|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() انحراف فكر محمد أسد في تأويل معجزات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أ. أمل مطر العصيمي الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد: فقد أيَّد الله سبحانه وتعالى أنبياءه ورُسُلَه عليهم الصلاة والسلام بمعجزات باهرة، دلَّت على صدق رسالتهم، ومؤيدة لهم في دعوتهم إلى الله، وقد ذكر الله معجزات الأنبياء في القرآن الكريم. ولقد ظهر في العصر الحديث من صدَّروا أنفسهم لتفسير القرآن الكريم وترجمته، لكن تفسيراتهم كانت شاذة عما اتفق عليه الصحابة الكرام والسلف الصالح، ومنهم محمد أسد؛ الذي حاول جاهدًا أن يطوِّعَ تفسير بعض آيات القرآن ليتَّسِقَ مع نصوص التوراة المحرَّفة التي نشأ في كنفها، قبل أن يدخل في الإسلام. ينكر محمد أسد معجزات الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، ويؤوِّلها بما يجعلها تابعة لِما هو محسوس، أو لقوانين الطبيعة المطردة، ويعتبرها أساطيرَ، وفي أحيان أخرى يعطيها تأويلات تخرجها عن كونها خارقة عن العادة، وقد سبقه في هذا المنهج المفسرون القاديانيون؛ مثل: مولاي محمد علي، وملك غلام فريد، في ترجمتهما التفسيريتين للقرآن الكريم إلى الإنجليزية. وإن كان الحق يُوجِب أن نقول: إن محمد أسد لا يذهب مذهب القاديانية في فتح باب النبوة بعد محمد صلى الله عليه وسلم؛ إذ يؤكد أنه هو آخر الأنبياء، فلا نبي بعده. وهنا لا بد أن نذكر أنه قد أورد علماء القرآن في تفسير المتشابه من القرآن آراءً متعددةً، ليس من بينها المعجزات، فقالوا: المتشابه ما استأثر الله بعلمه؛ كيوم القيامة، وخروج الدجال، والحروف المقطعة في أوائل السور، وغير ذلك، أو هو ما لم يتضح معناه، أو ما احتمل من التأويل أوجهًا متعددة، أو لم يستطع الإنسان أن يصل إلى وجه الحكمة فيه؛ كعدد الصلوات مثلًا، واختصاص الصوم برمضان، أو ما لا يمكن فهمه إلا بردِّه إلى غيره من الْمُحْكَم المفهوم، أو هو القصص والأمثال، أو هو المنسوخ... وهكذا. وفي قوله تعالى: ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ﴾ [آل عمران: 7]. ألَا يرى محمد أسد أن هذه الآية تدين صنيعه؛ إذ يحاول تأويل المعجزات؟ لأن الآيات الخاصة بالمعجزات تَرْوي حوادثَ تاريخية، لا غيب فيها بهذا المعنى، ولا متشابهات. وقد أنكر محمد أسد معجزة إنقاذ نبي الله إبراهيم عليه السلام من النار، بل نفى إلقاءه فيها أصلًا، وأنه في قوله الله تعالى: ﴿ قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ ﴾ [الصافات: 97] لا يزيد، فيما يبدو، عن أن يكون إشارة رمزية إلى نار الاضطهاد التي كان على إبراهيم أن يقاسيها، التي ستصبح بعد ذلك - بسبب عنفوانها - مصدرَ قوة روحية وسلام باطني له. وفي قوله الله تعالى: ﴿ قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ [الأنبياء: 68، 69]؛ قال: إن باستطاعتنا تتبع مصدر القصص الكثيرة المستفيضة والمتعارضة التي طرز بها المفسرون القدامى تفسيرهم للآية السابقة، في الخرافات التلمودية، ومن ثَمَّ فمن الممكن أن نلقِيَ بها دُبُرَ آذاننا. نقول أولًا: ليس في القرآن ألبتة ما يدل على أن خليل الرحمن لم يُقذَف به في النار، وإلا لكذَّب القرآن بعضه بعضًا، فإن الآية القرآنية تقول بصريح العبارة: إنه سبحانه قد أمر النار أن تكون ﴿ بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ [الأنبياء: 69]؛ بما يدل على أنه قد أُلْقِيَ فيها فعلًا. لكنه سبحانه سلب عنها خاصية الإحراق، وأن تأويل محمد أسد بأن المقصود هو نار الاضطهاد قائم على التكلف العنيف؛ إذ إنه قد دخل الموضوع وفي ذهنه إنكار المعجزات، وإلا فأين في الآية ما يدل على أن المراد شيء غير الظاهر؟ الحق أن ليس في الآية ما يدل على شيء من ذلك، وإنما اعتقاد بعض الناس في أن قوانين الكون لا يمكن إيقافها أبدًا اعتقاد خاطئ، وأن (نار الاضطهاد) تلك التي يذكرها محمد أسد لم تكن خاصة بإبراهيم عليه السلام وحده، بل كل الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام جميعًا قاسوا لَظَاها، فكانت في نهاية الأمر بردًا وسلامًا عليهم، فلماذا يا تُرى لم يذكرها القرآن إلا في حالة إبراهيم عليه السلام وحده، دون سائر الرسل والأنبياء؟ وأخيرًا فكونها ترجع إلى التلمود ليس بالضرورة برهانًا على فسادها، وإلا لكان القرآن أول من يضرب عنها صفحًا، أما وقد أوردها مع ذلك، فهو دليل على أنها قصة حقيقية. إن الإمام الغزالي مثلًا وبعض الفلاسفة الأوروبيين في العصر الحديث؛ مثل: ديكارت، وهيوم، ورَسِل يؤكدون أن ما نسميه بـ"قانون السببية" هو أمر لا وجود له؛ إذ المسألة عندهم لا تخرج عن مجرد تتابع حادثتين. يريدون أن يقولوا: إنه ليس في النار حتمية الإحراق، ولا في الطعام حتمية الإشباع، والإمام الغزالي - وهو أول من قرر هذه الفكرة - يرى أن الله تعالى هو الفاعل الحقيقي للإحراق والإشباع وغيرهما، وهذا في الواقع، هو الرأي الذي ينسجم مع الإيمان بالله وقدرته التي لا يعجزها شيء في الأرض ولا في السماء. وإن هذا الخرق للنواميس لا يقع إلا بين الحين والحين البعيد، وفي أضيق نطاق، وعلى نحو عارض تعود الأمور بعدها إلى ما كانت عليه. أما معجزات موسى عليه السلام، فيبدو أن محمد أسد ينظر إليها نظرة مختلفة بعض الشيء، ذلك أنه يستخدم لها لفظ "المعجزة"، ونرى هنا أنه قد أثبت أولًا إعجازية العصا، وانفلاق البحر لبني إسرائيل أيضًا. فنجده تارة يذكر المعجزة بلفظها، وتارة ينكرها، فنلاحظ كذلك في ترجمته لـ"صحيح البخاري" قد ترجم كلمة "آية" بـ"a miracle"؛ وذلك في حديث انشقاق القمر لسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، بل إنه لم يحاول ألبتة تأويل هذه المعجزة بما يخرجها عن إعجازيتها، كما فعل في تفسيره لآيات القرآن الكريم. لكنه في ذات الوقت، عند تناوله لحادثتي الإسراء والمعراج كما وَرَدَتا في القرآن الكريم، وكذلك في "صحيح البخاري" قد استمات في إثبات أنهما حادثتان روحيتان لا جسديتان، نقول: إن جمهور علماء المسلمين قد جزموا بأن الإسراء والمعراج كان بالروح والجسد يقظةً لا منامًا، معتمدين على أدلة كثيرة؛ نذكر منها: 1- أنه ثبت أن قريشًا كذبوه في الإسراء، واستبعدوا وقوعه، ولو كان منامًا لَما كذبوه ولا استنكروه. 2- أن التسبيح والتعجب في قوله تعالى: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ﴾ [الإسراء: 1]، إنما يكون في الأمور العِظَامِ، ولو كان ذلك منامًا لَذكره الله تعالى، كما ذكره عن إبراهيم وولده إسماعيل عليهما السلام في قصة الذبح المعروفة. 3- أن الله تعالى أثبت رؤيا القلب بقوله: ﴿ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ﴾ [النجم: 11]، ورؤيا العين بقوله: ﴿ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ﴾ [النجم: 17، 18]، والبصر من آلات الذات لا الروح. 4- قوله تعالى: ﴿ بِعَبْدِهِ ﴾ [الإسراء: 1] يدل على مجموع الروح والجسد. تستنج مما سبق طرحه ما يأتي: • كانت عقيدة محمد أسد بين العقلانية، والاعتزال، والقاديانية، والفلسفة الغربية المادية، فقد فسر النصوص الشرعية وفقًا للعقل الإنساني، ولجأ إلى التأويل فوقع في أخطاء خطيرة جدًّا في معظم أبواب العقيدة. • انحرف محمد أسد عن عقيدة أهل السنة والجماعة، ونفى كثيرًا من القصص القرآنية الثابتة في كتاب الله عز وجل، وعدَّها مجرد قصص خيالية وأساطير، وأنكر معجزات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وأوَّلها تأويلات باطلة. التوصية: ضرورة وجود فريق من العلماء والفقهاء للرد على مثل هذه الانحرافات؛ حتى لا يقع ضعاف الإيمان في مصيدة هذه الأفكار، وطباعة العديد من الكتب والمجلدات التي تتناول معجزات الأنبياء وتفسيرها، وترجمتها للغات الأخرى، وعقد العديد من الورش الدينية، والتوعية الدائمة. نسأل الله تعالى لنا ولجميع عباده الموحدين الهدايةَ والتوفيق والسداد. هذا، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |