|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() ﴿ وَنَأَى بِجَانِبِهِ ﴾ في القرآن الكريم وكلام العرب [1] د. أورنك زيب الأعظمي في القرآن الكريم تعابير عديدة عربية جاء كثير منها في كلام العرب؛ فمثلًا: ﴿ أَبْرَمُوا أَمْرًا ﴾ [الزخرف: 79]، و﴿ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ ﴾ [يونس: 71]، و﴿ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا ﴾ [الأنبياء: 91]، و﴿ بَلَغَ أَشُدَّهُ ﴾ [يوسف: 22]، و﴿ خَرُّوا سُجَّدًا ﴾ [مريم: 58]، و﴿ فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ ﴾ [الأعراف: 22]، و﴿ اسْتَرَقَ السَّمْعَ ﴾ [الحجر: 18]، و﴿ سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ ﴾ [الأعراف: 149]، و﴿ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ ﴾ [الإنسان: 28]، و﴿ فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا ﴾ [طه: 77]، و﴿ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ ﴾ [البقرة: 61]، و﴿ أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا ﴾ [الزخرف: 5]، و﴿ وَفَارَ التَّنُّورُ ﴾ [هود: 40]، وغيرها كثير. وفي هذا المقال نتحدث عن عبارة ﴿ وَنَأَى بِجَانِبِهِ ﴾ [فصلت: 51]، وعما يشابهها من التعابير في ضوء القرآن الكريم وكلام العرب. قال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ ﴾ [فصلت: 51]، وقال: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ * ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴾ [الحج: 8، 9]، وقال: ﴿ وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ * فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ﴾ [الذاريات: 38، 39]، وقال: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ ﴾ [المنافقون: 5]، فـ﴿ وَنَأَى بِجَانِبِهِ ﴾، و﴿ ثَانِيَ عِطْفِهِ ﴾، و﴿ فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ ﴾ - كلها تعبير عن تلوية الرأس؛ وهو الاستعراض مستكبرًا؛ كما قال الشيخ أمين أحسن الإصلاحي صاحب تفسير "تدبر قرآن": ﴿ وَنَأَى بِجَانِبِهِ ﴾ يدل على ما يدل عليه، و﴿ فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ ﴾، و﴿ ثَانِيَ عِطْفِهِ ﴾، وأمثالهما من التعابير؛ فـ﴿ وَنَأَى بِجَانِبِهِ ﴾ تعبير عن الإعراض مستكبرًا، فإذا أعرض الإنسان عن أحد بالاستكبار، تولى ثانيًا عطفه ورجع"[2]. وقال شيخه الإمام عبدالحميد الفراهي شارحًا تعبير ﴿ فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ ﴾: "﴿ فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ ﴾: أي: أعرض إنكارًا واستكبارًا، فالركن ها هنا هو المنكب والباء للتعدية؛ كما قال تعالى: ﴿ وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ ﴾ [الإسراء: 83]، ويشبه هذا المعنى قوله تعالى في قصة فرعون وقومه: ﴿ فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [النمل: 13، 14]، فلم يكن إنكارهم من شك، فإن الآية كانت مبصرة، ولكنهم استكبروا وجحدوا بها ظلمًا وعلوًّا"[3]. فالجانب والعطف والركن كلها كلمات مترادفة، كما أن النأي والتولي والثني كلمات لها معانٍ متشابهة؛ ولنقرأ الشواهد الآتية: قال مروان بن أبي حفصة: وظل الشام يرجف جانباه *** لركن العز حين وَهَى فمالا[4] وقال امرؤ القيس: وخرقٍ كجوف العير قفرٍ مَضِلَّةٍ ![]() قطعت بسامٍ ساهمِ الوجه حسَّانِ ![]() يدافع أعطاف المطايا بركنه ![]() كما مال غصنٌ ناعم بين أغصانِ[5] ![]() والأعطاف: جمع العطف. وقال عنترة بن شداد العبسي: خَطَرت فقلتُ قضيبُ بانٍ حرَّكت *** أعطافَه بعد الجنوب صَباءُ[6] وقال وضاح اليمن: صدع البين والتفرق قلبي*** وتولت أم البنين بلبي ثوت النفس[7] في الحمول لديها*** وتولى بالجسم مني صحبي[8] وقال عروة بن أذينة: وإن تولى امرؤ بشكر يد*** فالله يجزي بها ويشكرها[9] وهذه التعابير استُخدمت في كلام العرب القديم؛ فقد قال عنترة بن شداد العبسي: وكأنما ينأى بجانب دفها ال ![]() وحشي بعد مخيلة وتزعمِ ![]() هر جنيبٍ كلما عطفت له ![]() غضبى اتقاها باليدين وبالفمِ[10] ![]() وقال المتوكل الليثي: وأشد للمولى[11] المدفَّع[12] ركنه*** شفقًا من التعجيز وهو مليمُ ينأى بجانبه إذا لم يفتقر *** وعليَّ للخصم الألد هضيمُ[13] وقال أبو العيال الهذلي: ذهب العتاب فلا أرى إلا امرأ ![]() جلدًا يقول لدي ما يعنيني ![]() ينأى بجانبه ويزعم أنه ![]() ناجٍ من اللوماء غير ظنينِ[14] ![]() وقال أبو ذويب الهذلي: أنوء به فيها فيأمن جانبي *** ولو كثرت فيها لدي البوارقُ[15] وقال الراعي النميري: فجال إذ رعته ينأى بجانبه*** وفي سوالفها من مثله قِددُ[16] وقال أبو زيد الأسدي: ففاجأهم يستنُّ ثاني عطفه*** له غَبَبٌ كأنما بات يمكرُ[17] ولم أجد شاهدًا على ﴿ فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ ﴾، وقد أحصل عليه في مستقبل قريب. وأما ﴿ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ ﴾، فقال أبو ذويب الهذلي: رعى خالد سِرِّي لياليَ نفسه ![]() توالى على قصد السبيل أمورها ![]() فلما تراماه الشباب وغيُّهُ ![]() وفي النفس منه فتنة وفجورها ![]() لوى رأسه عني ومال بوُدِّهِ ![]() أغانيجُ خُودٍ كان قِدمًا يزورها[18] ![]() وكذا يشبهه "ثني الجيد"؛ كما قال حسان بن ثابت الأنصاري: لو كنت من هاشم أو من بني أسدٍ ![]() أو عبد شمس أو أصحاب اللوا الصيدِ ![]() أو من بني نوفل أو رهط مطلبٍ ![]() لله درك لم تهممْ بتهديدي ![]() أو في الذؤابة من قوم ذوي حسبٍ ![]() لم تصبح اليوم نكسًا ثاني الجيدِ[19] ![]() وقال إبراهيم بن هرمة القرشي: فأقسم لا تعود له رقائي*** ولا أثني له ما عشت جيدي[20] ومثلها "جر العطف"؛ كما قال جميل بثينة: فقام يجُرُّ عِطفيه خُمارًا*** وكان قريب عهد بالمماتِ[21] وهكذا المد باللحيين؛ كما قال نابغة بني جعدة: له عنق في كاهل غير جانب*** مد بلحييه وولى مدبرا[22] والحقيقة أن كلها تعني النأي عن أحد والإعراض؛ كما قال امرؤ القيس: فإن تنأ عنها حقبةً لا تلاقها*** فإنك مما أحدثت بالمجربِ[23] وقال أبو الأسود الدؤلي: كلانا جاهد أدنو وينأى *** كذلك ما استطعت وما استطاعا[24] وقال تعالى: ﴿ وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾ [الأنعام: 26]، والفرق بين "النأي"، و"نأى بجانبه" وأمثاله أن الأخير يصور الأمر فيسهل فهم المراد. المصادر والمراجع: 1- تدبر قرآن (تفسير أردوي للقرآن الكريم)؛ للشيخ أمين أحسن الإصلاحي، تاج كمبني، دلهي، 1989م. 2- جمهرة أشعار العرب في الجاهلية والإسلام، لأبي زيد محمد بن أبي الخطاب القرشي، تحقيق: محمد علي البجادي، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، د.ت. 3- ديوان أبي الأسود الدؤلي، صنعة: أبي سعيد الحسن السكري، تحقيق: الشيخ محمد حسن آل ياسين، دار ومكتبة الهلال، ط: 2، 1998م. 4- ديوان الهذليين، الجمهورية العربية المتحدة، الثقافة والإرشاد القومي، طبعة دار الكتب، 1996م. 5- ديوان امرئ القيس، ضبطه وصححه: الأستاذ مصطفى عبدالشافي، دار الكتب العلمية، بيروت، 2004م. 6- ديوان جميل بثينة، دار بيروت للطباعة والنشر، بيروت، 1982م. 7- ديوان حسان بن ثابت الأنصاري الخزرجي، شرح: ضابط بالحربية، مطبعة السعادة، مصر، د.ت. 8- ديوان عبيد بن الأبرص، بشرح: أشرف أحمد عدرة، دار الكتاب العربي، بيروت، 1994م. 9- ديوان مروان بن أبي حفصة، جمع وتحقيق وتقديم: د. حسين عطوان، دار المعارف، ط: 3، 1982م. 10- ديوان وضاح اليمن، جمع وتقديم وشرح: د. محمد خير الدين البقاعي، دار صادر، بيروت، ط: 1، 1996م. 11- شرح ديوان عنترة بن شداد العبسي، للعلامة التبريزي، دار الكتاب العربي، ط: 1، 1992م. 12- شعر إبراهيم بن هرمة القرشي، تحقيق: محمد نفاع وحسين عطوان، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق، 1869م. 13- شعر أبي زيد الطائي، جمع وتحقيق: د. نوري حمودي القيسي، مطبعة المعارف، بغداد، 1967م. 14- شعر الراعي النميري وأخباره، جمع وتقديم وتعليق: ناصر الحاني، دمشق، 1964م. 15- شعر المتوكل الليثي، تحقيق: د. يحيى الجبوري، مكتبة الأندلس، بغداد، د.ت. 16- شعر عروة بن أذينة، تحقيق: د. يحيى الجبوي، دار القلم، الكويت، ط: 2، 1981م. 17- شعر عروة بن أذينة، تحقيق: د. يحيى الجبوي، دار القلم، الكويت، ط: 2، 1981م. 18- نظام القرآن وتأويل الفرقان بالفرقان، للإمام عبدالحميد الفراهي، الدائرة الحميدية، مدرسة الإصلاح، سرائ مير، أعظم كره، 2018م. [1] د. أورنك زيب الأعظمي: مدير تحرير مجلة الهند، وأستاذ مساعد بقسم اللغة العربية وآدابها، الجامعة الملية الإسلامية، نيودلهي. [2] تفسير تدبر قرآن، (7/ 127). [3] نظام القرآن وتأويل الفرقان بالفرقان (طبعة الدائرة الحميدية، 2018م)، (1/ 469 - 470). [4] ديوانه، ص: 79. [5] ديوانه، ص: 164. [6] ديوانه، ص: 21. [7] النفس: الروح. [8] ديوانه، ص: 33. [9] شعره، ص: 334. [10] شرح ديوانه، ص: 164. [11] مولى: جار وصاحب ضعيف. [12] المدفَّع: هو الفقير. [13] شعره، ص: 78، 79. [14] ديوان الهذليين، (2/ 265)، وظنين: مُتَّهم. [15] ديوان الهذليين، (1/ 153). [16] شعره، ص: 47. [17] شعره، ص: 62، يستن: يجيء دفعة واحدة، غبب: الجلد الذي تحت الحنك، يمكر: ينفخ، يغتر. [18] ديوان الهذليين، (2/ 155). [19] شرح ديوانه، ص: 113؛ قال الشارح: "قوله: ثاني الجيد؛ أي: منحني ومنعطف الجيد؛ قال تعالى: ﴿ ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [الحج: 9]؛ [المصدر نفسه، ص: 114]. [20] ديوانه، ص: 113. [21] ديوانه، ص: 96. [22] جمهرة أشعار العرب، ص: 626، ودَبَّرَ: أدبر. [23] ديوانه، ص: 30. [24] ديوانه، ص: 149.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |