|
|||||||
| ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#2
|
||||
|
||||
|
الخطبة الثانية أما بعد: عباد الله...•جمال الإحسان إلى الجيران في حياة أهل الإيمان: فاعلموا - بارك الله فيكم - أن مجرد الجمال الظاهر في الصور والثياب لا ينظر الله إليه، وإنما ينظر إلى القلوب والأعمال، فإن كان الظاهر مزينًا مجملًا بحال الباطن، أحبَّه الله، وإن كان مقبحًا مدنسًا بقبح الباطن، أبغضه الله؛ فإنه سبحانه يُحب الحسن الجميل، ويُبغض السيئ الفاحش. وهيا - أيها الأحباب - لنرى الجمال في الفِعال والإحسان إلى الجيران ترجمةً حرفية فورية: روى أنس رضي الله عنه: ((أن غلامًا يهوديًّا كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فمرِض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فقال: أسلِم، فأسلم)). وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه حيث ذبح شاة فقال: ((هل أهديتم منها لجارنا اليهودي؟ ثلاث مرات، ثم قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه))[10]. ففهِم هذا الصحابي الجليل من هذا الحديث في حسن معاملة الجار أنه يشمل المسلم والكافر، وفي ظل هذا التوجيه القرآني عاش أهل الكتاب في جوار المسلمين ينعَمون بالأمن والطمأنينة على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم، بل لقد وجدوا معاملةً وعدلًا لم يكونوا يجدونها بين أهليهم وبني جنسهم وملتهم، وحين وجدوا تلك المعاملة الحسنةَ والعدلَ والخُلق من المسلمين، أحبُّوا دين الإسلام، وسارعوا إلى الدخول فيه عن قناعة ويقين. وتأمل إلى أحوال أهل الإيمان، كيف كانوا يقابلون أذى الجيران: عن الحسن بن علي رضي الله عنهما: "أن جاره اليهودي انخرق جداره إلى منزل الحسن، فصارت النجاسة تنزل في داره، واليهودي لا يعلم بذلك، فدخلت زوجته يومًا فرأت النجاسة قد اجتمعت في دار الحسن، فأخبرت زوجها بذلك، فجاء اليهودي إليه معتذرًا، فقال: أمرني جَدي صلى الله عليه وسلم بإكرام الجار، فأسلم اليهوديُّ"، وقال الحسن البصري: "ليس حسن الجوار كفَّ الأذى عن الجار، بل حسن الجوار الصبر على أذى الجار"، وقال صلى الله عليه وسلم: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُحسن إلى جاره، ومن آذى جاره حرَّم الله عليه الجنة))[11]. الإمام أبو حنيفة رحمه الله وجاره: من المشهور عن مروءته ووفائه ورعايته حقُّ الجوار، ومن جميل أخلاقه رحمه الله ما رُوي أنه كان له جار بالكوفة إسكاف، يعمل نهاره أجمع، حتى إذا جنَّه الليل رجع إلى منزله، وقد حمل معه لحمًا فطبخه أو سمكة فشواها، ثم لا يزال يشرب حتى إذا دبَّ الشراب فيه غنَّى بصوت، وهو يقول: أضاعوني وأي فتًى أضاعوا ![]() ليوم كريهةٍ وسداد ثغرِ ![]() ![]() ![]() فلا يزال يشرب ويردد هذا البيت، حتى يأخذه النوم، وكان أبو حنيفة يصلي الليل كله، ففقد صوته، فسأل عنه، فقيل: أخذه العسس منذ ليالٍ، وهو محبوس، فصلى أبو حنيفة صلاة الفجر من غدٍ، وركب بغلة، واستأذن على الأمير، فقال: ائذنوا له، وأقبِلوا به راكبًا، ولا تدَعوه ينزل حتى يطأ البساط، ففعل، فلم يزل الأمير يوسع في مجلسه، وقال: ما حاجتك؟ قال: لي جار إسكاف، أخذه العسس منذ ليالٍ، ويأمر الأمير بتخليته، فقال: نعم، وكل من أُخذ في تلك الليلة إلى يومنا هذا، فأمر بتخليتهم أجمعين، فركب أبو حنيفة، والإسكاف يمشي وراءه، فلما نزل أبو حنيفة مضى إليه، فقال: يا فتى، هل أضعناك؟ فقال: لا، بل حفظتَ ورعيتَ، جزاك الله خيرًا عن حرمة الجوار ورعايته، وتاب الرجل، ولم يعُد إلى ما كان عليه، ببركة الإمام رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وجعل الجنة متقلبه ومثواه، ونفعنا ببركاته وبركات علومه في الدنيا والآخرة[12]. وإذا نظرنا إلى أحوال أهل الجاهلية، لرأينا كيف أنهم رغم كفرهم وشركهم، كانوا يحمون ويدافعون عن الجار في حضوره وفي غيابه، فهذا عنترة المشرك يتغنى بمكارم الأخلاق التي تحلَّى بها مع جيرانه: وإني لأحمي الجار من كل ذلة ![]() وأفرح بالضيف المقيم وأبهجُ[13] ![]() ![]() ![]() جمال وروعة الإحسان إلى الجار وإن كان من غير الإنسان: بل لقد غالى العرب وبالغوا في المحاماة عن الجار؛ إذ لم تتوقف محاماتهم عن الجار الإنسان، بل لقد تعدَّوا ذلك، فأجاروا ما ليس بإنسان إذا نزل حول بيوتهم، حتى ولو كان لا يعقِل ولا يستجير؛ مبالغةً في الكرامة والعزة، وتحديًا لأحدٍ أن يُخفِر الجوارَ. حق الجوار حتى مع النمل: لقد تجلى الجمال - جمال الأخلاق - مع معرفة حقوق غير الآدميين فحفِظوا جوارهم، وبسطوا فضلهم، وحموا جوارهم، فكانوا صورة مشرقة لذلك الدين. كان عدي بن حاتم الطائي صحابيًّا، روى عن النبي ستة وستين حديثًا، وكان إذا ركب فرسه تخُطُّ رجلاه بالأرض، وكان يفتُّ الخبز لمن جاوره من النمل ويقول: "علينا حق الجوار"؛ حكاه النووي في تهذيب الأسماء واللغات[14]. مجير الجراد: وكان أبو حنبل يُقال له "مجير الجراد"، وذلك أنه نزل عليه جراد بفنائه، فعدا الحي إليه فقال لهم: إلى أين؟ فقالوا: أردنا جيرانك جرادًا نزل بفنائك، فقال: أما إذ سميتموه جاري فلا تصلون إليه أبدًا، فأمر قومه أن يسلوا سيوفهم ويمنعوه؛ وفيهم يقول الشاعر: ومنا ابن مر أبو حنبل ![]() أجار من الناس رجل الجراد[15] ![]() ![]() ![]() ومنهم من قضى على من قتل حمامة مجاوِرةً للرجل بالدِّيَة: قدم زياد الأعجم خراسانَ على المهلب، فنزل على حبيب بن المهلب، فجلسا على شراب لهما، وفي الدار شجرة عليها حمامة فجعلت تدعو، فقال زياد الأعجم [من الوافر]: ![]() فإما يقتلوك طلبت ثأرًا ![]() بقتلهم لأنك في جواري ![]() فأخذ حبيب سهمًا فرماها فقتلها، فقال زياد: قتلت جارتي، بيني وبينك المهلب، فأتى المهلب فقال: يا حبيب، ادفع إلى أبي أمامة دية جاره ألف دينار كاملة، فقال حبيب: إنما كنت ألعب، فقال المهلب: ليس مع هذا لعب، جاره جاري بل هو أفضل، فدفع إليه ألف دينار، فقال زياد [من الطويل]: فلله عينا من رأى كقضية ![]() قضى لي بها شيخ العراق المهلبُ ![]() قضى ألف دينار لجار أجرته ![]() من الطير حضان على البيض يتعبُ ![]() رماه حبيب بن المهلب رمية ![]() فأنفذه بالسهم والشمس تغربُ ![]() فألزمه عقل القتيل "ابن حرة" ![]() فقال حبيب: إنما كنت ألعبُ ![]() فقال زياد: لا يروع جاره ![]() وجاره جاري بل من الجار أقربُ ![]() فبلغ الحجاج فقال: "ما أخطأت العرب حين جعلت المهلب رجلها"[16]. لا يُحَب أحدٌ لحسنه وجماله فقط، بل لِما فيه من الإيمان وكريم الخِلال: قال شيخ الإسلام: "وليس في دين الله محبة أحد لحسنه قط؛ فإن مجرد الحسن لا يُثيب الله عليه ولا يُعاقب، ولو كان كذلك كان يوسف عليه السلام لمجرد حسنه أفضل من غيره من الأنبياء لحسنه، وإذا استوى شخصان في الأعمال الصالحة، وكان أحدهما أحسن صورةً، وأحسن صوتًا، كانا عند الله سواءً؛ فإن ((أكرم الخلق عند الله أتقاهم))، يعم صاحب الصوت الحسن والصورة الحسنة، إذا استعمل ذلك في طاعة الله دون معصيته، كان أفضل من هذا الوجه، كصاحب المال والسلطان، إذا استعمل ذلك في طاعة الله دون معصيته؛ فإنه بذلك الوجه أفضل ممن لم يشركه في تلك الطاعة، ولم يمتحن بما امتحن به حتى خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى، ثم ذلك الغير إن كان له عمل صالح آخر يساويه به، وإلا كان الأول أفضل مطلقًا"[17]. [1] أخرجه الطبراني في الأوسط، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1743). [2] فيض القدير (2/ 224). [3] انظر: تفسير البغوي معالم التنزيل (2/310، 211)، وزاد المسير لابن الجوزي (2/78 – 81)، وجامع العلوم والحكم (1/437، 438)، وفتح القدير للشوكاني (4/464 – 465). [4] أخرجه أحمد ح 26055، والبخاري ح 6014، ومسلم ح 2625. [5] عمدة القاري شرح صحيح البخاري (32/ 197). [6] أخرجه أحمد ح 8842، ومسلم ح 46. [7] أخرجه البخاري ح 6136. [8] أخرجه أحمد ح 16421، والبخاري ح 6019، ومسلم ح 47. [9] شرح متن الأربعين النووية للشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ. [10] أخرجه أحمد 2/160، والبخاري في الأدب المفرد (105)، وأبو داود (5112)، والترمذي (943) وقال: حسن غريب. [11] نزهة المجالس ومنتخب النفائس (1/ 209). [12] الطبقات السنية في تراجم الحنفية (1/ 34)، أخبار أبي حنيفة (1/ 51)، الأغاني (1/ 399)، تاريخ بغداد (13/ 363)، تراجم شعراء الموسوعة الشعرية (1/ 740)، تهذيب الأسماء (1/ 674)، طبقات الحنفية (2/ 249)، إعلام الناس بما وقع للبرامكة (1/ 127)، العقد الفريد (2/ 393). [13] ديوان عنترة ص 37. [14] نزهة المجالس ومنتخب النفائس (1/ 209). [15] محاضرات الأدباء (1/ 122)، التذكرة الحمدونية (1/ 183)، المستقصى في أمثال العرب (1/ 88)، حماسة القرشي (1/ 2)، ربيع الأبرار (1/ 66)، مجمع الأمثال (1/ 221)، والجوار عند العرب ص 18. [16] مختصر تاريخ دمشق (7/ 485)، والأغاني (15/ 374)، والتذكرة الحمدونية (1/ 184)، والمستجاد من فعلات الأجواد (1/ 58)، ولباب الآداب لأسامة بن منقذ (1/ 77). [17] الاستقامة (ج1/ ص 349).
__________________
|
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |