{ألم نخلقكم من ماء مهين} - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 5107 - عددالزوار : 2369399 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4694 - عددالزوار : 1668223 )           »          المبسوط فى الفقه الحنفى محمد بن أحمد السرخسي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 236 - عددالزوار : 16831 )           »          6 معطرات جو طبيعية لكل غرفة فى المنزل.. روائح منعشة وآمنة تدوم طويلاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          5 أنشطة لأطفالك لمساعدتهم على التعلم من خلال اللعب.. خليهم ينبسطوا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          طريقة عمل طاجن البسبوسة بالمكسرات.. دلعى أولادك وضيوفك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          بلاش نزول من غير فطار.. 6 وجبات صحية خفيفة تمنحك الطاقة والرشاقة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          روتين العناية بالشفاه فى 3 خطوات لابتسامة ساحرة فى الشتاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          4 وصفات طبيعية تخلصك من القشرة من غير ما تنشف شعرك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          5 خطوات بسيطة تساعدك على المذاكرة أولاً بأول وتمنع تراكم الدروس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم يوم أمس, 01:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 167,837
الدولة : Egypt
افتراضي {ألم نخلقكم من ماء مهين}

﴿ أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ﴾

د. خالد النجار

قال تعالى في سورة المرسلات: ﴿ أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ * فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ[المرسلات: 20 - 24].


﴿ أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ﴾ للابتداء؛ لأن تكوين الإنسان نشأ من ذلك الماء، كما تقول: هذه النخلة من نواة.

﴿ مَاءٍ مَهِينٍ ﴾ من نطفة ضعيفة، من مَهُنَ؛ إِذَا ضَعُفَ، وليس هو من مادة «هَانَ»، وهذا الوصف كناية عن عظيم قدرة الله تعالى، إذ خلق من هذا الماء الضعيف إنسانًا شديد القوة عقلًا وجسمًا.

والآية تقرير جيء به على طريقة تعداد الخطاب في مقام التوبيخ والتقريع.

وقد جاء هنا التقرير على ثبوت الإيجاد بعد العدم إيجادًا متقنًا دالًّا على كمال الحكمة والقدرة ليفضي بذلك التقرير إلى التوبيخ على إنكار البعث والإعادة، وإلى إثبات البعث بإمكانه إعادة الخلق كما بدئ أول مرة، وكفى بذلك مرجحًا لوقوع هذا الممكن؛ لأن القدرة تجري على وفق الإرادة بترجيح جانب إيجاد الممكن على عدمه.

﴿ فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ﴾؛رحم استقر فيها فتمكن،وقد بيَّن تعالى أنه الرحم بقوله تعالى: ﴿ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [الحج: 5].

﴿ إِلَى قَدَرٍ ﴾ بفتح الدال: المقدار المعين المضبوط، ﴿ مَعْلُومٍ ﴾ وقت معلوم لخروجه من الرحم؛ هو مدة الحمل إلى السقط أو الولادة، فهي أقدار مختلفة وآجال مسماة.

﴿ فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ ﴾ قرئ بالتخفيف والتشديد؛ أي: فقدَرنا على ذلك أو قدرناه.

فيه التمدح بالقدرة على ذلك، وهو حق ولا يقدر عليه إلا الله جل شأنه، كما جاء في قوله: ﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ[الواقعة: 58، 59].

والجمع للتعظيم، مثل نون ﴿ فَقَدَرْنَا ﴾، فإن القدرة لما أتت بما هو مقتضى الحكمة كانت قدرة جديرة بالمدح.

﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴾ بقدرته تعالى على ذلك، أو على الإعادة.

﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا * وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ[المرسلات: 25 - 28].

﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا ﴾ وعاء، تقول: هذا كَفْتُ هذا، وَكَفِيتُهُ إذا كان وعاءهُ، والكفت الضم.

﴿ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا ﴾؛أي: ألم نجعل الأرض كفات أحيائكم وأمواتكم، تكفت أحياءكم في المساكن والمنازل، فتضمهم فيها وتجمعهم، وأمواتكم في بطونها في القبور فيدفنون فيها؟ قال الشعبي: بطنها لأمواتكم، وظهرها لأحيائكم.

﴿ وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ ﴾ جبالًا شاهقات مرتفعات أرسى بها الأرض لئلا تميد وتضطرب.

﴿ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا ﴾ عذبًا زُلالًا من السحاب، أو مما أنبعه الله من عيون الأرض.

﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴾،ويلٌ لمن تأمل هذه المخلوقات الدالة على عظمة خالقها، ثم بعد هذا يستمر على تكذيبه وكفره.

﴿ انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ * انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ * لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ * إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ * كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ[المرسلات: 29 - 34].

﴿ انْطَلِقُوا ﴾ يقال لهؤلاء المكذبين بهذه النعم، وبالمعاد والجزاء، والجنة والنار، يقال لهم يوم القيامة: ﴿ انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴾ جهنم، أو تكذبون عذاب الله للكفرة والفجرة.

﴿ انْطَلِقُوا ﴾ تكرير لقصد التوبيخ أو الإهانة والدفع،﴿ إِلَى ظِلٍّ ﴾ دخان جهنم لكثافته، فعبر عنه بالظل تهكمًا بهم؛ لأنهم يتشوقون ظلًّا يأوون إلى برده.

وأفرد ﴿ ظِلٍّ ﴾ هنا؛ لأنه جعل لهم ذلك الدخان في مكان واحد؛ ليكونوا متراصين تحته؛ لأن ذلك التراص يزيدهم ألمًا.

﴿ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ ﴾ فِرَق، وذلك دخان جهنم المرتفع من وقودها، إذا تصاعد تفرَّق شعبًا ثلاثًا؛ لعظمه.

قال الشهاب: فيه استعارة تهكمية؛ لتشبيه ما يعلو من الدخان بالظل، وفيه إبداع؛ لأن الظل لا يعلو ذا الظل.

﴿ لَا ظَلِيلٍ ﴾؛الظليل: القوي في ظلاله؛ أي: ليس هو مثل ظل المؤمنين، كما قال تعالى: ﴿ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا[النساء: 57]، وفي هذا تحسير لهم، وهو في معنى قوله تعالى: ﴿ وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ[الواقعة: 43، 44]؛ أي: وظل من دخان شديد السواد، وهو تهكم بهم؛ لأن الظل لا يكون إلا ظليلًا؛ أي: مظللًا؛ فنفيه عنه للدلالة على أن جعله ظلًّا تهكم بهم، ولأنه ربما يتوهم أن فيه راحة لهم، فنفي هذا الاحتمال بقوله:﴿ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ ﴾ لا يرد عنهم من لهب النار شيئًا؛ والمعنى: أنه لا يظلهم من حرها، ولا يكنهم من لهبها، وبذلك سلب عن هذا الظل خصائص الظلال؛ لأن شأن الظل أن ينفس عن الذي يأوي إليه ألم الحر.

﴿ إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ ﴾ تقذف كل شررة كالقصر في عظمها، والقصر واحد القصور، قال ابن جرير: العرب تشبه الإبل بالقصور المبنية، ولم يقل: كالقصور، والشرر جمع، كما قيل: ﴿ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ[القمر: 45]، ولم يقل: "الأدبار"؛ لأن الدبر بمعنى الأدبار؛ وذلك توفيقًا بين رؤوس الآي ومقاطع الكلام؛ لأن العرب تفعل ذلك كذلك، وبلسانها نزل القرآن.

﴿ كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ ﴾ جمع جمل، ونظيرهُ: رجال ورجِالات، ﴿ صُفْرٌ ﴾ في لونها، فإن الشرار بما فيه من النارية يكون أصفر، وقيل: صُفْر؛ أي: سود.

قال قتادة وغيره: أي كالنوق السود، واختاره ابن جرير زاعمًا أنه المعروف من كلام العرب.

﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴾ تكرير لقصد تهديد المشركين الأحياء.

﴿ هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ * وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ * فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ[المرسلات: 35 - 40].

﴿ هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ ﴾ لا يتكلمون بحجة، أو في وقت من أوقاته؛ لأنه يوم طويل ذو مواقف ومواقيت وحالات. أو جعل نطقهم بلا نطق؛ لأنه لا ينفع ولا يسمع فلا ينافي آيات:
﴿ وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ﴾ [الأنعام: 23].
﴿ وَلَا يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثًا ﴾ [النساء: 42].
﴿ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ ﴾ [الزمر: 31].

﴿ وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ ﴾ لا يمهد لهم الإذن في الاعتذار، لعدم قبول معذرتهم بقيام الحجة عليهم. وإنما لم يقل: فيعتذروا؛ محافظة على رؤوس الآي.

واعلم أنه لا تعارض بين هذه الآية وبين الآيات التي جاء فيها ما يقضي أنهم يعتذرون؛ نحو قوله تعالى: ﴿ قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ ﴾ [غافر: 11]؛ لأن وقت انتفاء نطقهم يوم الفصل.

وأما نطقهم المحكي في قوله: ﴿ رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ ﴾ فذلك صراخهم في جهنم بعد انقضاء يوم الفصل، وبنحو هذا أجاب ابن عباس نافع بن الأزرق حين قال نافع: إني أجد في القرآن أشياء تختلف علي، قال الله ﴿ وَلا يَتَسَاءَلُونَ ﴾ [المؤمنون: 101]، وقال ﴿ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ ﴾ [الصافات: 27]، فقال ابن عباس: لا يتساءلون في النفخة الأولى حين نفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض، فلا يتساءلون حينئذٍ، ثم في النفخة الثانية أقبل بعضهم على بعض يتساءلون.

﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴾ تكرير لتهديد المشركين.

﴿ هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ ﴾ الحق بين العباد﴿ جَمَعْنَاكُمْ ﴾ حشرناكم فيه﴿ وَالْأَوَّلِينَ ﴾ من الأمم الهالكة؛ كما قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ ﴾ [الواقعة: 49- 50].

﴿ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ ﴾ احتيال للتخلُّص من العذاب﴿ فَكِيدُونِ ﴾ فكان تخلصًا إلى توبيخ الحاضرين على ما يكيدون به للرسول- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وللمسلمين، وأن كيدهم زائل، وأن سوء العقبى عليهم؛ كقوله تعالى: ﴿ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا ﴾ [الطارق: 15-17].

قال الزمخشري: "تقريع لهم على كيدهم لدين الله وذويه، وتسجيل عليهم بالعجز والاستكانة".

فالأمر للتعجيز، والشرط للتوبيخ والتذكير بسوء صنيعهم في الدنيا، والتسجيل عليهم بالعجز عن الكيد يومئذٍ حيث مكنوا من البحث عما عسى أن يكون لهم من الكيد، فإذا لم يستطيعوه بعد ذلك، فقد سجل عليهم العجز، وهذا من العذاب الذي يعذبونه؛ إذ هو من نوع العذاب النفساني، وهو أوقع على العاقل من العذاب الجسماني.

﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴾ الذين لا حيلة لهم في دفع العقاب.

﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ * وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ[المرسلات: 41 - 50].

﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ ﴾ الذين اتقوا عقاب الله بأداء فرائضه واجتناب معاصيه.. والتعريف في ﴿ الْمُتَّقِينَ ﴾ للاستغراق، فلكل واحد من المتقين كون في ظلال.

﴿ فِي ظِلَالٍ ﴾ وهي ظلال كثيرة لكثرة شجر الجنة كثرة المستظلين بظلها، ولأن لكل واحد منهم ظلًّا يتمتع فيه هو ومن إليه، وذلك أوقع في النعيم.

﴿ وَعُيُونٍ ﴾ أنهار تجري خلال الأشجار.

﴿ وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ ﴾ يرغبون.. والتبعيض الذي دلَّ عليه حرف «من» تبعيض من أصناف الشهوات لا من أصناف الفواكه، فأفاد أن تلك الفواكه مضمومة إلى ملاذ أخرى مما اشتهوه.

﴿ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ والمقصود من ذلك القول كرامتهم بعرض تناول النعيم عليهم كما يفعله المضيف بضيوفه.

والباء في ﴿ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ للسببية؛ أي: كلوا واشربوا بسبب ما كنتم تعملون في الدنيا من الأعمال الصالحة، وذلك من إكرامهم بأن جعل ذلك الإنعام حقًّا لهم.

﴿ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ في طاعتهم وعبادتهم وعملهم.. مقال مسوق إليهم في مساق زيادة الكرامة بالثناء عليهم؛ أي: هذا النعيم الذي أنعمت به عليكم هو سنتنا في جزاء المحسنين.

ولم يقل: "نجزي العاملين" مما يشعر بأن الجزاء إنما هو على الإحسان في العمل لا مجرد العمل فقط، فالغاية من التكليف إنما هي الإحسان في العمل ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا[الملك: 1، 2].

﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴾ جملة مقابلة ذكر نعيم المؤمنين المطنب في وصفه بذكر ضده للمشركين بإيجاز حاصل من كلمة ﴿ وَيْل ﴾ لتحصل مقابلة الشيء بضده، ولتكون هذه الجملة أيضًا تأكيدًا لنظائرها.

﴿ كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ ﴾ حظكم حظ من أجرم، وهو الأكل والتمتُّع أيامًا قلائل في الدنيا، ثم البقاء في الهلاك أبدًا.

كما قال تعالى: ﴿ نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ ﴾ [لقمان: 24]، ﴿ لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ [آل عمران: 196-197].

﴿ قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ[يونس: 69، 70].

﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴾ هو مثل نظيره المذكور في هذه السورة، ويزيد على ذلك ترقب سوء عاقبة لهم، فيقع هذا القول موقع البيان؛ أي: كلوا وتمتعوا قليلًا الآن، وويل لكم يوم القيامة.

﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا ﴾ اخضعوا لهذا الحق الذي نزل، وتواضعوا لقبوله، واخشعوا لذكره.

﴿ لَا يَرْكَعُونَ ﴾ لا يخضعون ولا ينقادون ولا يقبلون، تجبُّرًا واستكبارًا.

أو إذا أمر هؤلاء الجهلة من الكفار أن يكونوا من المصلين مع الجماعة، امتنعوا من ذلك واستكبروا عنه.. ينعى عليهم مخالفتهم المسلمين في الأعمال الدالة على الإيمان الباطن فهو كناية عن عدم إيمانهم؛ لأن الصلاة عماد الدين.

وهذه الآية الكريمة من آيات الاستدلال على أن الكفار مؤاخذون بترك الفروع، وتقدم التنبيه على ذلك مرارًا، والمهم هنا أن أكثر ما يأتي ذكره من الفروع هي الصلاة مما يؤكد أنها هي بحق عماد الدين.

﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴾ الذين كذبوا رسل الله، فردوا عليهم ما بلغوا من أمر الله إياهم ونهيه لهم. وتكرير آية ﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴾ للتأكيد، وهو من المقاصد الشائعة.

وقيل: لا تكرار؛ لاختلاف متعلق كل منهما.

﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ﴾؛أي: بعد هذا القرآن، إذا كذبوا به، مع وضوح برهانه وصحة دلائله، في أنه حق منزل من عنده تعالى؛ كقوله تعالى: ﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الجاثية: 6].

والفاء فصيحة [وهي التي تستخدم في موضع يحذف فيه كلام أو شرط، لكنها تفصح وتدل عليه] تنبئ عن شرط مقدر تقديره: إن لم يؤمنوا بهذا القرآن فبأي حديث بعده يؤمنون، وقد دلَّ على تعيين هذا المقدر ما تكرر في آيات ﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴾ [المرسلات: 49]، فإن تكذيبهم بالقرآن وما جاء فيه من وقوع البعث.

والاستفهام مستعمل في الإنكار التعجيبي من حالهم؛ أي: إذا لم يصدقوا بالقرآن مع وضوح حجته، فلا يؤمنون بحديث غيره.

والمقصود أن القرآن بالغ الغاية في وضوح الدلالة ونهوض الحجة، فالذين لا يؤمنون به لا يؤمنون بكلام يسمعونه عقب ذلك.

وليس المعنى أنهم يؤمنون بحديث جاء قبل القرآن مثل التوراة والإنجيل وغيرهما من المواعظ والأخبار، بل المراد أنهم لا يؤمنون بحديث غيره بعد أن لم يؤمنوا بالقرآن؛ لأنه لا يقع إليهم كلام أوضح دلالة وحجة من القرآن.

وفيه تنبيه على أنه لا حديث يساويه في الفضل أو يُدانيه، فضلًا عن أن يفوقه ويعلوه، فلا حديث أحق بالإيمان منه.

قال ابن أبي حاتم: عن إسماعيل بن أمية: سمعت رجلًا أعرابيًّا بَدَويًّا يقول: سمعت أبا هريرة يرويه إذا قرأ: ﴿ وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا ﴾ فقرأ: ﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ﴾ ؟ فليقل: آمنت بالله وبما أنزل.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 92.35 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 90.63 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.86%)]