|
ملتقى الأخت المسلمة كل ما يختص بالاخت المسلمة من امور الحياة والدين |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() تصرفات الآخرين خارجة عن نطاق سيطرتنا أما تأثيرها علينا فقد يلازمنا مدى الحياة نهى فرج "جارتي": كنتُ كثيرًا ما أسمَعُها تتحدَّث عن مدى مشاغبة أولادي، وكيف أن تصرفاتهم غيرُ مهذَّبة وغير لائقة، وتدل على عدم قدرتي على السيطرة عليهم، وأنني أفتقدُ أصول التربية للأولاد! وكثيرًا ما كانت تُشيد بأخلاقِ باقي الأطفال الذين تعرفهم، وتتمادى في انتقاد أطفالي وكأنهم أسوأُ أولاد على وجه الأرض، وتُصنِّفهم ضمن الأولاد ناقصي التربية. كانت لا تكفُّ عن توجيه الانتقادات، سواء بشكل مباشر فتتحدَّث معي، أو كنت أستمع إليها وهي تتحدث مع مَن تعرفهم عن بشاعة أخلاق وسلوكيات أولادي، وعن فشلي في تربيتهم. كانت جارتي - يا بنتي - دومًا تشكو وتبث إليَّ همومها وأحزانها، وتقص عليَّ هذه الأحداث مراتٍ عديدة، وفي كل مرة تكون متألِّمة جدًّا، وصوتها كله حزن وحسرة، وصوت بكائها يخترق كلماتِها، والدموع تسيل من عيونها، وكانت لا تعرف ولا تجد ولو سببًا واحدًا لقسوة هذه السيدة عليها، التي دومًا ما تنتقد أولادها وتتَّهمها بالإخفاق في تربيتهم. وما كان يزيد إحساسها بالجرح، هو أنها تتلقى هذه الكلمات من والدتها، جدة الأولاد. كانت جارتي تقول لي: كيف يمكنني أن أوضح لوالدتي أنَّ وصفها لأولادي غير صحيح؟ وأن هذه طبيعة كل الأطفال، ومِن صفاتهم المتعارف عليها وَفقًا لأعمارهم؟ كيف أوضِّح لها أنني لست فاشلة أو غير قادرة على السيطرة على أولادي؟ والأهم: كيف أوضِّح لها أن ما تفعله ليس تقديم نصيحة نافعة إليَّ، إنما نقدٌ جارح، وتشويه لصورة أولادي ولصورتي أمام الآخرين؟ لقد حاولت مرارًا أن أَلفِتَ انتباهها أن سلوكها معي يُزعِجني ويُؤلِمني، وأن لا جدوى من هذا النقد المستمرِّ الموجَّه إليَّ. كنتُ كثيرًا ما أسألها: لماذا تحكي لمعارفها وصديقاتها عن أولادي وعني بهذه الصورة السلبية السيئة؟ وإنني حقًّا أتألَّم من أسلوبها واتَّهاماتها لي المستمرة، لكنَّها لم تكفَّ عن نهجها معي، ولم تشعر بمشاعري، واستمرَّت بنفس طريقتها، ولا شيء تغيَّر؛ فحاولتُ أن أتجنَّب أية مناقشات معها؛ لأنها لن تقتنع أو حتى تستمع إليَّ، وحاولت ألا أغضب، وأن أتحكم في مشاعري في حالة ما سمعتُها تتحدث عن أولادي مع الآخرين كعادتها. ولكن لم أتمكن من عدم الغضب والضيق من كلماتها وأسلوبها المتكرر معي، ما تمكَّنت منه هو عدم التعليق على اتهاماتها، وعدم الانفعال عليها جرَّاء كلماتها وانتقادها المستمر. كم كنت يا بُنيَّتي أتألم لجارتي، وأقدِّر مشاعرها وأحاسيسها التي ما زالت تصاحبها حتى بعد مرور السنوات. جارتي اليوم، أصبحت جدةً كبيرة، ولها أحفاد كثيرة، وكلما رأَتْهم تذكَّرت أولادها في طفولتهم، والنقدَ الجارح، والكلمات السلبية التي كانت تسمعها، والشكوى المستمرة من أولادها غير المهذَّبين! أما أولادها، فحمدًا لله، استطاعوا محوَ الصورة الزائفة عنهم وعن إخفاق والدتهم في تربيتهم؛ فحياتُهم الخاصة والاجتماعية ناجحةٌ ومستقرَّة، ومثال يحتذى به في الأخلاق والمكانة العِلمية والعملية في المجتمع. أقرب الأشخاص إلينا يا بنتي قد يتسبَّبون في جرح مشاعرنا وإيذائنا نفسيًّا، عن دون قصد منهم. قد يفتقدون الطريقة الصحيحة للتعبير عن حبهم وخوفهم علينا، حتى طريقة تقديم النصيحة إلينا، قد يَعجِزون عن ذلك. يجب أن نلتمس الأعذار لهم، ونتغافل عما يصدر منهم يا بنتي، ولكن قد لا نتمكَّن مِن منع أنفسنا مِن الغضب والبكاء والحزن من تصرفاتهم معنا، التي لا نتمكن من منعها والتخلص من قسوتها علينا. قريبًا سنُبارك لك يا حبيبتي بمولودِك الأول، ستمر السنوات، وربما حفيدي يصبح طفلًا مشاكسًا مزعجًا في مشاغبته، فإن صدر مني كلمات قاسية عليه أو على تربيتك له، أرجو منك يا بنتي أن تذكِّريني بقصة جارتي.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |