
17-02-2025, 09:48 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,551
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء العاشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة
الحلقة (553)
صــ 306 إلى صــ 320
11924 - ح ، وحدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح كاتب الليث قال : حدثني الليث قال : حدثني عقيل ، عن ابن شهاب قال : أخبرني رجل من مزينة [ ص: 306 ] ممن يتبع العلم ويعيه ، حدث عن سعيد بن المسيب ، أن أبا هريرة قال : بينا نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من اليهود ، وكانوا قد تشاوروا في صاحب لهم زنى بعد ما أحصن ، فقال بعضهم لبعض : إن هذا النبي قد بعث ، وقد علمتم أن قد فرض عليكم الرجم في التوراة فكتمتموه ، واصطلحتم بينكم على عقوبة دونه ، فانطلقوا نسأل هذا النبي ، فإن أفتانا بما فرض علينا في التوراة من الرجم ، تركنا ذلك ، فقد تركنا ذلك في التوراة ، فهي أحق أن تطاع وتصدق ! فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا أبا القاسم إنه زنى صاحب لنا قد أحصن ، فما ترى عليه من العقوبة؟ قال أبو هريرة : فلم يرجع إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قام وقمنا معه ، فانطلق يؤم مدراس اليهود حتى أتاهم فوجدهم يتدارسون التوراة في بيت المدراس ، فقال لهم : يا معشر اليهود ، أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ، ماذا تجدون في التوراة من العقوبة على من زنى وقد أحصن ؟ قالوا : إنا نجده يحمم ويجلد! وسكت حبرهم في جانب البيت ، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم صمته ، ألظ ينشده ، فقال حبرهم : اللهم إذ نشدتنا فإنا نجد عليهم الرجم ! فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : فماذا كان أول ما ترخصتم به أمر الله"؟ قال : زنى ابن عم ملك فلم يرجمه ، ثم زنى رجل آخر في أسرة من الناس ، فأراد ذلك الملك رجمه ، فقام دونه قومه فقالوا : والله لا ترجمه حتى ترجم فلانا ابن عم الملك! فاصطلحوا بينهم عقوبة دون الرجم وتركوا الرجم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فإني أقضي بما في التوراة! فأنزل الله في ذلك : " يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر " إلى قوله : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " . [ ص: 307 ]
وقال آخرون : بل عني بذلك المنافقون .
ذكر من قال ذلك :
11925 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عبد الله بن كثير في قوله : " يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم " ، قال : هم المنافقون .
11926 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " آمنا بأفواههم " قال يقول : هم المنافقون " سماعون لقوم آخرين " ، قال : هم أيضا سماعون لليهود . [ ص: 308 ]
قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال في ذلك عندي بالصواب ، أن يقال : عني بقوله : " لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم " ، قوم من المنافقين . وجائز أن يكون كان ممن دخل في هذه الآية ابن صوريا ، وجائز أن يكون أبو لبابة وجائز أن يكون غيرهما ، غير أن أثبت شيء روي في ذلك ، ما ذكرناه من الرواية قبل عن أبي هريرة والبراء بن عازب ، لأن ذلك عن رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . وإذا كان ذلك كذلك ، كان الصحيح من القول فيه أن يقال : عني به عبد الله بن صوريا .
وإذا صح ذلك ، كان تأويل الآية : يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في جحود نبوتك ، والتكذيب بأنك لي نبي ، من الذين قالوا : "صدقنا بك يا محمد أنك لله رسول مبعوث ، وعلمنا بذلك يقينا ، بوجودنا صفتك في كتابنا" .
وذلك أن في حديث أبي هريرة الذي رواه ابن إسحاق عن الزهري : أن ابن صوريا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما والله يا أبا القاسم ، إنهم ليعلمون أنك نبي مرسل ، ولكنهم يحسدونك" . فذلك كان على هذا الخبر من ابن صوريا إيمانا برسول الله صلى الله عليه وسلم بفيه ، ولم يكن مصدقا لذلك بقلبه . فقال الله جل وعز لنبيهمحمد صلى الله عليه وسلم ، مطلعه على ضمير ابن صوريا وأنه لم يؤمن بقلبه ، يقول : ولم يصدق قلبه بأنك لله رسول مرسل .
[ ص: 309 ] القول في تأويل قوله عز وجل ( ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك )
قال أبو جعفر : يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : يا أيها الرسول لا يحزنك تسرع من تسرع من هؤلاء المنافقين الذين يظهرون بألسنتهم تصديقك ، وهم معتقدون تكذيبك إلى الكفر بك ، ولا تسرع اليهود إلى جحود نبوتك . ثم وصف جل وعز صفتهم ،
ونعتهم له بنعوتهم الذميمة وأفعالهم الرديئة ، وأخبره معزيا له على ما يناله من الحزن بتكذيبهم إياه ، مع علمهم بصدقه ، أنهم أهل استحلال الحرام والمآكل الرديئة والمطاعم الدنيئة من الرشى والسحت ، وأنهم أهل إفك وكذب على الله ، وتحريف لكتابه . ثم أعلمه أنه محل بهم خزيه في عاجل الدنيا ، وعقابه في آجل الآخرة . فقال : هم"سماعون للكذب " ، يعني هؤلاء المنافقين من اليهود ، يقول : هم يسمعون الكذب ، و"سمعهم الكذب " ، سمعهم قول أحبارهم : أن حكم الزاني المحصن في التوراة التحميم والجلد"سماعون لقوم آخرين لم يأتوك " ، يقول : يسمعون لأهل الزاني الذين أرادوا الاحتكام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم القوم الآخرون الذين لم يكونوا أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانوا مصرين على أن يأتوه ، كما قال مجاهد : -
11927 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج ، قال مجاهد : " سماعون لقوم آخرين لم يأتوك " ، مع من أتوك . [ ص: 310 ]
واختلف أهل التأويل في"السماعين للكذب السماعين لقوم آخرين" .
فقال بعضهم : "سماعون لقوم آخرين " ، يهود فدك . و"القوم الآخرون " الذين لم يأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يهود المدينة .
ذكر من قال ذلك :
11928 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن الزبير ، عن ابن عيينة قال ، حدثنا زكريا ومجالد ، عن الشعبي ، عن جابر في قوله : " ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين " ، قال : يهود المدينة " لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه " ، قال : يهود فدك ، يقولون ليهود المدينة : "إن أوتيتم هذا فخذوه" .
وقال آخرون : المعني بذلك قوم من اليهود ، كان أهل المرأة التي بغت ، بعثوا بهم يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحكم فيها . والباعثون بهم هم"القوم الآخرون " ، وهم أهل المرأة الفاجرة ، لم يكونوا أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ذكر من قال ذلك :
11929 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : " ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون " ، فإن بني إسرائيل أنزل الله عليهم : "إذا زنى منكم أحد فارجموه " ، فلم يزالوا بذلك حتى زنى رجل من خيارهم ، فلما اجتمعت بنو إسرائيل يرجمونه ، قام الخيار والأشراف فمنعوه . ثم زنى رجل من الضعفاء ، [ ص: 311 ] فاجتمعوا ليرجموه ، فاجتمعت الضعفاء فقالوا : لا ترجموه حتى تأتوا بصاحبكم فترجمونهما جميعا! فقالت بنو إسرائيل : إن هذا الأمر قد اشتد علينا ، فتعالوا فلنصلحه! فتركوا الرجم ، وجعلوا مكانه أربعين جلدة بحبل مقير ، ويحملونه على حمار ووجهه إلى ذنبه ، ويسودون وجهه ، ويطوفون به . فكانوا يفعلون ذلك حتى بعث النبي صلى الله عليه وسلم وقدم المدينة ، فزنت امرأة من أشراف اليهود يقال لها : " بسرة " ، فبعث أبوها ناسا من أصحابه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : سلوه عن الزنا وما نزل إليه فيه ، فإنا نخاف أن يفضحنا ويخبرنا بما صنعنا ، فإن أعطاكم الجلد فخذوه ، وإن أمركم بالرجم فاحذروه! فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه ، فقال : الرجم! فأنزل الله عز وجل : " ومن الذين هادوا سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه " ، حين حرفوا الرجم فجعلوه جلدا .
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب ، قول من قال : إن"السماعين للكذب " ، هم"السماعون لقوم آخرين" .
وقد يجوز أن يكون أولئك كانوا من يهود المدينة ، والمسموع لهم من يهود فدك ويجوز أن يكون كانوا من غيرهم . غير أنه أي ذلك كان ، فهو من صفة قوم من يهود ، سمعوا الكذب على الله في حكم المرأة التي كانت بغت فيهم وهي محصنة ، وأن حكمها في التوراة التحميم والجلد ، وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحكم اللازم لها ، وسمعوا ما يقول فيها قوم المرأة الفاجرة قبل أن يأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم محتكمين إليه فيها . وإنما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك [ ص: 312 ] لهم ، ليعلموا أهل المرأة الفاجرة ما يكون من جوابه لهم . فإن لم يكن من حكمه الرجم رضوا به حكما فيهم . وإن كان من حكمه الرجم ، حذروه وتركوا الرضى به وبحكمه .
وبنحو الذي قلنا كان ابن زيد يقول .
11930 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : " سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين " ، قال : لقوم آخرين لم يأتوه من أهل الكتاب ، هؤلاء سماعون لأولئك القوم الآخرين الذين لم يأتوه ، يقولون لهم الكذب : " محمد كاذب ، وليس هذا في التوراة ، فلا تؤمنوا به" .
[ ص: 313 ] القول في تأويل قوله عز وجل ( يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا )
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : يحرف هؤلاء السماعون للكذب ، السماعون لقوم آخرين منهم لم يأتوك بعد من اليهود"الكلم " . وكان تحريفهم ذلك ، تغييرهم حكم الله تعالى ذكره الذي أنزله في التوراة في المحصنات والمحصنين من الزناة بالرجم إلى الجلد والتحميم . فقال تعالى ذكره : "يحرفون الكلم " ، يعني : هؤلاء اليهود ، والمعني حكم الكلم ، فاكتفى بذكر الخبر من "تحريف الكلم " عن ذكر"الحكم " ، لمعرفة السامعين لمعناه . وكذلك قوله : "من بعد مواضعه " ، والمعنى : من بعد وضع الله ذلك مواضعه ، فاكتفى بالخبر من ذكر"مواضعه " ، عن ذكر"وضع ذلك " ، كما قال تعالى ذكره : ( ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر ) [ سورة البقرة : 177 ] ، والمعنى : ولكن البر بر من آمن بالله واليوم الآخر .
وقد يحتمل أن يكون معناه : يحرفون الكلم عن مواضعه فتكون"بعد " وضعت موضع"عن " ، كما يقال : "جئتك عن فراغي من الشغل " ، يريد : بعد فراغي من الشغل .
ويعني بقوله : " إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا " ، يقول هؤلاء الباغون السماعون للكذب : إن أفتاكم محمد بالجلد والتحميم في صاحبنا"فخذوه " ، يقول : فاقبلوه منه ، وإن لم يفتكم بذلك وأفتاكم بالرجم ، فاحذروا .
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل . [ ص: 314 ]
ذكر من قال ذلك :
11931 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق قال ، حدثني الزهري قال : سمعت رجلا من مزينة يحدث سعيد بن المسيب : أن أبا هريرة حدثهم في قصة ذكرها " ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك " ، قال : [ أي الذين بعثوا منهم من بعثوا وتخلفوا ، وأمروهم بما أمروهم به من تحريف الكلم عن مواضعه ، فقال : " يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه " ، للتجبيه " وإن لم تؤتوه فاحذروا " ، أي الرجم .
11932 - حدثنا محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : " إن أوتيتم هذا " ، إن وافقكم هذا فخذوه . يهود تقوله للمنافقين .
11933 - حدثنا المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، " إن أوتيتم هذا فخذوه " ، إن وافقكم هذا فخذوه ، وإن لم يوافقكم فاحذروه . يهود تقوله للمنافقين .
11934 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " يحرفون الكلم من بعد مواضعه " ، حين حرفوا الرجم فجعلوه جلدا " يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا " .
11935 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن الزبير ، عن ابن عيينة قال ، حدثنا زكريا ومجالد ، عن الشعبي ، عن جابر : " يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه " ، يهود فدك ، يقولون ليهود [ ص: 315 ] المدينة : إن أوتيتم هذا الجلد فخذوه ، وإن لم تؤتوه فاحذروا الرجم .
11936 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا " ، هم اليهود ، زنت منهم امرأة ، وكان الله قد حكم في التوراة في الزنا بالرجم ، فنفسوا أن يرجموها ، وقالوا : انطلقوا إلى محمد ، فعسى أن يكون عنده رخصة ، فإن كانت عنده رخصة فاقبلوها! فأتوه ، فقالوا : يا أبا القاسم ، إن امرأة منا زنت ، فما تقول فيها؟ فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : كيف حكم الله في التوراة في الزاني؟ فقالوا : دعنا من التوراة ، ولكن ما عندك في ذلك؟ فقال : ائتوني بأعلمكم بالتوراة التي أنزلت على موسى ! فقال لهم : بالذي نجاكم من آل فرعون ، وبالذي فلق لكم البحر فأنجاكم وأغرق آل فرعون ، إلا أخبرتموني ما حكم الله في التوراة في الزاني؟! قالوا : حكمه الرجم! فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجمت .
11937 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا " ، ذكر لنا أن هذا كان في قتيل من بني قريظة ، قتلته النضير . فكانت النضير إذا قتلت من بني قريظة لم يقيدوهم ، إنما يعطونهم الدية لفضلهم عليهم . وكانت قريظة إذا قتلت من النضير قتيلا لم يرضوا إلا بالقود لفضلهم عليهم في أنفسهم تعززا . فقدم نبي الله صلى الله عليه وسلم المدينة على تفئة قتيلهم هذا ، فأرادوا أن يرفعوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . [ ص: 316 ] فقال لهم رجل من المنافقين : إن قتيلكم هذا قتيل عمد ، متى ما ترفعونه إلى محمد صلى الله عليه وسلم أخشى عليكم القود ، فإن قبل منكم الدية فخذوه ، وإلا فكونوا منه على حذر!
11938 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : " يحرفون الكلم من بعد مواضعه " ، يقول : يحرف هؤلاء الذين لم يأتوك الكلم عن مواضعه ، لا يضعونه على ما أنزله الله . قال : وهؤلاء كلهم يهود ، بعضهم من بعض .
11939 - حدثنا هناد قال ، حدثنا أبو معاوية وعبيدة بن حميد ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن مرة ، عن البراء بن عازب : " يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا " ، يقولون : ائتوا محمدا ، فإن أفتاكم بالتحميم والجلد فخذوه ، وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا .
القول في تأويل قوله جل وعز ( ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا )
قال أبو جعفر : وهذا تسلية من الله تعالى ذكره نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم من حزنه على مسارعة الذين قص قصتهم من اليهود والمنافقين في هذه الآية . يقول له تعالى ذكره : لا يحزنك تسرعهم إلى جحود نبوتك ، فإني قد حتمت عليهم أنهم [ ص: 317 ] لا يتوبون من ضلالتهم ، ولا يرجعون عن كفرهم ، للسابق من غضبي عليهم . وغير نافعهم حزنك على ما ترى من تسرعهم إلى ما جعلته سببا لهلاكهم واستحقاقهم وعيدي .
ومعنى"الفتنة " في هذا الموضع : الضلالة عن قصد السبيل .
يقول تعالى ذكره : ومن يرد الله ، يا محمد ، مرجعه بضلالته عن سبيل الهدى ، فلن تملك له من الله استنقاذا مما أراد الله به من الحيرة والضلالة . فلا تشعرنفسك الحزن على ما فاتك من اهتدائه للحق ، كما : -
11940 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا " .
القول في تأويل قوله جل وعز ( أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم ( 41 ) )
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من اليهود الذين وصفت لك صفتهم . وإن مسارعتهم إلى ذلك ، أن الله قد أراد فتنتهم ، وطبع على قلوبهم ، ولا يهتدون أبدا " أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم " ، يقول : هؤلاء الذين لم يرد الله أن يطهر من دنس [ ص: 318 ] الكفر ووسخ الشرك قلوبهم ، بطهارة الإسلام ونظافة الإيمان فيتوبوا ، بل أراد بهم الخزي في الدنيا وذلك الذل والهوان ، وفي الآخرة عذاب جهنم خالدين فيها أبدا .
وبنحو الذي قلنا في معنى"الخزي " ، روي القول عن عكرمة .
11941 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا سفيان ، عن علي بن الأقمر وغيره ، عن عكرمة ، أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي " ، قال : مدينة في الروم تفتح فيسبون .
القول في تأويل قوله ( سماعون للكذب أكالون للسحت )
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : هؤلاء اليهود الذين وصفت لك ، يا محمد ، صفتهم ، سماعون لقيل الباطل والكذب ، ومن قيل بعضهم لبعض : " محمد كاذب ، ليس بنبي " ، وقيل بعضهم : "إن حكم الزاني المحصن في التوراة الجلد والتحميم " ، وغير ذلك من الأباطيل والإفك ويقبلون الرشى فيأكلونها على كذبهم على الله وفريتهم عليه ، كما : -
11942 - حدثني المثنى قال ، حدثنا مسلم بن إبراهيم قال ، حدثنا أبو عقيل [ ص: 319 ] قال ، سمعت الحسن يقول في قوله : " سماعون للكذب أكالون للسحت " ، قال : تلك الحكام ، سمعوا كذبة وأكلوا رشوة .
11943 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : " سماعون للكذب أكالون للسحت " ، قال : كان هذا في حكام اليهود بين أيديكم ، كانوا يسمعون الكذب ويقبلون الرشى .
11944 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : " أكالون للسحت " ، قال : الرشوة في الحكم ، وهم يهود .
11945 - حدثنا هناد قال ، حدثنا وكيع وحدثنا سفيان بن وكيع قال ، حدثنا أبي وإسحاق الأزرق وحدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن عن سفيان ، عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله : " أكالون للسحت " ، قال : "السحت " ، الرشوة .
11946 - حدثنا سفيان بن وكيع وواصل بن عبد الأعلى قالا حدثنا ابن فضيل ، عن الأعمش ، عن سلمة بن كهيل ، عن سالم بن أبي الجعد قال : قيل لعبد الله : ما السحت؟ قال : الرشوة . قالوا : في الحكم؟ قال : ذاك الكفر .
11947 - حدثنا سفيان قال ، حدثنا غندر ووهب بن جرير ، عن شعبة ، عن منصور ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن مسروق ، عن عبد الله قال : "السحت " ، الرشوة .
11948 - حدثنا هناد قال ، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي عن حريث ، عن عامر ، عن مسروق قال : قلنا لعبد الله : ما كنا نرى"السحت " إلا الرشوة في الحكم! قال عبد الله : ذاك الكفر .
11949 - حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة ، عن منصور ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن مسروق ، عن عبد الله قال : [ ص: 320 ] "السحت " ، الرشى؟ قال : نعم .
11950 - حدثنا ابن المثنى قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة ، عن عمار الدهني ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن مسروق قال : سألت عبد الله عن"السحت " ، فقال : الرجل يطلب الحاجة للرجل فيقضيها ، فيهدي إليه فيقبلها .
11951 - حدثنا سوار قال ، حدثنا بشر بن المفضل قال ، حدثنا شعبة ، عن منصور وسليمان الأعمش ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن مسروق ، عن عبد الله أنه قال : "السحت " ، الرشى .
11952 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا المحاربي ، عن سفيان ، عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله : "السحت " ، قال : الرشوة في الدين .
11953 - حدثني أبو السائب قال ، حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن خيثمة قال ، قال عمر : [ ما كان ] من"السحت " ، الرشى ومهر الزانية .
11954 - حدثني سفيان قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم قال : "السحت " ، الرشوة .
11955 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة قوله : "أكالون للسحت " ، قال : الرشى .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|