بيان مقام الخلة التي أعطيها إبراهيم عليه السلام - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         المبسوط فى الفقه الحنفى محمد بن أحمد السرخسي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 244 - عددالزوار : 16893 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 5107 - عددالزوار : 2370218 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4694 - عددالزوار : 1669253 )           »          6 معطرات جو طبيعية لكل غرفة فى المنزل.. روائح منعشة وآمنة تدوم طويلاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          5 أنشطة لأطفالك لمساعدتهم على التعلم من خلال اللعب.. خليهم ينبسطوا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          طريقة عمل طاجن البسبوسة بالمكسرات.. دلعى أولادك وضيوفك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          بلاش نزول من غير فطار.. 6 وجبات صحية خفيفة تمنحك الطاقة والرشاقة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          روتين العناية بالشفاه فى 3 خطوات لابتسامة ساحرة فى الشتاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          4 وصفات طبيعية تخلصك من القشرة من غير ما تنشف شعرك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          5 خطوات بسيطة تساعدك على المذاكرة أولاً بأول وتمنع تراكم الدروس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 68 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 12-12-2025, 11:29 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 167,845
الدولة : Egypt
افتراضي بيان مقام الخلة التي أعطيها إبراهيم عليه السلام

بيان مقام الخلة التي أعطيها إبراهيم عليه السلام

د. أحمد خضر حسنين الحسن

قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ﴾ [النساء: 125].

قبل الشروع في تفسيرها أقول: في الآية الكريمة ترغيبٌ في اتباع ملة سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام؛ لأنه وصل إلى مقام الخلة التي هي أكبر دليل على كمال الاستسلام لأمر الله تعالى، ولذا قدَّم لها بقوله: سْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ)؛ قال الرازي رحمه الله تعالى: قال تعالى: (وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا)، وفيه مسائل:

المسألة الأولى: في تعلق هذه الآية بما قبلها، وفيه وجهان:
الأول: أن إبراهيم عليه السلام لَما بلغ في علوِّ الدرجة في الدين أن اتَّخذه الله خليلًا، كان جديرًا بأن يتَّبع خلقه وطريقته.

والثاني: أنه لما ذكر ملة إبراهيم، ووصفه بكونه حنيفًا، ثم قال عقيبه: (وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا)، أشعر هذا بأنه سبحانه إنما اتَّخذه خليلًا؛ لأنه كان عالِمًا بذلك الشرع، آتيًا بتلك التكاليف، ومما يؤكد هذا قوله: ﴿ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ﴾ [البقرة: 124]، وهذا يدل على أنه سبحانه إنما جعله إمامًا للخلق؛ لأنه أتَمُّ تلك الكلمات.

وإذ ثبت هذا فنقول: لما دلت الآية على أن إبراهيم عليه السلام إنما كان بهذا المنصب العالي، وهو كونه خليلًا لله تعالى بسبب أنه كان عاملًا بتلك الشريعة، كان هذا تنبيهًا على أن من عمل بهذا الشرع لا بد وأن يفوز بأعظم المناصب في الدين، وذلك يفيد الترغيب العظيم في هذا الدين.


المسألة الثانية: ذكروا في اشتقاق الخليل وجوهًا:
الأول: أن خليل الإنسان هو الذي يدخل في خلال أموره وأسراره، والذي دخل حبه في خلال أجزاء قلبه، ولا شك أن ذلك هو الغاية في المحبة.

قيل: لما أطْلع الله إبراهيم عليه السلام على الملكوت الأعلى والأسفل، ودعا القوم مرة بعد أخرى إلى توحيد الله، ومنعهم عن عبادة النجم والقمر والشمس، ومنعهم عن عبادة الأوثان، ثم سلم نفسَه للنيران، وولدَه للقربان، وماله للضِّيفان، جعله الله إمامًا للخلق ورسولًا إليهم، وبشَّره بأن الملك والنبوة في ذريَّته، فلهذه الاختصاصات سماه خليلًا؛ لأن محبة الله لعبده عبارة عن إرادته لإيصال الخيرات والمنافع إليه.

الوجه الثاني في اشتقاق اسم الخليل: أنه الذي يوافقك في خلالك؛ أقول: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "تخلَّقوا بأخلاق الله "، فيشبه أن إبراهيم عليه السلام لما بلغ في هذا الباب مبلغًا لم يبلغه أحد ممن تقدَّم، لا جرم خصَّه الله بهذا التشريف.

الوجه الثالث: قال صاحب "الكشاف": إن الخليل هو الذي يسايرك في طريقك، من الخل وهو الطريق في الرمل، وهذا الوجه قريب من الوجه الثاني، أو يحمل ذلك على شدة طاعته لله، وعدم تمرده في ظاهره وباطنه عن حكم الله؛ كما أخبر الله عنه بقوله: ﴿ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [البقرة: 131].

الوجه الرابع: الخليل هو الذي يسد خللَك كما تسد خلله، وهذا القول ضعيف؛ لأن إبراهيم عليه السلام لما كان خليلًا مع الله امتنَع أن يقال: إنه يسد الخلل، ومن ها هنا علمنا أنه لا يمكن تفسير الخليل بذلك.

أما المفسرون فقد ذكروا في سبب استحقاق إبراهيم عليه السلام لهذا اللقب وجوهًا:
الأول: أنه لما صار الرمل الذي أتى به غلمانه دقيقًا، قالت امرأته: هذا من عند خليلك المصري، فقال إبراهيم: بل هو من خليلي الله.

والثاني: قال شهر بن حوشب: هبط ملك في صورة رجل، وذكر اسم الله بصوت رخيم شجي، فقال إبراهيم عليه السلام: اذكره مرة أخرى، فقال: لا أذكره مجانًا، فقال: لك مالي كله، فذكره الملك بصوت أشجى من الأول، فقال: اذكره مرة ثالثة ولك أولادي، فقال الملك: أبشِر فإني ملك لا أحتاج إلى مالك وولدك، وإنما كان المقصود امتحانك، فلما بذل المال والأولاد على سماع ذكر الله، لا جرم اتَّخذه الله خليلًا.

الثالث: روى طاوس عن ابن عباس أن جبريل والملائكة لما دخلوا على إبراهيم في صورة غلمان حسان الوجوه، وظن الخليل أنهم أضيافه، وذبح لهم عجلًا سمينًا، وقرَّبه إليهم، وقال: كلوا على شرط أن تسموا الله في أوله، وتحمدوه في آخره، فقال جبريل: أنت خليل الله، فنزل هذا الوصف.

وأقول: فيه عندي وجه آخر، وهو أن جوهر الروح إذا كان مضيئًا مشرقًا علويًّا، قليلَ التعلق باللذات الجسمانية والأحوال الجسدانية، ثم انضاف إلى مثل هذا الجوهر المقدس الشريف أعمالٌ تزيده صقالةً عن الكُدورات الجسمانية، وأفكار تزيده استنارةً بالمعارف القدسية والجلايا الإلهية، صار مثل هذا الإنسان متوغلًا في عالم القدس والطهارة، متبرئًا عن علائق الجسم والحس، ثم لا يزال هذا الإنسان يزيد في هذه الأحوال الشريفة إلى أن يصير بحيث لا يرى إلا بالله، ولا يسمع إلا بالله، ولا يتحرك إلا بالله، ولا يسكن إلا بالله، ولا يمشي إلا بالله، فكأن نور جلال الله قد سرى في جميع قواه الجسمانية، وتخلَّل فيها وغاص في جواهرها، وتوغَّل في ماهياتها، فمثل هذا الإنسان هو الموصوف حقًّا بأنه خليل، لما أنه تَخللت محبة الله في جميع قواه، وإليه الإشارة بقول النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه: "اللهم اجعل في قلبي نورًا، وفي سمعي نورًا، وفي بصري نورًا، وفي عصبي نورًا".


المسألة الثالثة:قال بعض النصارى: لما جاز إطلاق اسم الخليل على إنسان معين على سبيل الإعزاز والتشريف، فلم لا يجوز إطلاق اسم الابن في حق عيسى عليه السلام على سبيل الإعزاز والتشريف؟

وجوابه: أن الفرق أن كونه خليلًا عبارة عن المحبة المفرطة، وذلك لا يقتضي الجنسية، أما الابن فإنه مشعر بالجنسية، وجل الإله عن مجانسة الممكنات ومشابهة المحدثات.

وقال الآلوسي رحمه الله تعالى: (وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا) تذييل جيء به للترغيب في اتباع ملته - عليه السلام - والإيذان بأنه نهاية في الحسن، وإظهار اسمه - عليه السلام - تفخيمًا له وتنصيصًا على أنه الممدوح.

وإطلاقه - أي لقب الخليل - على إبراهيم عليه السلام، قيل: لأن محبة الله تعالى قد تخللت نفسه وخالطتها مخالطة تامة، أو لتخلُّقه بأخلاق الله تعالى، ومن هنا كان يكرم الضيف، ويُحسن إليه، ولو كان كافرًا، فإن من صفات الله تعالى الإحسان إلى البَر والفاجر، وفي بعض الآثار - ولست على يقين في صحته -: «أنه عليه السلام نزل به ضيفٌ من غير أهل ملَّته، فقال له: وحد الله تعالى حتى أضيفك وأُحسن إليك، فقال: يا إبراهيم، من أجل لقمة أترك ديني ودين آبائي، فانصرف عنه، فأوحى الله تعالى إليه: يا إبراهيم صدَقك! لي سبعون سنة أرزُقه وهو يشرك بي، وتريد أنت منه أن يترك دينه ودين آبائه لأجل لُقمة، فلحقه إبراهيم - عليه السلام - وسأله الرجوع إليه ليقريه، واعتذر إليه، فقال له المشرك: يا إبراهيم، ما بدا لك؟ فقال: إن ربي عاتبني فيك، وقال: أنا أرزُقه منذ سبعين سنة على كفره بي، وأنت تريد أن يترك دينه ودين آبائه لأجل لُقمة؟! فقال المشرك: أوقد وقع هذا؟! مثل هذا ينبغي أن يُعبَد، فأسلَم ورجع مع إبراهيم عليه السلام إلى منزله).

وأخرج البيهقي في (الشعب) عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يا جبريل، لم اتَّخذ الله تعالى إبراهيم خليلًا؟ قال: لإطعامه الطعام يا محمد»، وقيل - واختاره البلخي والفراء - لإظهاره الفقر والحاجة إلى الله تعالى، وانقطاعه إليه، وعدم الالتفات إلى مَن سواه، كما يدل على ذلك قوله لجبريل - عليه السلام - حين قال له يوم أُلقي في النار: ألك حاجة؟ «أما إليك فلا»، ثم قال: حسبي الله ونعم الوكيل.

وقيل في وجه تسميته - عليه السلام - خليل الله غير ذلك، والمشهور أن الخليل دون الحبيب.

وقال في تفسير المنار:واتخذ الله إبراهيم خليلًا؛ أي: اصطفاه لتوحيده وإقامة دينه في زمن وبلاد غلبت عليها الوثنية، وقوم أفسد الشرك عقولهم ودنَّس فطرتهم، فكان إبراهيم خالصًا مخلصًا لله، وبهذا المعنى سماه الله خليلًا، وإذا أراد الله أن يكرم عبدًا من عباده أطلق عليه ما شاء، وإلا فإن المعنى المتبادر من لفظ الخليل في استعمالنا له يتنزَّه الله عنه، فإن الخلة بين الخليلين إنما تتحقق بشيء من المساواة بينهما، وهي من مادة التخلل الذي هو بمعنى الامتزاج والاختلاط؛ اهـ.

والله يحب الأصفياء من عباده ويُحبونه، وقد كان إبراهيم كامل الحب لله، ولذلك عادى أباه وقومه، وجميع الناس في حبه تعالى والإخلاص له، وقيل: إن الخليل هنا مشتق من الخلة - بفتح الخاء - وهي الحاجة; لأن إبراهيم ما كان يشعر بحاجته إلى أحد غير الله عز وجل حتى قال في الحاجات العادية التي تكون بالتعاون بين الناس: ﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾ [الشعراء: 78 - 80]، والأول أظهر وأكمل.

والمراد بذكر هذه الخلة الإشارة إلى أعلى مراتب الإيمان التي كان عليها إبراهيم، ليتذكر الذين يدَّعون اتباعه من اليهود والنصارى والعرب ما كان عليه من الكمال، وما هم عليه من النقص، ولذلك ذكر أهل الأثر أن هذه الآية نزلت في سياق الرد على أولئك المتفاخرين بدينهم المتبجِّح كل منهم بأنه على ملة إبراهيم، والمعنى: أن إبراهيم قد اتخذه الله خليلًا بأن من عليه بسلامة الفطرة، وقوة العقل وصفاء الروح، وكمال المعرفة بالوحي، والفناء في التوحيد، فأين أنتم من ذلك؟! ولا تكاد توجد كلمة في اللغة تُمثل هذه المعاني غير كلمة الخليل، وأما لوازم هذه الكلمة في استعمال البشر التي هي خاصة بهم، فينزه الله عنها بأدلة العقل والنقل.

فوائد مهمة:
الأولى: لم يختص إبراهيم عليه السلام بخُلَّة الرحمن سبحانه وتعالى، بل شاركه فيها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ فعن جُنْدَب بنِ عَبْدِ الله البَجَلي رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِخَمْسٍ وَهُوَ يَقُولُ: (إِنِّي أَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ أَنْ يَكُونَ لِي مِنْكُمْ خَلِيلٌ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ اتَّخَذَنِي خَلِيلًا، كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا)؛ رواه مسلم (532).


الثانية: قال ابن القيم رحمه الله:
مرتبة الخلة التي انفرد بها الخليلان: إبراهيم، ومحمد صلى الله عليهما وسلم، كما صح عنه أنه قال: (إن الله اتخذني خليلًا كما اتخذ إبراهيم خليلًا)، وقال: (لو كنت متخذًا من أهل الأرض خليلًا، لاتخذت أبا بكر خليلًا، ولكن صاحبكم خليل الرحمن)، والحديثان في الصحيح، وهما يبطلان قول من قال: "الخلة لإبراهيم، والمحبة لمحمد، فإبراهيم خليله ومحمد حبيبه"[1].


وقد استحق كلا النبيين عليهما الصلاة والسلام هذه المنزلة لما لهما من الصفات، والأفعال العظيمة الجميلة.

وبخصوص النبي إبراهيم عليه السلام، فإن الله تعالى قد أثنى عليه في القرآن ثناء عظيمًا، وذكر له من الصفات والأفعال ما استحقَّ بها أن يكون خليلًا لربه تعالى، وأعظم تلك الصفات والأفعال: تحقيقه للتوحيد، وبراءته من الشرك والمشركين، حتى نسب الدين والملَّة إليه عليه السلام، ولذا فلا عجب إِنْ عَلِمْنَا أن الله تعالى أمر نبيَّه محمَّدًا صلى الله عليه وسلم أن يتبع هذه الملَّة في قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [النحل: 123]، وأمر سبحانه عبادَه جميعهم بذلك الاتباع لتلك الملَّة إتباعه في قوله: ﴿ قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [آل عمران: 95][2].


الثالثة: من عظيم صفات وأفعال إبراهيم عليه السلام:
1- قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [النحل: 120 - 122].

والأمّة: هو الإمام الجامع لخصال الخير الذي يُقتدى به، والقانت هو الخاشع المطيع لربه دائمًا.

والحنيف: هو المنحرف قصدًا عن الشرك إلى التوحيد، ولهذا قال: ﴿ وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاكِرًا لأَنْعُمِهِ ﴾؛ أي: قائمًا بشكر نعمة ربه عليه،.فكان نتيجة هذه الخصال الفاضلة أن (اجْتَبَاهُ) ربه واختصه بخُلته، وجعله من صفوة خلقه، وخيار عباده المقربين[3].

2- قال الله تعالى: ﴿ وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ﴾ [النجم: 37].

قال البقاعي رحمه الله تعالى: قال تعالى: (وإبراهيم)، ومدحه بقوله: (وفَّى) دالًّا بتشديد الفعل على غاية الوفاء: الذي وفَّى؛ أي أتم ما أُمر به، وما امتُحن به، وما قَلِقَ شيئًا مِن قَلَقٍ، وكان أول من هاجر قومه وصبر على حرِّ ذبح الولد، وكذا على حر النار، ولم يَستعن بمخلوقٍ.

3- قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ ﴾ [هود: 75].

و(حَلِيمٌ)؛ "أي: ذو رحمةٍ، وصفحٍ عما يصدر منهم إليه من الزلات، لا يستفزه جهل الجاهلية، ولا يقابل الجاني عليه بجرمه"؛ تفسير السعدي.

و(أَوَّاهٌ)؛ أي: كثير التضرع والذكر والدعاء والاستغفار، و(مُنِيبٌ)؛ "أي: راجع إلى الله بمعرفته ومحبته، والإقبال عليه، والإعراض عما سواه"؛ تفسير السعدي.

4- كرمه وسخاؤه؛ قال الله تعالى: ﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ * فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ ﴾ [الذاريات: 24 - 27].

5- عِظَم صبره؛ قال الله تعالى: ﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ﴾ [الأحقاف: 35]، وإبراهيم عليه السلام من أولي العزم من الرسل، فهم المذكورون في قوله تعالى: ﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ ﴾ [الشورى: 13].

6- البراءة من الشرك والمشركين، وإعلانه ذلك؛ قال الله تعالى: ﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ [الممتحنة: 4].
7- قيامه بجميع ما أمره الله به على أتم وجهٍ؛ قال الله تعالى: ﴿ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 124].

إلى غير ذلك من الصفات والأفعال التي بمجموعها استحق عليه السلام أن يكون خليلًا لله تعالى.

الرابعة:قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتاب (زاد المعاد) يقول: "لما سأل إبراهيم عليه السلام ربَّه الولد ووهبَه له، تعلَّقت شعبة من قلبه بمحبته، والله تعالى قد اتخذه خليلًا؛ والخلة منصب يقتضي توحيد المحبوب بالمحبة، وألا يشارك بينه وبين غيره فيها، فلما أخذ الولد شعبة من قلب الوالد، جاءت غيرة الخلة تَنتزعها من قلب الخليل، فأمره بذبح المحبوب، فلما أقدم على ذبحه وكانت محبة الله أعظم عنده من محبة الولد، خَلصت الخلة حينئذ من شوائب المشاركة، فلم يبقَ في الذبح مصلحة؛ إذ كانت المصلحة إنما هي في العزم وتوطين النفس عليه، فقد حصل المقصود فنُسِخ الأمر، وفُدِي الذبيح، وصدَّق الخليل الرؤيا، وحصَل مرادُ الربِّ.

[1] مدارج السالكين – لابن القيم - (3/ 30) .

[2]/ موقع الإسلام سؤال وجواب.

[3] انظر: تفسير ابن كثير، وتفسير السعدي.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 87.86 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 86.15 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.95%)]