الدفع إلى مزدلفة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 14853 - عددالزوار : 1086079 )           »          بيع العربون (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          أحكام من أدرك وقت الصلاة فلم يصل ثم زال تكليفه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          بيع حبل الحبلة والمضامين والملاقيح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          لماذا أحب رسول الله؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          علة حديث: ((من غسل واغتسل يوم الجمعة وبكر وابتكر، كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          الحديث العاشر: صلة الرحم تزيد في العمر والرزق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          تخريج حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبال في الجحر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          رفع الارتياب في بيان أحكام إجازة القراءة والسماع عن بعد ومن وراء حجاب لأحمد آل إبراهي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 483 - عددالزوار : 174587 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > ملتقى الحج والعمرة
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى الحج والعمرة ملتقى يختص بمناسك واحكام الحج والعمرة , من آداب وأدعية وزيارة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 31-05-2024, 10:28 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,449
الدولة : Egypt
افتراضي الدفع إلى مزدلفة

الدَّفْعُ إِلَى مُزْدَلِفَةَ

يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف

قَالَ الْمُصَنِّفُ -رَحِمَهُ اللهُ-: [ثُمَّ يَدْفَعُ بَعْدَ الْغُرُوبِ إِلَى مُزْدَلِفَةَ بِسَكِينَةٍ يُسْرِعُ فِي الْفَجْوَةِ، وَيَجْمَعُ بِهَا بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ، وَيَبِيتُ بِهَا].
رَابِعًا: الدَّفْعُ إِلَى مُزْدَلِفَةَ: وَقْتُهُ، وَصِفَتُهُ.
وَالْكَلَامُ هُنَا فِي فُرُوعٍ:
الْفَرْعُ الْأَوَّلُ: وَقْتُ الدَّفْعِ إِلَى مُزْدَلِفَةَ، وَصِفَتُهُ. وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (ثُمَّ يَدْفَعُ بَعْدَ الْغُرُوبِ بِسَكِينَةٍ وَيُسْرِعُ فِي الْفَجْوَةِ).
سَبَقَ مَعَنَا: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا، حَتَّى غَابَ الْقُرْصُ»، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْقُرْصَ هُوَ الشَّمْسُ، وَقِيلَ: هُوَ الصُّفْرَةُ الَّتِي تَكُونُ بَعْدَ الْغُرُوبِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ: «أَرْدَفَ أُسَامَةَ خَلْفَهُ، وَدَفَعَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ أَيْ: إِلَى مُزْدَلِفَةَ، «وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ، حَتَّى إِنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ»؛ أَيْ: عَصَا الرَّحْلِ؛ وَذَلِكَ مِنْ شِدَّةِ مَا يُمْسِكُهَا حَتَّى لَا تُسْرِعَ؛ لِأَنَّهُمْ يُسْرِعُونَ فِي انْصِرَافِهِمْ، «وَيَقُولُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى: أَيُّهَا النَّاسُ، السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ؛ كُلَّمَا أَتَى حَبْلًا مِنَ الْحِبَالِ أَرْخَى لَهَا قَلِيلًا، حَتَّى تَصْعَدَ»، وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ -زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: أَنَّهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «كَانَ يَسِيرُ العَنَقَ، فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ»[1]، حَتَّى أَتَى مُزْدَلِفَةَ، وَ"(الْعَنَقُ): سَيْرٌ فِيهِ رِفْقٌ. وَ(الْفَجْوَةُ): الْمُتَّسَعُ مِنَ الْأَرْضِ. وَ(النَّصُّ): أَرْفَعُ السَّيْرِ"[2].
الْفَرْعُ الثَّانِي: الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي مُزْدَلِفَةَ. وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَيَجْمَعُ بِهَا بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ).
أَيْ: يَجْمَعُ بِمُزْدَلِفَةَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَيَبِيتُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُلَمَّا وَصَلَ إِلَى مُزْدَلِفَةَ: صَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا بِشَيْءٍ، ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي سَبَبِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي مُزْدَلِفَةَ، كَمَا اخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ الْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي عَرَفَةَ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
كَمَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ أَيْضًا: فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لِهَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ، وَسَبَبُ خِلَافِهِمْ: تَعَدُّدُ الرِّوَايَاتِ، وَكُلُّهَا رِوَايَاتٌ صَحِيحَةُ الْإِسْنَادِ، وَبَعْضُهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَبَعْضُهَا فِي السُّنَنِ، وَبِمَا أَنَّ الْقَضِيَّةَ وَاحِدَةٌ: فَلَا يُمْكِنُ حَمْلُ كُلِّ رِوَايَةٍ عَلَى حَالٍ، وَلَا يُمْكِنُ النَّسْخُ، وَلَا الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ؛ وَالْأَحْسَنُ: الْأَخْذُ بِرِوَايَةِ جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- الَّذِي نَقَلَ حَجَّةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِلَا اضْطِرَابٍ، وَتُعَدُّ بَقِيَّةُ الرِّوَايَاتِ: مُضْطَرِبَةَ الْمُتُونِ؛ فَتُطْرَحُ. وَهَذَا رَأْيُ ابْنِ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ-[3].
وَالْأَوْلَى: أَنْ يُصَلِّيَ قَبْلَ حَطِّ رَحْلِهِ؛ لِحَدِيثِ كُرَيْبٍ أَنَّهُ سَأَلَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ: «كَيْفَ صَنَعْتُمْ حِينَ رَدِفْتَ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَشِيَّةَ عَرَفَةَ؟ فَقَالَ: جِئْنَا الشِّعْبَ الذِي يُنِيخُ النَّاسُ فِيهِ للْمَغْرِبِ، فَأَنَاخَ رَسُولُ اللهِ نَاقَتَهُ وَبَالَ ثُمَّ دَعَا بِالْوَضُوءِ، فَتَوَضَّأَ وُضُوءًا لَيْس بِالْبَالِغِ، فقُلْتُ: يَا رَسُولُ اللهِ الصَّلاَةَ، فَقَالَ: الصَّلاَةُ أَمَامَكَ، فَرَكِبَ حَتَّى جِئْنَا الْمُزْدَلِفَةَ»، وَفِي رِوَايَةٍ: «نَزَلَ فَتَوَضَّأَ، فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ، فَأَقَامَ الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَنَاخَ النَّاسُ فِي مَنَازِلِهِمْ، وَلَمْ يَحُلُّوا حَتَّى أَقَامَ الْعِشَاءَ الآخِرَةَ، فَصَلَّى، ثُمَّ حَلُّوا...» إِلَخِ، وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ[4].
الْفَرْعُ الثَّالِثُ: الْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ. وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَيَبِيتُ بِهَا).
وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: مَشْرُوعِيَّةُ الْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ.
أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ لَيْلَةَ عِيدِ النَّحْرِ[5]؛ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:﴿ إِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ۖ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾[البقرة: 198-199]، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بَاتَ بِهَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَقَالَ: «خُذُوْا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ»[6]، وَلِحَدِيثِ عُرْوَةَ بْنِ الْمُضَرِّسِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، وَسَبَقَ بِطُولِهِ[7]، وَحَدِيثُ عُرْوَةَ بْنِ الْمُضَرِّسِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- دَلِيلٌ عَلَى أَهَمِّيَّةِ صَلَاةِ الْفَجْرِ بِمُزْدَلِفَةَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: حُكْمُ الْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَمْ رُكْنٌ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمَبِيتَ بِمُزْدَلِفَةَ وَاجِبٌ؛ فَإِذَا تَرَكَهُ صَحَّ حَجُّهُ مَعَ الْإِثْمِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ[8]، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ: بِحَدِيثِ عُرْوَةَ بْنِ الْمُضَرِّسِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- السَّابِقِ[9]، وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا: بِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمُرَ الدَّيْلَمِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْحَجُّ عَرَفَةُ، فَمَنْ أَدْرَكَ لَيْلَةَ عَرَفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ جَمْعٍ، فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَأَهْلُ السُّنَنِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ[10]. فَفِيهِ: أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ وَلَوْ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ قَبْلَ الصُّبْحِ: فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ؛ وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا الْوَاقِفَ بِعَرَفَةَ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ قَدْ فَاتَهُ الْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ قَطْعًا بِلَا شَكٍّ، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ صَرَّحَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ: بِأَنَّ حَجَّهُ تَامٌّ.
الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْمَبِيتَ بِمُزْدَلِفَةَ رُكْنٌ لَا يَصِحُّ الْحَجُّ إِلَّا بِهِ، وَهَذَا قَوْلٌ لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ[11]، وَاسْتَدَلُّوا بِالْآيَةِ، وَقَالُوا: بِأَنَّ فِيهَا أَمْرًا صَرِيحًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ اللهِ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ مِنْ عَرَفَةَ، كَمَا اسْتَدَلُّوا أَيْضًا: بِحَدِيثِ عُرْوَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- الْمُتَقَدِّمِ.
وَقَدْ أَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْ أَدِلَّتِهِمْ بِمَا يَلِي[12]:
أَمَّا الْآيَةُ: فَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَمَامِ حَجِّ مَنْ وَقَفَ بِمُزْدَلِفَةَ وَلَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ.
وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ عُرْوَةَ الَّذِي فَيهِ «وَشَهِدَ صَلَاتَنَا هَذِهِ»، وَهِيَ صَلَاةُ الصُّبْحِ بِمُزْدَلِفَةَ: أَنَّ الْعُلَمَاءَ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى صِحَّةِ وَتَمَامِ حَجِّ مَنْ بَاتَ بِمُزْدَلِفَةَ، وَقَدْ وَقَفَ قَبْلَ ذَلِكَ بِعَرَفَةَ، لَكِنَّهُ نَامَ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَلَمْ يُصَّلِّهَا مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى فَاتَتْ.
الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْمَبِيتَ سُنَّةٌ، فَإِذَا تَرَكَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَهَذَا الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَقَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ[13]، وَقَالُوا: إِنَّهُ مَبِيتٌ؛ فَكَانَ سُنَّةً، كَالْمَبِيتِ بِمِنًى لَيْلَةَ التَّاسِعِ الَّتِي صَبِيحَتُهَا يَوْمُ عَرَفَةَ[14].
هَذَا هُوَ حَاصِلُ أَقْوَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَدِلَّتِهِمْ فِي الْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ، وَلَعَلَّ أَقْرَبَ الْأَقْوَالِ، هُوَ: قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
الْفَرْعُ الرَّابِعُ: الْقَدْرُ الْوَاجِبُ فِي الْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ، وَبَيَانُ وَقْتِ الدَّفْعِ مِنْهَا. وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَلَهُ دَفْعٌ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ، وَقَبْلَهُ فِيهِ دَمٌ).
أَيْ: أَنَّ لِلْحَاجِّ الدَّفْعَ مِنْ مُزْدَلِفَةَ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ، وَهَذَا مَا قَرَّرَهُ الْمُؤَلِّفُ -رَحِمَهُ اللهُ-.
وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْقَدْرَ الْوَاجِبَ فِي الْمَبِيتِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، وَإِنْ دَفَعَ مِنْهَا قَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ لَزِمَهُ دَمٌ، وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ[15].
الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْقَدْرَ الْوَاجِبَ فِي الْمَبِيتِ بِقَدْرِ مَا يُصَلِّي الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ أَوْ بِقَدْرِ حَطِّ الرَّحْلِ، وَلَوْ دَفَعَ قَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ[16].
الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْقَدْرَ الْوَاجِبَ فِي الْمَبِيتِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى قُبَيْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ؛ فَإِنْ دَفَعَ قَبْلَ الْفَجْرِ: لَزِمَهُ دَمٌ، وَإِنْ حَضَرَ إِلَى مُزْدَلِفَةَ بَعْدَ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ: فَقَدْ أَتَى بِالْوُقُوفِ وَأَدْرَكَهُ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ[17].
هَذِهِ أَقْوَالُ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
لَكِنْ حَدِيثُ عُرْوَةَ بْنِ الْمُضَرِّسِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فِيهِ أَهَمِّيَّةُ صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي مُزْدَلِفَةَ؛ فَعَلَى هَذَا: يَنْبَغِي لِأَهْلِ الْقُوَّةِ أَلَّا يَخْرُجُوا مِنْ مُزْدَلِفَةَ إِلَّا بَعْدَ الْفَجْرِ، وَلْيَحْرِصْ مَنْ بَاتَ بِالْمُزْدَلِفَةِ أَنْ يَأْتِيَ الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ إِنْ تَيَسَّرَ أَوْ غَيْرَهُ، فَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَيَدْعُو اللهَ وَيُكَبِّرُهُ وَيُهَلِّلُهُ وَيُوَحِّدُهُ؛ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: فَإِنَّهُ لَمَّا صَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ: «اضْطَجَعَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، وَصَلَّى الْفَجْرَ، حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ، بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ، حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَدَعَاهُ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا، فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ»[18]؛ أَيْ: دَفَعَ إِلَى مِنًى قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ.
وَبِهَذَا فَقَدْ خَالَفَ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- الْمُشْرِكِينَ؛ لَأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَدْفَعُونَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ عَلَى ثَبِيرٍ، وَيَقُولُونَ: أَشْرِقْ ثَبِيرُ؛ كَيْمَا نُغِيرُ، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: «إِنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا لاَ يُفِيضُونَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَيَقُولُونَ: أَشْرِقْ ثَبِيرُ، وَأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَالَفَهُمْ ثُمَّ أَفَاضَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ»[19]، وَفِي رِوَايَةٍ: «إِنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا لاَ يُفِيضُونَ مِنْ جَمْعٍ، حَتَّى تُشْرِقَ الشَّمْسُ عَلَى ثَبِيرٍ، فَخَالَفَهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَفَاضَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ»[20]، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَةَ: «كَانُوا يَقُولُونَ: أَشْرِقْ ثَبِيرُ، كَيْمَا نُغِيرُ»[21]. فَقَوْلُهُمْ: "ثَبِيرُ": جَبَلٌ بِمُزْدَلِفَةَ عَلَى يَسَارِ الذَّاهِبِ إِلَى مِنًى، وَمَعْنَى: "أَشْرِقْ ثَبِيرُ"؛ أَي: ادْخُلْ أَيُّهَا الْجَبَلُ فِي الشُّرُوقِ، وَقَوْلُهُمْ: "كَيْمَا نُغِيرُ"؛ أَيْ: لِكَيْ نَدْفَعَ وَنُفِيضَ لِلنَّحْرِ وَغَيْرِهِ.
فَائِــــــدَةٌ:
وَأَمَّا الضَّعَفَةُ: فَلَهُمْ أَنْ يَدْفَعُوا بَعْدَ غُرُوبِ الْقَمَرِ[22]، وَيَلْحَقُ بِالضَّعَفَةِ مَنْ يَقُومُ بِشُؤُونِهِمْ مِنَ الْأَقْوِيَاءِ، قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحَيحِهِ: (بَابُ مَنْ قَدَّمَ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ بِلَيْلٍ، فَيَقِفُونَ بِالْمُزْدَلِفَةِ، وَيَدْعُونَ، وَيُقَدِّمُ إِذَا غَابَ القَمَرُ)، ثُمَّ سَاقَ بِسَنَدِهِ بَعْضَ الْأَدِلَّةِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ مِنْهَا: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ»[23]، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: «بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الثَّقَلِ - أَوْ قَالَ: فِي الضَّعَفَةِ - مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ»[24]، وَعَنْ أَسْمَاءَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: «أَنَّهَا نَزَلَتْ لَيْلَةَ جَمْعٍ عِنْدَ الْمُزْدَلِفَةِ، فَقَامَتْ تُصَلِّي، فَصَلَّتْ سَاعَةً ثُمَّ قَالَتْ: يَا بُنَيَّ، هَلْ غَابَ القَمَرُ؟، قُلْتُ: لاَ، فَصَلَّتْ سَاعَةً ثُمَّ قَالَتْ: يَا بُنَيَّ هَلْ غَابَ القَمَرُ؟، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَتْ: فَارْتَحِلُوا، فَارْتَحَلْنَا وَمَضَيْنَا، حَتَّى رَمَتِ الجَمْرَةَ، ثُمَّ رَجَعَتْ فَصَلَّتِ الصُّبْحَ فِي مَنْزِلِهَا، فَقُلْتُ لَهَا: يَا هَنْتَاهُ مَا أُرَانَا إِلَّا قَدْ غَلَّسْنَا، قَالَتْ: يَا بُنَيَّ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَذِنَ لِلظُّعُنِ»[25].
الْفَرْعُ الْخَامِسُ: الْوُصُولُ إِلَى مُزْدَلِفَةَ بَعْدَ الْفَجْرِ. وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (كَوُصُولِهِ *إِلَيْهَا *بَعْدَ *الْفَجْرِ؛ لَا قَبْلَهُ).
أَيْ: أَنَّ مَنْ وَصَلَ إِلَى مُزْدَلِفَةَ بَعْدَ الْفَجْرِ: فَيَلْزَمُهُ دَمٌ، لَا إِنْ وَصَلَ إِلَيْهَا قَبْلَ الْفَجْرِ: فَلَا يَلْزَمُهُ دَمٌ، لَكِنْ ظَاهِرُ حَدِيثِ عُرْوَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ مَنْ وَصَلَ إِلَى مُزْدَلِفَةَ فِي وَقْتِ صَلَاةِ الْفَجْرِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ صَلَّى مَعَنَا صَلَاتَنَا هَذِهِ هَا هُنَا، ثُمَّ أَقَامَ مَعَنَا وَقَدْ وَقَفَ قَبْلَ ذَلِكَ بِعَرَفَةَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ»[26].
وَخُلَاصَةُ الْمَذْهَبِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ[27]:
أَوَّلًا: إِذَا دَفَعَ قَبْلَ مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ: فَعَلَيْهِ دَمٌ.
ثَانِيًا: إِذَا وَصَلَ إِلَى مُزْدَلِفَةَ بَعْدَ الْفَجْرِ: فَعَلَيْهِ دَمٌ.
ثَالِثًا: إِذَا دَفَعَ بَعْدَ مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ: فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ.
رَابِعًا: إِذَا وَصَلَ إِلَيْهَا قَبْلَ الْفَجْرِ: فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ.
خَامِسًا: إِذَا دَفَعَ مِنْ مُزْدَلِفَةَ قَبْلَ مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ، وَعَادَ إِلَيْهَا قَبْلَ الْفَجْرِ: فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَاللهُ أَعْلَمُ.

[1] أخرجه البخاري (1666)، ومسلم (1286).
[2] المفهم، للقرطبي (3/ 392).
[3] عون المعبود وحاشية ابن القيم (5/ 285، 286).
[4] أخرجه البخاري (139)، ومسلم (1280 )، (2/ 935).
[5] ينظر: شرح مسلم، للنووي (8/ 188)، وشرح المشكاة، للطيبي (6/ 1968)، والبدر التمام (5/ 306).
[6] تقدم في عدد من المواضع.
[7] تقدم تخريجه.
[8] ينظر: بدائع الصنائع (2/ 136)، والكافي، لابن عبد البر (1/ 373)، وشرح مسلم، للنووي (8/ 188)، والمغني، لابن قدامة (3/ 376).
[9] تقدم تخريجه.
[10] تقدم تخريجه.
[11] ينظر: شرح مسلم، للنووي (8/ 188).
[12] ينظر: منسك الشنقيطي؛ فقد ذكر الأقوال، وناقشها فليرجع إليه (2 /31).
[13] ينظر: الكافي، لابن عبد البر (1/ 373)، وشرح مسلم، للنووي (8/ 188).
[14] ينظر: المجموع، للنووي (8/ 150).
[15] ينظر: الأم، للشافعي (2/ 233)، والإنصاف، للمرداوي (9/ 180، 181).
[16] ينظر: الذخيرة، للقرافي (3/ 263)، وإرشاد السالك إلى أفعال المناسك (1/ 406).
[17] ينظر: تحفة الفقهاء (1/ 407).
[18] تقدم تخريجه.
[19] أخرجه البخاري (1684).
[20] أخرجه البخاري (3838).
[21] أخرجه أحمد (295)، وابن ماجه (3022).
[22] ينظر: مناسك الحج، لابن تيمية (ص: 105).
[23] أخرجه البخاري (1677).
[24] أخرجه مسلم (1293).
[25] أخرجه البخاري (1679).
[26] تقدم تخريجه.
[27] ينظر: الشرح الممتع (7/ 309).






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 94.24 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 92.56 كيلو بايت... تم توفير 1.68 كيلو بايت...بمعدل (1.78%)]