عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 31-05-2008, 03:49 PM
هشام الهاشمي هشام الهاشمي غير متصل
عضو نشيط
 
تاريخ التسجيل: Dec 2007
مكان الإقامة: دبــي
الجنس :
المشاركات: 114
الدولة : United Arab Emirates
افتراضي

الجنــي المسن


وهذه امرأة مُتَلَـبِّسٌ بها شيخ مسن من الجن قد علته الكَبْرَةُ ، وأفنته السنون ، وأسلمته المنون إلى انقطاع ؛ حتى سئم الحياة ، وطولها ؛ فوهن عظمه ، وخرس لسانه ، وارتجفت أوصاله ، وأخذ الموت يَدِبُّ إليه شيئاً فشيئاً ، فاجتمعت عليه الأمراض ، والأوصاب ، وتكاثرت نصالها ؛ حتى مزقت منه دثار الصبر ، وشعار العزم ؛ فأخذ من المنون وريبها يتوجع ؛ فلا يجد دواءً لوجعه ؛ إلا البكاء والعويل ، وتجد المرأة نفسها تعاني آلام الجني العجوز ، وتحمل معاناته ، وتشعر بما يشعر ، وتحس بدنو الأجل ؛ وهي لا تدري أن الذي بها ليس بها ؛ وإنما بالجني العجوز الذي بها(!)

ومن طبيب إلى طبيب ، ومن دواء إلى آخر ؛ عسى أن يذهب علتها ، ويعيد صحتها ؛ حتى آل بها الأمر أن أصبحت طريحة الفراش ؛ ترقب الموت ، ـ كما صارحتني هي بهذا ـ وقد قرر الطبيب دخولها المستشفى عسى أن تشفى ،
بعد أن أعيته علتها.

وجيء بي ؛ وبعد طرح الأسئلة التي كان من عادتي أن أطرحها على كل مريض قبل الرقية ؛ تبين لي أن بها مس جن ، وما أن قمت برشها بالماء المرقي حتى تهاوى الجني العجوز، وظهر جلياً على بدنها ، وأخذ في البكاء ، وقد سرت في بدنه رعشة الشيخوخة ، والكبر ، فأخذتني عليه الشفقة ،
وبه الرحمة.


طلبت منه الخروج ، ولاحظت أنه عندما يحاول الخروج يحرك يديه ويرفرف بهما كمن يريد الطيران ؛ ففهمت أنه من الجن الطائر ، وكلما طلبت منه الخروج فعل ذلك في محاولات يائسة أفلت شمسها ؛
فغاب عنها النجاح.

حاولت أن أحاوره ، وأكلمه ، وأراد هو ذلك فأخذت شفتاه تضطربان اضطراباً شديداً ، وأسنانه تصطك كمن هو في برد شديد ليس بخارج منه(!) أراد أن يقول شيئاً ولكن ؛ هيهات . . عبثاً يحاول ، ومستحيلاً يريد ؛ فقد حالت شيخوخته بينه وبين ما يشتهي(!) أراد أن يبثني شكوى ؛ فلم يجد لها لساناً ، خرس فوق عجز فوقه مرض وشيبة(!)

حاولت شيئاً آخر فأعطيته ورقة ، وقلماً ليكتب ؛ ولكن هيهات . .


فقد عجزت اليد عن حمل القلم ، وخانـته من بعد قوة الأصابـع ، فلم يعد من بد : أن نأتـي على ما فيه من بقية بالقرآن لتعود للمرأة عافيتها.

لهذا أخذت أرقي المرأة لأزيده ضعفاً على ضعفه ، ووهناً على وهنه ؛ فيتلاشى أثره عن المريضة.

وفعلاً كان ما أردتُ ؛ وقامت المرأة التي كانت طريحة الفراش ؛
غير مصدقة أن صحتها عادت إليها.
ــــــــــ
(1) الجنة من الجنة
.
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 15.75 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 15.14 كيلو بايت... تم توفير 0.61 كيلو بايت...بمعدل (3.87%)]