاف بالبيت فقد حل لا اختلاف في ذلك عنه. 102 - قال ابن أبي مليكة: قال له عروة يا ابن عباس ، أضللت الناس. [ ص: 546 ] قال له: بم ذاك يا عرية؟ قال: تفتي الناس بأنهم إذا طافوا بالبيت حلوا وقد حج أبو بكر ، وعمر فلم يحلا إلى يوم النحر فقال له ابن عباس: قال الله جل وعز ثم محلها إلى البيت العتيق أأقول لك قال الله جل وعز ثم تقول لي قال أبو بكر ، وعمر وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفسخ؟. قال أبو جعفر: وهذا القول انفرد به ابن عباس كما انفرد بأشياء غيره. فأما قوله جل وعز ثم محلها إلى البيت العتيق فليس فيه حجة لأن الضمير للبدن وليس للناس ومحل الناس يوم النحر على قول الجماعة ولهذا سمي يوم الحج الأكبر وذلك صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ ص: 547 ] وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعن ابن عباس ، وإن كان قد روي عن ابن عباس أنه يوم عرفات فهذه ثلاثة أقوال في فسخ الحج. [ ص: 548 ] والقول الرابع: أصحها للتوقيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أنه مخصوص. 103 - كما حدثنا أحمد بن شعيب ، قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ، عن عبد العزيز عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، عن الحارث بن بلال ، عن أبيه، قال: قلنا: يا رسول الله، أفسخ الحج لنا خاصة أم للناس عامة؟ قال: "بل لنا خاصة". [ ص: 549 ] 104 - وقال أبو ذر: كان فسخ الحج لنا رخصة. فإن احتج محتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم في غير هذا الحديث: [ ص: 550 ] 105 - "ذلك لأبد الأبد" فلا حجة له فيه؛ لأنه يعني بذلك جواز العمرة في أشهر الحج. [ ص: 551 ] 106 - فأما حديث عمر أنه قال في المتعة: إن أتيت بمن فعلها عاقبته، وكذا المتعة الأخرى. [ ص: 552 ] فإحداهما المتعة المحرمة بالنساء التي هي بمنزلة الزنا، والأخرى فسخ الحج فلا ينبغي لأحد أن يتأول عليه أنها المتعة في أشهر الحج لأن الله جل وعز قد أباحها بقوله جل وعز فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي . واختلف العلماء في العمرة: فقال بعضهم: هي واجبة بفرض الله جل وعز، وقال بعضهم: هي واجبة بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم: ليست واجبة ولكنها سنة فممن يروى عنه أنه قال: إنها واجبة عمر ، وابن عمر ، وابن عباس ، وهو قول الثوري ، والشافعي. [ ص: 554 ] وأما السنة: 107 - فحدثنا أحمد بن شعيب ، قال: أخبرنا محمد بن عبد الأعلى ، قال: حدثنا خالد ، قال: حدثنا شعبة ، قال: سمعت النعمان بن سالم ، قال: سمعت عمرو بن أوس ، يحدث عن أبي رزين ، أنه قال: يا رسول الله، إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن قال: "حج عن أبيك واعتمر". واحتج قوم في وجوبها بظاهر قول الله جل وعز ولله على الناس حج البيت من استطاع والحج القصد وهو يقع للحج والعمرة، وقال جل وعز يوم الحج الأكبر والحج الأصغر العمرة إلا أن أهل اللغة [ ص: 555 ] يقولون: اشتقاق العمرة من غير اشتقاق الحج؛ لأن العرب تقول: اعتمرت فلانا أي زرته فمعنى العمرة زيارة البيت ولهذا كان ابن عباس لا يرى العمرة لأهل مكة لأنهم بها فلا معنى لزيارتهم إياها، والحج في اللغة القصد. وممن قال العمرة غير واجبة: جابر بن عبد الله ، وسعيد بن المسيب ، [ ص: 556 ] وهو قول مالك ، وأبى حنيفة وقال من احتج لهم: 108 - روى الحجاج بن أرطأة ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر ، قال: قيل: يا رسول الله، العمرة واجبة؟ قال: "لا وأن تعتمروا خير لكم". [ ص: 557 ] قال أبو جعفر: وهذا لا حجة فيه؛ لأن الحجاج بن أرطاة يدلس عمن لقيه وعمن لم يلقه فلا تقوم بحديثه حجة إلا أن يقول: حدثنا أو أخبرنا أو سمعت ولكن الحجة في ذلك قول من قال: الفرائض لا تقع باختلاف وإنما تقع باتفاق. ![]()
__________________
|
|
#14
|
||||
|
||||
![]() كتاب الناسخ والمنسوخ أبو جعفر محمد بن إسماعيل النحاس الناشر: دار العاصمة من صـ 558 الى صــ 565 الحلقة(14) ومما يدخل في هذا الباب الاشتراط في الحج وهو أن يقول إذا لبى بالحج إن حبسني حابس فمحلي حيث حبسني. فممن قال بالاشتراط في الحج عمر ، وعلي ، وابن مسعود ، ومعاذ ، وسعيد بن جبير ، وعطاء ، والحسن ، وقتادة ، وابن سيرين وهو قول [ ص: 558 ] أحمد بن محمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه وقول الشافعي بالعراق ثم تركه بمصر وممن لم يقل به مالك ، وأبو حنيفة ، والشافعي بمصر وحجة الذين قالوا به: 109 - ما حدثنا أحمد بن شعيب ، قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ، قال: أخبرنا عبد الرزاق ، قال: أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة، وعن هشام بن [ ص: 559 ] عروة ، عن أبيه، عن عائشة، رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على ضباعة فقالت: يا رسول الله، إني أريد الحج، وأنا شاكية فقال: حجي واشترطي أن محلي حيث تحبسني " قال إسحاق: قلت لعبد الرزاق: ، الزهري ، وهشام قالا: عن عائشة؟ قال: نعم كلاهما، قال أحمد بن شعيب: لم يصله إلا عبد الرزاق ، عن معمر فلا أدري من أيهما ذلك؟. [ ص: 560 ] 110 - وحدثنا أحمد بن شعيب ، قال: أخبرني عمران بن يزيد ، قال: حدثنا شعيب، وهو ابن إسحاق قال: حدثنا ابن جريج ، قال: أخبرني أبو الزبير ، أنه سمع طاوسا ، وعكرمة ، يخبران عن ابن عباس ، قال جاءت ضباعة بنت الزبير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إني امرأة ثقيلة وأنا أريد الحج فكيف تأمرني أن أصنع؟ قال: "أهلي واشترطي أن محلي حيث حبستني". قال أبو جعفر: أهلي معناه لبي، وأصله من رفع الصوت، ومنه استهل المولود ومنه وما أهل لغير الله به . [ ص: 561 ] فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم الاشتراط في الحج فقال بهذا من ذكرناه واتبعوا ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وكرهه قوم واحتجوا بحديث الزهري عن سالم ، عن أبيه أنه كره الاشتراط في الحج، وقال: 111 - "أما حسبكم سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم أنه لم يشترط" ، واحتج بعض من كرهه بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال لها: "واشترطي أن محلي حيث حبستني" ولم يقل لها: إنه ليس عليك حج إن أحصرت. [ ص: 562 ] وفي الآية فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فكان هذا ناسخا لما كانوا يعتقدونه من أن العمرة لا تجوز في أشهر الحج فجازت في أشهر الحج وجاز القرآن ولم يكونوا يستعملونه. ثم اختلف العلماء في حجة الوداع فقال قوم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج فيها، وقال قوم: بل تمتع بالعمرة إلى الحج، وقال قوم: بل قرن وجمع بين الحج والعمرة وكل هذا مروي بأسانيد صحاح حتى طعن بعض أهل الأهواء وبعض الملحدين في هذا وقالوا: هذه الحجة التي حجها رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمع ما كان أصحابه فقد اختلفتم فيها وهي أصل من أصول الدين، فكيف يقبل منكم ما رويتموه من أخبار الآحاد، وهذا الطعن من أحد اثنين إما أن يكون الطاعن به جاهلا باللغة التي خوطب بها القوم وإما أن يكون جائرا عن الحق، وسنذكر أصح ما روي من الاختلاف في هذا ونبين أنه غير متضاد. [ ص: 563 ] وقد قال الشافعي: "هذا من أيسر ما اختلفوا فيه وإن كان قبيحا" وهذا كلام صحيح؛ لأن المسلمين قد أجمعوا أنه يجوز الإفراد والتمتع والقران وإن كان بعضهم قد اختار بعض هذا. 112 - قال أبو جعفر: كما قرئ على أحمد بن محمد بن خالد البراثي ، عن خلف بن هشام المقرئ ، قال: سمعت مالك بن أنس ، في " الإفراد بالحج: إنه أحب إليه لا التمتع والقران قال: وليس على المفرد هدي ". 113 - قال البراثي ، وحدثنا عبد الله بن عون ، قال: حدثنا مالك بن أنس ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه، عن عائشة، رضي الله عنها "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج" وهذا إسناد مستقيم لا مطعن فيه. [ ص: 564 ] والحجة لمن اختار الإفراد أن المفرد أكثر تعبا من المتمتع لإقامته على الإحرام فرأى أن ذلك أعظم لثوابه. والحجة في اتفاق الأحاديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أمر بالتمتع والقرآن جاز أن يقال: تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرن كما قال جل وعز ونادى فرعون في قومه . 114 - وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "رجمنا ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما أمرنا بالرجم". ![]()
__________________
|
|
#15
|
||||
|
||||
![]() كتاب الناسخ والمنسوخ أبو جعفر محمد بن إسماعيل النحاس الناشر: دار العاصمة من صـ 566 الى صــ 574 الحلقة(15) 115 - وحدثنا بكر بن سهل ، قال: حدثنا عبد الله بن يوسف ، قال: أخبرنا مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم" وإنما أمر من قطع فلما كان رسول الله صلى الله عليه [ ص: 565 ] وسلم قد أمر بالتمتع والقران جاز هذا. ومن الدليل على أمره بذلك: 116 - أن أحمد بن شعيب حدثنا قال: أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي ، قال: حدثنا حماد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه، عن عائشة، قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم موافين لهلال ذي الحجة، فقال: "من شاء منكم أن يهل بحجة فليهل، ومن شاء أن يهل بعمرة فليهل بعمرة". قال أبو جعفر: هذا احتجاج لمن رأى إفراد الحج، وسنذكر غيره، فأما التمتع بالعمرة إلى الحج فهذا موضع ذكره. [ ص: 566 ] 117 - قال أبو جعفر: قرئ على أحمد بن محمد بن الحجاج ، عن يحيى بن عبد الله بن بكير ، عن الليث بن سعد ، قال: حدثني عقيل ، عن الزهري ، قال: أخبرني سالم بن عبد الله ، عن عبد الله بن عمر ، قال: تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج وأهدى فساق الهدي من ذي الحليفة وبدأ فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج وتمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج، وساق الحديث. 118 - قال الزهري: وأخبرني عروة ، عن عائشة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تمتعه بالعمرة إلى الحج مثل الذي أخبرني سالم عن عبد الله بن عمر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أبو جعفر: فإن قال قائل: هذا متناقض رويتم عن القاسم ، عن [ ص: 567 ] عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج، ورويتم هاهنا عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة التمتع، قيل له: الحديثان متفقان وذلك بين ألا ترى أن في هذا الحديث نصا، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج أفلا ترى الحج مفردا من العمرة فهذا بين جدا. 119 - قال أبو جعفر: ، حدثنا أحمد بن شعيب ، قال: أخبرنا محمد بن المثنى ، عن عبد الرحمن ، عن سفيان ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب ، عن أبي موسى ، قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالبطحاء فقال: "بم أهللت؟" فقلت بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم قال: "هل سقت من هدي؟" قلت: لا قال: "فطف بالبيت وبالصفا والمروة وحل" فطفت بالبيت وبالصفا والمروة ثم أتيت امرأة من قومي فمشطتني وغسلت رأسي فلم أزل أفتي الناس بذلك في إمارة أبي بكر وإمارة عمر فإني لقائم بالموسم إذ أتاني رجل فقال: إنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك، فقلت: يا أيها الناس من أفتيناه بشيء فليتئد فإن أمير المؤمنين قادم فأتموا به فلما قدم قلت: يا أمير المؤمنين ما أحدثت في النسك؟ قال: أن نأخذ بكتاب الله جل وعز فقد قال الله جل ثناؤه وأتموا الحج والعمرة لله [ ص: 568 ] وأن نأخذ بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لم يحل حتى نحر الهدي ". قال أبو جعفر: قوله: فليتئد معناه فليتثبث، مشتق من التؤدة، وقوله: لم يحل أي: لم يحل من إحرامه، أي: لم يستحل لبس الثياب والطيب وما أشبههما وفي هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أبي موسى بالتمتع وفيه أن أبا موسى توقف عن الفتيا بالتمتع وقد أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن وافى عمر فلما وافى عمر منع من التمتع فلم يراده أبو موسى ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أجاز غيره فدل هذا على أن إمام المسلمين إذا اختار قولا يجوز ويجوز غيره وجب أن لا يخالف عليه ونظير هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [ ص: 569 ] . 120 - "أنزل القرآن على سبعة أحرف". فرأى عثمان رضي الله عنه أن يزيل منها ستة وأن يجمع الناس على حرف واحد فلم يخالفه أكثر الصحابة حتى قال علي رضي الله عنه. [ ص: 570 ] 121 - "لو كنت موضعه لفعلت كما فعل". وفي هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي موسى: "طف بالبيت وبين الصفا والمروة وحل" ولم يقل له: احلق ولا قصر فدل على أن الحلق والتقصير غير واجبين وفيه أهللت بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم فدل هذا على أن هذا جائز لمن فعله، وقال بعض أهل العلم: هذا يدل على أنه جائز أن يلبي الرجل ولا يريد حجا ولا عمرة ثم يوجب بعد ذلك ما شاء واستدل قائل هذا على أن النبي صلى الله عليه وسلم لبى مرة بالإفراد ومرة بالتمتع ومرة بالقران حتى نزل عليه القضاء فقرن. وقال بعض أهل العلم: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قارنا وإذا كان قارنا فقد حج واعتمر، واتفقت الأحاديث ومن أحسن ما قيل في هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بعمرة فقال من رآه تمتع ثم أهل بحجة فقال من رآه أفرد ثم قال: "لبيك بحجة وعمرة" فقال من سمعه: قرن فاتفقت الأحاديث والدليل على هذا أنه لم يرو أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أفردت ولا تمتعت وصح عنه أنه قال "قرنت". 122 - كما حدثنا أحمد بن شعيب ، قال: أخبرني معاوية بن صالح ، قال: حدثنا يحيى بن معين ، قال: حدثنا حجاج ، قال: حدثنا يونس ، عن أبي إسحاق ، عن البراء ، قال: كنت مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليمن فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم قال علي: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ماذا صنعت؟ قلت: أهللت بإهلالك قال: "فإني سقت الهدي وقرنت" ثم أقبل على أصحابه فقال: "لو استقبلت من أمري كما استدبرت لفعلت كما فعلتم ولكن سقت الهدي وقرنت". [ ص: 572 ] 123 - وحدثنا أحمد بن شعيب ، قال: حدثنا يعقوب ، قال: حدثنا هشيم ، قال: أخبرنا حميد ، قال: حدثنا بكر بن عبد الله المزني ، قال: سمعت أنس بن مالك ، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي بالعمرة والحج جميعا فحدثت بذلك ابن عمر ، فقال: لبى بالحج وحده، فلقيت أنسا فحدثته فقال: ما تعدوننا إلا صبيانا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لبيك عمرة وحجة معا". [ ص: 573 ] فهذه أحاديث بينة ويزيدك في ذلك بيانا: 124 - أن بكر بن سهل حدثنا، قال: حدثنا عبد الله بن يوسف ، قال: أخبرنا مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن حفصة، قالت: قلت: يا رسول الله، ما بال الناس قد حلوا من عمرتهم ولم تحل؟ قال: "إني لبدت رأسي وسقت هديي فلا أحل حتى أنحر". وهذا يبين أنه كان قارنا، لأنه لو كان متمتعا أو مفردا لم يمتنع من نحر الهدي فهذا ما في الحج من ناسخ ومنسوخ واحتجاج، ونذكر بعده ما في الخمر [ ص: 574 ] من النسخ ونذكر قول من قال: إن الآية التي في سورة البقرة ناسخه لما كان مباحا من شرب الخمر، وقول من قال إنها منسوخة ونذكر ما هو بمنزلة الخمر من الشراب وما يدل على ذلك من الأحاديث الصحاح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يدل من المعقول ومن الاشتقاق واللغة على أن ما أسكر كثيره فقليله حرام وأنه خمر ونذكر الشبهة التي أدخلها قوم وهذا كله في الآية الثامنة عشرة. ![]()
__________________
|
|
#16
|
||||
|
||||
![]() كتاب الناسخ والمنسوخ أبو جعفر محمد بن إسماعيل النحاس الناشر: دار العاصمة من صـ 575 الى صــ 582 الحلقة(16) باب ذكر الآية الثامنة عشرة. قال جل وعز يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما . قال جماعة من العلماء: هذه الآية ناسخة لما كان مباحا من شرب الخمر وقال آخرون: هي منسوخة بتحريم الخمر في قوله جل وعز فاجتنبوه . قال أبو جعفر: وسنذكر حجج الجميع فمن قال: إنها منسوخة احتج بأن المنافع التي فيها إنما كانت قبل التحريم ثم نسخت وأزيلت. 125 - كما حدثنا جعفر بن مجاشع ، قال: حدثنا إبراهيم بن إسحاق ، قال: حدثنا إبراهيم بن عبد الله ، عن محمد بن يزيد ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله جل وعز يسألونك عن الخمر والميسر ، قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس قال: "المنافع قبل التحريم". [ ص: 576 ] 126 - وحدثنا جعفر بن مجاشع ، قال: حدثنا إبراهيم بن إسحاق ، قال: حدثنا محمد بن هارون ، قال: حدثنا صفوان ، عن عمر بن عبد الواحد ، عن عثمان بن عطاء ، عن أبيه، يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس قال: " نسختها يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى يعني المساجد ثم أنزل ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا . ، ثم أنزل يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه " الآيتين. واحتج من قال: إنها ناسخة بالأحاديث المتواترة التي فيها بيان علة نزول تحريم الخمر وبغير ذلك. قال أبو جعفر: فمن الحجج: 127 - ما قرئ على أحمد بن محمد بن الحجاج ، أن عبد العزيز بن عمران بن أيوب بن مقلاص حدثهم سنة تسع وعشرين ومائتين قال: حدثنا [ ص: 577 ] محمد بن يوسف ، قال: حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل ، عن عمر ، أنه قال : " اللهم بين لنا في الخمر، فنزلت يسألونك عن الخمر والميسر الآية فقرئت عليهم فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فإنها تذهب العقل والمال فنزلت يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي وقت الصلاة لا يقربن الصلاة سكران فدعى عمر فقرئت عليه فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فإنها تذهب العقل والمال فنزلت يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان إلى فهل أنتم منتهون فقال عمر رضي الله عنه: انتهينا انتهينا ". [ ص: 578 ] 128 - قال أحمد بن محمد بن الحجاج: ، وحدثنا عمر بن خالد ، سنة خمس وعشرين قال: حدثنا زهير ، قال: حدثنا سماك ، قال: حدثني مصعب بن سعد ، عن سعد ، قال: "مررت بنفر من المهاجرين والأنصار فقالوا لي: تعال نطعمك ونسقيك خمرا وذلك قبل أن تحرم الخمر: فأتيتهم في حش قال والحش البستان فإذا عندهم رأس جزور مشوي وزق خمر فأكلنا وشربنا فذكرت الأنصار فقلت: المهاجرون خير من الأنصار فأخذ رجل منهم أحد لحيي الرأس فجرح به أنفي فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فنزلت يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر ". قال أبو جعفر: وفي حديث سعيد بن جبير ، عن ابن عباس: 129 - نزل تحريم الخمر في حيين من قبائل الأنصار لما ثملوا شج بعضهم [ ص: 579 ] بعضا ووقعت بينهم الضغائن فنزلت يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر إلى منتهون . قال أبو جعفر: فهذا يبين أن الآية ناسخة. ومن الحجة لذلك أيضا أن جماعة من الفقهاء يقولون: تحريم الخمر بآيتين من القرآن بقوله جل وعز قل فيهما إثم كبير وبقوله قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم فلما حرم الإثم وأخبر أن في الخمر إثما وجب أن تكون محرمة. فأما قول من قال: إن الخمر يقال لها الإثم فغير معروف من حديث ولا لغة والقول الأول جائز وأبين منه أنها محرمة بقوله تعالى: فاجتنبوه وإذا نهى الله جل وعز عن شيء فهو محرم. [ ص: 580 ] وفي الأحاديث التي ذكرناها ما يحتاج إلى تفسير فمن ذلك ثملوا معناه: سكروا، وبعضهم يروي في حديث سعد: ففزر به أنفي، أي فلقه وشقه ومنه فزرت الثوب، والفزر القطعة من الغنم وفي الأحاديث في سبب نزول تحريم الخمر أسباب يقول القائل: كيف يتفق بعضها مع بعض وعمر رضي الله عنه يقول شيئا وسعد يقول غيره وابن عباس قد أتى بسواهما. قال أبو جعفر: والجواب أن الأحاديث متفقة لأن عمر رضي الله عنه سأل بيانا شافيا في تحريم الخمر ولم يقل: نزلت في ذلك لا في غيره فيجوز أن يكون سؤال عمر وافق ما كان من سعد بن أبي وقاص ومن الحيين اللذين من قبائل الأنصار، فتتفق الأحاديث ولا تتضاد. وفيها من الفقه أن منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينادي وقت الصلاة لا يقربن الصلاة سكران فدل بهذا على أن القول ليس كما قال بعض الفقهاء إن السكران الذي لا يعرف السماء من الأرض ولا الذكر من الأنثى وإن رجلا لو قال له وأشار إلى السماء ما هذه؟ فقال: الأرض لم يكن سكران لأنه قد فهم عنه كلامه ولو كان الأمر على هذا لما جاز أن [ ص: 581 ] يخاطب من لا يعرف الذكر من الأنثى ولا يفهم الكلام فيقال له: لا تقرب الصلاة وأنت سكران فتبين بهذا الحديث أن السكران هو الذي أكثر أمره التخليط. وقد حكى أحمد بن محمد بن الحجاج أن أحمد بن صالح سئل عن السكران فقال: أنا آخذ فيه بما رواه ابن جريج عن عمرو بن دينار ، عن يعلى بن منية ، عن أبيه قال: 130 - سألت عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن حد السكران، فقال: "هو الذي إذا استقرأته سورة لم يقرأها وإذا خلطت ثوبه مع ثياب لم يخرجه". وفي الحديث من الفقه أن قوله: "لا يقربن الصلاة سكران" قد دل على أن [ ص: 582 ] قول الله جل وعز لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ليس من النوم وأنه من الشرب حين كان مباحا وقد تبين أن الآية ناسخة لما ذكرنا وبقي البيان عن الخمر المحرمة وما هي؟ لأن قوما قد أوقعوا في هذا شبهة فقالوا: الخمر هي المجمع عليها ولا يدخل فيها ما اختلف فيه فهذا ظلم من القول يجب على قائله أن لا يحرم شيئا اختلف فيه وهذا عظيم من القول. ![]()
__________________
|
|
#17
|
||||
|
||||
![]() كتاب الناسخ والمنسوخ أبو جعفر محمد بن إسماعيل النحاس الناشر: دار العاصمة من صـ 583 الى صــ 591 الحلقة(17) واحتج أيضا بأن من قال: الخمر التي لا اختلاف فيها محلها كافر وليس كذا غيرها وهذان الاحتجاجان أشد ما لهم. [ ص: 583 ] فأما الأحاديث التي جاءوا بها فلا حجة فيها لضعف أسانيدها ولتأويلهم إياها على غير الحق. 131 - وقد قال عبد الله بن المبارك: ما صح تحليل النبيذ الذي يسكر كثيره عن أحد من الصحابة ولا التابعين إلا عن إبراهيم النخعي. قال أبو جعفر: فأما الاحتجاجان الأولان اللذان يعتمدون عليهما فقد بينا الرد في أحدهما وسنذكر الآخر فالخمر المحرمة تنقسم قسمين أحدهما المجمع عليها وهي عصير العنب إذا رغا وأزبد فهذه الخمر التي من أحلها كافر والخمر الأخرى التي من أحلها ليس بكافر وهي التي جاء بها التوقيف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها الخمر وعن أصحابه رضي الله عنهم بالأسانيد التي لا يدفعها إلا صاد عن الحق أو جاهل إذ قد صح عنه صلى الله عليه وسلم تسميتها خمرا وتحريمها، فمن ذلك: 132 - ما حدثناه بكر بن سهل ، قال: حدثنا عبد الله بن يوسف ، قال: أخبرنا [ ص: 584 ] مالك بن أنس ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة ، عن عائشة، أنها قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتع فقال: "كل شراب أسكر حرام". قال أبو جعفر: فلو لم يكن في هذا الباب إلا هذا الحديث لكفى لصحة إسناده واستقامة طريقه وقد أجمع الجميع أن الآخر لا يسكر إلا بالأول فقد حرم الجميع بتوقيف رسول الله صلى الله عليه وسلم. 133 - وفي هذا الباب مما لا يدفع: ما قرئ على أبي القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز ، عن أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل قال: حدثنا يونس بن محمد ، قال حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل مسكر خمر وكل مسكر حرام". [ ص: 585 ] قال أبو عبد الله: هذا إسناد صحيح. 134 - قال أبو عبد الله ، وحدثنا روح بن عبادة ، قال: حدثنا ابن جريح ، قال: أخبرني موسى بن عقبة ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كل مسكر حرام وكل مسكر خمر". 135 - قال أبو عبد الله: ، وحدثنا يزيد بن هارون ، قال: أخبرنا محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن ابن عمر ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل مسكر خمر وكل مسكر حرام". 136 - قال أبو عبد الله: ، وحدثنا محمد بن جعفر ، قال: حدثنا شعبة ، عن سعيد بن أبي بردة ، عن أبيه، عن جده، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وجه أبا موسى ، ومعاذ بن جبل إلى اليمن فقال أبو موسى: يا رسول الله، إنا بأرض يصنع بها شراب من العسل يقال له البتع، وشراب من شعير، [ ص: 586 ] يقال له المزر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل مسكر حرام". 137 - قال أبو عبد الله: ، وحدثنا يحيى بن سعيد ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل مسكر حرام". فهذه الأسانيد المتفق على صحتها. 138 - وقرئ على أبي بكر أحمد بن عمرو ، عن علي بن الحسين الدرهمي ، قال: حدثنا أنس بن عياض ، قال: حدثنا موسى بن عقبة ، عن سالم بن عبد [ ص: 587 ] الله بن عمر ، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما أسكر كثيره فقليله حرام". فهذا تحريم قليل ما أسكر كثيره نصا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الإسناد المستقيم. قال أبو بكر أحمد بن عمرو وقد روى التحريم عائشة، وسعد بن أبي وقاص ، وجابر ، وعمر ، وابن عباس ، وأنس ، وأبو سعيد الخدري ، وعبد الله [ ص: 588 ] بن عمر ، وأبو هريرة ، وقرة بن إياس ، وخوات بن جبير ، والديلم بن الهوشع ، وأبو موسى الأشعري ، وبريدة الأسلمي ، وأم سلمة، وميمونة، وقيس بن سعد. [ ص: 589 ] وإسناد حديث عائشة وابن عمر ، وأنس صحيح وسائر الأحاديث يؤيد بعضها بعضا. 139 - وقرئ على أحمد بن شعيب بن علي أبي عبد الرحمن ، عن هشام بن عمار ، قال: حدثنا صدقة بن خالد ، عن زيد بن واقد ، قال: أخبرني خالد بن عبد الله بن حسين ، عن أبي هريرة ، قال: علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم فتحينت فطره بنبيذ صنعته له في دباء فجئته به فقال: "أدنه" فأدنيته منه فإذا هو ينش فقال: "اضرب بهذا الحائط فإن هذا شراب من لا يؤمن بالله واليوم الآخر". [ ص: 590 ] قال أبو عبد الرحمن: وفي هذا دليل على تحريم المسكر قليله وكثيره ليس كما يقوله المخادعون لأنفسهم بتحريمهم آخر الشربة وتحليلهم ما تقدمها الذي سرى في العروق قبلها قال: ولا خلاف بين أهل العلم أن السكر بكليته لا يحدث عن الشربة الآخرة دون الأولى والثانية بعدها. 140 - قال أبو عبد الرحمن: وأخبرنا عبيد الله بن سعيد ، قال: حدثنا يحيى ، عن عبيد الله ، قال: حدثنا عمرو بن شعيب ، عن أبيه، عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما أسكر كثيره فقليله حرام". قال أبو عبد الرحمن: " إنما يتكلم في حديث عمرو بن شعيب إذا رواه عنه غير الثقات فأما إذا رواه الثقات فهو حجة، وعبد الله بن عمرو جد عمرو بن شعيب كان يكتب ما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم وحديثه من أصح الحديث. [ ص: 591 ] 141 - قال أبو عبد الرحمن: وأخبرنا إسحاق بن إبراهيم ، قال: أخبرنا أبو عامر ، والنضر بن شميل ، ووهب بن جرير ، قالوا: حدثنا شعبة ، عن سلمة بن كهيل ، قال: سمعت أبا الحكم ، يحدث قال: قال ابن عباس: "من سره أن يحرم إن كان محرما ما حرم الله ورسوله، فليحرم النبيذ". 142 - قال أبو عبد الرحمن: وأخبرنا قتيبة ، قال: حدثنا عبد العزيز ، عن عمارة بن غزية ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، أن رجلا، من جيشان وجيشان من اليمن قدم فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة يقال له المزر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أو مسكر هو؟" قال: نعم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل مسكر حرام إن الله عز وجل عهد لمن شرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال" قالوا: يا رسول الله، وما طينة الخبال؟ قال: عرق أهل النار " أو قال: "عصارة أهل النار". ![]()
__________________
|
|
#18
|
||||
|
||||
![]() كتاب الناسخ والمنسوخ أبو جعفر محمد بن إسماعيل النحاس الناشر: دار العاصمة من صـ 592 الى صــ 599 الحلقة(18) وما يبين أن الخمر تكون من غير عصير العنب من لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن اللغة ومن الاشتقاق، فأما لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم مما لا يدفع إسناده. 143 - أنه قرئ على أحمد بن شعيب ، عن سويد بن نصر ، عن ابن المبارك ، عن الأوزاعي ، قال: حدثني أبو كثير، واسمه يزيد بن عبد الرحمن ، قال أبو عبد الرحمن: وأخبرني حميد بن مسعدة ، عن سفيان وهو ابن حبيب ، عن الأوزاعي ، قال: حدثنا أبو كثير ، قال: سمعت أبا هريرة ، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الخمر من هاتين الشجرتين" قال سويد: في هاتين الشجرتين النخلة والعنبة، [ ص: 593 ] فوقفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن الخمر من النخلة، فخالف ذلك قوم وقالوا: لا يكون إلا من العنبة ثم نقضوا قولهم وقالوا: نقيع التمر والزبيب خمر؛ لأنه لم يطبخ. 144 - وقرئ على أحمد بن عمرو ، وأبي بكر ، عن علي بن سعيد المسروقي ، قال: حدثنا عبد الرحيم بن سليمان ، قال: حدثنا السري بن إسماعيل ، عن الشعبي ، عن النعمان بن بشير ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الخمر من خمسة من الحنطة والشعير والتمر والزبيب والعسل وما خمرته فهو خمر". 145 - وقرئ على أحمد بن شعيب عن يعقوب بن إبراهيم ، قال حدثنا: ابن علية ، قال: حدثنا أبو حيان ، قال: حدثني الشعبي ، عن ابن عمر ، قال: سمعت عمر ، يخطب على منبر المدينة قال: "أيها الناس ألا إنه نزل تحريم الخمر يوم [ ص: 594 ] نزل وهي من خمسة من العنب، والتمر، والعسل والحنطة، والشعير، والخمر ما خامر العقل". فهذا توقيف في الخمر أنها من غير عنب. وفيه بيان الاشتقاق وأنه ما خامر العقل مشتق من الخمر وهو كل ما وارى من نخل وغيره فقيل: خمر؛ لأنها تستر العقل ومنه فلان مخمور يقال هذا فيما كان من عصير العنب وغيره لا فرق بينهما وما منهما إلا ما يريد الشيطان أن يوقع بينهم فيه العداوة والبغضاء ويصد به عن ذكر الله وعن الصلاة فالقليل من هذا ومن هذا واحد فهذا أصح ما قيل في اشتقاقها وأجله إسنادا قاله عمر رضي الله عنه على المنبر بحضرة الصحابة. [ ص: 595 ] فأما سعيد بن المسيب فروي عنه أنه قال: 146 - إنما سميت الخمر خمرا؛ لأنها صعد صفوها ورسب كدرها. قال أبو جعفر: فاشتقاق هذا أيضا على أن الصفو ستر الكدر. وقال بعض المتأخرين: سميت خمرا؛ لأنها تخمر أي: تغطي وسمي نبيذا؛ لأنه ينبذ ولو صح هذا لكان النبيذ أيضا يخمر. 147 - ومما يشبه ما تقدم: ما حدثناه بكر بن سهل ، قال: حدثنا عبد الله بن يوسف ، قال: حدثنا مالك ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أنس بن مالك ، قال: " كنت أسقي أبا عبيدة بن الجراح ، وأبا طلحة الأنصاري ، وأبي بن كعب شراب فضيخ وتمر فجاءهم آت فقال: إن الخمر قد حرمت، [ ص: 596 ] فقال أبو طلحة: يا أنس ، قم إلى تلك الجرار فاكسرها فقمت إلى مهراس لنا فدفعتها بأسفله فكسرتها ". قال أبو جعفر: ففي هذه الأحاديث من الفقه تصحيح قول من قال: إن ما أسكر كثيره فقليله حرام عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة ثم كان الصحابة على ذلك وبه يفتون أشدهم فيه علي بن أبي طالب رضي الله عنه يخاطبهم نصا : 148 - "بأن ما أسكر كثيره فقليله حرام" ثم ابن عمر لما سئل عن نبيذ ينبذ بالغداة ويشرب بالعشي قال محمد بن سيرين فقال للسائل: 149 - إني أنهاك عن قليل، ما أسكر كثيره وإني أشهد الله جل وعز عليك فإن أهل خيبر يشربون شرابا يسمونه كذا وهي الخمر وإن أهل فدك يشربون شرابا يسمونه كذا وهي الخمر وإن أهل [ ص: 597 ] يعني مصر يشربون شرابا من العسل يسمونه البتع وهي الخمر. ثم عائشة رضي الله عنها لما سئلت عن غير عصير العنب فقالت: 150 - صدق الله ورسوله، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يشرب قوم الخمر يسمونها بغير أسمائها" فلم يزل الذين يروون هذه الأحاديث يحملونها على هذا عصرا بعد عصر حتى عرض فيها قوم فقالوا: المحرم الشربة الآخرة التي تسكر وقالوا قد قالت اللغة الخبز المشبع والماء المروي قال أبو جعفر: فإن صح هذا في اللغة فهو حجة عليهم لا لهم؛ لأنه لا يخلو من إحدى جهتين إما أن يكون معناه للجنس كله أي صفة الخبز أنه يشبع وصفة الماء أنه يروي فيكون هذا لقليل الخبز وكثيره؛ لأنه جنس فكذا قليل ما يسكر، أو يكون الخبز المشبع فهو لا يشبع إلا بما كان قبله فكله مشبع فكذا قليل المسكر وكثيره. [ ص: 598 ] وإن كانوا قد تأولوه على أن معنى المشبع هو الآخر الذي يشبع وكذا الماء المروي فيقال لهم: ما حد ذلك المروي والذي لا يروي؟ فإن قالوا: لا حد له فهو كله إذا مرو وإن حدوه قيل لهم: ما البرهان على ذلك؟ وهل يمتنع الذي لا يروي مما حددتموه أن يكون يروي عصفورا؟ وما أشبهه فبطل الحد وصار القليل مما يسكر كثيره داخلا في التحريم وعارضوا بأن المسكر بمنزلة القاتل لا يسمى مسكرا حتى يسكر كما لا يسمى القاتل قاتلا حتى يقتل. قال أبو جعفر: وهذا لا يشبه من هذا شيئا؛ لأن المسكر جنس وليس كذا القاتل ولو كان كما قالوا لوجب ألا يسمى الكثير من المسكر مسكرا حتى يسكر وكان يجب أن يحلوه، وهذا خارج عن قول الجميع وقالوا: معنى: كل مسكر حرام، على القدح الذي يسكر وهذا خطأ من جهة اللغة وكلام العرب؛ لأن "كل" معناها العموم فالقدح الذي يسكر مسكر والجنس كله مسكر وقد حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم الكل فلا يجوز الاختصاص إلا بتوقيف وإنما قولنا: مسكر يقع للجنس القليل والكثير كما يقال: التمر بالتمر زيادة ما بينهما ربا فدخل في هذه التمرة والتمرتان والقليل والكثير، كذا دخل في كل مسكر القليل والكثير. [ ص: 599 ] وشبه بعضهم هذا بالدواء والبنج الذي يحرم كثيره ويحل قليله وهذا التشبيه بعيد لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: 151 - "ما أسكر كثيره فقليله حرام" وقال: 152 - "كل مسكر خمر". فالمسكر وهو الخمر هو الجنس الذي قال الله جل وعز فيه إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر وليس هذا في الدواء والبنج، وإنما هذا في كل شراب فهو هكذا، وعارضوا بأن قالوا: فليس ما أسكر كثيره بمنزلة الخمر في كل أحواله. قال أبو جعفر: وهذه مغالطة وتمويه على السامع، لأنه لا يجب من هذا إباحة، وقد علمنا أنه ليس من قتل مسلما غير نبي بمنزلة من قتل نبيا فليس يجب إذا لم يكن بمنزلة في جميع الأحوال أن يكون مباحا كذا من شرب ما أسكر كثيره وإن لم يكن بمنزلة من شرب عصير العنب الذي قد نش فليس يجب من هذا أن يباح له ما قد شرب ولكنه بمنزلته في أنه قد شرب محرما وشرب خمرا وأنه يحد في القليل منه كما يحد في القليل من الخمر. وهذا [ ص: 600 ] قول من لا يدفع قوله منهم عمر ، وعلي رضي الله عنهما. ![]()
__________________
|
|
#19
|
||||
|
||||
![]() كتاب الناسخ والمنسوخ أبو جعفر محمد بن إسماعيل النحاس الناشر: دار العاصمة من صـ 600 الى صــ 614 الحلقة(19) ومعنى "كل مسكر خمر" يجوز أن يكون بمنزلة الخمر في التحريم وأن يكون المسكر كله يسمى خمرا كما سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ذكرنا من الصحابة والتابعين بالأسانيد الصحيحة وقد عارض قوم بعض الأسانيد من غير ما ذكرناه فمن ذلك: 153 - ما قرئ على عبد الله بن محمد بن عبد العزيز ، عن شيبان بن فروخ ، عن مهدي بن ميمون ، قال حدثنا أبو عثمان الأنصاري ، قال: حدثنا القاسم بن محمد ، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل مسكر حرام وما أسكر الفرق فملء الكف منه حرام". [ ص: 601 ] قال أبو جعفر: الفرق بفتح الراء لا غير وهو ثلاث أصوع وكذا فرق الصبح بالفتح وكذا الفرق من الفزع والفرق أيضا تباعد ما بين الشيئين فأما الفرق بإسكان الراء ففرق الشعر وكذا الفرق بين الحق والباطل. 154 - وقرئ على أبي القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز ، عن أبي سعيد الأشج ، عن الوليد بن كثير ، قال: حدثنا الضحاك بن عثمان ، عن بكير بن عبد الله بن الأشج ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنهاكم عن قليل، ما أسكر كثيره". 155 - قال أبو القاسم: ، وحدثنا أحمد بن محمد بن حنبل قال حدثنا سليمان بن داود يعني الهاشمي ، قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر ، قال: حدثنا داود بن بكر يعني ابن أبي الفرات ، قال: حدثنا محمد بن المنكدر ، عن جابر ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أسكر كثيره فقليله حرام". [ ص: 602 ] قال أبو جعفر: فمن عجيب ما عارضوا به أن قالوا: أبو عثمان الأنصاري مجهول والمجهول لا تقوم به حجة فقيل لهم: ليس بمجهول والدليل على ذلك أنه قد روى عنه الربيع بن صبيح ، وليث بن أبي سليم ، ومهدي بن ميمون ، ومن روى عنه اثنان فليس بمجهول. وقالوا: الضحاك بن عثمان مجهول قيل لهم: قد روى عنه عبد العزيز بن محمد ، وعبد العزيز بن أبي حازم ، ومحمد بن جعفر بن أبي كثير ، وابن أبي فديك وقالوا: داود بن بكر مجهول قيل لهم: قد روى عنه إسماعيل بن جعفر ، وأنس بن عياض وإنما تعجب من معارضتهم بهذا؛ لأنهم يقولون في دين الله جل وعز بما رواه أبو فزارة زعموا عن أبي زيد ، عن ابن مسعود: 156 - أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن وأنه توضأ بنبيذ التمر، [ ص: 603 ] وأبو زيد لا يعرف ولا يدرى من أين هو؟. وقد روى إبراهيم عن علقمة قال: [ ص: 604 ] 157 - سألت عبد الله هل كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن؟ فقال "لا وبودي أن لو كنت معه" ويحتجون بحديث رووه قال أبو جعفر: سنذكره بإسناده. 158 - عن أبي إسحاق ، عن ابن ذي لعوة ، أن عمر ، حد رجلا شرب من إداوته وقال: "أحدك على السكر" وهذا من عظيم ما جاءوا به، وابن ذي لعوة لا يعرف، وهكذا قول أبي بكر بن عياش ، لعبد الله بن إدريس: [ ص: 605 ] 159 - حدثنا أبو إسحاق ، عن أصحابه، أن ابن مسعود ، " كان يشرب الشديد فقال له عبد الله بن إدريس: استحييت لك يا شيخ " من أصحابه؟ وأبو إسحاق إذا سمى من حدث عنه ولم يقل: سمعت لم يكن حجة، وما هذا الشديد؟ أهو خل أم نبيذ؟. ولكن حدثنا محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة عن ابن عمر ، وأبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل مسكر خمر وكل مسكر حرام". وحدثنا محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل شراب أسكر حرام" فأفحم أبو بكر بن عياش ، وكان عبد الله بن إدريس في الكوفيين متشددا في تحريم قليل ما أسكر كثيره. [ ص: 606 ] 160 - وقال الأوزاعي: قلت لسفيان الثوري: " إن الله جل وعز لا يسألني يوم القيامة لم لم تشرب النبيذ؟ ويسألني لم شربته؟ فقال: "لا أفتي به أبدا". وقال أبو يوسف: "في أنفسنا من الفتيا به أمثال الجبال ولكن عادة البلد" ، ثم اجتمعوا جميعا على تحريم المعاقرة وتحريم النقيع. وقال أبو حنيفة: "هو بمنزلة الخمر". فأما الأحاديث التي احتجوا بها فما علمت أنها تخلو من إحدى جهتين، [ ص: 607 ] إما أن تكون واهية الإسناد وإما تكون لا حجة لهم فيها إلا التمويه فرأينا أن نذكرها ونذكر ما فيها ليكون الباب كامل المنفعة فمن ذلك: 161 - ما حدثناه أحمد بن محمد الأزدي ، قال: حدثنا روح ، قال: حدثنا عمرو ، قال: حدثنا أبو إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، قال: شهدت عمر حين طعن فجاءه الطبيب فقال: أي الشراب أحب إليك؟ قال: "النبيذ" قال: فأتي بنبيذ فشربه فخرج من إحدى طعناته وكان يقول: " إنا نشرب من هذا النبيذ شرابا يقطع لحوم الإبل قال: وشربت من نبيذه فكان كأشد النبيذ ". [ ص: 608 ] قال أبو جعفر: هذا الحديث لا تقوم به حجة؛ لأن أبا إسحاق لم يقل: حدثنا عمرو بن ميمون ، وهو مدلس لا تقوم بحديثه حجة حتى يقول: حدثنا وما أشبهه، ولو صححنا الحديث على قولهم لما كانت لهم فيه حجة؛ لأن النبيذ غير محظور إذا لم يسكر كثيره ومعنى النبيذ في اللغة منبوذ وإنما هو ماء نبذ فيه تمر أو زبيب أو نظيرهما مما يطيب الماء ويحليه؛ لأن مياه المدينة كانت غليظة فما في هذا الحديث من الحجة؟. 162 - واحتجوا بما حدثناه أحمد بن محمد الأزدي ، قال: حدثنا فهد ، قال: حدثنا عمر بن حفص بن غياث ، قال: حدثنا أبي، عن الأعمش ، قال: حدثنا حبيب بن أبي ثابت ، عن نافع بن علقمة ، قال: أمر عمر رضي الله عنه بنزل له في بعض تلك المنازل فأبطأ عليهم ليلة فجيء بطعام فطعم ثم أتي بنبيذ قد أخلف واشتد فشرب منه ثم قال: "إن هذا لشديد ثم أمر بماء فصب عليه ثم شرب هو وأصحابه" [ ص: 609 ] قال أبو جعفر: هذا الحديث فيه غير علة منها أن حبيب بن أبي ثابت على محله لا تقوم بحديثه حجة لمذهبه وكان مذهبه أنه قال: 163 - لو حدثني رجل، عنك بحديث ثم حدثت به عنك لكنت صادقا. ومن هذا أنه روي عن عروة ، عن عائشة: 164 - "أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ". [ ص: 610 ] فعيب بعض الناس؛ لأنه رد بهذا على الشافعي؛ لأنه أوجب الوضوء في القبلة فقيل له لا تثبت بهذا حجة لانفراد حبيب به. قال أبو جعفر: وفيه من العلل أن نافع بن علقمة ليس بمشهور بالرواية، [ ص: 611 ] ولو صح الحديث عن عمر لما كانت فيه حجة؛ لأن اشتداده قد يكون من حموضته وقد اعترض بعضهم فقال: من أين لكم أن مزجه بالماء كان لحموضته؟ أفتقولون هذا ظنا؟ فالظن لا يغني من الحق شيئا، قال: وليس يخلو من أن يكون نبيذ عمر يسكر كثيره أو يكون خلا. قال أبو جعفر: فهذه المعارضة على من عارض بها لا له؛ لأنه الذي قال بالظن؛ لأنه قد ثبتت الرواية عمن قد صحت عدالته أن ذلك من حموضته. 165 - قال نافع: "كان لتخلله". وهم قد رووا حديثا متصلا فيه أنه كان مزجه إياه لأنه كاد يكون خلا. 166 - قال أبو جعفر: ، حدثنا أحمد بن محمد ، قال: حدثنا وهبان بن عثمان ، قال: حدثنا الوليد بن شجاع ، قال: حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، قال: حدثنا إسماعيل ، عن قيس ، قال: حدثني عتبة بن فرقد ، قال: أتي عمر بعس [ ص: 612 ] من نبيذ قد كاد يكون خلا فقال لي: "اشرب" فأخذته وما أكاد أستطيعه فأخذه مني فشربه، وذكر الحديث فزال الظن بالتوقيف ممن شاهد عمر رحمه الله وهو من روايتهم. [ ص: 613 ] وأما قوله لا يخلو من أن يكون نبيذا يسكر كثيره أو يكون خلا فقد خلا من ذينك؛ لأن العرب تقول: للنبيذ إذا دخلته حموضة نبيذ حامض فإذا زادت صار خلا فترك هذا القسم وهو لا يخيل على من عرف اللغة، ثم روى حديثا إن كانت فيه حجة فهي عليه. 167 - حدثنا أحمد بن محمد ، قال: حدثنا فهد ، قال: حدثنا عمر بن حفص ، قال: حدثنا أبي قال،: حدثنا الأعمش ، قال: حدثني إبراهيم ، عن همام بن الحارث ، قال: أتي عمر بنبيذ فشرب منه فقطب ثم قال: " إن نبيذ الطائف له عرام ثم ذكر شدة لا أحفظها ثم دعا بماء فصب عليه ثم شرب. [ ص: 614 ] قال أبو جعفر: وهذا لعمري إسناد مستقيم ولا حجة له فيه بل الحجة عليه؛ لأنه إنما يقال: قطب لشدة حموضة الشيء ومعنى قطب في كلام العرب خالطت بياضه حمرة، مشتق من قطبت الشيء أقطبه وأقطبه إذا خلطته وفي الحديث له عرام أي خبث، ورجل عارم أي: خبيث. ![]()
__________________
|
|
#20
|
||||
|
||||
![]() كتاب الناسخ والمنسوخ أبو جعفر محمد بن إسماعيل النحاس الناشر: دار العاصمة من صـ 615 الى صــ 630 الحلقة(20) 168 - حدثنا أحمد بن محمد الأزدي ، قال: حدثنا فهد ، قال: حدثنا عمر بن حفص ، قال: حدثنا أبي، عن الأعمش ، قال: حدثني أبو إسحاق ، عن سعيد بن ذي حدان أو ابن ذي لعوة ، قال: جاء رجل قد ظمئ إلى خازن عمر فاستسقاه فلم يسقه فأتي بسطيحة لعمر فشرب منها فسكر فأتي به عمر فاعتذر إليه فقال: إنما شربت من سطيحتك فقال عمر: "إنما أضربك على السكر" فضربه عمر ". [ ص: 615 ] قال أبو جعفر: هذا الحديث من أقبح ما روي في هذا الباب وعلله بينة لمن لم يتبع الهوى فمنها أن ابن ذي لعوة لا يعرف ولم يرو عنه إلا هذا الحديث ولم يرو عنه إلا أبو إسحاق ، ولم يذكر أبو إسحاق فيه سماعا وهو مخالف لما نقله أهل العدالة عن عمر. 169 - قال أبو جعفر: ، حدثنا بكر بن سهل ، قال: حدثنا عبد الله بن يوسف ، قال: أخبرنا مالك ، عن الزهري ، عن السائب بن يزيد ، أن عمر ، رضي الله عنه خرج عليهم فقال: "إني وجدت من فلان ريح شراب قد زعم أنه شرب [ ص: 616 ] الطلاء وأنا سائل عما شرب فإن كان يسكر جلدته الحد"، قال: فجلده عمر الحد ثمانين. فهذا إسناد لا مطعن فيه والسائب بن يزيد رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فهل يعارض مثل هذا بابن ذي لعوة ، وعمر رضي الله عنه يخبر بحضرة الصحابة أنه يجلد في الرائحة من غير سكر لأنه لو كان سكران ما احتاج أن يسأل عما شرب. فرووا عن عمر رحمه الله ما لا يحل لأحد أن يحكيه عنه من غير جهة لوهاء الحديث وأنه زعم شرب من سطيحته وأنه يحد على السكر وذلك [ ص: 617 ] ظلم لأن السكر ليس من فعل الإنسان وإنما هو شيء يحدث عن الشرب وإنما الضرب عن الشرب كما أن الحد في الزنا إنما هو على الفعل لا على اللذة ومن هذا قيل لهم: تحريم السكر محال؛ لأن الله جل وعز إنما يأمر وينهى بما في الطاقة وقد يشرب الإنسان يريد السكر فلا يسكر ويريد أن لا يسكر فيسكر وقيل لهم: كيف يحصل ما يسكر وطباع الناس فيه مختلفة؟ ثم تعلقوا بشيء روي عن ابن عباس: 170 - حدثناه أحمد بن محمد ، قال: حدثنا فهد ، قال: حدثنا أبو نعيم ، عن مسعر ، عن أبي عون ، عن عبد الله بن شداد ، عن ابن عباس ، قال: "حرمت الخمر بعينها قليلها وكثيرها، والسكر من كل شراب". [ ص: 618 ] قال أبو جعفر: وهذا الحديث قد رواه شعبة على إتقانه وحفظه على غير هذا. 171 - كما قرئ على عبد الله بن محمد بن عبد العزيز ، عن أحمد بن محمد بن حنبل ، قال: حدثنا محمد بن جعفر ، قال: حدثنا شعبة ، عن مسعر ، عن أبي عون ، عن عبد الله بن شداد ، عن ابن عباس ، قال: "حرمت الخمر بعينها والمسكر من كل شراب". وقد بينا أن السكر ليس من فعل الإنسان وإذا جاء حديث معارض لما قد [ ص: 619 ] ثبتت صحته وقد اختلفت روايته فلا معنى للاحتجاج به. 172 - وقد روى يحيى القطان ، عن عثمان الشحام ، بصري مشهور، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال: "نزل تحريم الخمر وهي الفضيخ" قال أبو جعفر: فهذا خلاف ذاك؛ لأن الفضيخ بسر يفضخ فجعله خمرا وأخبر بالتنزيل فيه وفي تحريمه. 173 - قال أبو جعفر: ، حدثنا أحمد بن محمد ، قال: حدثنا محمد بن عمرو بن يونس السوسي ، قال: حدثنا أسباط بن محمد القرشي ، عن الشيباني ، عن عبد الملك بن نافع ، قال: سألت ابن عمر فقلت: إن أهلنا ينتبذون نبيذا في سقاء لو نكهته لأخذ في فقال ابن عمر: "إنما البغي على من أراد البغي شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند هذا الركن وأتاه رجل بقدح من نبيذ. [ ص: 620 ] فأدناه إلى فيه فقطب ورده فقال رجل: يا رسول الله، أحرام هو؟ فرد الشراب ثم دعا بماء فصبه عليه ثم قال: "إذا اغتلمت عليكم هذه الأسقية فاقطعوا متونها بالماء". قال أحمد بن شعيب: ، عبد الملك بن نافع لا يحتج بحديثه وليس [ ص: 621 ] بالمشهور، وقد روى أهل العدالة سالم ، ونافع ، ومحمد بن سيرين ، عن ابن عمر خلاف ما روى وليس يقوم مقام واحد منهم ولو عاضده جماعة من أشكاله. قال أبو جعفر: ثم رجعنا إلى متن الحديث فقلنا: لو صح ما كانت فيه حجة لمن احتج به بل الحجة عليه به بينة وذلك أن قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا اغتلمت عليكم" وبعضهم يقول: "إذا رابكم من شرابكم ريب فاكسروا متنه بالماء"، والريب في الأصل الشك ثم يستعمل بمعنى المخافة والظن مجازا فاحتجوا بهذا وقالوا: معناه إذا خفتم أن يسكر كثيره فاكسروه بالماء. قال أبو جعفر: وهذا من قبيح الغلط؛ لأنه لو كان كثيره يسكر لكان قد زال الخوف وصار يقينا ولكن الحجة فيه لمن خالفهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن لا يقر الشراب إذا خيف منه أن ينتقل إلى الحرام حتى يكسر بالماء الذي يزيل الخوف. ومع هذا فحجة قاطعة عند من عرف معاني كلام العرب وذلك أن الشراب الذي بمكة لم يزل في الجاهلية والإسلام لا يطبخ بنار وإنما هو ماء يجعل فيه زبيب أو تمر ليطيب؛ لأن مياههم فيها ملوحة وغلظ ولم تتخذه للذة. [ ص: 622 ] وقد أجمع العلماء منهم أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد أن ما نقع ولم يطبخ بالنار وكان كثيره يسكر فهو خمر والخمر إذا صب فيها الماء أو صبت على الماء فلا اختلاف بين المسلمين أنها قد نجست الماء إذا كان قليلا فقد صار حكم هذا حكم الخمر وإذا أسكر كثيره فقليله حرام بإجماع المسلمين، فزالت الحجة بهذا الحديث لو صح. 174 - قال أبو جعفر: ، حدثنا أحمد ، قال: حدثنا فهد ، قال: حدثنا محمد بن سعيد الأصبهاني ، قال: حدثنا يحيى بن اليمان ، عن الثوري ، عن منصور ، عن خالد بن سعد ، عن أبي مسعود ، قال: "عطش النبي صلى الله عليه وسلم حول الكعبة فاستسقى فأتي بنبيذ من نبيذ السقاية فشمه فقطب فصب عليه من ماء زمزم ثم شرب فقال رجل: أحرام هو؟ قال: "لا". [ ص: 623 ] [ ص: 624 ] قال أبو جعفر: قد ذكرنا النبيذ الذي في السقاية بما فيه كفاية على أن هذا الحديث لا يحل لأحد من أهل العلم أن يحتج به فإن كان من أهل الجهل فينبغي أن يتعرف ما يحتج به في الحلال والحرام قبل أن يقطع به. قال أحمد بن شعيب: هذا الحديث لا يحتج به؛ لأن يحيى بن اليمان انفرد به، عن الثوري دون أصحابه، ويحيى بن اليمان ليس بحجة لسوء حفظه وكثرة خطئه وقال غير أبي عبد الرحمن: أصل هذا الحديث أنه من رواية الكلبي فغلط يحيى بن اليمان فنقل متن حديث إلى حديث آخر وقد سكت العلماء عن كل ما رواه الكلبي فلم يحتجوا بشيء منه. 175 - وحدثنا أحمد ، قال: حدثنا علي بن معبد ، قال: حدثنا يونس بن محمد ، قال: حدثنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن أبي بردة ، عن أبيه، قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا ومعاذا ، إلى اليمن فقلنا: يا رسول الله، إن بها شرابين يصنعان من البر والشعير أحدهما يقال له المزر والآخر البتع فما نشرب؟ قال: "اشربا ولا تسكرا". [ ص: 625 ] قال أبو جعفر: هذا الحديث أتى من شريك في حروف فيه يبين لك ذلك: 176 - ما قرئ على أحمد بن شعيب ، عن أحمد بن عبد الله بن علي بن مسروق ، قال: حدثنا عبد الرحمن يعني ابن مهدي ، قال: حدثنا إسرائيل ، قال: حدثنا أبو إسحاق ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى ، قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا ومعاذا ، إلى اليمن فقال معاذ: يا رسول الله، إنك تبعثنا إلى بلد كثير شراب أهله فما نشرب؟ قال: "اشرب ولا تشرب مسكرا". واحتجوا بحديثين عن ابن مسعود أحدهما من رواية الحجاج بن [ ص: 626 ] أرطأة وقد ذكرنا ما في حديثه من العلة. 177 - والحديث الآخر: حدثناه أحمد بن محمد ، قال: حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال: حدثنا محمد بن كثير ، قال: حدثنا سفيان الثوري ، عن أبيه، عن لبيد بن شماس ، قال: قال عبد الله: "إن القوم ليجلسون على الشراب وهو حل لهم فما يزالون حتى يحرم عليهم". [ ص: 627 ] قال أبو جعفر: هذا الحديث لا يحتج به؛ لأن لبيد بن شماس ، وشريك يقول: شماس بن لبيد لا يعرف ولم يرو عنه أحد إلا سعيد بن مسروق ، ولا روي عنه إلا هذا الحديث، والمجهول لا تقوم به حجة فلم تقم لهم حجة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه. والحق في هذا ما قاله ابن المبارك. 178 - قرئ على أحمد بن شعيب ، عن أبي قدامة عبيد الله بن سعيد ، قال: حدثنا أبو أسامة وهو حماد بن أسامة ، قال: سمعت عبد الله بن المبارك ، يقول: "ما وجدت الرخصة في المسكر عن أحد صحيحة إلا عن إبراهيم " قال أبو أسامة: وما رأيت أحدا أطلب للعلم من عبد الله بن المبارك بالشام ومصر والحجاز واليمن. [ ص: 628 ] قال أبو جعفر: وأما الميسر فهو القمار. 179 - كما حدثنا بكر بن سهل ، قال: حدثنا أبو صالح ، قال: حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس: يسألونك عن الخمر والميسر قال: "كان أحدهم يقامر بأهله وماله فإذا قمر أخذ أهله وماله". قال أبو جعفر: حكى أهل العلم بكلام العرب أن الميسر كان القمار في الجزر خاصة قال أبو إسحاق: "فلما حرم حرم جميع القمار كما أنه لما حرمت الخمر حرم كل ما أسكر كثيره"، وذكر الشعبي "أن القمار كان حلالا ثم حرم" ويدل على ما قال: حديث ابن عباس قال: 180 - "لما أنزل الله جل وعز الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون وكانت قريش. تحب أن تغلب فارس لأنهم أهل أوثان، [ ص: 629 ] وكان المسلمون يحبون أن تغلب الروم فخاطرهم أبو بكر إلى أجل". قال أبو جعفر: وقيل: لا يقال: كان هذا حلالا ولكن يقال: مباحا ثم نسخ بتحريمه، وتحريم الخمر. وفي هذه الآية قوله جل وعز ويسألونك ماذا ينفقون . [ ص: 630 ] قال أبو جعفر: وهذا آخر الآية في عدد المدني الأول، والجواب في أول الآية التاسعة عشرة. ![]()
__________________
|
![]() |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |