|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() تفسير سورة الفجر أبو عاصم البركاتي المصري عدد آياتها:مكيَّة وهي ثلاثون آية. مناسبة السورة لما قبلها (سورة الغاشية): ورد في سورة الغاشية قوله تعالى: ﴿ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ ﴾ [الغاشية: 21، 22]، ثم ذكر في سورة الفجر تذكر واتعاظ من كان قبلهم من الكفار وذلك يوم القيامة؛ حيث لا ينفعهم ذلك، فقال: ﴿ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ﴾ [الفجر: 23، 24]. مناسبة السورة لما بعدها (سورة البلد): ذمَّ الله تعالى في سورة الفجر من أحب المال، وأكل التراث، ولم يحض على طعام المسكين، ذكر في هذه السورة الخصال التي تطلب من صاحب المال، من فك الرقبة، والإطعام في يوم ذي مسغبة[1]. مقاصد السورة: (1) القسم بخمسة أشياء شريفة للدلالة على علوِّ قدرها. (2) تَذكيرُ المُشرِكينَ بما حَلَّ بالمكَذِّبينَ مِن قَبْلِهم؛ كقَومِ عادٍ وثَمودَ وفِرعَونَ. (3) بيان أن الله يمهل ولا يهمل. (4) بيان أن الكرامة أو الإهانة ليست بالغنى أو الفقر. (5) ذكر بعض أوصاف الكافرين من البخل بالمال والحرص عليه. (6) وَصفُ يومِ القيامةِ وما فيه مِن أهوالٍ وبيان ندم المفرطين. (7) تبشيرُ أصحابِ النُّفوسِ المؤمِنةِ المطمَئِنَّةِ. تفسير سورة الفجر بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ * هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ * أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ * فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا * وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا * كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا * وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ * يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴾ [الفجر: 1- 30].تفسير الآيات: قوله تعالى: ﴿ وَالْفَجْرِ ﴾: قسم بالفجر، والْفَجْر هُوَ إِقْبَالُ النَّهَارِ، وَإِدْبَارُ اللَّيْلِ. قوله تعالى: ﴿ وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ ﴾: العَشر من أول ذِي الْحجَّة، ورد عن مجاهد ﴿ وَلَيَالٍ عَشْرٍ ﴾ قال: عشر ذي الحجة. وأخرج أحمد والنسائي في "السنن الكبرى" والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ الْعَشْرَ عَشْرُ الْأَضْحَى، وَالْوَتْرَ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَالشَّفْعَ يَوْمُ النَّحْرِ". وأخرج البخاري بسنده عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ما العمل في أيام العشر أفضل من العمل في هذه. قالوا: ولا الجهاد؟ قال: ولا الجهاد، إلا رجلٌ خرج يُخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء". وَيُقَال: الشفع كل صَلَاة تصلى رَكْعَتَيْنِ أَو أَرْبَعَة، وَالْوتر وَهِي كل صَلَاة تصلى ثَلَاثَة؛ وَهِي صَلَاة الْمغرب، أو ركعة واحدة فهي وتر. وأخرج أحمد في المسند عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «صَلَاةُ الْمَغْرِبِ وِتْرُ النَّهَارِ، فَأَوْتِرُوا صَلَاةَ اللَّيْلِ». وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَمَسْرُوقٌ وقتادة: الشَّفْعُ الْخَلْقُ كُلُّهُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ ﴾ [الذَّارِيَات: 49]. وقال مجاهد: الوَتْرُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ[2]. وهذا معنى ما ورد في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إِنَّ اللهَ وِتْرٌ، يُحِبُّ الْوِتْرَ". قوله تعالى: ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ ﴾: إذا سار، وَقيل: هِي لَيْلَة الْمزْدَلِفَة؛ كقوله: ﴿ وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ ﴾ [المدثر: 33]، وقوله: ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ ﴾ [التكوير: 17]. قوله تعالى: ﴿ هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ ﴾يعني: هل بما أقسمنا به ما يؤكد الأخبار لذي حِجْر؛ أي: ذي حلم وعقل، قَالَ الْجُمْهُورُ: الْحِجْرُ: الْعَقْلُ. وَأَصْلُ الْحِجْرِ: الْمَنْعُ، يُقَالُ لِمَنْ مَلَكَ نَفْسَهُ وَمَنَعَهَا إِنَّهُ لَذُو حِجْرٍ. وَجَوَابُ الْقَسَمِ قَوْلُهُ: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ ﴾. قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ ﴾؛ أي: ألم تعلم؛ لأن الخبر الصادق الأكيد يفيد العلم واليقين كالمشاهدة وعين اليقين. ﴿ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ ﴾: يُخَوِّفُ أَهْلَ مَكَّةَ يَعْنِي كَيْفَ أَهْلَكَ عادًا، وَهُمْ كَانُوا أَطْوَلَ أَعْمَارًا وَأَشَدَّ قُوَّةً، وكانوا يسكنون بالأحقاف بين حضرموت وعمان، وهم الذي بعث الله فيهم رسوله هودًا عليه السلام فكذبوه وخالفوه. قال تعالى: ﴿ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ ﴾ [فصلت: 15، 16]، فأهلكهم الله بالريح، قال تعالى: ﴿ وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ * مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ ﴾ [الذاريات: 41، 42]. قوله تعالى: ﴿ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ﴾: عطف بيان، وإرم مدينة عظيمة وقوية، وقيل: قبيلة، ﴿ ذَاتِ الْعِمَادِ ﴾ ذات الطول، قيل: كانوا طوال الأجسام، حتى قيل: "كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَأْتِي عَلَى الصَّخْرَةِ فَيَحْمِلُهَا عَلَى الْحَيِّ فَيُهْلِكُهُمْ". وقيل: ذات أبنية عالية وأعمدة قوية مرتفعة، لم يكن في ذاك الوقت مثلها البلاد، وقيل: إرم هي عاد الأولى، قال اللّه عز وجل: ﴿ وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى ﴾ [النجم: 50]. قوله تعالى: ﴿ وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ ﴾وثمود هم: قوم صالح عليه السلام، جَابُوا؛ أي: قطعوا الصخر ونحتوه، فالجَب هو القَطْع. وكانوا ينحتون الجبال، وينقبونها بيوتًا يسكنون فيها، وذكر الله تعالى ثمودًا فقال: ﴿ وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ ﴾ [الشعراء: 149]، وقال: ﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ [الأعراف: 74]. فأصَرُّوا على عنادهم وكفرهم فأهلكهم الله تعالى بالرجفة، قال تعالى: ﴿ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾ [الأعراف: 78]. والمقصود تخويف أهل مكة، وكيف أهلكهم، وهم كانوا أطول أعمارًا، وأشد قوة من هؤلاء، وكانت أخبار عاد وثمود وفرعون معلومة عندهم. قوله تعالى: ﴿ وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ ﴾وفرعون هو حاكم مصر، ﴿ ذِي الْأَوْتَادِ ﴾ والأوتاد جمع وتد، وهو عود غليظ له رأس مفلطح يدق في الأرض ليشد به الخيمة أو حبالها. قال ابن عباس: الجنود الذين يشدُّون له أمره. قال الشيخ أبو بكر الجزائري في "أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير" (4/ 440): جائز أن يكون المراد بالأوتاد القوة والبطش أو الأهرام؛ لأنها بناء راسخ في الأرض كالأوتاد جمع وتد؛ ا هـ. وقيل: كَانَ يُعَذِّبُ بِالْأَوْتَادِ، قَالَ السُّدِّيُّ: كَانَ فِرْعَوْنُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَ أَحَدًا رَبَطَهُ بِأَرْبَعَةِ أَوْتَادٍ عَلَى صَخْرَةٍ ثُمَّ أَرْسَلَ عَلَيْهِ صَخْرَةً مِنْ فَوْقِهِ فَشَدَخَهُ[3]. قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾. طغوا؛ أي: بغوا وتعدوا وظلموا، وعاثوا بالفساد في الأرض وأذية الخلق، وركوب ما حرَّم الله عليهم، فعذَّبهم الله بأن صبَّ عليهم لونًا من العذاب، والسوط هو ما يجلد به، يُقَالُ: سُطْتُهُ بِالسَّوْطِ؛ أي: ضَرَبْتُهُ. ﴿ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ ﴾؛ أي: أنزل وأحلَّ بهم نَصِيبًا مِنَ الْعَذَابِ. ﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾؛ أي: يرقب أعمالهم، قَالَ ابن عباس: يَسْمَعُ وَيَرَى، ويقول الله تعالى: ﴿ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ ﴾ [هود: 93]. وقِيلَ: أي يَرْصُدُ مَنْ كَفَرَ بِهِ بِالْعَذَابِ، قال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ [هود: 102]. قال تعالى: ﴿ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا ﴾ [العنكبوت: 40]. قوله تعالى: ﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ﴾ ابْتَلاهُ: اختبره وامتحنه، ﴿ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ ﴾ متَّعه بالنعم؛ بالمال والجاه والقوة. قوله تعالى: ﴿ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ﴾ بمعنى رفع قدري ومنحني النعم، يظن أن ذلك لكرامته عند ربه أو لأنه مستحق لذلك. قَالَ الْكَلْبِيُّ: الْإِنْسَانُ هُوَ الْكَافِرُ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي أُمَيَّةَ بْنِ خلف. قوله تعالى: ﴿ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ﴾أما إذا ما اختبره بالفقر وضيق عليه الرزق فيظن أن ذلك لهوانه على الله، وإن من الخطأ البين الظن بأن الكرامة والهوان بكثرة الحظِّ في الدنيا وقلَّته. قوله تعالى: ﴿ كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ ﴾: (كلا)؛ أي: لا كما تظنون أن الإكرام بكثرة الغني أو الإهانة بالفقر، بل الإِكرام والإِهانة بطاعة الله ومعصيته. وقوله تعالى: ﴿ بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ ﴾: وهذا شأن الإنسان الجاحد المعاند وكذا الكافر أنه لا ينفق ولا يكرم اليتيم ولا يعطي المحتاج، وفي الآية وصية باليتيم ورعايته، واليتيم من مات أبوه وهو دون البلوغ، أخرج البخاري برقم (6005) عن سهل بن سعد عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا" وقال: بإصبعيه السبابة والوسطى. قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴾:وَلَا تحثون أَنفسكُم وَغَيرهَا على التصدق للمَسَاكِين، قال الله تعالى في بيان عمل أهل الجنة: ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴾ [الإنسان: 8]، وقال: ﴿ فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ﴾ [البلد: 11 - 16]. قوله تعالى: ﴿ وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا ﴾: والتراث؛ أي: الميراث من المال ونحوه، و﴿ لَمًّا ﴾؛ أي: أكلًا شديدًا، وقيل: اللَّمُّ الِاعْتِدَاءُ، يَأْكُلُ مِيرَاثَهُ وَمِيرَاثَ غَيْرِهِ، فيَلِمُّ كُلَّ شَيْءٍ يَجِدُهُ ولا يكترث من حلال أم من حرام. قوله تعالى: ﴿ وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ﴾؛ أي: حبًّا شديدًا. وحب المال مفسد للدين؛ أخرج أحمد والترمذي عن كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ». وأخرج مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «اتَّقُوا الظُّلْمَ، فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَاتَّقُوا الشُّحَّ، فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ». قوله تعالى: ﴿ كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا ﴾: (كلا) للزجر عن مثل فعالهم وتوطئة للوعيد، ﴿ دُكَّتِ الْأَرْضُ ﴾، زلزلت ودقت وسوِّيت بذهاب جبالها وهضابها، و﴿ دَكًّا دَكًّا ﴾؛ أي: كرر عليها الدك حتى صارت مستوية. قوله تعالى: ﴿ وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ﴾: يجيء الله تعالى يوم القيامة للفصل والحساب، وصفة المجيء ثابتة لله تعالى، ويجب الإيمان بها بلا تكييف ولا تشبيه، قال تعالى: ﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ﴾ [الأنعام: 158]. قولُه تعالى: ﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ ﴾ [البقرة: 210]. قال أبو يعلى: قَولُه: ﴿ وَجَاءَ رَبُّكَ ﴾، معناه: مجيءُ ذاتِه؛ لأنَّ حَمْلَه على مجيءِ الأمرِ والمَلَكِ يُسقِطُ فائدةَ التَّخصيصِ بذلك اليومِ؛ لأنَّ أَمْرَه سابِقٌ، ولأنَّ هذا يوجِبُ تأويلَ "تَرَونَ رَبَّكم"[4]. ﴿ وَالْمَلَكُ ﴾؛ أَيْ: الملائكةُ، ﴿ صَفًّا صَفًّا ﴾ صفوفًا. قوله تعالى: ﴿ وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى ﴾وفي هول يوم القيامة وشدته ومجيء الله تعالى وملائكته، يجاء بجهنم تقاد، فقد أخرج مسلم عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا». قوله تعالى: ﴿ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ ﴾ يَتَّعِظُ وَيَتُوبُ الْكَافِرُ، ﴿ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى ﴾؛ أي: لا تنفعه الذكرى ولا التوبة، قال تعالى: ﴿ وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [النساء: 18]، وأخرج الترمذي عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: "إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر". وروى مسلم أيضًا عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه». قوله تعالى: ﴿ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ﴾؛ أي: يقول:يَا لَيْتَنِي أطعت الله، وقَدَّمْتُ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ في الدنيا فتنفعني في الآخرة الَّتِي لَا مَوْتَ فِيهَا، قال تعالى: ﴿ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [العنكبوت: 64]. قوله تعالى: ﴿ فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ ﴾؛ أي: لَا يُعَذِّبُ كعَذَاب اللَّهِ أحد. قوله تعالى: ﴿ وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ ﴾: قال الواحدي: يعني بالوثاق الإِسار والسَّلاسل والأغلال، والمعنى: لا يبلغ أحدٌ من الخلق كبلاغ الله سبحانه في التَّعذيب والإِيثاق[5]. قوله تعالى: ﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً ﴾: المطمئنة:المؤمنة الموقنة، وَقِيلَ: الْمُطَمْئِنةُ بِذِكْرِ اللَّهِ، لقَوْله تعالى: ﴿ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [الرعد: 28]. قَالَ قَوْمٌ: يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ عِنْدَ الْمَوْتِ، وقيل: عند البعث؛ أَي: ارجعي إِلَى صَاحِبِكِ وَجَسَدِكِ، فَيَأْمُرُ اللَّهُ الْأَرْوَاحَ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى الْأَجْسَادِ. وَقَالَ الحَسَنُ: ﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ ﴾: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَبْضَهَا اطْمَأَنَّتْ إِلَى اللَّهِ وَاطْمَأَنَّ اللَّهُ إِلَيْهَا، وَرَضِيَتْ عَنِ اللَّهِ وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَأَمَرَ بِقَبْضِ رُوحِهَا، وَأَدْخَلَهَا اللَّهُ الجَنَّةَ، وَجَعَلَهُ مِنْ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ[6]» قوله تعالى: ﴿ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً ﴾:قَالَ الحسن رحمه الله: ارْجِعِي إِلَى ثَوَابِ رَبِّكِ وَكَرَامَتِهِ رَاضِيَةً عَنِ اللَّهِ بِمَا أَعَدَّ لها، مرضية رضي عنها ربها. قوله تعالى: ﴿ فَادْخُلِي فِي عِبادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴾: فادخلي في الصالحين المؤمنين، كما في قوله تعالى: ﴿ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ ﴾ [النمل: 19]، وكقوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ ﴾ [العنكبوت: 9]. ﴿ وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴾: أي ادخلي الجنة دار الجزاء الَّتِي أُعِدت لَك، وأضافها الله إلى نفسه للدلالة على شرفها وعناية الله بها. انتهى تفسير سورة الفجر وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه. [1] أسرار ترتيب القرآن للسيوطي، ص 151. [2] تفسير مجاهد، ص 727. [3] تفسير ابن أبي حاتم (10/ 3426). [4] يُنظر: إبطال التأويلات (ص: 131). [5] "تفسير الوجيز"، ص 1201. [6] انظر صحيح البخاري (6/ 169).
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |