هدايات آية النور - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 590 - عددالزوار : 333977 )           »          اكتشف الأسباب الخفية وراء انتفاخ البطن! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          الكافيين: فوائده، أضراره، والكمية الآمنة للاستهلاك يوميًا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          التعايش مع اضطراب ثنائي القطب: دليلك لحياة متوازنة! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          7 أطعمة تقوي العظام! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          نصائح بعد خرم الأذن: دليلك الشامل للتعافي بسرعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          ما هي فوائد التبرع بالدم؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          متى يكون فقدان الوزن خطير؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          7أفكار لوجبات خفيفة للأطفال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          أضرار مشروبات الطاقة: حقائق صادمة! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19-09-2023, 03:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,340
الدولة : Egypt
افتراضي هدايات آية النور

هدايات آية النور (1)



كتبه/ عصام حسنين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فإن الأمثال القرآنية لها شأن عظيم، قال الله -تعالى-: (‌وَتِلْكَ ‌الْأَمْثَالُ ‌نَضْرِبُهَا ‌لِلنَّاسِ ‌وَمَا ‌يَعْقِلُهَا ‌إِلَّا ‌الْعَالِمُونَ) (العنكبوت: 43)؛ إذ غالبها في أصول الدين التي يجب على المؤمن اعتقادها، كقوله -تعالى-: (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) (العنكبوت: 41)، وقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ‌ضَعُفَ ‌الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ . مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج: 73-74).

- وهذه الأمثال يضربها الله -تعالى-، كنوعٍ من تصريف الخطاب للناس، وتقريب المعاني المعقولة في صورة محسوسة ليعقلوها، ثم يعملوا بها.

- ومن الأمثال العظيمة التي ضربها الله -تعالى- في القرآن مثالًا لنوره وهداه في قلب عبده المؤمن، قوله -عز وجل-: (‌اللَّهُ ‌نُورُ ‌السَّمَاوَاتِ ‌وَالْأَرْضِ ‌مَثَلُ ‌نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (النور: 35).

ولتوضيح هذا المثل (التشبيه)؛ فلا بد من توضيح مفرداته كما جاء عن السلف، ثم تبيين أركانه.

تفسير المفردات:

(‌اللَّهُ ‌نُورُ ‌السَّمَاوَاتِ ‌وَالْأَرْضِ): جاء عن السلف ثلاثة أقوال:

1- هادي أهل السماوات والأرض؛ قاله: ابن عباس وأنس -رضي الله عنهما.

2- منور السماوات والأَرْض، وذَكَرُوا فِيه ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ مُنَوِّرُ السَّمَاءِ بِالْمَلَائِكَة، وَالْأَرْضِ بِالْأَنْبِيَاءِ. وَالثَّانِي: مُنَوِّرُهَا بِالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْكَوَاكِبِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ زَيَّنَ السَّمَاءَ بِالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْكَوَاكِبِ، وَزَيَّنَ الْأَرْضَ بِالْأَنْبِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ. وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَالْحَسَنِ وَأَبِي الْعَالِيَةِ.

3- يدبر الأمر فيهما ، نجومهما وشمسهما وقمرهما؛ قاله ابن عباس و مجاهد.

- والمَثَل: الصفة العجيبة العظيمة.

- والمشكاة: الكَوة -بفتح الكاف-، وبضمها أيضًا لغة بني أسد، وهي تجويف في الحائط ليس له منفذ، يوضع فيه المصباح وغيره.

- والمصباح: السراج الضخم الثاقب، وهو الذبالة -الفتيلة الضخمة المتقدة- على وزن مِفعال، اسم آلة.

- الزجاجة: واحدة الزجاج، على وزن فُعالة، وهي: شفافة، صافية، مزهرة، صلبة.

- دري: اسم منسوب إلى الدر، على وزن فُعلي، وهو جوهر معروف بضيائه ولمعانه، أي: مضيء متلالئ صافٍ.

- يوقد من شجرة مباركة: أي: من زيت شجرة مباركة، حُذف المضاف بدليل: "يكاد زيتها يضيء".

- زيتونة: بدل أو عطف بيان.

- لا شرقية ولا غربية؛ أي: في مكان وسط من الأرض، تشرق عليه الشمس من جميع الجوانب طيلة النهار، فيكون زيتها في غاية الصفاء والإشراق، وسرعة الاشتعال، وهذا أفخر أنواع الزيتون.

- "يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار": أي: قبل أن تصيبه النار؛ لِأَنَّ الزَّيْتَ إِذَا كَانَ خَالِصًا صَافِيًا ثُمَّ رُؤِيَ مِنْ بَعِيدٍ يُرَى كَأَنَّ لَهُ شُعَاعًا، فَإِذَا مسَّه النار ازداد ضوءًا عَلَى ضَوْءٍ، وهذا مبالغة في حسنه وصفائه وجودته.

- نور على نور: أي: تضاعف النور، فنور الزجاجة مستمد من نور المصباح في إنارتها، إلى ضوء الزيت، واجتمعت جميعًا في المشكاة، فصارت كأنور ما يكون.

- ويضرب الله الأمثال للناس: أي: يُبَيِّن الأشباه تقريبًا إلى الأفهام.

- والله بكل شيء عليم: أي: هو أعلم -تعالى- بمن يستحق الهداية فيهديه.

وللحديث بقية -إن شاء الله-.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 25-09-2023, 04:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,340
الدولة : Egypt
افتراضي رد: هدايات آية النور

هدايات آية النور (2)



كتبه/ عصام حسنين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فمن الأمثال العظيمة التي ضربها الله -تعالى- في القرآن، والذي تكلمنا عنه في المقال الماضي؛ هذا المثل الذي ضربه الله مثالًا لنوره وهداه في قلب عبده المؤمن، وهو قوله -عز وجل-: (‌اللَّهُ ‌نُورُ ‌السَّمَاوَاتِ ‌وَالْأَرْضِ ‌مَثَلُ ‌نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (النور: 35).
نوع التشبيه في الآية الكريمة على ما جاء من تفسيرات السلف:
إما أن يكون: تَشْبِيهًا مركبًا، وهو تشبيه جُمْلَةٍ بِجُمْلَةٍ لَا يُقْصَدُ فِيهَا إِلَى تَشْبِيهِ جُزْءٍ بِجُزْءٍ، وَمُقَابَلَةِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ، أو تَّشْبِيهِاً مُفَصَّلاً مُقَابَلاً جُزْءًا بِجُزْءٍ.
أركان التشبيه:
- المشبه: اختلفت فيه عبارات السلف على أربعة أقوال:
الأول: مثل نور المؤمن؛ هكذا قرأها أبي بن كعب -رضي الله عنه-، وقرأ ابن عباس -رضي الله عنهما-: "نور مَن آمن به"، وهذا القول اختاره ابن كثير.
الثاني: مثل نور الله وهداه في قلب المؤمن؛ قرأ ابن مسعود -رضي الله عنه-: "مثل نوره في قلب المؤمن"، وهو القول الثاني عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، أي: جعل الله -تعالى- نور الإيمان والهداية في قلبه.
الثالث: القرآن. قاله الحسن، وعبد الرحمن بن زيد، أي: نور القرآن في قلب المؤمن، وهذا القول اختاره ابن جرير.
الرابع: نور الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن الله -تعالى- قال في وصفه: (‌وَسِرَاجًا ‌مُنِيرًا) (الأحزاب: 46).
- أداة التشبيه: مثل والكاف.
- المشبه به: هو النور المشرق من زجاجة مصباح مُوقَد من زيت جيد صافٍ، موضوع على مشكاة، جمعت نوره، فلم يتفرق، وعكسته فازداد إشراقًا.
- وجه التشبيه:
1- على قول البعض: إنه تشبيه مركب، قال أبو حيان: "أَيْ: مَثَلُ نُورِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ هُدَاهُ، وَإِتْقَانُهُ صَنْعَةَ كُلِّ مَخْلُوقٍ، وَبَرَاهِينُهُ السَّاطِعَةُ عَلَى الْجُمْلَةِ، كَهَذِهِ الْجُمْلَةِ مِنَ النُّورِ الَّذِي تَتَّخِذُونَهُ أَنْتُمْ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ، الَّتِي هِيَ أَبْلَغُ صِفَاتِ النُّورِ الَّذِي بَيْنَ أَيْدِي النَّاسِ، أَيْ: مَثَلُ نُورِ اللَّهِ فِي الْوُضُوحِ كَهَذَا الَّذِي هُوَ مُنْتَهَاكُمْ أَيُّهَا الْبَشَرُ" (انتهى من تفسيره).
2- وعلى القول الآخر أنه تشبيه مفصل، قال ابن الجوزي -رحمه الله-: "فأما وجه هذا المَثَل ففيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه شبَّه نور محمد -صلى الله عليه وسلم- بالمصباح النيِّر، فالمشكاة: جوف رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-، والمصباح: النور الذي في قلبه، والزجاجة: قلبه، فهو من شجرة مباركة، وهو إِبراهيم -عليه السلام-، سمّاه شجرة مباركة؛ لأن أكثر الأنبياء من صلبه. (لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ) لا يهودي ولا نصراني، يكاد محمد -صلى الله عليه وسلّم- يتبيَّن للناس أنه نبيٌّ ولو لم يتكلَّم.
والثاني: أنه شبّه نور الإِيمان في قلب المؤمن بالمصباح؛ فالمشكاة: قلبه، والمصباح: نور الإِيمان فيه. وقيل: المشكاة: صدره، والمصباح: القرآن والإِيمان اللَّذان في صدره، والزجاجة: قلبه، فكأنه مما فيه من القرآن والإِيمان كوكب مضيء تَوَقَّد من شجرة، وهي الإِخلاص، فمثل الإِخلاص عنده كشجرة لا تصيبها الشمس، فكذلك هذا المؤمن قد احترس من أن تصيبه الفتن، فإن أُعطي شكر، وإِن ابتُلي صبر، وإِن قال صدق، وإِن حكم عدل، فقلب المؤمن يعمل بالهدى قبل أن يأتيَه العلم، فاذا جاءه العلم ازداد هدىً على هدىً، كما يكاد هذا الزيت يضيء قبل أن تمسَّه النار، فاذا مسَّته اشتد نُوره، فالمؤمن كلامه نُور، وعمله نُور، ومدخله نور، ومخرجه نور، ومصيره إِلى نور يوم القيامة. قال أبو العالية: "مدخله ومخرجه، أي: سره وعلانيته".
والثالث: أنه شبّه القرآن بالمصباح يُستضَاء به ولا ينقص.
فالزجاجة: قلب المؤمن، والمشكاة: لسانه وفمه، والشجرة المباركة: شجرة الوحي، تكاد حُجج القرآن تتضح وإن لم يقرأ. وقيل: تكادُ حجج الله تضيء لمَن فكَّر فيها وتدبَّرها ولو لم ينزل القرآن.
(نُورٌ عَلى نُورٍ) أي: القرآن نُور من الله لخلقه، مع ما قد قام لهم من الدلائل والأعلام قبل نزول القرآن. (زاد المسير). وكذا ذكر أبو حيان والخازن في تفسيرهما.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 19-10-2023, 06:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,340
الدولة : Egypt
افتراضي رد: هدايات آية النور

هدايات آية النور (3)



كتبه/ عصام حسنين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فمِن الأمثال العظيمة التي ضربها الله -تعالى- في القرآن، والذي تكلمنا عنه في المقال الماضي؛ هذا المثل الذي ضربه الله مثالًا لنوره وهداه في قلب عبده المؤمن، وهو قوله -عز وجل-: (‌اللَّهُ ‌نُورُ ‌السَّمَاوَاتِ ‌وَالْأَرْضِ ‌مَثَلُ ‌نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (النور: 35).
التفسير الإجمالي للآية الكريمة:
قال ابن كثير- رحمه الله-: "مثل نور المؤمن الذي في قلبه كمشكاة، فشبه قلب المؤمن وما هو مفطور عليه من الهدى، وما تلقاه من القرآن المطابق لما هو مفطور عليه، كما قال -تعالى-: (‌أَفَمَنْ ‌كَانَ ‌عَلَى ‌بَيِّنَةٍ ‌مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ...) (هود: 17)، فشبه قلب المؤمن في صفائه في نفسه، بالقنديل من الزجاج الشفاف الجوهري، وما يستهديه من القرآن والشرع بالزيت الصافي المشرق المعتدل الذي لا كدر فيه ولا انحراف".
من هدايات الآية الكريمة:
- كل هداية وخير ونور مصدره الله -تعالى-، فلولاه ما اهتدينا، ولا تصدقنا ولا صلينا، فمن ثم وجب على العبد أن يعتصم بربه -تعالى- يستهديه، ويستغفره، وكان -صلى الله عليه وسلم- إذا استفتح صلاة الليل قال: (‌اللَّهُمَّ ‌لَكَ ‌الحَمْدُ، ‌أَنْتَ ‌نُورُ ‌السَّمَوَاتِ ‌وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ...) (متفق عليه)، والقول في الحديث كالقول في الآية الكريمة، أما أن اسمه -عز وجل- النور، وصفته النور، فمن أدلة أخرى: كقوله -تعالى-: (وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا) (الزمر:??)، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (حِجَابُهُ ‌النُّورُ، ‌لَوْ ‌كَشَفَهُ ‌لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ) (رواه مسلم).
قال النووي -رحمه الله- في شرح مسلم: "السبحات بضم السين والباء ورفع التاء في آخره وهي جمع سبحة. قال صاحب العين والهروي وجميع الشارحين للحديث من اللغويين والمحدثين: معنى (سبحات وجهه) نوره وجلاله وبهاؤه".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وقد أخبر الله في كتابه أن الأرض تشرق بنور ربها، فإذا كانت تشرق من نوره؛ كيف لا يكون هو نورًا؟!".
وقال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: "ولما كان النور من أسمائه الحسنى وصفاته، كان دينه نورًا ورسوله نورًا، وداره نورًا يتلالأ، والنور يتوقَّد في قلوب عباده المؤمنين ويجري على ألسنتهم ويظهر على وجوههم".
وقال في النونية:
وَالنُّورُ مِنْ أسْـمائِهِ أيْـضًا وَمِـنْ أَوْصـَافِهِ سُـبْحَانَ ذِي الـبـُرْهَانِ
وحِجَابه نورٌ فلو كشفَ الحِجابَ لَأَحْــرقَ الـسـُّبـحـاتُ لـلأكــوانِ
وإِذا أَتى للفـصـلِ يُـشـرقُ نُـورهُ في الأرضِ يــومَ قِيامةِ الأَبدانِ
أما النور الذي في السماوات والأرض؛ فهو نور مخلوق لله -تعالى-، والحمد لله على نعمه.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 06-11-2023, 04:22 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,340
الدولة : Egypt
افتراضي رد: هدايات آية النور

هدايات آية النور (4)




كتبه/ عصام حسنين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فالله -تعالى- منوِّر قلب عبده المؤمن بأنوار: نور الفطرة التي فطره عليها وهي الإسلام، ونور الهداية للإيمان والترقي فيه، ونور القرآن الذي آتاه إياه، وجعله في صدره، ونور العمل الصالح الذي يمد القلب بالنور.
- إذا عظُم نور المؤمن وفاض كان نورًا لغيره؛ لذلك لا يسعى بنور القرآن بين الناس إلا مَن استنار به، ثم لا يزال يرعاه، ويمده بأسباب زيادته في قلبه؛ ليستمر ولا ينقطع، كما أن هذا النور يمنعه من الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
قال العلامة السعدي في فتح الرحيم: "ومتى امتلأ القلب من هذا النور فاض على الوجه، فاستنار الوجه، وانقادت الجوارح بالطاعة راغبة، وهذا النور الذي يكون في القلب هو الذي يمنع العبد من ارتكاب الفواحش، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (‌لَا ‌يَزْنِي ‌الزَّانِي ‌حِينَ ‌يَزْنِي ‌وَهُوَ ‌مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ) (متفق عليه)، فأخبر أن وقوع هذه الكبائر لا يكون، ولا يقع مع وجود الإيمان ونوره" (انتهى).
- إذا علم العبد ذلك؛ فإنه يتعلَّق بربه، ويدعوه أن يجعل له نورًا، وأن يحذر من العُجب والغرور والكبر؛ فإنه بالله -تعالى-، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
- تظهر الآية الكريمة أهمية القلب للمؤمن؛ قال ابن القيم رحمه الله-: "شبَّه قلبه بالزجاجة؛ لرقتها وصفائها وصلابتها، وكذلك قلب المؤمن فإنه قد جمع الأوصاف الثلاثة، فهو يرحم ويحسن، ويتحنن ويشفق على الخلق برقته. وبصفائه تتجلَّى فيه صور الحقائق والعلوم على ما هي عليه، ويباعد الكدر والدرن والوسخ بحسب ما فيه من الصفاء، وبصلابته يشتد في أمر الله -تعالى-، ويتصلب في ذات الله -تعالى-، ويغلظ على أعداء الله -تعالى-، ويقوم بالحق لله -تعالى-..." (التفسير القيم).
- والقلب هو آنية الله في أرضه، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (‌إِنَّ ‌للهِ ‌آنِيَةً ‌مِنْ ‌أَهْلِ ‌الْأَرْضِ، وَآنِيَةُ رَبِّكُمْ قُلُوبُ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ وَأَحَبُّهَا إِلَيْهِ أَلْيَنُهَا وَأَرَقُّهَا) (رواه الطبراني وحسنه الألباني).
- هذا الإناء فيه توحيد الله -تعالى-، ومحبته وتعظيمه، وخشيته ورجاؤه، والإخلاص له، والتوكل عليه، والإنابة إليه، والإخبات له، وغيرها من عبادات القلوب.
- فإذا قوي هذا الإيمان علمًا وعملًا، لزم ضرورةً صلاح الظاهر كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (أَلَا ‌وَإِنَّ ‌فِي ‌الْجَسَدِ ‌مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ) (متفق عليه)، وقال عمر -رضي الله عنه-: "مَن أصلح سريرته أصلح الله علانيته". وما أجمل كلمة الحكيم الترمذي: "وتربية القلوب تؤدي إلى منازل القربة".
- وتربية الإيمان فيها حتى يكمل ويرسخ، يكون بتقوية محبة الله في القلب، بالأخذ بالأسباب العشرة التي ذكرها ابن القيم -رحمه الله-: "قراءة القرآن بتدبر وتفهُّم، والتقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض، ودوام ذكر الله -تعالى- على كل حال، وإيثار ما يحبه الله على ما يحبه العبد عند غلبات الهوى، والتسنم إلى محابه وإن صعُب المرتقى، ومطالعة القلب لأسمائه وصفاته الحسنى، ومشاهدتها والتقلب في رياضها، ومشاهدة بره وإحسانه، ونعمه الظاهرة والباطنة، وانكسار القلب بين يديه بكليته، والخلوة به وقت النزول الإلهي لمناجاته وتلاوة كلامه، ومجالسة المحبين الصادقين، ومباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله -عز وجل-" (انتهى بتصرف من مدارج السالكين).
- وإذا كان القرآن نورًا عظيمًا، وحجة وهداية، وشفاء ورحمة للمؤمنين، فعلى المؤمن أن يهتم به، ويجعله أنيسه وجليسه ومنهله الذي ينهل منه العلم والهدى.
- وليعلم المؤمن أنه بقدر أخذه من القرآن تقوى حجته، ويعظم نوره، كان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- في خروجه إلى الصلاة، وفي صلاته وسجوده: (اللهمَّ اجعلْ في قلبي نورًا، وفي لساني نورًا، وفي بصري نورًا، وفي سمعي نورًا، وعنْ يميني نورًا، وعنْ يساري نورًا، ومنْ فوقي نورًا، ومنْ تحتي نورًا، ومنْ أمامي نورًا، ومنْ خلفي نورًا، واجعلْ لي في نفسي نورًا، وأَعْظِمْ لي نورًا) (متفق عليه).
هذا والله -تعالى- أعلم بأسرار كتابه، وصلى الله على محمدٍ وآله وسلم.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 77.63 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 74.62 كيلو بايت... تم توفير 3.01 كيلو بايت...بمعدل (3.88%)]