ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الشعر والخواطر (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=30)
-   -   أبيات في مدح الشيب (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=281622)

ابوالوليد المسلم 03-09-2022 01:23 AM

أبيات في مدح الشيب
 
أبيات في مدح الشيب
محمد حمادة إمام






بدأت الدراسة بمدح المشيب [1]، والثناء عليه؛ قمعًا لنظرة التشاؤم من الشيب، فقد علت هذه النظرة كثيرًا ممن تناسى، وتجاهل أن الشَّيْب حقيقة لا بد من التدثر ببردها، والعمل على قبولها والتكيف معها، والاستعداد، والتهيؤ لها.
إنها مرحلة جديرة بالبحث في أغوارها؛ اعتناء بها، واحترامًا وتقديرًا لها، ويكفيها فخرًا أنها مرحلة الصلاح، والتوبة، والأوبة إلى الله تعالى.


وأصدق شاهد وأعدله في بيان فضل الشيب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورًا يوم القيامة، وقال ابن أبي شيبة: نهى رسول الله صلى الله علية وسلام عن نتف الشيب، وقال: هو نور المؤمن"[2].
وعن أنس بن مالك قال: يكره أن ينتف الرجل الشعرة البيضاء من رأسه ولحيتة... " [3]، فهذه الأحاديث تبين فضل من شاب، وقضى عمره مسلمًا طائعًا، لا كافرًا، ولا عاصيًا.
وقديما قالوا: "الشَّيب حلية العقل، وشيمة الوقار. الشيب زبدة مخضتها الأيام، وفضة سبكتها التجارب، سرى في طريق الرشد بمصباح الشَّيب. عصى شياطين الشباب، وأطاع ملائكة الشيب" [4].


ومن مظاهر مدح الشيب والثناء عليه، ما قاله مجموعة من الشعراء خاصة، والناس عامة، ممن لم يروعه المشيب، فيأبى متابعة النفس، أو الكعاب، في الخضاب والتصابي [5] (156 - 250 هـ )
ويمدح الغزال المشيب، متجاهلًا الخضاب، فيقول في أبيات منها (من الكامل ): [6]
بكَرتْ تُحسِّن لي سواد خضابي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فكأنَّ ذاكَ أعَادني لِشَبابي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

ما الشَيْبُ عِندي والخِضاب لواصفٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إلا كشمسٍ جُلِّلَتْ بِضَبابِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

تخفى قليلا ثم يْقشَعُهَا الصَّبا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فيصيُر ما سُتِرتْ بِه لِذَهَابِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

لا تُنْكِري وَضَحَ المشيبِ فإنِّما https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
هُو زَهْرةُ الأَفهْامِ والأَلْبَابِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فلديَّ ما تَهْوَيْنَ من شأن الصِّبا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وطُلاوةِ الأخلاقِ والآدابِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



أبيات من الشعر الأندلسي " المحلق في الأفق الحضري، والسارية في أوصاله روح القصة، والنظرة الساخرة.. " [7]، وهي تكشف عن واقعيته " في حديثه عن الخضاب والمشيب مع نود، فهو يكره طمس الحقائق الواقعية، حتى ولو كان هذا الطمس لغرض أدبي محض... " [8]، فالشاعر لم يألف الخضاب ستر الرزانة، ومكمن الخبرة والوقار.


دعته الملكة - نود - إليه بلونه الأسود، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهي عن الخضاب بالسواد بقوله: " غيروا هذا الشيب، واجتنبوا السواد. " [9]، وربما مالت إلى هذا اللون، إما لأنه كان عادة المجوس في الخضاب، أو المراد به غيره من الأخضر، أو ما شابهه، ففي لسان العرب ".. لأن العرب تسمي الأسود أخضر، والأخضر أسود. [10]، ومنه خضبت الأرض خضبا طلع نباتها واخضر. وخضبت الأرض اخضرت. "[11]
يرى الغزال أن الخضاب لن يعيد الشباب، بل سرعان ما يتبدد، ويظهر المشيب من جديد، للقريب والبعيد، كالشمس التي لا يقوى الضباب على إخفائها وسترها.


ومثل هذا المعنى نراه عند ابن المعتز [12]، وعند سفيان الثوري، في مدح كبره [13] ويقول الآخر: [14] [من الطويل]
يَقُولون: هَلْ بَعْدَ الثلاثين مَلْعَبُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فَقُلْتُ: وهل قَبْلَ الثلاثين مَلَعْبُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

لَقَدْ جَلَّ قَدْرُ الشَّيْب إِنْ كَان كلما https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
بَدَتْ شيبةٌ يَعْرَى مِنَ اللَّهْو مَرْكَبُ [15] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



ومما تمتاز به أبيات الغزال ما فيها، وجميع ما فيها حسن، من " حسن تعليل للشيب، ومحاولة لقلب ما شكا منه الشعراء خاصة - وجمهرة الناس عامة - من سوء نذير الشيب، فذلك قول الشاعر: لا تنكري وضح المشيب... الخ " [16]
انحرفت نظرة كثير من الناس للشيب، فجاء بيان من شعراء الأندلس، يصور وقار الشَّيب، وبهاءه، وجماله، مستمدين هذه الصور من الواقع. يقول ابن عبد ربه الأندلسي [17]، كاشفا عن سأمه من التصابي، ورضاه عن المشيب: [18] [من الوافر]:
بَدَا وضحُ المَشِيبِ عَلَى عِذاري https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وهَلْ لَيْلٌ يكونُ بِلاَ نَهَارِ [19] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وألْبَسِني النُهَى ثَوبًا جديدا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وجَرَّدني مِنَ الثَّوْب المُعَارِ [20] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

شَرَيتُ سَوَادَ ذا بياضِ هذا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فَبُدِّلْتُ العِمَامةَ بِالْخِمَارِ [21] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وما بعت الهوى بَيْعًا بِشَرْط https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولا اسْتثنيتُ فيهِ بالخيارِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



يُعرِّض ابن عبد ربه بالغواني، اللائي نفرن من شيبه، موضحًا عمايتهن، فكما أنه لا بد من نهار لليل، كذلك لا دوام لسواد الراس، بل لا بد من بياض الشيب.
فهو رجل اشترى سلعة، يتحاماها الناس - المشيب - بسلعة يلهث خلفها الكثير، سواد الرأس، أو الشباب.
فالشباب - في نظره ونظر من شايعه - ثوب الطيش، والحمق، والسفه، والهوى المعار بلا دوام أو استقرار، بخلاف المشيب، فإنه ثوب النهى والوقار، والحسن والبهاء.
لقد عُرِض على الشاعر بيع هواه، فباعه على الفور، بدون شرط، أو استثنار بالخيار، لأنه خبر المرحلتين، فلم يجد أفضل مما وصل إليه.
وفي قوله: " ألبسني النهى.. تشخيص، والليل والعماية، كناية عن الشباب، ورزاياه، والنهار والخمار، كناية عن المشيب ومزاياه.



يتبع

ابوالوليد المسلم 03-09-2022 01:24 AM

رد: أبيات في مدح الشيب
 
وابن بطال [22] - مثل سلفه - يؤكد لمن يعيب المشيب، ويزدريه، أنه منحه وهدية، وبناء عليه، أخذ على عاتقه أخذ الحق له، يقول: [23] [من الكامل]
ما لِلْمشيب وللجَهُولِ العائِب https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
كَمْ بَيْنَ صُبْح طالعٍ وغَيَاهِبِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وجه النهى أبدى الفؤاد وكان قد https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
قَامَ الشّبابُ له مقامَ الخاضبِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فمتى يغيِّرُهٌ الخضابُ فإنّه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
نُورُ المعاني تَحْتَ خَطِّ الكاتبِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فكأنَّما رَأسِي سماءُ تجاربٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
قَدْ زُيّنتْ مِن شيبة بكواكبٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فكأنَّما طلعتْ لعينَيْ حاسدٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
بِبَيَاضِ هَمَّاتي وسُودِ مطالبي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


يرى ابن بطال، أن المشيب أصل المرء وأساسه، والشباب خضاب له وفرع عنه، لا بد وأن ينكسر حده، ويزول صبغه أمام نجوم المشيب، وكواكبه، التي أراد الله - تعالى - أن تكون رجوما لحساده، من شياطين الإنس، كما أنها رجوم لشياطين الجن. فهو رجل قوي الهمة، وافر العزيمة، عظيم المطلب، ذو نفس أبية.
وهذا عبد الرحمن بن أبي الفهد [24]، يدافع عن كرامة المشيب، أمام غوانٍ سالت دموعهن منه أنهارا، فيقول: [25] [من الطويل]

رأتْ طالعا للشَّيب بين ذَوَائبي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فَعادَتْ بأسرابِ الدُّمُوعِ السَّوَاكبِ [26]https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وقالت: أشيبٌ؟ قلتُ: صُبح تجارب https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أنارَ على أعقابِ ليل النَّوائِب https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


( يتعجب الشاعر من إنكار الحسان للمشيب، صبح تجارب الأيام، وخبرات الأزمانومنحة الملك العلام. التي أنارت له طريق الغواية، والرزايا، والعماية.)


ويبدو أن قوله هذا بعد ما تقدم به العمر، وطعن في السن، إذ وردت له عبارات في الرد على من عاب عليه تصابيه، فما زال قائد حلبة اللهو والتصابي. يقول: [27] [من الطويل ].
وقالوا: أَتلْهُو والشَّبابُ قد انقضى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وعمرُك قَدْ وَلّى، ولَمْ يَبْقَ طَائِلُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فَقُلتُ: أصيلُ العُمْرِ مَا قَدْ بلغته https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وأطْيبُ أوقاتِ الزَّمانِ الأصَائِلُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



سيل مفعم بروائح الثناء على المشيب، مثقل برد مفحم لمن أنكر عليه اقتناص اللذات، بعد أن وخطه المشيب، مؤكدا على أنها مرحلة اللهو والمتعة، التي لم يبرح بعد رياضها، ولم يوافق مضارعا لها، في طيب نسيمها، واعتدال مزاجها، وخصوبة تربتها، وجودة نباتها.
صور تكشف عن أنه " من أشعر من أنبتته الأندلس، ووطيء ترابها، بعد أبي المخشي أولا، وأحمد بن دراج آخرا، وكان من أبصر الناس بمحاسن الشعر، وأشدهم انتقادا له، وشعره بلطائف غرائبه، وبدائع رقائقه يروق، وهو غزير المادة، واسع الصدر... " [28]
إنها صور تشير إلى تصابيه في شبابه، وصدر مشيبه، ثم صدوره عنه بعدما شرح الله -تعالى- صدره، وأنار قلبه، وتشير كذلك إلى نفور الغواني من المشيب، وجزعهن من بياضه.


وعلى نفس المنوال، يحيك أبو عبد الله بن مصادق [29]، ثوبا من أفانين القول، مطرزا بالجوهر، مطيبا بالمسك، والعنبر، دفاعًا عن المشيب موطن الخبرة والظرف، فيقول: [30] [من الطويل]
صَارَمَتْه إِذ رأت عارضَهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
عاد من بعد الشبابِ أشيبا [31] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


ابوالوليد المسلم 03-09-2022 01:24 AM

رد: أبيات في مدح الشيب
 

قُلتُ ما ضَرّكِ شَيبٌ فلقد https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
بَقيتْ فيه فُكاهاتُ الصِّبا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

هِو كالعنبر غال نَفْحُهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وشذاه أخضرا أو أشهبا [32] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


عرج الشاعر على أسلوب الالتفات من الغيبة إلى التكلم، شدا للانتباه، ليعيش معه محنته، ومنحته كل من سمعه أو رآه.
لقد أفعم قلبه بالأحزان لهجر الغواني له، ولما أن سكنت نفسه، وهدأت هواجسه، وعاد إليه رشده، أخذ في بيان قيمة المشيب، في نظره، فهو نبع الفكاهة، ومعدن الطيب والفتاءة، ففرى الفرية بتصوير ممتلئ بالنظر الساخرة، والبيان الرائع، متكئا على الواقع، مقتبسا من الطبيعة، فلم يترك عندئذ في نفس الخصم أي مجال لرفع بصره فيه، أو الرد عليه.


وهذا ابن دراج القسطلي [33]، يوضح أثر المشيب في نفسه، وفضله في صلاحه وزهده، وبغضه أماكن اللهو، والمجون، والتصابي، فيقول: [34] [من الكامل]

أَنْضَيتُ خَيْلي في الهوى وركابي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وعَمَرْتُ كأسَ صِبًا بكأس نِصاب https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وعُنيتُ مُغْرىً بالغواني والصِّبا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
والَّلهْوِ، واللذَّاتِ قَدْ تُغْرِي بي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

في غَمْرة لا تنقضي نَشَواتُها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
من صَرْف كَأْس أَوْ جُفُونِ كَعَابِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أَيَّامَ وجه الدَّهْر نحوي مشرقٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ومَحَاسِنُ الدُّنيا بِغَيْرِ نِقَابِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

ولقد أضاءَ الشَّيبُ لي سنن الهدى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فثنى سني ددني على الأعقابِ [35] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

ورأيتُ أرْدِيَةَ النُّهى مَنْشورةً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
تَسْعَى بِجِدَّتها إِلى أَتْرابي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

ورأيتُ دارَ الَّلهْو أقْوى رَبْعها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَخَلَتْ مَعَاهِدُهَا مِنَ الأَحْبابِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



فيعرض ابن دراج في أبياته هذه مشهدين عظيمين في حياته، أولهما: حيث كان معنيا في شبابه بأماكن اللهو والتصابي، مغترفا من المجون، والشراب، معترضا طريق الكعاب. أيام أن كانت حياض اللهو مباحة، ولذاتها مستساغة مستطابة، ولم يجرؤ أحد على تكدير الصفو، والنيل من المزاج.
ثم انتقل بنا برفق، وحنكة إلى المشهد الثاني، المصور لأطايب ثمار المشيب، ومنها إضاءة طرق الهدى له، بعد رد أردية اللهو بعضها على بعض، إبان نشر أردية الرزانة والوقار بين الأقران والخلان.
عبارات توحي بمعدنه الأصيل الطيب الثمين، فسرعان ما عاد إلى رشده بعيدا عما يشينه ويضره.
لجأ الشاعر إلى الأسلوب الخبري، والخيال، لتصوير حاله في شبابه ومشيبه، وحال أهل زمانه، من انتشار موجة المجون، التي انبثقت عنها موجة الزهد، والصلاح، مُقاومة لنفوس الطالحين.
وفي شعره يقول الأستاذ / أحمد ضيف: " أما شعره، فهو في جملته شعر من يتردد على موائد الأدب، ليتذوق من كل لون طعما، ويجمع هذه الطعوم، ليجعل له مائدة خاصة به يدعو إليها الآكلين، وكأنما يأكلون من مائدته.. " [36].


يتبع

ابوالوليد المسلم 03-09-2022 01:26 AM

رد: أبيات في مدح الشيب
 
أبيات في مدح الشيب
محمد حمادة إمام






ويتضح من ذلك استملاح بعض الشعراء للمشيب، بعد طلبهم من بدره التمهل في الطلوع، فإبل الشباب - لا محالة - راحلة، وكواكب الشيب، بعد ذلك طالعة مطلقين لخيالهم العنان، في التشبيه والاستعارة والكناية، ومن هؤلاء الوزير أبو القاسم بن عبد الغفور [37]، وعلي بن رجابن مُرَجَّى أبو الحسن [38]، والوزير أبو الفضل محمد بن عبد الواحد [39]، فصورهم تكشف عن غلبة المشيب، وجنوده التي لا تبارى، وقيام الشعراء بأداء حقوقه، وواجباته، فقد أكرموه وبجلوه، فامتنعوا عن التصابي، وطاعة الغواني بعد حلول أوانه.

ويتضح - أيضًا - استملاح سهل بن علي بن عثمان [40] للمشيب، المنذر برحيل أعز حبيب - الشباب - ناهيا نفسه عن دعوات اللهو التي فات وقتها، آمرا إياها بالجد في دفع الباطل، ومحاباة داعي الرزانة، والحقائق، فيقول: [41] [من الطويل ]:



ولمّا رَأَيْتُ الشَّيبَ حَلَّ مفارقي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

نذيرا بِترحالِ الشَّبابِ المُفَارِقِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




رَجَعْتُ إِلى نَفْسي فَقُلْتُ لَهَا انظري https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

إلى ما أَتَى، هذا ابتداء الحقائقِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




دعي دعواتِ اللهو قَدْ فَاتْ وَقْتُها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

كما قد أفات الليلَ نُورُ المشارقِ [42] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif







لقد روع الشاعر ظهور المشيب، فطلب من نفسه ترك ما يشين، من لهو ومجون، والسعي في نور الحق المبين.

ترسم هذه الأبيات، وما شاكلها مشاهد، ومواقف نفسيه عانى منها أصحابها - رسما يكشف عما تعرض له الشعراء في شبابهم ومشيبهم.

و" هذه الأنواع من الصور نصادفها كثيرا في الشعر القديم، ذلك أنها تعتمد في تكوينها على عناصر يكون الإيحاء فيها مباشرا، وبمجرد أن يكتمل تكوين الصورة، يكون الشعور الذي تنقله قد مثل لمداركنا في طواعية. " [43]




وما أعظم، وأحسن، وأشد وعظ وزجر الوزير، أبي الوليد بن حزم [44]، للشيب، وإرشادهم إلى طريق الرشاد، مذكرا بالموت وسكرته، وصعوبة كأسه ومرارته، ومروعا من النار، ومرغبا في الجنة. فيقول: [45] [من المتقارب]



ثَلاثٌ وسِتُّون قَدْ جُزْتَها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فمَاذا تُؤَمِّلُ أو تنتظرْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




وحلَّ عليكَ نَذيرُ المشيب https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فَمَا تَرْعِوي بَلْ وَمَاَ تَزْدَجِرْ [46] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




تَمُرُّ لَياليك مَرًّا حثيثاَ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وأَنْتَ عَلَى مَا أَرَى مُسْتَمِرْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




فلو كُنْتَ تعقل ما يَنْقَضِي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

مِنَ العُمْرِ لاعتضتَ خَيرًا بِشرْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




فمالكَ لا تستعدُ إذن https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

لِدارِ المَقَامِ ودَارِ المَقَرْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




أترغبُ عَنْ فَجْأَةٍ لِلْمَنُونِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وتَعْلمُ أَنْ لَيْس مِنْها مَفَرْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




فإمَّا إِلى جَنَّةٍ أُزْلفَتْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وإمّا إلى سَقَرٍ تَسْتَعِر https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif







يخاطب الشاعر نفسه، أو قرنه، وهو في خريف العمر، بعيدا عن الوقار، مغلقا باب الادكار والاعتبار، فذكر بالموت الذي يفجأ المرء، وما ينتظره بعد من جنة أزلفت للمتقين، أو جحيم برزت للغاوين، لعله يرعوي ويتوب، وإلى الصراط المستقيم يعود، لذا فقد رماه بالطيش والغفلة والسفه في قوله: فلو كنت تعقل..

عدل الشاعر إلى اسلوب التقريع، والتهديد، والترويع، وخاصة أسلوب الاستفهام الإنكاري التوبيخي، ومنه: " فماذا تؤمل..، فلو كنت تعقل..، فما لك لا تستعد إذا...، أترغب عن فجأة للمنون... " مقتبسا من القرآن الكريم، فالبيت الأخير من معنى قوله تعالى: ï´؟ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ ï´¾ [الشعراء: 90، 91] [47]

واليبت الأول يذكر بقول النبي صلى الله علية وسلم -: [48] " أعمار أمتي مابين الستين والسبعين، وأقلهم من يجوز ذلك "

صرخات كأنها الحميم؛ للصب فوق رؤس الشيب اللاهين، وصدق الله العظيم،

إذ يقول: ï´؟ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ï´¾ [البقرة: 251]" [49]

ينقشع ظل الشباب، ويحل مشيب، يقل في ركابه ذكرى الوهن والبلى فيثوب - عندئذ - العاقل إلى رشده، ويرجع عن ضلاله وغيه، وقد روعه وميض برقه، وظهور خيطه في أفق رأسه.




يتبع



ابوالوليد المسلم 03-09-2022 01:26 AM

رد: أبيات في مدح الشيب
 
وعلى نفس القالب يصوغ علي بن سعيد بن حزم [50] بباهر الصنع، وفائق القول، فيقول [51] (من الوافر ):



وأَيَّةُ شَيْبَةٍ إِلاَ نذيرٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فَهَلْ طَرَبٌ وَقَدْ مَثُلتْ خطيبا؟ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




ومِلْتُ عَلَى الشَّبابِ عن التصابي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وكيف به وَقَدْ طَلعَتْ رَقيبا؟ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif







حقا، قليل الشيب نذير، فلا طرب معه، ولا تصابي، وقد قام خطيبا بوهن

صاحبه، وفنائه، وطلع رقيبا على أقواله وأفعاله، مروعا أتباعه وأشياعه. فالمشيب هادم طريق الجرائم، وهازم شيطان المجون والصبوة والمآثم. فيقول في موطن آخر: [52] [من الطويل]




فَمَنْ مُبْلغٌ عني الشَّبيبةَ أنّني https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

لويتُ عِنَاني عَنْ طريقِ الجَرَائمِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




ومِلْتُ بِطَرْفِي عن فتاة وقهوة https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وعطَّلْتُ سَمْعي مِنْ مَلامِ اللوائمِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




صَحَوْنا وقَدْ أَضْحتْ هُناك سماؤنا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وكُنْا نَشَاوى تحت ظِلِّ الغَمائمِ [53] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




فما راعني إلا وميضٌ لِشَيْبَةٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

توقَّدَ في قَطْع من الليلِ فاحمِ [54] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




ولا هالني إلا نذيرٌ برحلةٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

مسحتُ له مِنْ رَوْعةٍ جَفْنَ نَائم ِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif







أفاق الشاعر بعد طول ملام، وسعي في طريق الحرام، فعاهد نفسه على ترك ما فيه من غواية وضلال.

وقد أصل أبو العرب [55] فضل المشيب على هيئته وجوهره، أمام من استهوتهم الشهوات، واستولت عليهم الملذات، وقد بات ليالي وأياما في أحضان المجون والتصابي، موقنا أنه ينبغي استقبال داعي الحلم - المشيب - بالترحاب، مراعيا حقوقه ليل نهار.

فيقول مبينا زهده، وحسن توبته، وسرعة أوبته، وعظيم غيرته، على حرمات المسلمين. إذ إنه لم يهدأ له بال، ولم يقر له قرار، حتى يرى الدين راضيا: [56]

[ من الطويل]



عَرَفْتُ فَودّعْتُ الصِّبا والغوانيا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وقُلتُ لِدَاعي الحِلْمِ لبّيكَ دَاعِيا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




فما يَزْدهيني دَل ُّكُلِّ غريرة https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

تُزّيِّنُ لِلْكَهْلِ الحَليمِ التَّصَابِيا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




ولَكِنْ قَصَرْتُ العينَ عَنْ كُلّ منظر https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فما أرْسَلتْ لحظا على القلبِ جانيا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




غَضُوبٌ لِدينِ الله في كُلّ موطن https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

يعافُ الرّضَى حتى يرى الدين راضيا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif








يتبع


ابوالوليد المسلم 03-09-2022 01:27 AM

رد: أبيات في مدح الشيب
 
عرف الرجل طريق الرزانة والصلاح، فالتزمه، وعينه قريرة، راضية بداعيه - المشيب - ملبية لندائه، فلم يعد بعد هذا منخدعا بتيه الحسان، المزين للأشيب العاقل التصابي.




وها هو الإلبيري، يبصر الشيب واستحكامه منه، فيميل إلى العزلة معللا ذلك بأنه قصد إلى تجنب ما يورد موارد العقاب، معلنا خصام نفسه الأمارة بالسوء العاصية، ويعاتبها صراحة ويزجرها، وينبهها إلى عوامل تدعو إلى الارتداع، ـ وأعظمها الموت والبلى، وسكنى القبور فريدا، وهول الحساب وحيشا، فيقول: [57] [من المتقارب]




ألفت العُقابَ حِذارَ العِقابِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وعفْتُ المواردَ خَوفْ الذّئاب [58] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




وأبْغَضْتُ َنْفسي لعصيانها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وعاتبتُها بأشدِّ العتابِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




وقُلتُ لها بان عنكِ الصّبا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وجردكِ الشَّيْبُ ثَوْبَ الشّبابِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




وما بعّْ ذلك إلا البِلى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وسُكْنى القُبورِ وهَولُ الحسابِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif







هناك من يشد المئزر في الزجر عن التصابي، خاصة من بات في طور المشيب، راميا إياهم بالحمق، والجهل والسفه، إذ إنهم في خريف العمر، وعلى شفير القبر، فالأولى بهم تدبر حقيقة الدهر، الذي يفرق الجمع ويشتت الشمل، والتزام باب الرحمن، ليل نهار، لمغفرة الذنوب والأوزار، ومن هؤلاء الواعظين، الزاجرين، أبو الحسن بن بياع [59]، وأبو بكر بن عطية [60]، وابن حمد يس الصقلي [61]، الذي يؤكد خطر عدم مراعاة حقوق المشيب، على المتمادين في ليل العماية، والمتدثرين بثوب الغواية، إذ نجاة المرء في صلة الآخرة، وفي هجر الدنيا المدبرة، فيقول واعظا نفسه، وغيره: [62] [من الطويل]



خَلَتْ مِنْكَ أيامُ الشّبِيبة فاعمرها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

ومَاتَتْ ليَاليها مِنَ العُمْرِ فَانْشُرْها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




وهذا لَعَمْري كُلُّهُ غيرُ كائن https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فَأُخْراكَ وَاصِلْها ودُنياك فاهْجُرْها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif







وعظ يشف عن نفسية رجل ضرسته الأيام، وعجمت عوده نكبات الأزمان. يقول الدكتور / إبراهيم.. أبو الحشب: " كانت الحوادث الاجتماعية، والسياسية، والحياة العقلية التي وقف عليها ابن حمديس، وشاهدها سببا في تهذيب خياله وفكره، حتى جعلت له صبغة خاصة في شعره. " [63].




وقال ابن خفاجة [64]، في موطن الجد والحسم والحزم، بأسلوب النبلاء، الأنبياء، يداعب من بقل عذاره: [65] [من مجزوء الرمل]



أيُّها التائهُ مَهْلا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

ساءني أَنْ تِهْتَ جَهْلا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




هل تَرَى فيما تَرى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

إلا شَبابَا قَدْ تَولّى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




وغرامًا قَدْ تَسرّى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وفؤادًا قَدْ تَسَلّى؟ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




أَيْنَ دمعٌ فيك يَجْري https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أينَ جَنْبٌ يَتَقَلّى؟ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




ابوالوليد المسلم 03-09-2022 01:27 AM

رد: أبيات في مدح الشيب
 




أين نفسٌ فيك تُهْدى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وضُلُوعٌ فيك تُصْلى؟ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




ايُّ مَلْكٍ كَانَ لَوْلاَ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

عارضٌ وافى، فولَّى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




وتخلّى عَنْك إلا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أسفا لا يَتخلّى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




وانطوى الحُسْنُ فهلاّ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أجْمَل الحُسْنُ وهَلاّ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif






أما بعد أيها النبيل النبيه، فإنه لا يجتمع العذار والتيه، قد كان ذلك وغصن تلك الشيب رطب، ومنهل ذلك المقبل عذب، وأما والعذار قد بقل، والزمان قد انتقل، والصب قد صحا فعقل، فقد ركدت رياح الأشواق ورقدت عيون العشاق...، فكأني بفنانك مهجورا، وبزائرك مأجورا... "

رسالة حب من رقيق القلب، إلى من عليه يخاف، وله يحب، فقد شاب، وما يزال سادرا في لهوه وصبوته، خوفا من أن يكون ممن قسا قلبه، ولم تجد بالدمع عينه، وهو في خريف العمر، وعلى شفير القبر.




وهذا أبو الحسن علي بن عمر بن أضحى الهمذاني [66]، يراجع، وينصح - مثل ابن خفاجة - من قام على الجمع بين المشيب والعيوب، وركب المعاصي واستسهل الذنوب، طالبا - من شخصه أو قرنه - التوبة والأوبة، فيقول: [67] [من مخلع البسيط]



عليُّ قَدْ آن أَنْ تَتُوبَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

مَا أَقْبَحَ الشَّيْب والعُيوبا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




شِبْتَ وما تُبتَ مِنْ بَعيدٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

سوف تُرى نادمًا قَريبا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




وتَركبُ اللهوَ والمعاصي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

صَعْبًا وتستسهل الذُنُوبا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif







ولا يشترط أن هؤلاء الشعراء كانوا ذوي باع، في اللهو والمجون، في الشباب وبداية المشيب، فقد يرى الإنسان صغائره كبائر عندما يدنوا أجله.

وهذا الفقيه العالم أبو محمد عبد الله بن الوحيدي [68]، لما صحا قلبه عن المجون وأقصر باطله، وعري أفراس الصبا ورواحله - رأى أن المشيب دواء لداء لهو الشباب، فعطف عندئذ على الهدى، وأهل العلوم والعلا، مفارقًا أشياع الضلال، وبيض الطلا، فيقول: [69] [من الطويل]



ولما بَدَا شَيْبي عَطَفْتُ عَلَى الهُدَى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

كما يهتدي حِلْفُ السُّرَى بنجومِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




وَفَارَقْتُ أَشْيَاعَ الصَّبَابة والطلا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وملت إلى أَهلَيْ عُلاً وعلومٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif







سار الشاعر في طريق الهداية، مهتديا بنور المشيب والدين، كالساري ليلا مهتديا بضوء النجوم.



يتبع

ابوالوليد المسلم 03-09-2022 01:29 AM

رد: أبيات في مدح الشيب
 
أبيات في مدح الشيب
محمد حمادة إمام








سبحان ربي العظيم! شتان بين صورة هذا - في مشيبه - وصورته في شبابه، بعيدا عن هدي ربه - سبحانه وتعالى - وسنة حبيبه - صلى الله عليه وسلم، طالبا ممن عكف على وعظه، الإقلاع عن نصحه، فهو مستمر في غيه، ويأبى أن يكون مروضا - وهو الجامح الشرس - عن صيده. يقول: [70][ من البسيط]





لا ترتجوا رَجْعَتي باللومِ عن غرضي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَلْتَتْركُوني وصَيْدي فُرْصة الخُلَسِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




طلبتمُ رَدّ قَلْبي عَنْ صَبَابَته https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

ومن يَرُدَّ عِنانَ الجَامح الشَّرِسِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif












لقد امتاز الأندلسيون برقة القلب، ورهافة الحس والظرف، فسلبت الحسان ألبابهم، واستولت على أفئدتهم، فعز رد كثير منهم إلى الجادة، ومفارقة اللهو والمجون.








ولأبي الفضل، جعفر بن الأعلم [71]، " عندما شارف الكهولة، واستأنف قطع صرة كانت موصولة، عند فراق الصبا والصبوة، واكتهال نبت الكهولة، وشد عقد التوبة بانحلال ما كان للحوبة من الحبوة... قوله: [72] [من الكامل]





أمّا أنَا فقد ارعويتُ عَنِ الصِّبا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وعَضَضْتُ مِنْ نَدَمٍ عليه بناني https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




وأَطَعْتُ نُصّاحي ورُبَّ نصيحةٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

جَاءُوا بِها فَلَجَجْتُ في العِصْيانِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




أيّام أَحْيا بالغَواني والغِنا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وأمُوتُ بَيْنَ الرّاح والرّيحانِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




وأُجِلُّ كَاسي أَنْ تُرَى موضوعة https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فعلى يَدي أو في يَدَيْ ندماني https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




في فتيةٍ فَرَضَوا اتصال هواهُمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

بِمُنَاهُمُ دينا مِن الأَدْيانِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif












أقول: قد هز عطف طربي هذا المعني، وانتشيت لما انتشقت هذا النسيم الذي يبل به المعنى. "



صور الشاعر بأبياته هذه رجوعه عن غيه، وندمه على تصابيه، ولهوه، من هيام بحب الغناء والغواني، وإزهاق الروح بين الخمر والريحان والحسان معظما كأسه، مستعظما أن ترى مطروحة عن يديه أو يدي من فرضوا هواهم شرعة ومنهاجا.



إذا زاد المجون، أو اللهو عن حده انقلب إلى ضده من زهد، ورزانة، وصلاح، فيتمنى المرء إذًا، أن لو بكر الحلم في أوان الشباب قبل مداهمة المشيب بأشجانه وآلامه، فيقول " يحيى بن مجبر " [73]: [74] [من البسيط]





لَيْتَ الشَّبابَ الذي وَلَّتْ غَضَارتُهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أعطاني الحِلْمَ فيما كانَ أعطاني https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




فَلمْ تَكُنْ مِنّهٌ للشَّيْب أَحْمِلُها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَلَمْ يَكُن مِن سُرُوري بعض أحزاني https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif












" ولأبي إسحاق إبراهيم بن عبد الله " [75] أبيات يصور فيها حاله في أخريات حياته وقد استجاب الله -تعالى- دعاءه، وحقق أمنياته ورغباته [76].



وهذا " أبو بكر بن زهر " [77] ينكر على نفسه، وينفي ضم عيوب المجون والتصابي إلى بياض المشيب، فلا يمكن بأي حال أن يجتمعا، طالبًا من الساقي العدول عنه بالشراب، فقد هجر المعايب، والرذائل. يقول: [78] [من البسيط]





لاحَ المَشِيبُ عَلَى رأسي فقلتُ له https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

الشَّيْبُ والعيبُ لا واللهِ ما اجْتَمعَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




يا ساقيَ الكأسِ لا تَعْدِلْ إليّ بها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فَقَدْ هَجَرْتُ الحُمَيّا والحَمِيمَ مَعَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif











يتبع

ابوالوليد المسلم 03-09-2022 01:29 AM

رد: أبيات في مدح الشيب
 





أفضل نتاج للمشيب، وأعظمه، التمسك بشرعة الله -تعالى- والتزام طاعته، واجتناب حُميَّا الجاهلية. وكان كثير من الشيب فطنين لهذا، ومنهم " أبو العباس أحمد بن شكيل " [79]، الذي زاوج ووفق - في ثنائه على من يحب - بين شبيبته، وشيبته، إذ رأى أنه يمتاز بالجود والسخاء شبابا، والزهد والصلاح أشيب، ولذا فإنه قد رجاله كرم الكريم، وعفو الغفور، فيقول: [80] [من الطويل ]:





شَبيبتُه بين المكارم واللُّها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وشَيْبتُه بَيْنَ الفرائِضِ والسُّنَن https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




لَعَمرِي لَنِعْمَ المرءُ حَيَّا وهالكًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

لدَافنه الفَخْرُ العظيم بِمَنْ دَفَنْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




فَبُوركَ مِنْ قَبْرٍ وطُهر مِنْ ثرى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وقُدِّسَ مِنْ رُوح وعو في من بَدَن https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




رَجَوْتُ لَهُ عَفْوَ المُهَيْمِن إِنَّهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

هُوَ المَلِكُ الغَفَّارُ ذو الطَّوْلِ والمنن https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif












فدعا لقبر ممدوحه بالبركة، ولثراه بالطهر، ولروحه بالتقديس، ولبدنه بالعافية.



ولابن شكيل أبيات أخرى، في الرد على من يزدري الشيب، ويتنكر له مبينا أثر الخطوب في تناسي سالف الحسنات، وعظيم الطاعات، فيقول: [81] [من الطويل ]





أَسَاَءْت بأسماءَ الخَطُوبُ صنيعها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

إلينا، فَأَنْسَتْ سَالِفَ الحَسَنَاتِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




طوى الترب منها في حشاه سريرةً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

مِنَ المَجْدِ، والأسرارُ للمُهَجَاتِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif












إلى أن يقول:





وقالوا: عجوزٌ، قُلْتُ: رُبّ صنيعةٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

تزيدُ بها حُسْنًا عَلَى الفتَيَاتِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




مَضَتْ سَلَفا، والكل يقفو سبيلها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

مُشَيَّعةً بالبرِّ والصَّلَواتِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif












فقوله: " وقالوا عجُوزٌ " بيان لحال البشر، من الاهتمام بمن مات شابا، لا شيخا، وفيه إنكار منه عليهم ذلك، وتبكيت لهم، وتكشف هذه الصورة، وما شاكلها، عن أثر الثورة الاجتماعية، والثقافية، في عصر الموحدين على الفكر الأندلسي عامة، وابن شكيل خاصة.



" لم يستلهم ابن شكيل الوضع الجديد فحسب، ولكنه أسهم فيه أيضًا وتتمثل هذه المساهمة في الكلمة الفياضة الشاعرة، التي شخصها بأنواع من الرموز والدلالات، لتنهض بمهمتها.. " [82]



فمن الضياع والبوار، أن يبلغ المرء سن النهى، ولم ينتبه لواجبات مشيبه وحقوقه، فينتهي عن فجوره ومجونه.



يقول الفازازي [83] معنفًا من حاد عن الجادة، وأقام على ما دعته إليه صبوته: [84] [من الطويل]





بَتَأْتَ عَلَى ذِيب بغيب لك الويب https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

بدا مِنْكَ سَيْبٌ آيةُ مَا بِها رَيْبُ [85] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




بِدَارِكَ مَوْتٌ وهو غيب له هيب https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

بِدَارِ إلى الأعلى فَقَدْ وَضَح الشَّيبُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




وَكَّفا عَنِ الأَدْنى فَقَدْ وَضَحَ العَيْب https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif











يتبع

ابوالوليد المسلم 03-09-2022 01:30 AM

رد: أبيات في مدح الشيب
 


ففي هذا تعجب وتعنيف للأشيب، الذي أقام على عيوب فضحته، ووقع في مآثم كشفت مستوره، وأهلكته، طالبا منه المبادرة إلى الآخرة، وهجر الدنيا المدبرة.



ومازال الفازازي مع هذا اللاهي وأمثاله، ينشر معايبه، ويبين ما وقع فيه من حرج، فلا عذر لديه بعد المشيب، ولا حجة. [86]



وممن سلك هذا المسلك " سهل بن محمد الأزدي " [87]، أبو الحسن، ومحي الدين ابن عربي. [88]



وتتعاقب الليالي والأيام، ويخرج " ابن أبي العافية " [89] مادحا نور المشيب، الهادي إلى طريق الهدى والتقى، المعد لرجم شيطان الصبا، شيطان الضلال والهوى، فيقول: [90][ من الكامل]





لاحَ الصّباحُ صباحُ شَيْبِ المفرقِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فَاحْمَدْ سُرَاكَ نَجَوْتَ مِمّا تَتّقِي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




هيَ شيبهُ الإِسْلامِ فاقْدُرْ قدرها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

قد أعتقتك وحَقِّ قدرِ المُعْتَقِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




خَطّتْ بِفَوْدكَ أبيضا في أسود https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

بالعكسِ من مَعْهودِ خَطِّ المُهْرقِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




كالبَرْقِ رَاع بِسَوْطهِ طرف الدحى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فأعادَ دُهْمتَهُ شياتِ الأَبْلَقِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




كالفجرِ يُرسِلُ في الدجنَّة خيطه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

ويحوكُ ثوب ضيائِه بالمشرقِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif






الساعة الآن : 10:57 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 82.15 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 81.64 كيلو بايت... تم توفير 0.51 كيلو بايت...بمعدل (0.62%)]