|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() بيع أو استبدال الوقف غير المنقول إذا تعطلت منافعه د. ضياء الدين عبدالله الصالح الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد: فقد أجمع الفقهاء على عدم جواز بيع الوقف القائم، وكذلك اتفقوا على عدم جواز استبدال المسجد مطلقًا، خلافًا للحنابلة الذين لم يفرقوا في الاستبدال بين المسجد، وبين غيره، إذا خرب وتعطلت منافعه. وتعطل منافع الوقف على قسمين: الأول: تعطل جزئي لمنافع الوقف. الثاني: تعطل كلي لمنافع الوقف . فأجمعوا في التعطل الجزئي على أنه: لا يجوز للشخص الواقف أو لمن وُكل على الوقف أن يتصرف فيه ببيعه أو استبداله، طالما كانت الأضرار التي به لم تصل إلى درجة التلف التام أو التعطل التام، وطالما يمكن صيانة هذه الأضرار وتلافيها، وهذا بلا خلاف، وإنما الخلاف وقع بينهم في القسم الثاني؛ وهو التعطل الكلي. فقد اختلفوا في حكم بيع أو استبدال الوقف غير المنقول، إذا تعطلت منافعه كليًّا؛ على قولين: القول الأول: المنع وعدم الجواز، وهو مذهب المالكية، والشافعية، ورواية عن الإمام أحمد؛ [ينظر: حاشية الدسوقي 4/91، مغني المحتاج 3/479، المغني 6/225]. واستدلوا بما يأتي: 1- بحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: ((إن عمر بن الخطاب أصاب أرضًا بخيبر، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها، فقال: يا رسول الله، إني أصبت أرضًا بخيبر لم أصب مالًا قط أنفس عندي منه، فما تأمر به؟ قال: إن شئت حبست أصلها، وتصدقت بها، قال: فتصدق بها عمر، أنه لا يُباع ولا يُوهب ولا يُورث، وتصدق بها في الفقراء، وفي القربى وفي الرقاب، وفي سبيل الله، وابن السبيل، والضيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، ويطعم غير متمول))؛ [متفق عليه]. وجه الدلالة: أن ما لا يجوز بيعه مع بقاء منافعه لا يجوز بيعه مع تعطلها؛ [ينظر: شرح النووي على مسلم 11/ 86]. 2- أن في بيعه إبطالًا لشروط الواقف وحلًّا لعقده، ولإمكان عودة العمارة إليه. 3- لو كان البيع يجوز فيها ما أغفله مَن مضى مِن السلف الصالح، ولكنَّ بقاءه خرابًا دليلٌ على أن بيعه غير مستقيم عندهم، وبحسبك حجة في أمر قد كان متقادمًا بأن تأخذ منه ما جرى الأمر عليه، فالأحباس قديمة ولم تزل، وجُلُّ ما يؤخذ منها بالذي به لم تزل تجري عليه فهو دليلها؛ [ينظر: المدونة 4/418]. القول الثاني: يجوز ذلك إذا تعطلت منافعه كليًّا، وهو مذهب الحنفية، وقول لبعض المالكية، ورواية عن الإمام أحمد، وهو الراجح في المذهب، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم. [ينظر: بدائع الصنائع 6/ 221، فتح القدير: 6/ 221، حاشية الصاوي على الشرح الصغير: 4/ 124، المغني 6/ 225، مجموع الفتاوى 31/221]. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى [31/ 91 – 92]: "وإذا خرب مكان موقوف فتعطل نفعه بيع وصرف ثمنه في نظيره، أو نقلت إلى نظيره، وكذلك إذا خرب بعض الأماكن الموقوف عليها -كمسجد ونحوه - على وجه يتعذر عمارته، فإنه يصرف ريع الوقف عليه إلى غيره، وما فضل من ريع وقف عن مصلحته صرف في نظيره، أو مصلحة المسلمين من أهل ناحيته، ولم يحبس المال دائمًا بلا فائدة، وقد كان عمر بن الخطاب كل عام يقسم كسوة الكعبة بين الحجيج، ونظير كسوة الكعبة المسجد المستغنى عنه من الحصر ونحوها، وأمر بتحويل مسجد الكوفة من مكان إلى مكان حتى صار موضع الأول سوقًا". واحتجوا بما يأتي: 1- بالقياس على جواز بيع الفرس الحبيس - أي: الموقوفة على الغزو - إذا كبرت، فلم تصلح للغزو وأمكن الانتفاع بها في شيء آخر، مثل أن تدور في الرحى، أو يحمل عليها التراب، أو حصانًا يتخذ للطراق، فإنه يجوز بيعها، ويشتري بثمنها ما يصلح للغزو. 2- بأن الأصل هو استبقاء الوقف بمعناه، وعند تعذر بقائه بصورته، فوجب بيعه، وكذلك بأن الوقف مؤبد، فإذا لم يكن تأبيده على وجه يخصصه استبقاء الغرض؛ وهو الانتفاع على الدوام في عين أخرى، واتصال الإبدال يجرى مجرى الأعيان، وجمودنا على العين مع تعطلها تضييع للغرض؛ كذبح الهَدْيِ إذا أعطب في موضعه مع اختصاصه بموضع آخر؛ [ينظر: المغني مع الشرح، 6/ 225-226]. ♦ الخلاصة: أولًا: لا يجوز بيع المسجد مطلقًا؛ سواء تعطلت منافعه أو لم تتعطل، وهو قول جمهور الفقهاء؛ لأنه أصبح ملكًا لله تعالى، ولإمكان عوده كما كان، ولأنه في الحال يمكن الصلاة فيه، وفي بيعه مخالفة لشرط الواقف وحل لعقده، والشرط الشرعي للواقف كنص الشارع كما قرره فقهاؤنا، جزاهم الله خيرًا. ثانيًا: وأما غير المسجد من الأوقاف غير المنقولة إذا تعطلت وانتفت منافعه بالكلية، فيجوز بيعه واستبداله بمثله أو بأفضل منه تحقيقًا للمصلحـة العامة المرجـوة مـن بيعـه؛ لأنـه لا يمكـن الانتفـاع بالوقـف المعطـل منافعـه، أو تعطلـت معظـم منافعـه. ويتم الاستبدال بشروط قررها الفقهاء جزاهم الله خيرًا، وكما يأتي: 1- أن يخرج الموقوف عن الانتفاع به بالكلية؛ أي: يصبح عديم المنفعة، وتتعطل منافعه تعطلًا حقيقيًّا ينقطع به ريعه الذي يمكن أن يعمر به، أو ينقص الانتفاع به نقصًا ظاهرًا، أو يكون في استبداله حاجة ملحة حقيقية غير متوهمة، لا يمكن تحصيلها إلا عن طريق استبدال الوقف. 2- ألا يكون البيع بغبن فاحش، وأن يكون بسعر المثل. 3- أن يكون الاستبدال إلى وقف آخر هو بمثله أو أفضل وأنفع من الوقف من السابق، ويسجل باسم نفس الواقف وشرطه. 4- أن يكون المستبدل قاضيَ الجنة؛ كما وصفه الفقهاء: وهو ذو العلم والعمل، لئلا يؤدي الاستبدال إلى إبطال أوقاف المسلمين، كما هو الغالب زماننا هذا. وأن يكون ذلك الاستبدال بإشراف لجنة معتبرة من أهل الديانة والأمانة، والعلم والخبرة في الوقف؛ للتأكد من تحقق الشروط والضوابط، وتحقق المصلحة العامة، وصحة الإجراءات والترتيبات بالتعاون مع الجهة المسؤولة التي لها الولاية العامة في القضاء والإدارة والتنفيذ. 5- أن يستبدل به عقار أو عين موقوفة، لا دنانير أو عملة ورقية، لئلا يأكلها نظار الوقف؛ ولأن قيم العملة متغيرة غير ثابتة، فربما إذا ادخرت بدل الوقف قد تنخفض قيمتها مع مرور الزمن. 6- أن يقتصر على قدر السبب الموجب لاستبدال ونقل الوقف، ولا يتوسع في غيره؛ لئلا يكون ذلك ذريعة للعبث بأوقاف المسلمين، أو إبطالها. فإذا لم تتوافر هذه الشروط فلا يجوز حينئذٍ البيع أو الاستبدال حفاظًا على أوقاف المسلمين من الضياع والتلاعب بمقدراتها، فالحفاظ على أوقاف المسلمين ورعايتها وتنميتها وحمايتها من التعدي والتعطل من الواجبات المهمة التي تتضمن حفظ حق الواقف والموقوف عليهم، فعلى إدارات الأوقاف وجميع الجهات المعنية التعاون في ذلك، وعدم إهمالها أو تمكين العابثين من الوصول إليها؛ ليستمر خيرها ونفعها للمسلمين، والله تعالى أعلم.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |