ومن الناس من حُرم السعادة الزوجية:
حُرم السعادةَ الزوجيةَ والعيشةَ الهنيئةَ، فهوَ لا يجدُ السكن النفسي، يعيشَ في قلقٍ واضطرابٍ، وشجارٍ وخصام، كم شكا هؤلاء لنا ؟ كم شكوا حياتِهم مع أزواجِهم وفي بيوتِهم ؟
يعيشُ بدونا مودةٍ ولا رحمةٍ، بدون لذة ولا متعةٍ، وبينَه وبين زوجِه وحشةً فلما كلُ ذلك ؟
قال بعضُ السلف - اسمع يا رعاك الله - قال بعضُ السلف :
( إني لأعصِ الله فأرى ذلكَ في خلقي دابتي وزوجتي).
أيها الزوجان:
ربما تحُرم السعادة الزوجية والراحة النفسيةَ بسبب الذنوبِ والمعاصي منكما أو من أحدكما.
انظرا إلى البيت وما فيه من وسائل فساد تغضب رب العباد.
انظرا إلى حرصكما على الفرائض والطاعات والاهتمام بها والصلاة في أوقاتها.
قفا مع بعضكما وستجدان أن السبب معصية الله لا شك.
قال الله تعالى : (وما أصابكم من مصيبةٍ فبما كسبت أيديكم، ويعفو عن كثير).
إنه ما من مشكلةٍ تقعُ بين زوجين إلا بمعصية أو ذنبٍ، فكم في البيوتِ من المحرومين بسبب معصيةِ ربِ العالمين ؟ وأقف هنا فقد سبق الحديث عن هذا الموضوع بدرسين بعنوان (السحر الحلال).
ومن الناس من حُرم بر الوالدين:
من المحرومين من حُرم برَ الوالدين والأنسُ بهما، والجلوسُ معهما وقضاء حوائجِهما، حُرم المسكينُ من فضلِ عبادةٍ قرنت بتوحيدِ الله عز وجل.
فقد ثنى بهما فقال: ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وبالوالدين إحسانا ).
ويدل هذا على فضلهما وعظم القيام بهما، وأسمع يا من حُرمت برهما قال (صلى الله علية وآله وسلم):
( الوالدُ أوسطُ أبوابُ الجنةَ، فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه)13
ويروى عن عبد اللهِ أبنُ المبارك أنه بكى لما ماتت أمهُ فقيل له فقال:
( إني لأعلمُ أن الموتَ حق، ولكن كان لي بابانِ للجنةِ مفتوحان فأغلقَ أحدُهما).
والنبيُ (صلى الله علية وآله وسلم) يقول :
( رغمَ أنفُ، ثم رغمَ أنفُ، ثم رغمَ أنفُ من أدركَ أبويه عند الكبرِ أحدُهما أوكلاهما فلم يدخل الجنة ).14
وقال (صلى الله علية وآله وسلم) (من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصل رحمه)15
ومن برهما ميتين الدعاء لهما وزيارة صديقهما وإنفاذ وعدهما.
إن قصص العقوق التي نسمعها لينفطر لها الفؤاد أسى، وتذوب لها النفس حسرة.
أيها المحروم برهما إن العقوق من الكبائر، بل لا يدخل الجنة عاق، ويحُرم التوفيق في الدنيا، وربما عُجلت له العقوبة، وربما ابتلي بأولاده فالجزاء من جنس العمل.
أبو هريرةَ كان لا يخرج ولا يدخل حتى يسلم على أمة وكان يحملها وينزلها فقد كانت كبيرة مكفوفة.
وابنُ الحنفيةَ يغسلُ رأسَ أمهُ ويمشُطُها ويقبلُها ويخدمُها.
وكان علي أبنُ الحسين من أبرِ الناسِ بأمه، فكان لا يأكلُ معها فسأل فقال:
( أخاف أن تسبقَ عينُها إلى شيءٍ من الطعامِ وأنا لا أعلم به فأكلُه فأكونُ قد عققتُها).
وطلبت أم مسعرٍ من ابنها ماءً في ليلةً، فجاء به إليها فوجدها نائمةً.
فوقف على رأسِها حتى الصباح.
وسألَ عمرُ أبنُ ذرٍ عن برِ ولده به فقال:
ما مشى معيَ نهاراً قط إلا كان خلفي، ولا ليلاً قط إلا كان أمامي، ولا رقى على سطح ٍ أنا تحَته.
فنستغفرَ اللهَ حالِنا مع آبائِنا، ونعوذ بالله من الحرمان.
إليك أيها السامع هذه العناوين السريعة:
أنقلها لك من رسالة صغيرة بعنوان (أبناء يعذبون أبناءهم قصص واقعيه).
أبن يتهرب من المستشفى حتى لا يتسلم والده.
آخر يتخلص من أمه فيرميها بجوار القمامة.
آخر يأتي بأبيه الذي بلغ الثمانين إلى دار النقاهة ويقول خذوا أبي عندكم وإذا أردتم شيئا اصلوا علي.
وآخر يبخل على أمه بمائة ريال ثمنا لخاتم أعجبها، بل أخذ الخاتم ورماه على طاولة البائع.
وابنة تطرد والدة من منزلها.
وأخرى غضبت لأنها علمت أن والدتها ستعيش معها.
هذه عناوين لقصص واقعية، وتفاصيلها تدمي القلوب وتقرح الأكباد. فإن لله وإنا إليه راجعون.
نعوذ بالله من حال هؤلاء. محرومون ومعذبون في الدنيا والآخرة.
اللهم اغفر لنا ولوادينا وأجزهم عنا خير الجزاء.
اللهم أعنا على برهما، اللهم ارفع درجتَهم وأسكنَهم الفردوس الأعلى برحمتك يا أرحم الراحمين.
ومن الناس من حُرم حسن الخاتمة:
نسأل الله حسنها، عجيبٌ حالك أيها المحروم، إنك تعلمُ أن الموتَ حقٌ، وأنه نهايةُ الجميعِ، مع ذلك تصرُ على حالِكَ وأنت تسمعُ هذه الكلماتُ مراراً وتكرارا.
أيها الأخُ، أيتها الأخت، ليسَ العيبُ أن نخطأ، ولكن العيبَ الاستمرار على الخطأ.
أيهما تريدُ أن تموتَ على خيرٍ أو على شر؟
أقولُ هذا لأننا نرى ونسمعُ نهايةُ بعضِ المحرومين، نسأل الله حسن الخاتمة.
قال أبنُ القيم في الجواب الكافي :
( ثم أمرُ أخوفُ من ذلك وأدهى وأمر، وهوَ أن يخونَه قلبَه ولسانَه عند الاحتضارِ، والانتقال إلى الله تعالى فربما تعذرُ عليه النطق بالشهادةِ كما شاهد الناس كثيرا من المحتضرين مما أصابهم ذلك.. إلى قوله وسبحان الله، كم شاهد الناس من هذا عبرا، والذي يخفى عليهم من أحوال المحتضرين أعظم وأعظم ).
ثم ذكر رحمه الله اليوم صورا لبعضهم منها :
قيل لبعضهم قل لا إله إلا الله فأخذ يهذي بالغناء.
وقيل لآخر قل لا إله إلا الله فقال كلما أردت أن أقولها فلساني يمسك عنها.
ونحن اليوم نشاهد ونسمع ونقرأ صورا كثيرة لسوء الخاتمة منها:
أن رجلا ذهب إلى أحد البلاد المعروفة بالفساد، وهناك في شقته شرب الخمر أعزكم الله، قارورة ثم الثانية ثم الثالثة، هكذا حتى شعر بالغثيان، فذهب إلى دورة المياه ليتقيأ.
أتدري أيها المحب ماذا حدث له؟
مات في دورة المياه، ورأسه في المرحاض أعزكم الله.
ومنها أن شابا كان لا يعرف من الإسلام إلا اسمه، وكان لا يصلي أضاع طريق الهداية، وعندما نزلت به سكرات الموت قيل له قل لا إله إلا الله، يا لها من لحظات حرجة، كربات وشدائد وأهوال.
أتدرون ماذا قال: أخذ يردد أنه كافر بها. نسأل الله حسن الخاتمة.
ومنها أن شابا حصل له حادث على إحدى الطرق السريعة.
فتوقف بعض المارة لإسعافه فوجدوه يحتضر والموسيقى الغربية تنبعث بقوة من مسجل السيارة.
فأطفئوه وقالوا له قل لا إله إلا الله، فأخذ يسب الدين ويقول لا أريد أن أصلي، لا أريد أن أصوم ومات على ذلك والعياذ بالله.
يقول أحد العاملين في مراقبة الطرق السريعة، فجأة سمعنا صوت ارتطام قوي.
فإذا سيارة مرتطمة بسيارة أخرى، حادث لا يكاد يوصف، شخصان في السيارة في حالة خطيرة.
أخرجناهما ووضعناهما ممددين، وأسرعنا لإخراج صاحب السيارة الأخرى فوجدناه قد فارق الحياة.
عدنا للشخصين فإذا هم في حالة الاحتضار، هب زميلي يلقنهما الشهادة، لكنا اللسنتهما ارتفعت بالغناء، أرهبني الموقف، وكان زميلي على عكسي يعرف أحوال الموت.
أخذ يعيد عليهما الشهادتان وهما مستمران في الغناء، لا فائدة.
ثم بدأ صوت الغناء يخفت شيئا فشيئا، سكت الأول وتبعه الثاني. فقدوا الحياة لا حراك.
يقول لم أرى في حياتي موقفا كهذا، حملناهما في السيارة وقال زميلي إن الإنسان يختم له إما بخير أو بشر بحسب ظاهره وباطنه.
قال فخفت من الموت، وأتعضت من الحادثه، وصليت ذلك اليوم صلاة خاشعة.
قال وبعد مدة حصل حادث عجيب.
شخص يسير بسيارته سيرا عاديا، وتعطلت سيارته في أحد الأنفاق المؤدية إلى المدينة.
ترجل عن سيارته لإصلاح العطل في أحد العجلات.
جاءت سيارة مسرعة فارتطمت بسيارته من الخلف، سقط مصابا إصابات بالغة فحملناه معنا في السيارة.
أتصلنا في المستشفى لاستقباله، شاب متدين في مقتبل العمر يبدو ذلك من مظهره.
عندما حملناه سمعناه يهمهم فلم نميز ما يقول، ولكن عندما وضعناه في السيارة وسرنا سمعنا صوتا مميزا.
إنه يقرأ القرآن وبصوت ندي، سبحان الله، لا تقول هذا مصاب.
الدم قد غطى ثيابه وتكسرت عظامه، بل هو على ما يبدو على مشارف الموت.
أستمر يقرأ بصوت جميل، يرتل القرآن، فجأة سكت.
التفت إلى الخلف فإذا به رافعا إصبع السبابة يتشهد ثم انحنى رأسه.
قفزت إلى الخلف، لمست يده، قلبه أنفاسه لاشيء، فارق الحياة.
نظرت إليه طويلا، سقطت دمعة من عيني، أخبرت زميلي أنه قد مات.
أنطلق زميلي في البكاء، أما أنا فقد شهقت شهقة وأصبحت دموعي لا تقف.
أصبح منظرنا داخل السيارة مؤثرا.
وصلنا إلى المستشفى، وأخبرنا كل من قابلنا عن قصته.
الكثير تأثروا، ذرفت دموعهم، أحدهم بعد أن سمع قصته ذهب وقبل جبينه.
الجميع أصروا على الجلوس حتى يصلى عليه.
أتصل أحد الموظفين بمنزل المتوفى، كان المتحدث أخوه الذي قال عنه:
أنه يذهب كل أثنين لزيارة جدته التي في القرية، كان يتفقد الأرامل واليتامى والمساكين.
كانت تلك القرية تعرفه، فهو يحضر لهم الكتب والأشرطة، وكان يذهب وسيارته مملوءة بالأرز والسكر لتوزيعها على المحتاجين، حتى حلوى الأطفال كان لا ينساها.
وكان يرد على من يثنيه عن السفر، ويذكر له طول لطريق، كان يرد عليه بقوله إنني أستفيد من طول الطريق بحفظ القرآن ومراجعته، وسماع الأشرطة النافعة، وإنني أحتسب إلى الله كل خطوة أخطوها.