نحو داعية رباني - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الإمام شامل الداغستاني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          السيد موسى الكاظم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          الحج فوائد ومنافع دينية ودنيوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          صور من تأذي النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 13 - عددالزوار : 828 )           »          القلوب الطيبة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          الخوارج تاريخ وعقيدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 34 - عددالزوار : 3277 )           »          التربية بالإعراض (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          حرمة المال العام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          الحج مدرسة عظيمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          من الآثار النفسية للحج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى الشباب المسلم
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 02-02-2020, 08:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,405
الدولة : Egypt
افتراضي نحو داعية رباني

نحو داعية رباني
نبيل جلهوم


ماذا نقصد بالربّاني؟ الرباني بإيجاز هو من تَوخّى وجه ورضا ربه في كل خطراته وسكناته وحركاته فأصبح يتكلم بكلام الله ويعمل لنيل رضى مولاه فاجتهد في طاعته وعبادته ووصل إلى مرحلة أقرب من غيره إلى ربه قُرْباً منه وتقرّباً وعلماً به وتوصّلاً وحُبّاً له وأكثر تعلقاً بذكر ربه وحمده وتلاوة كتابه والاهتمام برسالة سمائه.
فأصبح للإسلام عاشقاً ولله وبالله مُتّصِلاً وموصولاً فصار مع الرب لا يقدر أن يبتعد عنه فتقرّب منه الربّ تقرباً قوياً ليصبح - جل وعلا- محباً له موصولا معه، وله يسعى ويتحرك ويُبلّغْ مبتغياً رضاه ومثوبته.
لماذا الداعية؟ الداعية هو: حجر الزاوية في تبصير الناس بالإسلام العظيم المعتدل للأخذ بأيديهم بسلام نحو جنات النعيم.
الداعية هو: من شرّفه الله بالاختيار والاصطفاء، بأن علّمه بعلمه وسخّره لدينه والدعوة إليه.
الداعية هو: من اختاره الله وِوَكَلَ إليه مهمة عظيمة هي مهمة الأنبياء والمرسلين...البلاغ.
الداعية هو: من له عند الله شأن عظيم، فهو من ورثة الأنبياء.
الداعية هو: من جعله الله على ثغرة عظيمة من ثغور الإسلام فلا يختار الله لدعوته إلا الأهلون لها والجديرون بحقها.
الداعية هو: من إذا تأثّر بما يدعو له وبه هو أولا، لكان أكثر تأثيراً فيمن يدعوهم فهو دائماً ذا أثر وأعماله لها المردود التربوي والروحي في نفوس الناس.
الداعية هو: من الأُمّة التي قال الله عنها: ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون).
الداعية هو: صَمّام الأمان للناس من الزعزعة والقلاقل ومُضِلاّت الفتن وبواعث الخلاف.
الداعية هو: زيت المصباح الذي يضيء للأمة ظلمة المفاهيم واعوجاج القيم وشذوذ الأفكار وسطحيتها. الداعية هو: أداة النجاة وسبيل الهداية ورمز الإسلام والحضارة ومحضن الفقه والعلم في الدين.. الداعية هو: ما يريده الإسلام أن يكون وسطيّاً معتدلاً في دعوته غير مٌنفّرٍ للناس في دينهم ولا متشدّداً. الداعية هو: من يريده الإسلام أن يكون مصدراً للأمن والأمان كما هو في العلم و الإيمان، داعياً الناس إلى العمل المُنتِج الحسن البنّاء المثمر النافع له وللناس والأوطان، وعدم التجريح والإساءة ودعوة الناس لحب الله وحب الأوطان. " لهذا وغيره حَرِىُّ به أن يكون ربانياً وعلى قدر مهمته وعِظَمْ مسئوليته أمام الله وأمام الناس"
" ربانّية الداعية.. نِقاطٌُ على حُرُوف"
• الداعية الرباني.. كُلّهُ لله: فهو يجب أن يقصد - بقوله وعمله ومقاله وبرامجه وتنقله - وجه الله، وابتغاء رضاه وحسن مثوبته من غير نظر إلى مغنم أو مظهر أو جاه أو لقب أو تقدّم أو تأخر أو تصّدُر للمجالس، وبذلك يكون مخلصاً متجرداً لفكرة الإسلام الصحيحة وعقيدة السماء الخالدة، ليس بصاحب مطمع ولا هوى نفس ولا شهوة شهرة ولا مُحباً للصِيت ولا يعرف الكِبْر والعُجْب، ويجب أن يتوخى دائماً قول الله الخالد: ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له.....)، ويجب عليه أن يكثر من دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -: (( اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئاً نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه..)) وأن يتذكر دائماً أن الأعمال بالخواتيم.. وأنه لا ينفعه من عمله كداعية إلا ما كان خالصاً لله مجردّاً له وصادقاً.
• الداعية الرباني.. على ثَغْر: فمن الضروري عليه أن يوقن أنه على ثغر عظيم من ثغور الإسلام العظيم خاتم الرسالات، وأن مهمته ليست إلا تجسيد وممارسة عملية لمهمة الرسل والنبيين، وبالتالي وَجَب عليه أن يكون على القدر الذي يجعله رمزاً صالحاً يُشار إليه بالبنان، فهو رسول الهداية ومنبع الوقاية ومفتاح السعادة، إذا صلح فهمه للإسلام وتَوسّطَ واعْتَدلَ وتمتّع بشموليته لفهم دينه لصَلُحَ الناس من حوله وتصحّحت المفاهيم وانضبطت الأفكار وانصلحت القيم وتنوّرت العقول بما يرضى الله والرسول.
• الداعية الرباني.. وَسَطىُّ مُعتَدِل: فمن الضروري أن يوقن أنه مطالب بإخراج الناس جميعاً من ضيق وسوء المفاهيم والأخلاق والإيمانيات الضعيفة إلى صحة وسعة المفاهيم والمضامين والأخلاقيات الواسعة العظيمة.. شريطة الحٌسنى والتبليغ الجميل والمحبّبُ إلى نفوس الناس، فلا تشدّد ولا تعنّت ولا تضييقا للواسع، ولكنّ الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالأحسن هي أجمل وأعظم ما يجب أن ينهجه الداعية الرباني الناجح، وأن يجعل الاعتدال والوسطية في أطروحاته منهجاً سامياً محورياً يرتكز عليه في تبليغ الناس وإرشادهم وألا يتخذ غيره بديلاً.. وأن يدعوا دائماً ربه قائلاً: اللهم أبرم لأمة محمد أمر رُشد وسداد وأمن وأمان ورخاء يُعِزّ فيه أهل طاعتك ويُهْدَى فيه ويُتاب على أهل معصيتك، وألا يكون ممن يدعوا قائلا: يُهدى فيه أهل طاعتك ويُذّلُ فيه أهل معصيتك... فلا يليق بالداعية الرباني أن يدعو بإذلال أهل المعصية... فما من أحد منا معصوم من الخطأ.. إلا من رحم الله.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.. ونسأل الله عفوه ورضاه لنا ولأمة محمد قاطبة.
• الداعية الرباني.. طَبيبُ المُجتمع: يجب أن يوقن الداعية أنه الطبيب الأول للمجتمع بأكمله وهو ما يستدعى أن يكون ماهرا في اكتشاف أمراض الناس السلوكية والأخلاقية والإيمانية والتعبدية ويكون حسناً في التشخيص وحسناً في وصف العلاج، وأن يكون قارئاً جيداً وباستمرار في كل ما هو جديد في قاموس الطب الدعوى النبوي النافع والمؤثر، وإذا أراد التميز و المهارة في ذلك فليجعل قدوته صاحب الدعوة قائد الغُرّ المحجلين وخاتم المرسلين الحبيب محمد الأمين صلوات الله عليه وعلى آله وصحابته أجمعين، فهو الأسوة والقدوة أَكْرِمْ بها من أسوة وقدوة.
• الداعية الرباني.. يألَف ويُؤلَف: وهى سمة هامة، فلا يصح لداعية يريد أن يكون ربانياً بأن يخسر الناس أو شريحة منهم لكونه لا يستطيع أن يكون ذا لسان طيب يُحبّب الناس في الخير ويُرشدهم إليه، يداعب بكلماته الجميلة الحاضرين، ويلاطف بمزاحه المهذب المستمعين، يرسل البسمات والإشارات اللطيفة لمن أمامه من المتعطشين، فيكون بلسماً يٌزيح الهموم وباباً لإسعاد المكلوم والإطاحة بالهموم، وروحاً جميلة تسرى في أجساد الناس فتحييها بنور الله... فتصبح آمنة مطمئنة تتعبد ربها بحُب وشغف وصفاء وشوق....
• الداعية الرباني.. مُربِّى صاحبُ رسالة: يجب على الداعية أن يستشعر أنه صاحب رسالة، وأنه المربى والوالد والأب والشيخ لكل شرائح المجتمع فيتصف بصفات الأبّوة، فيكون حنوناً في تبليغ دعوته، واسع الصدر رفيقاً بالناس ناصحاً مؤدباً غير مُجرِّحا، يُجمِّع الناس على الفهم الصحيح غير الِمعوّج والسديد غير المغلوط والشامل غير المنقوص يوضح ويفصِّل الصعب ولا يُصعّب السهل فترتاح له النفوس ويجد الناس فيه مصدراً وهّاجاً نحو المحبة والتآلف والتعاضد وحب الإسلام والإنتاجية البنّاءة التي هي أساس هام من أساسيات النهضة البنّاءة والرخاء المنشود.
• الداعية الرباني.. مُوجّه طُلاّبي: يجب أن يقوم بما يقوم به المرشد الطلابي في المدرسة من دور عظيم، فيتفقد مشكلات الناس كما يفعل مرشد طلاب المدرسة مع طلابه - ومواجعهم وهمومهم ويتعرف على نفسياتهم وأوضاعهم وضوائقهم ويحفظ للناس أسرارهم ويجتهد في إذابة الحزن القابع على صدورهم فهناك اليتيم وهناك الضعيف وهناك البائس الفقير وصاحب العِوز الفقير وهناك من لا يجد مكانا مُهيئاً في بيته يجتهد فيه لمذاكرة العلم ومواصلة التعليم.. فكل هذه الفئات على نوعيتها توجد بالمجتمع وتحتاج من الداعية أن يكون ربانياً مرشداً وموجهاً حاذقاً تتكسر على يديه العوائق وتذوب بحكمته العلائق وتنفرج بحكمته الضوائق.
• الداعية الرباني.. بيتُه من نور: يتعهد نفسه وزوجه وبنوه بتعاليم الإسلام الجميل يُربّيهم على حب الإسلام والمسلمين والإحسان إلى غير المسلمين.. ينفق عليهم محتسبا الأجر عند الله فتكون نفقته صدقة، يحسن التعامل مع الزوجة فيرفق بها ويتلطف ويحنو ويتجمّل، فيكون نموذجاً في بيته للزوج الصالح في السلوك والزينة والعلم والفكاهة والفضيلة والدين، يُعطّر البيت دائماً بكلمات العاطفة وعبارات المودة فيمتلك القلوب ويستحق من أهل بيته أن يحظى بكل ما هو إليه محبوب فيكون البيت نورا كله على نور، تنبعث منه الطمأنينة فلا مجال للغضب وعجرفة الكلام والسلوك بل رحمة وهداية وسكينة.. يعين زوجه وبنيه على طاعة الله فيدعوهم قبل أن يدعو الناس ويربيهم قبل أن يُربى الناس ويأخذ بأيديهم قبل أيدي الناس فهو راع ومسئول عن رعيته ويُقدّم منهم لنفسه ولربه ولدينه ولمجتمعه نموذجا يُحتذى به نحو الفضيلة وحب الله ورسوله.. قدوة عملية لا مجرد خطب منبرية ومواعظ قوية وحركة دؤوبة دعوية.. فإذا دعا على سبيل المثال - النساء للبّاس الإسلامي والحشمة كان من الأدعى أن يجد الناسُ زوجته وبناته قدوة في ذلك يرتدين اللباس الذي به يصدح وله يدعو وعليه يدنن ويزود.. فيجب أن يتذكر أن التربية والتأثير بالقدوة هي أنجح السبل للتأثير الصحيح في الغير، كما كان حبيبنا - صلى الله عليه وسلم -: "قرآنا يمشى على الأرض"
•الداعية الرباني.. ذكّاراً لله كثيرا: فهو لا يتوقف طوال يومه عن التسبيح والتهليل والتكبير والصلاة على الرسول يحافظ على ورده القرآني ويكثر الاستغفار، وهو بذلك يؤمن أن الأساس هو ذكر الله وأن النجاة في ذلك وأنه دائم السعي طوال يومه أن يكون من الذاكرين الله كثيراً لمعرفته الحقة بأنها فئة نادرة يريد أن يكون منها قد جعل الله لها من الخيرات المنافع والثمرات ومحبة الله الوافرة ومغفرة ورحمة وأجر عظيم، فلسانه لا يغفل عن الكلمات الذهبية سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى والعظيم وسبحان الله العظيم وسبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم والصلاة والتسليم على النبي العظيم والاستغفار المئوى أو السبعين.
فالله الله في داعية لسانه رطباً بذكر الله مُتيّما في حب الله متعطشاً لمجالسة رسول الله ومجالسة عباد الله الصالحين الذين هم للدين عاملون.
خاتمة: اللهم وفّق دعاة المسلمين إلى ما فيه خير البلاد والعباد والأوطان، اللهم اهدهم سُبل السلام وأَجرِ على ألسنتهم الخير للناس كافة، اللهم اجعلهم ربانيين معتدلين لا مُتشددين ولا مُنفّرين ولا بقشور الدين مُتشدّقين، اللهم اجعلهم مصابيح هدى وهداية وأمن ووقاية وأصلح ألسنتهم وهَذّب أفكارهم، اللهم طبّب على أيديهم مرضى الأفهام ومِعوّجي التَديُّن.. وهَندِّس على أيديهم عقول الناس نحو بناء مُشيّد على الفهم الصحيح نحو الإنتاج البنّاء ونحو أمن الدنيا وأمن الآخرة وعظيم الجنان، وعَلّمْ على أيديهم الناس علوم الخير السليمة والصحيحة الغيرُ مُعتّلةِ الفِكَرِ و البيان، وصحّح بهم مسار العباد نحو الحب والأمن والأمان وخير الدنيا وسعة الجنان يا كريم يا رحمن، وصلى اللهم على نبينا محمد معلم الناس الخير
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 02-02-2020, 08:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,405
الدولة : Egypt
افتراضي رد: نحو داعية رباني

نحو داعية رباني(2/3)
نبيل جلهوم



أوضَحْنا في الجزء الأول من مقالنا مَن هو الداعية الربَّاني الذي نَنْشده، وماذا قصَدْنا بالداعية، وكيف يتَّصِف بصفات الربَّانية.

ثم بدَأْنا نضع نقاطًا على الحُروف لهذا الدَّاعية، وبدَأْناها بتوضيح أنَّ حياة الداعية حياةٌ يجب أن تكون كلها لله... ونستكمل - بإذن الله - في الجزء الثاني هذه النقاط.

الداعية الرباني على ثَغْر:
فمن الضروريِّ عليه أن يوقن أنَّه على ثَغرٍ عظيم من ثغور الإسلام العظيم خاتم الرِّسالات، وأن مهمَّته ليست إلاَّ تجسيدًا وممارسةً عمليَّة لمهمَّةِ الرُّسل والنبيِّين، ومِن هنا وَجَب عليه أن يكون على القَدْر الذي يجعله رمزًا صالحًا يُشار إليه بالبنان؛ فهو رسول الهداية، ومنبع الوقاية، ومفتاح السعادة، إذا صلح فهمه للإسلام، وتَوسَّطَ واعْتَدل، وتمتَّع بشموليَّتِه لفهم دينه، صَلَحَ الناس من حوله، وصُحِّحَت المفاهيم، وانضبطت الأفكار، وانصلحت القيم، وتنوَّرَت العقول بما يرضي الله والرسول.

الداعية الرباني وَسَطيٌّ مُعتَدِل:
فمن الضروري أن يوقن أنه مُطالَب بإخراج الناس جميعًا من ضيق وسوء المفاهيم والأخلاق، والإيمانيَّات الضعيفة، إلى صحَّة وسعة المفاهيم والمَضامين والأخلاقيَّات الواسعة العظيمة؛ شريطةَ الحُسنى والتبليغ الجميل، والمحبَّب إلى نفوس الناس، فلا تشدُّد ولا تعنُّت ولا تضييقًا للواسع، ولكنَّ الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالأحسن هي أجمل وأعظم ما يجب أن ينهَجَه الداعية الربَّاني الناجح، وأن يجعل الاعتدال والوسطيَّة في أطروحاته منهجًا ساميًا محوريًّا يرتكز عليه في تبليغ الناس وإرشادهم، وألاَّ يتخذ غيره بديلاً.

وأن يدعو دائمًا ربَّه قائلاً: اللهم أبرِمْ لأمَّة محمَّد أمْرَ رُشدٍ وسداد، وأمنٍ وأمانٍ ورخاء، يُعَزُّ فيه أهل طاعتك، ويُهْدَى فيه ويُتاب على أهل معصيتك.

الداعية الرباني طَبيبُ المُجتمع:
يجب أن يوقن الداعية أنه الطبيبُ الأوَّل للمجتمع بأكمله، وهو ما يَستدعي أن يكون ماهرًا في اكتشاف أمراض النَّاس السُّلوكية والأخلاقية، والإيمانية والتعبُّدية، ويكون حسَنًا في التشخيص، وحسنًا في وصف العلاج، وأن يكون قارئًا جيِّدًا وباستمرار في كلِّ ما هو جديد في قاموس الطبِّ الدَّعوي النبويِّ النافع والمؤثِّر، وإذا أراد التميُّزَ والمهارة في ذلك، فلْيَجعل قدوته صاحبَ الدعوة، قائدَ الغُرِّ المُحجَّلين، وخاتم المرسلين، الحبيبَ محمَّدًا الأمين - صلوات الله عليه وعلى آله وصحابته أجمعين - فهو الأُسْوة والقدوة، أَكْرِمْ بها من أسوة وقدوة!

الداعية الرباني يألَف ويُؤلَف:
وهي سِمَة هامَّة؛ فلا يصحُّ لداعيةٍ يريد أن يكون ربانيًّا أن يخسر النَّاس أو شريحةً منهم؛ لكونه لا يستطيع أن يكون ذا لسانٍ طيِّب، يُحبِّبُ الناس في الخير، ويُرشدهم إليه، يُداعب بكلماته الجميلة الحاضرين، ويُلاطف بِمزاحه المهذَّبِ المستمعين، يرسل البسمات والإشارات اللطيفة لمن أمامه من المتعطِّشين، فيكون بلسمًا يُزيح الهموم، وبابًا لإسعاد المكلوم والإطاحة بالهموم، وروحًا جميلة تَسْري في أجساد الناس، فتُحْييها بنور الله، فتُصبح آمنةً مطمئنَّة، تتعبَّد ربَّها بحُبٍّ وشغف، وصفاء وشوق.

وإلى لقاءٍ قادم - إن شاء الله - في حلقة قادمة وأخيرة.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 02-02-2020, 08:59 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,405
الدولة : Egypt
افتراضي رد: نحو داعية رباني

نحو داعية رباني(3/3)
نبيل جلهوم







وقَفْنا في الجُزْأين السابقين على صفاتٍ ذات نقاط جوهريَّة في صفات الداعِيَة الربَّاني، واليوم نختم - بعون الله - هذه النِّقاطَ، والتي في سياقها نستفتح، ونستعين بالله، ونقول:













الداعية الرباني مُرَبٍّ صاحبُ رسالة:



يجب على الدَّاعية أن يَستشعر أنَّه صاحب رسالة، وأنه المربِّي والوالد، والأبُ والشيخ لكلِّ شرائح المجتمع، فيَتَّصِف بصفات الأبُوَّة، فيكون حنونًا في تبليغ دعوته، واسِعَ الصدر رفيقًا بالناس، ناصحًا مؤدَّبًا، غيرَ مُجرِّحٍ، يُجمِّع الناس على الفهم الصحيح غير المُعوجِّ، والسديد غير المغلوط، والشامل غير المنقوص، يوضِّح ويفصِّل الصعب، ولا يُصعِّب السهل، فترتاح له النُّفوس، ويجد الناس فيه مصدرًا وهَّاجًا نحو المحبة والتآلف والتعاضد، وحُبِّ الإسلام، والإنتاجية البنَّاءة التي هي أساس هامٌّ من أساسيَّات النهضة البنَّاءة، والرَّخاء المنشود.







الداعية الرباني مُوجِّه طُلاَّبي:



يجب أن يقوم بما يقوم به المرشِدُ الطُّلابي في المدرسة من دورٍ عظيم، فيتفقَّد مشكلاتِ الناس - كما يفعل مرشد طلاب المدرسة مع طلاَّبه - ومَواجعَهم وهمومَهم، ويتعرَّف على نفسيَّاتهم وأوضاعهم وضوائقهم، ويحفظ للناس أسرارهم، ويجتهد في إذابة الحزن القابع على صدورهم، فهناك اليتيم، وهناك الضعيف، وهناك البائس الفقير، وصاحب العَوَز الفقير، وهناك من لا يجد مكانًا مُهيئًا في بيته يجتهد فيه لِمُذاكرة العلم ومواصلة التعليم؛ فكلُّ هذه الفئات - على تنوعها - توجد بالمجتمع، وتحتاج من الدَّاعية أن يكون ربَّانيًّا مُرشِدًا، وموجِّهًا حاذقًا، تتكسَّر على يديه العوائقُ، وتذوب بحكمته العلائق، وتنفرج بحكمته الضوائق.







الداعية الربَّاني بيتُه من نور:



يتعهَّد نفسه وزوجَه وبَنِيه بتعاليم الإسلام الجميل، يُربِّيهم على حبِّ الإسلام والمسلمين، والإحسان إلى غير المسلمين، يُنفِق عليهم محتسِبًا الأجرَ عندالله، فتكون نفقته صدَقة، يُحْسِن التَّعامل مع الزوجة، فيرفق بها ويتلطَّف، ويحنو ويتجمَّل، فيكون نموذجًا في بيته للزوج الصالح في السُّلوك والزِّينة، والعلم والفكاهة، والفضيلة والدِّين، يُعطِّر البيت دائمًا بكلمات العاطفة، وعبارات المودَّة، فيمتلك القلوب، ويستحق من أهل بيته أن يحظى بكلِّ ما هو إليه محبوب، فيكون البيت نورًا كله على نور، تنبعث منه الطُّمأنينة، فلا مجال للغضب، بل رحمة وهداية وسَكِينة، يعين زوجه وبنيه على طاعةالله، فيدعوهم قبل أن يدعو الناس، ويربِّيهم قبل أن يُربِّي الناس، ويأخذ بأيديهم قبل أيدي الناس، فهو راعٍ، ومسؤول عن رعيَّته، ويُقدِّم منهم لنفسه ولربِّه، ولدينه ولمجتمعه نموذجًا يُحتذى به نحو الفضيلة وحُبِّ الله ورسوله.







قدوة عمليَّة، لا مجرد خُطَب منبريَّة، ومواعظ قويَّة، وحركة دؤوبة دعوية.







فإذا دعا - على سبيل المثال - النِّساء للِّباس الإسلامي والحشمة، كان من الأدعى أن يجد الناسُ زوجتَه وبناتِه قدوةً في ذلك، يرتدين اللِّباس الذي به يَصْدح، وله يدعو، وعليه يُدَندن ويَذُود، فيجب أن يتذكَّر أن التربية والتَّأثير بالقدوة هي أنجح السُّبل للتأثير الصحيح في الغير، كما كان حبيبُنا - صلَّى الله عليه وسلَّم -: قرآنًا يَمْشي على الأرض.











الداعية الرباني ذكَّارٌ لله كثيرًا:



فهو لا يتوقَّف طوال يومه عن التَّسبيح والتهليل والتكبير، والصَّلاة على الرسول، يحافظ على وِرْدِه القرآنيِّ، ويكثر الاستغفار، وهو بذلك يُؤْمِن أنَّ الأساس هو ذِكْر الله، وأنَّ النَّجاة في ذلك، وأنَّه دائمُ السَّعي طوال يومه أن يَكون من الذَّاكرين الله كثيرًا؛ لمعرفته الحقَّةِ بأنَّها فئةٌ نادرة، يريد أن يكون منها، قد جعل الله لها من الخيراتِ المَنافع والثَّمرات، ومحبَّةَ الله الوافرة، ومغفرةً ورحمةً وأجرًا عظيمًا، فلسانه لا يغفل عن الكلمات الذهبيَّة؛ سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله العليِّ العظيم، وسبحان الله العظيم، وسبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم، والصلاة والتَّسليم على النبيِّ العظيم، والاستغفار المئويِّ أو السبعينيِّ.







فاللهَ الله في داعيةٍ لسانه رطبٌ بذِكْر الله، متعطِّشٍ لِمُجالسة رسول الله، ومُجالسة عبادِ الله الصَّالحين الذين هم للدِّين عاملون.







خـاتمة:



اللهم وفِّقْ دُعاة المسلمين إلى ما فيه خيرُ البلاد والعباد والأوطان، اللَّهم اهدِهم سُبل السَّلام، وأَجْرِ على ألسنتهم الخيرَ للنَّاس كافَّة، اللهم اجعلهم ربانيِّين معتدلين، لا مُتشدِّدين ولامُنفِّرين، ولا بقشور الدِّين مُتشدِّقين، اللهم اجعَلْهم مصابيحَ هدًى وهداية، وأمن ووقاية، وأصلِح ألسنتهم، وهَذِّبْ أفكارهم، اللهم طَبِّب على أيديهم مرضى الأفهام، واجعَلْهم على الفهم الصحيح نحو الإنتاج البنَّاء، ونحو أمن الدُّنيا وأمن الآخرة وعظيم الجِنان.







وعَلِّمْ على أيديهم النَّاسَ علوم الخير السليمة والصحيحة، غير مُعتلَّةِ الفِكرِ والبيان، وصَحِّحْ بهم مسارَ العباد نحو الحبِّ والأمن والأمان، وخير الدُّنيا وسَعَة الجِنان، يا كريم يا رحمن.











وصلِّ اللَّهم على نبيِّنا محمَّد، مُعلِّمِ الناسِ الخيرَ.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 75.62 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 72.99 كيلو بايت... تم توفير 2.63 كيلو بايت...بمعدل (3.48%)]