الكذب

[ابوالوليد المسلم]

الكذب


الكاتب: أحمد الوكيل





سألتها هو حضرتك انفصلتي عن زوجك ليه؟
ردت بهدوء شديد: أبدا كان بيكذب..
جرى هذا الحوار منذ ثلاثين عامًا، عندما طلب مني والدي أن أقوم بتوصيل رسالة إلى واحدة من أقربائه –من بعيد- تعمل بوزارة مهمة. ذهبتُ الي المكتب، ووجدتها في منتصف الخمسينات، ومحجبة ويبدو عليها مظهر التدين، على غير العاملين في الإدارات العليا في هذه الوزارة.

وبينما أجلس أمامها، فجأة دخل شخص تبدو عليه الأهمية، وكان غاضبًا لدرجة أنه لم يلتفت إلى وجودي في المكتب، واشتبك في حوار صاخب معها، وكان مدار الحوار يظهر اضطهادهم لها في العمل، وفجأة انتبه لوجودي في المكان، فاعتذر سريعًا وانسحب.

أحسست بالحرج لوجودي، والسيدة تبذل أقصى ما تستطيع للسيطرة على نفسها، وفاجأتها قائلا: "ما تعيطي يا أستاذة هو انتي راجل"، وكأني فتحت لطوفان من الدموع، وأصابتها نوبة انتحاب شديدة، وبعد أن هدأت، وكأنها تنبهت لوجودي بالمكتب، ويبدو أن صغر سني جعلها تتبسط أمامي، فحكت لي أن حجابها كان سببا في طردها من شركة أجنبية كبرى، وأعقبه شركة بترول أمريكية، وهي أصرت أن تظل على حجابها، حتى كان أيضا أحد أسباب طلاقها من زوجها، مع الكذب. فتعجبت وسألتها وكيف كان هذا سببًا للطلاق؟ قالت: أبدا زوجي كان "بيكذب" ولما كنت حديث السن فلم أر أية مشكلة فأي شخص ممكن يضطر أن يكذب، لكن تطلق لأجل ذلك فغريب؛ فقلت لها بيكذب وإيه المشكلة؟.

قالت: كنت ألاحظ في أول زواجنا، أننا إن ذهبنا إلي بورسعيد، وسأله واحد من أهله يقول: كنا في إسماعيلية.

وهكذا، وكنت أتعجب ما الداعي للكذب في أمور لا تستحق؟. وسارت بنا رحلة الزواج، وتأخر الإنجاب وبدأنا في مشوار التحليلات، وكانت النتيجة لا مشكلة لدينا. واتباعا لنصيحة الأقربين قمنا بإجراء التلقيح الصناعي، وأجريت خمس عشرة عملية، وكل مرة تفشل. حتى انهرت نفسيا، وهو يواسيني، ويقول: تحملي، المرة القادمة سنوفق.

حتى كانت المرة الأخيرة، أصر الطبيب أن يجري له تحليلاً فوريًّا، وكانت المفاجأة أنه عقيم لا ينجب!! فلما سألته، وأنا غير مصدقة ولا فاهمة، كيف حللت أول مرة وكان التحليل سليمًا؟ رد عليَّ ببساطة: أبدًا، أنا أخذت عينة التحليل الأولى من أخي السليم ، فأصبت بانهيار عصبي، ولم أره حتى طلقت منه.

وقد أمر الله ورسوله بالحجاب، وحذَّر الله ورسوله من الكذب، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الكذب يهدي للفجور والفجور يهدي للنار".

ظاهرتان متى تفشيتا في مجتمع، أصابه الوهن مبكرًا، وخاصة الثانية لاسيما إذا ما أصابت مجتمع الصفوة والنخبة وأهل السلطة والحكم.