|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() من معاني اليقين في القرآن الكريم د. حسام العيسوي سنيد المقدمة: اليقين خُلق مقصود، ومرغوب من المسلم التخلُّق به؛ فهو علامة الإيمان، ودليل للتعامل الحق مع تعاليم الله وتشريعاته، كما أنه خلق من أخلاق الأنبياء والمرسلين، ينبغي تقليدهم فيه، واتباعهم فيما أخبروا عنه، وتحلَّوا به. والقرآن الكريم مليء بالآيات القرآنية التي تتحدث عن معاني هذا الخلق: 1- اليقين والإيمان بالغيب: من معاني اليقين: أن يؤمن المسلم بما أخبر الله به من أمور الغيب، ويوقِن بتحققه، وعدم تخلفه. قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ﴾ [البقرة: 3، 4]. فالغيب في الآية: "ما غاب عن الحواس، وكل شيء مستور فهو غيب: كالجنة، والنار، والحشر، والنشر"[1]. وقد جعل الله تبارك وتعالى الإيمان بالغيب في الآية أول صفات المتقين؛ لأنه الأساس لما بعده؛ فلا صلاة، ولا زكاة، بدون الإيمان بالله وبما أخبر به. روى الطبراني بسند ضعيف عن الحارث بن مالك الأنصاري رضي الله عنه، قال: ((مر حارثة برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: كيف أصبحت يا حارثة؟ قال: أصبحت مؤمنًا حقًّا، قال: انظر ماذا تقول، فإن لكل شيء حقيقة، فما حقيقة إيمانك؟ قال: عزفت نفسي عن الدنيا؛ فأسهرت ليلي، وأظمأت نهاري، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزًا، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورن فيها، وكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغَون[2] فيها، فقال: عرفت - يا حارثةُ - فالزم)). ولقد بلغ الإيمان ببعض الصحابة إلى درجة قال فيها: "لو كُشف عني الحجاب، لَما ازددت يقينًا"[3]. 2- اليقين والإيمان بحكمة الشارع: من معاني اليقين: أن نؤمن بحكمة الشارع في أحكامه وتشريعاته؛ فالله عز وجل لم يخلق شيئًا إلا لحكمة، علِمها من علمها، وجهِلها من جهلها. قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [المائدة: 94]. قال أبو حيان: "وكان الصيد مما تعيش به العرب، وتتلذذ باقتناصه، ولهم فيه الأشعار والأوصاف الحسنة"[4]. فالله تبارك وتعالى يستأثر بالحكمة في التشريع؛ حتى يعلم المحسن من المسيء، والذي يسمع ويطيع، ممن يعصي ويأبى. قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 51]. كثير من التشريعات تختفي حكمتها عن المؤمن، لكنها تنطوي تحت الحكمة الكبرى: ﴿ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ ﴾ [المائدة: 94]. يقول علي بن أبي طالب: "لو كان الدين بالرأي؛ لكان المسح على باطن الخُف أولى من ظاهره"[5]. 3- اليقين وحسن الظن بالله: من معاني اليقين: أن يُحسن المسلم الظنَّ بالله تعالى؛ فالله لا يخذل أولياءه. قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [الشعراء: 61، 62]، ﴿ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 40]. أخرج مسلم في صحيحه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يقول الله: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه)). وروى الطبراني في كتابه "الدعاء" عن طلق، يعني: ابن حبيب، قال: جاء رجل إلى أبي الدرداء، فقال: يا أبا الدرداء، احترق بيتك، فقال: ما احترق بيتي، ثم جاء آخر، فقال: يا أبا الدرداء، احترق بيتك، فقال: ما احترق بيتي، ثم جاء آخر، فقال: يا أبا الدرداء، اتبعت النار، فلما انتهت إلى بيتك طُفيت، فقال: قد علمت أن الله عز وجل لم يكن ليفعل، فقال رجل: يا أبا الدرداء، ما ندري أي كلامك أعجب؟ قولك: ما احترق، أو قولك: قد علمت أن الله عز وجل لم يكن ليفعل، قال: ذاك لكلماتٍ سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، من قالهن حين يصبح لم تُصبه مصيبة حتى يمسي، ومن قالهن حين يمسي لم تصبه مصيبة حتى يصبح: ((اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، عليك توكلت، وأنت رب العرش الكريم، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، لا حول ولا قوة إلا بالله، أعلم أن الله على كل شيء قدير، وأن الله قد أحاط بكل شيء علمًا، اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، إن ربي على صراط مستقيم)). 4- اليقين والتصديق بموعود الله: من معاني اليقين: التصديق بموعود الله؛ فقد وعد الله تبارك وتعالى عباده ببُشريات في الدنيا والآخرة: قال تعالى: ﴿ وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ﴾ [الأنفال: 7، 8]. وقد تحقق موعود الله لهذه الفئة المؤمنة: ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [آل عمران: 123]. وسوف يتحقق موعودُه لعباده في كل زمان: ﴿ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [المجادلة: 21]، ﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾ [غافر: 51]، ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 32، 33]. روى أحمد في مسنده عن تميم الداري، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ليبلغنَّ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر، إلا أدخله الله هذا الدين، بعزِّ عزيز أو بذل ذليل، عزًّا يُعز الله به الإسلام، وذلًّا يذل الله به الكفر))، وكان تميم الداري، يقول: "قد عرفت ذلك في أهل بيتي: لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعز، ولقد أصاب من كان منهم كافرًا الذل والصَّغار والجزية". أما في الآخرة: فموعود الله صادق، لا يتخلف، ولا يتأجل: قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [فصلت: 30]، ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأحقاف: 13، 14]، ﴿ وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾ [الأعراف: 44]. هذه بعض معاني اليقين الواردة في القرآن الكريم، وفي سُنة النبي صلى الله عليه وسلم، فاللهم نسألك إيمانًا لا ينفد، ويقينًا لا يرتد، وقرة عين لا تنقطع، يا رب العالمين، ويا أكرم الأكرمين. [1] الصابوني، صفوة التفاسير، (1/ 31). [2] يتضاغون: يصرخون. [3] العقائد الإسلامية، طبعةٌ خاصَّةٌ بالمؤلف، توزيع: الفتح للإعلام العربي، د. ت، ص13. [4] أبو حيان الأندلسي: البحر المحيط في التفسير، تحقيق: صدقي محمد جميل، بيروت: دار الفكر، 1420ه، (4/ 361). [5] أبو حامد الغزالي: المستصفى في علم الأصول، تحقيق: محمد بن سليمان الأشقر، ط1، بيروت: مؤسسة الرسالة، 1417ه، 1997م، (2/ 258).
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |