|
|||||||
| الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
|
التوحيد .. أساس النهضة وسرّ الحياة
إعداد: محمد عبدالله في زحام الأزمات التي تعصف بعالمنا الإسلامي، وتعدّد الوصفات الاقتصادية والسياسية والأمنية للخروج منها، يغيب عن كثير من الخطابات أصلُ الأصول ومحورُ النهوض الحقيقي ألا وهو: توحيد الله -عز وجل- في الاعتقاد والعبادة والمنهج؛ فالتوحيد في الإسلام ليس حالة إيمانية فردية معزولة؛ بل هو الإطار الكلي الذي يشكّل رؤية الإنسان للوجود، ويضبط علاقته بنفسه وبالآخرين وبالكون والحياة، ومن هنا كان حفظ الدين في صدارة مقاصد الشريعة؛ لأنه الأساس الذي تقوم عليه بقية الضرورات من: حفظ النفس والعقل والمال والنسل، وذلك مصداقا لقوله -تعالى-: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}. التوحيد أساس الحياة: التوحيد هو الأساس الأول الذي تُبنى عليه العبادة وصلاح الفرد والمجتمع؛ فلا تُقبل طاعة ولا يستقيم منهج حياة إلا بعقيدة خالصة تُفرد الله -تعالى- بالربوبية والألوهية والأسماء والصفات، وكل خلل في التوحيد ينعكس اضطرابًا في النفس والسلوك، ثم يمتد أثره إلى الأسرة والمجتمع. معنى التوحيد ومكانته: التوحيد يعني ببساطة: إفراد الله بالعبادة، والإيمان بأن الله وحده هو الخالق الرازق المدبر، وهو وحده المستحق للعبادة والدعاء والخوف والرجاء، وهو جوهر الدين ومحور الرسالات السماوية، ومن أجله خُلِق الإنسان، ولا يصح إسلام شخص إلا بتحقيق شهادة «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، ولا شك أن قبول الأعمال والطاعات مرهون بصحة التوحيد؛ فمع فساد العقيدة أو وجود الشرك لا تنفع الأعمال مهما كثرت. أثر التوحيد في إصلاح الفرد: التوحيد يحرّر الإنسان من الخضوع للشهوات أو البشر أو غيرها من الأمور، ويجعله عبدًا لله وحده يتمتع بالكرامة والثبات على الحق، كما إنه يورث الطمأنينة والإيمان بالقضاء والقدر، فيمنح العبد السكينة والرضا وحسن التوكل؛ كما يحمي من الانحرافات الفكرية والسلوكية؛ لأن الموحد يستحضر مراقبة الله في السر والعلن؛ فيرتقي سلوكه ويستقيم عمله. التوحيد وبناء الأخلاق: الإيمان بأسماء الله وصفاته يغرس في القلب الرقابة والخشية، فيبعد المسلم عن الظلم والخيانة وسوء السلوك، وتوحيد الألوهية يحول العبودية إلى منهج عملي منضبط، فتكون الطاعة والالتزام نابعين من التعظيم لله لا من العرف أو العادة، ومن ثمراته قوة الثبات أمام الفتن والشهوات، وتعظيم الله ومحبة طاعته. أثر التوحيد في إصلاح المجتمع: صلاح المجتمع يبدأ من صلاح أفراده؛ فإذا صحّت عقيدتهم سادت الأخلاق الفاضلة وانتشر العدل والأمانة، والتوحيد يوحّد المرجعية العليا، فيكون التشريع لله، فيستقيم ميزان القوانين والأعراف على هدي الوحي. كما يضعف العصبيات الجاهلية ويعزز رابطة الإيمان، ويكون أساس النصر والتمكين ورفع البلاء ونزول البركات. حقيقة التوحيد: إن المسلم حين ينطق ويقرّ بكلمة التوحيد: لا إله إلا الله، فإنه لا يردد عبارةً تعبّدية مجرّدة فحسب؛ بل يعلن مرجعيته، وانتماءه العقدي، وميزان قيمه وسلوكه لله وحده.. إنها كلمة تحرّر قبل أن تكون كلمة عبودية لله؛ لأنها تعصم النفس والقلب من تقديس أي شي عدا الخالق -سبحانه وتعالى- حتى لا يقع الإنسان في نطاق قوله -تعالى-: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ}، وكذلك قوله -سبحانه-: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ}. وقد لخّص النبي - صلى الله عليه وسلم - رسالة الإسلام كلها في هذه القضية حين قال لمعاذ - رضي الله عنه - عندما أرسله إلى اليمن للدعوة إلى الله: «فليكن أول ما تدعوهم إليه أن يشهدوا ألا إله إلا الله». التوحيد أصل الصلاح والإصلاح: لا شك أن أصل الإصلاح في الإسلام يبدأ من تصحيح التوحيد قبل أي مشروع سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي، وإن ما تعانيه بعض المجتمعات اليوم من فساد واستغلال للإنسان والثروات، ليس بعيدًا عن أنواع من الشرك الظاهر أو الخفي، حين تُقدَّم إرادة البشر، وأحيانا المصالح المادية، أو منطق السوق، على شرع الله، وهذا مخالف للتوجيه الرباني الخالد: {إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيّاهُ} ؛ فالعبودية لله سرّ الحياة، والفوز بالجنة هدفها، والعقيدة الصحيحة هي التي تصنع إنسانًا حرًّا كريمًا؛ لأنه يعلم أن رزقه بيد الله لا بيد فلان مهما علا شأنه في الدنيا، وأن مستقبله بيد ربه لا بيد أحد، كما قال -تعالى-: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ}، وقوله -سبحانه-: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيان حقيقة الرزق وأنه من الله -عز وجل-: «لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير». وإن مثل هذا اليقين ليحّرر النفس من التعلّق القاصر بالمناصب والوجاهات، ويزرع فيها الشجاعة والتوكل على الله وحده؛ لأنه -سبحانه- وحده النافع والضارّ، والرازق والمهمين، والقوي المتين العزيز الجبّار المتكبر، وله الكون كله والخلق كله، وبيده مقاليد السموات والأرض. فضائل التوحيد:
التوحيد مفتاح النصر: وتاريخ الأمة شاهد على أن أعظم لحظات العزة والفتح والعمران جاءت بعد لحظات صادقة من تجديد التوحيد، حين تُصفّى العقائد من البدع والخرافات والشركيات، ويعود الناس إلى نقاء الإيمان، فتنهض حركة العلم والجهاد والبناء، وتفتح الأمصار ويتحقق الاستخلاف لأهل الإيمان كما قال -تعالى-: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ}؛ فجعل الاستخلاف مرتبطًا بالإيمان والعمل الصالح. ومقتضى التوحيد الحق أن تكون المرجعية العليا لله وحده في كل الأمور وشؤون الحياة، كما قال -تعالى-: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}، وهذا لا يعني إلغاء العقل أو تعطيل الاجتهاد، بل توجيهه ضمن مرجعية الوحي ومقاصد الشريعة التي جاءت لتحقيق العدل والرحمة والمصلحة لجميع الخلق، ودفع المفاسد وجلب المصالح، كما قال -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} وإن كل مشروع إصلاحي أو تنموي أو اقتصادي أو اجتماعي ينفصل عن عقيدة التوحيد، قد يحقق مكاسب جزئية مؤقتة، لكنه -من حيث لا يشعر- يُسهم في ترسيخ عبوديات جديدة للإنسان أو للسوق أو للتقنية؛ ولذلك قال -تعالى- محذرًا: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ}. التوحيد والقيم المستدامة: ومن زاوية الاستدامة المجتمعية، فإن التوحيد يرسخ منظومة قيم عملية عميقة تقوم على القيم الإيمانية التالية:
نواقض التوحيد وأدلتها الشرعية:
مركزية التوحيد: وإن إعادة التوحيد إلى مركز الخطاب الإصلاحي ليس ترفًا وعظيًا ولا خطابًا تقليدًا، بل هي ضرورة استراتيجية لنهضة الأمة؛ فالمطلوب ليس الاكتفاء بدروس نظرية في أقسام التوحيد والأسماء والصفات - على أهميتها - وإنما تحويل روح التوحيد إلى رؤية حضارية شاملة تدخل المدرسة والجامعة والإعلام والسوق والاقتصاد وغيرها؛ بحيث تُربّي الأجيال على أن كرامتهم الحقيقية تكمن في عبوديتهم لله وحده، قال -تعالى-: { وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}، وحين تفهم الأمة توحيدها بهذا العمق، يصبح طريق النهوض أوضح وأقصر، وتستعيد مكانتها أمة شاهدة على الناس، لا مجرد تابعة في فكرها واقتصادها وأنماط عيشها، قال -تعالى-: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}.. إنها الوسطية والتيسير والشهادة بالحق والرؤية الكونية المستدامة لتحقيق خيري الدنيا والآخرة؛ بتوحيد الله -عز وجل- بأسمائه وصفاته، والعمل بمقتضى ذلك التوحيد بما يصلح أحوال الناس ويحقق لهم البركة والنماء.
اعداد: المحرر الشرعي
__________________
|
![]() |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |