|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#831
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود [503] من الحدود التي شرعها الله تعالى وأمر بإقامتها حد الزنا، وهناك حالات لا يقام فيها الحد كما لو اعترف الرجل بأنه زنى بامرأة ولم تعترف المرأة فيقام عليه دونها، وكذلك لو كان الذي سيقام عليه الحد مريضاً فينتظر حتى يبرأ، فإن كان لا يرجى برؤه أقيم عليه بما لا يؤدي إلى موته. ومن الحدود حد القذف، وهو ثمانون جلدة بنص القرآن. إذا أقر الرجل بالزنا ولم تقر المرأة شرح حديث أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأقر عنده أنه زنى بامرأة سماها له...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب إذا أقر الرجل بالزنا ولم تقر المرأة. حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا طلق بن غنام حدثنا عبد السلام بن حفص حدثنا أبو حازم عن سهل بن سعد رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن رجلاً أتاه فأقر عنده أنه زنى بامرأة سماها له، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المرأة فسألها عن ذلك، فأنكرت أن تكون زنت، فجلده الحد وتركها) ]. قوله: [باب إذا أقر الرجل بالزنا ولم تقر المرأة]، أي: ما حكم ذلك؟ ومعلوم أن الرجل إذا أقر بالزنا فإنه يؤاخذ بإقراره، وأما المرأة التي زعم أنه زنى بها فلا تؤاخذ بإقراره؛ لأن هذه دعوى منه عليها، ولا يعول على تلك الدعوى إلا إذا أقرت أو وجد شهود أربعة يشهدون بذلك، فتكون البينة قامت عليها، وقد أورد أبو داود حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه [ (أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأقر عنده أنه زنى بامرأة سماها له، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المرأة فسألها عن ذلك فأنكرت أن تكون زنت فجلده الحد وتركها) ]. فهذا رجل جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم واعترف بأنه زنى بامرأة وسماها، فأرسل إليها فأنكرت، فجلده الحد وتركها؛ لأنها ما ثبت عليها زنا لا بإقرار ولا بشهادة، وعلى هذا فتكون دعوى الزاني بأنه زنى بامرأة معينة غير مقبولة، ولا يقبل اتهامه لها، ولا يثبت عليها ذلك إلا إذا اعترفت أو شهد الشهود، ولهذا أقام النبي صلى الله عليه وسلم عليه الحد وتركها، فلم يقم عليها الحد؛ لأنه لم يثبت عليها الزنا، وأما هو فقد ثبت عليه الزنا بإقراره فأخذ بذلك وعوقب عليه. وقد سبق فيما يتعلق بقصة العسيف ما يدل على ذلك؛ لأنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (إن ابني كان عسيفاً على هذا فزنى بامرأته)، فحكم عليه بجلد مائة وتغريب عام، وأما هي فلم يعتبر ذلك الشيء الذي نسب إليها، وإنما أرسل أنيساً الأسلمي ليسألها عما نسب إليها، فإن اعترفت أقام عليها الحد، فذهب إليها فأقرت، فرجمها، حيث قال: (واغد يا أنيس ! إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها)، إذاً: مجرد حصول التهمة من شخص لامرأة لا يثبت عليها ذلك إلا بحصول البينة أو الإقرار منها. وأما مسألة أنه قذفها فهل يقام عليه حد؟ نعم هو قذفها، فإذا طلبت فإنه يقام عليه حد القذف مع حد الزنا، وإن لم تطالب فإنه لا يقام عليه شيء؛ لأنهذا حق لها. ويعتبر حد الزنا شيئاً وحد القذف شيئاً آخر، وكل واحد مستقل فلا يدخل واحد في الآخر، فلو أن إنساناً زنى وهو بكر وقذف امرأة ووجب عليه حدان، فلا يقال: إنه يجلد مائة وتغني عن الثمانين، وإنما هذه مستقلة وهذه مستقلة. وهل يندب لمن أقر بالزنا ذكر من زنى بها أو الستر عليها؟ الجواب: لا يندب له ذلك، ولكنه إذا سئل يجيب. تراجم رجال إسناد حديث (أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأقر عنده أنه زنى بامرأة سماها له...) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي و النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا طلق بن غنام ]. طلق بن غنام ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا عبد السلام بن حفص ]. عبد السلام بن حفص ، صدوق، وثقه ابن معين ، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا أبو حازم ]. هو سلمة بن دينار ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سهل بن سعد ]. هو سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه، وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (أن رجلاً من بكر بن ليث أتى النبي فأقر أنه زنى بامرأة أربع مرات...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا موسى بن هارون البردي حدثنا هشام بن يوسف عن القاسم بن فياض الأبناوي عن خلاد بن عبد الرحمن عن ابن المسيب عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رجلاً من بكر بن ليث أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأقر أنه زنى بامرأة أربع مرات، فجلده مائة وكان بكراً، ثم سأله البينة على المرأة فقالت: كذب والله يا رسول الله! فجلده حد الفرية ثمانين) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس : أن رجلاً من بكر بن ليث جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأقر أنه زنى بامرأة أربع مرات، وهذه الأربع مرات ترجع إلى الإقرار وليس إلى الزنا، أي: أنه حصل منه الإقرار أربع مرات، وليس معناه أنه زنى بها أربع مرات. قوله: [ (فجلده مائة وكان بكراً) ]. البكر حده الجلد مائة، كما قال عليه السلام: (البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام). قوله: [ (ثم سأله البينة على المرأة فقالت: كذب والله يا رسول الله! فجلده حد الفرية ثمانين) ]. وهذا الإسناد ضعيف؛ لأن فيه القاسم بن فياض وهو مجهول، فهو غير ثابت، ثم إن حد القذف حق للمرأة؛ فهي إذا طالبت ولم يمكنه إقامة البينة فإنه يقام عليه حد القذف، وإن لم تطالب فإنه لا حد عليه؛ لأن هذا حق للغير، فإذا طالب به نفذ وإن لم يطالب به فإنه لا يقام عليه. وكذلك المرأة إذا اعترفت أنها زنت وأنه زنى بها فلان وهو منكر، فإنه يقام عليها الحد باعترافها، وإن طالب بحد القذف أقيم عليها كما يحصل بالنسبة للرجل. تراجم رجال إسناد حديث (أن رجلاً من بكر بن ليث أتى النبي فأقر أنه زنى بامرأة أربع مرات...) قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ]. محمد بن يحيى بن فارس ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا موسى بن هارون البردي ]. موسى بن هارون البردي صدوق ربما أخطأ، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا هشام بن يوسف ]. هشام بن يوسف ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن القاسم بن فياض الأبناوي ]. القاسم بن فياض الأبناوي مجهول، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن خلاد بن عبد الرحمن ]. خلاد بن عبد الرحمن ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن ابن المسيب ]. هو سعيد بن المسيب ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي عليه الصلاة والسلام، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. يحذف ما جاء في الرجل يصيب من المرأة ما دون الجماع فيتوب قبل أن يأخذه الإمام شرح حديث (جاء رجل إلى النبي فقال إني عالجت امرأة من أقصى المدينة فأصبت منها ما دون أن أمسها...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرجل يصيب من المرأة ما دون الجماع فيتوب قبل أن يأخذه الإمام. حدثنا مسدد بن مسرهد حدثنا أبو الأحوص حدثنا سماك عن إبراهيم عن علقمة و الأسود قالا: قال عبد الله رضي الله عنه: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني عالجت امرأة من أقصى المدينة فأصبت منها ما دون أن أمسها، فأنا هذا فأقم علي ما شئت، فقال عمر رضي الله عنه: قد ستر الله عليك لو سترت على نفسك، فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً، فانطلق الرجل، فأتبعه النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً فدعاه، فتلا عليه: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ.. [هود:114] إلى آخر الآية، فقال رجل من القوم: يا رسول الله! أله خاصة أم للناس كافة؟ فقال: للناس كافة) ]. قوله: [باب في الرجل يصيب من المرأة ما دون الجماع فيتوب قبل أن يأخذه الإمام] معلوم أنه إذا أخذه الإمام فعقوبته التعزير؛ لأنه ليس هناك حد في هذا؛ لأنه ما وقع في الزنا، فعليه التعزير، ولكن إذا جاء تائباً وأخبر بحصول الشيء منه وأنه قد تاب منه، فإنه يسقط عنه التعزير، وقد أورد أبو داود حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني عالجت امرأة من أقصى المدينة فأصبت منها ما دون أن أمسها..) إلى آخر الحديث. فقوله: [ (إني عالجت امرأة فأصبت منها ما لم أمسها..) ] أي: أنه حصل منه شيء غير الجماع، (فأنا هذا قائم) أي: افعل بي ما تشاء لأجل هذا الذنب الذي قد حصل مني. قوله: [ (فقال عمر رضي الله عنه: قد ستر الله عليك لو سترت على نفسك) ]. فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل شيئاً، وذهب الرجل، فأنزل الله عليه: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود:114]، فدعا بالرجل فأتي به وتلا عليه هذه الآية، فدل ذلك على أن الصغائر التي ليس فيها حد تكفرها الصلوات والأعمال الصالحة، ولهذا قال: (( إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ )) أي: الصغائر، أما الكبائر فلا تذهبها الحسنات ولابد لها من التوبة، كما قال الله عز وجل: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [النساء:31]. قوله: [ (فقال رجل من القوم: يا رسول الله! أله خاصة أم للناس كافة؟ قال: بل للناس كافة) ]. أي: هذا الحكم الذي نزلت الآية من أجله وبسببه ليس خاصاً بهذا الذي حصل منه السبب، وإنما هو عام، ولهذا فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فالحكم وإن كان سببه قصة معينة فإنه تشريع للأمة، ولا يختص الحكم بأحد إلا إذا جاء ما يدل على اختصاصه به، مثل خزيمة بن ثابت الذي شهادته تعدل شهادة رجلين، وكذلك الذي ضحى قبل الصلاة ثم رخص له بالعناق وقال: (إنها لن تجزي عن أحد بعدك)، فإذا جاء شيء يدل على تخصيصه دل على تخصيصه، وإلا فإن الأصل هو تعميم الحكم للأمة، ولهذا فإن خطاب النبي صلى الله عليه وسلم لواحد هو خطاب للأمة كلها، ولا يختص به الحكم إلا إذا وجد ما يدل على الاختصاص. تراجم رجال إسناد حديث (جاء رجل إلى النبي فقال إني عالجت امرأة من أقصى المدينة فأصبت منها ما دون أن أمسها...) قوله: [ حدثنا مسدد بن مسرهد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا أبو الأحوص ]. هو أبو الأحوص سلام بن سليم الحنفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سماك ]. هو سماك بن حرب ، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن إبراهيم ]. هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن علقمة ]. هو علقمة بن قيس النخعي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و الأسود ]. هو ابن يزيد بن قيس ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله ]. هو عبد الله بن مسعود الهذلي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. ما جاء في الأمة تزني ولم تحصن شرح حديث (إن زنت الأمة فاجلدوها ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الأمة تزني ولم تحصن. حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة و زيد بن خالد الجهني رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن؟ قال: إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فبيعوها ولو بضفير). قال ابن شهاب : لا أدري في الثالثة أو الرابعة، والضفير: الحبل ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: [باب في الأمة تزني ولم تحصن]، والأمة: هي المملوكة، وذكر الإحصان في قوله: (لم تحصن)؛ لأن الأحاديث جاءت في التنصيص على عدم الإحصان، ولا يعني ذكر عدم الإحصان أن الحكم يختلف في المحصن وغير المحصن، بل الحكم واحد في جميع الإماء، وهو الجلد وليس الرجم؛ لأنه هو الذي يتنصف، وقد جاءت السنة في بيان حد الأمة إذا زنت ولم تحصن، وهو الجلد، وجاء في القرآن حدها إذا أحصنت، قال تعالى: فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ [النساء:25]، فقد جاء بيان التنصيف في حق من أحصنت في القرآن، وجاء بيان الحد في التي لم تحصن في السنة، فيكون حكم الإماء واحداً وهو الجلد بالتنصيف، فإذا كان قذفاً فيكون الحد أربعين، أي: نصف الثمانين، وإذا كان زنا سواء كانت بكراً أو ثيباً فحدها خمسون جلدة؛ لأن الجلد هو الذي ينصف أما الرجم فلا ينصف. وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة و زيد بن خالد الجهني رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن؟) فالسؤال جاء بهذه الطريقة: إذا زنت الأمة ولم تحصن، فما حكمها؟ قال: [ (إن زنت فاجلدوها) ]. ومعلوم أن الجلد في حق الأحرار في الزنا مائة جلدة، إذاً الجلد في حق العبيد يكون خمسين، سواء كان الزاني ذكراً أو أنثى، وسواء كان محصناً أو غير محصن، والتنصيف جاء ذكره في القرآن. قوله: [ (إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فبيعوها ولو بضفير) ]. أي: أنه يكرر عليها الحد، وإذا زنت بعد ذلك فإنه يتخلص منها بالبيع ولو بأبخس الأثمان، ولهذا قال له: (ولو بضفير)، والضفير: هو الحبل، وفي بعض الروايات: (ولو بحبل من شعر)، وهذا فيه بيان التخلص منها ولو بثمن بخس. وإنما جاءت الشريعة ببيعها لأن تغيير المحل يمكن أن يتغير معه الحال، فقد تذهب إلى سيد جديد يحقق رغبتها ويقضي شهوتها، أو يزوجها بمن يحقق لها ذلك، فربما أن السيد الأول ما زوجها، أو أنه ما حقق لها رغبتها بالاستمتاع بها، فقد تضطر إلى الزنا، ولكنها إذا انتقلت من ملك إلى ملك، وانتقلت من محل إلى محل فقد يتغير الحال بتغير المحل؛ لأنها قد تجد سيداً متمكناً من تحقيق رغبتها إما بنفسه أو بغيره بأن يزوجها بمن يحقق لها الرغبة. وأيضاً: تغير المحل قد يحصل معه تغير الحال من حال الحاجة إلى حال عدم الحاجة؛ بسبب ما تحصله عند السيد الجديد. تراجم رجال إسناد حديث (إن زنت الأمة فاجلدوها) قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. هو عبد الله بن مسلمة القعنبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس ، إمام دار الهجرة المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ]. هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الثقفي ، وهو ثقة، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة و زيد بن خالد الجهني ]. أبو هريرة هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأكثر أصحابه حديثاً، و زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه هو صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. وإذا باع السيد الأمة فإنه لا يعتبر غشاً، وكونها تباع ولو بحبل من شعر هذا فيه تنبيه إلى أنها بيعت برخص بسبب هذا العيب، فإن الأمة لها قيمة، ولعل الشخص الذي ستنتقل الأمة إليه تعف عنده، فلا تقع في الزنا مرة أخرى. شرح حديث (إذا زنت أمة أحدكم فليحدها ولا يعيرها ثلاث مرار...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن عبيد الله حدثني سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا زنت أمة أحدكم فليحدها ولا يعيرها ثلاث مرار، فإن عادت في الرابعة فليجلدها وليبعها بضفير، أو بحبل من شعر) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة من طريق أخرى: (إذا زنت أمة أحدكم فليحدها) أي: يقيم عليها الحد، وهذا فيه دليل على أن السيد له أن يقيم الحد على أمته إذا زنت بأن يجلدها خمسين. قوله: [ (إذا زنت أمة أحدكم فليحدها ولا يعيرها) ] أي: لا يجمع لها بين الحد والتعيير؛ لأن الحد يكفر الذنب، ولا يعيرها أيضاً فقط بدون أن يقيم عليها الحد، فلا يكتفى بالتعيير عن الحد، ولا يضاف التعيير إلى الحد؛ لأنه إذا أقيم الحد حصلت الكفارة من ذلك الذنب بإقامة الحد عليها، فلا مسوغ ولا وجه للتعيير، وكذلك أيضاً لا يكتفى بالتعيير دون أن يقام الحد، بل يقام الحد ولا يضاف إليه التعيير. قوله: [ (فليحدها ولا يعيرها ثلاث مرار، فإن عادت في الرابعة فليجلدها وليبعها بضفير، أو بحبل من شعر) ]. هذا شك من الراوي: هل قال: ضفير، أو قال: حبل من شعر، والضفير: هو الحبل. تراجم رجال إسناد حديث (إذا زنت أمة أحدكم فليحدها ولا يعيرها ثلاث مرار...) قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى ]. مسدد مر ذكره، و يحيى بن سعيد القطان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله ]. هو عبيد الله بن عمر العمري المصغر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ]. سعيد بن أبي سعيد المقبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة مر ذكره. شرح حديث (إذا زنت أمة أحدكم فليحدها ولا يعيرها ثلاث مرار...) من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن نفيل حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث قال: (في كل مرة فليضربها كتاب الله ولا يثرب عليها، وقال في الرابعة: فإن عادت فليضربها كتاب الله ثم ليبعها ولو بحبل من شعر) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة من طريق أخرى وهو مثل الذي قبله، إلا أنه قال: (إذا زنت فليضربها كتاب الله) وهو الحد، وليس ضرب تأديب أو تعزير، أو ضربات أو أسواط من عند نفسه، وإنما يضربها كتاب الله الذي هو الحد، وهو قوله: فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ [النساء:25]، فالذي في كتاب الله هو نصف حد الأحرار، فقوله: (فليضربها كتاب الله) أي: الحد، وليس المقصود أنه ترخيص له بأن يضربها تأديباً أو تعزيراً، وإنما يضربها الحد الذي جاء في كتاب الله وهو نصف حد الأحرار. قوله: [ (ولا يثرب عليها) ]. التثريب هو التعيير واللوم والعتب، فعليه أن يحدها ولا يثرب عليها ولا يعيرها. قوله: [ (وقال في الرابعة: فإن عادت فليضربها كتاب الله ثم ليبعها ولو بحبل من شعر) ]. إذا عادت في المرة الرابعة فليضربها الحد، ثم ليبعها ولو بحبل من شعر، ولا يبقيها بعد الرابعة عنده، وإنما يبيعها ولو بأبخس الأثمان. والحدود الأصل أنه لا يقيمها إلا السلطان إلا هذا فإنه مستثنى. تراجم رجال إسناد حديث (إذا زنت أمة أحدكم فليحدها ولا يعيرها ثلاث مررار...) من طريق أخرى قوله: [ حدثنا ابن نفيل ]. هو عبد الله بن محمد النفيلي ، يقال له أحياناً: النفيلي، ويقال أحياناً: ابن نفيل ، وهو شخص واحد، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا محمد بن سلمة ]. هو محمد بن سلمة الحراني ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني ، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه ]. سعيد بن أبي سعيد مر ذكره، وأبوه ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. قد مر ذكره. وفي الحديث السابق عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة، وهنا: عن أبيه عن أبي هريرة، فقد روى عن أبي هريرة الأب والابن، فكل منهما روى عن أبي هريرة ، وسواءً جاء فيه واسطة أو بغير واسطة فأبو هريرة شيخ لهما جميعاً. حكم بيع الأمة بعد الرابعة من زناها وهل يعتبر بيعها بعد الرابعة واجباً؟ هناك خلاف بين أهل العلم، فمنهم من قال بوجوبه، ومنهم من قال: إنه مستحب، ولكن كونها يحصل منها هذا الأمر مراراً وتبقى فقد تستمر على ذلك، ولابد أن تغير الحال. قال أبو ثور : في هذا الحديث إيجاب الحد، وإيجاب للبيع أيضاً لا يمسكها إذا زنت أربعاً. وهذا في كلام الخطابي . وقال النووي : هذا البيع المأمور به مستحب عندنا وعند الجمهور، وقال داود وأهل الظاهر: هو واجب بضفير وحبل من شعر. فكونها تبقى وقد تكرر منها الزنا إلى هذا الحد فهذا غير لائق، ولهذا فإن التخلص منها أو تغيير الحال معها إذا كان مقصراً معها يغنيها بالحلال عن الحرام. ما جاء في إقامة الحد على المريض شرح حديث (... فأمر رسول الله أن يأخذوا له مائة شمراخ فيضربوه بها ضربة واحدة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في إقامة الحد على المريض. حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني أبو أمامة بن سهل بن حنيف رضي الله عنه، أنه أخبره بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار: (أنه اشتكى رجل منهم حتى أضني فعاد جلدة على عظم، فدخلت عليه جارية لبعضهم فهش لها فوقع عليها، فلما دخل عليه رجال قومه يعودونه أخبرهم بذلك وقال: استفتوا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإني قد وقعت على جارية دخلت علي، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: ما رأينا بأحد من الناس من الضر مثل الذي هو به، لو حملناه إليك لتفسخت عظامه، ما هو إلا جلد على عظم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذوا له مائة شمراخ فيضربوه بها ضربة واحدة) ]. قوله: [باب إقامة الحد على المريض]، المريض نوعان: مريض مرضاً لا يرجى برؤه، ومريض مرضاً يرجى برؤه، فالذي يرجى برؤه ينتظر حتى يشفى ويقام عليه الحد الذي هو الجلد إذا كان الحد جلداً، وأما إذا كان الحد رجماً أو قتلاً فإنه يقتل؛ لأن العلة من عدم إقامة الحد على المريض حتى لا يؤدي ذلك إلى هلاكه، لكن إذا كان هلاكه حكماً شرعياً كأن يكون رجماً أو قتلاً فإنه يقام عليه الحد، سواء كان مريضاً أو غير مريض؛ لأن الحكم هو إهلاكه والقضاء عليه، وأما إذا كان الحد جلداً، والجلد قد يؤدي إلى الوفاة في حق المريض فيكون قد عوقب بعقوبة لا يستحقها وهي أنه قتل، إذاً: لا يقام عليه الحد في حال مرضه إذا كان مرضه يرجى برؤه، بل يؤخر حتى يبرأ ثم يقام عليه الحد، ولا يقام عليه الحد في مكان المرض؛ لأنه قد يؤدي إلى الهلاك، والحد ليس المقصود منه الهلاك، وإنما هو شيء دون الهلاك. أما إذا كان لا يرجى برؤه فإنه كما جاء في هذا الحديث الذي أورده أبو داود عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في قصة هذا الرجل، وأنه أمر بأن يؤخذ مائة شمراخ -وهي أغصان القنو التي يعلق فيها التمر- فيضرب بها ضربة واحدة، ومن العلماء من قال: إنها تنشر عليه نشراً بحيث يمس كل شمراخ منها جسده، ومنهم من قال: إنه يضرب ضربة واحدة ويكون بعضها بالملامسة وبعضها بالثقل؛ لأنه لو ضرب بشمراخ أو شمراخين فليس مثل ما لو ضرب بمائة شمراخ متصل بعضها ببعض، فإن قوته وتأثيره أكثر من تأثير الشمراخ الواحد أو الشمراخين، إذاً: تكون العقوبة بالثقل بحيث يضرب بعثكال فيه مائة شمراخ، وتكون هذه المائة في مقابل المائة جلدة؛ وذلك لأنه لا يتحمل أن يقام عليه مائة جلدة كل جلدة على حدة؛ لأن ذلك يؤدي إلى هلاكه، وحكمه هو الجلد وليس الهلاك، ولهذا جاءت الشريعة بالتخفيف عنه. وفي هذا دليل على أن الحدود لا تسقط؛ لأنها لو كانت تسقط لسقطت عن مثل هذا، ولم يحتج إلى أن يضرب بمائة شمراخ، ولكن لابد من العقوبة، ولابد من إقامة الحد، فهو دليل على أن الحدود لا تسقط وإنما تقام حيث ثبتت أو ثبت الفعل المقتضي للحد. قوله: [ عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف رضي الله عنه أنه أخبره بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار (أنه اشتكى رجل منهم حتى أضني فعاد جلدة على عظم) ]. أي: أنهكه المرض، حتى صار جلداً على عظم ليس فيه لحم من شدة إنهاك المرض. قوله: [ (فدخلت عليه جارية لبعضهم فهش لها فوقع عليها) ]. يعني: تحرك لها وهش فوقع عليها، وهذا يبين لنا أن ما جاء عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالنساء وأنهن فتنة، وأن أضر فتنة على الرجال هي النساء، كما قال عليه الصلاة والسلام: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء)، وهذا أيضاً دليل على أن المريض والشيخ الكبير لا يتهاون أو يتساهل معه؛ لأنه كما يقولون: لكل ساقطة لاقطة، والناس يتفاوتون، فإذا كان هذا الشخص الذي مرض مرضاً شديداً تحرك لهذه الجارية ووقع عليها وهو جلد على عظم، فهذا يبين مدى عظم المصيبة، ومدى عظم فتنة الرجال بالنساء، وأن الواجب هو الاحتراز والابتعاد، ولهذا جاء تغليظ العقوبة في حق من يقدم على ذلك وقد ذهب وقت نشاطه وشبابه، كما جاء في الحديث: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: أشيمط زان، وعائل مستكبر، وملك كذاب)، وقوله: (أشيمط) تصغير أشمط، أي: أنه هرم وكبر، وذهب شبابه، وكونه يزني وهو بهذا الوصف فإنه يدل على زيادة خبث، ولو كان شاباً فأمره يختلف عنه؛ لأن عنده قوة الغريزة والحاجة، وأما هذا فقد ولى وذهب ومع ذلك يتعلق بالنساء، وكذلك العائل المستكبر؛ لأن الاستكبار غالباً لا يأتي إلا مع الغنى، وأما العائل الذي ليس عنده أسباب الكبر فهذا يدل على خبثه، وكذلك الملك الكذاب ليس بحاجة إلى أن يكذب؛ لأنه يستطيع أن يقول الذي يقع على حقيقته ولا يخاف من أحد، وإنما الذي يكذب هو الذي يخاف لأنه ضعيف، وأما من كان في قمة المسئولية فإنه لا يحتاج إلى أن يكذب، فهؤلاء وقعت منهم أمور لا وجه لحصولها منهم، فهو يدل على سوء وخبث. ومن البلاء الموجود الآن أن المستشفيات تعج بالممرضات، والبيوت تعج بالخادمات، وهن أشد فتنة من الممرضات، وبقاؤهن في البيت أعظم فتنة وأشد خطراً. قوله: [ (فلما دخل عليه رجال قومه يعودونه أخبرهم بذلك وقال: استفتوا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإني قد وقعت على جارية دخلت علي، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم) ]. وهذا أيضاً يدل على خطورة الخلوة، حتى لو كان الذي حصلت معه الخلوة في غاية الكبر أو في غاية الضعف. قوله: [ (فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: ما رأينا بأحد من الناس من الضر مثل الذي هو به، لو حملناه إليك لتفسخت عظامه، ما هو إلا جلد على عظم) ]. يعني: ما يستطيع أن يتحرك ولا يحرك. قوله: [ (فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذوا له مائة شمراخ فيضربوه بها ضربة واحدة) ]. وهذا -كما ذكرنا- إذا كان غير مرجو البرؤ، أما إذا كان يرجى برؤه وكان مرضه مرضاً عارضاً فإنه يؤجل إلى أن يشفى، وأما إذا كان كذلك فإنه يعمل معه هذا العمل بحيث لا تسقط عنه العقوبة، ولا يعاقب بالعقوبة التي يستحقها شرعاً، وهي الجلد مائة كل جلدة على حدة؛ لأن هذا يؤدي إلى قتله، أما إن كان محصناً فإنه يقتل، ولو كان بهذه المنزلة؛ لأن المقصود هو إهلاكه سواء كان في غاية الصحة أو في غاية السقم إذا كان محصناً. تراجم رجال إسناد حديث (.. فأمر رسول الله أن يأخذوا له مائة شمراخ فيضربوه بها ضربة واحدة) قوله: [ حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني ]. أحمد بن سعيد الهمداني صدوق، أخرج له أبو داود . [ حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني يونس ]. هو يونس بن يزيد الأيلي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. ابن شهاب مر ذكره. [ أخبرني أبو أمامة بن سهل بن حنيف ]. اسمه: أسعد، وله رؤية، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار ]. وهذا فيه جهالة الصحابي، وجهالة الصحابة ذكرنا مراراً أنها لا تؤثر؛ لأن المجهول فيهم في حكم المعلوم، وإنما الجهالة تؤثر في غيرهم. حكم تجزئة الجلد على الأيام إذا كان الزاني مريضاً وهل يجوز تجزئة الجلد بحيث يكون في كل يوم عدد معين حتى تتم المائة؟ لم يأت شيء يدل عليه، ولو كان ذلك سائغاً لأمر النبي عليه الصلاة والسلام أن يجلد هذا كل يوم جلدة واحدة. وأما التعزير إذا حكم بجلدات كثيرة تعزيراً فيمكن أن تقسم. شرح حديث (... دعها حتى ينقطع دمها ثم أقم عليها الحد...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن كثير أخبرنا إسرائيل حدثنا عبد الأعلى عن أبي جميلة عن علي رضي الله عنه قال: (فجرت جارية لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا علي ! انطلق فأقم عليها الحد، فانطلقت فإذا بها دم يسيل لم ينقطع، فأتيته فقال: يا علي! أفرغت؟ قلت: أتيتها ودمها يسيل، فقال: دعها حتى ينقطع دمها ثم أقم عليها الحد، وأقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم). قال أبو داود : وكذلك رواه أبو الأحوص عن عبد الأعلى ، ورواه شعبة عن عبد الأعلى فقال فيه: قال: (لا تضربها حتى تضع)، والأول أصح ]. أورد أبو داود حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أن جارية من آل النبي صلى الله عليه وسلم فجرت، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم علياً أن يقيم عليها الحد، فوجد بها أثر دم، كأنه كان فيها نفاس أو مرض، فلم يقم عليها الحد، وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أفرغت؟ يعني: أقمت الحد عليها؟ فأخبره بالذي منعه من الإقامة، فقال: أحسنت، يعني: في كونك لم تقم عليها الحد وهي مريضة، وهذا يدل على أن المريض إذا كان يرجى برؤه فإنه يؤخر عنه الحد كما جاء في هذا الحديث، وإذا كان لا يرجى برؤه فإنه يقام عليه الحد بالطريقة التي مر ذكرها في الحديث السابق، فإذا كانت إقامة الحد بالطريقة المشروعة سوف تؤدي إلى هلاكه فإنه يقام عليه الحد بتلك الطريقة التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي أن يضرب بمائة شمراخ وهي تقوم مقام مائة جلدة. قوله: [ (قال: أتيتها ودمها يسيل، فقال: دعها حتى ينقطع دمها، ثم أقم عليها الحد) ]. يعني: حتى تنتهي من نفاسها ثم أقم عليها الحد. قوله: [ (وأقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم) ]. هذا يدل على أن الولي أو السيد يقيم الحد على ملك يمينه، وقد مر في الحديث السابق ما يدل عليه. تراجم رجال إسناد حديث (...دعها حتى ينقطع دمها ثم أقم عليها الحد...) قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. هو محمد بن كثير العبدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا إسرائيل ]. هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الأعلى ]. هو عبد الأعلى بن عامر الثعلبي ، وهو صدوق يهم، أخرج له أصحاب السنن. [ عن أبي جميلة ]. هو ميسرة الطهوي ، وهو مقبول، أخرج له أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة . [ عن علي ]. علي أمير المؤمنين رضي الله عنه، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، وصاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو داود : وكذلك رواه أبو الأحوص عن عبد الأعلى ]. أبو الأحوص هو سلام بن سليم الحنفي، وقد مر ذكره. [ ورواه شعبة عن عبد الأعلى ]. شعبة بن الحجاج الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ فقال فيه: (لا تضربها حتى تضع) والأول أصح ]. الأول أصح؛ لأنه لم يخبر أنها نفساء، يعني: فيها دم. ما جاء في حد القذف شرح حديث عائشة (لما نزل عذري قام النبي على المنبر فذكر ذلك وتلا...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في حد القذف. حدثنا قتيبة بن سعيد الثقفي و مالك بن عبد الواحد المسمعي وهذا حديثه أن ابن أبي عدي حدثهم عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (لما نزل عذري قام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فذكر ذاك وتلا -تعني: القرآن- فلما نزل من المنبر أمر بالرجلين والمرأة فضربوا حدهم) ]. قوله: [باب في حد القذف]، القذف: هو الرمي بفاحشة الزنا، وحده كما جاء في القرآن ثمانون جلدة إذا لم تقم البينة على ثبوت الزنا، وإذا أقيمت البينة أقيم الحد على المتهم، فإن لم تقم البينة فإنه يحد، وذلك كله لأجل حفظ الأعراض وعدم التهاون فيها، وأن الإنسان لا يطلق لسانه في كلام قبيح يضيفه إلى الناس وهم برآء منه، فإن فعل فعقوبته أن يجلد ثمانين جلدة كما جاء ذلك في القرآن. وقد أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (لما نزل عذري قام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فذكر ذاك وتلا -تعني: القرآن-) ]. أي: الآيات التي بين الله عز وجل فيها أنها مبرأة، وأنه لم يقع منها ما اتهمت به، والنبي صلى الله عليه وسلم كان متردداً في أمرها ولم يجزم في أمرها بشيء، ولم يعلم حقيقة الأمر حتى نزل القرآن، وهذا يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب، وأنه لا يطلع من الغيوب إلا على ما أطلعه الله عليه؛ لأنه بقي مدة طويلة وهو متألم متأثر من هذا الذي نسب إلى أهله، فلو كان يعلم الغيب من أول وهلة لقال: أنا أعلم الغيب، هي لم يقع منها شيء، ولكنه بقي متأثراً متألماً من رمي أهله بما رموا به، ثم بعد ذلك أنزل الله آيات تتلى في سورة النور فيها براءتها مما نسب إليها رضي الله تعالى عنها وأرضاها. فقصة الإفك هي من أوضح الأدلة على بطلان قول من يغلو في النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: إنه يعلم الغيوب، وأنه لا يخفى عليه شيء، فإن هذا من أبطل الباطل، فإن الذي اختص بعلم الغيب على الإطلاق هو الله، وغير الله لا يعلم من الغيب إلا ما أطلعه الله عليه، والله لم يطلع نبيه على كل غيب، وإنما أطلعه على بعض الغيوب، وأخفى عليه ما شاء من الغيوب، وهذا مما يوضح ذلك، فقد حصل ما حصل والنبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم الحقيقة، وبعد ذلك أنزل الله تعالى البراءة، وكان عليه الصلاة والسلام يقول: (يا عائشة ! إن كنت ألممت بذنب فتوبي إلى الله واستغفري). ومع أن عائشة رضي الله عنها في القمة وفي المنزلة الرفيعة وفي علو السؤدد والفضل؛ لكونها زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأم المؤمنين، وهي أوعى امرأة لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد أنزل الله تعالى براءتها بآيات تتلى، ومع ذلك تتواضع لله عز وجل، ولا يحصل لها عجب بذلك، بل تستهون نفسها، وتقول كما جاء في الصحيح: (فلشأني في نفسي أهون من أن ينزل في آيات تتلى)، فقد: كانت تؤمل أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه رؤيا يبرئها الله تعالى بها، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (رؤيا الأنبياء وحي)، وكانت تعتقد أن نفسها أهون من أن ينزل الله فيها آيات تتلى، وهذا من التواضع، فهذا شأن أولياء الله يبلغون الكمال، ويتواضعون لله عز وجل. وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه: جلاء الأفهام ترجمة مختصرة لأمهات المؤمنين جميعاً، وذكر بعض الأحاديث التي تتعلق ببعضهن وهي مشكلة وأجاب عنها، مثل زواج الرسول صلى الله عليه وسلم بميمونة وهي محرمة، ومثل زواجه من أم حبيبة ومن هو وليها؟ والإشكال هو أن أبا سفيان قال: أزوجك فلانة، مع أن الرسول تزوجها في حال كفر أبي سفيان ، فابن القيم رحمه الله أورد تراجم أمهات المؤمنين وذكر من تواضع عائشة وقال: إنها مع ما وصلت إليه من المنزلة تقول: (لشأني في نفسي أهون من أن ينزل فيّ أيات تتلى)، ثم قال: أين هذا ممن يصوم بضعة أيام ويقول: أنا كذا وكذا، أو يصلي ركعتين من الليل أو أكثر ويقول: أنا كذا وكذا؟! فهي في القمة ومع ذلك ينزل فيها القرآن وتستهون نفسها، وترى أنها لا تستحق ذلك، وهذا كما قال الله عز وجل عن أوليائه: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ [المؤمنون:60]. قولها: [ (لما نزل عذري قام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فذكر ذاك) ]. أي: ذكر الذي حصل، وهو نزول القرآن في براءتها، الآيات التي أولها: إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ [النور:11]. قوله: [ (وتلا -تعني: القرآن- فلما نزل من المنبر أمر بالرجلين والمرأة فضربوا حدهم) ]. وهم: حسان و مسطح، والمرأة هي حمنة. تراجم رجال إسناد حديث عائشة (لما نزل عذري قام النبي على المنبر فذكر ذلك وتلا...) قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد الثقفي ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و مالك بن عبد الواحد المسمعي ]. مالك بن عبد الواحد المسمعي ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود . [ وهذا حديثه أن ابن أبي عدي ]. هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن إسحاق ]. محمد بن إسحاق مر ذكره. [ عن عبد الله بن أبي بكر ]. هو عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرة ]. هي عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية ، وهي ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. هي أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث عائشة من طريق أخرى، وتراجم رجال الإسناد قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا النفيلي حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق بهذا الحديث ولم يذكر عائشة ، قال: فأمر برجلين وامرأة ممن تكلم بالفاحشة حسان بن ثابت و مسطح بن أثاثة رضي الله عنهما، قال النفيلي : ويقولون: المرأة حمنة بنت جحش رضي الله عنها ]. وهذا مثل الذي قبله. قوله: [ حدثنا النفيلي حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق بهذا الحديث ]. هؤلاء مر ذكرهم جميعاً. الأسئلة تصحيح حديث (أقيموا الحدود على إمائكم) لشواهده أخرى السؤال: قوله: (فجرت جارية لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا علي! انطلق فأقم عليها الحد)، فيه أبو جميلة وقد ذكرتم أنه مقبول، فما وجه تصحيح الشيخ الألباني له؟ الجواب: أبو جميلة أخرج له أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة ، والحديث نسبه المنذري كذلك للنسائي . وأما عن تصحيح الألباني له فلا أدري، ولعله صححه لشواهد، وفيه لفظ ذكره في نفس الحديث، وفيه: (أقيموا الحدود على إمائكم)، وهذا اللفظ في صحيح مسلم : (أقيموا الحدود على إمائكم من أحصن ومن لم يحصن)، عن علي رضي الله عنه. وذكر في عون المعبود شاهد آخر من حديث عبد الله بن حبيب قال: (خطب علي رضي الله عنه فقال: أيها الناس! أقيموا على أرقائكم الحد من أحصن ومن لم يحصن، فإن أمة لرسول صلى الله عليه وسلم زنت فأمرني أن أجلدها فإذا هي حديثة عهد بنفاس..). هذا هو الشاهد؛ لأن هذا من طريق أخرى غير طريق أبي جميلة ، فهذه متابعة؛ لأن الصحابي واحد؛ فالشواهد غالباً تكون باختلاف الصحابة، وأما المتابعات فالصحابي فيها واحد. حكم من قال بانزلاق حسان بن ثابت مع المنافقين في قصة الإفك السؤال: ما رأيكم في قول: إن حسان بن ثابت رضي الله عنه انزلق مع المنافقين في قصة الإفك؟ الجواب: لا يقال: انزلق مع المنافقين، أو يوصف بأن عنده نفاقاً، ولكنه حصل منه ما حصل، وقد أقيم عليه الحد وهو كفارة له، فكأنه لم يحصل شيء، فقد طهره الله من الذي وقع منه بإقامة الحد، فإن الحدود كفارات. حكم القذف بفاحشة اللواط السؤال: ما حكم القذف بفاحشة اللواط هل يقال عنه قذف كالقذف بالزنا؟ الجواب: لا فرق بينهما، بل هذا أخبث. هل طالبت عائشة رضي الله عنها بجلد من قذفها؟ السؤال: لم يرد في أحاديث الإفك أن عائشة رضي الله عنها طالبت بحقها في إقامة الحد على من رماها، فلماذا أقام النبي صلى الله عليه وسلم الحد؟ الجواب: القصة اشتهرت، والرسول تألم، وكانت المدة نحو خمسين يوماً وهو متألم ومتأثر؛ بسبب هذا الذي قد حصل، وأهلها كانوا متأثرين كلهم، ومعلوم قصة الآية التي نزلت في أبي بكر : وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ ؛ لأنه كان يحسن إلى مسطح وينفق عليه، ولما حصل منه ما حصل حلف ألا يعطيه شيئاً؛ فأنزل الله هذه الآية: وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى [النور:22]، وقال في آخرها: أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ [النور:22]، فعدل عما عزم عليه، وأعطاه ما كان يعطيه من قبل. حكم المرأة إذا كانت مطاوعة في زنا أحد المحارم بها السؤال: ذكرتم في حكم الرجل الذي يأتي محارمه إما بالعقد أو بوقوع الزنا أنه يقتل، فإذا كانت المرأة مطاوعة أو مكرهة فما الحكم؟ الجواب: إذا زنى بها وهي مكرهة فمعلوم أن المكرهة معذورة، سواء كان الذي فعل بها من المحارم أو من غير المحارم، وأما إن كانت مطاوعة وموافقة فالذي يبدو أن الحكم واحد ولا فرق بين هذا وهذا. حكم توزيع الأب تركته على أولاده وهو حي السؤال: رجل لديه زوجتان الأولى لها منه عشرة أولاد، والثانية خمسة، فهل يجوز له أن يوزع تركته في حياته على هؤلاء الأولاد؟ الجواب: ليس له أن يوزع التركة، ولكن إذا أراد أن يعطيهم عطية في الحياة فيعطيهم على قدر إرثهم، وأما توزيع التركة فلا يوزعها، وإنما يترك المال، وإذا انتهى من هذه الحياة سيقسم عليهم كما قسم الله عز وجل. لا يجب على ولي المرأة أن يخبر الرجل المتقدم أنها زنت إذا تابت السؤال: إذا زنت المرأة وتقدم لها رجل للزواج، فهل يجب على وليها أن يخبره بما فعلت؟ الجواب: لا يجب عليه، فإذا تابت فليس له أن يخبره؛ لأن الستر مطلوب، والتوبة تجب ما قبلها، ومن تاب تاب الله عليه، ولا يعتبر هذا غشاً، لاسيما إذا كانت مكرهة فهي معذورة. حكم قطع يد السارق إذا خيف موته لمرضه السؤال: إذا سرق السارق وكان مريضاً مرضاً لا يرجى برؤه وخيف عليه الموت إن قطعت يده، فهل يسقط عنه الحد؟ الجواب: إذا كان القطع يؤدي إلى هلاكه بسبب مرضه فإنه يسقط عنه الحد، لكن كونه يقام عليه الحد ثم يموت بسبب ذلك، فإن سراية الحد هدر لا تضمن."
__________________
|
#832
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [502] الحلقة (532) شرح سنن أبي داود [504] شرب الخمر من كبائر الذنوب، وحده أربعون جلدة كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد جلد أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، فلما تساهل الناس في عهد عمر جلد ثمانين، ومن تكرر منه شرب الخمر فقد ورد أنه يقتل في الرابعة، وهذا محمول على التعزير. ما جاء في الحد في الخمر شرح حديث (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقت في الحمر حداً قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الحد في الخمر. حدثنا الحسن بن علي و محمد بن المثنى وهذا حديثه قالا: حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن محمد بن علي بن ركانة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقت في الخمر حداً). وقال ابن عباس : (شرب رجل فسكر فلقي يميل في الفج، فانطلق به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما حاذى بدار العباس انفلت فدخل على العباس فالتزمه، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فضحك وقال: أفعلها؟ ولم يأمر فيه بشيء). قال أبو داود : هذا مما تفرد به أهل المدينة حديث الحسن بن علي هذا ]. ذكر الإمام أبو داود رحمه الله تعالى هذه الترجمة وهي: [ باب في الحد في الخمر ]، جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم التحديد في حد الخمر بأربعين، وجاء عن عمر رضي الله عنه بمشورة الصحابة أنه جعله ثمانين، وهو ما يعادل أخف وأسهل الحدود غير الخمر، وهو القذف الذي يكون الجلد فيه ثمانين، وقد جاء في بعض الأحاديث عدم التحديد، وإنما ذكر فيها جلد وضرب، وأن كلاً يضرب من جهته، وجاء في بعضها التحديد بأربعين وقد ذكر بعضها المصنف هنا، فقد جاء أن الرسول صلى الله عليه وسلم جلد أربعين، و أبا بكر جلد أربعين، و عمر جلد أربعين ثم جعلها ثمانين، وعلى هذا فحد الخمر أربعون كما ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعض أهل العلم قال: حده ثمانون جلدة، وبعضهم قال: ما زاد على الأربعين إنما هو تعزير، ويرجع فيه إلى الإمام، ولا شك أن الذي ثبتت به السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام هو أربعون، فمن أخذ بذلك فقد أخذ بالسنة، ومن أخذ بالثمانين فقد أخذ بما جاء عن عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهو من الخلفاء الراشدين الهادين المهديين. وقد أورد أبو داود حديث ابن عباس (أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقت للخمر حداً) أي: أنه لم يوقت ولم يجعل لها حداً، وذكر أيضاً: أن رجلاً سكر وأنه رؤي يميل في الفج -أي: في الطريق- فعرف أنه سكران فهرب ودخل في بيت العباس والتزمه، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما فعل فقال: (أفعلها؟) فجعل يتبسم ويضحك ويقول: (أفعلها؟) ولم يأمر فيه بشيء، لكن الحديث في إسناده ابن جريج ، وقد روى بالعنعنة، ولو ثبت فإنه يكون محمولاً على أنه لم يحصل فيه ثبوت شيء لا بالاعتراف ولا بالشهادة، وإنما رؤي يتمايل فظن أنه شرب خمراً، وأنه لما دخل على العباس والتزمه معناه أنه: ملتجئ إليه وطالب تخليصه، ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم فيه بشيء، ولكنه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جلد في الخمر أربعين، كما جاء في حديث علي رضي الله عنه وأرضاه الذي ذكره أبو داود، وهو عند مسلم وغيره كما سيأتي. تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقت في الخمر حداً) قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ و محمد بن المثنى ]. هو الزمن أبو موسى العنزي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وهذا حديثه قالا: حدثنا أبو عاصم ]. هو الضحاك بن مخلد النبيل ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن علي بن ركانة ]. محمد بن علي بن ركانة صدوق، أخرج له أبو داود . [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى ا لله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث (أن رسول الله أتي برجل قد شرب فقال: اضربوه...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا أبو ضمرة عن يزيد بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي برجل قد شرب فقال: اضربوه، قال أبو هريرة : فمنا الضارب بيده، والضارب بنعله، والضارب بثوبه، فلما انصرف قال بعض القوم: أخزاك الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقولوا هكذا، لا تعينوا عليه الشيطان) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة : أن النبي عليه الصلاة والسلام أتي برجل قد شرب الخمر، فأمر بضربه فضربوه، فكان منهم الضارب بنعله، والضارب بسوطه، والضارب بثوبه، وبعد ذلك قال رجل من القوم: أخزاك الله، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تقولوا هكذا، لا تعينوا عليه الشيطان)، وهذا ليس فيه ذكر التحديد بأربعين، ولكنه جاء في بعض الأحاديث الأخرى التحديد بالأربعين. تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله أتي برجل قد شرب فقال: اضربوه..) قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. قتيبة بن سعيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو ضمرة ]. هو أنس بن عياض ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يزيد بن الهاد ]. يزيد بن الهاد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن إبراهيم ]. هو محمد بن إبراهيم التيمي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة ]. هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. شرح حديث (أن رسول الله أتي برجل قد شرب فقال اضربوه...) من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن داود بن أبي ناجية الإسكندراني حدثنا ابن وهب أخبرني يحيى بن أيوب و حيوة بن شريح و ابن لهيعة عن ابن الهاد بإسناده ومعناه، قال فيه بعد الضرب: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (بكتوه، فأقبلوا عليه يقولون: ما اتقيت الله! ما خشيت الله! وما استحييت من رسول الله صلى الله عليه وسلم! ثم أرسلوه، وقال في آخره: ولكن قولوا: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، وبعضهم يزيد الكلمة ونحوها) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله أو نحوه، وقال فيه: (بكتوه) أي: أنبوه بدون سب وشتم، فجعلوا يقولون له: ما اتقيت الله، ما استحييت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك قال: (قولوا: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه). قوله: [ (وبعضهم يزيد الكلمة ونحوها) ]. أي: في الدعاء له، وهذا فيه ورود اللوم ولكن بدون سب؛ لأن قولهم له: ما اتقيت الله، أي: مما حصل منك، فهذا تأنيب وتبكيت، ولكن ليس فيه سب ولا دعاء عليه، بل في آخر ذلك أمر بالدعاء له. تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله أتي برجل قد شرب فقال اضربوه...) من طريق أخرى قوله: [ حدثنا محمد بن داود بن أبي ناجية الإسكندراني ]. محمد بن داود بن أبي ناجية الإسكندراني ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني يحيى بن أيوب ]. يحيى بن أيوب صدوق ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و حيوة بن شريح ]. هو حيوة بن شريح المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و ابن لهيعة ]. ابن لهيعة صدوق اختلط، وحديثه أخرجه مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . وهو هنا مقرون باثنين من الثقات، وأيضاً الراوي عنه عبد الله بن وهب ، وحتى لو لم يكن معه قرين أو قرناء فإن رواية عبد الله بن وهب مما سمع منه قبل الاختلاط، والعبادلة الأربعة: عبد الله بن وهب و عبد الله بن يزيد المكي و عبد الله بن المبارك و عبد الله بن مسلمة القعنبي . شرح حديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم جلد في الخمر بالجريد والنعال، وجلد أبو بكر أربعين...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام (ح) وحدثنا مسدد حدثنا يحيى عن هشام المعنى عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم جلد في الخمر بالجريد والنعال وجلد أبو بكر رضي الله عنه أربعين، فلما ولي عمر رضي الله عنه دعا الناس فقال لهم: إن الناس قد دنوا من الريف -وقال مسدد : من القرى والريف- فما ترون في حد الخمر؟ فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: نرى أن تجعله كأخف الحدود، فجلد فيه ثمانين) ]. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الذي فيه: أنهم جلدوا بالجريد والنعال في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر أربعين، وأن عمر رضي الله عنه لما حصل الريف وحصلت الخيرات، وكثرت الثمرات، استسهل بعض الناس صنع الخمر واستعمالها، فاستشار الصحابة رضي الله عنهم في الإتيان بعقوبة تردع عن هذا العمل، فرأوا أن الذي يحصل به المقصود ثمانون وهي المماثلة لحد القذف الذي هو أقل الحدود؛ لأن الزنا فيه مائة جلدة، والسرقة فيها قطع اليد، وأخفها حد القذف الذي هو ثمانون، فعند ذلك رأى عمر رضي الله عنه ومن معه من الصحابة ذلك، وكان فيهم علي و عبد الرحمن بن عوف ، فصار يجلد ثمانين رضي الله تعالى عنه وعن الصحابة أجمعين. تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم جلد في الخمر بالجريد والنعال، وجلد أبو بكر أربعين...) قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ]. هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا هشام ]. هو هشام الدستوائي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام المعنى عن قتادة ]. هشام مر ذكره، و قتادة هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس بن مالك ]. أنس بن مالك رضي الله عنه، خادم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. مرسل قتادة أن النبي جلد بالجريد والنعال أربعين [ قال أبو داود : رواه ابن أبي عروبة عن قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه جلد بالجريد والنعال أربعين) ]. أورد أبو داود الحديث ولكنه مرسل؛ لأنه من رواية قتادة ولم يذكر فيه أنساً ، وفيه أنه جلد بالجريد والنعال أربعين. قوله: [ رواه ابن أبي عروبة ]. هو سعيد بن أبي عروبة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ]. قتادة مر ذكره. شرح حديث (ضرب بجريدتين نحو الأربعين) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ورواه شعبة عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (ضرب بجريدتين نحو الأربعين) ]. ذكر طريقاً أخرى وهي عن شعبة بن الحجاج الوسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. عن قتادة عن أنس (أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب بجريدتين نحو الأربعين) وليس فيه ذكر التحديد بالأربعين، وفيه ذكر الجريدتين، ومعنى ذلك أنه ضرب بكل واحدة قريباً من نصف هذا العدد، وفي الثانية مثلها، فصار مجموع ذلك قريباً من الأربعين، بمعنى: ضرب عشرين بجريدة، وعشرين بجريدة أو قريباً من ذلك، فيكون نحواً من أربعين. شرح حديث علي (جلد النبي أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكل سنة...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد بن مسرهد و موسى بن إسماعيل المعنى قالا: حدثنا عبد العزيز بن المختار حدثنا عبد الله الداناج حدثني حضين بن المنذر الرقاشي -هو أبو ساسان - قال: (شهدت عثمان بن عفان رضي الله عنه وأتي بالوليد بن عقبة فشهد عليه حمران ورجل آخر، فشهد أحدهما أنه رآه شربها -يعني: الخمر- وشهد الآخر أنه رآه يتقيؤها، فقال عثمان : إنه لم يتقيأها حتى شربها، فقال لعلي رضي الله عنه: أقم عليه الحد، فقال علي للحسن رضي الله عنه: أقم عليه الحد، فقال الحسن : ول حارها من تولى قارها، فقال علي لعبد الله بن جعفر : أقم عليه الحد، قال: فأخذ السوط فجلده و علي يعد، فلما بلغ أربعين قال: حسبك، جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين، أحسبه قال: وجلد أبو بكر أربعين، و عمر ثمانين، وكل سنة، وهذا أحب إلي) ]. أورد أبو داود حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قصة جلد الوليد بن عقبة وقد شهد عليه حمران مولى عثمان أنه رآه شرب الخمر، وشهد رجل آخر أنه رآه يتقيؤها، ومعلوم أنه لم يتقيأها إلا لكونه شربها؛ لأن من تقيأ شيئاً فهو قد شربه، فعثمان رضي الله عنه أقام عليه الحد، وأسند إلى علي القيام بهذه المهمة، أي: أنه هو المنفذ، ويعين من يرى ليباشر الجلد، فأمر الحسن بأن يجلد فقال: ول حارها من تولى قارها، أي: أن من تولى الشيء السهل هو الذي يتولى الشيء الصعب، والمقصود من ذلك: من تولى قار الخلافة هو الذي يتولى حارها، فالذي يحصل السهولة واليسر والمال هو الذي يكلف بمثل هذه الأعمال، فصرف علي رضي الله عنه النظر عنه وأمر عبد الله بن جعفر أن يجلده، فباشر جلده، فجعل يجلده و علي يعد حتى وصل إلى أربعين فقال له: أمسك، ثم قال: جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وجلد عمر ثمانين، وكل سنة، وهذا أحب إلي، أي: هذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه سنة عمر رضي الله عنه، قال: وكل سنة، أي: وكل ذلك حق، ولكن هذا أحب إلي؛ لأنه هو الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، و عمر رضي الله عنه اجتهد في شيء رأى فيه المصلحة بردع الناس؛ لكونهم تتابعوا على شرب الخمر وكثر فيهم الشرب، فأراد أن تكون هناك عقوبة تردعهم وتمنعهم من الوقوع في ذلك الذي أقدموا عليه. تراجم رجال إسناد حديث علي (جلد النبي أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكل سنة...) قوله: [ حدثنا مسدد بن مسرهد و موسى بن إسماعيل ]. مسدد مر ذكره، وموسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قالا: حدثنا عبد العزيز بن المختار ]. عبد العزيز بن المختار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الله الداناج ]. عبد الله الداناج ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثني حضين بن المنذر ]. هو حضين بن المنذر أبو ساسان ، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن علي ]. هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة رضي الله عنه أرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (جلد رسول الله في الخمر وأبو بكر أربعين، وكملها عمر ثمانين...) وتراجم رجال الإسناد قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن ابن أبي عروبة عن الداناج عن حضين بن المنذر عن علي رضي الله عنه قال: (جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر و أبو بكر رضي الله عنه أربعين، وكملها عمر رضي الله عنه ثمانين، وكل سنة) ]. أي: أوصلها إلى ثمانين، كأدنى الحدود الذي هو حد القذف، وقال: (وكل سنة) فمن أخذ بهذا فقد أخذ بسنة، ومن أخذ بهذا فقد أخذ بسنة. قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن ابن أبي عروبة عن الداناج عن حضين بن المنذر عن علي ]. قد مر ذكرهم جميعاً. تفسير الأصمعي لقول الحسن (ول حارها من تولى قارها) [ قال أبو داود : وقال الأصمعي : ول حارها من تولى قارها: ول شديدها من تولى هينها ]. ذكر هذا الأثر عن الأصمعي في تفسيره: (ول حارها من تولى قارها) أي: ول شديدها من تولى هينها. والقار قيل: هو البارد وهو مقابل الحار، والقر: هو البرد، والمقصود أنه يتولى الشديد من تولى اللين. ويقال في أيام النحر: يوم العيد يوم النحر، ويوم الحادي عشر: يوم القر، الذي هو الاستقرار، وهذا ليس من المعنى الذي نحن فيه. [ قوله: وقال الأصمعي ]. هو: عبد الملك بن قريب ، وهو صدوق سني، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم في المقدمة وأصحاب السنن. وقوله: (سني) سبق أن مر بنا ذكر الأصمعي ، وعرفنا أن الحافظ ابن حجر في ترجمته له في تهذيب التهذيب ذكر أن أربعة من علماء اللغة في البصرة هم أهل سنة ومنهم الأصمعي . [ قال أبو داود : هذا كان سيد قومه حضين بن المنذر أبو ساسان ]. هذا تعريف بهذا الرجل الذي يروي عن علي وهو حضين بن المنذر أبو ساسان وأنه كان سيد قومه. إذا تتابع في شرب الخمر شرح حديث (إذا شربوا الخمر فاجلدوهم...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب إذا تتابع في شرب الخمر. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبان عن عاصم عن أبي صالح ذكوان عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا شربوا الخمر فاجلدوهم، ثم إن شربوا فاجلدوهم، ثم إن شربوا فاجلدوهم، ثم إن شربوا فاقتلوهم) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: [ باب إذا تتابع في شرب الخمر ]، أي: إذا شرب الخمر مراراً وحصل الجلد في كل مرة فإنه في المرة الرابعة يقتل، وقد جاء عن معاوية وغيره هذا الحكم الذي هو: الجلد في المرات الثلاث الأولى، ثم في الرابعة يقتل، وأكثر أهل العلم على أنه لا يقتل، ولهذا ذكر الترمذي رحمه الله في العلل أن كل ما في كتابه السنن قد عمل به إلا أحاديث ثلاثة، ومنها هذا الحديث الذي هو حديث قتل شارب الخمر، ولكنه حديث واضح وصريح، وقد جاء عن بعض أهل العلم أنه قال بقتله، ويكون هذا من قبيل التعزير، وأنه يمكن أن يحصل التعزير بقتله إذا لم يحصل الانكفاف إلا بذلك. وللشيخ أحمد شاكر رحمه الله رسالة في هذا اسمها: القول الفصل في قتل مدمن الخمر. تراجم رجال إسناد حديث (إذا شربوا الخمر فاجلدوهم...) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبان ]. موسى بن إسماعيل مر ذكره، وأبان هو أبان بن يزيد العطار ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الستة إلا ابن ماجة . [ عن عاصم ]. هو عاصم بن أبي النجود ، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وحديثه في الصحيحين مقرون. [ عن أبي صالح ذكوان ]. هو أبو صالح ذكوان السمان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معاوية بن أبي سفيان ]. معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أمير المؤمنين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. كلام الخطابي في المراد بقول النبي صلى الله عليه وسلم (ثم إن شربوا فاقتلوهم) قال الخطابي : قد يرد الأمر بالوعيد ولا يراد به وقوع الفعل. وهذا ليس بواضح، فكيف يقول: اقتلوه وهو لا يريد قتله؟! واستدلاله بحديث: (من قتل عبده قتلناه، ومن جدع عبده جدعناه) حيث قال: وهو لو قتل عبده لم يقتل به في قول عامة العلماء، وكذلك لو جدعه لم يجدع بالاتفاق، فالحديث جاء عن جماعة من الصحابة وفيه ذكر القتل، وهو من باب التعزير، فيحصل القتل إذا رأى الإمام مصلحة في ذلك ويكون تعزيراً. شرح حديث (إذا شربوا الخمر فاجلدوهم...) من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن حميد بن يزيد عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بهذا المعنى، قال: وأحسبه قال في الخامسة: إن شربها فاقتلوه) ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر ، وهو بمعنى حديث معاوية قال: أحسبه قال في الخامسة: (إن شربها فاقتلوه)، وفي الحديث الأول قال ذلك في المرة الرابعة ولكنه شك، والذي ثبت هو في الرابعة. تراجم رجال إسناد حديث (إذا شربوا الخمر فاجلدوهم...) من طريق أخرى قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد ]. هو ابن سلمة بن دينار ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن حميد بن يزيد ]. حميد بن يزيد مجهول الحال، أخرج له أبو داود . [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهو الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ قال أبو داود : وكذا في حديث أبي غطيف: في الخامسة ]. أي: أنه مثل الذي قبله، قال: أحسبه قال في الخامسة، و أبو غظيف لا يعرف اسمه، وهو هذلي مجهول، أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . شرح حديث (إذا سكر فاجلدوه، ثم إن سكر فاجلدوه...) وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا نصر بن عاصم الأنطاكي حدثنا يزيد بن هارون الواسطي حدثنا ابن أبي ذئب عن الحارث بن عبد الرحمن عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا سكر فاجلدوه، ثم إن سكر فاجلدوه، ثم إن سكر فاجلدوه، فإن عاد الرابعة فاقتلوه) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة وهو بمعنى حديث معاوية الذي تقدم. قوله: [ حدثنا نصر بن عاصم الأنطاكي ]. نصر بن عاصم الأنطاكي لين الحديث، أخرج له أبو داود . [ حدثنا يزيد بن هارون الواسطي ]. يزيد بن هارون الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ابن أبي ذئب ]. هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحارث بن عبد الرحمن ]. الحارث بن عبد الرحمن صدوق، أخرج له أصحاب السنن. [ عن أبي سلمة ]. هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة قد مر ذكره. شرح حديث (إذا شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد الرابعة فاقتلوه) وتراجم رجال الإسناد [ قال أبو داود : وكذا حديث عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد الرابعة فاقتلوه) ]. هذا أيضاً طريق آخر عن أبي هريرة وفيه أنه في الرابعة يقتل. قوله: [ وكذا حديث عمر بن أبي سلمة ]. عمر بن أبي سلمة صدوق يخطئ، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [ عن أبيه عن أبي هريرة ]. أبوه هو أبو سلمة ، وأبو هريرة مر ذكره. شرح حديث (إن شربوا الرابعة فاقتلوهم) من طرق أخرى، وتراجم رجال الإسناد [ قال أبو داود : وكذا حديث سهيل عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن شربوا الرابعة فاقتلوهم) ]. وهذا أيضاً مثلما تقدم، و سهيل بن أبي صالح صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة وروايته مقرونة عند البخاري . قوله: [ عن أبي صالح عن أبي هريرة ]. مر ذكرهما. [ وكذا حديث ابن أبي نعم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ]. يعني: أن فيه القتل في الرابعة. و ابن أبي نعم هو عبد الرحمن بن أبي نعم البجلي ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وكذا حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. كذلك فيه القتل في الرابعة. [ و الشريد عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. الشريد بن سويد صحابي، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة . [ وفي حديث الجدلي عن معاوية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فإن عاد في الثالثة أو الرابعة فاقتلوه) ]. هذا شك، والرواية التي تقدمت نص في الرابعة. و الجدلي هو أبو عبد الله الجدلي واسمه: عبد بن عبد ويقال: عبد الرحمن بن عبد ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . شرح حديث (من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن عبدة الضبي حدثنا سفيان قال الزهري : أخبرنا عن قبيصة بن ذؤيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد في الثالثة أو الرابعة فاقتلوه، فأتي برجل قد شرب فجلده، ثم أتي به فجلده، ثم أتي به فجلده، ثم أتى به فجلده، ورفع القتل وكانت رخصة) ]. قوله: [ (من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد في الثالثة أو الرابعة فاقتلوه) ]. هذا كالذي قبله إلا أن فيه شكاً في القتل هل هو في الثالثة أو الرابعة. قوله: [ (فأتي برجل قد شرب فجلده، ثم أتي به فجلده، ثم أتي به فجلده، ثم أتي به فجلده، ورفع القتل وكانت رخصة) ]. ذكر أنه أتي بشارب، وأنه جلده ثلاث مرات، ثم بعد ذلك تركه ولم يقتله، فكانت رخصة، أي: أن القتل ليس لازماً ولا حتماً، ولكن كما عرفنا هذا يدل على أن الأمر فيه سعة، وأنه إذا لزم الأمر أن يقتل تعزيراً فإن ذلك قد جاء ما يدل عليه، وإن ترك فكذلك.
__________________
|
#833
|
||||
|
||||
![]() تراجم رجال إسناد حديث (من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه...) قوله: [ حدثنا أحمد بن عبدة الضبي ]. أحمد بن عبدة الضبي ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن سفيان ]. هو ابن عيينة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. الزهري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قبيصة بن ذؤيب ]. قبيصة بن ذؤيب له رؤية، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. وهو رباعي، لكن قالوا: إنه صغير وفيه كلام حول سنه، فيكون مرسل صحابي، وهو حجة ومقبول. وغالباً في مراسيل صغار الصحابة أنهم يروون عن الصحابة الكبار. [ قال سفيان : حدث الزهري بهذا الحديث وعنده منصور بن المعتمر و مخول بن راشد فقال لهما: كونا وافدي أهل العراق بهذا الحديث ]. أي: انقلا هذا الحديث إلى أهل العراق، وأبلغاه إليهم؛ لأنهما من العراق وهو في المدينة. ومنصور بن المعتمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و مخول بن راشد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو داود : روى هذا الحديث الشريد بن سويد رضي الله عنه و شرحبيل بن أوس و عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما و عبد الله بن عمر رضي الله عنهما و أبو غطيف الكندي و أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه ]. وكلهم قد مر ذكرهم. شرح أثر علي (ما كنت لأدي من أقمت عليه حداً إلا شارب الخمر...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري حدثنا شريك عن أبي حصين عن عمير بن سعيد عن علي رضي الله عنه قال: (لا أدي، أو ما كنت لأدي من أقمت عليه حداً إلا شارب الخمر، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسن فيه شيئاً، إنما هو شيء قلناه نحن) ]. أورد أبو داود أثر علي رضي الله عنه أنه قال: لا أدي أو ما كن لأدي، وهذا شك من الراوي هل قال: لا أدي أو ما كنت لأدي، والمقصود: أنه لا يدفع دية؛ لأن الحدود إذا حصلت لها سراية فهي هدر، فسراية الحدود هدر، فلو أن إنساناً قطعت يده من أجل سرقة ثم حصلت سراية ومضاعفات وهلك بسبب ذلك فإنه موته هدر وليس فيه دية؛ لأن هذه سراية حد ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. أما الخمر فإنه يديه، وهذا يحمل على ما كان فوق الأربعين جلدة، أما الأربعون فإنها ثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقوله هنا فيما يتعلق بالزيادة على الأربعين، وهي التي زادوها واجتهدوا فيها، وقاسوا حد الخمر على حد القذف، وقالوا: إنه إذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، فيحصل منه القذف، إذاً: يوصل إلى حد القذف حتى يرتدع الناس عن ذلك، فلما لم يثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في هذه الزيادة شيء فإنه لو حصل موت بسبب الجلد بهذا المقدار الزائد فإنه يُدى. تراجم رجال أثر علي (ما كنت لأدي من أقمت عليه حداً إلا شارب الخمر...) قوله: [ حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري ]. إسماعيل بن موسى الفزاري ، هو صدوق يخطئ، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ حدثنا شريك ]. هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي ، وهو صدوق اختلط، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي حصين ]. هو عثمان بن عاصم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمير بن سعيد ]. عمير بن سعيد ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي في مسند علي و ابن ماجة . [ عن علي رضي الله عنه ]. هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقد مر ذكره. شرح حديث (... إذ أتي برجل قد شرب الخمر فقال للناس: اضربوه...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن داود المهري المصري ابن أخي رشدين بن سعد أخبرنا ابن وهب أخبرني أسامة بن زيد أن ابن شهاب حدثه عن عبد الرحمن بن أزهر رضي الله عنه قال: (كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الآن وهو في الرحال يلتمس رحل خالد بن الوليد رضي الله عنه، فبينما هو كذلك إذ أتي برجل قد شرب الخمر فقال للناس: اضربوه، فمنهم من ضربه بالنعال، ومنهم من ضربه بالعصا، ومنهم من ضربه بالميتخة -وقال ابن وهب : الجريدة الرطبة- ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم تراباً من الأرض فرمى به في وجهه) ]. قوله: [ (كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الآن وهو في الرحال يلتمس رحل خالد بن الوليد) ]. هذا يبين تحققه من ذلك، وكأنه بين يديه يشاهده ويعاينه ويتخيل صورته. قوله: [ (فبينما هو كذلك إذ أتي برجل قد شرب الخمر فقال للناس: اضربوه، فمنهم من ضربه بالنعال، ومنهم من ضربه بالعصا، ومنهم من ضربه بالميتخة) ]. الميتخة: هي الجريدة الرطبة اللينة، والتي تنبسط على الجلد؛ لأن الشيء اللين ينثني عند الضرب به مثل السوط، بخلاف الشيء المستقيم الذي لا يلين فإنه يصيب ما يصيب منه وهو على امتداده لا ينعطف. قوله: [ وقال ابن وهب : الجريدة الرطبة ]. هذا تفسير للميتخة بأنها الجريدة الرطبة اللينة. تراجم رجال إسناد حديث (..إذ أتي برجل قد شرب الخمر فقال للناس: اضربوه...) قوله: [ حدثنا سليمان بن داود المهري المصري ابن أخي رشدين بن سعد ]. سليمان بن داود المهري المصري ابن أخي رشدين بن سعد ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . وهنا قال: ابن أخي رشدين، وهذا تعريف، و رشدين ضعيف، وكان الأصل أن تكون الإضافة إلى شخص مشهور، وهذا مشهور ولكنه ليس ثقة وإنما هو ضعيف، ورشدين بن سعد المصري هو راوي حديث: (إلا ما غلب على لونه أو طعمه أو ريحه)، فهذه الزيادة ضعيفة لأنها من رواية هذا الشخص، ولكن أجمع العلماء عليها، أي: إن تغير الماء بطعم أو لون أو ريح فإنه يعتبر نجساً، ومثل ذلك حديث: (كل قرض جر نفعاً فهو ربا) فهو حديث ضعيف جداً، قال عنه الحافظ رحمه الله: إسناده ساقط، ولكن معناه أجمع عليه أهل العلم. [ أخبرني أسامة بن زيد ]. هو أسامة بن زيد الليثي ، وهو صدوق يهم، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ أن ابن شهاب حدثه عن عبد الرحمن بن أزهر ]. ابن شهاب مر ذكره، و عبد الرحمن بن أزهر صحابي صغير، أخرج له أبو داود و النسائي . شرح حديث (أتي النبي صلى الله عليه وسلم بشارب وهو بحنين فحثا في وجهه التراب...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن السرح قال: وجدت في كتاب خالي عبد الرحمن بن عبد الحميد عن عقيل عن ابن شهاب أخبره أن عبد الله بن عبد الرحمن بن الأزهر أخبره عن أبيه رضي الله عنه قال: (أتي النبي صلى الله عليه وسلم بشارب وهو بحنين، فحثا في وجهه التراب، ثم أمر أصحابه فضربوه بنعالهم وما كان في أيديهم حتى قال لهم: ارفعوا فرفعوا، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جلد أبو بكر في الخمر أربعين، ثم جلد عمر رضي الله عنه أربعين صدراً من إمارته، ثم جلد ثمانين في آخر خلافته، ثم جلد عثمان رضي الله عنه الحدين كليهما ثمانين وأربعين، ثم أثبت معاوية رضي الله عنه الحد ثمانين) ]. أورد أبو داود حديث ابن الأزهر وهو مثل الذي قبله، وفيه ذكر أنه حصل الجلد من رسول الله عليه السلام و أبي بكر أربعين، وأن عمر جلد في صدر خلافته أربعين ثم زادها إلى ثمانين، و عثمان جلد الحدين، أي: جلد ثمانين وجلد أربعين، ثم أثبت معاوية رضي الله عنه الحد ثمانين، أي: أنه كان يجلد ثمانين فقط. تراجم رجال إسناد حديث (أتي النبي صلى الله عليه وسلم بشارب وهو بحنين فحثا في وجهه التراب...) قوله: [ حدثنا ابن السرح ]. هو أحمد بن عمرو بن السرح ، وهو ثقة، أخرج له مسلم و النسائي و ابن ماجة . [ قال: وجدت في كتاب خالي عبد الرحمن بن عبد الحميد ]. عبد الرحمن بن عبد الحميد ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن عقيل ]. هو عقيل بن خالد بن عقيل المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب أخبره أن عبد الله بن عبد الرحمن بن الأزهر ]. عبد الله بن عبد الرحمن بن الأزهر مقبول، أخرج له أبو داود . [ عن أبيه ]. أبوه عبد الرحمن قد مر ذكره. شرح حديث (... فأتي بشارب فأمرهم فضربوه بما في أيديهم...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا عثمان بن عمر حدثنا أسامة بن زيد عن الزهري عن عبد الرحمن بن أزهر رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة الفتح وأنا غلام شاب يتخلل الناس يسأل عن منزل خالد بن الوليد رضي الله عنه، فأتي بشارب، فأمرهم فضربوه بما في أيديهم، فمنهم من ضربه بالسوط، ومنهم من ضربه بعصا، ومنهم من ضربه بنعله، وحثا رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب، فلما كان أبو بكر رضي الله عنه أتي بشارب، فسألهم عن ضرب النبي صلى الله عليه وسلم الذي ضربه فحرزوه أربعين، فضرب أبو بكر رضي الله عنه أربعين، فلما كان عمر كتب إليه خالد بن الوليد : إن الناس قد انهمكوا في الشرب وتحاقروا الحد والعقوبة، قال: هم عندك فسلهم، وعنده المهاجرون الأولون، فسألهم، فأجمعوا على أن يضرب ثمانين، قال: وقال علي : إن الرجل إذا شرب افترى فأرى أن يجعله كحد الفرية). قال أبو داود : أدخل عقيل بن خالد بين الزهري وبين ابن الأزهر في هذا الحديث عبد الله بن عبد الرحمن بن الأزهر عن أبيه ]. أورد أبو داود حديث عبد الرحمن بن أزهر وهو مثلما تقدم، إلا أن فيه زيادة، وهي قوله: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم غداة الفتح وأنا غلام شاب يتخلل الناس) ]. فالأول ذكر أنه في حنين، وهنا ذكر أنه في الفتح. قوله: [ (يسأل عن منزل خالد بن الوليد فأتي بشارب، فأمرهم فضربوه بما في أيديهم، فمنهم من ضربه بالسوط، ومنهم من ضربه بعصا، ومنهم من ضربه بنعله، وحثا رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب، فلما كان أبو بكر أتي بشارب فسألهم عن ضرب النبي صلى الله عليه وسلم الذي ضربه فحرزوه أربعين) ]. وهذا فيه أن أبا بكر رضي الله عنه سأل عن فعل الرسول صلى الله عليه وسلم فحرزوه أربعين، أي: أنه في حدود أربعين ضربة. قوله: [ (فضرب أبو بكر أربعين، فلما كان عمر كتب إليه خالد بن الوليد : إن الناس قد انهمكوا في الشرب وتحاقروا الحد والعقوبة، قال: هم عندك فسلهم) ]. انهمكوا في الشرب أي: أقدموا عليه وتساهلوا فيه؛ لأن العقوبة أربعين جلدة أمر سهل ويسير. قوله: [ (قال: هم عندك فسلهم، وعنده المهاجرون الأولون، فسألهم فأجمعوا على أن يضرب ثمانين، قال: وقال علي : إن الرجل إذا شرب افترى، فأرى أن يجعله كحد الفرية) ]. كان علي رضي الله عنه معهم، وبين وجه الاستدلال في كونه وصل إلى الثمانين حيث قال: إن الرجل إذا سكر افترى، أي: حصل منه القذف، فأرى أن يجلد حد الفرية الذي هو حد القذف. [ قال أبو داود : أدخل عقيل بن خالد بين الزهري وبين ابن الأزهر في هذا الحديث عبد الله بن عبد الرحمن بن الأزهر عن أبيه ]. وقد مر أنه مقبول. تراجم رجال إسناد حديث (... فأتي بشارب فأمرهم فضربوه بما في أيديهم...) قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. الحسن بن علي مر ذكره. [ حدثنا عثمان بن عمر ]. عثمان بن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أسامة بن زيد عن الزهري عن عبد الرحمن بن أزهر ]. هؤلاء مر ذكرهم. وقد صحح الألباني هذا الحديث، وقد قال ابن أبي حاتم : سألت أبي و أبا زرعة عن هذا الحديث فقال: لم يسمعه الزهري من عبد الرحمن بن أزهر . أي: أن فيه واسطة، و الزهري يدلس قليلاً ونادراً. إقامة الحد في المسجد شرح حديث (نهى رسول الله أن يستقاد في المسجد، وأن تنشد فيه الأشعار...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في إقامة الحد في المسجد. حدثنا هشام بن عمار حدثنا صدقة -يعني ابن خالد - حدثنا الشعيثي عن زفر بن وثيمة عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستقاد في المسجد، وأن تنشد فيه الأشعار، وأن تقام فيه الحدود) ]. قوله: [ باب في إقامة الحد في المسجد ]، أي: أنه لا يقام الحد في المسجد؛ وذلك لأن من الحدود ما يكون فيه قتل أو قطع، فإذا أقيمت في المسجد توسخ وتقذر بالدماء، وقد يحصل فيه لغط وأصوات، وقد يحصل من الشخص الذي يقام عليه الحد أصوات منكرة، والمساجد إنما بنيت لذكر الله عز وجل، وإقامة الصلاة، ولم تبن لمثل هذا العمل، فالحدود تقام في غير المسجد، ولهذا جاء الحديث عن حكيم بن حزام رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يستقاد في المسجد، وأن تنشد فيه الأشعار وأن تقام فيه الحدود). والنهي عن إنشاد الأشعار المقصود منه: ألا تصير محلاً لمثل هذا، وأما مجرد إنشاد الشعر، أو أن يتلو الإنسان شعراً أو يذكره أو يستنشد فلا بأس بذلك؛ لأن حسان رضي الله عنه لما أنكر عليه عمر قال: (كنت أنشده وفيه من هو خير منك) يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن أن تصير مكاناً لإلقاء الأشعار والمقابلة بها فهذا لا يصلح، وأما مجرد أن يذكر فيه شيئاً من الشعر، أو يؤتى بشيء من الشعر الجميل، أو يقرأ أحد شيئاً فيه شعر على أحد من الناس في المسجد فلا بأس، وإنما المقصود من ذلك أن يصير كالأماكن التي هي محل لإنشاد الأشعار، كالأسواق التي كانوا يتخذونها في الجاهلية، فلا يجوز أن تجعل المساجد كتلك الأسواق التي هي محل لإنشاد الأشعار. تراجم رجال إسناد حديث (نهى رسول الله أن يستقاد في المسجد، وأن تنشد فيه الأشعار...) قوله: [ حدثنا هشام بن عمار ]. هشام بن عمار صدوق، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا صدقة يعني ابن خالد ]. صدقة بن خالد ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن الشعيثي ]. هو محمد بن عبد الله بن المهاجر ، وهو صدوق ، أخرج له أصحاب السنن. [ عن زفر بن وثيمة ]. زفر بن وثيمة مقبول، أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن حكيم بن حزام ]. حكيم بن حزام رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. والحديث صححه الألباني وفيه هذا المقبول، لكن لعل له شواهد يتقوى بها. التعزير شرح حديث (لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله عز وجل) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في التعزير. حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن سليمان بن يسار عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله عن أبي بردة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: (لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله عز وجل) ]. قوله: [ باب في التعزير ]، التعزير: هو العقوبة التي ليس فيها حد؛ لأن الحد عقوبة مقدرة في الشرع، والتعزير عقوبة غير مقدرة، والحدود كقطع يد، وجلد ثمانين جلدة، ومائة جلدة، فهذا شيء مقدر، وأما التعزير فإنه غير مقدر، هذا هو الفرق بين التعزير والحد. قوله: [ (لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله) ]. مقتضى هذا الحديث أن التعزير يكون في عشر جلدات فأقل، ومن أهل العلم من قال: إنه يجلد لكن لا يبلغ به إلى حد أدنى الحدود وهو أربعون في الخمر أو عشرون، على اعتبار أنها تنصف في حق الرقيق؛ لأن الحد على الرقيق هو نصف ما على الأحرار، فالتعزير إما ألا يبلغ العشرين التي هي الحد الأدنى في عقوبة العبيد والأرقاء، أو لا يبلغ الأربعين التي هي الحد الأدنى في عقوبة الأحرار. وقد اختلف العلماء في ذلك: فمنهم من أخذ بالحديث، ومنهم من قال: إن التعزير يمكن أن يصل إلى حد القتل إذا اتضح أن الأمر لا يردع فيه إلا بمثل ذلك، ولا يترك الناس ذلك العمل إلا بالقتل، كما جاء فيما يتعلق بالخمر، فإنه يمكن أن يصل إلى حد القتل، ولكن هذا فيما يتعلق بالجلد. وهل يزاد على عشر جلدات؟ قال في عون المعبود: قال في الفتح: ظاهره أن المراد بالحد ما ورد فيه من الشارع عدد من الجلد أو الضرب مخصوص أو عقوبة مخصوصة، والمتفق عليه من ذلك حد الزنا والسرقة وشرب المسكر والحرابة، والقذف بالزنا، والقتل، والقصاص في النفس والأطراف، والقتل في الارتداد، واختلف في تسمية الأخيرين حداً. واختلف في مدلول هذا الحديث، فأخذ بظاهره الإمام أحمد في المشهور عنه وبعض الشافعية، وقال مالك و الشافعي وصاحبا أبي حنيفة : تجوز الزيادة على عشر، ثم اختلفوا، فقال الشافعي : لا يبلغ أدنى الحدود، وهل الاعتبار بحد الحر أو العبد؟ قولان، وقال الآخرون: هو إلى رأي الإمام بالغاً ما بلغ، وأجابوا عن ظاهر الحديث بوجوه، منها: الطعن فيه، وتعقب بأنه اتفق الشيخان على تصحيحه، وهما العمدة في التصحيح. ومن الأجوبة: أن عمل الصحابة جاء بخلافه، فيقتضي نسخه، فقد كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري: ألا تبلغ بنكال أكثر من عشرين سوطاً، وعن عثمان: ثلاثين، وضرب عمر أكثر من مائة وأقره الصحابة، وأجيب بأنه لا يلزم في مثل ذلك النسخ. ومن الأجوبة: حمل الحديث على واقعة عين بذنب معين أو رجل معين قاله الماوردي، وفيه نظر ذكره القسطلاني . قلت: ومن أوجه الجواب: قصره على الجلد، وأما الضرب بالعصا مثلاً وباليد فتجوز الزيادة، لكن لا يجاوز أدنى الحدود، وهذا رأي الإصطخري من الشافعية. قال الحافظ: كأنه لم يقف على الرواية الواردة بلفظ الضرب. انتهى. وليس عند الذين لم يقولوا بظاهر الحديث جواب شاف، قال في النيل: قال البيهقي: عن الصحابة آثار مختلفة في مقدار التعزير، وأحسن ما يصار إليه في هذا ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر حديث أبي بردة المذكور. قال الحافظ: فتبين بما نقله البيهقي عن الصحابة أن لا اتفاق على عمل في ذلك، فكيف يدعى نسخ الحديث الثابت ويصار إلى ما يخالفه من غير برهان؟ انتهى. أقول: الخلاف واضح، لكن كونهم اختلفوا وقد حصلت الزيادة، فإنه يدل على أن الزيادة سائغة عند الحاجة، وليس بلازم أن يكون في ذلك اتفاق. قوله: (إلا في حد من حدود الله). ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن المراد بالحدود هنا المعاصي والذنوب، وليس المقصود بها الحدود المقدرة كحد السرقة وحد القذف وحد الزنا، وإنما المراد بها الذنوب والمعاصي. ومعنى ذلك: أنه لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله، يعني: في ذنب من الذنوب، فيكون المقصود بالحد المعاصي التي حرمها الله عز وجل كما قال تعالى: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا [البقرة:187]، وقال: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا [البقرة:229]أي: الأمور التي حدها وحرمها. وعليه: فتجوز الزيادة على عشرة أسواط في العقوبة على معصية الله عز وجل، لكن ما كان من أجل التأديب تأديب الأولاد أو كتأديب الرجل امرأته، مما لا يتعلق بمعصية، فلا يزاد فيه على عشرة أسواط. تراجم رجال إسناد حديث (لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله عز وجل) قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. قتيبة بن سعيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الليث ]. الليث بن سعد المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يزيد بن أبي حبيب ]. يزيد بن أبي حبيب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بكير بن عبد الله بن الأشج ]. بكير بن عبد الله بن الأشج ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سليمان بن يسار ]. سليمان بن يسار ثقة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله ]. عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بردة ]. أبو بردة رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. حديث (لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله عز وجل) من طريق أخرى، وتراجم رجال الإسناد قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو أن بكير بن الأشج حدثه عن سليمان بن يسار قال: حدثني عبد الرحمن بن جابر أن أباه حدثه أنه سمع أبا بردة الأنصاري رضي الله عنهما يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكر معناه ]. قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو ]. ابن وهب مر ذكره، وعمرو هو عمرو بن الحارث المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. أن بكير بن الأشج حدثه عن سليمان بن يسار قال: حدثني عبد الرحمن بن جابر أن أباه حدثه ]. بكير بن الأشج و سليمان بن يسار و عبد الرحمن بن جابر مر ذكرهم، وأبو عبد الرحمن بن جابر هو: جابر بن عبد الله الأنصاري ، وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أنه سمع أبا بردة الأنصاري ]. أبو بردة مر ذكره. ما جاء في ضرب الوجه في الحد شرح حديث (إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في ضرب الوجه في الحد. حدثنا أبو كامل حدثنا أبو عوانة عن عمر -يعني ابن أبي سلمة - عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه) ]. قوله: [ باب في ضرب الوجه في الحد ]، أي: أنه لا يضرب الوجه في الحدود، فإذا كان هناك جلد أو ضرب فإن الضرب يكون لغير الوجه؛ وذلك أن الوجه هو مجمع المحاسن، وفيه المنافذ التي هي ضرورية للإنسان، كالبصر، والشم، والتنفس، والأسنان، واللسان، ومحل الحديث، كل هذه موجودة في الوجه، فالضرب يؤدي إلى تلفها، والعقوبة ليست هي تلفها، لكن إذا كان الحد رجماً، فإنه لا بأس بالرجم من جميع الجهات حتى الوجه؛ لأن المقصود هو قتله وإهلاكه، أما إذا كانت عقوبة ضرب، فإنه لا يضرب الوجه؛ لأن العقوبة هي تلك الجلدات المعلومة، وإذا ضرب وجهه أدى ذلك إلى أن يفقد هذه الحواس التي لا يجوز إتلافها بغير حق، أما فيما يتعلق بالرجم فإنه يمكن أن يرمى من جميع الجهات ولو وافق الوجه؛ لأن المقصود هو إهلاكه. تراجم رجال إسناد حديث (إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه) قوله: [ حدثنا أبو كامل ]. هو أبو كامل الفضيل بن الحسين، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا أبو عوانة ]. هو أبو عوانة وضاح بن عبد الله اليشكري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمر يعني ابن أبي سلمة عن أبيه ]. عمر بن أبي سلمة صدوق يخطئ، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. وأبوه هو أبو سلمة بن عبد الرحمن ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة قد مر ذكره. الأسئلة الحكم على لفظة (أحسبه قال في الخامسة) السؤال: الشيخ الألباني رحمه الله تعالى قال عما رواه موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن حميد بن يزيد عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بهذا المعنى، قال: وأحسبه قال في الخامسة: (إن شربها فاقتلوه)، قلتم: الثابت أنها الرابعة وأما الخامسة فهي ضعيفة، ولذلك قال الشيخ: ضعيف الإسناد، فهل تكون شاذة كذلك لأن فيها ضعيفاً خالف الثقات؟ الجواب: الحديث ضعفه الألباني من أجل ابن يزيد ؛ لأنه ضعيف فلا تثبت به الرواية، ورواية الضعيف مخالفة للثقة هو المنكر. الصحيح والحسن مقبولان السؤال: حديث حكيم بن حزام : (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستقاد في المسجد، وأن تنشد فيه الأشعار، وأن تقام فيه الحدود)، حسنه الشيخ الألباني ولم يصححه؟ الجواب: نعم، والمقصود بالتصحيح أنه مقبول وثابت؛ لأنه إما مقبول، وإما مردود، والمقبول صحيح وحسن، وحتى التحسين فإنه يحتاج إلى شيء يشهد له، سواء كان تصحيحاً أو تحسيناً، وفيه المقبول. تحريم ضرب الوجه في الحدود وغيرها السؤال: تبويب أبي داود رحمه الله في الحديث الأخير: باب في ضرب الوجه في الحد، هل يفهم منه أنه في غير الحدود يمكن أن يضرب؟ الجواب: لا، ولكنه لما كان الكتاب: كتاب الحدود، وأن الحدود تقام، والضرب مأذون فيه، فبين أنه لا يجوز أن يكون الضرب في الوجه في الحدود، وهو كذلك في غير الحدود، فالوجه لا يضرب مطلقاً؛ لأنه يؤدي إلى إتلاف هذه المنافع الضرورية للإنسان. وأما ما ورد أنه صلى الله عليه وسلم أخذ تراباً من الأرض فرمى به في وجه شارب الخمر كما في حديث عبد الرحمن بن أزهر، فهذا لا يلزم أنه أصاب به وجهه، وقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب)، معناه: أنه يحثا إلى جهة وجهه. حكم الزيادة على ثمانين في حد الخمر السؤال: هل لأحد الآن أن يجتهد فيزيد على الثمانين في حد الخمر؟ الجواب: ليس له ذلك، ولكن إذا حصل تكرار فإنه يمكن أن يقتل، كما جاء في الأحاديث التي ستأتي، ويكون ذلك من باب التعزير، لكن كونه يزيد مائة جلدة أو أكثر ليس له ذلك؛ لأن عمر رضي الله عنه فعل ذلك بمشورة الصحابة، وقاسوه على أقل الحدود الذي هو حد القذف. وهل له أن ينقص عن الثمانين؟ له أن ينقص عن الثمانين، ويمكن أن يزيد على أربعين إلى سبعين بناء على أن الزيادة تكون تعزيراً."
__________________
|
#834
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [503] الحلقة (533) شرح سنن أبي داود [505] اعتبرت الشريعة الغراء الحفاظ على النفس من مقاصدها العظيمة، لذا فلا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والتارك لدينه، والمفارق للجماعة. فمن قتل قتيلاً متعمداً دفع إلى أولياء الدم، وهم بالخيار بين: القصاص، العفو لا إلى بدل، العفو إلى بدل (الدية)، وللإمام أن يأمر بالعفو لا على جهة الإلزام، ولا يؤخذ أحد بجريرة أحد. النفس بالنفس شرح حديث ابن عباس الذي فيه تحاكم بني النضير وبني قريظة إلى النبي في قتيل بينهم قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أول كتاب الديات. باب النفس بالنفس. حدثنا محمد بن العلاء حدثنا عبيد الله -يعني ابن موسى - عن علي بن صالح عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان قريظة والنضير، وكان النضير أشرف من قريظة، فكان إذا قتل رجل من قريظة رجلاً من النضير قتل به، وإذا قتل رجل من النضير رجلاً من قريظة فودي بمائة وسق من تمر، فلما بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم قتل رجل من النضير رجلاً من قريظة، فقالوا: ادفعوه إلينا نقتله، فقالوا: بيننا وبينكم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأتوه فنزلت: وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ [المائدة:42]والقسط: النفس بالنفس، ثم نزلت: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ [المائدة:50]). قال أبو داود : قريظة والنضير جميعا ًمن ولد هارون النبي عليه الصلاة السلام ]. يقول المصنف رحمه الله تعالى: [ أول كتاب الديات ]. الديات: جمع دية، والدية: هي ما يدفع من المال مقابل قتل نفس، سواءً كانت الدية عن خطأ وهي مقدرة، أو كانت عن عمد إذا تنازل أهل القتيل عن القصاص وطلبوا الدية. والمقصود من هذا الكتاب ما يتعلق بالديات وهي الأموال التي تكون مقابل النفس، وما يتعلق بالقصاص الذي هو النفس بالنفس. وقد أورد أبو داود رحمه الله جملة من الأبواب، منها ما يتعلق بالقصاص، ومنها ما يتعلق بالديات. وأول باب أورده: [ باب: النفس بالنفس ]. أي: أن النفس تقتل بالنفس قصاصاً. وإذا أراد أولياء القتيل التنازل عن القتل وأرادوا أن يأخذوا الدية، فلهم أن يأخذوا الدية، ولهم أن يأخذوا أكثر من الدية المقدرة في مقابل تنازلهم عن القتل، ولهم أن يعفوا، كل ذلك لهم، وأما الدية في قتل الخطأ فإنها محددة ومقدرة. وقد أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أن بني النضير وقريظة من اليهود، وكان بنو النضير أشرف من بني قريظة، وكانوا إذا قتل نضيري قرظياً فإنه لا يقتل النضيري بالقرظي، والقرظي يقتل بالنضيري، فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقتل رجل من بني النضير رجلاً من بني قريظة، طلب بنو قريظة النضيري من أجل أن يقتلوه في مقابل قتيلهم، فامتنع بنو النضير من ذلك بناءً على ما كانوا عليه في الجاهلية من أن هؤلاء أشرف من هؤلاء، وأن هؤلاء لا يقتلون بأولئك وأولئك يقتلون بهؤلاء، فأبوا أن يسلموه، ولما امتنع بنو النضير من تسليم القاتل لبني قريظة ليقتلوه، قالوا: بيننا وبينكم محمد صلى الله عليه وسلم، فذهبوا إليه. وكانت الطريقة كما قال ابن عباس : أن القرظي يقتل بالنضيري والنضيري لا يقتل بالقرظي، وإنما يودى أو يدفع عنه مائة وسق من التمر في مقابل قتله إياه، ولا يقتل به. فترافع بنو النضير وبنو قريظة إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وجاءوا إليه وأخبروه، وطلبوا منه أن يحكم بينهم، وقد جاء في القرآن: وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ [المائدة:42] والقسط: هو العدل، الذي هو النفس بالنفس، وأنزل الله تعالى: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ [المائدة:50] أي: أيريدون أن يبقوا على ما كانوا عليه في الجاهلية من أن الشريف لا يقتل بمن دونه، والذي هو دونه يقتل به، ولا يريدون حكم الله سبحانه وتعالى؟! تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس الذي فيه تحاكم بني النضير وبني قريظة إلى النبي في قتيل بينهم قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ]. هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبيد الله - يعني ابن موسى - ]. عبيد الله بن موسى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن علي بن صالح ]. هو علي بن صالح بن حي ، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن سماك بن حرب ]. سماك بن حرب صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ قال أبو داود : قريظة والنضير جميعاً من ولد هارون النبي عليه الصلاة والسلام ] أي: أن قريظة والنضير، هم من ولد هارون النبي الكريم عليه الصلاة والسلام أخو موسى عليه الصلاة والسلام. لا يؤخذ أحد بجريرة أخيه وأبيه شرح حديث أبي رمثة (... أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: لا يؤخذ أحد بجريرة أخيه أو أبيه. حدثنا أحمد بن يونس حدثنا عبيد الله -يعني ابن إياد - حدثنا إياد عن أبي رمثة قال: (انطلقت مع أبي نحو النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لأبي: ابنك هذا؟ قال: إي ورب الكعبة، قال: حقاً؟ قال: أشهد به، قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضاحكاً من ثبت شبهي في أبي ومن حلف أبي علي، ثم قال: أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه، وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164])]. يقول المصنف رحمه الله: [ باب لا يؤخذ بجريرة أخيه أو أبيه ]. أي: أنه لا يؤخذ أحد بذنب الآخر، ولا يعاقب أحد من أجل أن غيره جنى، بل العقوبة على الجاني والعاصي، وأما الذي لم يحصل منه جناية ولا معصية؛ فإنه لا يعاقب ولا يؤخذ البريء بجريرة المذنب العاصي الجاني، وقد كان في الجاهلية يؤخذ الشخص بجريرة غيره. وقد أورد أبو داود حديث أبي رمثة رضي الله تعالى عنه: أنه جاء مع أبيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قوي الشبه بأبيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لوالد أبي رمثة : [ (ابنك هذا؟ قال: إي ورب الكعبة، قال: حقاً؟ قال: أشهد به)]. قوله: [ (قال: حقاً) ] أي: أنه ولدك؟ قوله: [ (قال: أشهد به) ] أي: أشهد على ذلك، أو اشهد بذلك أنت يا رسول الله! والرسول صلى الله عليه وسلم رأى قوة الشبه بينه وبينه. قوله: [ (أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه)]. أي: لا يؤخذ بجنايتك ولا تؤخذ بجنايته. وليس معنى ذلك عدم حصول الجناية من الولد للوالد أو من الوالد للولد، فقد يجني الوالد على الولد وقد يجني الولد على الوالد؛ ولكن المقصود المؤاخذة، وأن الواحد لا يؤاخذ بذنب الثاني، وإنما كل يؤاخذ بذنبه. فالمذنب هو الذي يؤاخذ بما ارتكبه من جناية أو معصية، ولا يؤاخذ به ولده ولا والده، وهكذا لا يؤاخذ أحد بذنب غيره. قوله: [ (وقرأ: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164]) ] أي: لا يعاقب شخص بجناية غيره أو بوزر غيره؛ وإنما المذنب والجاني هو الذي يعاقب، والبريء لا عقوبة عليه. تراجم رجال إسناد حديث أبي رمثة (... أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه ...) قوله: [ حدثنا أحمد بن يونس ]. هو أحمد بن عبد الله بن يونس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبيد الله يعني ابن إياد ]. عبيد الله بن إياد صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا إياد ]. إياد هو أبوه، وهو ثقة، أخرج له الذين أخرجوا لابنه. [ عن أبي رمثة ]. هو رفاعة بن يثربي، وهو صحابي، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و النسائي ، وهذا يعتبر من أعلى الإسانيد عند أبي داود ؛ لأنه رباعي. الإمام يأمر بالعفو في الدم شرح حديث (من أصيب بقتل أو خبل فإنه يختار إحدى ثلاث ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الإمام يأمر بالعفو في الدم. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا محمد بن إسحاق عن الحارث بن فضيل عن سفيان بن أبي العوجاء عن أبي شريح الخزاعي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من أصيب بقتل أو خبل فإنه يختار إحدى ثلاث: إما أن يقتص، وإما أن يعفو، وإما أن يأخذ الدية، فإن أراد الرابعة فخذوا على يديه، ومن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم)]. قوله: [ باب الإمام يأمر بالعفو في الدم ] أي: أنه يشفع إلى أولياء القتيل من أجل أن يعفوا عن القاتل. وهذا يبين أن القصاص ليس كالحدود التي لابد من تنفيذها، وأنه لا يشفع فيها لا من جهة الإمام ولا من جهة غيره، فإذا وصلت إلى الإمام فلا شفاعة في الحدود؛ ولهذا جاء في الحديث الذي سبق في حق أسامة بن زيد : (أتشفع في حد من حدود الله؟!) وهذا استفهام إنكار. فهذا يبين أن القصاص ليس من هذا القبيل؛ وذلك أن الحق في القصاص للمخلوق، فله أن يتركه ويتنازل عنه، ولغيره أن يشفع عنده حتى يتنازل عنه. ولهذا اختلف العلماء هل يقال له: حد أو لا؟ ولو قيل: إنه من الحدود، فإنه مستثنى من منع الشفاعة فيه، بل الشفاعة فيه سائغة، والنبي صلى الله عليه وسلم جاء عنه الترغيب في ذلك. وقد أورد أبو داود حديث أبي شريح الخزاعي رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: [ (من أصيب بقتل) ] وهو إزهاق النفس. قوله: [ (أو خبل) ] الخبل هو الجرح. قوله: [ (فإنه يختار إحدى ثلاث: إما أن يقتص، وإما أن يعفو، وإما أن يأخذ الدية) ] يعني: إذا كان القاتل قتل عمداً فيقتص أولياء القتيل من القاتل فيقتل، أو يحصل العفو منهم فيتركونه دون أن يقتلوه ودون أن يأخذوا منه دية، أو يأخذوا منه دية. وسواءً كانت تلك الدية هي المقدرة أو أكثر منها؛ لأن أخذهم للدية هو مقابل تنازلهم عن حق لهم، وإذا لم يعطوا ما يريدون فلهم أن يقتلوا القاتل قصاصاً، وإذا طلبوا شيئاً وأعطوا إياه فإنه يسقط حقهم في القتل قصاصاً. قوله: [ (فإن أراد الرابعة فخذوا على يديه) ] أي: إذا طلب شيئاً أكثر مما حدد له وقدر، وهو أحد هذه الأمور الثلاثة، أو حصل منه اعتداء أو شيء لا يجوز الإقدام عليه، فيؤخذ على يده ويمنع، وليس إلا أحد هذه الأمور الثلاثة فقط. قوله: [ (ومن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم) ] أي: بعدما يأخذ حقه أو يتنازل عن حقه، سواء القصاص أو الدية، أو عفا عنهما، ثم عاقب فإنه يكون معتدياً، وللمعتدي عذاب أليم. تراجم رجال إسناد حديث (من أصيب بقتل أو خبل فإنه يختار إحدى ثلاث ...) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة بن دينار البصري وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ أخبرنا محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن الحارث بن فضيل ]. الحارث بن فضيل ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن سفيان بن أبي العوجاء ]. سفيان بن أبي العوجاء ضعيف، وحديثه أخرجه أبو داود و ابن ماجة . [ عن أبي شريح الخزاعي ]. أبو شريح الخزاعي رضي الله تعالى عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. والحديث ضعيف الإسناد؛ لأن فيه سفيان بن أبي العوجاء ، وهو ضعيف، ولكن معناه صحيح من جهة أن هناك قصاصاً، أو عفواً مطلقاً عن القصاص والدية، أو عفواً عن القتل مع أخذ الدية. شرح حديث (ما رأيت رسول الله رفع إليه شيء فيه قصاص إلا أمر فيه بالعفو) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا عبد الله بن بكر بن عبد الله المزني عن عطاء بن أبي ميمونة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع إليه شيء فيه قصاص إلا أمر فيه بالعفو)]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: [ (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع إليه شيء فيه قصاص إلا أمر فيه بالعفو) ] يعني: أمر بالعفو أمر إرشاد وترغيب، وليس أمر إيجاب؛ لأن هذا حق لهم، ولكن يرغبون في العفو. فأنس رضي الله عما كان عليه رسول الله عليه الصلاة والسلام من أنه كان يأمر ويرغب ولي القتيل بالعفو عن القصاص مطلقاً، أو العفو عن القتل مع أخذ الدية. تراجم رجال إسناد حديث (ما رأيت رسول الله رفع إليه شيء فيه قصاص إلا أمر فيه بالعفو) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا عبد الله بن بكر بن عبد الله المزني ]. عبد الله بن بكر بن عبد الله المزني صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن عطاء بن أبي ميمونة ]. عطاء بن أبي ميمونة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي. [ عن أنس بن مالك ]. أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام. وهذا الإسناد من الرباعيات التي هي أعلى الأسانيد عند أبي داود . شرح حديث (قتل رجل على عهد النبي فرفع ذلك إليه، فدفعه إلى ولي المقتول ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة أخبرنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قتل رجل على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فدفعه إلى ولي المقتول، فقال القاتل: يا رسول الله! والله ما أردت قتله، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للولي: أما إنه إن كان صادقاً ثم قتلته دخلت النار، قال: فخلى سبيله، قال: وكان مكتوفاً بنسعة، فخرج يجر نسعته، فسمي ذا النسعة)]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قتل رجلاً فجيء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدفعه لولي القتيل ليقتله، فقال القاتل: [ (يا رسول الله والله ما أردت قتله)] أي: أنه لم يقتله عمداً وإنما قتله خطأً. قوله: [ (فقال الرسول صلى الله عليه وسلم للولي: أما إنه إن كان صادقاً) ] أي: إن كان صادقاً في أنه لم يكن متعمداً. قوله: [ (ثم قتلته دخلت النار) ] لأنك قتلت معصوماً لا يستحق القتل. فما دام الأمر دائراً بين أن يكون عمداً وأن يكون خطأً، فهذه شبهة يدرأ بها الحكم، ولا يصار للحكم الأشد مع احتمال ذلك. ودفع النبي صلى الله عليه وسلم القاتل لولي المقتول على اعتبار أنه اعترف بالقتل، ولكنه قال بعد ذلك: إني ما أردت قتله، فالنبي صلى الله عليه وسلم أرشد هذا الولي إلى أن يتركه، وذلك أولى من أن يقتله. ولكن لو أراد أن يأخذ الدية فله ذلك، وإذا أراد أن يعفو عن هذا وهذا فهذا من الأمور المحمودة الطيبة. قوله: [ (قال: فخلى سبيله، قال: وكان مكتوفاً بنسعة، فخرج يجر نسعته، فسمي ذا النسعة)]. النسعة سير كان مربوطاً به. وهذا فيه دليل على أن الشخص الذي يخشى انفلاته فإنه يوثق ويمسك حتى لا يهرب. تراجم رجال إسناد حديث (قتل رجل على عهد النبي فرفع ذلك إليه، فدفعه إلى ولي المقتول ...) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ أخبرنا أبو معاوية ]. هو أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي صالح ]. هو ذكوان السمان المدني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. وهذا يدخل تحت القاعدة المشهورة: الخطأ في العفو خير من الخطأ في العقوبة، أي: إذا كان هذا وهذا محتملاً فالخطأ في العفو أحسن من الخطأ في العقوبة.
__________________
|
#835
|
||||
|
||||
![]() شرح حديث وائل بن حجر (كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جيء برجل قاتل في عنقه النسعة ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة الجشمي حدثنا يحيى بن سعيد عن عوف حدثنا حمزة أبو عمر العائذي حدثني علقمة بن وائل حدثني وائل بن حجر رضي الله عنه قال: (كنت عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ جيء برجل قاتل في عنقه النسعة، قال: فدعا ولي المقتول فقال: أتعفو؟ قال: لا، قال: أفتأخذ الدية؟ قال: لا، قال: أفتقتل؟ قال: نعم، قال: اذهب به، فلما ولى قال: أتعفو؟ قال: لا، قال: أتأخذ الدية؟ قال: لا، قال: أفتقتل؟ قال: نعم، قال: اذهب به، فلما كان في الرابعة قال: أما إنك إن عفوت عنه فإنه يبوء بإثمه وإثم صاحبه، قال: فعفا عنه، قال: فأنا رأيته يجر النسعة)]. أورد أبو داود حديث وائل بن حجر رضي الله عنه: أن رجلاً قاتلاً جيء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فدفعه إلى ولي القتيل، فأراد أن يقتله، فذهب به، فلما ولى قال: (أتعفو؟ قال: لا، قال: أفتأخذ الدية؟ قال: لا، قال: أفتقتل؟ قال: نعم، قال: اذهب به)] أي: أنه لما ولى عرض عليه العفو أو أخذ الدية، لكنه أبى أن يأخذ الدية أو يعفو، بل أراد أن يقتل، ثم كرر عليه ذلك مراراً، ثم قال: [ (أما إنك إن عفوت عنه فإنه يبوء بإثمه وإثم صاحبه، قال: فعفا عنه) ]. هذا فيه ترغيب في العفو، وأن الإنسان إذا عفا فإنه يبقى حق القتيل في ذمة القاتل؛ لأنه لم يقم عليه الحد الذي يكون كفارة له، على القول بأن القصاص هو من جملة الحدود التي هي كفارات؛ فيبوء ذلك القاتل الذي عفي عنه بإثمه وكذلك بإثم صاحبه الذي قتله. والمقصود بذلك الذنب هو القتل، أما لو أنه أقيم الحد، فمعنى ذلك أنه أخذ حقه وصار القصاص كفارة، وتبقى على القاتل خطاياه وذنوبه من غير هذه الجناية، فالتكفير إنما هو لذنب القتل فقط، وإذا عفا عنه فإن ذنب هذه الجناية يبقى عليه، فيأخذ المقتول حقه منه يوم القيامة، وتبقى عليه ذنوبه الأخرى أيضاً. تراجم رجال إسناد حديث وائل بن حجر (كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جيء برجل قاتل في عنقه النسعة ...) قوله: [ حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة الجشمي ]. هو عبيد الله بن عمر بن ميسرة الجشمي القواريري وهو ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا يحيى بن سعيد ]. هو يحيى بن سعيد القطان وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عوف ]. هو عوف الأعرابي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حمزة أبو عمر العائذي ]. حمزة أبو عمر العائذي صدوق، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثني علقمة بن وائل ]. هو علقمة بن وائل بن حجر ، وهو صدوق أخرج له البخاري في رفع اليدين و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثني وائل بن حجر ]. وائل بن حجر صحابي، أخرج له البخاري في جزء القراءة، و مسلم وأصحاب السنن. سماع علقمة بن وائل بن حجر من أبيه هذا فيه أن علقمة بن وائل قد سمع من أبيه؛ لأنه يروي بالتحديث، حيث قال: حدثني وائل بن حجر، وقد خرج له مسلم ، وهذا مما خرجه مسلم ، فروايته ثابتة عنه، و ابن حجر في التقريب قال: إنه لم يسمع من أبيه، والصحيح أنه قد سمع، وإنما الذي لم يسمع من أبيه هو عبد الجبار بن وائل وأما علقمة فإنه قد سمع، وهذا مما سمعه من أبيه، وقد روى عنه مسلم بعض أحاد يث، ومعلوم أن مسلماً لا يروي إلا أحاديث متصلة. طريق أخرى لحديث وائل بن حجر وترجمة رجال الإسناد قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة حدثنا يحيى بن سعيد حدثني جامع بن مطر حدثني علقمة بن وائل بإسناده ومعناه ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وهو مثل الذي قبله. قوله: [ حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة حدثنا يحيى بن سعيد حدثني جامع بن مطر ]. جامع بن مطر صدوق أخرج له البخاري في رفع اليدين و أبو داود و النسائي . شرح حديث (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بحبشي فقال: إن هذا قتل ابن أخي ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عوف الطائي حدثنا عبد القدوس بن الحجاج حدثنا يزيد بن عطاء الواسطي عن سماك عن علقمة بن وائل عن أبيه رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحبشي، فقال: إن هذا قتل ابن أخي، قال: كيف قتلته؟ قال: ضربت رأسه بالفأس ولم أرد قتله، قال: هل لك مال تؤدي ديته؟ قال: لا، قال: أفرأيت إن أرسلتك تسأل الناس تجمع ديته؟ قال: لا، قال: فمواليك يعطونك ديته؟ قال: لا، قال للرجل: خذه، فخرج به ليقتله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أما إنه إن قتله كان مثله، فبلغ به الرجل حيث يسمع قوله، فقال: هو ذا فمر فيه ما شئت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسله، وقال مرة: دعه يبوء بإثم صاحبه وإثمه فيكون من أصحاب النار، قال: فأرسله)]. أورد أبو داود حديث وائل بن حجر وهو مثل الذي قبله إلا أن فيه شيئاً من التفصيل، فالأول فيه إجمال، وهذا فيه تفصيل. قوله: [ (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بحبشي فقال: إن هذا قتل ابن أخي)]. يعني: أتى برجل من الحبشة وهو عبد. قوله: [ (فقال: إن هذا قتل ابن أخي، قال: كيف قتلته؟ قال: ضربت رأسه بالفأس ولم أرد قتله)]. يبدو أنه الذي مر في الحديث السابق الذي قال: ما أردت قتله. ولكن الفأس أداة قتل، وليس هناك احتمال غير القتل؛ لأنه ضرب رأسه بالفأس، وما دام أنه حصل الضرب بالفأس عمداً وهو شيء يقتل، فقوله: (ولم أرد قتله) لا ينفعه وكذلك لو ضرب شخص بسكين وهي من الأشياء القاتلة وقال: لم أرد قتله، فلا ينفعه هذا الكلام، وإلا لذهب كل شخص يجني على غيره ويقول: لم أرد قتله. قوله: [ (قال: ضربت رأسه بالفأس ولم أرد قتله، قال: هل لك مال تؤدي ديته؟ قال: لا، قال: أفرأيت إن أرسلتك تسأل الناس تجمع ديته؟ قال: لا، قال: فمواليك يعطونك ديته؟ قال: لا، قال للرجل: خذه، فخرج به ليقتله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إنه إن قتله كان مثله)]. أي: كان مثله جانياً، على اعتبار أن استحقاق القتل ليس متيقناً. قوله: [ (فبلغ به الرجل حيث يسمع قوله، فقال: هو ذا فمر فيه ما شئت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسله، وقال مرة: دعه يبوء بإثم صاحبه وإثمه فيكون من أصحاب النار، قال: فأرسله)]. أي: أنه يستحق العقوبة، وكما هو معلوم بالنسبة لحقوق الآدميين فإنه يقتص بعضهم من بعض يوم القيامة، وليس هناك إلا الحسنات والسيئات، فإذا كان مع المقتص منه حسنات أخذ منها وأعطيت للمجني عليه، وإذا لم يكن معه منه حسنات، فإنه يؤخذ من سيئات المجني عليه وتلقى على الجاني ثم يلقى في النار، ولكن كل ما كان دون الشرك فإنه يحتمل شفاعة الله عز وجل، وإذا عذب فلابد من خروجه من النار وإدخاله الجنة، ولا يبقى في النار أبد الآباد إلا الكفار الذين هم أهلوها. تراجم رجال إسناد حديث: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بحبشي فقال: إن هذا قتل ابن أخي ...) قوله: [ حدثنا محمد بن عوف الطائي ]. محمد بن عوف الطائي ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي في مسند علي . [ حدثنا عبد القدوس بن الحجاج ]. هو عبد القدوس بن الحجاج أبو المغيرة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يزيد بن عطاء الواسطي ]. يزيد بن عطاء الواسطي لين الحديث، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد، و أبو داود . [ عن سماك عن علقمة عن أبيه ]. وقد مر ذكر الثلاثة. والحديث صححه الشيخ الألباني ؛ لأنه كما هو معلوم مثل الذي قبله. شرح حديث (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن أبي أمامة بن سهل رضي الله عنه قال: (كنا مع عثمان رضي الله عنه وهو محصور في الدار، وكان في الدار مدخل من دخله سمع كلام من على البلاط، فدخله عثمان فخرج إلينا وهو متغير لونه، فقال: إنهم ليتواعدونني بالقتل آنفاً، قال: قلنا: يكفيكهم الله يا أمير المؤمنين! قال: ولم يقتلونني؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إسلام، أو زناً بعد إحصان، أو قتل نفس بغير نفس، فوالله ما زنيت في جاهلية ولا في إسلام قط، ولا أحببت أن لي بديني بدلاً منذ هداني الله، ولا قتلت نفساً، فبم يقتلونني؟). قال أبو داود : عثمان و أبو بكر رضي الله عنهما تركا الخمر في الجاهلية ]. أورد أبو داود حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه لما توعده الخارجون عليه الذين حاصروه في داره بالقتل، وآل الأمر إلى قتله رضي الله عنه وأرضاه، قال: [ (ولم يقتلونني؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إسلام، أو زناً بعد إحصان، أو قتل نفس بغير نفس) ] ثم أخبر أنه ما زنى في الجاهلية ولا في الإسلام، يعني: أن الله قد حفظه في جاهليته وفي إسلامه رضي الله عنه وأرضاه فلم يقع منه الزنا، وكذلك لم يقتل أحداً، وكذلك لم يرض بدينه بديلاً، ولن يصير منه ذلك، ومعنى ذلك أن قتلهم له كان بغير حق. تراجم رجال إسناد حديث (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث ...) قوله: [ حدثنا سليمان بن حرب ]. سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد بن زيد ]. حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن سعيد ]. هو يحيى بن سعيد الأنصاري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي أمامة بن سهل ]. هو أبو أمامة بن سهل بن حنيف له رؤية، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ قال: كنا مع عثمان رضي الله عنه ]. هو عثمان بن عفان رضي الله عنه، أمير المؤمنين وثالث الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه. شرح حديث قصة قتل محلم الليثي لرجل من أشجع قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد حدثنا محمد -يعني ابن إسحاق - فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير قال: سمعت زياد بن ضميرة الضمري (ح) وحدثنا وهب بن بيان وأحمد بن سعيد الهمداني قالا: حدثنا ابن وهب أخبرني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن عبد الرحمن بن الحارث عن محمد بن جعفر أنه سمع زياد بن سعد بن ضميرة السلمي -وهذا حديث وهب وهو أتم- يحدث عروة بن الزبير عن أبيه، قال موسى : وجده، وكانا شهدا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حنيناً، ثم رجعنا إلى حديث وهب : (أن محلم بن جثامة الليثي قتل رجلاً من أشجع في الإسلام، وذلك أول غير قضى به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فتكلم عيينة في قتل الأشجعي، لأنه من غطفان، وتكلم الأقرع بن حابس دون محلم ؛ لأنه من خندف، فارتفعت الأصوات وكثرت الخصومة واللغط، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا عيينة! ألا تقبل الغير؟ فقال عيينة : لا والله حتى أدخل على نسائه من الحرب والحزن ما أدخل على نسائي، قال: ثم ارتفعت الأصوات وكثرت الخصومة واللغط، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا عيينة ! ألا تقبل الغير؟ فقال عيينة مثل ذلك أيضاً، إلى أن قام رجل من بني ليث يقال له: مكيتل عليه شكة وفي يده درقة، فقال: يا رسول الله إني لم أجد لما فعل هذا في غرة الإسلام مثلاً إلا غنماً وردت فرمي أولها فنفر آخرها، اسنن اليوم وغير غداً، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: خمسون في فورنا هذا، وخمسون إذا رجعنا إلى المدينة، وذلك في بعض أسفاره، و محلم رجل طويل آدم وهو في طرف الناس، فلم يزالوا حتى تخلص فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعيناه تدمعان، فقال: يا رسول الله! إني قد فعلت الذي بلغك وإني أتوب إلى الله تبارك وتعالى، فاستغفر الله عز وجل لي يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أقتلته بسلاحك في غرة الإسلام؟ اللهم لا تغفر لمحلم ، بصوت عال، زاد أبو سلمة : فقام وإنه ليتلقى دموعه بطرف ردائه، قال ابن إسحاق : فزعم قومه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استغفر له بعد ذلك). قال أبو داود : قال النضر بن شميل : الغير: الدية ]. أورد أبو داود حديث سعد بن ضميرة رضي الله عنه: [ (أن محلم بن جثامة قتل رجلاً من أشجع في الإسلام)]. أي: في أول الإسلام. قوله: [ (وذلك أول غير قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم)]. يعني: أول دية قضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (فتكلم عيينة في قتل الأشجعي؛ لأنه من غطفان، وتكلم الأقرع بن حابس دون محلم ؛ لأنه من خندف)]. يعني: واحد تكلم في القتيل، والثاني تكلم في القاتل. قوله: [ (فارتفعت الأصوات وكثرت الخصومة واللغط، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عيينة ! ألا تقبل الغير؟)]. عيينة هو الذي يحاج عن الأشجعي. قوله: [ فقال (عيينة : لا والله حتى أدخل على نسائه من الحرب والحزن ما أدخل على نسائي)]. الحرب قيل: هو نهب المال، وقيل: إن المقصود بها الحرب بالسكون، أي: لا بد أن يصير هناك إخافة وقتل مثلما حصل القتل والإخافة وفي عون المعبود: الحرب: بفتح الحاء وسكون الراء المهملتين، أي: المقاتل. قوله: [ (قال: ثم ارتفعت الأصوات وكثرت الخصومة واللغط، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا عيينة ! ألا تقبل الغير؟ فقال عيينة مثل ذلك أيضاً، إلى أن قام رجل من بني ليث يقال له مكيتل عليه شكة وفي يده درقة)]. الشكة: السلاح، والدرقة: هي الترس من الجلد ليس بها خشب ولا عصب. قوله: [ (فقال: يا رسول الله! إني لم أجد لما فعل هذا في غرة الإسلام مثلاً إلا غنماً وردت فرمي أولها فنفر آخرها)]. يعني: لا أجد لهذا مثلاً إلا الغنم التي رمي أولها فحصل النفار في آخرها. ومكيتل ليثي من قبيلة محلم فهو يقصد بهذا المثل عيينة ؛ لأنه مقابله وهو غطفاني. قوله: [ (اسنن اليوم وغير غداً)]. هذا مثل ضربه لترك القتل، كما أن الأول ضربه للقتل؛ ولذلك ترك العطف. ومعناه: قرر حكمك اليوم وغيره غداً؛ لأنك إذا تركت القصاص اليوم في أول ما شرع واكتفيت بالدية ثم أجريت القصاص على أحد فإنه يصير ذلك كهذا المثل. وقال ابن الأثير في النهاية: اسنن اليوم وغير غداً، أي: اعمل بسنتك التي سننتها في القصاص، ثم بعد ذلك إذا شئت أن تغير فغير ما سننت، وقيل: غير من أخذ الغير وهي الدية . وقال الخطابي : هذا مثل يقول: إن لم تقتص منه اليوم لم تثبت سنتك غداً، ولم ينفذ حكمك بعدك، وإن لم تفعل ذلك وجد القائل سبيلاً إلى أن يقول مثل هذا القول، أعني قوله: اسنن اليوم وغير غداً، فتتغير لذلك سنتك وتتبدل أحكامها. وقال السيوطي في مرقاة الصعود: إن مثل محلم في قتله الرجل وطلبه ألا يقتص منه وتؤخذ منه الدية والوقت أول الإسلام وصدره كمثل هذه الغنم النافرة. يعني: إن جرى الأمر مع أولياء هذا القتيل على ما يريد محلم ثبط الناس عن الدخول في الإسلام لمعرفتهم أن القود يغير بالدية والعوض، خصوصاً وهم حراص على درك الأوتار وفيهم الأنفة من قبول الديات، ثم حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإقادة منه بقوله: اسنن اليوم وغير غداً، يريد إن لم تقتص منه غيرت سنتك، ولكنه أخرج الكلام على الوجه الذي يهيج المخاطب، ويحثه على الإقدام والجرأة على المطلوب منه. قوله: [ (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خمسون في فورنا هذا وخمسون إذا رجعنا إلى المدينة، وذلك في بعض أسفاره)]. وهذه هي الدية تسلم خمسون، وتؤجل خمسون إلى الرجوع إلى المدينة، وكان هذا في سفر. قوله: [ (و محلم رجل طويل آدم وهو في طرف الناس)]. يعني فيه سمرة . قوله: [ (فلم يزالوا حتى تخلص فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعيناه تدمعان، فقال: يا رسول الله! إني قد فعلت الذي بلغك وإني أتوب إلى الله تبارك وتعالى فاستغفر الله عز وجل لي يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أقتلته بسلاحك في غرة الإسلام؟ اللهم لا تغفر لمحلم بصوت عال، زاد أبو سلمة : فقام وإنه ليتلقى دموعه بطرف ردائه، قال ابن إسحاق : فزعم قومه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استغفر له بعد ذلك) ]. وهذا الحديث ضعيف؛ لأن في إسناده رجلاً مقبولاً، والمقبول ليس بحجة. تراجم رجال إسناد حديث قصة قتل محلم الليثي لرجل من أشجع قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد حدثنا محمد بن إسحاق فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ]. محمد بن جعفر بن الزبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: سمعت زياد بن ضميرة ]. زياد بن ضميرة مقبول، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ ح وحدثنا وهب بن بيان ]. وهب بن بيان ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ و أحمد بن سعيد الهمداني ]. أحمد بن سعيد الهمداني صدوق أخرج له أبو داود . [ حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني عبد الرحمن بن أبي الزناد ]. عبد الرحمن بن أبي الزناد صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم في المقدمة وأصحاب السنن. [ عن عبد الرحمن بن الحارث ]. عبد الرحمن بن الحارث صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن. [ عن محمد بن جعفر أنه سمع زياد بن سعد بن ضميرة السلمي وهذا حديث وهب وهو أتم يحدث عروة بن الزبير عن أبيه ]. أبوه هو سعد بن ضميرة السلمي وهو صحابي، وجد زياد صحابي، أخرج له أبو داود . وجد زياد أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ قال أبو داود : قال النضر بن شميل : الغير: الدية ]. هذا تفسير للغير بأنها الدية."
__________________
|
#836
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود [506] جاء الإسلام داعياً إلى حرمة دم المسلم، فمن قتل قتيلاً دفع إلى أولياء المني عليه، فإن شاءوا قتلوا وإن شاءوا عفوا على عوض أو بدون عوض، ولا يقتل مسلم بكافر، ولا حر بعبد، ولا يعفى من العقوبة من قتل بعد أخذ الدية، ومن سقى غيره سماً قتل به، ومن قتل عبده قتل به، ومن جدع أنف عبده جدع به، ومن خصى عبده خُصى به. ولي العمد يرضى بالدية شرح حديث (ألا إنكم يا معشر خزاعة قتلتم هذا القتيل من هذيل وإني عاقله ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ولي العمد يرضى بالدية. حدثنا مسدد بن مسرهد حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا ابن أبي ذئب حدثني سعيد بن أبي سعيد قال: سمعت أبا شريح الكعبي رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ألا إنكم يا معشر خزاعة قتلتم هذا القتيل من هذيل، وإني عاقله، فمن قتل له بعد مقالتي هذه قتيل فأهله بين خيرتين: بين أن يأخذوا العقل، أو يقتلوا)]. قوله: [ باب ولي العمد يرضى بالدية ]. أي: أن من حقه أن يقتص، ومن حقه أن يأخذ الدية، ومن حقه أن يعفو عن القصاص وعن الدية. فكل هذه الأمور الثلاثة لولي الدم أن يأخذ بأي شيء منها، فإن اختار ولي العمد القود اقتص من القاتل، وإن عفا عن القتل وأخذ الدية أخذها، وإن عفا عن القتل والدية فله ذلك. وقد أورد أبو داود حديث أبي شريح الخزاعي الكعبي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ (ألا إنكم يا معشر خزاعة قتلتم هذا القتيل من هذيل وإني عاقله) ]. أي: وإني دافع الدية، والعقل هو الدية. قوله: [ (فمن قتل له بعد مقالتي هذه قتيل فأهله بين خيرتين: أن يأخذوا العقل، أو يقتلوا) ]. الذي يبدو أنه قتل عمد؛ لأن قتل الخطأ ليس فيه إلا أخذ الدية، وهو حكم مستمر، وقوله: [ (بعد مقالتي هذه) ] يعني: أن صاحب الدم هو بخير النظرين: إما أن يقتل، وإما أن يأخذ الدية . فالذي يفهم من الحديث: أن هذا قتل عمد وليس خطأ؛ لأنه قال: [ (بعد مقالتي هذه) ] وكأن هذا حكم انتهى وأنه في المستقبل من قتل عمداً فإن صاحب الدم الذي هو ولي القتيل مخير بين شيئين: إما أن يقتص وإما أن يأخذ الدية. تراجم رجال إسناد حديث (ألا إنكم يا معشر خزاعة قتلتم هذا القتيل من هذيل وإني عاقله ...) قوله: [ حدثنا مسدد بن مسرهد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يحيى بن سعيد ]. مر ذكره. [ حدثنا ابن أبي ذئب ]. هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني سعيد بن أبي سعيد ]. هو سعيد بن أبي سعيد المقبري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: سمعت أبا شريح الكعبي ]. أبو شريح الخزاعي رضي الله عنه وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (من قتل له قتيل فهو بخير النظرين: إما أن يودى أو يقاد ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عباس بن الوليد بن مزيد أخبرني أبي حدثنا الأوزاعي حدثني يحيى (ح) وحدثنا أحمد بن إبراهيم حدثني أبو داود حدثنا حرب بن شداد حدثنا يحيى بن أبي كثير حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن حدثنا أبو هريرة رضي الله عنه قال: (لما فتحت مكة قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: من قتل له قتيل فهو بخير النظرين: إما أن يودى، أو يقاد، فقام رجل من أهل اليمن يقال له: أبو شاه فقال: يا رسول الله اكتب لي، قال عباس بن مزيد : اكتبوا لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اكتبوا لأبي شاه) وهذا لفظ حديث أحمد . قال أبو داود : (اكتبوا لي) يعني: خطبة النبي صلى الله عليه وسلم ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة وهو مثل حديث أبي شريح . فالحديثان مؤداهما واحد، وهو أن ولي القتيل مخير بين هذا وهذا، وهو: إما أن يقتص، أو يترك القصاص ويتحول إلى الدية. وفيه: أن رجلاً من أهل اليمن يقال له: أبو شاه قال: (اكتبوا لي) أي: اكتبوا لي هذه الخطبة التي سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يدل على جواز كتابة العلم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بأن يكتب لأبي شاه ذلك الشيء الذي طلبه، وهي هذه الخطبة المشتملة على هذه الأحكام. تراجم رجال إسناد حديث (من قتل له قتيل فهو بخير النظرين: إما أن يودى أو يقاد...) قوله: [ حدثنا عباس بن الوليد بن مزيد ]. عباس بن الوليد بن مزيد ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ أخبرني أبي ] أبوه الوليد بن مزيد ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا الأوزاعي ]. هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني يحيى ]. هو يحيى بن أبي كثير اليمامي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا أحمد بن إبراهيم ]. هو أحمد بن إبراهيم الدورقي ، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ حدثني أبو داود ]. هو سليمان بن داود الطيالسي وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا حرب بن شداد ]. حرب بن شداد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا يحيى بن أبي كثير حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن ]. أبو سلمة بن عبد الرحمن ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، وقد مر ذكره. قوله: [ قال العباس ]. هو العباس بن الوليد . شرح حديث (لا يقتل مؤمن بكافر، ومن قتل مؤمناً متعمداً دفع إلى أولياء المقتول، فإن شاءوا قتلوه وإن شاءوا أخذوا الدية) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسلم حدثنا محمد بن راشد حدثنا سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا يقتل مؤمن بكافر، ومن قتل مؤمناً متعمداً دفع إلى أولياء المقتول، فإن شاءوا قتلوه، وإن شاءوا أخذوا الدية)]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (لا يقتل مؤمن بكافر) ] أي: أنه لا يقاد مؤمن بكافر، ثم ذكر محل الشاهد من الترجمة الذي فيه: [ (ومن قتل مؤمناً متعمداً دفع إلى أولياء المقتول)]. يعني: يدفع إلى أولياء المقتول ليقتلوه، أو يأخذوا الدية، وهو مثل حديث أبي شريح وحديث أبي هريرة المتقدمين. تراجم رجال إسناد حديث (لا يقتل مؤمن بكافر ومن قتل مؤمناً متعمداً دفع إلى أولياء المقتول فإن شاءوا قتلوه وإن شاءوا أخذوا الدية) قوله: [ حدثنا مسلم ]. هو مسلم بن إبراهيم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا محمد بن راشد ]. محمد بن راشد صدوق يهم، أخرج له أصحاب السنن. [ حدثنا سليمان بن موسى ]. سليمان بن موسى صدوق في حديثه بعض لين، أخرج له مسلم في المقدمة، وأصحاب السنن. [ عن عمرو بن شعيب ]. عمرو بن شعيب صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة، وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. هو شعيب بن محمد ، وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وجزء القراءة، وأصحاب السنن. [ عن جده ]. هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما وهو صحابي جليل، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. حكم من قتل بعد أخذ الدية شرح حديث (لا أعفي من قتل بعد أخذه الدية) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من قتل بعد أخذ الدية. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا مطر الوراق وأحسبه عن الحسن عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا أعفي من قتل بعد أخذه الدية)]. قوله: [ باب من قتل بعد أخذ الدية ]. أي: أنه تجاوز الحد؛ لأن الذي له: إما القتل أو الدية، فإذا تنازل عن القتل سقط حقه فيه، فلا سبيل إلى القتل، وإنما الذي له هو هذا الذي انتهى إليه من أخذ الدية. قوله: [ (لا أعفي من قتل بعد أخذه الدية)]. لأنه حصلت منه الجناية، وحقه من القتل سقط، بل لو تنازل واحد من ورثة القتيل فإن القود والقصاص يسقط، ويكون الأمر راجعاً إلى أخذ الدية فقط، فمن اعتدى بعد أخذه الدية فمعناه أنه تجاوز الحد. والحديث في إسناده انقطاع؛ لأن الحسن لم يسمع من جابر رضي الله تعالى عنه. تراجم رجال إسناد حديث (لا أعفي من قتل بعد أخذه الدية) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا مطر الوراق ]. مطر الوراق صدوق كثير الخطأ، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ وأحسبه عن الحسن ]. يعني: فيه شك. هو الحسن بن أبي الحسن البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر بن عبد الله ]. جابر بن عبد الله صحابي جليل، وهو أحد الصحابة السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. ما جاء فيمن سقى رجلاً سماً أو أطعمه فمات شرح حديث (أن امرأة يهودية أتت رسول الله بشاة مسمومة فأكل منها ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب فيمن سقى رجلاً سماً أو أطعمه فمات أيقاد منه؟ حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي حدثنا خالد بن الحارث حدثنا شعبة عن هشام بن زيد عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشاة مسمومة، فأكل منها، فجيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فسألها عن ذلك، فقالت: أردت لأقتلك، فقال: ما كان الله ليسلطك على ذلك، أو قال: علي، فقالوا: ألا نقتلها؟ قال: لا، فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)]. قوله: [ باب فيمن سقى رجلاً سماً أو أطعمه فمات أيقاد منه؟ ]. ذكر الرجل هنا لا مفهوم له، فالمرأة كذلك، سواء كانت ساقية أو مسقية، وإنما يخاطب الرجال بالأحكام في الغالب، ولهذا يأتي ذكر الرجال أو الرجل دون النساء في تراجم الأبواب وفي كلام العلماء، والحكم لا يختص بالرجل دون المرأة، وكذلك يأتي في الأحاديث ذكر الحكم مضافاً إلى الرجل وهو لا يختص بالرجل، بل الأصل التساوي بين الرجال والنساء في الأحكام، إلا إذا جاء دليل يدل على اختصاص الرجال بحكم دون النساء فإنه يختص بهم، أو جاء دليل يختص بالنساء دون الرجال فإنه يختص بهن. وخطاب النبي صلى الله عليه وسلم لواحد خطاب للجميع، والعبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب، ومن قتل غيره بسم سقاه إياه أو أطعمه إياه ومات بسبب ذلك، فإنه يقاد منه، بل إن القود يكون بالمماثلة فيقتل بما قتل به، فإذا قتل بسم قتل بسم، وإذا ألقى المقتول من شاهق ألقي القاتل من شاهق، وإذا قتل بأي شيء قتل به، إلا أن يكون ذلك الفعل محرماً لا يجوز فعله في حق الرجل أو المرأة، فإنه لا يفعل به الفعل المحرم الذي فعله بغيره. ومن الأدلة على ذلك: فعل الرسول صلى الله عليه وسلم باليهودي الذي رض الجارية بين حجرين فأمر صلى الله عليه وسلم أن يرض بين حجرين؛ لأن هذه مماثلة، والقصاص يكون بالمماثلة، وإذا أراد أن يقتص بشيء آخر أقل منه فإنه لا بأس بذلك، ولكن القتل بالمماثلة سائغ وجائز. وقد أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: [ (أن امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشاة مسمومة فأكل منها، فجيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسألها عن ذلك، فقالت: أردت لأقتلك، فقال: ما كان الله ليسلطك على ذلك أو قال: علي، فقالوا: ألا نقتلها؟ قال: لا، فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)]. هذه امرأة من اليهود أهدت إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام شاة مشوية ووضعت فيها سماً، وجعلت قسطاً كبيراً من السم في الذراع؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يعجبه الذراع، ولما أكل رسول الله عليه الصلاة والسلام ومعه بعض أصحابه تكلمت الذراع، أنطقها الله عز وجل وأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم بأنها مسمومة، فامتنع الرسول صلى الله عليه وسلم من الأكل وأمر الذين معه أن يمتنعوا عن الأكل، ثم دعا بالمرأة فسألها عن ذلك، فقالت: أردت أن أقتلك، فقال عليه الصلاة والسلام: [ (ما كان الله ليسلطك على ذلك أو قال: علي) ] شك من الراوي. [ (فقالوا: ألا نقتلها؟ قال: لا) ]. وذلك أنه صلى الله عليه وسلم ما كان ينتقم لنفسه، ولكنه جاء في بعض الروايات أنه أمر بقتلها؛ لأنه مات بسببها بعض أصحابه. إذاً: التوفيق بين ما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم نهاهم عن قتلها لما استأذنوه، وبين أنه أمر بقتلها كما جاء في بعض الروايات: أن نهيه عن قتلها كان فيما يتعلق به، فهي قد سمته فلم ينتقم لنفسه صلى الله عليه وسلم، ولكنه لما مات بعض أصحابه بسبب ذلك السم أمر بقتلها فقتلت. قال أنس : [ (فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم) ] يعني: كأنها علامة سواد أو شيء من التغير في لهواته صلى الله عليه وسلم. أما كيف قتلها فلا نعلم أقتلها بالسم أو غيره، لكن كما عرفنا أن من قتل بشيء قتل به، ويجوز أن يقتل بغير ما قتل به. تراجم رجال إسناد حديث (أن امرأة يهودية أتت رسول الله بشاة مسمومة فأكل منها ...) قوله: [ حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي ]. يحيى بن حبيب بن عربي ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا خالد بن الحارث ]. هو خالد بن الحارث الهجيمي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام بن زيد ]. هشام بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس بن مالك ]. أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث (أن امرأة من اليهود أهدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم شاة مسمومة فما عرض لها) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا داود بن رشيد حدثنا عباد بن العوام (ح) وحدثنا هارون بن عبد الله حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا عباد عن سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد و أبي سلمة قال هارون : عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن امرأة من اليهود أهدت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم شاة مسمومة، قال: فما عرض لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم). قال أبو داود : هذه أخت مرحب اليهودية التي سمت النبي صلى الله عليه وسلم ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه: [ (أن امرأة من اليهود أهدت شاة مسمومة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فما عرض لها رسول الله عليه الصلاة والسلام) ] أي: لم يعاقبها عليه الصلاة والسلام على ذلك الفعل الذي حصل منها؛ لأنه لم ينتقم لنفسه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وفيه: قبول الهدايا من الكفار، وأن ذلك سائغ، لاسيما إذا كان في ذلك القبول مصلحة وفائدة، وهي كونهم يميلون إلى الإسلام ويتجهون إليه، فإن مثل ذلك أمر مطلوب، وكذلك إذا كانوا جيراناً فإنه يتعامل معهم بالإحسان إليهم؛ لأن ذلك من أسباب هدايتهم ودخولهم في الإسلام. تراجم رجال إسناد حديث (أن امرأة من اليهود أهدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم شاة مسمومة فما عرض لها) قوله: [ حدثنا داود بن رشيد ]. داود بن رشيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا عباد بن العوام ]. عباد بن العوام ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا هارون بن عبد الله ]. (ح) هي للتحول من إسناد إلى إسناد، وهارون بن عبد الله الحمال البغدادي ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا سعيد بن سليمان ]. سعيد بن سليمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عباد عن سفيان بن حسين ]. سفيان بن حسين ثقة في غير الزهري ، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم في المقدمة وأصحاب السنن. [ عن الزهري ]. الزهري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد]. هو سعيد بن المسيب وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين باتفاق. [ وأبي سلمة ]. هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة على اختلاف في السابع منهم. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، بل هو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله تعالى عنه وأرضاه. و الألباني ضعف الحديث، ولعله لأن سفيان بن حسين يروي عن الزهري ، وهو ضعيف في روايته عن الزهري ، لكن معناه مستقيم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما قالوا له: (أنقتلها؟ قال: لا) فهذا متفق مع ذلك من ناحية أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما قتلها انتقاماً لنفسه، ولكنه بعد ذلك قتلها لما مات بسبب سمها بعض أصحابه. [ قال أبو داود : هذه أخت مرحب اليهودية التي سمت النبي صلى الله عليه وسلم ]. يعني: هذه المرأة التي سمت النبي صلى الله عليه وسلم هي أخت مرحب اليهودي. شرح حديث جابر (أن يهودية من أهل خيبر سمت شاة مصلية ثم أهدتها لرسول الله) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن داود المهري حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب قال: (كان جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يحدث أن يهودية من أهل خيبر سمت شاة مصلية، ثم أهدتها لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذراع، فأكل منها، وأكل رهط من أصحابه معه، ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ارفعوا أيديكم، وأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليهودية فدعاها فقال لها: أسممت هذه الشاة؟ قالت اليهودية: من أخبرك؟! قال: أخبرتني هذه في يدي، للذراع، قالت: نعم، قال: فما أردت إلى ذلك؟ قالت: قلت: إن كان نبياً فلن يضره، وإن لم يكن نبياً استرحنا منه، فعفا عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يعاقبها، وتوفي بعض أصحابه الذين أكلوا من الشاة، واحتجم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على كاهله من أجل الذي أكل من الشاة، حجمه أبو هند بالقرن والشفرة، وهو مولى لبني بياضة من الأنصار)]. أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما: أن امرأة يهودية أهدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مسمومة، فأكل منها رسول الله عليه الصلاة والسلام ومعه رهط من أصحابه، ثم أمرهم أن يرفعوا أيديهم وأن يمتنعوا من الأكل؛ لأنها مسمومة، وبعد ذلك دعا باليهودية وسألها: أسممت هذه الشاة؟ قالت: نعم، قال: وما حملك على ذلك؟ قالت: إن كنت نبياً فلن يضرك وإن كنت غير نبي استرحنا منك. فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يعاقبها ولم ينتقم لنفسه صلى الله عليه وسلم؛ لكن لما توفي بعض أصحابه الذين أكلوا من الشاة بسبب سمها، بعد ذلك أمر بقتلها؛ من أجل أنها قتلت بعض أصحابه. قوله: [ (واحتجم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على كاهله من أجل الذي أكل من الشاة)]. الكاهل: هو أعلى الظهر من جهة الرقبة. قوله: [ (حجمه أبو هند بالقرن والشفرة)]. قيل: إن القرن مكان، وقيل: إنه قرن يستعمل بدل آلة الحجامة، والشفرة هي السكين. تراجم رجال إسناد حديث جابر (أن يهودية من أهل خيبر سمت شاة مصلية ثم أهدتها لرسول الله ...) قوله: [ حدثنا سليمان بن داود المهري ]. سليمان بن داود المهري ثقة، أخرج حديثه أبو داود و النسائي . [ حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني يونس ]. هو يونس بن يزيد الأيلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب قال: كان جابر بن عبد الله ]. ابن شهاب و جابر مر ذكرهما. وهذا الحديث فيه انقطاع بين ابن شهاب وبين جابر رضي الله تعالى عنه. شرح حديث (أن رسول الله أهدت له يهودية بخيبر شاة مصلية ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا وهب بن بقية حدثنا خالد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أهدت له يهودية بخيبر شاة مصلية، نحو حديث جابر، قال: فمات بشر بن البراء بن معرور الأنصاري فأرسل إلى اليهودية: ما حملك على الذي صنعت؟ فذكر نحو حديث جابر ، فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقتلت ولم يذكر أمر الحجامة) ]. أورد أبو داود حديث أبي سلمة مرسلاً عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في قصة اليهودية، وهو قريب من الذي قبله حديث جابر ، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتلها لما مات بسببها بشر بن البراء بن معرور الأنصاري رضي الله عنه. وفيه: أنه لم يذكر الحجامة التي جاءت في الحديث الأول وهو مرسل، لكن جاء ما يشهد له. تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله أهدت له يهودية بخيبر شاة مصلية ...) قوله: [ حدثنا وهب بن بقية ]. وهب بن بقية ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي [ حدثنا خالد ]. هو خالد بن عبد الله الواسطي الطحان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن عمرو ]. هو محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي، وهو صدوق له أوهام، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة ]. هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وقد مر ذكره. شرح حديث (كان رسول الله يقبل الهدية ولا يأكل الصدقة) [حدثنا وهب بن بقية عن خالد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقبل الهدية ولا يأكل الصدقة)]. قوله: [ (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ولا يأكل الصدقة) ]. لما ذكر في الحديث السابق أن الشاة قد أهديت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، أتى بهذا الحديث ليبين أنه كان يقبل الهدية من المسلمين وغير المسلمين، ولكنه كان يأخذ الهدية ويكافئ عليها صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وقبوله للهدية تطييباً لخواطر من يهدي من المسلمين، وكذلك من غير المسلمين تأليفاً واستجلاباً ممن يؤمل أن يدخل في الإسلام. وهذا كما هو معلوم فيما يتعلق بالرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان يقبل الهدية، أما أصحاب الأعمال كالموظفين وغيرهم فلا يجوز لهم قبول الهدايا، وبعض الناس قد يستدل لجواز قبول الهدايا بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية، ولكن غيره ليس مثله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه معصوم وغيره ليس بمعصوم، ثم أيضاً جاءت أحاديث تدل على منع قبول الهدايا منها حديث: (هدايا العمال غلول) كما سبق أن مر بنا. إذاً: الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية، وكان يكافئ على الهدية، وغيره ليس مثله صلى الله عليه وسلم، وكان لا يأكل الصدقة؛ لأن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وإسناد هذا الحديث هو نفس الإسناد السابق. شرح حديث (كان رسول الله يقبل الهدية ولا يأكل الصدقة، فأهدت له يهودية بخيبر شاة ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا وهب بن بقية في موضع آخر عن خالد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة ولم يذكر أبا هريرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقبل الهدية ولا يأكل الصدقة، زاد: فأهدت له يهودية بخيبر شاة مصلية سمتها، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها وأكل القوم، فقال: ارفعوا أيديكم؛ فإنها أخبرتني أنها مسمومة، فمات بشر بن البراء بن معرور الأنصاري ، فأرسل إلى اليهودية: ما حملك على الذي صنعت؟ قالت: إن كنت نبياً لم يضرك الذي صنعت، وإن كنت ملكاً أرحت الناس منك، فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقتلت، ثم قال في وجعه الذي مات فيه: ما زلت أجد من الأكلة التي أكلت بخيبر، فهذا أوان قطعت أبهري)]. أورد أبو داود حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن وهو مرسل، وقد ذكر ما في الحديث السابق المتصل عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية ولا يأكل الصدقة، وزاد أنه أهدت له امرأة يهودية شاة مشوية، وجعلت فيها سماً فأكل منها، فكلمته الذراع التي أكل منها رسول الله والتي نهس منها عليه الصلاة والسلام بأن فيها سماً. وهذا من دلائل نبوته عليه الصلاة والسلام، حيث حصل أمر خارق للعادة، فقد أطلعه الله عز وجل عليها فأخبر بها. وفي هذا وأمثاله دليل على أن الكلام قد يكون بغير لسان وحنجرة ومخارج حروف، ليس كما يقوله بعض الفرق الضالة: إنه لا بد في الكلام من لهاة ولسان وحنجرة ومخارج حروف، ولهذا يؤولون كلام الله عز وجل، ويقولون: إن الله لا يتكلم بصوت يسمع؛ قالوا: لأننا لو أثبتنا أنه يتكلم بصوت يسمع للزم أن يكون له لهاة وحنجرة ولسان وشفتان ومخارج حروف، فيكون هناك مشابهة للمخلوقين، وهذا كلام باطل؛ لأن الكلام يثبت لله عز وجل على وجه يليق به، ولا يلزم من الإثبات التشابه بينه وبين المخلوقين، وهناك إثبات مع تشبيه وهذا باطل لاشك فيه، وهناك إثبات مع تنزيه وهذا هو الحق الذي لا ريب فيه. فهذا الحديث وأمثاله يدل على بطلان هذا الذي قالوه: أن الكلام لا يتصور إلا بحنجرة ولهاة ولسان ومخارج حروف، فهذه الذراع من تلك الشاة أنطقها الله عز وجل وتكلمت، وكذلك الحجر الذي كان بمكة، كان يسلم على رسول الله عليه الصلاة والسلام إذا مر به ويقول: (السلام عليك يا محمد) . فالله تعالى أنطق الحجر وأنطق الذراع ولم يكن ذلك بالصورة أو بالكيفية التي يتخيلونها ويتصورونها، فإذا كانت هذه المخلوقات وجد منها الكلام على وجه لا يشبه ما هو موجود في المخلوقين، فالله عز وجل يتكلم كلاماً يليق بجلاله ولا يكون مشابهاً لخلقه. فقولهم: إنه لا يتصور الكلام إلا بكذا وكذا وكذا، هذا كلام غير صحيح؛ لأنه وجد الكلام من بعض المخلوقات على وجه يخالف ما هو معلوم ومشاهد في المخلوقين. إذاً: الله عز وجل يتكلم وكلامه يليق به، ولا يلزم من إثبات الكلام التشبيه؛ لأننا عرفنا أن هذه المخلوقات التي وجد منها الكلام لم يكن بهذه الطريقة التي يقولون: إنه لا يتصور الكلام إلا بكذا وكذا وكذا إلى آخره. قوله: [ (قالت: وإن كنت ملكاً أرحت الناس منك، فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلت)]. اليهود كانوا يعرفون أنه رسول الله وأنه نبي، وهم يعرفون ذلك من كتبهم، ولكن الحسد والبغي حملهم على ذلك، فقولها: إن كنت نبياً وإن كنت ملكاً، هذا كلام غير صحيح، فهم يعلمون ويعرفون أنه نبي، وقد جاءت صفاته وصفات أصحابه في كتبهم، كما جاء في آخر سورة الفتح: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ [الفتح:29]الآية. فالرسول صلى الله عليه وسلم مذكور في التوراة والإنجيل، وكذلك أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام قد ذكروا في التوراة والإنجيل. قوله: [ (ثم قال في وجعه الذي مات فيه: ما زلت أجد من الأكلة التي أكلت بخيبر، فهذا أوان قطعت أبهري)]. الأبهر: هو العرق الذي به الحياة، بحيث إذا انقطع مات صاحبه، والمقصود من ذلك أن أثر ذلك السم كان موجوداً معه صلى الله عليه وسلم حتى وفاته، فقد كان يجد أثر ذلك السم بين حين وآخر، حتى جاء الأجل وقبض الله تعالى روح نبيه صلى الله عليه وسلم ورفعه إلى الرفيق الأعلى. قوله: [ حدثنا وهب بن بقية ] هو نفس الإسناد السابق. شرح حديث أم مبشر في الشاة المسمومة التي أهدتها اليهودية للنبي صلى الله عليه وسلم قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مخلد بن خالد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن ابن كعب بن مالك عن أبيه رضي الله عنه: (أن أم مبشر رضي الله عنها قالت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه الذي مات فيه: ما يتهم بك يا رسول الله؟ فإني لا أتهم بابني شيئاً إلا الشاة المسمومة التي أكل معك بخيبر، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: وأنا لا أتهم بنفسي إلا ذلك، فهذا أوان قطع أبهري)]. أورد حديث أم مبشر الأنصارية رضي الله عنها أنها قالت: [ (ما يتهم بك؟) ] أي: ذلك الأثر الذي كان معه، وأنه كان يحس بالأثر. قولها: [ (فإني لا أتهم بابني شيئاً إلا الشاة) ]؛ لأن ابنها الذي هو بشر بن البراء بن معرور مات من تلك الشاة المسمومة. قوله: [ (وأنا لا أتهم بنفسي إلا ذلك، فهذا أوان قطع أبهري) ] هذا مثل الذي قبله. تراجم رجال إسناد حديث أم مبشر في الشاة المسمومة التي أهدتها اليهودية للنبي صلى الله عليه وسلم قوله: [ حدثنا مخلد بن خالد ]. هو مخلد بن خالد الشعيري، وهو ثقة أخرج له مسلم و أبو داود . [ حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. الزهري مر ذكره. [ عن ابن كعب بن مالك ]. هو عبد الله بن كعب بن مالك، وهو ثقة، ويقال: له رؤية أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن أبيه ]. هو كعب بن مالك رضي الله عنه الصحابي الجليل، أحد الثلاثة الذين خلفوا فتاب الله عليهم وأنزل فيهم قرآناً يتلى، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ أن أم مبشر ]. هي أم مبشر الأنصارية، وهي صحابية. [ قالت للنبي صلى الله عليه وسلم ]. يعني أنه مرفوع. [ قال أبو داود : وربما حدث عبد الرزاق بهذا الحديث مرسلاً عن معمر عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ]. يعني: أنه أحياناً يأتي بالمرسل وأحياناً يأتي بالمتصل. [ وربما حدث به عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، وذكر عبد الرزاق أن معمراً كان يحدثهم بالحديث مرة مرسلاً فيكتبونه ويحدثهم مرة به فيسنده فيكتبونه، وكل صحيح عندنا. قال عبد الرزاق : فلما قدم ابن المبارك على معمر أسند له معمر أحاديث كان يوقفها ]. قوله: [ فلما قدم ابن المبارك ]. هو عبد الله بن المبارك المروزي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث أم مبشر في الشاة المسمومة التي أهدتها اليهودية للنبي صلى الله عليه وسلم من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا إبراهيم بن خالد حدثنا رباح عن معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أمه أم مبشر ، قال أبو سعيد بن الأعرابي : كذا قال: عن أمه، والصواب عن أبيه عن أم مبشر رضي الله عنها: (دخلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فذكر معنى حديث مخلد بن خالد نحو حديث جابر رضي الله عنه، قال: فمات بشر بن البراء بن معرور فأرسل إلى اليهودية فقال: ما حملك على الذي صنعت؟ -فذكر نحو حديث جابر - فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلت ولم يذكر الحجامة) ]. أورد أبو داود حديث أم مبشر رضي الله عنها، وهو مثل ما تقدم، ليس فيه شيء جديد. تراجم رجال إسناد الطريق الأخرى لحديث أم مبشر في الشاة المسمومة التي أهدتها اليهودية للنبي صلى الله عليه وسلم قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا إبراهيم بن خالد ]. إبراهيم بن خالد ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا رباح ]. هو رباح بن زيد وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن معمر عن الزهري ]. قد مر ذكرهما. [ عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ]. عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي. [ عن أمه أم مبشر قال أبو سعيد بن الأعرابي : كذا قال: عن أمه، والصواب: عن أبيه عن أم مبشر ] يعني: قال: عن أمه، والصواب: عن أبيه عن أم مبشر ، ويكون المقصود بأبيه هو جده كعب؛ لأن الجد يقال له: أب. وأم مبشر هي حميمة بنت صيفي صحابية، أخرج لها مسلم و النسائي و ابن ماجة . وهي راوية الحديث الذي عند مسلم : (لا يلج النار أحد بايع تحت الشجرة). من قتل عبده أو مثل به شرح حديث (من قتل عبده قتلناه، ومن جدع عبده جدعناه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من قتل عبده أو مثل به أيقاد منه؟ حدثنا علي بن الجعد حدثنا شعبة (ح) وحدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن قتادة عن الحسن عن سمرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من قتل عبده قتلناه، ومن جدع عبده جدعناه)]. قوله: [ باب من قتل عبده أو مثل به أيقاد منه؟ ] هذا الترجمة مقصود بها قتل الرجل عبده، وكما عرفنا أن ذكر الرجل لا مفهوم له، فكذلك المرأة لو قتلت عبدها أو أمتها فإن النتيجة واحدة، وإنما ذكر الرجال لأن الخطاب في الغالب لهم، والحر لا يقتل بالعبد، إلا إذا حصل هناك تساهل وتهاون فيكون القتل تعزيراً من أجل أن يرتدع الناس وألا يقدموا على ذلك، وإلا فإن الحر لا يقتل بالعبد؛ لأن العبد له قيمة مالية يباع ويشترى بخلاف الحر، والأحاديث التي أوردها أبو داود هنا ضعيفة غير ثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام التي فيها: [ (من قتل عبده قتلناه ومن جدع عبده جدعناه) ] أي: من مثل به بأن قطع أنفه أو شيئاً من أعضائه، وغالباً أن الجدع يكون في الأنف؛ لأن مقطوع الأنف يقال له: مجدوع. لكن الحديث ضعيف غير صحيح؛ لأنه من رواية الحسن عن سمرة . تراجم رجال إسناد حديث (من قتل عبده قتلناه، ومن جدع أنفه جدعناه) قوله: [ حدثنا علي بن الجعد ]. علي بن الجعد ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود . [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي وقد مر ذكره. [ ح وحدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة بن دينار، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن. [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحسن ]. هو الحسن بن أبي الحسن البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سمرة ]. هو سمرة بن جندب رضي الله عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. سماع الحسن من سمرة الحسن عن سمرة الذي صح عنه سماعه حديث العقيقة، وما عدا ذلك فإنه لم يصح، وفي ذلك خلاف، فمنهم من قال: يقبل ويصح حديثه مطلقاً، ومنهم من قال: إنه يرد مطلقاً، ومنهم من قال: يفصل بين حديث العقيقة وغير حديث العقيقة، والمشهور والأصح أن حديث العقيقة ثابت وغيره يحتاج إلى ما يؤيده، وإن كان لم يأت إلا من تلك الطريق فإنه لا يعول عليه. شرح حديث (من خصى عبده خصيناه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المثنى حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة بإسناده مثله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من خصى عبده خصيناه) ثم ذكر مثل حديث شعبة و حماد ]. وهذا مثل الذي قبله إلا أن فيه: [ (من خصى عبده خصيناه) ] أي: من قطع خصيتي عبده قطعنا خصيتيه، لكن كما سيأتي في الحديث الذي هو صحيح أو حسن: (أن رجلاً جب مذاكير عبد له، فجعله الرسول صلى الله عليه وسلم حراً وأعتقه عليه، ولم يفعل به ذلك الفعل). ترجمة رجال إسناد حديث (من خصى عبده خصيناه) قوله: [ حدثنا محمد بن المثنى ]. هو محمد بن المثنى أبو موسى الزمن، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا معاذ بن هشام ]. هو معاذ بن هشام بن أبي عبد الله الدستوائي وهو صدوق ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني أبي ]. هو هشام الدستوائي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة بإسناده مثله ]. قتادة بإسناده مثله وقد تقدم. [ قال أبو داود : ورواه أبو داود الطيالسي عن هشام مثل حديث معاذ ]. أبو داود الطيالسي ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. شرح حديث (لا يقتل حر بعبد) وترجمة رجال الإسناد قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا سعيد بن عامر عن ابن أبي عروبة عن قتادة بإسناد شعبة مثله، زاد: ثم إن الحسن نسي هذا الحديث فكان يقول: (لا يقتل حر بعبد) ]. هذه طريق أخرى وفيها: أن الحسن نسي هذا الحديث فكان يقول: [ (لا يقتل حر بعبد) ]. قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي. [ حدثنا سعيد بن عامر ]. سعيد بن عامر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ عن ابن أبي عروبة ]. هو سعيد بن أبي عروبة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ عن قتادة بإسناد شعبة مثله ]. شرح أثر الحسن (لا يقاد الحر بالعبد) وترجمة رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام عن قتادة عن الحسن قال: لا يقاد الحر بالعبد ]. أورد المصنف رحمه الله هذا الأثر الذي ينتهي إلى الحسن وفيه: [ لا يقاد الحر بالعبد ]. قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ]. مسلم بن إبراهيم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام عن قتادة عن الحسن ]. مر ذكرهم . شرح حديث إعتاق النبي صلى الله عليه وسلم للعبد الذي جب مذاكيره سيده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن الحسن بن تسنيم العتكي حدثنا محمد بن بكر أخبرنا سوار أبو حمزة حدثنا عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: (جاء رجل مستصرخ إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: جارية له يا رسول الله. فقال: ويحك ما لك؟ قال: شر، أبصر لسيده جارية له فغار فجب مذاكيره، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: علي بالرجل، فطلب فلم يقدر عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اذهب فأنت حر، فقال: يا رسول الله على من نصرتي؟ قال: على كل مؤمن أو قال: كل مسلم) قال أبو داود : الذي عتق كان اسمه روح بن دينار . قال أبو داود : الذي جبه زنباع . قال أبو داود : هذا زنباع أبو روح كان مولى العبد ]. أورد حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما: [ (جاء رجل مستصرخ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: جارية له يا رسول الله) ]. يعني: جارية لسيده نظر إليها فغار السيد من نظر العبد إليها؛ فجب مذاكير ذلك العبد عقوبة له على نظره إلى تلك الجارية. قوله: [ (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: علي بالرجل فطلب فلم يقدر عليه) ]. كأنه هرب. قوله: [ (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهب فأنت حر، فقال: يا رسول الله على من نصرتي؟ قال: على كل مؤمن، أو كل مسلم) ]. الأصل أن العتيق نصرته على مواليه الذين يعتقونه، وهذا ليس له مولى أعتقه، وإنما الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي أعتقه فقال له: [ (اذهب فأنت حر) ] أعتقه على سيده، فقال: [ (على من نصرتي؟) ] والأصل أن المولى نصرته على مواليه الذين أعتقوه وهم يرثونه، فقال: [ (على كل مؤمن) ] يعني: هم الذين ينصرونه بدلاً من مواليه. تراجم رجال إسناد حديث إعتاق النبي صلى الله عليه وسلم للعبد الذي جب مذاكيره سيده قوله: [ حدثنا محمد بن الحسن بن تسنيم العتكي ]. محمد بن الحسن بن تسنيم العتكي هو صدوق يغرب، أخرج له أبو داود . [ حدثنا محمد بن بكر ]. محمد بن بكر صدوق قد يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا سوار أبو حمزة ]. سوار أبو حمزة صدوق له أوهام، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ حدثنا عمرو بن شعيب ]. هو عمرو بن شعيب بن محمد وهو صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة، وأصحاب السنن. [ عن أبيه ] هو شعيب وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وجزء القراءة، وأصحاب السنن. [ عن جده ] هو عبد الله بن عمرو وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد العبادلة الأربعة."
__________________
|
#837
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [507] الحلقة (537) شرح سنن أبي داود [507] الأصل أن من قتل قتيلاً قتل به، إلا أن يعفو أولياء الدم، فإن وجد قتيلاً بين قوم ولم يعرف قاتله حلف أولياؤه خمسين يميناً على رجل منهم فيدفع إليهم برمته ليقتصوا منه، وإذا لم يحلفوا حلف المتهمون خمسين يميناً أنهم ما قتلوه فتبرأ ساحتهم، لأنه ليس هناك في الشريعة الإسلامية دم هدر، وهذا هو ما يسمى بالقسامة. القتل بالقسامة شرح حديث سهل بن أبي حثمة ورافع بن خديج في القسامة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب القتل بالقسامة. حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة و محمد بن عبيد المعنى قالا: حدثنا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة و رافع بن خديج رضي الله عنهما: (أن محيصة بن مسعود و عبد الله بن سهل انطلقا قبل خيبر فتفرقا في النخل، فقتل عبد الله بن سهل، فاتهموا اليهود، فجاء أخوه عبد الرحمن بن سهل وابنا عمه حويصة و محيصة، فأتوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فتكلم عبد الرحمن في أمر أخيه وهو أصغرهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الكبر الكبر، أو قال: ليبدأ الأكبر، فتكلما في أمر صاحبهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته، فقالوا: أمر لم نشهده، كيف نحلف؟ قال: فتبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم، قالوا: يا رسول الله! قوم كفار، قال: فوداه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قبله. قال: قال سهل : دخلت مربداً لهم يوماً فركضتني ناقة من تلك الإبل ركضة برجلها) قال حماد هذا أو نحوه. قال أبو داود : رواه بشر بن المفضل و مالك عن يحيى بن سعيد قال فيه: (أتحلفون خمسين يميناً وتستحقون دم صاحبكم أو قاتلكم؟) ولم يذكر بشر دماً، وقال عبدة عن يحيى كما قال حماد ، ورواه ابن عيينة عن يحيى فبدأ بقوله: (تبرئكم يهود بخمسين يميناً يحلفون) ولم يذكر الاستحقاق. قال أبو داود : وهذا وهم من ابن عيينة ]. يقول المصنف رحمه الله تعالى: [ باب القتل بالقسامة ]. القسامة: هي أن يقتل قتيل بين جماعة يتهمون فيه ولا يعرف قاتله؛ هذه يقال لها: قسامة؛ لأن المدعين أو أصحاب الدم يطلب منهم أن يحلف منهم خمسون رجلاً على شخص أنه قتله فيدفع لهم ليقتلوه، فإذا لم يحلف المدعون جعلت اليمين على المدعى عليهم بأن يحلف منهم خمسون بأنهم بريئون من ذلك، فإذا حلف أولئك المدعون على شخص معين فإنه يقتل ذلك الشخص أو يدفع لهم ذلك الشخص ليقتلوه، وإذا لم يفعلوا فإنه توجه اليمين لخمسين من المدعى عليهم فتبرأ ساحتهم بذلك، ولهذا قيل لها: قسامة؛ لأن فيها أيماناً كثيرة. وقد أورد أبو داود حديث سهل بن أبي حثمة ورافع بن خديج: أن عبد الله بن سهل و محيصة بن مسعود -وهما أبناء عم- ذهبا إلى خيبر فتفرقا، ثم وجد عبد الله بن سهل قتيلاً، فجاء أولياؤه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فقالوا: إن اليهود قتلوا عبد الله بن سهل ، وكان الذي تكلم هو عبد الرحمن وهو أخو القتيل وكان أصغر القوم، فقال عليه السلام: [ (الكبر الكبر) ] أو قال: [ (ليبدأ الأكبر) ] وهذا فيه تنبيه إلى أدب وهو أن الجماعة إذا جاءوا لحاجة وكانت مهمتهم واحدة فإن الكلام يكون للأكبر، إلا إذا اتفقوا على أن يتكلم واحد منهم؛ لأنه قد يكون الأكبر لا يجيد الكلام، أو لا يتمكن من أن يتكلم بالشيء الذي يريدونه، فإذا اختاروا واحداً منهم وهو أصغرهم فإنه لا بأس بذلك، وإلا فإن السنة أن يبدأ الكبير كما أرشد إلى ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث. فتكلم الذين أشار إليهم النبي صلى الله عليه وسلم وأخبروه فقال: [ (يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته) ] يعني: أنه يسلم لهم ليتولوا قتله إذا حلفوا على أن هذا هو القاتل. قوله: [ (فقالوا: أمر لم نشهده كيف نحلف؟) ] يعني: ما شاهدنا ولا رأينا. قوله: [ (قال: فتبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم، قالوا: يا رسول الله! قوم كفار)] أي: كيف نقبل أيمانهم وهم كفار يكذبون. [ (فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبله) ] يعني: لم يضيع دمه، بل وداه من عنده صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. فدل هذا على ثبوت القسامة، وأنه يبدأ فيها بأيمان المدعين؛ لأن المدعي إذا كان معه شيء يقوي جانبه فإنه يحلف، كما لو كان معه شاهد واحد والمطلوب شاهدان، فيقوى جانبه لوجود شاهد عنده، فيضاف إلى ذلك يمين المدعي، ولهذا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاهد ويمين؛ لأنه وجد قوة مع المدعي فيضاف إليها شيئاً آخر وهو اليمين، فيحكم له حيث لا يوجد عنده شاهدان. وهنا لما وجد ما يسمى باللوث وهو محل التهمة، وهو أنه كان موجوداً بينهم وأنه قتل بينهم وفي أرضهم وليس فيها مسلمون وإنما الذين فيها هم كفار، فالتهمة قوية في أنهم هم الذين قتلوه أو قتله واحد منهم، فهذا هو اللوث الذي يقوي جانب المدعين فيبدأ بهم في الأيمان لا بالمدعى عليهم، ولا تحال اليمين إلى المدعى عليهم؛ لأنه وجد مع المدعين شيء يقوي جانبهم وهو اللوث، فيبدأ بالأيمان على المدعين. والله تعالى أعلم ما حكمة اختيار خمسين شخصاً لليمين، لكن إذا وجد فيهم من يكذب أو يستسهل الكذب، فإنه قد يوجد فيهم أحد يمتنع ويخاف من العواقب، وقد يوجد فيهم من عنده صدق. قوله: [ (قال سهل: دخلت مربداً لهم يوماً فركضتني ناقة من تلك الإبل ركضة برجلها) ]. يعني: أن هذه الإبل التي وداه الرسول صلى الله عليه وسلم بها جعلوها في مكان معين يقال له: المربد، فدخل سهل رضي الله عنه فركضته ناقه من تلك الإبل ركضة، فهو يتذكر الذي حصل في هذه الحادثة، حيث إنه رأى تلك الإبل التي دفعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم دية لعبد الله بن سهل . تراجم رجال إسناد حديث سهل بن أبي حثمة ورافع بن خديج في القسامة قوله: [ حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة ]. عبيد الله بن عمر بن ميسرة ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ و محمد بن عبيد ]. هو محمد بن عبيد بن حساب وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا حماد بن زيد ]. حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن سعيد ]. هو يحيى بن سعيد الأنصاري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بشير بن يسار ]. بشير بن يسار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سهل بن أبي حثمة ]. سهل بن أبي حثمة صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ورافع بن خديج ]. رافع بن خديج صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو داود : رواه بشر بن المفضل و مالك عن يحيى بن سعيد ]. بشر بن المفضل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و مالك ]. مالك ثقة فقيه، أحد أئمة المذاهب الأربعة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. قوله: [ عن يحيى بن سعيد قال فيه: [ (أتحلفون خمسين يميناً وتستحقون دم صاحبكم أو قاتلكم؟) ولم يذكر بشر دماً، وقال عبدة عن يحيى كما قال حماد ، ورواه ابن عيينة عن يحيى فبدأ بقوله: (تبرئكم يهود بخمسين يميناً يحلفون) ولم يذكر الاستحقاق ]. أي أنه رواه ابن عيينة عن يحيى بن سعيد الأنصاري فقال: [ (تبرئكم يهود بخمسين) ] فبدأ باليهود، وهذا وهم من ابن عيينة كما قال أبو داود ؛ لأن الذين رووه كلهم ذكروا أنه يبدأ بالمدعين وليس بالمدعى عليهم. شرح حديث سهل بن أبي حثمة في القسامة من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح أخبرنا ابن وهب أخبرني مالك عن أبي ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل عن سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه (أنه أخبره هو ورجال من كبراء قومه أن عبد الله بن سهل و محيصة خرجا إلى خيبر من جهد أصابهم، فأتى محيصة فأخبر أن عبد الله بن سهل قد قتل وطرح في فقير أو عين، فأتى يهود، فقال: أنتم والله قتلتموه، قالوا: والله ما قتلناه، فأقبل حتى قدم على قومه فذكر لهم ذلك، ثم أقبل هو وأخوه حويصة وهو أكبر منه و عبد الرحمن بن سهل فذهب محيصة ليتكلم، وهو الذي كان بخيبر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كبر كبر يريد السن، فتكلم حويصة ثم تكلم محيصة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إما أن يدوا صاحبكم، وإما أن يؤذنوا بحرب، فكتب إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك، فكتبوا: إنا والله ما قتلناه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لحويصة و محيصة و عبد الرحمن : أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟ قالوا: لا، قال: فتحلف لكم يهود؟ قالوا: ليسوا مسلمين، فوداه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من عنده، فبعث إليهم مائة ناقة حتى أدخلت عليهم الدار، قال سهل : لقد ركضتني منها ناقة حمراء) ]. أورد أبو داود حديث سهل بن أبي حثمة من طريق أخرى، وفيه أن عبد الله بن سهل و محيصة بن مسعود ذهبا إلى خيبر من فقر، يريدان أن يحصلا شيئاً في تلك البلاد من الحرث والزرع والنخل ليقتاتا به، فتفرقا، فعند ذلك أُخبر محيصة بأن عبد الله بن سهل قتل، فقال: إنكم قتلتموه يا معشر اليهود. فقالوا: إنا ما قتلناه، ثم وصل الخبر إلى المدينة، فقام أصحابه وأولياؤه وجاءوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فكتب إلى اليهود: إما أن تدوه وإما أن تؤذنوا بحرب، هذا على اعتبار أنهم هم الذين قتلوه، وأن القتل حاصل منهم، فكتبوا أنهم ما قتلوه ولا حصل منهم شيء من ذلك، فطلب الرسول صلى الله عليه وسلم من أولياء القتيل أن يحلف خمسون منهم فامتنعوا وقالوا: كيف نحلف؟ ثم قال: تبرئكم يهود، فقالوا كما قالوا فيما مضى، فوداه الرسول صلى الله عليه وسلم بمائة من الإبل، كما تقدم فسهل يخبر عن الذي حصل له من واحدة من تلك الإبل، وهنا يقول: إنها ناقة حمراء ركضته برجلها، فهو يذكر تلك الحادثة والواقعة التي قد حصلت له، والحديث بمعنى الحديث الذي قبله إلا أن فيه زيادة: [ (إما أن يدوا صاحبكم وإما أن يؤذنوا بحرب) ] ولعل هذا كان قبل أن يعلم إنكارهم. تراجم رجال إسناد الطريق الأخرى لحديث سهل بن أبي حثمة في القسامة قوله: [ حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح ]. أحمد بن عمرو بن السرح ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ أخبرنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني مالك عن أبي ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل ]. مالك مر ذكره، وأبو ليلى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي. [ عن سهل بن أبي حثمة ]. سهل بن أبي حثمة مر ذكره. شرح حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل بالقسامة رجلاً من بني نصر بن مالك ببحرة الرغاء ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمود بن خالد و كثير بن عبيد قالا: حدثنا (ح) وحدثنا محمد بن الصباح بن سفيان أخبرنا الوليد عن أبي عمرو عن عمرو بن شعيب عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (أنه قتل بالقسامة رجلاً من بني نصر بن مالك ببحرة الرغاء على شط لية البحرة، قال: القاتل والمقتول منهم) وهذا لفظ محمود : ببحرة أقامه محمود وحده على شط لية ]. أورد أبو داود هذا الحديث المعضل الذي قال فيه عمرو بن شعيب [ (عن رسول صلى الله عليه وسلم أنه قتل بالقسامة رجلاً) ]. وهذا معضل؛ لأنه سقط منه واسطتان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمعضل هو الذي يسقط منه اثنان على التوالي، فإذا كانا بدون توالٍ فيقال له: منقطع . قوله: [ (أنه قتل بالقسامة رجلاً من بني نصر بن مالك ببحرة الرغاء) ]. البحرة قيل: هي القرية والمدينة، ويقال: بحيرة تصغير بحرة، والمدينة يقال لها: بحيرة أو بحرة، وفي الحديث: (اعمل من وراء البحار فلن يترك الله من عملك شيئاً) والمقصود: من وراء المدن، وليس المقصود البحار الزاخرة بالماء. قوله: [ (قال: القاتل والمقتول منهم) ]. أي: أنهما من تلك القبيلة. والحديث ضعيف؛ لأنه معضل، وليس فيه ذكر الواسطة بين عمرو بن شعيب وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل بالقسامة رجلاً من بني نصر بن مالك ببحرة الرغاء ...) قوله: [ حدثنا محمود بن خالد ]. هو محمود بن خالد الدمشقي وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ وكثير بن عبيد ]. كثير بن عبيد ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ قالا: حدثنا (ح) وحدثنا محمد بن الصباح بن سفيان أخبرنا ]. هذا التحويل لأجل الاختلاف في الصيغة؛ لأن الأولين قالا: حدثنا، وأما الآخر فقال: أخبرنا؛ فالتحويل من أجل الاختلاف في الصيغة. ومحمد بن الصباح بن سفيان صدوق، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ أخبرنا الوليد ]. هو الوليد بن مسلم الدمشقي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي عمرو ]. هو الأوزاعي عبد الرحمن بن عمرو وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن شعيب ]. عمرو بن شعيب مر ذكره. ترك القود بالقسامة شرح حديث قصة قتل عبد الله بن سهل بخيبر قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في ترك القود بالقسامة. حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني حدثنا أبو نعيم حدثنا سعيد بن عبيد الطائي عن بشير بن يسار ، زعم أن رجلاً من الأنصار يقال له: سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه أخبره: (أن نفراً من قومه انطلقوا إلى خيبر فتفرقوا فيها فوجدوا أحدهم قتيلاً، فقالوا للذين وجدوه عندهم: قتلتم صاحبنا، فقالوا: ما قتلناه ولا علمنا قاتلاً، فانطلقنا إلى نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: فقال لهم: تأتوني بالبينة على من قتل هذا؟ قالوا: ما لنا بينة، قال: فيحلفون لكم، قالوا: لا نرضى بأيمان اليهود، فكره نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يبطل دمه، فوداه مائة من إبل الصدقة) ]. قوله: [ باب في ترك القود بالقسامة ]. يعني: ترك القود بالقسامة لعدم معرفة القاتل، ولهذا صير إلى الدية وعدم إهدار الدم. وقد أورد أبو داود حديث سهل بن أبي حثمة رضي الله تعالى عنه، وهو في قصة ذهاب عبد الله بن سهل وحويصة و محيصة إلى خيبر، ثم إن عبد الله بن سهل وجد قتيلاً فقالوا لليهود: إنكم قتلتم صاحبنا، فقالوا: ما قتلناه ولا علمنا من قتله، فرفعوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أتأتون بشاهدين يشهدون على أن القتل حصل منهم؟ فأخبروه أنه ليس عندهم شهود. وهنا لم يذكر الأيمان في القسامة على المدعين، وإنما ذكر أن اليهود يبرئون بأن يحلف خمسون منهم، فقالوا: إنهم قوم كفار، فكره النبي صلى الله عليه وسلم أن يهدر دمه فوداه من إبل الصدقة. والأحاديث التي مرت فيها أنه حصل البدء بأيمان المدعين وأنهم طولبوا باليمين، فيمكن أن يكون هذا الحديث فيه اختصار، وأنه طلبت منهم البينة وعند عدم وجود البينة طلب منهم أيمان خمسين، وأنهم لما لم يجيبوا إلى ذلك؛ لأنهم ما شاهدوا ولا عاينوا، أخبر بأن اليهود يحلفون خمسين يميناً، فقالوا: إنهم قوم كفار، فكيف نقبل أيمانهم؟ فكره الرسول صلى الله عليه وسلم أن يهدر دمه فوداه من إبل الصدقة، وقد سبق أن مر في بعض الأحاديث أنه وداه من عنده، ومعلوم أنه ليس من مصارف الصدقة إعطاء الديات، فيحمل ما جاء في هذا الحديث على أن الإبل اشتريت من إبل الصدقة، أي: أن النبي صلى الله عليه وسلم اشتراها من إبل الصدقة، فتكون الدية إنما هي المال الذي دفع في مقابل الصدقة، ثم قدمت المائة الإبل، فبهذا يوفق بين الحديثين: الحديث الذي فيه أنه وداه من عنده، والحديث الذي فيه أنه وداه من إبل الصدقة، فإنه يحمل على أنه اشترى الدية من إبل الصدقة، وتكون الدية من عنده صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. تراجم رجال إسناد حديث قصة قتل عبد الله بن سهل بخيبر قوله: [ حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني ]. الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا أبو نعيم ]. هو الفضل بن دكين، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن عبيد الطائي ]. سعيد بن عبيد الطائي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن بشير بن يسار ]. بشير بن يسار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ زعم أن رجلاً من الأنصار يقال له: سهل بن أبي حثمة ]. سهل بن أبي حثمة صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة . شرح حديث (أصبح رجل من الأنصار مقتولاً بخيبر...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي بن راشد أخبرنا هشيم عن أبي حيان التيمي حدثنا عباية بن رفاعة عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: (أصبح رجل من الأنصار مقتولاً بخيبر، فانطلق أولياؤه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكروا ذلك له، فقال: لكم شاهدان يشهدان على قتل صاحبكم؟ قالوا: يا رسول الله لم يكن ثم أحد من المسلمين وإنما هم يهود، وقد يجترئون على أعظم من هذا، قال: فاختاروا منهم خمسين فاستحلفوهم، فأبوا، فوداه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من عنده) ]. أورد أبو داود حديث رافع بن خديج رضي الله عنه وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم وداه من عنده، والبقية مثل ما تقدم عن سهل بن أبي حثمة . تراجم رجال إسناد حديث (أصبح رجلاً من الأنصار مقتولاً في خيبر...) قوله: [ حدثنا الحسن بن علي بن راشد ]. الحسن بن علي بن راشد صدوق، أخرج له أبو داود . وهذا يأتي ذكره قليلاً بخلاف الحسن بن علي الذي يأتي ذكره كثيراً وهو الحلواني الذي أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي ، وأما هذا فيأتي ذكره قليلاً؛ ولهذا سماه وذكر جده الحسن بن علي بن راشد. [ أخبرنا هشيم ]. هو هشيم بن بشير الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي حيان التيمي ]. هو يحيى بن سعيد بن حيان التيمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عباية بن رفاعة ]. عباية بن رفاعة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن رافع بن خديج ]. رافع بن خديج رضي الله عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ذكر من اشتهروا من الرواة باسم يحيى بن سعيد أبو حيان التيمي الذي هو يحيى بن سعيد هو في طبقة يحيى بن سعيد الأنصاري . والمشهورون بهذا الاسم أربعة: اثنان في طبقة متقدمة، واثنان في طبقة متأخرة، فاللذان في الطبقة المتقدمة هما: يحيى بن سعيد الأنصاري ، و يحيى بن سعيد التيمي أبو حيان هذا، واللذان في الطبقة المتأخرة هما: يحيى بن سعيد القطان ، و يحيى بن سعيد الأموي ، وهذان الأخيران من طبقة شيوخ شيوخ أبي داود . وهذا الاتفاق في الأسماء وأسماء الآباء والاختلاف في الأشخاص هو الذي يسمونه في علم المصطلح: المتفق والمفترق، وهو أن تتفق أسماء الرواة وأسماء آبائهم وتختلف أشخاصهم، ويعرف ذلك بالتلاميذ، أو بالتنصيص على ذلك في بعض الطرق؛ لأن بعض الطرق تأتي بما يعين ويبين من هو المقصود. شرح حديث: (أن رسول الله كتب إلى يهود أنه قد وجد بين أظهركم قتيل فدوه...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد العزيز بن يحيى الحراني حدثني محمد -يعني ابن سلمة - عن محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم بن الحارث عن عبد الرحمن بن بجيد قال: (إن سهلاً رضي الله عنه والله أوهم الحديث، إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتب إلى يهود: أنه قد وجد بين أظهركم قتيل فدوه، فكتبوا يحلفون بالله خمسين يميناً ما قتلناه وما علمنا قاتلاً، قال: فوداه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من عنده بمائة ناقة) ]. أورد أبو داود هذا الحديث الذي قيل: إنه مرسل، وهو من رواية عبد الرحمن بن بجيد قال: [ (إن سهلاً أوهم الحديث، إن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى يهود: أنه قد وجد بين أظهركم قتيل فدوه) ]. أي: ادفعوا ديته، فهذا أمر من ودى يدي، وفعله يكون حرفاً واحداً؛ لأن أوله واو وآخره ياء، فعند الأمر يحذف الأول والآخر ويبقى الوسط الذي هو الدال فيقال: (دِ) كذا مثل: (قِ) في قوله عز وجل وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ [غافر:9] (وقهم)؛ لأن الواو هذه واو العطف، وفعل الأمر هو القاف وحدها (قِ)، فـ (دِ) هو فعل أمر مكون من حرف واحد؛ لأن أوله حرف علة وآخره حرف علة، وعند وجود الأمر منه يحذف الأول والآخر ويبقى الوسط فيكون الفعل مكوناً من حرف واحد إذا كان المخاطب واحداً فيقال له: (دِ) كما يقال له: (قِ). قوله: [ (فكتبوا يحلفون بالله خمسين يميناً ما قتلناه ولا علمنا قاتلاً) ]. كتبوا يحلفون بالله خمسين يميناً ما قتلوه ولا علموا قاتله، فوداه النبي صلى الله عليه وسلم بمائة ناقة. وحديث سهل بن أبي حثمة كما هو معلوم صحيح وفيه تفصيل، ففيه: أن المدعين يبدأ بأيمانهم، ثم بأيمان المدعى عليهم إن نكل المدعون عن اليمين، وهي أحاديث صحيحة ثابتة موجودة في الصحيحين وفي غيرهما، ولا يعول على ما جاء في هذا من التوهيم، وفي هذا الإسناد محمد بن إسحاق وهو مدلس وقد عنعن، وعبد الرحمن بن بجيد مختلف في صحبته، وقيل: إن حديثه هذا مرسل، وقد ضعفه الألباني ، ومعلوم أن الأحاديث التي مرت ثابتة في الصحيحين، وهي عن سهل بن أبي حثمة وغيره، وفيها التفصيل وليس فيها أن اليهود حلفوا، وإنما فيها أنه طلب من المدعين أن يحلفوا خمسين يميناً، وقالوا: كيف نحلف ونحن لم نر ولم نشاهد؟ فقال: تبرئكم يهود بأن يحلفوا خمسين يميناً، فقالوا: إنهم قوم كفار، فعند ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم كره أن يهدر دمه، فوداه من عنده بمائة من الإبل. تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله كتب إلى يهود أنه قد وجد بين أظهركم قتيل فدوه) قوله: [ حدثنا عبد العزيز بن يحيى الحراني ]. عبد العزيز بن يحيى الحراني صدوق ربما وهم، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثني محمد يعني ابن سلمة ]. هو محمد بن سلمة الحراني، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن محمد بن إبراهيم بن الحارث ]. هو محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن بجيد ]. عبد الرحمن بن بجيد مختلف في صحبته، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و النسائي . شرح حديث: (أن النبي قال لليهود وبدأ بهم: يحلف منكم خمسون رجلاً...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن و سليمان بن يسار عن رجال من الأنصار: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لليهود وبدأ بهم: يحلف منكم خمسون رجلاً فأبوا، فقال للأنصار: استحقوا، قالوا: نحلف على الغيب يا رسول الله؟ فجعلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دية على يهود؛ لأنه وجد بين أظهرهم) ]. أورد أبو داود هذا الحديث عن رجال من الأنصار مبهمين غير معينين، ومعلوم أن جهالة الصحابة لا تؤثر سواء كانوا جماعة أو واحداً، فالمجهول في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حكم المعلوم؛ لأنهم عدول لا يحتاجون إلى تعديل المعدلين وتوثيق الموثقين، بعد أن أثنى الله عليهم ورسوله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، بل أثنى الله عليهم في التوراة والإنجيل قبل أن يوجدوا وقبل أن يأتي زمانهم، كما جاء في آخر سورة الفتح، وهذا دال على فضلهم ونبلهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وهم أيضاً حملة الشريعة وهم الواسطة بين الناس وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام، وما عرف الناس حقاً ولا هدى إلا عن طريق الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم. وهذا الحديث فيه قصة القتيل الذي قتل من الأنصار في خيبر، وفيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم بدأ باليهود وأمرهم أن يحلفوا خمسين يميناً، لكن أهل القتيل لم يقبلوا، وقالوا: إن اليهود قوم كفار، فقال لهم: تحلفون خمسين يميناً، فلم يفعلوا، وبعد ذلك أوجب الرسول صلى الله عليه وسلم الدية على اليهود، ولم يذكر أنه وداه من عنده. وهذا الحديث كما قال الشيخ الألباني : إنه شاذ؛ لأن أسانيده رجال ثقات، ولكن فيه ذكر المخالفة من جهتين: من جهة التنصيص على أنه بدأ باليهود أن يحلفوا، وهذا مخالف للأحاديث الصحيحة التي سبق أن مرت، وفيها أنه بدأ بالمدعين لأن معهم قوة وهي اللوث التي هي بمنزلة الشاهد. ومن جهة أن الرسول ألزم اليهود بديته، ومعلوم أن الأحاديث الصحيحة جاءت بأنه هو الذي وداه من عنده صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. إذاً: الإسناد صحيح ورجاله ثقات، ولكنه مخالف لما تقدم في الأحاديث الصحيحة الدالة على أن البدء كان بالمدعين وأيمان المدعين، وأن الدية إنما هي من عنده صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي قال لليهود وبدأ بهم يحلف منكم خمسون رجلاً) قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ]. هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و سليمان بن يسار ]. سليمان بن يسار ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن رجال من الأنصار ]. وقد عرفنا أن الجهالة في الصحابة لا تؤثر. الأسئلة إذا نكل أولياء المقتول عن الحلف ولم يرضوا بحلف المتهمين السؤال: إذا قتل قتيل ونكل أولياء المقتول عن الحلف، ولم يرضوا بحلف المتهمين فما العمل؟ الجواب: هو ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو أنه وداه من عنده ولم يبطل دمه، ولكن لو كان معلوماً أن الذين قتلوه هم الذين وجد بين أظهرهم وأن ذلك متحقق لزمتهم الدية، ويقومون بدفعها، ولكن هناك احتمال آخر وهو أن يكونوا ما فعلوا ذلك وإنما بلوا به، كأن يقتله إنسان ثم يأتي به ويرميه عند أناس فيتهمون به وهم برآء من ذلك، لاسيما في مثل هذا الزمان الذي سهلت فيه وسائل المواصلات، فإنه قد يقتل في مكان ثم ينقل ويرمى المقتول في جهة معينة، فالقول بأن هؤلاء الذين وجد فيهم هم قتلوه غير محقق، وإن كان هذا لوثاً كما هو معلوم، ففي هذه الحالة يودى من بيت المال مثلما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا هو وجهه، وأما إلزام أولئك بأن يدفعوا الدية وقد يكونون برآء فهذا فيه إشكال. حكم تسليم من حلف عليه أولياء المقتول خمسين يميناً إليهم ليقتلوه السؤال: إذا حلف أولياء المقتول خمسين يميناً على شخص معين فهل يسلم إليهم ليقتلوه؟ الجواب: نعم، إذا حلفوا على شخص معين على اعتبار أن هناك تهمة قوية، وأنهم يعلمون العداوة الشديدة بينه وبينه، ويستحقون الدم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (فيدفع برمته) كما في الحديث الأول. أما تأويل الخطابي حيث قال: (دم صاحبكم) أي: دية صاحبكم، فهذا غير صحيح؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (فيدفع برمته) أي: يسلم لهم القاتل ولا يسلم المال في مقابله."
__________________
|
#838
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [508] الحلقة (538) شرح سنن أبي داود [508] من قتل قتيلاً قتل بما قتله به، والمؤمنون تتكافأ دماؤهم، ولا يقتل مسلم بكافر، ومن وجد مع أهله رجلاً فليس له قتله، وإذا عفا أولياء الدم عن القتل انتقلوا إلى الدية ، وحكم النساء في العفو كالرجال، ومن قتل في عميا بين قوم لا يدرى من قتله فهو قتل خطأ، وديته على العاقلة. كيف يقاد من القاتل شرح حديث أن جارية وجدت قد رض رأسها بين حجرين قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب يقاد من القاتل. حدثنا محمد بن كثير أخبرنا همام عن قتادة عن أنس رضي الله عنه: (أن جارية وجدت قد رض رأسها بين حجرين، فقيل لها: من فعل بك هذا؟ أفلان؟ أفلان؟ حتى سمي اليهودي، فأومت برأسها، فأُخذ اليهودي فاعترف، فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يرض رأسه بالحجارة) ]. قوله: [ باب: يقاد من القاتل ]. هذه ترجمة لهذا الباب، وقد جاء في بعض النسخ: [ باب يقاد من القاتل بحجر أو غيره أو نحوه ]. والمقصود من ذلك هو قتل القاتل بمثل ما قتل به، وليس المقصود من ذلك إثبات القود، فالقود ثابت وإنما المقصود القود بالمماثلة. وقد اختلف العلماء في ذلك، فذهب الجمهور إلى أنه يقتل بمثل ما قتل به، إلا أن يكون ذلك الذي قتل به أمراً محرماً لا يجوز فعله، كإسقاء الخمر، أو فعل الفاحشة؛ فإنه لا يقاد بالطريقة المحرمة وإنما يقاد بالسيف في مثل ذلك، وأما إذا كان رضه بحجارة أو ألقاه من شاهق أو سقاه سماً، أو غير ذلك من الأسباب التي يمكن المماثلة فيها وليست محرمة، فإنه يقاد بهذه الطريقة. وذهب بعض أهل العلم إلى أن كل قتل إنما يقاد بالسيف، ولكن الأحاديث التي وردت في هذا الباب دالة على أنه يقتل بمثل ما قتل به، وأن الطريقة التي قتل بها يقتل بها، ولا يقال: إن هذا فيه مثلة؛ لأن هذا التمثيل فيما يحصل ابتداء، أما إذا كان من باب العقوبة ومن باب المقابلة فهذا سائغ وجائز، ولكن يستثنى من ذلك ما أشرت إليه، وهو إذا كان الفعل محرماً فلا يجوز فعله ابتداء ولا انتهاء. قوله: [ (أن جارية وجدت قد رض رأسها) ]. يعني: أن جارية وجد رأسها قد رض بين حجرين، وكان بها رمق -أي: بقية حياة- فكانوا يسألونها: من فعل بك هذا؟ فلان؟ ممن هم متهمون، وهي تومئ برأسها: أن لا، ولما عرضوا عليها اسم من باشر قتلها أشارت: أن نعم، وعند ذلك أحضروه فاعترف فرض رأسه بين حجرين. وهذا السؤال لا يعتبر بينة، ولكنه يعتبر قرينة وحصراً للتهمة في جهة معينة، بدلاً من أن تكون موزعة ومنتشرة فإنها تحصر التهمة في جهة معينة، فلما انحصرت التهمة به سألوه فاعترف فقتل باعترافه، أما مجرد دعوى من يدعي بأن فلاناً قتله وليس هناك بينة فإنه لا يصار إلى ذلك، ولكن العمل إنما هو بالاعتراف الذي حصل من الجاني. وفيه أن الرجل يقتل بالمرأة، أما الدية فتختلف دية المرأة عن الرجل، فدية المرأة على النصف من دية الرجل، كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام. تراجم رجال إسناد حديث: (أن جارية وجدت قد رض رأسها بين حجرين) قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. هو محمد بن كثير العبدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ أخبرنا همام ]. هو همام بن يحيى العوذي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ عن أنس ]. أنس رضي الله عنه خادم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الإسناد من الرباعيات التي هي أعلى الأسانيد عند أبي داود . شرح حديث: (أن يهودياً قتل جارية من الأنصار على حلي لها ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس رضي الله عنه (أن يهودياً قتل جارية من الأنصار على حلي لها، ثم ألقاها في قليب ورضخ رأسها بالحجارة، فأخذ، فأتي به النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأمر به أن يرجم حتى يموت، فرجم حتى مات) ]. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك من طريق أخرى، وفيه: أنه قتلها من أجل حلي أخذه منها، فقتلها حتى لا يعلم به، وألقاها في بئر ورمى عليها بالحجارة، فالرسول صلى الله عليه وسلم طلبه وأمر بأن يرمى بالحجارة حتى يموت. والمقصود من ذلك أنه قتل مماثلة؛ لأنه قتل بالحجارة فيقتل كذلك بالحجارة، وقد جاء أنه رض رأسه بين حجرين، فيكون معناه: أن الحجر الأعلى رمي به عدة مرات. تراجم رجال إسناد حديث: (أن يهودياً قتل جارية من الأنصار على حلي لها ...) قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني وقد مر ذكره. [ عن معمر عن أيوب ]. معمر مر ذكره، وأيوب بن أبي تميمة السختياني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي قلابة ]. هو عبد الله بن زيد الجرمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. أنس مر ذكره. [ قال أبو داود : رواه ابن جريج عن أيوب نحوه ]. ابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (أن جارية كان عليها أوضاح لها فرضخ رأسها يهودي بحجر ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا ابن إدريس عن شعبة عن هشام بن زيد عن جده أنس رضي الله عنه: (أن جارية كان عليها أوضاح لها، فرضخ رأسها يهودي بحجر، فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبها رمق، فقال لها: من قتلك؟ فلان قتلك؟ فقالت: لا، برأسها، قال: من قتلك؟ فلان قتلك؟ قالت: لا، برأسها، قال: فلان قتلك؟ قالت: نعم، برأسها، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقتل بين حجرين) ]. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: [ (أن جارية كان عليها أوضاح لها) ]. الأوضاح هي حلي، قيل: إنه من الفضة؛ لأنه وضحه البياض. قوله: [ (فرضخ رأسها يهودي بحجر، فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبها رمق) ]. يعني: دخل عليها رسول الله عليه الصلاة والسلام وبها رمق فسألها، والظاهر أنها أخرجت من القليب وبها حياة. [ (فقال لها: من قتلك؟ فلان قتلك؟) ] هنا أطلق القتل على من لم يمت بالفعل، ولكنه وجدت أسبابه، كما أن الموت يذكر ويطلق على من قاربه، كما جاء في حديث: (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله، فإنه من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة) فأطلق الموت على من لم يمت؛ لأنه على وشك الموت، وهنا أطلق القتل على من من حصلت به أسباب القتل. فهو سألها: من قتلك؟ فلان فلان؟ حتى أشارت إلى الشخص الذي قتلها، فأتي به فرمي بحجر حتى مات. تراجم رجال إسناد حديث: (أن جارية كان عليها أوضاح لها فرضخ رأسها يهودي بحجر...) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي. [ حدثنا ابن إدريس ]. هو عبد الله بن إدريس وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام بن زيد ]. هو هشام بن زيد بن أنس وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جده أنس ] أنس بن مالك رضي الله عنه قد مر ذكره. حكم قتل المسلم بالكافر شرح حديث (... المؤمنون تتكافأ دماؤهم ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب أيقاد المسلم بالكافر؟ حدثنا أحمد بن حنبل و مسدد قالا: حدثنا يحيى بن سعيد أخبرنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن قيس بن عباد قال: (انطلقت أنا و الأشتر إلى علي رضي الله عنه، فقلنا: هل عهد إليك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئاً لم يعهده إلى الناس عامة؟ قال: لا، إلا ما في كتابي هذا. قال مسدد : قال: فأخرج كتاباً، وقال أحمد : كتاباً من قراب سيفه، فإذا فيه: المؤمنون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، ألا لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده، من أحدث حدثاً فعلى نفسه، ومن أحدث حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) . قال مسدد : عن ابن أبي عروبة : (فأخرج كتاباً) ]. يقول المصنف رحمه الله: [ باب أيقاد المسلم بالكافر؟ ] أي: إذا قتل المسلم كافراً فهل يقتل المسلم أو لا يقتل؟ أورد أبو داود الحديث الذي فيه أنه لا يقتل مسلم بكافر، وقالوا: إن هذا يدل على أنه لا يقتل مطلقاً، حتى ولو كان الكافر معاهداً أو ذمياً فإنه لا يقتل المسلم به، وقالوا: إن هذا مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم) أي: أنه لا توارث بين المسلمين والكفار، ولا بين الكفار والمسلمين، وهنا إذا قتل المسلم كافراً فإنه لا يقتل به، هذا هو ما ذهب إليه جمهور أهل العلم، ومن أهل العلم من قال: إنه يقتل بالذمي والمعاهد. وقد أورد أبو داود حديث علي رضي الله عنه أنه قيل له: [ (أعهد إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء لم يعهده إلى الناس؟ فقال: لا، إلا ما في هذه الصحيفة، وأخرج صحيفة من قراب سيفه، وإذا فيها: المؤمنون تتكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، ألا لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده) ]. قوله: [ (ولا ذو عهد في عهده) ] قيل: ليس المقصود من ذلك النهي عن أن يقتل المعاهد في حال عهده؛ لأن هذا من الأمور المعلومة أنه إذا كان عنده أمان وعهد فلا يجوز قتله، وإنما معنى ذلك: أنه لما ذكر أنه لا يقتل مؤمن بكافر قال هذه الجملة لئلا يستهين الناس بقتل المعاهدين، وأن يحافظ على دمائهم، وألا يقتلوا، ويكون المقصود من ذلك دفع من يتوهم أن أمر قتلهم سهل وهين، فجاءت هذه الجملة لتبين المنع من ذلك بهذه المناسبة: [ (لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده) ]. والذمي والمستأمن حكمه حكم المعاهد؛ لأن الذمي أُخذ منه الجزية وبقي تحت الأمان، وكذلك المستأمن الذي أذن له وأعطي الأمان فإنه يبقى آمناً. قوله: [ (من أحدث حدثاً فعلى نفسه) ] أي: أن جنايته على نفسه وليست على غيره، فقد سبق أن مر أنه لا يقتل أحد بجريرة غيره، وأن الجاني جنايته على نفسه فلا يعاقب غيره، قال عز وجل: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164]. قوله: [ (من أحدث حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) ] أي: من فعل أمراً محدثاً في الدين، أو آوى محدثاً في الدين، أو من كان عليه حق وهرب فحماه رجل دون أن يوصله إلى أخذ الحق منه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، وهذا يدل على خطورة هذا العمل. وقوله في أول الحديث: [ (المؤمنون تتكافأ دماؤهم) ] أي: أن المسلم يقتل بالمسلم، وأن دماءهم متكافئة، وأنه لا فرق بين الشريف والوضيع، بل يقتل الشريف إذا قتل الوضيع؛ لأن اسم الإسلام هو الذي يجمع بينهم، ويقتل الرجل بالمرأة، ويقتل الكبير بالصغير، وهكذا. قوله: [ (وهم يد على من سواهم) ] أي: يتعاونون على غيرهم من أعدائهم. قوله: [ (ويسعى بذمتهم أدناهم) ] أي: أنه إذا أجار المسلم أحداً فإنه لا يخفر جواره، بل يعطى الأمان لمن أمنه، ولو كان هو من أدناهم، ولا يقال: إنه لا يكون إلا في حق من كان كبيراً أو كان رجلاً أو ما إلى ذلك، وقد جاء في حديث أم هانئ رضي الله عنها عام الفتح أنها أجارت رجلاً، وأن علياً رضي الله عنه أراد أن يقتله، فجاءت تخبر رسول الله عليه الصلاة والسلام بذلك، فقال عليه الصلاة والسلام: (قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ). تراجم رجال إسناد حديث (... المؤمنون تتكافأ دماؤهم ...) قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ و مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يحيى بن سعيد ]. هو يحيى بن سعيد القطان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ أخبرنا سعيد بن أبي عروبة ]. سعيد بن أبي عروبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة وقد مر ذكره. [ عن الحسن ]. هو الحسن بن أبي الحسن البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قيس بن عباد ]. قيس بن عباد ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ قال: انطلقت أنا و الأشتر إلى علي ]. هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أمير المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [ قال مسدد : عن ابن أبي عروبة : (فأخرج كتاباً) ]. ذكر فروقاً بين مسدد وبين أحمد ، فقال مسدد : عن ابن أبي عروبة [ (فأخرج كتاباً) ] أي: فأخرج علي كتاباً من القراب. [ وقال أحمد : (كتاباً من قراب سيفه) ]. أي: أخرج كتاباً من قراب سيفه. والقراب: هو وعاء من جلد يوضع فيه السيف وغيره. شرح حديث: (المؤمنون تتكافأ دماؤهم) من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبيد الله بن عمر حدثنا هشيم عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذكر نحو حديث علي ، زاد فيه: (ويجير عليهم أقصاهم، ويرد مشدهم على مضعفهم، ومتسريهم على قاعدهم)]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وهو بمعنى حديث علي رضي الله، وفيه زيادة: [ (ويجير عليهم أقصاهم) ] أي: أن من أجار وهو من أدناهم وأقلهم فإنه تعتبر إجارته، وهو من جنس قوله: (ويسعى بذمتهم أدناهم). قوله: [ (ويرد مشدهم على مضعفهم) ]. أي: القوي الذي عنده إبل قوية يساعد من كان عنده إبل ضعيفة ويعينه. قوله: [ (ومتسريهم على قاعدهم) ] المتسرون هم الذين يذهبون في السرايا في الجيش، والسرية فرقة من الجيش تذهب، وما غنموا من الغنائم فهي لهم ولأصل الجيش؛ لأن الجيش هو ردء لهم وهو قوة لهم، فما يحصلونه لا يختصون به، إلا النفل الذي يعطيهم إياه الإمام أو الوالي فإنهم يأخذون ذلك النفل، وأما أصل الغنيمة التي يحصلونها فليست خاصة بهم، بل هي لهم وللجيش الذي كان باقياً في المكان الذي انطلقت منه تلك السرية. تراجم رجال إسناد حديث: (المؤمنون تتكافأ دماؤهم) من طريق أخرى قوله: [ حدثنا عبيد الله بن عمر حدثنا هشيم عن يحيى بن سعيد ]. هو يحيى بن سعيد الأنصاري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن شعيب ]. هو عمرو بن شعيب بن محمد وهو صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة، وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. هو شعيب بن محمد وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وجزء القراءة، وأصحاب السنن. [ عن جده ]. هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي جليل ابن صحابي، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. حكم قتل الرجل من وجده مع أهله شرح حديثي أبي هريرة أن سعد بن عبادة قال: يا رسول الله الرجل يجد مع امرأته رجلاً أيقتله؟ قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب فيمن وجد مع أهله رجلاً أيقتله؟ حدثنا قتيبة بن سعيد و عبد الوهاب بن نجدة الحوطي المعنى واحد قالا: حدثنا عبد العزيز بن محمد عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن سعد بن عبادة رضي الله عنه قال: يا رسول الله! الرجل يجد مع امرأته رجلاً أيقتله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا، قال سعد : بلى، والذي أكرمك بالحق، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: اسمعوا إلى ما يقول سيدكم، قال عبد الوهاب : إلى ما يقول سعد). حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن سعد بن عبادة رضي الله عنه قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أرأيت لو وجدت مع امرأتي رجلاً أمهله حتى آتي بأربعة شهداء؟ قال: نعم) ]. قوله: [ باب فيمن وجد مع امرأته رجلاً أيقتله؟ ]. المقصود من ذلك كما جاء في الحديث أنه لا يقتله؛ لأن القتل إنما يجب بالزنا المحقق، ويكون ذلك بفعل الإمام، وأيضاً ليس كل زان يرجم ويقتل؛ لأن من كان بكراً فإن حده الجلد والتغريب. وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة أن سعد بن عبادة -وهو سيد الخزرج، و سعد بن معاذ سيد الأوس، وهو الذي جرح في الخندق ومات بسبب ذلك الجرح، وأما سعد بن عبادة فقد عاش بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فسعد بن معاذ و سعد بن عبادة هما سيد الأوس والخزرج، وهما القبيلتان المشهورتان من الأنصار رضي الله تعالى عنهم. قوله: (أن سعد بن عبادة قال: الرجل يجد مع امرأته رجلاً أيقتله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، قال سعد : بلى والذي أكرمك بالحق) . يعني: أنه يريد أن يقتله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [ (اسمعوا إلى ما يقول سيدكم) ]. يخاطب الأنصار، فهو سيد الخزرج، وأحد الرواة قال: [ (اسمعوا إلى ما يقول سعد) ] فأحدهما قال: سيدكم، يخاطب الأنصار، والثاني قال: ما يقول سعد. وهذا الذي قاله سعد بن عبادة ليس اعتراضاً على كلام الرسول عليه الصلاة والسلام، وإنما هو رجاء أن يكون في ذلك رخصة، وأن يكون هناك حكم غير هذا الحكم؛ لأن الزمن زمن تشريع، وهذا قاله بسبب شدة الغيرة والحمية على الأهل. قوله: [ (أرأيت لو وجدت مع امرأتي رجلاً أمهله حتى آتي بأربعة شهداء؟ قال: نعم) ] أي: أنه لا يقتله؛ لأن الزنا أمره خطير، ولا يتم ثبوته إلا بالشهداء الأربعة، أو بالاعتراف من الزاني نفسه، وأما مجرد الدعاوى والاتهامات فهذه لا يعول عليها. وقد اختلف العلماء في هذا فمنهم من قال: لو قتله وكان في بيته فإنه لا يقتل به، ولكن الأحاديث واضحة في أنه لا يجوز قتله، وذلك أن القتل قد لا يكون مستحقاً، إما لكونه ما وجد الجماع، أو أنه وجد ولكنه لا يستحل به القتل، بل عقوبته الجلد والتغريب. تراجم رجال إسناد حديثي أبي هريرة أن سعد بن عبادة قال: يا رسول الله الرجل يجد مع امرأته رجلاً أيقتله؟ قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. قتيبة بن سعيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و عبد الوهاب بن نجدة الحوطي ]. عبد الوهاب بن نجدة الحوطي ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا عبد العزيز بن محمد ]. هو عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سهيل ]. هو سهيل بن أبي صالح وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وروايته في صحيح البخاري مقرونة. [ عن أبيه ]. هو أبو صالح ذكوان السمان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأكثر أصحابه حديثاً. وقوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. هو عبد الله بن مسلمة القعنبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة ]. قد مر ذكرهم.
__________________
|
#839
|
||||
|
||||
![]() حكم العامل يصاب على يديه خطأ شرح حديث: (أن النبي بعث أبا جهم مصدقاً فلاجَّه رجل في صدقته فضربه أبو جهم فشجه ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب العامل يصاب على يديه خطأً. حدثنا محمد بن داود بن سفيان حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث أبا جهم بن حذيفة رضي الله عنه مصدقاً، فلاجَّه رجل في صدقته، فضربه أبو جهم فشجه، فأتوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا: القود يا رسول الله! فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لكم كذا وكذا، فلم يرضوا، فقال: لكم كذا وكذا، فلم يرضوا، فقال: لكم كذا وكذا، فرضوا، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إني خاطب العشية على الناس ومخبرهم برضاكم، فقالوا: نعم، فخطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن هؤلاء الليثيين أتوني يريدون القود، فعرضت عليهم كذا وكذا فرضوا، أرضيتم؟ قالوا: لا، فهم المهاجرون بهم، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يكفوا عنهم، فكفوا، ثم دعاهم فزادهم، فقال: أرضيتم، فقالوا: نعم، قال: إني خاطب على الناس ومخبرهم برضاكم، قالوا: نعم، فخطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أرضيتم؟ قالوا: نعم) ]. قوله: [ باب العامل يصاب على يديه خطأ ]. أي: أن العامل يصيب أحداً بيده هل يقتص منه أو لا يقتص منه؟ وقد أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها: أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً يقال له: أبو جهم على الصدقة، فتلاحى وإياه رجل، فضربه بعصا فشج رأسه، فجاء أولئك الذين شج رأس صاحبهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وطلبوا القود الذي هو القصاص، وأن يشج كما شج، فعرض عليهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطيهم مالاً بدل القصاص، فعرض عليهم مالاً فامتنعوا، ثم عرض مالاً فامتنعوا، ثم في المرة الثالثة عرض عليهم مالاً فوافقوا ورضوا، فقال: إني خاطب الليلة ومخبر برضاكم، فقالوا: نعم، فلما خطب الناس وقال: إن هؤلاء الليثيين طلبوا أن يقتص من العامل وإني عرضت عليهم كذا فرضوا، أرضيتم؟ قالوا: لا، فكأنهم يريدون أن يحصلوا شيئاً من الزيادة، فهم أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم بهم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أنهم رضوا، وهم قالوا: ما رضينا، وأنكروا ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر الرسول أصحابه أن يكفوا عنهم وألا يفعلوا بهم شيئاً، ثم إنه أعاد المفاوضة معهم وزادهم حتى رضوا، فقال: إني خاطب بذلك، فقالوا: نعم، فخطب وقالوا: رضينا. ولعل الرسول صلى الله عليه وسلم فعل هذا وأعلن ذلك على رءوس الأشهاد حتى لا تحدثهم أنفسهم بسوء بعد أن يأخذوا المال؛ لأن من الناس من يأخذ المال بدل القود ثم بعد ذلك يكون في نفسه شيء فيعتدي بعد أخذ المال عوضاً عن الجناية التي حصلت له، فلعل هذا هو الوجه الذي جعله يقول ذلك أمام الناس، حتى يعرفوا أن هذا أو انتشر وظهر، وأنه لو حصل منهم شيء فإن الناس يعلمون أنهم أقدموا على شيء هم مخطئون فيه، وأنه لو حصل من أحد منهم شيء فيكون القصاص؛ لأنهم قد أخذوا حقهم فتنازلوا عن القصاص. وهذا يدل على أن من وجب عليه قود وأراد أن يتحول إلى غيره فإنه يؤخذ منه أكثر من الدية المقررة، بخلاف الشيء الثابت الذي لا يحتاج إلى مفاوضة، فإن الدية ثابتة ومقدارها معروف، ولكن إذا كان هناك قصاص سواء كان عن طريق القتل أو عن طريق قطع عضو أو شجة أو ما إلى ذلك، فإنه يعطى أكثر من الدية المقررة؛ لأن هذا بدل عن القتل أو بدل عن العقوبة التي تكون في الجسد. تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي بعث أبا جهم مصدقاً فلاجَّه رجل في صدقته فضربه أبو جهم فشجه ...) قوله: [ حدثنا محمد بن داود بن سفيان ]. محمد بن داود بن سفيان مقبول، أخرج له أبو داود . [ حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري ]. عبد الرزاق و معمر و الزهري مر ذكرهم. [ عن عروة ]. هو عروة بن الزبير بن العوام ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. القود بغير حديد شرح حديث: (أن جارية وجدت قد رض رأسها بين حجرين ....) وترجمة رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب القود بغير حديد. حدثنا محمد بن كثير حدثنا همام عن قتادة عن أنس رضي الله عنه: (أن جارية وجدت قد رض رأسها بين حجرين، فقيل لها: من فعل بك هذا؟ أفلان؟ أفلان؟ حتى سمي اليهودي، فأومت برأسها، فأخذ اليهودي فاعترف، فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يرض رأسه بالحجارة) ]. قوله: [ باب القود بغير الحديد ]، أي: أنه لا يكون بالسيف فقط وإنما يكون به وبغيره، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بأن يرض رأس اليهودي بالحجارة؛ لأنه رض رأس الجارية فيقتص منه بمثل ما قتل به، وقد عرفنا الكلام على هذه المسألة في [ باب يقاد من القاتل ] أي: إذا قتل بحجر أو غيره. قوله: [ حدثنا محمد بن كثير حدثنا همام عن قتادة عن أنس ] . هؤلاء مر ذكرهم جميعاً . القود من الضربة وقص الأمير من نفسه شرح حديث: (بينما رسول الله يقسم قسماً أقبل رجل فأكب عليه فطعنه رسول الله بعرجون كان معه ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب القود من الضربة وقص الأمير من نفسه. حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب عن عمرو -يعني ابن الحارث - عن بكير بن الأشج عن عبيدة بن مسافع عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: (بينما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقسم قسماً أقبل رجل فأكب عليه، فطعنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعرجون كان معه فجرح بوجهه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: تعال فاستقد، فقال: بل عفوت يا رسول الله) ]. قوله: [ باب القود من الضربة وقص الأمير من نفسه ]. أي: كون الأمير يجعل غيره يقتص منه إذا حصل منه شيء على غيره عن طريق الخطأ، هذا هو المقصود بالترجمة، والحديث الذي مر في العامل سبق أن الرسول صلى الله عليه وسلم طلب منهم أن يتنازلوا عن القصاص مقابل المال، لكن لو ألحوا على أن يقتصوا لمكنوا من ذلك؛ لأن من كان له حق القصاص فله أن يقتص، إلا أن يعفو أو يتنازل إلى ما هو دونه كالدية. وقد أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري : (بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم قسماً أقبل رجل فأكب عليه فطعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرجون كان معه) ]. العرجون: هو القنو الذي فيه شماريخ. قوله: [ (فجرح بوجهه، فقال له رسول الله: تعال فاستقد) ] أي: خذ حقك (فقال: بل عفوت يا رسول الله). والحديث في إسناده ضعف، لكن من ناحية ثبوت القصاص فهو ثابت، كما جاء في قصة العامل الذي مر في الحديث السابق. تراجم رجال إسناد حديث: (بينما رسول الله يقسم قسماً أقبل رجل فأكب عليه فطعنه رسول الله بعرجون كان معه ...) قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. أحمد بن صالح مر ذكره . [ حدثنا ابن وهب ]. مر ذكره . [ عن عمرو يعني ابن الحارث ]. هو عمرو بن الحارث المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بكير بن الأشج ]. هو بكير بن الأشج المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيدة بن مسافع ]. عبيدة بن مسافع مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن أبي سعيد الخدري ]. أبو سعيد الخدري رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (خطبنا عمر فقال: إني لم أبعث عمالي ليضربوا أبشاركم ولا ليأخذوا أموالكم... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو صالح أخبرنا أبو إسحاق الفزاري عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي فراس قال: (خطبنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: إني لم أبعث عمالي ليضربوا أبشاركم، ولا ليأخذوا أموالكم، فمن فعل به ذلك فليرفعه إلي أقصه منه، قال عمرو بن العاص رضي الله عنه: لو أن رجلاً أدب بعض رعيته أتقصه منه؟ قال: إي والذي نفسي بيده أقصه؛ وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أقص من نفسه) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه خطب فقال: [ (إني لم أبعث عمالي ليضربوا أبشاركم)]. أي: جلودكم. قوله: [ (ولا ليأخذوا أموالكم)] أي: إنما بعثتهم ليقوموا بالواجب فيكم من إقامة أمر الله والعدل فيكم. قوله: [ (فمن فعل به ذلك فليرفعه إلي أقصه منه) ]. أي: فمن فعل به شيء من ذلك بأن أخذ منه مال أو ضرب بغير حق، فليرفعه إلي أقصه من العامل الذي فعل به ذلك. قوله: [ (فقال عمرو بن العاص : لو أن رجلاً أدب بعض رعيته أتقصه منه؟) ]. يعني: لو أن أميراً من الأمراء أو والياً من الولاة على منطقة معينة أدب بعض رعيته أتقصه منه؟ قال عمر رضي الله عنه: [ (إي والذي نفسي بيده أقصه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أقص من نفسه) ] وهذا الحديث في إسناده أبو فراس النهدي وهو مقبول، ولكنه مثل الحديث الذي مر فيما يتعلق بالعامل الذي شج رجلاً وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أعطاهم من المال حتى رضوا في مقابل شجته، فهذا وإن كان في إسناده ضعف إلا أنه صحيح من حيث المعنى، وفيه تحقيق العدل ومنع العمال من أن يقدموا على شيء لا يجوز لهم الإقدام عليه، أما إذا عاقبوا أحداً بعقوبة يستحقها فإن هذا حق لا يؤاخذون عليه. تراجم رجال إسناد حديث: (خطبنا عمر فقال: إني لم أبعث عمالي ليضربوا أبشاركم ولا ليأخذوا أموالكم... ) قوله: [ حدثنا أبو صالح ]. هو أبو صالح محبوب بن موسى ، وهو صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [ أخبرنا أبو إسحاق الفزاري ]. هو إبراهيم بن محمد بن الحارث، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الجريري ]. هو سعيد بن إياس الجريري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي نضرة ]. هو المنذر بن مالك بن قطعة ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي فراس ]. هو أبو فراس النهدي وهو مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي . [ قال: خطبنا عمر بن الخطاب ]. عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. عفو النساء عن الدم شرح حديث: (على المقتتلين أن ينحجزوا الأول فالأول وإن كانت امرأة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب عفو النساء عن الدم. حدثنا داود بن رشيد حدثنا الوليد عن الأوزاعي أنه سمع حصناً أنه سمع أبا سلمة يخبر عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (على المقتتلين أن ينحجزوا الأول فالأول، وإن كانت امرأة) . قال أبو داود : بلغني أن عفو النساء في القتل جائز إذا كانت إحدى الأولياء، وبلغني عن أبي عبيد في قوله: (ينحجزوا) يكفوا عن القود ]. قوله: [ باب عفو النساء عن الدم ] أي: هل يعتبر أو أنه لا يعتبر إلا عفو الرجال؟ ويدخل في النساء الزوجات، والمقصود من هذا أن أصحاب المطالبة بالقود هم الورثة، سواء كانوا رجالاً أو نساء، وأنه إذا تنازل واحد منهم فإنه يسقط القود، ولا يكون القود إلا باتفاق الورثة أولياء الدم، فإذا عفا واحد منهم سواء كان رجلاً أو امرأة، فإنه لا يقع القصاص وإنما يتحول إلى الدية، ولكن كما هو معلوم ليس بلازم أن تكون الدية المقدرة، بل لهم أن يطالبوا بشيء أكثر من الدية. فالحاصل: أن هذه الترجمة تتعلق بالعفو للنساء، وهو معتبر، وكل وارث فإن عفوه معتبر. وقد أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (على المقتتلين أن ينحجزوا) ] أي: يكفوا عن القود. قوله: [ (الأول فالأول) ] أي: واحداً تلو الآخر، فلو حصل أن واحداً منهم لم يطالب بالقود بل عفا أو أراد أن يأخذ الدية، فإنه يسقط القصاص في هذه الحال. وقوله: [ (على المقتتلين) ] المقصود بذلك أصحاب الحق في القتل، الذين إذا اتفقوا على القتل قتل القاتل وإذا لم يتفقوا فإنه لا يقتل، وذلك بمخالفة واحد منهم ولو كان المخالف امرأة. قوله: [ (وإن كانت امرأة) ]. أي: إذا امتنعت أو عفت أو أرادت التحول إلى الدية فإن ذلك معتبر حتى ولو كانت زوجة، وإن كانت الزوجات قد تختلف أحوالهن عن القبائل إذا كانت من قبيلة أخرى؛ لأنها قد لا تبالي بما يحصل من حمية القبيلة، ولهذا يقول الشاعر: وما برئت من ريبة وذم في حربنا إلا بنات العم لأن بنت العم هي من القبيلة، فطريقها طريق القبيلة ولا تخالف، أما إذا كانت من قبيلة أخرى فإنها قد تفشي الأسرار من قبيلة زوجها إلى قبيلتها. إذاً: لو أن امرأة عفت أو أي إنسان من الورثة فإنه لا يقاد الجاني. والأولياء هم الورثة الذين تقسم عليهم الدية وغيرها، وهم الذين يطالبون بالقصاص. تراجم رجال إسناد حديث: (على المقتتلين أن ينحجزوا الأول فالأول وإن كانت امرأة) قوله: [ حدثنا داود بن رشيد ]. داود بن رشيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا الوليد ]. هو الوليد بن مسلم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأوزاعي ]. هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ أنه سمع حصناً ]. هو حصن بن عبد الرحمن وهو مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي . [ أنه سمع أبا سلمة يخبر عن عائشة ]. أبو سلمة بن عبد الرحمن وعائشة قد مر ذكرهما . [ قال أبو داود : بلغني أن عفو النساء في القتل جائز إذا كانت إحدى الأولياء. وبلغني عن أبي عبيد في قوله: (ينحجزوا): يكفوا عن القود ]. يعني: أن عفو المرأة جائز إذا كانت من الأولياء. والأولياء يراد بها ولاية النسب، ويراد بها الولاية العامة التي تدخل فيها الزوجة. وأبو عبيد هو القاسم بن سلام وهو من أئمة اللغة، قال في قوله: (ينحجزوا): يكفوا عن القود. و أبو عبيد القاسم بن سلام ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً وفي جزء القراءة، و أبو داود . من قتل في عميا بين قوم شرح حديث: (من قتل في عميا في رميا يكون بينهم بحجارة أو بالسياط أو ضرب بعصاً فهو خطأ...) مرسلاً ومتصلاً قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من قتل في عميا بين قوم. حدثنا محمد بن عبيد حدثنا حماد ح وحدثنا ابن السرح حدثنا سفيان وهذا حديثه عن عمرو عن طاوس قال: من قتل، وقال ابن عبيد : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من قتل في عميا في رميا يكون بينهم بحجارة أو بالسياط أو ضرب بعصاً فهو خطأ، وعقله عقل الخطأ، ومن قتل عمداً فهو قود، قال ابن عبيد : قود يد، ثم اتفقا: ومن حال دونه فعليه لعنة الله وغضبه، لا يقبل منه صرف ولا عدل) وحديث سفيان أتم. حدثنا محمد بن أبي غالب حدثنا سعيد بن سليمان عن سليمان بن كثير حدثنا عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .. فذكر معنى حديث سفيان ]. يقول المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من قتل في عميا بين قوم ]. أي: على من يكون عقله وديته؟ والمقصود بالعميا: أن يكون هناك تضارب أو تقاتل أو تخاصم بين أناس، فيضرب بعضهم بعضاً فيموت واحد منهم بينهم، فيعمى أمره ولا يدرى من الذي قتله، ولهذا قيل لها عميا؛ لأنه قد عمي أمره. وعميا: من العمى وهو الخفاء وعدم معرفة الشخص الذي تولى القتل وباشر القتل حتى يُطَالبُ بالدية، وحتى يتعين عليه الحق لأولياء المجني عليه، فهذا هو المقصود به، وهو مأخوذ من عمي أمره وخفي ولم يعرف من قتله، ولكنه عرف أن القتل كان في هذه المجموعة، وأنه ليس خارجاً عن هذه المجموعة. وقد أورد أبو داود حديث ابن عباس فذكره أولاً مرسلاً ثم ذكره متصلاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (من قتل في عميا في رميا يكون بينهم بحجارة أو بالسياط أو ضرب بعصاً) ]. يعني: أن يرمي بعضهم بعضاً بالحجارة أو بالسياط أو بالخشب أو ما إلى ذلك، فمات بينهم شخص ولم يعرف من قتله، فمن العلماء من قال: إنه يكون على عاقلة المقابلين، أي: إذا كان التخاصم بين مجموعتين والقتيل وجد في مجموعة، فإن المجموعة الثانية التي لم يقتل منها أحد هي التي تكون الدية عليها؛ لأنه لم يعلم القاتل، ولكن إذا علم أو حصل قسامة على شخص بعينه فعند ذلك يكون الحلف وهو القسامة، وأما إذا لم يتهم شخص معين ولم يحلف عليه؛ فإنه يكون أمره مشتبهاً، فتكون الدية على عاقلة الجماعة التي لم يقتل منها القتيل فيدفعونها إلى أولياء ذلك القتيل. ومن العلماء من قال: إن الدية تكون على العاقلة من الجهتين؛ لأنه قد يكون قتله أصحابه خطأً، كما حصل لليمان والد حذيفة ، فإنه قتل في غزوة أحد والذين قتلوه هم أصحابه خطأً، فهو لم يقتل من المشركين وإنما قتله المسلمون خطأً، فقد يكون التقابل بين جهتين، ولا يلزم أن يكون القتل من الجهة المقابلة، ولكنه في الغالب يكون منها؛ لأنهم هم الذين يقابلون بالضرب ويحاولون التمكن والإصابة للجهة المقابلة، فالغالب أنه يكون منهم، ولكن قد يكون القتل من أصحابه كما حصل لليمان والد حذيفة رضي الله تعالى عنهما الذي استشهد يوم أحد. قوله: [ (فهو خطأ) ] أي: ليس بعمد؛ لأنه لم يعرف الشخص الذي قتله، فقد يكون من الجهة المخالفة وقد يكون حصل خطأً من قومه، ولكنه إذا حصلت التهمة على شخص واحد وحصلت القسامة فإنه يدفع ذلك الشخص المتهم للحالفين الذين هم أولياء القتيل، أما إذا لم يعلم فإنه يكون خطأً وتتحمل ديته الجهة المقابلة للجماعة الذين فيهم الشخص القتيل. قوله: [ (وعقله عقل الخطأ) ]. أي: ديته دية خطأ. قوله: [ (ومن قتل عمداً فهو قود) ]. أي: إذا حصل أنه قتل عمداً وعرف قاتله؛ فإنه يقاد من القاتل، إلا أن يعفو أولياء القتيل عفواً نهائياً ليس معه دية، أو يتحولوا إلى أخذ الدية. قوله: [ (ومن حال دونه فعليه لعنة الله وغضبه) ]. أي: من حال دون هذا القاتل أن يقتص منه فعليه لعنة الله وغضبه، ويدخل في جملة من آوى محدثاً، بأن يكون الشخص مستحقاً للقتل ثم يحمى من القتل ويحال بينه وبين القتل، فعليه لعنة الله وغضبه؛ لأنه حال بين ذلك الجاني المستحق للقتل قصاصاً وبين أولياء القتيل، أو أخفاه ولم يظهره ولم يمكن من قتله قصاصاً. قوله: [ (لا يقبل منه صرف ولا عدل) ]. قيل: المقصود بالصرف الفريضة، والعدل النافلة. وقيل: إن المقصود بالصرف التوبة، والعدل الفدية. تراجم رجال إسناد حديث: (من قتل في عميا في رميا يكون بينهم بحجارة أو بالسياط أو ضرب بعصاً فهو خطأ...) مرسلاً ومتصلاً قوله: [ حدثنا محمد بن عبيد ]. هو محمد بن عبيد بن حساب، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن زيد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا ابن السرح ]. هو أحمد بن عمرو بن السرح وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا سفيان ]. هو سفيان بن عيينة المكي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وهذا حديثه عن عمرو ]. هو عمرو بن دينار المكي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن طاوس ]. هو طاوس بن كيسان وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: من قتل وقال: ابن عبيد : قال رسول الله ]. يعني: هذا الذي من طريق سفيان قال: من قتل، ولم يذكر رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما ذكره من قول طاوس ، ولكن الذي جاء في آخره: [ (وعليه لعنة الله وغضبه) ] هذا لا يقوله أحد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يكون من قول صحابي له حكم الرفع، وإلا فإنه منقطع، ولكن الحديث جاء من طريق أخرى وفيها تعيين الصحابي ورفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو عن طاوس عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون هذا الذي جاء مرسلاً جاء متصلاً كما في الطريق الأخيرة التي أوردها أبو داود بعد ذكر الحديث بإسناده ومتنه. [ حدثنا محمد بن أبي غالب ]. محمد بن أبي غالب ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود . [ حدثنا سعيد بن سليمان ]. سعيد بن سليمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سليمان بن كثير ]. سليمان بن كثير لا بأس به، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس ]. يعني: عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم."
__________________
|
#840
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [509] الحلقة (539) شرح سنن أبي داود [509] جعلت الشريعة الدية عقوبة أصلية للقتل والجرح في شبه العمد والخطأ، وقد جاءت الأحاديث النبوية والآثار عن الصحابة ببيان مقدار الديات على القتل سواء كان قتلاً خطأ أو شبه عمد أو عمد، وقد قدرت الدية في هذه الأصناف بالإبل على اختلاف أسنانها حسب نوع القتل الذي وقع، فإن لم توجد الإبل صير إلى ما يعادلها من بهيمة الأنعام أو النقد. مقدار الدية شرح حديث (أن رسول الله قضى أن من قتل خطأ فديته مائة من الإبل...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: الدية كم هي؟ حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا محمد بن راشد ح وحدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء حدثنا أبي حدثنا محمد بن راشد عن سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضى أن من قتل خطأ فديته مائة من الإبل: ثلاثون بنت مخاض، وثلاثون بنت لبون، وثلاثون حقة، وعشرة بني لبون ذكر) ]. قوله: [ باب: الدية كم هي؟ ] أي: ما مقدارها؟ والمقصود بذلك دية النفس؛ لأنه سيذكر بعد ذلك: (باب دية الأعضاء)، وهذا يتعلق بدية النفس، والأحاديث الصحيحة جاءت بأنها مائة، ولكن جاءت مختلفة في بيان مقادير تلك المائة وتوزيعها على الأسنان. ولهذا اختلف العلماء في بيان تلك المقادير تبعاً لما جاء في تلك الأحاديث، وما جاء عن الصحابة في ذلك، وقد مر في القسامة أن الرسول صلى الله عليه وسلم ودى عبد الله بن سهل بمائة من الإبل من عنده صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فكونها مائة هذا لا خلاف فيه، إذ ليس هناك أحد يقول: إنها ثمانون أو تسعون أو مائة وعشرة أو مائة وعشرون، ولكن اختلفوا في أسنان هذه المائة من مخاض ولبون وجذعة وحقة. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بدية الخطأ مائة من الإبل)، ثم ذكر توزيع هذه المائة فقال: ثلاثون بنت مخاض، وثلاثون بنت لبون، وثلاثون حقة وعشرة بني لبون). معنى ذلك: أن الأسنان الثلاثة الأولى التي هي المخاض واللبون والحقة يكون منها تسعون، من كل صنف ثلاثون، وتكمل المائة بعشرة من بني لبون، وبنت مخاض هي التي أكملت سنة ودخلت في الثانية، وبنت لبون أو ابن لبون هي التي أكملت سنتين ودخلت في الثالثة، والحقة هي التي أكملت ثلاث سنوات ودخلت في الرابعة، فثلاثون من بنات مخاض، وثلاثون من بنات لبون، وثلاثون حقة، ويقال: لها بنت مخاض؛ لأن أمها بعد ولادتها صارت حاملاً، وأما بنت لبون فلأن أمها صارت ذات لبن بكونها ولدت، وأما حقة فهي التي استحقت أن يحمل عليها وأن تستخدم وأن يركب عليها وأن يطرقها الجمل؛ لأنها وصلت إلى ذلك السن الذي استحقت به ذلك، وكونها أكملت الثالثة ودخلت في الرابعة، وعشرة ذكور من بني لبون وهو السن الثاني بعد بنت المخاض. تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله قضى أن من قتل خطأ فديته مائة من الإبل ...) قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ]. هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا محمد بن راشد ]. محمد بن راشد صدوق يهم، أخرج له أصحاب السنن. [ ح وحدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء ]. هارون بن زيد بن أبي الزرقاء صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثني أبي ] أبوه ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا محمد بن راشد عن سليمان بن موسى ]. سليمان بن موسى صدوق في حديثه بعض لين، أخرج له مسلم في المقدمة وأصحاب السنن. [ عن عمرو بن شعيب ]. عمرو بن شعيب صدوق، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. هو شعيب بن محمد ، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وجزء القراءة وأصحاب السنن. [ عن جده ]. هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، وهو صحابي ابن صحابي، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة الذين هم: عبد الله بن عمرو و عبد الله بن عمر و عبد الله بن الزبير و عبد الله بن عباس ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. يقول الخطابي : إنه ما وجد أحداً من الفقهاء يقول بهذا التقسيم الذي جاء في هذا الحديث، ولعله لم يصح عند أحد منهم؛ وذلك لأن فيه بعض هؤلاء المتكلم فيهم مثل: صدوق يهم، وصدوق في حديثه بعض لين. شرح حديث (كانت قيمة الدية على عهد رسول الله ثمانمائة دينار أو ثمانية آلاف درهم...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يحيى بن حكيم حدثنا عبد الرحمن بن عثمان حدثنا حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: (كانت قيمة الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثمانمائة دينار أو ثمانية آلاف درهم، ودية أهل الكتاب يومئذ النصف من دية المسلمين، قال: فكان ذلك كذلك حتى استخلف عمر رضي الله عنه فقام خطيباً فقال: ألا إن الإبل قد غلت، قال: ففرضها عمر على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق اثني عشر ألفاً، وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أهل الشاء ألفي شاة، وعلى أهل الحلل مائتي حلة، قال: وترك دية أهل الذمة لم يرفعها فيما رفع من الدية) ]. أورد أبو داود حديث ابن عمرو قال: (كانت قيمة الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانمائة دينار أو ثمانية آلاف درهم). أي: أن الإبل كانت هي الأصل، وكانت قيمتها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثمانمائة دينار من الذهب وثمانية آلاف من الدراهم. قوله: [ (ودية أهل الكتاب يومئذ النصف من دية المسلمين) ]. يعني: ودية أهل الكتاب على النصف من دية المسلمين. قوله: [ (فلما استخلف عمر قام خطيباً فقال: ألا إن الإبل قد غلت) ]. يعني: عندما صار عمر رضي الله عنه خليفة خطب الناس وقال: إن الإبل قد غلت وهي التي يرجع إليها في التقدير؛ لأنها مائة من الإبل، فلما زادت أسعارها زادها عن ثمانمائة دينار وثمانية آلاف درهم إلى ألف دينار وإلى اثني عشر ألف درهم. قوله: [ (قال ففرضها عمر على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق اثني عشر ألفاً، وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أهل الشاء ألفي شاة، وعلى أهل الحلل مائتي حلة) ]. والحلة هي الثياب المكونة من إزار ورداء، وقيل: الحلل هي برود من اليمن، ولكن المشهور أن الحلة هي إزار ورداء، أي: مكون من قطعتين وليس من قطعة واحدة. قوله: [ (قال: وترك دية أهل الذمة لم يرفعها فيما رفع من الدية) ]. يعني: رجعت وصارت في النهاية تعادل الثلث؛ لأنها كانت أربعة آلاف من ثمانية آلاف فصارت أربعة آلاف من اثني عشر ألفاً فصارت الثلث. تراجم رجال إسناد حديث (كانت قيمة الدية على عهد رسول الله ثمانمائة دينار أو ثمانية آلاف درهم...) قوله: [ حدثنا يحيى بن حكيم ]. يحيى بن حكيم ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا عبد الرحمن بن عثمان ]. عبد الرحمن بن عثمان ضعيف، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ حدثنا حسين المعلم ]. هو حسين بن ذكوان المعلم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ]. عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مر ذكرهم جميعاً. والحديث ضعفه الشيخ الألباني . شرح حديثي جابر وعطاء (أن رسول الله قضى في الدية على أهل الإبل مائة من الإبل ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا محمد بن إسحاق عن عطاء بن أبي رباح : (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضى في الدية على أهل الإبل مائة من الإبل، وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أهل الشاء ألفي شاة، وعلى أهل الحلل مائتي حلة، وعلى أهل القمح شيئاً لم يحفظه محمد) قال أبو داود : قرأت على سعيد بن يعقوب الطالقاني حدثنا أبو تميلة حدثنا محمد بن إسحاق قال: ذكر عطاء عن جابر بن عبد الله قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكر مثل حديث موسى وقال: وعلى أهل الطعام شيئاً لا أحفظه) ]. ذكر بعد ذلك حديثاً مرسلاً عن عطاء وحديثاً عن جابر وفيه انقطاع، يعني: الأول مرسل لم يذكر فيه من فوق عطاء بن أبي رباح ، وأما الثاني ففيه الانقطاع بين محمد بن إسحاق وبين عطاء ، وهذا الحديث الثاني مثل الذي قبله إلا أنه مضاف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في الدية على أهل الإبل مائة من الإبل، وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أهل الشاء ألفي شاة، وعلى أهل الحلل مائتي حلة، وعلى أهل القمح شيئاً لم يحفظه محمد). هذا مطابق لما جاء في حديث عمر الذي تقدم، وكل منهما غير ثابت. تراجم رجال إسناد حديثي جابر وعطاء (أن رسول الله قضى في الدية على أهل الإبل مائة من الإبل ...) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ أخبرنا محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عطاء بن أبي رباح ]. عطاء بن أبي رباح ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو داود : قرأت على سعيد بن يعقوب الطالقاني ]. سعيد بن يعقوب الطالقاني ثقة، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا أبو تميلة ]. هو يحيى بن واضح ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا محمد بن إسحاق قال: ذكر عطاء عن جابر بن عبد الله ]. محمد بن إسحاق و عطاء و جابر بن عبد الله مر ذكرهم. قوله: [ قال: ذكر عطاء ] فيه تدليس لأن ابن إسحاق مدلس. [ عن جابر بن عبد الله ]. وهذا يكون مرفوعاً. شرح حديث (في دية الخطأ عشرون حقة...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد حدثنا الحجاج عن زيد بن جبير عن خشف بن مالك الطائي عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (في دية الخطأ عشرون حقة، وعشرون جذعة، وعشرون بنت مخاض، وعشرون بنت لبون، وعشرون بني مخاض ذكر) وهو قول عبد الله . ] أورد أبو داود هذا الحديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ (في دية الخطأ عشرون حقة، وعشرون جذعة، وعشرون بنت لبون، وعشرون بنت مخاض، وعشرون بني مخاض ذكر) ] يعني: أنها أخماس، كل خمس منها عشرون، ويكون الزائد بعد هذه الأصناف الأربعة عشرين من بني مخاض الذي هو الحد الأدنى. وذكر الحافظ في بلوغ المرام هذه الرواية التي عند أبي داود وذكر الرواية الأخرى التي عند الدارقطني وفيها: (عشرون بني لبون) بدل عشرين بني مخاض قال: وإسناد الأول أقوى، الذي فيه ذكر بني لبون بدل بني مخاض التي هي عند أبي داود . تراجم رجال إسناد حديث (في دية الخطأ عشرون حقة...) قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا عبد الواحد ]. هو عبد الواحد بن زياد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الحجاج ]. هو الحجاج بن أرطأة، وهو صدوق كثير الخطأ والتدليس، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن زيد بن جبير ]. زيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن خشف بن مالك الطائي ]. خشف بن مالك الطائي وثقه النسائي ، وأخرج له أصحاب السنن. [ عن عبد الله بن مسعود ]. عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. والحديث ضعفه الألباني ، ولكن الحافظ في البلوغ ذكره من طريقين هذه الطريق والطريق الثانية، وقال: إن تلك إسنادها أقوى، و ابن القيم قوى حديث ابن مسعود في حاشية السنن. شرح حديث (أن رجلاً من بني عدي قتل فجعل النبي ديته اثني عشر ألفاً) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا زيد بن الحباب عن محمد بن مسلم عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس: (أن رجلاً من بني عدي قتل، فجعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ديته اثني عشر ألفاً) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس : (أن رجلاً من بني عدي قتل، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ديته اثني عشر ألفاً). يعني: جعل ديته اثني عشر ألفاً من الدراهم. تراجم رجال إسناد حديث (أن رجلاً من بني عدي قتل فجعل النبي ديته اثني عشر الفاً) قوله: [ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري ]. محمد بن سليمان الأنباري صدوق، أخرج له أبو داود . [ حدثنا زيد بن حباب ]. زيد بن حباب صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن محمد بن مسلم ]. هو محمد بن مسلم الطائفي، وهو صدوق يخطئ من حفظه، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عمرو بن دينار عن عكرمة ]. عمرو بن دينار مر ذكره و عكرمة هو مولى ابن عباس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ قال أبو داود رواه ابن عيينة عن عمرو عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر ابن عباس ]. يعني: أنه مرسل. [ رواه ابن عيينة عن عمرو ]. سفيان بن عيينة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وعمرو هو ابن دينار . وقد اختلف العلماء في هذه التقادير، فمنهم من قال بهذا التقدير الذي ذكره أبو داود هنا عن عبد الله بن مسعود ، والذي فيه ذكر الخمس الخامس أنه بنو مخاض، ومنهم من جعله أثلاثاً: ثلاثين وثلاثين وأربعين، وكلها لا تخلو من مقال، ولكن بعضهم صحح بعضها وأخذ به، ولم يصحح غيرها فلم يأخذ به. وحديث ابن عباس ضعفه الألباني وقال: إنه مرسل. ما جاء في دية الخطأ شبه العمد شرح حديث (... ألا إن دية الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل منها أربعون في بطونها أولادها) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في دية الخطأ شبه العمد. حدثنا سليمان بن حرب و مسدد المعنى قالا: حدثنا حماد عن خالد عن القاسم بن ربيعة عن عقبة بن أوس عن عبد الله بن عمرو : (أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال مسدد : خطب يوم الفتح بمكة فكبر ثلاثاً ثم قال: لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده) إلى هاهنا حفظته عن مسدد ثم اتفقا (ألا إن كل مأثرة كانت في الجاهلية تذكر وتدعى من دم أو مال تحت قدمي، إلا ما كان من سقاية الحاج وسدانة البيت، ثم قال: ألا إن دية الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل، منها أربعون في بطونها أولادها) وحديث مسدد أتم ]. قوله: [ باب: فيه دية الخطأ شبه العمد ] القتل له أحوال ثلاث وهي: العمد، والخطأ، وشبه العمد. والعمد: هو أن يقصد الإنسان قتل غيره بوسيلة تقتل أو بأداة تقتل كالسكين أو كالبندقية أو السيف أو ما إلى ذلك مما له حد. وشبه العمد: هو الذي يقتله بآلة لا تقتل غالباً، ولكنه تعمد ضربه بها وحصل بها القتل، ولا يحصل به القصاص، وإنما يكون فيه الدية، ولكنها دية مغلظة. والخطأ: هو أن الإنسان ما أراد قتله وإنما رمى مثلاً غزالاً أو رمى طيراً فأخطأ وقتل إنساناً. إذاً: العمد وشبه العمد مقصود إلا أن ذاك بآلة تقتل وهذا بآلة لا تقتل، ولكنه حصل بها القتل فصار شبه عمد، وأما الخطأ فهو لم يرد القتل أبداً، وإنما أراد أن يصيد شيئاً فأخطأ ذلك الذي أراده وأصاب إنساناً ومات. أورد أبو داود تحت هذه الترجمة حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوم الفتح بمكة فكبر ثلاثاً). يعني: خطب فقال: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر ثلاثاً. قوله: [ (ثم قال: لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده) ]. يعني: قاله في مكة وقد حصل ذلك النصر المبين لرسوله صلى الله عليه وسلم وهزم أعداءه ونصره عليهم، وفتح الله عليه مكة فخطب هذه الخطبة التي فيها هذا التكبير وهذا الثناء على الله عز وجل. قوله: [ (ألا إن كل مأثرة كانت في الجاهلية تذكر وتدعى من دم أو مال تحت قدمي إلا ما كان من سقاية الحاج وسدانة البيت) ]. يعني: أن ما حصل من أمور بين الناس في الجاهلية ثم أسلموا فإنها مهدرة ومطرحة، وكذلك المأثرة التي لها مكانة أو لها منزلة أو ذات شأن وتدعى فإنها ملغاة ومتروكة، إلا ما كان من السقاية والحجابة، فإن السقاية كانت في بني هاشم والحجابة كانت في بني عبد الدار، فالرسول صلى الله عليه وسلم أقر هاتين المأثرتين في هاتين الجهتين، فالحجابة كانت في الجاهلية في بني عبد الدار بقيت فيهم في الإسلام، والسقاية كانت في بني هاشم في الجاهلية فبقيت فيهم في الإسلام، وكانت في العباس وبني العباس . يعني: السقاية والحجابة أقرت مما كان في الجاهلية، وما سوى ذلك لا يعول عليه. والحجابة هي السدانة، يعني: كونهم سدنة البيت ومعهم المفتاح وهم الذين يحافظون عليه ومسئولون عنه. قوله: [ (ثم قال: ألا إن دية الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل) ]. وهذا فيه بيان أن شبه العمد ما يكون بالسوط والعصا وهي لا تقتل غالباً، لكن قد يكون هناك شيء يقتل كما لو كانت خشبة كبيرة فإن هذه تقتل في الغالب، ولكن العصا والسوط لا تقتل في الغالب، فإذا حصل بها قتل فإنه يكون شبه عمد، وتكون الدية مغلظة؛ لأن الضرب والسبب حصل بإرادة وقصد، ولم يكن القتل مقصوداً، ولكنه أدى إلى القتل فتكون فيه الدية مغلظة؛ حتى لا يقدم الناس على فعل شيء يتعمدونه يؤدي إلى القتل. قوله: [ (منها أربعون في بطونها أولادها) ] يعني: منها أربعون حوامل، بخلاف دية الخطأ التي سبق أن مرت، فإنه ليس فيها هذه الزيادة وليس فيها هذا التغليظ، من أنها أربعون حوامل، فتلد ويكون من الأربعين أربعون، ثم لم يذكر بعد ذلك الشيء تفصيل ما هو زائد على الأربعين.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |