|
ملتقى الشعر والخواطر كل ما يخص الشعر والشعراء والابداع واحساس الكلمة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() أبيات في مدح الشيب محمد حمادة إمام بدأت الدراسة بمدح المشيب [1]، والثناء عليه؛ قمعًا لنظرة التشاؤم من الشيب، فقد علت هذه النظرة كثيرًا ممن تناسى، وتجاهل أن الشَّيْب حقيقة لا بد من التدثر ببردها، والعمل على قبولها والتكيف معها، والاستعداد، والتهيؤ لها. إنها مرحلة جديرة بالبحث في أغوارها؛ اعتناء بها، واحترامًا وتقديرًا لها، ويكفيها فخرًا أنها مرحلة الصلاح، والتوبة، والأوبة إلى الله تعالى. وأصدق شاهد وأعدله في بيان فضل الشيب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورًا يوم القيامة، وقال ابن أبي شيبة: نهى رسول الله صلى الله علية وسلام عن نتف الشيب، وقال: هو نور المؤمن"[2]. وعن أنس بن مالك قال: يكره أن ينتف الرجل الشعرة البيضاء من رأسه ولحيتة... " [3]، فهذه الأحاديث تبين فضل من شاب، وقضى عمره مسلمًا طائعًا، لا كافرًا، ولا عاصيًا. وقديما قالوا: "الشَّيب حلية العقل، وشيمة الوقار. الشيب زبدة مخضتها الأيام، وفضة سبكتها التجارب، سرى في طريق الرشد بمصباح الشَّيب. عصى شياطين الشباب، وأطاع ملائكة الشيب" [4]. ومن مظاهر مدح الشيب والثناء عليه، ما قاله مجموعة من الشعراء خاصة، والناس عامة، ممن لم يروعه المشيب، فيأبى متابعة النفس، أو الكعاب، في الخضاب والتصابي [5] (156 - 250 هـ ) ويمدح الغزال المشيب، متجاهلًا الخضاب، فيقول في أبيات منها (من الكامل ): [6] بكَرتْ تُحسِّن لي سواد خضابي ![]() فكأنَّ ذاكَ أعَادني لِشَبابي ![]() ما الشَيْبُ عِندي والخِضاب لواصفٍ ![]() إلا كشمسٍ جُلِّلَتْ بِضَبابِ ![]() تخفى قليلا ثم يْقشَعُهَا الصَّبا ![]() فيصيُر ما سُتِرتْ بِه لِذَهَابِ ![]() لا تُنْكِري وَضَحَ المشيبِ فإنِّما ![]() هُو زَهْرةُ الأَفهْامِ والأَلْبَابِ ![]() فلديَّ ما تَهْوَيْنَ من شأن الصِّبا ![]() وطُلاوةِ الأخلاقِ والآدابِ ![]() أبيات من الشعر الأندلسي " المحلق في الأفق الحضري، والسارية في أوصاله روح القصة، والنظرة الساخرة.. " [7]، وهي تكشف عن واقعيته " في حديثه عن الخضاب والمشيب مع نود، فهو يكره طمس الحقائق الواقعية، حتى ولو كان هذا الطمس لغرض أدبي محض... " [8]، فالشاعر لم يألف الخضاب ستر الرزانة، ومكمن الخبرة والوقار. دعته الملكة - نود - إليه بلونه الأسود، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهي عن الخضاب بالسواد بقوله: " غيروا هذا الشيب، واجتنبوا السواد. " [9]، وربما مالت إلى هذا اللون، إما لأنه كان عادة المجوس في الخضاب، أو المراد به غيره من الأخضر، أو ما شابهه، ففي لسان العرب ".. لأن العرب تسمي الأسود أخضر، والأخضر أسود. [10]، ومنه خضبت الأرض خضبا طلع نباتها واخضر. وخضبت الأرض اخضرت. "[11] يرى الغزال أن الخضاب لن يعيد الشباب، بل سرعان ما يتبدد، ويظهر المشيب من جديد، للقريب والبعيد، كالشمس التي لا يقوى الضباب على إخفائها وسترها. ومثل هذا المعنى نراه عند ابن المعتز [12]، وعند سفيان الثوري، في مدح كبره [13] ويقول الآخر: [14] [من الطويل] يَقُولون: هَلْ بَعْدَ الثلاثين مَلْعَبُ ![]() فَقُلْتُ: وهل قَبْلَ الثلاثين مَلَعْبُ ![]() لَقَدْ جَلَّ قَدْرُ الشَّيْب إِنْ كَان كلما ![]() بَدَتْ شيبةٌ يَعْرَى مِنَ اللَّهْو مَرْكَبُ [15] ![]() ومما تمتاز به أبيات الغزال ما فيها، وجميع ما فيها حسن، من " حسن تعليل للشيب، ومحاولة لقلب ما شكا منه الشعراء خاصة - وجمهرة الناس عامة - من سوء نذير الشيب، فذلك قول الشاعر: لا تنكري وضح المشيب... الخ " [16] انحرفت نظرة كثير من الناس للشيب، فجاء بيان من شعراء الأندلس، يصور وقار الشَّيب، وبهاءه، وجماله، مستمدين هذه الصور من الواقع. يقول ابن عبد ربه الأندلسي [17]، كاشفا عن سأمه من التصابي، ورضاه عن المشيب: [18] [من الوافر]: بَدَا وضحُ المَشِيبِ عَلَى عِذاري ![]() وهَلْ لَيْلٌ يكونُ بِلاَ نَهَارِ [19] ![]() وألْبَسِني النُهَى ثَوبًا جديدا ![]() وجَرَّدني مِنَ الثَّوْب المُعَارِ [20] ![]() شَرَيتُ سَوَادَ ذا بياضِ هذا ![]() فَبُدِّلْتُ العِمَامةَ بِالْخِمَارِ [21] ![]() وما بعت الهوى بَيْعًا بِشَرْط ![]() ولا اسْتثنيتُ فيهِ بالخيارِ ![]() يُعرِّض ابن عبد ربه بالغواني، اللائي نفرن من شيبه، موضحًا عمايتهن، فكما أنه لا بد من نهار لليل، كذلك لا دوام لسواد الراس، بل لا بد من بياض الشيب. فهو رجل اشترى سلعة، يتحاماها الناس - المشيب - بسلعة يلهث خلفها الكثير، سواد الرأس، أو الشباب. فالشباب - في نظره ونظر من شايعه - ثوب الطيش، والحمق، والسفه، والهوى المعار بلا دوام أو استقرار، بخلاف المشيب، فإنه ثوب النهى والوقار، والحسن والبهاء. لقد عُرِض على الشاعر بيع هواه، فباعه على الفور، بدون شرط، أو استثنار بالخيار، لأنه خبر المرحلتين، فلم يجد أفضل مما وصل إليه. وفي قوله: " ألبسني النهى.. تشخيص، والليل والعماية، كناية عن الشباب، ورزاياه، والنهار والخمار، كناية عن المشيب ومزاياه. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |