|
ملتقى الأخت المسلمة كل ما يختص بالاخت المسلمة من امور الحياة والدين |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() عنوسة الفتاة وعمل الشاب اليوم! السيد راشد الوصيفي إن العنوسة هي أخطر مشكلة تواجه الفتاة اليوم، وذلك في وقتنا الراهن، وهذه المشكلة العويصة لا تعانيها الفتاة فحسب، بل أشدها وطأة على الأبوين، خاصة الأم، فكلما تدْخل الأم بيتها وتخرج وتجد بناتِها تجلسن لا عمل لهن ولا مستقبل يحتضنهن، والمرأة بطبيعة الحال لا بد من ارتباطها بالرجل، وبهذا الارتباط تكون سنة الحياة، وتكوين وإنشاء ذرية، وهكذا دواليك الحياة، ولا تجد المرأة حياتها إلا في مملكتها الخاصة بها، يظللها الرجل بحبه وحنانه، ولا يجد الرجل مبتغاه إلا في عُشه الذي يضم الزوجة الحنون المحبة له، والمقدِّرة لسعيه وجدِّه واجتهاده، ومن هنا تبدأ الحياة في سيرتها الأولى، ثم يأتي بعد ذلك الأولاد والذرية، ومن هنا ينشأ جيلٌ بعد جيلٍ، يكبَر الجيل الأول، ويسلم راية الحياة للجيل الجديد، وهكذا دوليك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهذا هو ناموس الحياة تلك، التي جُبلت عليه من يوم أن خلق الله الأرض ومن عليها، ولو نظرنا بعين البصيرة إلى وقتنا المعيش لوجدنا العجب العجاب في رتم الحياة الذي اختلف عما كان عليه من قبل، فالمرأة بدأت تناطح الرجل، وأخذت تصارعه في استنكاف تيارات الحياة "لتثبت جدارتها وأنها مثله" وإن كانت مقولة عليها غشاوة ندركها وتدركها الفتاة جيدًا. والسبب في ذلك راجعٌ إلى أنَّها قد انتظرته طويلاً، فلم يسأل عنها، ولم يطرق بابها، فوجدت نفسها في مهب الرياح، وقادمة على كارثة اسمها "العنوسة"، ولا مناص لها من ذلك طالما عزف عنها الشباب، فكل يوم يمرُّ عليها تتحسس تحت مخدتها، كم عمرها الآن؟ وماذا سيكون عمرها غدًا، بل بعد ساعةٍ؟ وتسأل نفسها في حنقٍ واستكراه رغم تبسمها لتزيح عما يجيش بصدرها: هل سيترهل جسمي الممشوق؟ هل سيبيضُّ شعر رأسي؟ هل جمالي سينطفئ؟ إنها أسئلة تهُدُّ من كِيان الفتاة مهما كانت من عِلية القوم أو من دونيته، فكل هذه الأسئلة تتصارع في مخيلتها، وتتضارب في رأسها، حتى جعلتها لا تنام الليل، ولا يهدأ لها بالٌ، فتصحو من نومها تتأمل جسمها، وتنشر شعرها، وتقولُ لنفسها: أين أنا على خريطة الحياة؟ هل يا تُرى هذا الجمال لنفسي؟ وهذا كل ما تملكه الفتاة من الثروة التي تنظر بها إلى المستقبل، وإن قال قائلٌ: هذا خطأ، وإن تجنت واحدةٌ وقالت: إنني نسيتُ أهم شيء وهو العقل، فلكما الحق، ولكنني لم أنسَه، فالعقل هو ميزان التفاخر، وهو لُبُّ الجمالِ، وذلك عند مَن؟ عند مَن يعي معنى هذا اللب العظيم، الذي جعله الله - تبارك وتعالى - مناط التكليف في الحياة والسعي والإيمان، فقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الرعد: 19]. وعند هذا الصراع النفسي لهذه الفتاة الطيبة المسكينة الجميلة ترد على نفسها وبكل حزمٍ، وضغط على أنيابها، قائلة: لا بد من أن أضع المساحيق، وأعمل في ملابسي كذا وكذا، وكل ذلك لجذب الفريسة المرتقبة، وإن تصنَّع بعضهن بالقول المأثور: أُظهر جمالي لنفسي، أو أظهره حتى أكون أحسن من غيري من الفتيات، لمن يا تُرى هذا الجمال؟! وأحسب أنني أتذكر هذه الوردة التي تبث رائحتها الذكية العطرة، وتظهر ألوانها الفتَّانة البارعة؛ لتدنو الفراشة منها للونها الأخَّاذ، ورائحتها العطرة، ولترتشف من رحيقها الحلو، ومن ثم تدلف إلى مَبْسِمها اللزج، عندئذ حانت لها الفرصة، فتطبق عليها أغلفتها المزركشة في إحكامٍ، ومِن ثَم تلتصق بمبسمها اللزج، فلا تستطيع الحراك، وتسمى صائدة الفراشات، ويسمونها بـ "حنك السبع". إن قضية العنوسة ليست بالقضية السهلة أو التافهة أو البسيطة أو الهينة، كما يصورها بعض الناس؛ وإنما هي قضية الحياة، يجب أن نفكر فيها جيدًا، وأن ندرك أبعادها على كل نفسٍ، وعلى المجتمع ككل، ليست قضية العنوسة لغلاء المهور كما تصور بعضهم، أو للبذخ في الأفراح، وإن كان ذلك من أسباب تأخر الزواج، وإنما هذه القضية مردودها لعوامل؛ أهمها: 1 - أن الشاب لا يُقدر كما يجب، بل لا يُنظر له نظرة مستقبلية من حيث إنه حامل اللواء، وإنه الأساس في النهوض بالمجتمع، فلو أحسنَّا بناء هؤلاء الشباب منذ الطفولة لكانوا المعول الذي يُعتمدُ عليه في بناء النهضة والعمران. 2 - عزوف الشباب عن كثير من الأعمال، على الرغم من أنها لا تنافي الكرامة، فالعمل شرف، والعمل حياة، طالما لم يخدش الحياء. 3 - تصارع الفتيات على العمل، ومزاحمة الرجال في أعمالهم، تحت مسمى (المساواة)، فلو دققنا النظر في هذا التزاحم وما يسمى بالمساواة للشباب والفتيات، لوجدنا أن هذه المزاحمة ظلمٌ وتعسفٌ لكلا الطرفين، فلو أننا سلمنا جدلاً بأن الفتاة أخذت مكان الشاب في العمل، وكان لها مكانتها وراتبها الشهري، ونُبذ هذا الشاب الذي زاحمته على عمله، وجلس في البيت، أو ركض يلهث على المؤسسات للعمل، إنها قضية لا بد من تداركها، فقد جاء في تحقيق أُجري مع سائق تاكسي حول تولي الفتاة مهنة سائقة تاكسي أجرة، وكان رده مقنعًا، ولو أنه يعبر عن رأيه الخاص - وله الحق في التعبير عن نفسه - قال وبالحرف: "إذا عملت الفتاة في مهنة سائقة تاكسي أُجرة، سوف أعتزل المهنة، وأتركها لها". إذا قلنا: إن شبح العنوسة يزحف إلى كل فتاة في مجتمعاتنا، وأن الشباب لم يُقبلوا عليهن، فهذا ليس برغبة الشاب، ولكنما هو مُجبرٌ وملزمٌ بهذا العزوف؛ لأنه لا يعمل، ولم يُبجَّل من قِبَل المجتمع، ومن قِبل الفتاة أيضًا، فعزوف الشباب عن الزواج، وخلق العنوسة للفتاة، فهذا رغم عن أنف الشاب الذي يحلم ليل نهار بأن يتزوج، ولكن يديه خاويتان. إن الأمر جد خطير، لا أقول بأن نقلد الغرب في زيجاتٍ جماعية، ويختلط الحابل بالنابل، ويكون مهرجانًا للتزاوج، مثل تزاوجِ الطيورِ أو غيرهم من الخلق في مواسم التزاوج، والهدف لمّ شمل المشرقي على المغربي، وإن كان ذلك، فأين المشاعر، وأين الأحاسيس، وأين الحُبُّ والتآلف؟! وأحسبُ برأيي الشخصي أن مثل هذه الزيجات سوف تفشل حتمًا ولا بد، وإن نجح منها 5 ٪، وأنه سيتخلى كل زوج عن زوجته، وتعبس الزوجة في وجه زوجها، وبذلك يضيع المجتمع، ويقول الشباب: هيا بنا نعقد صفقة من زواجٍ جماعي آخر؛ فإنه لا يكلفنا شيئًا، وهو مهرجان، إنها إحدى الكوارث التي تدمر مستقبلنا ومستقبل أبنائنا. وهل أقول - كما يقول الآخرون -: على أصحاب القلوب الرحيمة أن يدّخروا من مصروفاتهم لزواج الشباب والفتيات، فهم - يا حسرة - ملتاعون، ولم يجدوا ما يسد رمقهم من أجل الزواج، فإن حصل ذلك، فقل بالله عليك، أو قولي بالله عليكِ، كيف يعيش الشاب المتزوج والفتاة بعد ذلك، بعد زواجهما من تدبير الآخرين لسد رمقهم؟! دعوني أقص عليكم هذه القصة الحقيقية: فقد استأجرتُ سيارة في يوم من الأيام؛ وذلك لنقل أغراضي من مكان ٍ إلى آخر، وجلستُ بجوار السائق، وقد كان يناهز الخامسة والأربعين عامًا من عمره، فتميلُ لحيته إلى البياض، وعلى وجهه سَحنة الشقاء، والجد، والصبر، فقلت: لا بد أن أتحدث معه في أمور الحياة؛ حتى لا نمل الطريق، فهو طويل من (مدينة بركاء) إلى العاصمة (مسقط) بسلطنة عُمان، فربما تعدت المسافة أربعة وثمانين كيلو مترًا. قلتُ له: كيف حالكَ، وحال عائلتكَ أيها الشيخ؟ قال: بخيرٍ والحمد لله. فقلتُ له: وما رأيكَ في ظروف الحياة اليوم؟ انتبه لي، وكأنما نطحته كلمة (ظروف الحياة)، وقال: ظروف الحياة صعبةٌ للغاية، وأول صعوبتها ما نحن فيه. قلتُ: وما الذي أنتم فيه؟ فأنتم في خيرٍ والحمد لله. قال: نعم، والحمد لله رب العالمين، ولكن كل ذلك لا يكفي لمطالب الحياة اليوم يا بني. وأردف يقول: عندي سبع بناتٍ قد أنهين دراستهن الثانوية، ويجلسن في البيت، الأولى تجلس منذ خمس سنواتٍ، والثانية... وأخذ يعدد، وأنا أسمع له بإمعانٍ وتدبر، وقد فاتهم قطار الزواج - كما يقولون - قلتُ: لا حول ولا قوة إلا باللهِ العلي العظيم! قال: لِمَ تُحوقل؟! فليس هناك من شباب اليوم!! قلتُ: ألم ترَ هؤلاء الشباب الذين نمرُّ عليهم الآن؟ منهم من يقود سيارته مسرعة كالطير، ومنهم من يقف على قارعة الطريق مع "شلّته" المُفضلة. قال: هم شباب، ولكن جيوبهم خاوية؛ لأنهم لا يعملون!! قلتُ: ولماذا لم يعملوا، وأنا جئتُ هنا لأعمل؟! .. وأخذ يقص عليَّ قصة طويلة لا نهاية لها، وكأنما قد فجرتُ ينبوعًا متدفقًا محبوسًا في صدره منذ أمدٍ طويل، قال: يا ولدي، كنا "زمان" نعمل ولا نعيب العمل، مهما كان، فقد عملتُ في شتى الأعمال من المباني والسباكة، وغيرها من الأعمال الشريفة بالطبع، وسافرتُ طلبًا للعمل في الإمارات، والسعودية، والكويت، وغيرها من الدول العربية الأخرى، والهدف كان العمل وطلب الرزق الحلال، ولكن شباب اليوم لا يريدون أن يُتعبوا أنفسهم، فالواحد منهم يريد سيارة، ومكتبًا، وأن يصبح مديرًا وإلا فلا، وإن عمل أقل من مديرٍ يرجع إلى بيته حاسرًا خاسرًا، ويجلس بجوار أمه وأبيه، فكيف لهذا الشاب أن يتزوج، وأن يُقدم على تحمل مسؤولية زوجة وبناء بيت؟! فقلتُ في نفسي: لك الحق، رحم الله "زمان"، وصبَّركَ اللهُ على ما أنت فيه، ورحمةُ اللهِ على شبابنا، قلتُ: وما الحل يا شيخنا العزيز؟ قال: لا حل إلا أن يعمل الشاب أولاً، ثم يأتي إلى طلب ابنتي للزواج. قلتُ له: إنكم تطلبون مهورًا كثيرة، وتعرفون ظروف الشباب، فمن أين يأتون لكم بهذه الأموال الطائلة؟! قال: هذا كلام، ولكن إذا وجدتُ الشاب القوي المستقيم، الذي يعمل عملاً شريفًا؛ سأزوجه ابنتي دون مهرٍ، بل سوف أساعده في زواجه قدر طاقتي؛ لأنه سيتزوج ابنتي التي أطلب لها الزواج والاستقرار، والتي تدعو لها أمها ليل نَهارَ بأن يسترها الله بابن الحلال، وأن تتزوج. قلت له: وإن كان بدون حسب؟ قال: الحسب عندنا هو أن يكون ذا أصلٍ طيب. قلتُ له: وإن لم يعمل الشاب؟! قال: ستعنس بناتي السبع. وقال: أنزل أغراضكَ، فإنني مستعجل؛ حتى أذهب إلى السوق لأشتري لزوجتي وبناتي ما يطلبون. أنزلتُ أغراضي على عجلٍ، وقد ساعدني، جزاه الله كُلَّ خيرٍ، وأعطيتُهُ الأجرة التي اتفقنا عليها، وركبَ سيارته وانطلق مسرعًا يسابق الريحَ، وأنا أنظرُ إليه، وأقولُ في نفسي: يا ليته يزوجني ابنته.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |