الشعر العربي في تشاد جسر للتواصل العربي الإفريقي - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حجة الوداع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          التشريع للحياة وتنظيمها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          فوائد من حديث: «ولم يكمل من النساء إلا...» (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          حديث: دخل رمضان فخفت أن أُصيب امرأتي، فظاهرت منها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          حقوق المرأة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 73 )           »          الصحابة وآل البيت: علاقة نور وإيمان، ورد على أهل الطعن والخذلان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          الأصول الثلاثة وأدلتها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          من هم الأنام الذين وضع الله عز وجل لهم الأرض؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1289 - عددالزوار : 137346 )           »          ما هي المصادر التي يأخذ منها الأصوليون علم أصول الفقه؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 08-04-2021, 06:23 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,038
الدولة : Egypt
افتراضي الشعر العربي في تشاد جسر للتواصل العربي الإفريقي

الشعر العربي في تشاد جسر للتواصل العربي الإفريقي


حسب الله مهدي فضله




المقدمة:
تُمثِّل جمهوريَّة تِشاد جِسرًا طبيعيًّا للتواصُل بين أبناء الأُمَّتينِ العربيَّةِ والإفريقيَّةِ، حيثُ تحتلُّ موقعًا جغرافيًّا متميزًا يَربط بين الدُّول العربيَّة - بمفهومها السياسيِّ، المتمثل في الانضمام إلى جامعة الدُّول العربيَّة - وبين الدُّول الإفريقيَّة غير العربيَّة؛ نظرًا لكونها ترتبط بحدود جغرافيَّة سياسيَّة مع عدد من هذه الدُّول؛ منها اثنتانِ عضوانِ في جامعة الدُّول العربيَّة؛ هما: السودان من الشرق، والجماهيرية اللِّيبيَّة من الشَّمال، وأربعُ دُول إفريقيَّة غير عربيَّة؛ هي: النيجر ونيجيريا من الغرب، والكاميرون من الجنوب الغربيِّ، وجمهوريَّة إفريقيا الوُسطَى من الجنوب.

كما شكَّلتْ تِشاد مَحْضِنًا للتمازُج العربيِّ الإفريقيِّ من الناحية الاجتماعيَّة؛ نظرًا لوجود عدد كبير من القبائل العربيَّة التي تمازجت مع القبائل الإفريقيَّة، وشكَّلتْ بانصهارها شعبًا يجمع بين الانتماء العربيِّ، والانتماء الإفريقيِّ، تحت مُسمًّى جديد، هو (الشعب التِّشاديُّ).

وقد اتخذ هذا الشعبُ التِّشاديُّ منذ قرون عديدة اللغةَ العربيَّةَ لُغةً للتواصُل والتخاطُب الرسميِّ والشعبيِّ، كما اتَّخذها لُغةً للأدب والإبداع، فكان وجود الأدب العربيِّ في تِشاد - في حد ذاته، بغض النظر عن مضمونه - مظهرًا للتواصُل العربي الإفريقي؛ لكنْ هذا التواصل لم يقتصر على هذا الجانب فحسبُ؛ بل برز بصورةٍ أوضحَ وأجلى، من خلال الموضوعات والمضامين التي عالجها الشعراء التِّشاديون في إبداعاتهم الشِّعريَّة، والتي جَسَّدت إيمانَهم العميقَ بِهُوِيَّتِهم العربيَّة الإفريقيَّة دون تصادُم ولا تناقُض بين هذين الانتماءين، رغم عدم انضمام هذه الجمهوريَّة الإفريقيَّة إلى جامعة الدول العربيَّة.

ونظرًا لعدم اطلاع أكثر أبناء الأُمَّتين العربيَّة والإفريقيَّة على مسيرة الحركة الأدبيَّة والثقافيَّة في تِشاد؛ فقد رأيت أن أُشارِكَ في فعاليات ملتقى الجامعات الإفريقيَّة الذي تنظِّمه جامعة إفريقيا العالمية، بهذا البحث المتواضع الذي يحمل عنوان: (الشِّعرُ العربيُّ في تِشاد.. جِسرٌ للتواصُل الإفريقيِّ العربيِّ)، والذي يتكون من فصلين رئيسين، وتمهيد وخاتِمة، على النحو التالي:

أمَّا التمهيد: فقد كان عبارةً عن مدخل حول الجذور التاريخية للتواصل العربي الإفريقي، في الأدب العربي التِّشادي، خلالَ عهد الممالك التِّشادية القديمة.

بينما جاء الفصل الأول بعنوان: (التواصل مع القضايا الإفريقيَّة في الشِّعر العربيِّ التِّشاديِّ)، متناوِلاً اهتمامَ شعراءِ العربيَّة في تِشاد بالقضايا الإفريقيَّة وتفاعلَهم معها، حيث وظَّف هؤلاء الشعراء التِّشاديون مَلَكاتِهم الفنيةَ والإبداعيةَ للدفاع عن أهمِّ القضايا التي تَشغَل بال أبناء القارَّة الإفريقيَّة، فكتبوا عددًا من القصائد الشعرية التي عَبَّروا فيها عن مشاعرهم تُجاهَ إخوانهم من أبناء الإفريقيَّة، ومجَّدوا فيها النضال الإفريقيَّ للتخلص من براثن الاستعمار، وبناءِ القارَّة الإفريقيَّة قويَّةً مُتَّحِدةً.

وحمل الفصل الثاني عنوان: (التواصل مع القضايا العربيَّة في الشِّعر التِّشاديِّ)، حيث خصصه الباحث لاستعراض جسور التواصُل مع الدول العربيَّة في الشِّعر التِّشاديِّ، مُقدِّمًا أهمَّ القصائد التي جسَّد فيها الشعراء التِّشاديون حُبَّهم للأمة العربيَّة، وحرصَهم على تقويةِ وترسيخ الروابط الوثيقة التي تربط بإخوانهم من أبناء الدول العربيَّة.

أما الخاتمة: فتضمَّنت أهمَّ النتائج والتوصيات التي تَمخَّضَ عنها هذا البحثُ المتواضِعُ، واللهَ أسأل أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، وأن يجعل ما تَعلَّمْناه عنصرًا فاعِلاً في سبيل نهضة أُمَّتنا العربيَّة والإفريقيَّة، وفي خدمة الإنسانيَّة جمعاءَ.

والله من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء السبيل.



مدخل حول الجُذور التاريخيَّة للتواصُل العربيِّ الإفريقيِّ
في الأدب التِّشاديِّ خلالَ عهد الممالك التِّشاديَّة القديمة

للأدب عند جميع الأمم والشعوب وظائفُ متعددةٌ، ودوافعُ متباينةٌ، تُحرِّك في الأديب مَلكةَ الإبداع، وتُفجِّر في وجدانه ينابيعَ الإلهام، فقد يكون تعبيرًا عن الذات ومشاعرها، أو الطبيعة ومناظرها، أو عن الأسفار ومخاطرها، وما إلى ذلك؛ لكنْ يبدو أنَّ الأدب العربيَّ في تِشاد منذ انسيابه إلى هذه البلاد، كانت وظيفتُه الأولى، ودافعُه الأهم التواصُلَ مع الدول والشعوب المجاوِرة؛ فلم تَظهر الوظائفُ الأخرى في مسيرة الأدب العربيِّ التِّشاديِّ إلا في وقتٍ متأخرٍ جدًّا، ولم تستطع كل الموضوعات المُستحدَثة أن تطغى على الدَّوْر التواصليِّ، الذي كان يؤدِّيه الأدب العربي في تمتين علاقات التِّشاديين بِمَن حولَهم من الشعوب.

وقد كان لهذا التواصل قديمًا وِجهةٌ واحدة لا يحيد عنها ولا يتزحزح، تَشُدُّه نحوَها بوصلة رُوحية وثقافيَّة دقيقة لا تَعرف النكوصَ أوالتذبذُبَ، هي وجهةُ الدول العربيَّة الإسلامية التي كانت قائمةً في شمال إفريقيا ومصرَ والحجاز، والتي كانت عَلاقاتها مع الممالك التِّشاديَّة القديمة عامِلاً قويًّا في بروز الدَّوْر التواصُليِّ للأدب العربيِّ لَدى الممالك التِّشادية.

ولعلَّ مِن جميل الاتفاق أنْ أُقدِّم النصوص الشِّعرية والنثرية التي وصلتْنا من آثار الأدب التِّشادي القديم، لم تصلنا إلا من خلال هذا التواصُل والتلاحم بين تِشاد والدُّول الإسلاميَّة القائمة آنذاكَ فيما يُعرف الآنَ بالعالَم العربيِّ.

فأَقْدَمُ شاعر تِشادي معروف لَدَيْنا الآن - وهو الشاعر إبراهيم الكانَمِيُّ الذي عاش في الفترة ما بين 550-608ه - لم تُتَحْ له فرصةُ تخليدِ جُزءٍ من أشعاره إلاَّ مِن خلال رحلته التي قام بها إلى المغرب في عهد الخليفة يعقوبَ الموحديِّ، حيث وَفَد إليه مبعوثًا مِن مَلِك كانم، ومدحه فَأُعجِب به الخليفةُ[1]، وأبقاه عنده، وهناك الْتَقى بالسفير ابنِ حَمُّوَيْهِ مبعوثِ صلاح الدِّين الأَيوبيِّ إلى سلطان الموحدين، فتصادقا، وروى عنه بعض أشعاره [2].

وعن طريق ابن حَمُّوَيْهِ وبعض كتابات المؤرخين وصلت إلينا بعض النماذج الشِّعريَّة التي خلَّفها هذا الشاعرُ، الذي كانت هذه الزيارةُ سببًا لدُخوله في سِجِّل التاريخ، وتخليد أخباره وأشعاره، على حين لم تُتح تلك الفرصة لأقرانه التِّشاديين آنذاك، فغابت أخبارهم عن صفحات التاريخ المكتوب، ولعلَّ جزءًا منها ضاع في ثنايا ما أتلفه الفَرنسيون مِن مؤلفات العلماء التِّشاديين، التي كان مصيرَها الإحراقُ، أو النقل إلى المتاحف الفَرنسية إِبَّانَ فترة الاستعمار.

ومن أشعاره هذان البيتان المشهوران اللَّذان مدح بهما الخليفةَ يعقوب الموحديَّ عند وصول الشاعر إلى مُرَّاكش ولقائه بالخليفة، فقال [3]:

أَزَالَ حِجَابَهُ عَنَّي وَعَيْنِي تَرَاهُ مِنَ الْمَهَابَةِ فِي حِجَابِ
وَقَرَّبَنِي تَفَضُّلُهُ وَلَكِنْ[4] بَعدْتُ مَهَابَةً عِنْدَ اقْتِرَابِي



ولعلَّ من المناسب هنا أن نذكر أنَّ هذا الشاعر ليس أَوَّلَ شاعر تِشاديٍّ فحسبُ؛ لكنَّه في الحقيقة أقدم شاعر معروف في إفريقيا جنوبَ الصحراء كلِّها؛ أي: ما يُسمَّى قديمًا ببلاد السودان الكبرى، فلا نجد في المصادر ذِكْرًا لشاعر معاصر له من بلاد السودان، أو حتى مُقارِب له، وهذا ما دفع بالباحث ابن شريفة إلى القول بأن "الكانمي بأدبيته المتينة وشاعريته الرفيعة يمثل حالة نادرة؛ بل فريدة في التاريخ الثقافي لبلاد السودان... وربما كان هو أولَ وآخِرَ شاعر عربيٍّ في مستواه تنجبه بلاد السودان" [5]، مستدِلاًّ على ذلك بعبارة الصفديِّ إذ يقول: "ولم يُعرف من أرضه شاعرٌ سواه" [6].

وإنْ كنَّا لا نتفق معه في هذا التعميم المطلق؛ بل نرى أنَّ الأقرب إلى الصواب هو ما قرره الدكتور عبدالله حمدنا الله من أنَّ هذه العبارةَ – في الحقيقة - لا تدل على خُلُوِّ بلاد السودان من شعراء غير الكانمي، قدرَ دَلالتها على جهل الصفديِّ بوجود هؤلاء الشعراء [7].

كما تجدر الإشارة إلى أنَّ هذا الشاعرَ (إبراهيم الكانمي) يمثل نموذجًا مبكرًا للتواصُل العربي الإفريقي من شتى زواياه الاجتماعية - العرقية أو الثقافيَّة - الحضارية، وهذا ما تَعكِسه أشعاره القليلة التي بين أيدينا، والتي يذكر من خلالها أنه من نسيج اجتماعي متلاحم، يجمع بين الخصائص العِرقية العربيَّة، والخصائص الإفريقيَّة دونَ أيِّ تناقُض أو تصادُم بين الهُوِيَّتين، حتى لو حاول المغرضون أن يفرضوا عليه انفصامًا بين هذين الانتماءين.

فيقول مخاطِبًا زوجتَه البيضاء التي حاول حاسدوه الإيقاع بينه وبينها، مستغلين الإشارةَ إلى لَوْنه الأسود، فردَّ الشاعر عليهم بقوله [8]:


غَيْرِي عَلَيْكُنَّ يَا زَهْرَاءُ يَصْطَبِرُ لِأَنَّ صَبْرِي عَلَى ذَاكَ الْهَوَى صَبِرُ
لَوْنِي بِلَوْنِكِ مُزْدَانٌ إِذَا اجْتَمَعا كَمَا يَزِينُ سَوَادَ الْمُقْلَةِ الْحَوَرُ
وَإِنْ شَكَكْتِ فَقِيسِي قَيْسَ تَجْرِبَةٍ فَفِي اخْتِبَارِكَ مَا يُنْسَى بِهِ الْخَبَرُ
إِنِّي وَإِنْ أَلْبَسَتْنِي الْعُجْمُ حُلَّتَهَا فَقَدْ نَمَانِي إِلى ذَكْوَانِهَا مُضَرُ
وَلَا يَسُؤْكِ مِنَ الْأَغْمَادِ حَالِكُهَا إِنْ كَانَ بَاطِنَهَا الصَّمْصَامَةُ الذَّكَرُ




وقد ظلَّ هذا الشاعر مقيمًا في البلاد المغربية منافِحًا عن هُوِيَّته العربيَّة الإفريقيَّة ‏ من خلال رفعه رايةَ الدفاع عن اللون الأسود[9]، الذي عُرف بالدفاع عنه في كثير من الأشعار، دون أن يسبب له هذا اللون الأسود أيَّةَ عقدةنفسية أو معاناة اجتماعية، كما هي حال بعض المنهزمين نفسيًّا، أو المتعصبين لبعض الألوان، بل إننا نَحُس من بعضتعبيراته رنة فخر وزهو بهذا اللون من خلال تعبيره عنه بقوله: (إني وإن ألبستني العُجْمُ حُلَّتَها)، فلفظ "الحُلَّة" بمعناها اللغوي الذي يدل على الزِّيِّ الجميل المكتمل المكون من ثوبين[10].

وإيحائها اللفظيِّ الذي يرمز إلى التحلي والتزيُّن، يوحي بالاطمئنان والهدوء النفسي الناشئ عن قناعة الشاعر بأنَّه ليس في حياته أو نَسَبه أو شخصيَّته ما يخشى عليه من تنقيب الحُسَّاد أو مكائدهم، كأنه يستشعر في داخله مضمون المثل الشعبيِّ السائد في بلاده: "العارف عزه مستريح".

ولم يقتصر هذا الدَّوْر التواصلي للأدب العربي في تِشاد على الإبداع الشعريِّ فحسبُ، بل إنَّ أقدم النصوص النثرية التي وصلت إلينا عن حقْبة الممالك التِّشادية القديمة، كانت تدور أيضًا حول موضوع التواصُل السياسيِّ والاجتماعيِّ والثقافيِّ بين حُكَّام هذه الممالك، ونظرائهم من حُكَّام الدول التي كانت قائمة آنذاك في شمال إفريقيا وفي غربها.

ومن أشهر الأمثلة على ذلك: هذه الرسالة الَّتي أرسلها السلطان عثمان بن إدريس ملك كانم إلى السلطان "برقوق" حاكم مصر عام 794 ه - 139م حول بعض الحوادث الإجرامية التي وقعت على الحدود بين الدولتين، مِن قِبَلِ بعض قُطَّاع الطرق الذين اعتَدَوْا على بعض القوافل التِّجارية الكانمية واختطفوا أهلها.

وكان من بينهم شقيق ملك كانم الذي أرسل هذه الرسالة السياسيَّة التي جاء في مقدمتها:

"الحمد لله الذي جعل الخطَّ تراسلاً بين الأباعد، وتَُرْجمانًا بين الأقارب، ومصافحة بين الأحباب، ومؤنسًا بين العلماء، وموحشًا بين الجُهَّال، ولولا ذلك لبطَلت الكلمات وفسَدت الحاجات، وصلوات الله على نبينا المصطفى ورسولنا المرتضى، الذي أغلق الله به باب النبوة وختم، وجعله آخر المرسَلِين بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، ما ناحت الوُرْقُ، وما عاقب الشروق الأصيل، ثم بعد ذلك أبو بكر وعمر وعثمان وعلي - رضي الله عنهم أجمعين.

من المتوكل على الله - تعالى - الملك الأجلّ، سيف الإسلام، وربيع الأيتام، الملك المِقدام، القائم بأمر الرحمن، المستنصر بالله، المنصور في كل حين وأوان ودهر وزمان، الملك العادل الزاهد، التقيِّ النَّقِيِّ، الأنجد الأمجد، الغَشْمَشْم، فخر الدِّين، زَيْن الإسلام، قُطب الجلالة، سُلالة الكُرَماء، كهف الصدور، مِصباح الظلام، أبي عمرو "عثمان" الملك ابن "إدريس" الحاج أمير المؤمنين المرحوم - كَرَّم الله ضريحه وأدام ذريته - إلى ملك مصر الجليل - أرض الله المباركة - أُمِّ الدنيا:

سلام عليكم أَعْطَرُ من المسك الأَذفَر، وأعذب من ماء الغمام والْيَمِّ، زاد الله مُلْكَكم وسلطانكم، والسلام على جُلَسائكم وفقهائكم وعلمائكم الذين يدرسون القرآن والعلوم، وجماعتكم وأهل طاعتكم... إلخ"[11].

ونختتم استعراضنا للجذور التاريخية للتواصل العربي الإفريقي في الشعر التِّشادي، خلال عهد الممالك التِّشادية قبل دخول الاستعمار، بالوقوف عند الشيخ محمد الأمين الكانمي [1775 - 1835 م ] الذي مثلت رسائله وقصائده، التي تبادلها مع الشيخ عثمان دان فوديو، وابنه محمد بيلو - لونًا من ألوان التواصل السياسيِّ والفكريِّ مع دول القارَّة الإفريقيَّة، كما يمكن أن نعتبرها نموذجًا مبكرًا للحوار الإفريقي – الإفريقي، متخذًا من الأدب والإبداع وسيلةً للتفاوض والإقناع، وما أجملَ الشِّعرَ! وما أَعظَمَه! إذا تَمكَّن من إخماد الحروب، وجعل إراقة المِداد وسيلةً لمنع إراقة الدماء!

فهذا ما تجسده الرسالة الشعرية التي وَجَّهها الشيخ محمد الأمين الكانمي إلى الشيخ محمد بيلو بن عثمان دان فودي قائلاً[12]:

أَلَا عِمْ صَبَاحًا وَاحْضُرِ الذِّهْنَ إِنَّنِي حَرِيصٌ عَلَى مَنْ يَقْبَلُ الْقَوْلَ بِالْفَهْمِ
فَإِنِّي أَرَى نَفْسِي عَلَى الْحَقِّ وَالْهُدَى وَمَا زِغْتُ يَوْمًا عَنْ طَرِيقِ ذَوِي الْعِلْمِ
وَمَا كُنْتُ مُخْتَارًا لِمَا قَدْ سَمِعْتُمُ مِنَ الْغَزْوِ وَالْغَارَاتِ وَالسَّفْكِ لِلدَّمِ
وَلَسْتُ بِعَاتٍ فِي قِتَالِي وَمُعْتَدٍ عَلَيْهِمْ، وَلَكِنْ دَافِعُ الْجَوْرِ وَالظُّلْمِ
كَإِنْقَاذِ غَرْقَى وَالْحَرِيقِ وَمَنْ ظُلِمْ وَذَا وَاجِبٌ لَا خَوْفَ فِيهِ مِنَ الْإِثْمِ
وَفِي الصُّلْحِ خَيْرٌ إِنْ رَضِيتُمْ جَوَابَنَا لِنَنْجُو مِنَ التَّأْوِيلِ وَالْقَوْلِ بِالرَّجْمِ
وَلَكِنَّ جِيرَانِي الَّذِينَ يَلُونَكُمْ ذَوُو خَبَطٍ لَا يَرْتَضُونَ بِذِي السِّلْمِ
فَنَسَأَلُ رَبَّ الْعَرْشِ يَجْمَعُ أَمْرَنَا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَيَحْسُنُ بِالْخَتْمِ




وإذا كانت كُلُّ هذه النماذج تتعلق بالعصور القديمة، فإنَّنا نبدأ الآن في تَلَمُّس جوانب هذا التواصُل العربيِّ الإفريقيِّ في الشعر العربيِّ التِّشاديِّ المعاصر - وهو موضوع هذا البحث - وذلك في الفصلين التاليين:


الفصل الأول

التواصل مع القضايا الإفريقيَّة في الشعر العربيِّ التِّشاديِّ

برز موضوع التواصل مع القضايا الإفريقيَّة في الشِّعر التِّشاديِّ في منتصف القرن العشرين تقريبًا، مع انطلاقة حركات التحرر الإفريقيَّة؛ للتخلص من براثن الاستعمار الأورُبِيِّ الذي ابتُليت به القارَّة الإفريقيَّة من حملات الغزو التي اجتاحتها في أواخر القرن التاسعَ عشرَ، وبداية القرن العشرين الميلاديَيْنِ.

أما قبل ذلك، فلم تكن الظروف الاجتماعية والسياسيَّة والثقافيَّة السائدة تدعو إلى إيجاد موضوع التواصل بين أبناء القارَّة الإفريقيَّة كموضوع للإبداع الشعري؛ نظرًا لعدم ظهور خطر خارجيٍّ يستهدف حياة هذه الشعوب ويهدد وجودها، ومعلوم أنَّ الأخطار تعتبر من أهم العوامل الداعية إلى التوحد وجمع الكلمة، كما أنَّ كثيرًا من أجزاء القارَّة في تلك الحُقبة، لم تشهد قيام كِيانات سياسيَّة واضحة تُعْنَى بالعَلاقات الدولية وتنظيم التعاون بينها كما هي الحال في العصر الحاضر.

وعلى كل حال، فقد أدَّى الحِراك السياسي الذي شهدته القارَّة في أعقاب الحرب العالمية الثانية وتداعياتها، إلى بروز موضوع التواصل بين أبناء القارَّة، وتوحيد قضيتهم المتمثلة في التخلص من الاستعمار، والعمل على النهوض بالقارَّة وتنميتها، وتحقيق التطلعات المشروعة التي يتطلع لها أبناء إفريقيا مِن رُقِيٍّ وتقدُّم ولِحاق بالأمم التي سبقتهم في هذا المَيْدان.

ولم يكن الشعراء التِّشاديون بِمَعْزِلٍ عن هذا الحِراك؛ بل كان الموقع الإستراتيجيُّ الذي تتمتع به دولتهم (تشاد) في قلب القارَّة الإفريقيَّة، وكونها جسرًا طبيعيًّا بين شمال القارَّة وجنوبها، ومَعبَرًا لتبادل الثقافات المتنوعة السائدة بين طَرَفِي القارَّة، كل ذلك فرض على الشعراء التِّشاديين أن يكونوا في قلب الأحداث الإفريقيَّة، فوظَّفوا مَلكاتِهم الفنيَّةَ والإبداعية للدفاع عن أهم القضايا التي تَشْغَل بال أبناء القارَّة الإفريقيَّة، فكتبوا عددًا من القصائد الشعرية التي عبَّروا فيها عن مشاعرهم تُجاهَ إخوانهم من أبناء الإفريقيَّة، ومجَّدوا فيها النِّضال الإفريقي للتخلص من براثن الاستعمار، وبناء القارَّة الإفريقيَّة قويةً متحِدةً.

ويمكن تقسيم القضايا الإفريقيَّة في الشعر التِّشادي إلى قسمين رئيسين؛ هما:

1- التواصل مع القضايا الإفريقيَّة العامة.
2- التواصل مع دول إفريقيَّة خاصة.

وهما قسمان قد يتداخلان عند بعض الشعراء، فالوقوف مع أَيَّةِ دولة إفريقيَّة، يعتبر في الوقت نفسه وقوفًا مع القضية الإفريقيَّة؛ نظرًا للتشابك والتشابه بين القضايا الإفريقيَّة في أسبابها ونتائجها، ولكننا نراعي طريقة هؤلاء الشعراء في تعاملهم مع هذه القضايا، فنتناول كل قسم منهما على حِدَةٍ، كما يلي:

أولاً: التواصل مع القضايا الإفريقيَّة العامة:
من أهم القضايا الإفريقيَّة التي شَغَلت أذهان الشعراء التِّشاديين، وأخذت قدرًا كبيرًا من اهتماماتهم: قضيةُ الدعوة إلى الوَحْدة الإفريقيَّة وتجميع الصفوف؛ من أجل إنجاح مسيرة الكفاح ضد الاستعمار الأوربي، الذي كان همًّا إفريقيًّا عامًّا عانى منه الإفريقيون بشتى بُلدانهم واتجاهاتهم، ولم يَسْلَمِ الشعب التِّشادي من أذى المستعمرين ومكائدهم، الأمر الذي ولَّد في نفوسهم شُعورًا جارِفًا بضرورة العمل الدؤوب للتخلص من براثن الاستعمار بكل الوسائل، مهما كلَّف الأمر من جهود وتضحيات.

ولهذا تَبارَى الشعراء التِّشاديون في التعبير عن هذه المشاعر الإفريقيَّة، ورسموا في قصائدهم سبيل الحرية والانعتاق من الاستعمار وويلاته.

فالشاعر التِّشادي عباس محمد عبدالواحد يرى أنَّ المقاومة المسلَّحة وحدَها هي طريق الخلاص من الاستعمار، داعيًا أبناءَ القارَّة الإفريقيَّة كلها للتضامن والوقوف صفًّا واحدًا ضِدَّ المستعمرين ومكائدهم، مُبيِّنًا أنَّ الدعاوَى التي يتذرع بها المستعمرون للبقاء في القارَّة من إعمار وإصلاح لها ما هي إلا حُجج باطلة، وأنَّ الحقيقة الواضحة هي أنَّ الاستعمار هو أساس المشاكل الإفريقيَّة ومصدر معاناة إفريقيا بِرُمَّتها، فيقول [ من الخفيف][13]:

شَعْبُ إِفْرِيقِيَّا الْمُنَاضِلُ يَبْقَى فِي كِفَاحٍ وَغَارَةٍ شَعْوَاءِِ
ضِدَّ مُسْتَوْطِنٍ طَغَى سَامَهُ الْخَسْ فَ، بِعُنْفٍ وَقَسْوَةٍ وَجَفَاءِ
ضِدَّ تَمْيِيزِهِ الْمُشِينِ وَمَا حَا كَ لَهُ مِنْ مَخَاطِرٍ وَشَقَاءِ
كَمْ رَأَى لِلْمُسْتَوْطِنِينَ عُيُونًا سَكِرَتْ بِالْغُرُورِ وَالْخُيَلاءِ
كَيْفَ تَرْجُو دَوَاءَ دَائِكَ مِمَّنْ هُوَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ الأَدْوَاءِ
فَمِنَ الْجُبْنِ أَنْ نُحَابِيهُ أَوْ نُصْ غِي لِتِلْكَ الْمَشَاعِرِ الْجَوْفَاءِ
بَلْ عَلَيْنَا الْمُضِيَّ فِي السَّيْرِ وَالْمَطْ لَبِ عَبْرَ الْمَعَالَمِ الْوَضَّاءِ
وَحْدَةُ الصَّفِّ وَحْدَةُ الْقَوْلِ وَالْخُطْ طَةِ حَالاً وَوَحْدَةَ الآرَاءِ
فَالنِّزَاعَاتُ وَالتَّنَاحُرُ لا تَخْ دُمُ إِلاَّ مَصَالِحَ الأَعْدَاءِ




وكأنِّي بالشاعر ينظر من وراء حُجُبِ الغَيْب إلى مثل هذا المُلتقَى الإفريقي الرائع الذي نلتقي في رحابه اليوم، حين يختم قصيدته الثائرة بهذين البيتين اللَّذَيْنِ ينضحان بالأمل والتفاؤل بالمستقبل المشرق الذي ينتظر أبناء القارَّة الإفريقيَّة فيقول:


فَبِذَا نَسْتَعِيدُ مَا ضَاعَ ظُلْمًا وَبِذَا نَمْتَطِي ذُرَى الْجَوْزَاءِ
سَوْفَ يَأْتِي الْيَوْمُ الَّذِي نَكْتُبُ التَّا رِيخَ عَنْهَا فِي صَفْحةٍ بَيْضَاءِ




أمَّا الشاعر عيسى عبدالله الذي تميَّز بِتَجرِبتِه الثوريَّة المَيْدانيَّة في الكفاح ضد المستعمرين وأعوانهم، من خلال التحاقه بصفوف جبهة التحرير الوطني التِّشاديَّة، فتعلو نَبراته أكثرَ حِدَّةً وثوريةً، منددًا بِمَن يحاولون موالاة المستعمرين أو التعاون معهم، مع ما اقترفوه من جرائمَ ضد أبناء القارَّة، مُذكِّرًا بما ارتكبوه من مجازرَ بِحقِّ الأجداد، سواءٌ في تِشاد؛ كمجزرة الكبكب (1917م)، أم في غيرها من الدول الإفريقيَّة؛ كالنيجر والجزائر، فيقول [14]:


أَحَاكَى هَواهَا لَدَيْنَا أُنَاسٌ؟! مَعَ الْمُعْتَدِي هَلْ تَمَاهَى قَتِيلُ؟!
وَكَمْ قَدْ عَدَتْ مُنْذُ كَادَتْ فَسَادَتْ عَلَى أَمْسِنَا الْحُرِّ شَرًّا يَصُولُ
فَأَشْرَارُهَا لا يُحِبُّونَ فِينَا مُضِيًّا عَلَى مَا اقْتَضَتْهُ الْعُقُولُ
هُمُ اسْتَعْمَرُونَا فَعَاثُوا فَسَادًا كَمَا عَاثَ وَسْطَ الْبَسَاتِينِ فِيلُ
مَعَ الْمُعْتَدِينَ التَّعَاطِي حَرَامٌ وَأَمَّا التَّمَاهِي فَدَاءٌ وَبِيلُ
مُوَالاتُهُمْ كَاحْتِضَانِ الْأَفَاعِي وَتَمْدِينُهُمْ شَائِعَاٌت تَهُولُ
فَهَلْ نَالَ أَجْدَادُنَا غَيْرَ حَزٍّ؟! وَهَلْ أَحْسَنَتْ غَيْرَ ذَاكَ النُّصُولُ؟!




وَيشْدو الشاعر مُحمَّد عمر الفال بنشيد الوَحْدة وضَمِّ الكلمة، تَحسُّبًا واستعدادًا للمواجهة مع المستعمرين، مستنفِرًا الشبابَ الإفريقيَّ كلَّه في قضية الكفاح ضد الاستعمار، ملفِتًا الأنظارَ إلى الفتن والصراعات الداخلية التي يُعاني منها أبناء القارَّة بسبب مكائد المستعمرين ومؤامراتهم، فيقول في أُنشودته (نشيد إفريقيا)[15]:


نَحْنُ الشَّبَابَ قُوَّةٌ فَتَّاكَةٌ ضِدَّ العِدَا
إِذَا اتَّحَدْنَا كُلُّنَا صَارَتْ قُوَانَا كَالْقَذَى
فِي أَعْيُنِ الْمُسْتَعْمِرِي نَ الْحَاقِدِينَ سَرْمَدًا
هَيَّا لِنَحْمِي الْقَارَةَ السْ سَمْرَاءَ رَمْزًا لِلْفِدَا
هَيَّا لِنَحْمِي قَارَةً أَضَحَتْ تَسِيرُ الْقَهْقَرَى
فَالْغَرْبُ لا يُرِيدُنَا أَنْ نَسْتَغِلَّ أَرْضَنَا
لِذَا يُؤَجِّجْ نَارَهُ مِنْ هَا هُنَا وَهَا هُنَا




أما الشاعر عبدالواحد السَّنُوسيُّ الذي يعمل الآنَ بالتِّلفاز التِّشادي، فيتحوَّل القَلَم في يده إلى آلة تصوير متحركة، يَبُثُّ مِن خلالها مشهدَ جيوش الاستعمار وهي تقتحم الديار، وتنشر فيها الخراب والدمار، فيتحول فيها كل شيء إلى خراب، رامِزًا للقارَّة السمراء باسم "وديعة"، وذلك في قصيدة مطوَّلة له، استهلَّها بتصوير حالة الدَّعَةِ والأمن والسلام، التي كانت إفريقيا تنعم بها عندما كانت لأبنائها الإفريقيين، إلى أنْ داهمتها جيوش الاستعمار [16]:

وَفِي ذَاتِ يَوْمٍ تَعَالَى الصِّيَاحُ قُبَيْلَ الصَّبَاحِ
وَقَبْلَ سُقُوطِ النَّدَى وَانْقِشَاعِ الضَّبَابِ
تَزَلْزَلَتِ الْأَرْضُ تَحْتَ وَدِيعَةْ
وَثَارَ الْغُبَارُ وَمَادَ التُّرَابْ
وَحَلَّ بِهَا وَعَلَيْهَا الْخَرَابْ
طَوَابِيرُ جَاءَتْ مِنَ الْأَغْرَابْ
مَجُوسٌ وَبَعْضُ النَّصَارَى وَبَعْضُ الْيَهُودِ وَبعْضُ الْكِلَابْ
طَوَابِيرُ جَاءَتْ تَجُرُّ الْحَدِيدَ
وَآلَاتُ مَوْتٍ تُشِيبُ الْوَلِيدَ
وَعَاثُوا فَسَادًا بِأَرْضٍ وَدِيعَةْ
وَقَامَتْ مَذَابِحُهُمْ بِمَهَامٍ شَنِيعَةْ
وَأُعْدِمَ شَيْخٌ وَأُحْرِقَ حَقْلٌ وَدِيسَتْ رَضِيعَةْ
وَسِيقَ الْأَهَالِي إِلَى مَا وَرَاءَ.. وَرَاءَ الطَّبِيعَةْ
وَبِيعُوا هُنَاكَ كَمَا الْعُبُدَانْ
وَمِنْ يَوْمِهَا
تَوَقَّفَ قَلْبُ وَدِيعَةْ
عَنِ الْخَفَقَانْ
وَلَمْ يَبْقَ فِيهَا شُهُودُ عِيَانْ
سِوَى الْبَاوَبَابْ
يَصِيحُ وَيَنْعِقُ مِنْهَا الْغُرَابْ



ولَم يقفْ تفاعل الشاعر التِّشادي مع القضايا الإفريقيَّة عند الهَمِّ السياسيِّ فحسبُ؛ بل كان التلاحُم مع أحداث القارَّة المختلفة، بآمالها وآلامها، انطلاقًا من الشعور بوَحدة المصير المشترك بين جميع أبناء هذه القارَّة.

ولذلك عندما نكبت القارَّة بالمجاعة التي اجتاحت عددًا من الدول الإفريقيَّة ‏ سنة 1984م، خاصةً تلك الدولَ المُطِلَّة على الصحراء، انبرى الشاعر عباس محمد عبدالواحد للتعبير عن هذه النكبة واستصراخ الضمير العالمي للإسراع بتقديم العون والإغاثة لهذه الشعوب المنكوبة، كما سجَّل إشادة بالجهود الخيرية التي بذلتها بعض الدول العربيَّة، وخاصَّةً المملكةَ العربيَّة السعودية لنجدة إخوانهم المتضررين من هذه المجاعة، فقال [17]:

لَدَى إِفْرِيقِيَا شَعْبٌ تَوَالَتْ عَلَيْهِ عَوَاصِفُ الدُّنْيَا فَتِيَّا
لَقَدْ فَتَكَتْ بهِ الْوَيْلَاتُ فَتْكًا وَأَسْقَتْهُ كُؤُوسَ الْغَمِّ رِيَّا
وَكَبَّلَهُ الْبَلَاءُ بِكُلِّ رُزْءٍ فَرَاحَ يَعِيشُ وَالْبَلْوَى سَوِيَّا
فَفَرَّ البِشْرُ يَوْمَ غَزَاهُ مَدٌّ مِنَ الصَّحَرَاءِ يَطْوِي الْأَرْضَ طَيَّا
يَبِيدُ الْحَرْثَ وَالْأَشْجَارَ حَرْقًا وَيُرْدِي بِالْقُرَى شَعْبًا فَتِيَّا








يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 188.49 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 186.77 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (0.91%)]