|
ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() يا صاحب الرسالة؟! د. خالد أبو شادي يا صاحب الرسالة .. يا من تُعرف وسط ألوف من الناس، كسبيكة الذهب الأصلية بين الزيف، وحبة اللؤلؤ الطبيعي في كومة الخرز الرخيص. يا صاحب الرسالة هذه رسالتي إليك إن كان عزمك قد وهن، وعهدك قد نُسي. هذه وصيتي لمن زار الفتور روحه، وانخفضت لذلك درجة حرارة القلب، وتعرَّض لوعكة روحية. لمن .. توالت عليه المسئوليات فاضطربت عنده الأولويات: الدنيا ومشتقاتها في رأس القائمة والآخرة في المؤخِّرة!! غيث الكلِمات: ربما كان البكاء كافيا في حق غيرك، أما أنت فدموعك وأحزانك لهما وظيفتان: رفع الحق ودفع الباطل. هذا الكتاب ديوان من دواوين الحماسة، وشعلة من شعلات العزم توقد البأس وتقدح زناد الفكر وتُعلي الهمم. هو عصارة هَمٍّ وزفرة ألم.. أوجِّهها إلى من نسي مهمته وانشغل عن رسالته وأخذته دنياه بعيدا عن غايته. وليس له فحسب .. بل لكل مسلم حيث نصرة الدين أمانة في عنقه مهما كان عليه من معصية من أكل الربا إلى ارتكاب فاحشة. ليس هذا كتابا لطائفة خاصة من الأمة أو للصفوة من دعاتها بل للأمة بأسرها، ولكل لمن يعقل عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم رجلا كان أو امرأة، شابا كان أو شيخا، أيًّا كان موقعه أو درجة قربه أو بعده عن ربه، ومهما كان علمه وثقافته، حيث واجب نصرة الدين قد طوَّق عنق الجميع، من آكل الحرام إلى المتهجِّد بالقيام، ومن مرتكِب الفحشاء إلى السامي إلى العلياء. هذا الكتاب يُخاطب به الشيخ ذو الشيبة الذي يمتلك عزما وهمة، ولا يخاطب به الشاب مقعد الهمة الدنيوي. أولا: مهموما بدعوته: لماذا الهم بالدعوة؟! كيف لا تحمل هَمَّ دعوتك..• * وأنت ترى المنكرات تملأ الأرجاء حتى لو رآنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنكرنا. • وأنت تخرج للأسواق فلا ترى غير شباب تائه يبحث عن فريسة تتعرَّض له وتتهادي بين يديه!! • وأنت تعيش في أمة المليار ومع هذا لم تحصد في ميادين الإنجاز سوى الأصفار!! • وأنت ترى التبرج يستشري والعري يسري وحجاب بناتنا يذوي، وإن ارتدينه فمظهر لا جوهر وشخص بلا روح، فلا سلوك يدل عليه أو آداب تبشِّر به. • وأنت ترى غزة الأبية تعاني ما لو مَرَّ بالحديد لذاب و بالوليد لشاب؟! • وقد علا صوت الباطل وخفت صوت الحق، وصار الأمر إلى ما قال شيخ الإسلام مصطفى صبري: إذا قلتُ المحال رفعتُ صوتي وإن قلتُ اليقين أطلتُ همسي. • والدعوة كل يوم تطلبك وتستصرخ نجدتك وترتقب عودتك، ودينك الذي هو أغلى الأشياء أضحى وأمسى تحت القصف ولا ناصر أو مغيث؟! 1-قيمتك = هِمَّتك: يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «العامة تقول: قيمة كل امرئ ما يحسن، والخاصة تقول: قيمة كل امرئ ما يطلب»( ). وفي ضوء هذه القول الساطع .. ما هو قدرك عند الله؟! كم تزن عنده؟! ما قيمتك الحقيقية من غير أموالك وجاهك وسلطانك؟! تريد أن تعرف؟! اسأل نفسك: أي همٍّ تحمل؟! دنيا زائلة ومتاع فان؟! وظيفة مغرية تمتص رحيق شبابك لتذبل بعدها زهرة حياتك؟! منصب مرموق تسعى إليه ثم تُعزَل عنه عاجلا أو آجلا؟! امرأة تحبها ثم ينزل بكما الموت فتغادرها أو تغادرك؟! أم أن همَّك جنةٌ أبدية عرضها السماوات والأرض، يفوز بأعلى درجاتها من بلغ أعلى درجات الإيمان في الدنيا، وهل أعلى من العمل أجيرا عند الله لتبليغ رسالته ونشر هدايته؟! وهل هناك ما هو أحسن من الدعوة إلى الله؟! والجواب حاضر في كتاب ربِّك : )وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [ فصلت: 33] صاحب الرسالة خبير بالأعمال (ومراتبها عند الله، ومنازلها في الفضل، ومعرفة مقاديرها، والتمييز بين عاليها، وسافلها، ومفضولها وفاضلها، ورئيسها ومرؤوسها، وسيدها ومسودها؛ فإن في الأعمال والأقوال سيدا ومسودا، ورئيساً ومرؤوسا، وذروة وما دونها)( ). وإنه لشرف عظيم ونعمة عظمى أن اصطفاك الله من وسط خلقه لتحمل رسالته، وتنال شرف الاتباع: اتباع النبي صلى الله عليه وسلم واقتفاء أثره، وكفى بهذه شرفا، فهذه وحدها كافية للحشر تحت لوائه ومجالسته على سرير واحد في قصور الجنة، وهو ما علمته ثم عملت به -بارك الله فيك-حين غاب عن كثير ممن حولك. يقول ابن القيِّم: «ولا يكون من أتباع الرسول على الحقيقة إلا من دعا إلى الله على بصيرة. قال الله تعالى: ﴿ قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين ﴾ 4﴾ تفسير لسبيله التي هو عليها، فسبيله وسبيل أتباعه: الدعوة إلى الله، فمن لم يدع إلى الله فليس على سبيله»( ). والدعوة إلى الله تعالى -كما علمك من ربَّاك ودعاك- هي وظيفة المرسلين وأتباعهم، ولأنها أشرف المهام فقد سبقت غيرها من الأعمال كما أشار إلى ذلك ابن القيِّم: «وتبليغ سنته إلى الأمة أفضل من تبليغ السهام إلى نحور العدو لأن ذلك التبليغ يفعله كثير من الناس، وأما تبليغ السنن فلا تقوم به إلا ورثة الأنبياء وخلفاؤهم في أممهم جعلنا الله تعالى منهم بمنِّه وكرمه»( ). ولأن الدعوة سبقت غيرها من الأعمال فقد سبق حاملوها غيرهم من العباد. قال ابن القيم يصفكم ويثني عليكم: «وهؤلاء هم خواص خلق الله، وأفضلهم عند الله منزلة وأعلاهم قدرا»( ). ولكن هذه الخيرية ليست مطلقة أو مرسلة دون دليل، بل تسبقها صحائف الأعمال، وتتكلم عنها سجلات الإنجازات، وفي مقدمتها: «كم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وضال تائه قد هدوه، بذلوا دماءهم وأموالهم دون هلكة العباد»( ). من أجل هذا كلِّه رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه في وجودكم نعمة ربانية ومنحة إلهية تستحق الحمد، فقال رضي الله عنه: «الحمد لله الذي امتن على العباد بأن جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضلَّ إلى الهدى»( ). فكيف لا تحتل الدعوة بعد هذا كله قمة اهتماماتكم وذروة أولوياتكم، وكيف لا تتحرَّقون شوقا للعمل في صفوفها ورفع لوائها؟! أما الهمة السافلة!! يروي الرواة أن الحطيئة هجا الزبرقان بقصيدة قال فيها: دعِ المكارم لا ترحل لبُغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي فجاء الزبرقان يشكو الحطيئة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ويتهمه بأنه هجاه ، فقال عمر: ما أسمع هجاءً ولكنها معاتبةٌ؛ فقال الزبرقان: أو ما تبلغ مروءتي إلا أن آكل وألبس! فقال عمر: عليَّ بحسان، فجيء به فسأله؛ فقال: لم يهجه ولكن سلح عليه. ويقال: إنه سأل لبيداً عن ذلك فقال: ما يسرني أنه لحقني من هذا الشعر ما لحقه وأن لي حمر النعم، فأمر به عمر فحُبِس. فانظر كيف كانت همَّة الطعام والشراب معيبة، وعارا لا يفارق صاحبه، وسُبة في جبينه تلزمه أبد الدهر حتى الموت!! وانظر بعدها إلى همم الناس حولك، هل تجدها اليوم إلا في زوجة حسناء وحلم بقصر مشيد ونزهة ومتعة وأكلة وشربة؟! هل ترى أكثرهم إلا حافظي أموال ومضيعي دين!! في دائرة الهجاء يدورون وداخل حلقة الذمِّ مُحاصرون؟! أما أنت .. فالحمد لله الذي عافاك، حملت أشرف هم وأجل غاية، فهَمُّك دعوتك، وشغلك رسالتك، ويحق لك أن تفرح بذلك وتفخر بذلك وتصدح في العالمين بذلك. قال الإمام البنا مخاطبا جمهور الدعاة غارسا فيهم هذا الشعور: «ومن الحق الذي لا غلو فيه أن تشعروا أنكم تحملون هذا العبء بعد أن تخلى عنه الناس». وهو الفخر الوحيد الممتد والباقي إلى يوم القيامة، حين تتساقط كل ألوان الفخر الزائفة من الفخر بالمال أو الحسب أو الجاه أو النسب، ولا يبقى سوى الفخر الوحيد الصالح للتداول يومها: الفخر بالطاعة واتباع الحبيب، ليحق لك عندها أن تهتف بهتاف ابن الوزير اليمني: يا حبَّذا يوم القيامة شُهرتــي *** بين الخلائق في المقام الأحمد لمحبتي سنن الرسول وإنني *** فيهــا عصيت مُعنِّفــي ومُفنِّدي وتركت فيها جيرتي وعشيرتي ومحل أترابي وموضع مولدي 2.لحمكودمك كان الحسن البصري يقول: «يا ابن آدم!! دينك دينك فإنه هو لحمك ودمك، إن يسلم لك دينك يسلم لك لحمك ودمك، وإن تكن الأخرى فنعوذ بالله، فإنها نار لا تطفى، وجرح لا يبرأ، وعذاب لا ينفد أبدا، ونفس لا تموت»( ). أخي في الدعوة .. ماذا تفعل لو أصابك جرح قاطع أدى إلى نزف مستمر؟! هل تتألم؟! وبعد الألم ماذا يكون إن لم يكن استدعاء الطبيب والهرولة إلى المستشفى قبل أن يؤدي الجرح -ولو كان صغيرا- إلى موتك!! فهل جسدك أغلى عليك من دينك؟! هل إذا جُرِح دينك بتضييع حدوده وانتهاك حرماته تُسرِع لإغاثته بالعمل له والبذل في سبيله، وتتردَّد على مشافي الدعوة بدلا من التردد على مآتم الأحزان في الزوايا والأركان؟! هل تنصر دينك بحركة تؤيِّده وسعي حثيث يضمِّد جراحه، وإذا فعلت فهل يكون هذا بروح مضطرمة وعزيمة متقدة أم بتثاقل وبرود!! نفس ما نطق به الحسن البصري في القرن الثاني الهجري نطق به المودودي في القرن الرابع عشر الهجري، فكلاهما خرج من مشكاة واحدة لأن نسب الإيمان واحد، فقال في تذكرته القيِّمة: «إنه من الواجب أن تكون في قلوبكم نار مُتَّقدة تكون في ضرامها على الأقل!!! مثل النار التي تتقد في قلب أحدكم عندما يجد ابنا له مريضا ولا تدعه حتى تجره إلى الطبيب، أو عندما لا يجد في بيته شيئا يسد به رمق حياة أولاده فتقلقه وتضطره إلى بذل الجهد والسعي. وهذه العاطفة ما لم تكن راسخة في أذهانكم ملتحمة مع أرواحكم ودمائكم آخذة عليكم ألبابكم وأفكاركم، فإنكم لا تقدرون أن تحرِّكوا ساكنا بمجرد أقوالكم». وهذا لأن شأن الدعوة شأن العلم، لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كُلَّك، وبغير هذا لا يكون نتاج ولا حصاد ثمار. 3.شدةالهجمة: يقول الإمام حسن البنا: «قد ينشأ الشاب في أمة وادعة هادئة ، قوي سلطانها واستبحر عمرانها ، فينصرف إلى نفسه اكثر مما ينصرف إلى أمته ، ويلهو ويعبث وهو هادئ النفس مرتاح الضمير. وقد ينشأ في أمة جاهدة عاملة قد استولى عليها غيرها، واستبد بشؤونها خصمها فهي تجاهد ما استطاعت في سبيل استرداد الحق المسلوب، والتراث المغصوب ، والحرية الضائعة والأمجاد الرفيعة، والمثل العالية. وحينئذ يكون من أوجب الواجبات على هذا الشباب أن ينصرف إلى أمته أكثر مما ينصرف إلى نفسه، وهو إذ يفعل ذلك يفوز بالخير العاجل في ميدان النصر، و الخير الآجل من مثوبة الله». يا غافلا ليسبمغفول عنه. يا غافلا عن كيد أعداء لا يغفلون عنه لحظة. أمتنا اليوم تواجه عدوا شرسا.. كشَّر عن أنيابه .. وأظهر ما كان مستورا في فؤاده .. سخَّر طاقاته وثرواته لبلوغ مراده، وتحالف مع أمثاله لتعجيل أهدافه، أيواجه هذا كله بهمم خائرة وعزائم مريضة وتسويف فعال وسط كومة أقوال؟! ومن هنا حمل صاحب الرسالة همَّ الدعوة التي تتصدى لهؤلاء الأوغاد، لأنه يرى أن السكون إذا هجم العدو خيانة، ولأن المعركة محتدمة ونبض كثير ممن حوله صفر!! هذه المعركة التي خلَّفت آهات الثكالى، وأنات المعذبين، وأشواق المغيبين في سجون اليهود والظالمين، ورحم الله الإمام البنا حين استشعر هذه التبعة الثقيلة والمهمة المقدَّسة فقال يصف حاله وحال كل حي القلب وافر المروءة: «ليس يعلم أحد إلا الله كم من الليالي كنا نقضيها نستعرض حال الأمة، وما وصلت إليه في مختلف مظاهر حياتها، ونحلل العلل، والأدواء، ونفكر في العلاج وحسم الداء، ويفيض بنا التأثر لما وصلنا إليه إلى حد البكاء... ولهذا وأمثاله نعمل، ولإصلاح هذا الفساد وقفنا أنفسنا فنتعزى، ونحمد الله على أن جعلنا من الداعين إليه العاملين لدينه». إخوتاه .. ما أحوجنا اليوم إلى النائحة الثكلى وأغنانا عن أختها المسـتأجرة! أنت.. نعم أنت!! لكن يجب أن نعترف أن من محاسن هذه الهجمة الشرِسة أنها جعلتنا نفطن إلى سر الانتصار ومعادلة الظفر ومفتاح القفل المحكم المؤدي إلى كشف الغمة .. إنه أنت!! نعم أنت. يقول الإمام حسن البنا: «إن تاريخ الأمم جميعا إنما هو تاريخ ما ظهر بها من الرجال النابغين الأقوياء النفوس والإرادات . وإن قوة الأمم أو ضعفها إنما يقاس بخصوبتها في إنتاج الرجال الذين تتوفر فيهم شرائط الرجولة الصحيحة . وإني أعتقد – والتاريخ يؤيدني – أن الرجل الواحد في وسعه أن يبني أمة إن صحت رجولته». فلماذا لا تكون أنت هذا الرجل؟! أنت الأمل المرتقب .. أنت المعجزة الربانية .. فكيف لا تسعى لنيل هذا الشرف وحيازة قصب السبق؟! إذا قالوا: الأُلى، خِلْنا بأنَّا القصدُ والهدف يسير الناس إن سرنا، وإن قلنا: قِفوا وقفوا 4.الكفاية الغائبة: ومما يدفع لحمل هم الدعوة أن أصحاب الرسالة يعلمون أن الدعوة من الفروض الكفائية، وأن هذه الكفاية لم تتحقق إلى اليوم، لذا انقلبت إلى فرض عين، فبذلوا غاية المجهود لتحقيق هذه الفريضة. علموا قلة العاملين وكثرة المتهاونين وتصاعد الكيد وتمادي الكفر وأذناب الكفر، ورأوا بأعينهم سرعة الهدم وسهولته مع بطء البناء ومشقته، وهروب كثير من بني قومهم عن الجنة وسعيهم حثيثا نحو النار، وسقوطهم من الحفرة التي صنعها لهم أعداؤهم والكمين المنصوب لهم، فحملوا هذا الهم الثقيل الذي تحوَّل إلى عمل نبيل، فضاعفوا الأوقات التي بذلوها، والأموال التي قدَّموها. آمنوا أن من لم يحمل همَّ الدعوة ومسؤولية الدين فهو آثم في فقه أصحب الهمم العالية، فتقدَّموا الصفوف ورفعوا اللواء. 5.تلبيةالنداء: والاستجابة لأمر الله الذي خاطب أحب الخلق إليه: وصاحب الرسالة يعلم أن هذا الخطاب يشمله ويشرِّفه. جاء في التفسير: •«شمِّر عن ساعد العزم وأنذر الناس»( ). • «قم قيام عزم وتصميم» ( ). • «قم فاشتغل بالإنذار وإن آذاك الفجار» ( ). • «إنه النداء العلوي الجليل للأمر العظيم الثقيل ... نذارة هذه البشرية وإيقاظها، وتخليصها من الشر في الدنيا، ومن النار في الآخرة وتوجيهها إلى طريق الخلاص قبل فوات الأوان»( ). • «قم فما يُعهد من صاحب رسالة نوم .. قم للأمر العظيم الذي ينتظرك، والعبء الثقيل المهيأ لك .. قم للجهد والنصب والكد والتعب، قم فقد مضى وقت النوم والراحة»( ). وكان هذا النداء الذي تتردَّد أصداؤه بيننا إلى اليوم إيذانا بشحذ العزائم، وتوديعا لأوقات النوم والراحة، والتلفف بأثواب الهجوع ، وكان إشعارا بالجد الذي يصنع الحدث ويرميه في حجر أعدائه ليتفاعلوا معه، لا أن ينتظر كيد العدو ليتفاعل هو معه. صاحب الرسالة يا دعاة يسبق الحدث لا ينتظره حتى يقع، ويسابق الزمن خوف الفوت، متوثباً إلى غايته النبيلة وهدفه السامي، وصوته الهادر يبايع نبيه موقِّعا معه عقد البذل والاستشهاد صائحا: نبي الهدى قد جفونا الكرى *** وعِفنا الشهي من المطعم نهضنا إلى الله نجلو السرى*** بروعـــة قرآنـــه المنــزل يا صاحب الرسالة .. افهم ما يُراد منك: أنت صاحب دعوة ينتظرها المسلمون في جميع الأرض، المحاصرون في غزة، والمعذبون في كشمير، والمقهورون في العراق، بل وكل من طالت محنته وأنهكته المظالم. أنت اليوم في مواجهة حاسمة مع عدو متبجِّح يصل الليل بالنهار في سبيل اقتلاع دينك، أو على الأقل تركه في قلوب الناس صنما لا روح فيه، فماذا أنت صانع؟! أنت قائد التغيير البشري اللازم لوقوع التغيير الإلهي المرتقب، فكيف نطلبك فلا نجدك؟! إن الدعوة كما وصفها بعض الفضلاء منهج تغيير كامل وثورة شاملة، إنها إبطال الباطل وإحقاق الحق، إنها أمانة عظمى ورسالة كبرى، إن مهمة الداعية أن يقيم مكان كل باطل يمحوه حقا، ومكان كل ضلال هديا، ومكان كل شر يبيده بدعوته خيراً يزرعه بعمله، ومكان كل ظلم عدلاً ينشره، ومكان كل رذيلة يمزقها فضيلة يؤسسها، ومكان كل تسلط بالبغي والكبرياء الآثمة تراحما ومساواة. يا ابن الدعوة .. يا صاحب الرسالة .. يا وريث أولي العزم من الرسل .. إنها الأمانة الثقيلة التي ناءت بحملها السماوات والأرض والجبال وحملتها أنت، فعلمت بذلك أنك لابد أن تكون أقوى من السماوات والأرض والجبال!! فهذه الأمانة لن يحملها ضعيف متخاذل ، ولا كسول متراخ ولن يصلح لها إلا الجد والقوة، وهذه هي لغة القرآن .. ألم تسمع : ﴿ يا يحيى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً* وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا* وَبَرًّا بِوَلِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً* وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَياً ﴾ [ مريم: 12] أما وقد سمعت، فانزع عنك ما نسجته غفلتك من دثار وشعار، واقتل على الفور كل مبرِّرات التخلف والأعذار. اعرف قدر نفسك .. وموضع قدمك .. يا مقتفي الأثر الرائع .. أثر محمد وصحبه: أنت لابس لأمته في معركته مع الباطل ..أنت خليفته في دعوته أنت راقي منبره لتعظ الأمة من ورائه ..أنت وارث رسالته. يا من تسلَّم الراية منه قبل أن تسقط .. هل سقطت منك الراية؟! يا من حمل شعلة الهداية من يده لتنير بها الوجود .. هل انطفأت بين يديك الشعلة؟! 6.بديل الجهاد: يا صاحب الرسالة .. مثلي ومثلك كان الأولى بهم أن يكونوا في ساحة الجهاد ويرتدوا بزَّة القتال الذي صار فرض عين على كل فرد منا بعد اغتصاب الأرض وتدنيس المقدَّسات، فإذا ما حيل بيننا وبين الجهاد، فكيف نبرهن على صدق نياتنا واشتياق قلوبنا للقاء عدونا وتحرير مسرى نبينا؟! كيف؟! والله ما من وسيلة ولا طريق لإسقاط وزر القعود عن الجهاد وإثم التخاذل عن نصرة إخواننا المستضعفين غير حمل هم الدعوة والاحتراق عملا لديننا، فلا يصلح في هذا المضمار سوى أعمال الأبرار، وما سوى ذلك ليس سوى أوهام، فإن لم نبذل لديننا حال رخائنا، ولم تحدِّثنا نفوسنا بالغزو معظم وقتنا، فأخشى أن نموت على شعبة من النفاق دون أن نشعر. أخي صاحب الرسالة .. أنت مجاهد، والجهاد هو بذل غاية الجهد، فهل بلغت غايتك وأصبت ذروتك في سبيل دعوتك؟! يا ابن الدعوة .. يا من يجري في عروقه دم الشهامة والركض في ميدان العلم والعمل .. أيها المجاهد البطل ..أرأيت مجاهدا نائما في ساحة قتال والرؤوس حوله تتطاير ؟! أسمعت عن بطل صال وجال دون نضال وملحمة؟! وقد فهمها المجنون من قبلك!! وأقصد به مجنون ليلى وهو الذي فهم أنه يستحيل أن يحب دون أن يتأثر بمصاب من أحب، فيمرض لمرضه ويأسى بِأَساه، واسمع له يقول: أقول لظبى مرَّ بي في مفازة *** لأنت أخو ليلى، فقال: يُقال أيا شبه ليلى إنَّ ليلى مريضةٌ *** وأنت صحيحٌ إنَّ ذا لمُحال 7.هجمة قبل هجمة: إن لم تهاجم شيطانك هاجمك، وإن لم تُتعبه أتعبك، وإن لم تحمله على الركوض خلفك أركضك ذليلا لاهثا وراءه، وحين تتخدَّر غيرتك على دعوتك وتتبلد مشاعرك تجاه مصاب أمتك فاعلم أن الشيطان قد غزاك. فبدلا من أن تدعو غيرك إلى الخير يدعوك شيطانك إلى الشر، فتسقط صلاة الفجر من أولوياتك، وتضيع الأذكار المأثورة من أورادك، ويضيع معها ذكر الله وحفظه لك، ويستمر الانهيار ، لتسقط فريسة لأفلامٍ تعرض من العري والإثارة ما يسلب الإيمان، ويتفاقم الأمر وتتدهور الحالة فتنزل بك حالة اللا مبالاة، فلا شعور بالذنب أو تدارك للأمر. وتفسير هذا أن الدعوة إلى الله من أعظم النعم، ومن لم يعرف شرفها ومكانتها سُلِبها وشُرِّف بها غيره، ورحمة الله على الخليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز حين عرف قدر النعمة فحفظها وصان الهدية الغاية، فنقل عنه ابنه عبد الله: «ما قلَّب عمر بن عبد العزيز بصره إلى نعمة أنعم الله بها عليه إلا قال: اللهم إنى أعوذ بك أن أبدِّل نعمتك كفرا، وأن أكفرها بعد أن عرفتُها، وأن أنساها ولا أُثني بها»( ). وتذكَّر أخيرا .. أنك حين تصون النعمة بشكرها تغيظ أعداءك الذين كادوا لك، وأرادوا صرفك عن هدفك، وإلهاءك عن غايتك، فلا تأكل الطُّعم الذي أُلقي إليك، لتصفعهم بهمتك العالية وثباتك على دعوتك، فيرتدوا خائبين لم ينالوا شيئا. صراع الهموم!! ﴿ ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاساً يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنْ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ [ آل عمران: 154] فهؤلاء المنافقون لا همَّ لهم إلا أنفسهم، لا همَّ الدين ولا همَّ النبي أو المسلمين، وكما لا يجتمع سيفان فى غمد، فكذلك لا يجتمع همَّان في قلب، ولما كان أحب الأشياء لدى المنافقين أنفسهم، وأسباب الخوف على النفس لا تخلو منها الحياة، لذا ولَّوا وجوههم شطر أنفسهم، أما أصحاب الرسالة فقبلتهم دينهم، ويعيشون لأمتهم أكثر مما يعيشون لأنفسهم، ويبذلون في سبيلها كل ما يستطيعون من جهد ووقت ومال، فبسببهم يتنزَّل الغيث على الجميع ويعُمُّ الخير، وهي إحدى صفتين لمحهما أبو الحسن الندوي في الإمام حسن البنا، ثم عمَّمها على أي صاحب رسالة حين قال: «وقد تجلَّت عبقرية الداعي مع كثرة جوانب هذه العبقرية ومجالاتها، في ناحيتين خاصتين لا يشاركه فيهما إلا القليل النادر من الدعاة والمربين والزعماء والمصلحين: أولاهما: شغفه بدعوته واقتناعه بها وتفانيه فيها وانقطاعه إليها بجميع مواهبه وطاقاته ورسائله، وذلك هو الشرط الأساسي والسمة الرئيسية للدعاة والقادة الذين يُجري الله على أيديهم الخير الكثير». وعلى الضد من هذا .. حين يغيب همُّ الدعوة عن قلوب أصحاب الرسالات ينشغلون بأنفسهم، وتكثر أعمالهم وتقِلُّ ثمارهم، وتتعالى الأصوات ولا يقع البلاغ، وتؤدَّى الأنشطة بغير روح فلا تصل إلى الروح. وبذا ينقسم الناس إلى قسمين: قسم يفكِّر في نفسه، وآخر يفكِّر في غيره، وقد وجد الأطباء النفسيون أن أكثر المصابين في أعصابهم اليوم هم من الصنف الأول؛ لأن تحويل الضغوط النفسية الداخلية إلى عمل خيري خارجي ثبت أنه من أكثر الأعمال إفادة وتأثيرا في الصحة النفسية؛ ولذلك ترى العاملين في الخدمات العامة والعمل الخيري أقلَّ الناس تعرضا للاضطرابات العصبية. لكل شيء علامة!! فما علامة اهتمامك بدعوتك؟ يتبع
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]()
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() 5.المظهر مع الجوهر يا صاحب الرسالة .. اغسل نفسك اليوم في نهر الدعوة حتى لا تبقى خلية من جسدك إلا وقد تشبَّعت بالدعوة وهَمِّ الدعوة، فينضح ذلك على كل ما يراه الناس فيك، ويسمعونه منك، ويعلمونك عنك، فتدرك بذلك شرف الجهاد وإن لم تجاهد، وتنال ثواب المجاهدين من غير نزال أو قتال. يقول الإمام البنا رحمه الله: «أستطيع أن أتصوَّر المجاهد شخصا قد أعدَّ عُدَّته، وأخذ أهبته، وملك عليه الفكر فيما هو فيه نواصي نفسه وجوانب فكره، فهو دائم التفكير عظيم الاهتمام على قدم الاستعداد أبداً إن دُعي أجاب، أو نودي لبى، وغدوه ورواحه وحديثه وكلامه وجده ولعبه، لا يتعدى الميدان الذي أعد نفسه له، ولا يتناول سوى المهمة التي وقف عليها حياته وإرادته، يجاهد في سبيلها، تقرأ في قسمات وجهه، وترى في بريق عينيه، وتسمع من فلتات لسانه ما يدلك على ما اضطرم في قلبه من جوى لاصق وألم دفين، وما تفيض به نفسه من عزمة صادقة وهمة عالية وغاية بعيدة». يشير بذلك إلى ما تعارف عليه علماء القلوب وأجمعوا عليه من أنَّ «لسانك ترجُمان قلبك؛ ووجهك مرآةُ قلبك؛ يتبيَّن على الوجه ما تُضْمِر القلوب»( )، فيعلم بذلك كل صاحب رسالة حقيقة نسبه وصدق انتمائه لهذه الدعوة. الخَلق والخُلُق ومن هذا أن صاحب الرسالة صاحب سمت مميز، وبصمة لا تُزيَّف، وشكل يُخبِر عن باطن، ومظهر يُفشي سرَّ جوهر. يعلم أن المشاركة في الشكل لا بد أن تورث موافقة في الأعمال حتما مقضيا وقدرا مقدورا، لذا اشتد تمسكه بتميُّزه في كل شيء، وشخصيته المستقلة التي يُشار إليها بالبنان، ليس إمَّعة يقلِّد أعداءه، ولا ينبهر بمظاهر الغافلين من أبناء قومه. قال صلى الله عليه وسلم: «إن الهدي الصالح و السمت الصالح و الاقتصاد جزء من خمسة و عشرين جزءا من النبوة»( ). فالسمت الصالح هو مظهر هام. يقول ابن تيمية مشدِّدا على أهميته: «إن المشاركة في الهدي الظاهر تورث تناسبًا وتشاكلًا بين المتشابهين، يقود إلى موافقة ما في الأخلاق والأعمال ، وهذا أمر محسوس ، فإن اللابس لثياب أهل العلم- مثلًا- يجد في نفسه نوع انضمام إليهم ، واللابس لثياب الجند المقاتلة- مثلًا- يجد في نفسه نوع تخلق بأخلاقهم ، ويصير طبعه متقاضيًا لذلك»( ). وما حلَّله المؤلف رحمه الله عن أثر التشبه والتقليد على الشخصية يستحق أن يكون اليوم قاعدة من قواعد علم الاجتماع، سبق بها رسول الله ^ حين قال: «من تشبَّه بقوم فهو منهم»( ). أضف إلى هذا ما هو أكثر: التشابه في الزي والشكل والسلوك والعادات لا بد وأن يورث نوع مودة ومحبة بين المتشابهين مما يسميه علماء النفس اليوم : اللاشعور أو العقل الباطن، تماما كما أن المحبة في الباطن تورث تناسبًا وتشابها في الظاهر. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «فإذا كانت المشابهة في أمور دنيوية تورث المحبة والموالاة، فكيف بالمشابهة في أمور دينية؟! فإن إفضاءها إلى نوع من الموالاة أكثر وأشد»( ). ومن هذا التميز الذي يحرص عليه صاحب الرسالة وصاحبة الرسالة: • الحرص على لغتنا وعدم استخدام اللغات الأجنبية على وجه الاعتياد والدوام أو لغير ضرورة، وهو ما أوصى به عمر بن الخطاب رضي الله عنه وحرص عليه فقال : «إياكم ورطانة الأعاجم»( ). ومن هذا تبرز خطورة استجلاب البعض للخدم والمربيات والسائقين الأجانب، حيث يتعلم الأطفال منهم لغات غير لغتهم، ويتحدثون معهم باللسان الأجنبي لغير غرض سوى المباهاة. • الأعياد: فلا عيد عندنا إلا الفطر والأضحى، فلا أعياد ميلاد وما شابه، والأعياد في الإسلام من جملة الشرائع والمناسك كالقبلة والصلاة والصيام، وليست مجرد عادات ، وهنا يكون تقليد الكافرين أشد وأخطر . • ترك الأناقة الزائدة: فلا يليق بصاحب الرسالة أن يسبي عقله آخر صيحات الموضة، ولا أن يقتني ألوان الأزياء التي يتفانى في شرائها فارغو العقول والقلوب، لأنه أعلى من ذلك وأسمى. ذُكِر أن الدكتور أحمد الملط ذهب إلى الإمام البنا وهو يضع منديلا في جيب البدلة، فأخذ الإمام البنا يدخل المنديل في جيب البدلة، ويقول: يا أبو حميد .. لا يليق ذلك بالمجاهدين، فكان ذلك درسا عمليا في طبيعة حياة المجاهدين. • الحجاب المتبرِّج: انبهارا بالوسط المحيط المتدني، وتلبية لغريزة المرأة في التزين ولفت الأنظار، فتخلع الأخت خمارها السابغ، وترتدي الملفت من الألوان والمزركش من الثياب، ولا يعود الحجاب حاجبا للزينة بل مصدرا للزينة. 6.الحزن الحقيقي: علام حزنك؟ علام حزنك؟ علام حزنك؟ كان النبي صلى الله عليه وسلم يحزن وتكاد روحه تزهق؟! علام؟! اسمع ما خاطب الله عز وجل به حبيبه قائلا: ï´؟ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا ï´¾ [ الكهف: 6] أي مرهقٌ نفسك، ومتلفٌ جسدك، وأنت تطلب هداية قوم يُعرِضون عنك، وتريد لهم الخير فيهربون منك، وتقدِّم لهم الجنة فيقتحِمون النار!! فهل شابه قلبك قلب نبيك؟ وهل شعرت بما به شعر؟! إنه الحزن على حال الغافلين من أمتنا، أو الحسرة على فرصة هداية سنحت، أو غنيمة دعوية سهلة ضاعت، وكم من قلوب احترقت همَّا من أجل دينها ففاحت عطرا شذيا يجذب الناس إليها، وكم من نفوس ضاقت لحال أمتها فوسَّع الله لها أرجاء الأمل والعمل، وكم من عبرات سالت في المحن فارتوت منها الهمم ومزَّقت عن الأمة كفن الوَهَنْ. 7.التضحية: صاحب الرسالة يتقلب بين ألوان التضحية المختلفة، فمنها التضحية: • بالراحة: ومن مفردات الراحة مكوث المرء في بيته، وهو عيب في عُرف شامخي الهمم، كما نطق بذلك لسان الصحابي المُبشَّر بالجنة طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه حين قال: «إن أقلَّ العيب على المرء أن يجلس في داره»( ). وكانوا يكرهون الراحة وكل ما يدعو إلى الراحة أو يُذكِّر بالراحة، واستمع إلى همة عطاء بن أبى رباح وهو يقول: «لأن أرى في بيتي شيطانا خير من أرى وسادة لأنها تدعو إلى النوم»( ). فلا بيت ولا وِسادة، كانوا قديما يألفونهما قبل الالتحاق بركب الدعاة ومعرفة شرف المطلوب وعظمة المهمة وجلال الخطب وفداحة المصاب واحتدام الصراع، أما اليوم فمحال. هؤلاء علموا أنهم إن استراحوا غزاهم الشيطان في عُقر دارهم وغرفات نومهم، وتأمل مقالة أبي حامد الغزالي - رحمه الله تعالى المنبثقة عن مشاهداته: «اعلم أن كل قاعد في بيته - أينما كان - فليس خالياً من هذا الزمان عن منكر من حيث التقاعد عن إرشاد الناس وتعليمهم وحملهم على المعروف»( ). • بالمال: • صاحب الرسالة يسخِّر ماله لدينه ويوظِّفه لدعوته، لأنه علم أن المال مفارقه لا محالة لذا أخرجه طواعية مثابا قبل أن يخرج عنه مُجبرا مُهانا في صفقة تجارية خاسرة أو حادث مفاجئ أو نفقات علاج مرض خطير. • صاحب الرسالة يدرك أن الله سائله عن ماله فيم أنفقه، وأن أكثر ما يُفرِح الرب هو إنفاق المال لنشر دينه ينفق ماله في سبيل الله ولو كان في أمس الحاجة إليه. • صاحب الرسالة يخاف تبعة الغنى حين يرى بعيني رأسه عددا من إخوانه لما كثر المال لديهم أصبحوا عبيد للمال، وانشغلوا عن رسالتهم ودعوتهم بعد أن كانوا رفقاء الأمس وشركاء الهم والأجر. • صاحب الرسالة يرى أن عقارب الساعة تطارده وملك الموت يلاحقه، لذا يبادر بالإنفاق قبل أن يغادر ساحة هذه الحياة. • صاحب الرسالة يرى في إنفاقه فضل ربه عليه فلا يرى نفسه ولا إحسانه وإنما يرى ربه وإحسانه. كمين!! يرهق نفسه بأقساط تكبِّله ثم يتعلل بكثرة مسئولياته وثقل أعبائه ليبرِّر بخله ويُسوِّغ لنا تخلفه، ويعِد إخوانه أنه لن يتأخر عن الدعوة بماله، وما درى أن الشيطان قد اصطاده في كمين محكم، وأن مسألة تساقطه مسألة وقت!! وهذا مثله كحمار خرج يطلب قرنين فعاد بلا أذنين!! • الوقت: أوقاتهم كلهم لله، فلا يحصرون وقت الدعوة في نشاط محدود بل كل سكناتهم وحركاتهم مسخَّرة لدعوتهم، إن طُلِبوا وُجِدوا، وإن دعاهم دينهم لبّوا. كمال التضحية أصحاب الرسالة عشاق كمال، فنحن عشاق الكمال، ومن كمال التضحية: المداومة على التضحية حتى يتعوَّد القلب لذة العطاء كما اعتاد لذة الأخذ. ومن كمال التضحية: الفرح بالتضحية كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في شأن أبيها أبي بكر ïپ´: «ما علمتُ الرجل يبكي من شدة الفرح إلا يومئذ حينما رأيت أبي يبكي من شدة الفرح»( ). ومن كمال التضحية: الثبات على التضحية حتى الممات. عن عبد الله بن شقيق قال: «سألت عائشة: أكان رسول الله ^ يقرأ السورة في ركعة؟ قالت: المفصَّل»( ). قال: قلت فكان يصلي قاعدا؟! قالت: حين حَطِمه الناس»( ). وحطمه الناس: تُقال للرجل إذا كبر عمره وصار شيخا، ويُقال: حطم فلانا أهلُه إذا كبر فيهم كأنه لما حمل من أمورهم وأثقالهم والاعتناء بمصالحهم صيَّروه شيخا محطوما. والمنتظر منك يا من قدوته نبيه أن تقتفي أثر ^ وتقلِّد، فتواظب على دعوتك شابا وشيخا، صحيحا وسقيما، فارغا وشغولا حتى يحطمك الناس في سبيل الله، ويمتصوا مجهودك وأنت تدعوهم حتى آخر رمق، ويقطفوا ثمرة فؤادك من فرط حرصك على هدايتهم وأنت تُسلِم الروح، ترجو بذلك تحقيق التأسي الكامل بحبيبك ^ الذي كان يقول عند موته: «الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم». يعلِّم بذلك حملة الرسالة من بعده درسا بليغا: أن يحملوا هم الدعوة دائما وفي أحرج الأوقات لا في لحظات عابرة فحسب، فما كان لصاحب الرسالة أن ينسى دعوته لحظة، وهل ينسى المريضُ مرضه، والجائعُ جوعته، والمحمومُ حُمَّاه، نعم .. لا يترك داعية دعوته إلا إذا تركت الكواكب أفلاكها والوحوش أوكارها. إن الطيور وإن قصصتَ جناحها *** تسمو بفطرتها إلى الطيران أحبتاه .. اذكروا أن التضحية وقود الدعوات، وأنه كلما عظمت التضحيات كبرت مكاسب الدعوة، واقترب نصرها ودنت غاياتها. وبقدر ضخامة الهدف تكون التضحية من أجله ، وقديما قالوا:من عرف ما يطلب هان عليه ما يبذل، وطلبنا أن نعيد لهذا الدين عزه، ونرد له مجده المستباح وكرامته السليبة، مرادنا أن تعود الشريعة الغراء ترفرف في سمائنا، وأملنا الذي يحدونا أن نرفع الظلم عن إخواننا في كل بقاع الأرض. ألا تستحق كل هذه الأهداف الجليلة منا التضحية في سبيلها .. ألا نسترخص في سبيل ذلك العرق والجهد والألم والبلاء؟! وقفة فوثبة!! والآن .. أخي .. ضع نفسك في غرفة المحاسبة وعلى كرسي الحقيقة .. وواجهها بقولك: أهل الباطل يبذلون في سبيل الباطل ليدخلوا النار، فماذا بذلتُ أنا في سبيل الحق لأدخل الجنة؟! هل وعيتُ حقا وصية الفاروق وأثبتَّ له بعملي أني خير وريث وهو الذي علَّمنا: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا). هل جلست مع نفسك يوما في لحظة صفاء وصدق تسألها: ما هو الأثر الذي سأتركه خلفي؟! ما هي القُربى التي أرجو أن يصلني ثوابها بعد موتي؟! واجه الحقيقة ولو كانت مُرَّة: كم مضى من عمرك، وماذا قدَّمت فيه لدينك؟! راجع النعم التي اختصَّك الله بها وانظر فيم سخَّرتها؟ هل استحوذَت عليها دنياك أم ادَّخرت منها شيئا لدينك الجريح وقومك المغلوبين؟! اطرح عنك تلبيس إبليس وأعذار المفاليس .. واسأل نفسك الآن والله مطلع عليك: * هل تعمل لدينك وتبذل لدعوتك ما دمت فارغا، فإذا عرفتك الأسواق وصفقات التجارات توارت الدعوة عندك إلى الأولوية العاشرة؟! * هل تقدِّم لدعوتك هوامش أوقاتك وفضلة حياتك؟! * هل تسعى لمد الدعوة بروافد جديدة كما تسعى لمد راتبك بموارد جديدة؟! *هل يؤرِّقك نشر الهداية وتوسيع رقعة الصالحين كما يؤرِّقك السعي على الرزق وتأمين حياة أبنائك المقرَّبين؟! ألا ما أحلى هذه الجلسات التأملية المباركة التي يعقبها القرار الحاسم والقفزة الجريئة نحو البذل الفريد والتضحية الفذَّة. 8.صيد الغافلين: صاحب الرسالة صيَّاد يقتنص كل حين قلبا، ومن أراد اصطياد قلوب الرجال، نثر لها حب الإحسان والإجمال، ونصب لها شباك الفضل والإفضال. ومن هذا انتهاز الفرص، فقد مرَّ النبي ^ يوما بجدي أسك ميت فقال لأصحابه: (من يشتري هذا بدرهمين؟ ) فسكتوا، فقال: من يشتري هذا بدرهم؟ فقالوا: يا رسول الله لو أنه كان حياً لما رأينا فيه حاجة، فقال- عليه الصلاة والسلام - : ( لهوان الدنيا على الله أهون من هذا عليكم). فالنبي صلى الله عليه وسلم اغتنم هذه الفرصة فرمى رميته، لأنه ليس في كل مرة تتاح الفرصة، ويكون الصيد في ظرف مهيأ، ومن غفل هرب الصيد منه وندم على ذلك. يقول الأستاذ سعيد رمضان حاكيا عن موقف من مواقف الإمام البنا مهتبلا فرصة دعوية واتته، وأنى لمثل البنا أن يتركها: «إن أنس لا أنسى موقفه رضوان الله عليه في أمسية مشهودة بمدينة طنطا في دلتا مصر، وقد احتشد أمامه قرابة أربعين ألفا من فئات الناس بينهم شهرة من اتباع عدة طرق صوفية، شاع بعضهم على النفرة من طابع الحركة المتحمسة كأنهم يرونه يجافي وداعة معنى العبادة على ما لقنوة وتحدد مفهومهم به، فإذا بعد استرسال روحي خالج غائر النفوس في صفاء ويسر يقول لمستمعيه فجأة في إشراقة كأنها السِّحر: ألا تعجبون معي من إخواننا العباد الذي لا ينقطعون عن تلاوة دعاء الشيخ أبي الحسن الشاذلي في حزب البر ، ويرددون من ذلك دائما: اللهم وارزقنا الموتة المطهرة. ماذا تراهم يستحضرون في معنى الموتة المطهرة؟! الا إن أكبر موتة يحبها الله هي هذه!! ورفع يده فمرَّ بها على رقبته إشارة إلى قطع الرقاب في سبيل الله عز وجل .. فكأنما والله مسَّت الناس كلهم كهرباء، واستعلن أمامهم مشهد الفداء والذبح رأي العين .. فسالت دموع وثارت عواطف وتعالت هتافات». 9.تحطيم الأهداف الدعوية: يا صاحب الرسالة .. كن محدَّدا .. وضع لك هدفا دعويا كل فترة، ولا تنس الوقت المناسب للإنجاز : دعوة جار لك، نشر الهداية إلى زميل عمل، فتح مقرأة في مسجد أو جامعة، الخروج من رمضان بغنائم مضاعفة، دعوة أخت إلى درس أو مقرأة، وهذا كله يدل على الطموح الدعوي، فلا يوجد صاحب الرسالة يقنع بحاله، لأنه يعلم أن التؤدة في كل إلا في عمل الآخرة. ومن الوصايا: • اكتب كل الأهداف التي تريد تحقيقها، ثم اختر منها هدفين أو ثلاثة وركز عليها خلال فترة زمنية محدَّدة. • راجع أهدافك بشكل دوري، واحرص على تحديثها، واكتبها بخط عريض، واجعلها في متناول يدك وأمام عينيك. • ضع مواعيد نهائية للإنجاز، فالمواعيد النهائية تزيد من البذل والعمل، وكلما اقترب الموعد النهائى لإتمام العمل كلما بذلت ما في وسعك لإنهائه. •قسِّم الهدف الكبير إلى مجموعة من الأهداف الصغيرة، وضع لكل منها موعدا شهريا أو أسبوعيا أو يوميا. • إذا لم يتحقق الهدف ظاهرا، فراجع نفسك وابحث عن أسباب التقصير، ثم استدرك غير يائس يسرّي عنك: فعليك بذر الحب لا قطف الجنى والله للســــاعين خيرُ ضمين. على كفة الميزان 1.هل تجلس مع نفسك كل يوم ولو خمس دقائق ليس لك فيها هم ولا غرض إلا أن تحاسبها على ما بذلت اليوم لدينها؟! 2.هل تعاتب نفسك وتتألم إن قصَّرت في أي واجب من واجباتك الدعوية؟! 3.هل تقهر أعذارك أم تتخذها ذريعة للتخلف؟! 4.هل قدَّمت فكرة جديدة لدعوتك خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وهل ثابرت عليها حتى خرجت إلى النور؟! 5.هل تحوِّل طاقة حزنك على مذابح المسلمين ونكباتهم إلى طاقة عمل؟! 6.هل تؤثر الدعوة بوقتك مهما كنت مشغولا؟ 7.وفي حال انشغالك هل تأخذ من وقت راحتك لدعوتك أم تُسقطها واجباتك من جدولك؟ 8.هل لا تتحرك إلا بتوجيه إخوانك وصيحة: قم يا فلان؟! 9.هل تحرص أن يكون لزوجك نفس همِّك فتساهم في نشاطات الدعوة؟! وهل تتحمَّل عنها قليلا من أعباء البيت في سبيل ذلك؟! 10.هل تقوم نيتك الصادقة بالمهمة ويتكفَّل قلبك بالعمل إذا واجهتك عقبة أعاقتك عن عمل دعوي فلم تشارك، فتنال مثل أجر العاملين؟!
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |