من أعظم الحقوق بعد حق الله -تعالى - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4955 - عددالزوار : 2058432 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4531 - عددالزوار : 1326917 )           »          How can we prepare for the arrival of Ramadaan? (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          الأسباب المعينـــــــة على قيام الليل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          حكم بيع جوزة الطيب واستعمالها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          تريد لبس الحجاب وأهلها يرفضون فهل تطيعهم ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          ما هي سنن الصوم ؟ . (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          هل دعا الرسول صلى الله عليه وسلم للمسلمين الذين لم يروه ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          حكم قول بحق جاه النبي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          ليلة النصف من شعبان ..... الواجب والممنوع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30-09-2023, 03:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,610
الدولة : Egypt
افتراضي من أعظم الحقوق بعد حق الله -تعالى

من أعظم الحقوق بعد حق الله -تعالى

-(1) بر الوالدين منهج الأنبياء ودأب الصالحين


إنَّ أعظم الحقوق على الإطلاق هو حق الله -تبارك وتعالى-، في عبادته وتوحيده وطاعته، فلا إله إلا هو -سبحانه- ولا رب سواه، وبعد هذا الحق العظيم وهذه الغاية التي من أجلها خلق الله -تبارك وتعالى- الإنس والجن؛ حيث قال: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}، قرن الله -تبارك وتعالى- هذه القيمة العظيمة بقيمة عظيمة أخرى تتعلق بالوالدين، فحق الوالدين يأتي بعد حق الله -تبارك وتعالى.
حق الله -تعالى- وحق الوالدين
فإذا كان لله -تبارك وتعالى- نعمة الخلق والإيجاد، فللوالدين نعمة التربية والإيلاد؛ فلذلك أوصى الله -تبارك وتعالى- بهذا الحق في كتابه كثيرا، بل قرن الله -عز وجل- حق الوالدين بحقه، وما ذاك إلا لعظيم حقهما وكريم فضلهما، قال الله -عز وجل- في محكم التنزيل: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}، وقال في موضع آخر: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}، وقال في موضع ثالث: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}.
ثلاث بثلاث
ولذلك قال بعض السلف: ثلاث آيات مقرونات بثلاث وذكروا منها: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}، فكما أمر الله -تبارك وتعالى- الإنسان بشكره على إنعامه عليه بخلقه ورزقه وتدبيره، أمره الله -تبارك وتعالى- بشكر والديه، وذلك لإنعامهما على ذلك الولد، وإحسانهما له، فالوالدان هما سبب الوجود، واعتنيا بك منذ استقرارك في رحم أمك إلى أن وُلدت وترعرعت، وتحملَت أمك آلام الحمل والولادة والرضاعة والتربية والتنشئة إلى أن أصبحتَ طفلا ثم صبيا ثم شابا ثم رجلا جلدا تتحمل المسؤوليات، فمن الذي أسدى إليك كل هذا المعروف؟ إنهما الوالدان؛ ولذلك أحق الناس بالبر والإحسان هما الوالدان.
معروف لا تستطيع مكافأته
ولا شك أن هذه النعم وهذا المعروف الذي أسدوه إليك لا يمكن لأحد أن يكافئهما أو أن يجازيهما، كما قال النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -: «لا يجزي ولد والدا إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه»، ولذلك لما أتى رجل لعمر فقال: أمي عجوز كبيرة، أنا مطيتها، أجعلها على ظهري وأنحي عليها بيدي، وألي منها مثل ما كانت تلي مني - أي أرعاها مثل ما كانت ترعاني- أوأديت شكرها؟ فقال له عمر: لا، قال: ولِمَ يا أمير المؤمنين، قال - صلى الله عليه وسلم -: إنك تفعل ذلك بها وأنت تدعو الله أن يميتها، وكانت تفعل ذلك بك وهي تدعو الله أن يطيل عمرك، هذا هو الفرق بين الأم وبين الولد، ولقي كذلك ابن عمر رجلا في المطاف يحمل أمه على ظهره يطوف بها فقال: يا ابن عمر، أتراني جزيتها؟ قال: لا، ولا بزفرة واحدة.
لماذا حق الوالدين عظيم؟
وهنا يأتي التساؤل لماذا حق الوالدين عظيم؟ لِما ذكرنا أنهما تحملا شديد المعاناة، وضحيا في سبيل إسعاد أبنائهما، فكم تعبا وبذلا وقدما، ولاسيما الأم الحنون، تلك المربية المشفقة، قالب الحنان والعطاء المتدفق بفيض الرحمة والإحسان، عطفها ملء قلبها، حملتك بين أحشائها تسعة أشهر، ويعلم الله ما تعانيه من آلام وثقل الحمل، فضلا عن آلام الطلق والوضع، ومتاعب المخاض كما قال الله -تعالى- {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا}، تقاسي هذه الأم من الأسقام والآلام ما الله به عليم، بل إنها لتشاهد الموت وهي تعالج آلام الطلق والإنجاب، ثم متاعب الرضاعة حولين كاملين، ثم هي بعد ذلك تجوع لتشبع أنت، وتسهر لتنام أنت، وكم تجرعت الآلام لتحقق أحلامك، وتترك كثيرا مما تشتهيه خشية ضرر يصيبك أو يعتريك، رحيمة بك، شفيقة عليك، بل إنها تتمنى أن تموت لتحيا أنت! فقد كان بطنها لك وعاء، وحجرها لك حواء، وثديها لك سقاء، وتود أن تقبل المنية دونك فداء، وتستمر معها المتاعب حتى بعد أن تشب وتكبر وتصير رجلا وزوجا ذا أولاد. فهي تبحث عنك دائما وتفتقدك، وتتفقد أحوالك، ويسوؤها ما يسوؤك، ويحزنها ما يحزنك.
أما الأب الغالي فهو المُوجّه القيّم، والمربي الفاضل، يسعى ويجد، ويكدح ويكد، وينفق ويربي ويشفق، يحرص على تغذيتك ويعولك حتى تكبر، يفرح للقياك، وإذا غبت عنه سأل عنك وينتظر مجيئك، إذا رآك تبسم، وإذا انقطعت عنه تألم، كم بذل لتعليمك وتنشئتك وتغذيتك وتربيتك! فجزى الله الوالدين على عظيم صنيعهما.
بر الوالدين في السنة النبوية
أما السنة فقد جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - بر الوالدين -هذه القيمة العظيمة- قرينة للصلاة عمود الإسلام، ومتقدما على الجهاد ذروة سنام الإسلام، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: «سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها، قلت:ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله». وروى البخاري ومسلم أن رجلا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يستأذنه في الجهاد، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أحيٌّ والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد».
ومن هذه الأدلة والنصوص الكثيرة المتكاثرة في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - يتبين أن بر الوالدين فريضة لازمة، وفضيلة جازمة، وجوبها حتم، وأداؤها عزم، ولا عذر لأحد في التساهل في هذا الحق العظيم، والتهاون بشأن بر الوالدين.
فالدين والشرع، والعقل والنقل، والمروءة والرحمة، ورَد الجميل والإنسانية، كلها دلائل على ضرورة القيام بهذه القيمة العظيمة على الوجه المطلوب.
رضا الله -عز وجل
فمن يبحث عن رضا الله -عز وجل- فليُرضي والديه، وليُحسن إليهما، عن عبدالله بن عمرو -رضي الله عنهما- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «رضا الرب في رضا الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد»، ما من أحد منا إلا ويبحث عن الجنة، وأقرب طريق إلى جنة الله -تبارك وتعالى- هو برك بوالديك.
من أسباب استجابة الدعاء
بر الوالدين من أسباب استجابة الدعاء، فهذا أويس القرني -رحمه الله- من التابعين، ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، وأن من أعظم صفاته بره بأمه حتى أصبح من الذين لو أقسم على الله لأبرّه؛ ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمر: «سيأتي وفد من اليمن فيهم أويس بن عامر القرني، فإن أدركته فاسأله أن يستغفر لك»، يقول عمر - رضي الله عنه - سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن، ثم يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بار، لو أقسم على الله لأبرّه، فسبب استجابة الدعاء له من الله -سبحانه وتعالى- بره لوالدته.
هل فيكم أويس؟
يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمر - رضي الله عنه -، وتعرفون من عمر، ثالث رجل في هذه الأمة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعد أبي بكر في الفضل والمكانة والدرجة العالية، يقول له النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل، لمجرد أنه كان بارا بأمه، ولأنه لو أقسم على الله لأبرّه، لذلك كان عمر - رضي الله عنه - يتحين كلما جاء نفر من اليمن سأل هل فيكم أويس؟ حتى وجده وسأله: أنت أويس بن عامر، قال: نعم، قال: من مرادٍ ثم من قرن، قال: نعم، قال: وبك برص فبُرئت منه إلا موضع درهم، قال: نعم، قال: ولك والدة أنت بارٌ بها، قال: نعم، فأخبره بحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -. وهذا من دلائل نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يُخبر عن أحوال الناس بعد مماته - صلى الله عليه وسلم .

منهج الأنبياء والمرسلين
كما أن بر الوالدين هو منهج الأنبياء والمرسلين، وعمل الكرام الصالحين، يقول الله -تبارك وتعالى- عن عيسى -عليه السلام-: {وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا}، ويقول عن يحيى بن زكريا -عليهما السلام-: {وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا}. والدعاء للوالدين أحياءً وأمواتا دأب المؤمنين المتقين، يقول الله -سبحانه وتعالى- عن نبيه نوح -عليه السلام-: {رَّبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا}.


اعداد: م. فريد العمادي




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 01-10-2023, 06:01 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,610
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من أعظم الحقوق بعد حق الله -تعالى

من أعظم الحقوق بعد حق الله -تعالى

(2) بر الوالدين منهج الأنبياء ودأب الصالحين


إنَّ أعظم الحقوق على الإطلاق هو حق الله -تبارك وتعالى-، في عبادته وتوحيده وطاعته، فلا إله إلا هو -سبحانه- ولا رب سواه، وبعد هذا الحق العظيم وهذه الغاية التي من أجلها خلق الله -تبارك وتعالى- الإنس والجن؛ حيث قال: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}، قرن الله -تبارك وتعالى- هذه القيمة العظيمة بقيمة عظيمة أخرى تتعلق بالوالدين، فحق الوالدين يأتي بعد حق الله -تبارك وتعالى.
من أحق الوالدين بالبر؟
لا شك أنَّ الأم هي أحق الوالدين بالبر والإحسان لمكابدتها العظيمة، جاء في الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال ثم من؟ قال: أبوك»، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأحد أصحابه: «الزمها، أي (الزم أمك) فإن الجنة تحت أقدامها».
مصلحة عظيمة
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: إني لا أعلم عملا أقرب إلى الله -عز وجل- من بر الوالدة؛ ولذلك على المؤمن الذي يتحين الأعمال الصالحة، ويختارها من بين هذه الأعمال العظيمة، وعليه ألا يفوّت هذه المصلحة العظيمة لنفسه من خلال بره بوالديه؛ لذلك يقول الحق -تبارك وتعالى- في محكم التنزيل هذه الآية العظيمة {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ}، والأف هي أدنى درجات الإساءة.
{وقل لهما قولا كريمًا}
وأمر الله -تبارك وتعالى- بالقول الكريم {وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم : «رغم أنفه ثم رغم أنفه ثم رغم أنفه، قيل: من يا رسول الله؟ قال: من أدرك والديه عند الكبر، أحدهما أو كلاهما ثم لم يدخل الجنة». وجاء في حديث رواه الترمذي عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «الوالد أوسط أبواب الجنة». ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «فأضع هذا الباب أو احفظه».
فرض الإحسان للوالدين
كل هذه النصوص التي ذكرتها تؤكد فرض الإحسان للوالدين ولاسيما عند الكبر؛ وذلك لحاجتهما إلى الرعاية والإكرام في مثل هذا المقام، والتحذير أشد التحذير من الإساءة إليهما بأي إساءة ولو كانت كلمة من حرفين (أف) يحاسبك الله -سبحانه وتعالى- عليها إذا وجهتها إلى والديك، فهنيئا لمن أدرك والديه وأحسن إليهما غاية الإحسان، فذلك سبب لنيل الغفران ودخول الجنان، ولا تبخل على نفسك يا عبدالله بالإحسان إليهما بأنواع الإحسان، وإدخال السرور عليهما بشتى الطرائق؛ فإدخال السرور على الوالدين من أعظم القرب والأعمال التي أمرنا الله -تبارك وتعالى- بها، بل إن الله -سبحانه وتعالى- أمر بلين الكلام وطيب المقال، وأشار إلى أدنى مراتب الأذى كما قلنا في كلمة أف، تنبيها على ما سواها من أنواع الأذى باليد واللسان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
{ولا تنهرهما}
ونهى الله -تبارك وتعالى- عما هو أعظم، فقال الله -سبحانه وتعالى-: {وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا}، فلابد لكل إنسان أن يتكلم مع والديه بكل أدب واحترام، ولا يقول لهما ما يُدخل عليهما الغضب والحزن، بل يتكلم معهما بما يدخل عليهما الفرح والسرور، ويجنبهما كل ما يؤذيهما من الحزن، سواء من مشكلاتك أم مشكلات إخوانك، ولا تريهم إلا الابتسامة منك، ولا يسمعان منك إلا الكلمة الطيبة، تجلس معهما، وتؤنسهما، ولا تُقدم مُجالسة أصحابك على مجالستهم.
كما تدين تدان
ولا شك أن الإنسان إذا برّ بوالديه سيكون ذلك سببا لبِر أبنائه به، والجزاء من جنس العمل. قال ابن عمر - رضي الله عنه - لرجل: أَتَفْرُق النار وتحب أن تدخل الجنة؟ قال: إي والله، قال: أحيٌّ والداك؟ قال: عندي أمي، قال: فوالله لو ألنت لها الكلام، وأطعمتها الطعام، لتدخلن الجنة ما اجتنبت الكبائر، وهذا لا شك من أعظم الأعمال في دخول جنة الله -تبارك وتعالى.
من أكبر الكبائر
نجد -مع الأسف- نماذج من العقوق التي جعلها النبي - صلى الله عليه وسلم - من أكبر الكبائر، حينما قال - صلى الله عليه وسلم -: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟، قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئا فجلس وقال: ألا وقول الزور، وشهادة الزور! فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت».
فكما قرن الله -تبارك وتعالى- حقه في العبادة بالإحسان للوالدين، جعل -سبحانه وتعالى- عقوقهما في الإثم بعد الإشراك بالله -تعالى-، فأعظم الكبائر الإشراك بالله، ويأتي بعد ذلك مباشرة عقوق الوالدين، وهذا تحذير من النبي - صلى الله عليه وسلم - لهدر هذه القيمة العظيمة، قيمة الإحسان والبر بالوالدين.
من أنواع العقوق
ومن أنواع العقوق التي نراها ونسمع عنها في هذه الأيام، تساهل كثير من الأبناء في بر والديهم، فمع الأسف لا تقدير ولا احترام، ولا سمع ولا طاعة، ولا بر ولا أدب، بل غلظة وفظاظة ونهر وعقوق، فمن الناس من بلغ خِسة ووقاحة ونذالة وصفاقة أن يأمره أبوه أو أمه فيهز كتفيه ويدير ظهره وكأن الأمر لا يعنيه، بل قد يُعَبّس وجهه ويُقَطّب جبينه ويرفع صوته ويسيء أدبه ضد أمه أو أبيه.
تجاوز الحد في العقوق
ومن الناس من وصل به الحال ألا يتورع عن رفع دعوى قضائية ضد أبيه في المحاكم، أو يقدم بلاغا وشكوى ضده في مراكز الشرطة من أجل حطام الدنيا، حتى أن بعضهم قد مرت أشهر بل سنوات لم يكلم أحد أبويه أو يزره أو يتصل به، بل لقد بلغ الحال أن يترك أباه أو أمه عند كبرهما أو مرضهما في المستشفيات، وقد يمر عليهما كما يزورهم الأغراب، أو يتركهم دون سؤال، أو يتركهم دون رعاية اجتماعية، وتمر الأيام والشهور وهو لا يعلم عنهم شيئا.
القلب يعتصر ألما
القلب يعتصر ألما حينما يزور الإنسان أجنحة المستشفيات، ويجد كبار السن وحدهم على الأسِرّة دون أحد من أبنائهم. الكل لاهٍ ومُنشغل عن والديه، ولا شك أن الوالدين في مثل هذه الحال وفي مثل هذه المرحلة أكثر حاجة إلى أبنائهم؛ فأين الإيمان؟ وأين الفضيلة؟ بل أين المروءة والرحمة والإنسانية؟، هذان الوالدان اللذان تعبا وشقيا من أجلك، يبلغ بهما الحال ما يبلغ وأنت لاهٍ عنهما!.
الانشغال عن شؤونهم
ومن الناس من إذا تزوج نسي أبويه، وأهمل شأنهما منشغلا بما لديه من جديد، وكم تعاني الأمهات من جراء تفضيل الزوجة على الوالدة، بل إن بعضهم قد يتطاول على أمه في مرأى ومسمع من زوجته وأولاده.
إهمال تفقد أحوالهم
وكنت قد خطبت خطبة عن بر الوالدين، وبعد انتهاء الخطبة كلمني أحد كبار السن وقد جاوز الثمانين، وقد اعتصر قلبه ألما يقول: أنا وزوجتي وحدنا بالبيت، لو متنا لن يشعر أحد بنا، يمر عليه أولاده كل خمسة أيام مرة، يجلس معه عشر دقائق ويغادر! الأم والأب في مثل هذه الحال يحتاجان إلى الرعاية الكاملة والتواصل الدائم، ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الزمها؛ فإن عند رجلها الجنة»؛ فلا يليق بك أن تكون مجتهدا، وتذهب للدروس وتعمل الخير والإحسان والصدقة، وتصوم وتقوم، وأنت لا تدري عن أمك وأبيك شيئا، أو تزورهم كل أسبوع مرة، بل الواجب عليك أن تتفقد أحوالهم.
كم وكم منا مقصر في مثل هذا الحق العظيم! وفي تحقيق هذه القيمة التي قصّر فيها كثير منا! ولذلك من الناس -لقلة فقهه- من يجعل بره وإحسانه لأصدقائه وزملائه، ويضيع أمه وأباه، ومما يحُز في الخاطر أنك تجد بعض الناس لا يجعل لأبويه الحظ الواجب من التقدير والرعاية، والبر والعناية.
برّهم واجب والإحسان إليهم متعين
ومهما كان على الأبوين من تقصير تجاه أبنائهم فبرّهم واجب، والإحسان إليهم متعين، ألم تسمعوا إلى قول الله -تبارك وتعالى-: {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}، أي وإن دعوك لتكفر بالله -تعالى- وليس هناك أعظم من هذا فلا تطعهما، «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» ثم قال: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}، من هذه الآية العظيمة تجد مقام البر بالوالدين كيف هو عظيم عند الله -تبارك وتعالى-، حتى وإن كانوا مشركين بالله -سبحانه وتعالى-، وفي الصحيحين عن أسماء -رضي الله عنها- قالت: قدمت عليّ أمي وهي مشركة في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فاستفتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت: قدمت عليّ أمي وهي راغبة، أفأصل أمي؟ قال: نعم، صلي أمك.
وأبصر أبو هريرة رجلين فقال: ما هذا منك؟ قال: هذا أبي، قال: لا تسمّه باسمه، ولا تمش أمامه، ولا تجلس قبله، وهذه كلها من أنواع الأدب مع الوالدين، ولذلك نقول: إن بر الوالدين متأكد في جميع مراحل الحياة ولاسيما عند المرض والكِبَر، بل إنه يستمر حتى بعد الوفاة.
الإحسان إليهما بعد الممات
والإحسان للوالدين لا يكون في الحياة فقط، وإنما حتى بعد الممات، من خلال الدعاء والاستغفار لهما، وتُنفِذ عهدهما من بعدهما، وتصل الرحم التي لا تصل إلا بهما، وتكرم صديقهما، وكل هذا من البر والإحسان بالوالدين، فعن عبدالله بن دينار، عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رجلا من الأعراب لقيه بطريق مكة فسلم عليه عبد الله بن عمر، ثم حمله على حماره الذي كان يركبه، وأعطاه عمامته التي كانت على رأسه، فقال ابن دينار لابن عمر: إنهم الأعراب وإنهم يرضون باليسير، قال ابن عمر: إن أبا هذا كان ودا لعمر بن الخطاب، وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن أبر البر صلة الولد أهل ود أبيه»، وصحّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له»؛ لذلك من أعظم الأعمال التي تنفع بها والديك الدعاء لهما، وجاء في بعض الآثار أن العبد قد يستغرب رفعة درجته عند الله -سبحانه وتعالى-، وأنه ما أدى من الأعمال ما ارتفع به هذه الدرجات العظيمة عند الله -عز وجل-؛ فحينما يسأل يُقال له: بدعاء ولدك لك. فمن فاته الإحسان إلى والديه في الحياة، فلا ينساهما بالدعاء بعد الممات.
باب موصل إلى الجنة
من كان له والدان على قيد الحياة أو أحدهما فعنده باب عظيم من أبواب الخير الموصل إلى جنة الله -تبارك وتعالى-، فلا يفرّط في هذا الخير، والأيام في الدنيا معدودة، فيوم أن يقبض الله أحدهما، ستندم على تلك الساعات والأيام التي فاتت ولم تُحسن إلى والديك أو أحدهما، فلا تُضيّع هذه الفرصة إلا في طاعة تتقرب بها إلى الله -تبارك وتعالى-، وأحسن إليهما متلذذا بهذا الإحسان.


اعداد: م. فريد العمادي




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 71.12 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 69.00 كيلو بايت... تم توفير 2.13 كيلو بايت...بمعدل (2.99%)]