
19-05-2024, 11:34 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,362
الدولة :
|
|
رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثامن
الحلقة (556)
سُورَةُ الطَّلَاقِ
صـ 203 إلى صـ 210
[ ص: 203 ] ومن ناحية أخرى يقال : إن قوله تعالى : ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ، والكفر أعظم المصائب .
ومن يؤمن بالله يهد قلبه والإيمان بالله أعظم النعم ، فيقول قائل : إن كان كل ذلك بإذن الله ، فما ذنب الكافر وما فضل المؤمن ، فجاء قوله تعالى : وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول ، بيانا لما يلزم العبد ، وهو طاعة الرسل فيما جاءوا به ، ولا يملك سوى ذلك .
وفي قوله تعالى : يهد قلبه من نسبة الهداية إلى القلب بيان لقضية الهداية العامة والخاصة ، كما قالوا في قوله تعالى عنه صلى الله عليه وسلم : وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم [ 42 \ 52 ] ، مع قوله تعالى : إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء [ 28 \ 56 ] .
فقالوا : الهداية الأولى دلالة إرشاد ، كقوله تعالى : وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى [ 41 \ 17 ] .
والثانية : هداية توفيق وإرشاد ويشهد لذلك شبه الهداية من الله لقلب من يؤمن بالله ، وقوله تعالى : وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول ، بتكرار فعل الطاعة يدل على طاعة الرسول تلزم مستقلة .
وقد جاءت السنة بتشريعات مستقلة وبتخصيص القرآن ونحو ذلك ، كما تقدم عند قوله تعالى : وما آتاكم الرسول فخذوه [ 59 \ 7 ] .
ومما يشهد لهذا قوله تعالى : أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم [ 4 \ 59 ] ، فكرر الفعل بالنسبة لله وللرسول ، ولم يكرره بالنسبة لأولي الأمر ; لأن طاعتهم لا تكون استقلالا بل تبعا لطاعة الله ، وطاعة رسوله ، كما في الحديث : " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " .
قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم .
تقدم للشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - الكلام على ذلك عند قوله تعالى : المال والبنون زينة الحياة الدنيا [ ص: 204 ] [ 18 \ 46 ] .
ومما يعتبر توجيها قرآنيا لعلاج مشاكل الحياة الزوجية ، وقضية الأولاد التعقيب على ذلك بقوله تعالى : وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم [ 64 \ 14 ] ، أي : إن عداوة الزوجة والأولاد لا ينبغي أن تقابل إلا بالعفو والصفح والغفران ، وأن ذلك يخفف أو يذهب أو يجنب الزوج والوالد نتائج هذا العداء ، وأنه خير من المشاحة والخصام .
وفي موضع آخر قال : إنما أموالكم وأولادكم فتنة [ 64 \ 15 ] أي : قد تفتن عن ذكر الله : لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله [ 63 \ 9 ] .
وتقدم للشيخ هذا المبحث في سورة " الكهف " كما أشرنا .
قوله تعالى : فاتقوا الله ما استطعتم .
يفهم منه أن التكليف في حدود الاستطاعة ، ويبينه قوله تعالى : لا يكلف الله نفسا إلا وسعها [ 2 \ 286 ] .
وقوله تعالى : ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به [ 2 \ 286 ] .
وفي الحديث : " قال الله قد فعلت " ، وهذا في الأوامر دون النواهي ; لأن النواهي تروك .
كما جاء في السنة : " ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم ، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه " ، وهذا من خصائص هذه الأمة .
كما تقدم للشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - عند أواخر سورة " البقرة " ، وتحقيق ذلك في رخص الصلاة ، والصيام ونحوهما .
قوله تعالى : ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون .
قالوا : الشح ، أخص من البخل ، وقيل البخل : أن تضن بمالك ، والشح أن تضن بمال غيرك ، والواقع أن الشح منتهى البخل ، وإن ذكره هنا بعد قضايا الأزواج والأولاد وفتنتهم وعداوتهم ، ثم الأمر بالسمع والطاعة والإنفاق في قوله : واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم [ 64 \ 16 ] ، يشعر بأن أكثر قضايا الزوجية منشؤها من جانب المال [ ص: 205 ] حرصا عليه أو بخلا به ، حرصا عليه بالسعي إليه بسببهم ، فقد يفتن في ذلك ، وشحا به بعد تحصيله فقد يعادونه فيه .
والعلاج الناجع في ذلك كله الإنفاق وتوقي الشح ، والشح من جبلة النفس وأحضرت الأنفس الشح [ 4 \ 128 ] ، وفي إضافة الشح إلى النفس مع إضافة الهداية فيما تقدم إلى القلب سر لطيف ، وهو أن الشح جبلة البشرية ، والهداية منحة إلهية ، والأولى قوة حيوانية ، والثانية قوة روحية .
فعلى المسلم أن يغالب بالقوة الروحية ما جبل عليه من قوة بشرية ; لينال الفلاح والفوز ، كما أشار تعالى بقوله : المال والبنون زينة الحياة الدنيا . ثم قال : والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا [ 18 \ 46 ] .
قوله تعالى : واسمعوا وأطيعوا .
أي : لا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وعصينا ، ولا كقوم نوح الذين قال عنهم : وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا [ 71 \ 7 ] .
وقد ندد بقول الكفار : لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه [ 41 \ 26 ] .
قال الشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - : اسمعوا ما يقال لكم ، وأطيعوا فيما سمعتم ، لا كمن قبلكم المشار إليهم بالآيات المتقدمة .
قوله تعالى : إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم .
قال الشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - : قد بين تعالى أنه يضاعف الإنفاق سبعمائة إلى أكثر بقوله : مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل ، إلى قوله : والله يضاعف لمن يشاء [ 2 \ 261 ] .
وأصل القرض في اللغة : القطع وفي الشرع قطع جزء من المال يعطيه لمن ينتفع به ثم يرده ، أي : أن الله تعالى يرد أضعافا ، وقد سمى معاملته مع عبيده قرضا وبيعا وشراء وتجارة .
[ ص: 206 ] ومعنى ذلك كله أن العبد يعمل لوجه الله والله جل وعلا يعطيه ثواب ذلك العمل ، كما في قوله تعالى : إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم الآية [ 64 \ 17 ] .
وقوله : إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة [ 9 \ 111 ] .
وقوله : فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به [ 9 \ 111 ] .
وقوله : هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم الآية [ 61 \ 10 - 11 ] ، مع قوله تعالى : تجارة لن تبور [ 35 \ 29 ] .
والقرض الحسن هو ما يكون من الكسب الطيب خالصا لوجه الله . اهـ .
ومما يشهد لقوله - رحمه الله - في معنى القرض الحسن قوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس [ 2 \ 264 ] ; لأن ذلك لم ينفق بإخلاص لوجه الله ، ومجئ الحسن على القرض الحسن هنا بعد قضية الزوجية والأولاد وتوقي الشح يشعر بأن الإنفاق على الأولاد والزوجة إنما هو من باب القرض الحسن مع الله ، كما في قوله تعالى : يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين [ 2 \ 215 ] .
وأقرب الأقربين بعد الوالدين هم الأولاد والزوجة .
وفي الحديث في الحث على الإنفاق : " حتى اللقمة يضعها الرجل في في امرأته " .
وقوله : والله شكور حليم [ 64 \ 17 ] .
قال الشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - : شكر الله لعبده هو مجازاته له بالأجر الجزيل على العمل القليل .
وقوله : حليم ، أي : لا يعجل بالعقوبة بل يستر ويتجاوز عن ذنوب . ومجئ هذا التذييل هنا يشعر بالتوجيه في بعض نواحي إصلاح الأسرة ، وهو أن يقبل كل من الزوجين عمل الآخر بشكر ، ويقابل كل إساءة بحلم ليتم معنى حسن العشرة ، ولأن الإنفاق يستحق المقابلة بالشكر والعداوة تقابل بالحلم .
[ ص: 207 ] قوله تعالى : عالم الغيب والشهادة .
مجئ الآية بالجملة الاسمية يشعر بالحصر ، وقد صرح به في قوله تعالى : وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو [ 6 \ 59 ] ، ومجيئه هنا أيضا يشعر بأن الرقابة على الأسرة بين الطرفين إنما هي لله تعالى ; لأنهما يكونان في عزلة عن الناس ولا يطلع على ما بينهما إلا الله ، عالم الغيب والشهادة ، أي فليراقب كل منهما ربه عالم الغيب والشهادة ، ومجازيا كلا منهما على فعله .
[ ص: 208 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سُورَةُ الطَّلَاقِ
قوله تعالى : يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم الآية .
قيل في سبب نزولها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طلق حفصة - رضي الله عنها - فنزلت ، وقيل غير ذلك ، وعلى كل فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو معلوم .
ومما يشهد لهذه القاعدة ما لو أخذنا بعين الاعتبار النسق الكريم بين السورتين ، حيث كان آخر ما قبلها موضوع الأولاد والزوجات من فتنة وعداء .
والإشارة إلى علاج ما بين الزوجين من إنفاق وتسامح على ما أشرنا إليه سابقا هناك ، فإن صلح ما بينهم بذاك فبها ونعمت ، وإن تعذر ما بينهما وكانت الفرقة متحتمة فجاءت هذه السورة على إثرها تبين طريقة الفرقة السليمة في الطلاق وتشريعه وما يتبعه من عدد وإنفاق ونحو ذلك .
وقوله تعالى : ياأيها النبي ، بالنداء للنبي صلى الله عليه وسلم . وقوله : إذا طلقتم بخطاب لعموم الأمة ، قالوا : كان النداء للنبي - صلى الله عليه وسلم - والخطاب للأمة تكريما لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتكليفا للأمة . وقيل : خوطبت الأمة في شخصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - كخطاب الجماعة في شخصية رئيسها .
وقال الشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - : ولهذه الآية استدل من يقول : إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يكون داخلا في عموم خطاب الأمة . اهـ .
والواقع أن الخطاب الموجه للنبي - صلى الله عليه وسلم - على ثلاثة أقسام :
الأول : قد يتوجه الخطاب إليه - صلى الله عليه وسلم - ولا يكون داخلا فيه قطعا ، وإنما يراد به الأمة بلا خلاف ، من ذلك قوله تعالى في بر الوالدين : إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا [ ص: 209 ] [ 17 \ 23 - 24 ] .
فكل صيغ الخطاب هنا موجهة للنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو قطعا ليس مرادا بذلك لعدم وجود والدين ، ولا أحدهما عند نزولها كما هو معلوم .
الثاني : أن يكون خاصا به لا يدخل معه غيره قطعا ، نحو قوله تعالى : وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين [ 33 \ 50 ] .
والثالث : هو الشامل له - صلى الله عليه وسلم - ولغيره بدليل هذه الآية ، وأول السورة التي بعدها في قوله تعالى : ياأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك [ 66 \ 1 ] ، فهذا كله خطاب موجه له صلى الله عليه وسلم .
وجاء بعدها مباشرة : قد فرض الله لكم بخطاب الجميع : تحلة أيمانكم [ 66 \ 2 ] فدل أن الآية داخلة في قوله تعالى : ياأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك [ 66 \ 1 ] ، وهذا باتفاق .
وقد بين الشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - هذه المسألة بأقوى دليل فيها عند قوله تعالى : فأقم وجهك للدين حنيفا ، إلى قوله : منيبين إليه [ 30 - 31 ] .
وقوله تعالى : إذا طلقتم النساء الآية ، يشعر بأن كل المطلقات من النساء يطلقن لعدتهن وتحصى عدتهن .
والإحصاء العدد مأخوذ من الحصا ، وهو الحصا الصغير كانت العرب تستعمله في العدد لأميتهم ، ثم ذكر بعض عدد لبعض المطلقات ولم يذكر جميعهن مع أنه من المطلقات من لا عدة لهن وهن غير المدخول بهن ، ومن المطلقات من لم يذكر عدتهن هنا .
قال الزمخشري : إنه لا عموم ولا تخصيص ; لأن لفظ النساء اسم جنس يطلق على الكل وعلى البعض ، وقد أطلق هنا على البعض وهو المبين حكمهن بذكر عدتهن ، وهن اللاتي يئسن والصغيرات وذوات الحمل ، وحاصل عدد النساء تتلخص في الآتي ، وهي أن الفرقة إما بحياة أو بموت ، والمفارقة إما حامل أو غير حامل ، فالحامل عدتها بوضع حملها اتفاقا ، ولا عبرة بالخلاف في ذلك لصحة النصوص ، وغير الحامل بأربعة أشهر وعشر [ ص: 210 ] مدخول بها وغير مدخول ، والمفارقة بالحياة إما مدخول بها أو غير مدخول بها ، فغير المدخول بها لا عدة عليها إجماعا ، والمدخول بها إما من ذوات الأقراء فعدتها ثلاثة قروء على خلاف في المراد بالقرء .
وأما من ليست من ذوات الأقراء ، كاليائسة والصغيرة ، فعدتها بالأشهر ثلاثة أشهر .
وقد تقدم للشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - في الجزء الأول عند قوله تعالى : والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء [ 2 \ 228 ] ، وفصل أنواع المطلقات المدخول بهن وغير المدخول بهن ، وأنواع العدد بالأقراء أو الأشهر أو الحمل ، وبين الجمع بين العمومات الواردة في ذلك كله مما يغني عن الإعادة هنا .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|