عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 14-12-2019, 11:57 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,306
الدولة : Egypt
افتراضي رد: ثنائيات رباعية في العلوم النقلية والعقلية

ثنائيات رباعية في العلوم النقلية والعقلية(5)
عادل عبدالوهاب عبدالماجد



صحة الفهم وحسن القصد


الحمد لله القائل: ï´؟ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا ï´¾ [الكهف: 17]، والصلاة والسلام على سيد ولدِ آدم أجمعين، القائل في سنته المطهرة: ((من يُرد الله به خيرًا يفقِّهه في الدين))، وعلى آله وأصحابه الغرِّ الميامين، وبعد:
فقال ابن القيم في كتابه القيم "إعلام الموقِّعين"، وهو يشرح كتابَ عمر في القضاء:
"صحَّة الفهم وحسن القصد مِن أعظم نِعم الله التي أنعم بها على عبده، بل ما أُعطي عبدٌ عطاءً بعد الإسلام أفضل ولا أجلَّ منهما، بل هما ساقا الإسلام، وقيامُه عليهما، وبهما يأمنُ العبدُ طريقَ المغضوب عليهم الذين فسد قصدُهم، وطريقَ الضالِّين الذين فسدَت فهومُهم، ويصير مِن المنعَم عليهم الذين حسُنت أفهامهم وقصودهم، وهم أهلُ الصِّراط المستقيم، الذين أُمرنا أن نسأل اللهَ أن يهدينا صراطهم في كلِّ صلاةٍ.

وصحَّة الفهم: نورٌ يقذفه اللهُ في قلب العبد، يميِّز به بين الصحيح والفاسد، والحقِّ والباطل، والهدى والضلال، والغيِّ والرشاد، ويمدُّه: حسن القصد، وتحرِّي الحق، وتقوى الربِّ في السرِّ والعلانية، ويقطع مادَّته: اتباعُ الهوى، وإيثار الدنيا، وطلب محمَدة الخلق، وترك التقوى".

وكثيرٌ من شباب المسلمين اليوم آفتُهم سوءُ الفهم والجهل وقلَّة العلم، وقد يجتمع مع ذلك الحماس والغيرة والاندفاع التي توقعهم في الظلم والعدوان، ï´؟ وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ï´¾ [الكهف: 104]، وبعضهم قد يكون لديه مع الحماس والاندفاع سوءُ القصد وخبث النية، والله ï´؟ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ï´¾ [البقرة: 77].

وبناء على ذلك؛ فإن الناسَ من حيث الفَهم والقصد قد انقسموا إلى أقسامٍ أربعة:
الأول: من صحَّ فهمُه وساء قصدُه: وهم: علماءُ الضلال، وتجَّار الدين، الذين يعرفون الحقَّ ويكتمونه، ويلبسون الحق بالباطل وهم يعلمون، وهؤلاء أشبه باليهود (المغضوب عليهم)، ويصدُق فيهم قولُ الشاعر:
ذئبٌ تراه مصلِّيًا
فإذا مررتَ به ركعْ

يدعو وكلُّ دعائه
ما للفريسةِ لا تَقعْ

عجِّلْ بها عجلْ بها
إن الفؤاد قَد انصدعْ

فإذا الفريسةُ أُوقعَتْ
ذهب التنسُّك والوَرعْ


الثاني: من ساء فهمُه وصحَّ قصده: وهم المتَّصفون بالحماس والغيرة والصدق، مع جهلٍ وقلَّة علمٍ، مثل الخوارج وإخوانهم، وهؤلاء أشبهُ بالنصارى الضالِّين الذين عبدوا اللهَ بالجهل فضَلُّوا وأضَلوا، ويصدق فيهم قولُ القائل:
وكم مِن عائبٍ قولاً صحيحًا
وآفتُه من الفَهمِ السَّقيم


هؤلاء ï´؟ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ï´¾ [الكهف: 104]، يُفسدون أكثر ممَّا يصلحون، ويضرون أكثر مما ينفعون، ومن العسير تصويب أخطائهم، وتصحيح مفاهيمهم، وينطبِق عليهم قولُ القائل:
وإن عناءً أن تُفهِّم جاهلاً
فيحسب جهلاً أنه منك أَفهَمُ

متى يبلغ البُنيان يومًا تمامَه
إذا كنتَ تبنيه وغيرُك يهدِمُ

متى يرعوي عن سيِّئٍ من أَتى به
إذا لم يكن منه عليه تندُّمُ


وهذا الصنف مغرَّر به، مفتقر إلى العلم وسلامة الفهم، قليلُ المعرفة بأصول الدين وقواعد الشريعة، منخدعٌ بالشعارات البرَّاقة، ومِن السهل التَّلاعب به، وهو لا يعرف حقيقةَ من يقودُه ولا إلى أين يقوده، وأكثرهم غير مستعدين للتراجع، طبقًا لقول القائل:
ومن البليَّة عذلُ مَن لا يرعوي
عن غيِّه وخطابُ مَن لا يفهمُ


ومن النماذج الواضحة لهذا النوع الذي يعاني من التشوُّهات الفكرية، والخَلل المنهجي بسبب قلة العلم وضعف الفهم: شخصية عبدالرحمن بن ملجِم المرادِي الخارجي، وهو من زُعماء الخوارج، فقد كان ابنُ ملجم فارسًا شجاعًا، شارك في فتح مصر، وكان من العبَّاد المتألِّهين، ومن قرَّاء القرآن المشهورين، قرأه على معاذ بن جبل رضي الله عنه، وبلغ من إتقانه حروفَ القرآن أنَّ عمر رضي الله عنه كتب إلى عمرو بن العاص: "أنْ قرِّب دارَ عبدالرحمن بن ملجم من المسجد ليعلِّم الناس القرآن والفقه"، فوسع له مكانَ داره.

قال ابنُ حبان رحمه الله تعالى: فخرج عبدالرحمن بن ملجم ومعه سيفٌ مَسلول حتى أتى مسجدَ الكوفة، وخرج عليٌّ من داره وأتى المسجد وهو يقول: "أيها الناس، الصلاةَ الصلاةَ، أيها الناس: الصلاة الصلاة"، وكانت تلك ليلة الجمعة لسبع عشرة خلَت من رمضان، فصادفه عبدُالرحمن بن مُلجم من خلفه، ثم ضربَه بالسيف ضربة من قَرنه إلى جبهته...، فقال عليٌّ رضي الله عنه: "احبسوه وأطيبوا طعامه، وألينوا فراشَه، فإن أَعش فعفوٌ أو قصاص، وإن أمُت فألحقوه بي أخاصمُه عند ربِّ العالمين، فمات عليُّ بن أبي طالب غداةَ يوم الجمعة.

وصدق أبو حيان الأندلسي حين قال:
يظنُّ الغُمْرُ أنَّ الكُتْب تهدي
أخا فهمٍ لإدراك العلومِ

وما يدري الجَهول بأنَّ فيها
غوامضَ حيَّرت عَقل الفهيمِ

إذا رُمتَ العلومَ بغير شيخٍ
ضلَلْتَ عن الصراط المستقيمِ




ضُرب بتوما الحكيم المَثَل في الجهل، قرأَ حديث: ((الحبة السوداء فيها شفاءٌ من كلِّ داء))، فقرأها بالتصحيف: "الحيَّة السوداء"، وكان يداوي بذلك؛ فهلك على يديه نفرٌ كثير.

وأهل البدع والمحدَثات يندرجون تحتَ هذه الطبقة؛ لذا تجدهم متعصِّبين لبدعهم مع مخالفتها لشرع الله، وكلُّ مجتهد مخطئ يدخلُ تحت هذا النوع من البشر، لكنَّ أهل الاجتهاد خُلُقهم التواضع، وسَمتهم الأدب، ودَيْدنهم الرجوع إلى الحقِّ متى ما اتضحَت معالمه.

الثالث: من ساء فهمُه وساء قصدُه: وهؤلاء هم المنافقون الذين جمعوا بين قلَّة العلم ومرضِ القلب، ونزل فيهم وفي أشباهِهم قولُه تعالى: ï´؟ وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ï´¾ [محمد: 16]، ويلحق بهؤلاء العلمانيُّون والليبراليون والماسونيون والعصرانيون والحداثيون، وسائر إخوانهم، الذين جمعوا بين الجهلِ وخُبث المقصد، فهم يستغلُّون أخطاءَ الإسلاميين، ويتصيَّدون عثرات المسلمين ويتاجرون بها، ويطيرون بها كلَّ مطار، ويستثمرونها لتشويه الدِّين والطعن فيه وفي رسوله صلى الله عليه وسلم، وينشرونها في كلِّ المواقع والمحافل.

الرابع: من صحَّ فهمُه وحسن قصده: وهؤلاء خير الناس، وهم الذين ï´؟ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ï´¾ [النساء: 69]، الذين تعلَّموا قبل أن يعملوا، فساروا على هدًى وبصيرة، وجمعوا بين العلمِ والعمل، وهم المذكورون في قوله تعالى: ï´؟ فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ï´¾ [الزمر: 17، 18]، وهذا الوصف ينطبق على أصحاب رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، خير جيل عرفَه التاريخُ، ويشاركهم في هذا المدح مَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، فهم الذين عرفوا الحقَّ واتبعوه ï´؟ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ï´¾ [البقرة: 285].

فعلى كلِّ مسلم أن يعرف موقعَه من الإعراب بين هذه الأنواع المختلفة من البشر.

وقد قال الخليل بن أحمد الفراهيدي: "الرجالُ أربعة: رجلٌ يدري ويدري أنه يدري، فذلك العالِم فاسألوه، ورجلٌ يدري ولا يدري أنه يدري، فذلك غافل فنبِّهوه، ورجل لا يدري، ويدري أنه لا يدري، فذلك جاهلٌ فعلِّموه، ورجلٌ لا يدري ولا يدري أنه لا يدري، فذلك أحمقُ فاجتنبوه".



هذه الأقسام يشترك فيها الرجالُ والنساء، و"رحم الله امرأً عرف قَدْر نفسه".

نسأل اللهَ أن يهدينا الصراط المستقيم؛ صراط الذين أنعم عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 25.39 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.77 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.47%)]