|
ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() معالي الأمور د. حسام الدين السامرائي الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعد: فقد روى الطَّبراني بسند صحيح من حديث الحسين بن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تعالى يحبُّ معاليَ الأمور وأشرافَها، ويكره سفسافَها)). مقارنةٌ يَعقِدها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين ما يحبُّه الله وبين ما يُبغِضه، فالله يحبُّ من الأعمال أشرفَها، ومن الأوقات أفضلَها، ومن البقاع أطهرَها، ويكره الوضيع والمنحطَّ والتافه من الأمور، إنها مقارنة بين من يَنظر إلى النجوم وتَتوق نفسُه إلى الارتقاء لها، وبين من ينظر إلى الطين أو تحتَ قدَميه ولا يرفع له رأسًا أبدًا. يؤدِّبنا رسول الله عليه الصلاة والسلام بالنظر إلى المعالي، فقال - والحديث عند الإمام البخاري في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه - صلى الله عليه وسلم: ((فإذا سألتُم الله فسَلوه الفردوس؛ فإنه أوسطُ الجنة وأعلى الجنة، وفوقَه عرشُ الرحمن، ومنه تفجَّر أنهار الجنة))، وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدريِّ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أهل الجنة ليتَراءَون أهل الغُرَف من فَوقهم كما تتراءَون الكوكب الدريَّ الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب؛ لتفاضُلِ ما بينهم))، قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم! قال: ((بلى والذي نفسي بيده، رجالٌ آمنوا بالله وصدَّقوا المرسلين)). لا يَستوي مَن هدفُه السمو والرقي والتقدم مع مَن هدفه الكسل والدَّعة والنوم؛ قال سبحانه: ﴿ لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ﴾ [النساء: 95]، وقال جلَّ وعلا: ﴿ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا ﴾ [الحديد: 10]. لما تُوفِّي رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ابن عبَّاس رضي الله عنهما لم يَبلُغ الحلُم، وكان معه غلامٌ من الأنصار يصاحبه، فقال ابن عباس لصاحبه: هلمَّ بنا نَطلُب العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الغلام الأنصاري: وماذا تريد بعد طلب العلم؟ هل ستُصبح عالمًا؟ أتريد أن تكون عالمًا وفي الناس من أمثال أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، فتُزاحم هؤلاء؟! فجلس الغلام الأنصاريُّ يتعلم حِرفة أو صَنعة، ومضى ابن عباس يَطلب العلم حتى بلَغ مبلغًا فيه، فأصبح الناس يتَوافدون على باب بيته ويتزاحَمون، وهو لم يبلغ الثلاثين من عمره؛ هذا يسأله عن الحديث، وذاك يسأله عن آية في كتاب الله، وآخر يسأله عن مسائلَ في الفقه! وهكذا، فالناس متفاوتون في هِمَمِهم؛ فمنهم من همته تُناطح الجبال، ومنهم من همتُه بين الحفر، يَذكر أهل التاريخ عن كافورٍ الإخشيدي أنه دخَل مصر عبدًا ليُباع في سوق النخَّاسين، وبينما هو كذلك سأل رفيقًا له عن أمنيته، وهما في ذات الظرف وذلِّ الرِّق، فقال رفيقُه: أتمنى أن أباع إلى طبَّاخ لآكُل ما شئتُ متى شئت! وهي بلا شكٍّ أمنية وضيعة، ولكنها قد تكون موضوعيَّة في نظر البعض؛ قياسًا بظرفه، أما كافور فقال: أما أنا، فأتمنَّى أن أملِك هذه البلاد! ومرَّت السنون وبيعَ كافورٌ لقائدٍ في الجيش، علَّمَه أصول الجنديَّة حتى صار فارسًا مِغوارًا، ثم قائدًا عظيمًا، ثم أصبح ملكًا، فمرَّ كافورٌ وحوله الحرس على رفيقه في الرِّق، فوجده عند الطباخ، فقال لأصحابه: أما هذا فقد قعَدَت به همته، فهو كما ترَون، وأما أنا فقد طارت بي همتي إلى ما ترَون! أمَّتنا اليوم بحاجةٍ إلى من يَنظر إلى معالي الأمور، أمَّتنا اليوم بحاجة إلى أصحاب الهمم العالية، والأهداف الرفيعة، والقيم السَّامية، قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: إنَّ لي نفسًا توَّاقة، لم تَتُق إلى منزلة إلا تاقَت إلى ما هو أرفعُ منها، حتى بلغتُ اليوم المنزلةَ التي ما بعدها منزلة "أي: الخلافة"، وإنها اليوم قد تاقَت إلى الجنة! تاقت امرأةُ فرعون إلى مَنزل رفيع: ﴿ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ ﴾ [التحريم: 11]، وسأل موسى عليه السلام ربَّه سؤالَ مَن تاقت نفسُه لرؤية ربِّه: ﴿ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ ﴾ [الأعراف: 143]، ودعا سليمانُ عليه السلام بدعاء الرفعة والمكانة: ﴿ وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ﴾ [ص: 35]. أخي المسلم، أختي المسلمة، حدِّد هدفَك، اطلب العلم، امتلِك الإرادة، لا تَستسلم، لا تنظُر إلى أخطاء الأمس، وتعلَّم منها. ما هو مطلوبٌ منك أن تَصبر وتُصابر، وتتقدم وتُثابر، استشعر مسؤوليتك، وطالع سِيَر أصحاب الهمم التي أوصَلَتهم إلى القِمم، واحجز لك لقبًا كما لُقِّب أبو بكر بالصديق، وعمرُ بالفاروق، وعثمانُ بذي النورين، وارسُم خريطةَ ارتقائك إلى المعالي؛ فالله يحب معاليَ الأمور ويكره سفسافها. هذا، وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |