موسوعة الفرق كاملة
بسم الله الرحمن الرحيم سوف يكون هذا الموضوع موسوعة الفرق 52 فرق موضوع متكامل إخوان الصّـفاء في النّصف الثاني من القرن الرّابع الهجري (العاشر الميلادي) ظهرت جماعةٌ سياسيةٌ دينيةٌ ذات نزعات شيعيّة متطرفة، وربما كانت إسماعيلية على وجهٍ أصح. وأعضاء هذه الجماعة التّي اتّخذت البصرة مقرًا لها، كانوا يطلقون على أنفسهم "إخوان الصّفاء" لأن غاية مقاصدهم إنّما كانت السّعي إلى سعادة نفوسهم الخالدة، بتضافرهم فيما بينهم، وبغير ذلك من الطّرق، وخاصة العلوم التي تُطهّر النّفس. ولسنا نعرف شيئًا عن نشاطهم السّياسي. أمّا جهودهم في التّهذيب النظري، فقد أُنتِجَت سلسلةٌ من الرّسائل رُتبِّت ترتيبًا جامعًا لشِتَات العلوم، متمشّيًا مع الأغراض التي قامت من أجلها الجماعة. ويقال عادةً إنّ هذه الرّسائل قد جُمِعَت ونُشِرَت في أواسط القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) تقريبًا. وهي تبلغ 52 رسالة (تشمل طبعة بومباي 52 رسالة، وهي في هذا تتّفق مع ما وُرِدَ في فهرس الموضوعات المُثبّت في أوّلها، كما تتّفق مع آخر ما وُرِدَ في الرّسالة الأولى منها، ولكنّنا نستدلّ من الرّسائل الأخيرة من القسم الرابع منها أنَّ عددها 51 رسالة فقط). ويُذكَر من مُؤلّفيها: أبو سليمان محمد بن مشير البستي المشهور بالمقدسي، وأبو الحسن علي ابن هارون الزّنجاني، ومحمد بن أحمد النّهرجوري، والعوفي، وزيد بن رفاعة. ولا نستطيع أن نعرف الآن شيئًا أكثر من هذا، لأن إخوان الصّفاء كانوا يميليون إلى التّعبير عما يجول في نفوسهم بأسلوبٍ غير صريح. والآراء التي تضمّنتها هذه الرسائل – على قدر ما أمكننا تحقيقه– مستمدّة من مؤلفات القرنين الثامن والتاسع الميلاديين. ونزعتهم الفلسفية هي نزعة قدماء مُترجمي الحكمة اليونانية والفارسية والهندية وجامعيها. وتتردّد في هذه الرسائل أسماء هرمس وفيثاغورس وسقراط وأفلاطون أكثر من أرسطوطاليس. وهذا الأخير يعتبرونه منطقيًا ومؤلّفًا لكتاب "أثولوجيا" الأفلاطوني و"كتاب التّفاحة". ولا نجد في رسائل إخوان الصّفاء أثراً للفلسفة المشائية الحقيقية التي بدأت بظهور الكَندي. ومن خصائص نزعتهم الفلسفية أنهم لم يأخذوا شيئًا من الكَندي، ولو أنهم أخذوا من أحد تلاميذه الذين انحرفوا عن مذهبه، وهو المنجم البهرج أبو معشر المتوفّي عام 272هـ(885م). وليس معنى ذلك أنّهم لم يكونوا على درايةٍ بمصنّفات الكندي ومدرسته. وتدلّنا الترجمة اللاتينية التي كُتِبَت في القرون الوسطى للرّسالة الثالثة عشرة أنها من تأليف "محمد تلميذ الكندي". أُخِذَت هذه الرّسائل من كل مذهبٍ فلسفيّ بطرف. والمحور الذي تدور عليه هو فكرة الأصل السّماوي للأنفس وعودتها إلى الله. وقد صَدَر العالم عن الله، كما يصدر الكلام عن المُتكلّم أو الضوء عن الشمس؛ ففاض عن وحدة الله بالتّدرج: العقل، ومن العقل النّفس ثم المادة الأولى، ثم عالم الطّبائع، ثم الأجسام، ثم عالم الأفلاك، ثم العناصر، ثم ما يتركّب منها وهي المعادن والنّبات والحيوان. والمادة في هذا الفيض تبدو أساسًا للتّشخص ولكلّ شرّ ونقص. وليست النفوس الفردية إلاّ أجزاء من النّفس الكلية، تعود إليها مطهّرة بعد الموت، كما ترجع النفس الكلية إلى الله ثانيةً يوم المعاد. والموت، عند إخوان الصّفاء، يُسمّى البعث الأصغر؛ بينما تُسمّى عودة النفس الكليّة إلى بارئها البعث الأكبر. يذهب إخوان الصّفاء إلى أنّ الأديان كلّها، في جميع العصور وعند جميع النّاس، يجب أن تتّفق وهذه الحكمة. وغرض كلّ فلسفة وكلّ دين هو أنّ تتشبّه النّفس بالله بقدر ما يستطيعه الإنسان. وقد أوّلوا القرآن تأويلاً رمزيًا لكيّ يتمشّى مع هذا التّصور الرّوحي للأديان. كما أوّلوا بعض القصص غير الدّينية تأويلاً رمزيًا مثل قصص كتاب "كليلة ودمنة". وقد بيّن "جولد سيهر" كيف أن إسم "إخوان الصّفاء" قد أُخِذَ من قصّة (الحمامة المطوّقة) التّي تذهب إلى أن الحيوانات إذا صفت أخوتها وتبادلت المعونة فيما بينها تستطيع الفكاك من شباك الصّياد وغيرها من المخاطر. قد كُتِبَت هذه الرّسائل الإثنتان والخمسون في أسلوبٍ مُسهِبٍ، فيه تكرار وحض على الفضيلة. وهذه الرّسائل تشبه في الظاهر موسوعةً في العلوم المُختلفة. والجزء الأوّل من هذه الرّسائل يحتوي على أربع عشرة رسالة تعالج مبادىء الرّياضيات والمنطق. بينما يُعالج الجزء الثاني الذي يحتوي على سبع عشرة رسالةٍ العلوم الطّبيعية بما فيها علم النّفس. أمّا الرّسائل العشر التي يتضمّنها الجزء الثالث فتبحث، فيما بعد، الطّبيعة. وتتناول الرّسائل الإحدى عشرة الأخيرة التّصوف والتّنجيم والسِّحر. وقد فُصِلَ الكلام في الرّسالة الخامسة والأربعين من الجزء الرّابع عن نظام هذه الجماعة وطبيعة تكوينها. |
الآبـاء البيض (جمعية مُرسلي إفريقيا) هي جمعية إرساليّة تبشيريّة كاثوليكيّة، أسّسها المطران شارل ألمان لافيجري، في الجزائر عام 1868م. وكان لافيجري أسقف الجزائر منذ العام 1867 م. والقاصد الرّسولي للصحراء الغربية والسودان منذ 1868م. أمّا غاية هذه الجمعية فهو نشر المسيحية في القارة الإفريقية. أصل تسميتها بالآباء البيض الثوب الأبيض الذي اتّخذوه زيًا لهم انسجامًا مع الزّي التّقليدي الذي كان يرتديه سكان شمال إفريقيا. تضمّ جمعية الآباء البيض الكهنة والرّهبان والعُلمانيين. وهي غير مقيّدةٍ بقوانين الرّهبنات المعروفة، وإنما لها قوانينها الخاصّة بها. إنّ اهتمام هذه الجمعية التبشيرية الإفريقية لم يحل دون امتداد نشاطها إلى خارج القارة السّوداء. فقد وصلت دائرة اهتماماتهم إلى الشّرق الأوسط، فأنشأوا في فلسطين دير القديسة حنّة منذ 1878م وكان لهم مقرًا، ضمّ مركزًا لإعداد رجال الدّين الكاثوليك. كما كان لهم في لبنان مركزان: في رياق 1947م، وفي بيروت 1967م. وكانوا قد أسّسوا قبل ذلك، في كندا، أوّل مركز لهم عام 1901م في مدينة كيبيك، ثم تبعته المراكز في مونريال وأوتاوا وتورنتو. |
الإباضـية هذه الفرقة تحمل فكر الخوارج، وهي فرقةٌ موجودةٌ في عصرنا الحاضر. فقد قال بكير بن سعيد أعوشت- أحد علمائهم- إنّهم يوجَدون حاليًا في الجزائر وتونس وعمان وليبيا وزنجبار. مُؤسّس الإباضيّة: إنّهم يُنسَبون في مذهبهم، حسب ما تَذكُر مصادرهم، إلى جابر بن زيد الأزدي الذّي يقدّمونه على كل أحدٍ ويَرْوُون عنه مذهبهم، وهو مِن تلاميذ ابن عبّاس. وقد نُسبوا إلى عبد الله ابن إباض لشهرة موقفه مع الحكّام، واسمه عبد الله بن يحيى بن إباض المري، من بني مرّة بن عبيد، ويُنسب إلى بني تميم. وللإباضية صولةٌ وجولةٌ في باب الخروج على الإمام. فقد ثار يحيى بن عبد الله طالب الحق المُتقدّم اليمن ، وجمع حوله من الأتباع والأنصار، ما شجّعه على الخروج في وجه حكّام بني أميّة سنة128هـ. وهذا الشّخص أصله من حضرموت؛ تأثّر بدعوة أبي حمزة الشّاري، فخرج على مروان بن محمد واحتلّ حضرموت وصنعاء، فسيّر إليه مروان بن محمد قائده عبد الملك بن محمد بن عطية السّعدي فدارت معركةٌ، أَسفَرَتْ عن قَتلِ طالب الحقّ سنة130هـ. ذهب بعض العلماء من الإباضية إلى تحديد الوقت الذي استُعمِِلَت فيه تسمية "الإباضية" وأنّ ذلك كان في القرن الثّالث الهجري، وقبلها كانوا يُسمّون أنفسهم "جماعة المُسلمين" أو "أهل الدّعوة" أو "أهل الإستقامة" كما يذكر ابن خلفون من علمائهم. وذهب ابن حزم إلى القول إنّ الإباضية لا يعرفون ابن إباض وإنّه شخصٌ مجهولٌ. وهذا خطأ منه. فإنّ ابن أباض شخص يعرفه الإباضيون، ولهذا ردّ عليه عليّ يحيى معمر الإباضي، وذكر أنّ الإباضييّن يعرفون إبن إباض معرفةً تامّةً، ولا يتبرّؤن منه. علاقة الإباضية بالخوارج: اتّفقت كلمة علماء الفِرَق على عدّ الإباضية فرقةً من فِرَق الخوارج. وليس المُخالفون للإباضية فقط هم الذين اعتبروهم في عداد الخوارج، وإنّما بعض علماء الإباضية المُتقدّمون أيضًا، إذ لا يوجد في كلامهم ما يدلّ على كراهيتهم لعد الإباضية فرقةً من الخوارج. فقد قال مؤلّف كتاب الأديان، وهو إباضيّ، إنّ الإباضيّين هم أوّل من أنكر المُنكَر على مَن عَمل به وأوّل من أبصر الفتنة وعابها على أهلها. ويقول نور الدين السالمي إنّ إسم الخوارج في الزّمان الأوّل كان مدحًا لأنّه جمع خارجةً، وهي الطّائفة التّي تخرج للغزو في سبيل الله. تبرّأ الخوارج من الخليفة عثمان ومن خلافته وحكموا عليه بالإرتداد. وفي كتاب "كشف الغمّة" لمؤلّفٍ إباضيٍّ يوجد من السبّ والشّتم لعثمان ما لا يوصف. يوجد كذلك في كتابٍ "الأديان"، وكتاب آخر اسمه "الدّليل لأهل العقول" للورجلاني، أنواع من السّباب والشَّتم لعثمان ومدح لمن قتلوه. أمّا بالنسبة لموقفهم من الخليفة علي بن أبي طالب، فإنّه يتّضح بما جاء في كتاب "كشف الغمة"، تحت عنوان فصلٍ من كتاب الكفاية، قوله: "فإن قال ماتقولون في علي بن أبي طالب، قُلنا له إنّ عليًا مع المُسلمين في منزلة البراءة". وقال زعيم الإباضية عبدالله بن إباض نفسه في كتابه لعبد الملك عن معاوية ويزيد وعثمان، كما يرويه صاحب كشف الغمة: "فإنّا نشهد الله وملائكته أنّا براء منهم وأعداء لهم، بأيدينا وألسنتنا وقلوبنا نعيش على ذلك ماعشنا ونموتُ عليه إذا متنا ونبعث عليه إذا بعثنا ونحاسَب بذلك عند الله". وصاحب كتاب "كشف الغمة الجامع لأخبار الأمّة" يشتمُ الحَسَن والحُسين وأوجب البراءة منهما بسبب ولايتهما لأبيهما على ظلمه، وكذلك بسبب قتلهما عبدالرحمن بن ملجم وتسليمهما الإمامة لمعاوية. وهذا الموقف نفسه الذي وقفه الخوارج عمومًا والإباضيّة أيضًا من الصّحابة السّابقين، وقفوه من طلحة بن عبيدالله والزبير بن العوام، وأَوجَبَ لهما الورجلاني النّار. عقائد الإباضية: الإباضية كغيرهم من أهل البِدَع؛ لهم عقائد خالفوا فيها منهج أهل السُّنة والجماعة ووافقوا فيها مَن على شاكلتهم من المُبتدعة. صفات الله: انقسم الإباضيون إلى فريقين في ما يتعلّق بصفات الله: فريق نفى الصّفات نفيًا تامًا خوفًا من التّشبيه بزعمهم. فهم كالجهميّة في ذلك؛ وفريق منهم يُرجِعُون الصّفات إلى الذّات، فقالوا إنّ الله عالم بذاته وقادر بذاته وسميع بذاته إلخ.. فالصّفات عندهم عين الذّات. وهذا، في الحقيقة، نفيٌ للصّفات ولكنه نفي مُغطّى بحيلة إرجاعها إلى الذّات وعدم مشابهتها لصفات الخلق. وقد شنّع الورجلاني منهم على الذّين يثبّتون الصّفات بأنّهم مشبهة كعباد الأوثان وأن مذهب أهل السُّنة هو- حسب قوله - تأويل الصّفات. فاليد النّعمة والقدرة والوجه الذات ومجيء الله مجيء أمره لفصل القضاء، لأنّ إثبات الصّفات لله هو عين التّشبيه كما يقول. وطريقة السّلف في إثبات كلّ صفةٍ لله أنّهم يقولون فيها إنّها معلومة المعنى مجهولة الكَيف، والسّؤال عن الكَيف بدعةٌ. استواء الله وعلوه: وتقول عقيدة الإباضية في استواء الله وعلوّه. ويزعم الإباضيون أنّ الله يستحيل أن يكون مختصًا بجهةٍ ما، بل هو في كلّ مكانٍ. ولهذا، فقد فسّر الإباضية معنى استواء الله على عرشه باستواء أمره وقدرته ولطفه فوق خلقه. رؤية الله: ذهبت الإباضية في باب رؤية الله تعالى إلى إنكار وقوعها لأنّ العقل -كما يزعمون- يحيل ذلك ويستبعده. كلام الله تعالى: ومن عقائد الإباضية، في كلام الله تعالى، القول بخلق القرآن، بل حَكَمَ بعض علمائهم، كإبن جميع والورجلاني أنّ مَن لم يقل بخلق القرآن فليس منهم. عذاب القبر: أنكر بعض الإباضية عذاب القبر وأثبته بعضهم. مُعتقدهم في الميزان: الميزان، عند السّلف والمُسلمين والذي جاءت به النّصوص، له كفّتان حسّيتان مشاهَدَتان، تُوزَن فيه أعمال العباد كما يُوزِن العامل نفسه. أمّا الإباضية، فتنكر هذا الوصف ويثبتون وزن الله للنّيات والأعمال، بمعنى تمييزه بين الحَسَنِ منها والسّيء؛ وإنّ الله يفصل بين النّاس في أمورهم ويقفون عند هذا الحد. الصّراط: أنكر الإباضية الصّراط وقالوا إنّه ليس بجسرٍ على ظهر جهنّم؛ وذهب بعضهم -وهم قلّة- إلى إثبات الصّراط. الإمام: ينظر الخوارج كافّةً إلى الإمام نظرةً حازمةً، هي إلى الرّيبة منه أقرب، ولهم شروط قاسية جدًا قد لاتتوفّر إلاّ في القليل النادر من الرّجال. وإذا صدر منه أيّ ذنبٍ فإمّا أن يعتدل ويعلن توبته وإلاّ فالسيف جزاؤه العاجل. التّقية: جَوّز الإباضية التّقية كإخوانهم الرّافضة. وقد أورد الرّبيع بن حبيب في مسنده رواياتٍ في الحثّ على التّقية. عقائد أخرى: قال أبو الحسن الأشعري: "الإباضية يقولون إن جميع ما افترض الله سبحانه على خلقه إيمان، وإنّ كلَّ كبيرةٍ فهي كفر نعمة، لا كفر شركٍ، وإنّ مُرتكبي الكبائر في النّار، خالدون فيها". وقال يزيد بن أنيسة، زعيم اليزيدية من الإباضية: "نتولّى مَن شهد لمحمد صلّى الله عليه وسلّم بالنّبوة من أهل الكتاب، وإن لم يدخلوا في دينه ولم يعملوا بشريعته...". وزعم أنهم بذلك مؤمنون. وقال الإباضية جميعًا إنّ الواجب أن يستتيبوا من خالفهم في تنزيلٍ أو تأويلٍ. فإن تاب وإلاّ قُتِلَ. كان ذلك الخلاف فيما يسع جهله أو فيما لايسع جهله. وقالوا: "مَن زنى أو سرق، أقيم عليه الحدّ ثم استتيب، فإن تاب وإلاّ قُتِلَ. وقالوا: "الإصرار على أيّ ذنبٍ كان كفرًا". |
الإسـماعيليّة
فرقة إسلامية تختلف عن الموسويّة والإثنى عشريّة بإثبات الإمامة لإسماعيل بن جعفر الصّادق، من ذرّية علي. قالوا، وبعد إسماعيل محمد بن إسماعيل السّابع التّام: "ولن تخلو الأرض قط من إمامٍ حيٍّ قاهرٍ، إمّا ظاهرٍ مكشوفٍ وإمّا باطنٍ مستورٍ. فإذا كان الإمام ظاهرًا يجوز أن تكون حجّته مستورة؛ وإذا كان الإمام مستورًا فلا بُدّ أن تكون حجّته ودعاته ظاهرين". مذهبهم أنّ مَن مات ولم يعرف إمام زمانه، مات ميتةً جاهليّةً. وكذلك مَن مات ولم يكن في عُنقه بيعة إمامٍ، مات ميتةً جاهليّةً. وكانت لهم دعوةٌ في كلّ زمانٍ. ويُلقَّبون بالباطنية أيضًا لحكمهم بأنّ لكل باطنٍ ظاهرًا، ولكلّ تنزيلٍ تأويلاً، إلخ.. وَجَدَت هذه الفرقة كما وَجَدَت أخواتها الكثير من الإضّطهاد فاضّطرت إلى الهجرة إلى أقصى خراسان والعراق هربًا ممّا يحيق بها من خطرٍ؛ وأصبحت في القرن الثاني الهجري على وشك الإنحلال. إلاّ أنّه ظهر رجل اسمه عبد اللّه بن ميمون من فارس، فأعاد تأسيس هذه الفرقة التّي أصبحت تُعرَف بالإسماعيلية ورتّبها على تسعة رُتَبٍ، لا يُرَقّى أحد من رتبةٍ إلى ما فوقها إلاّ بالإستعداد والأهلية. الدّرجة الأولى: العامّة؛ وكان الدُّعاة الموجّهون من قبل ذلك الزّعيم يجتذبونهم بالسّفسطات والوعود في تفسير رموز الدّين، فيبدأوا بأن يقولوا لهم: "ما حكمة رمي الجمار في الحجّ، وما حكمة السّعي بين الصّفاء والمروة، ولماذا خلق اللّه العالم في ستّة أيام ولم يخلقها في ساعةٍ، وهو قادر على ذلك؟ ما هي روحك؟ من أين أتَت وإلى أين تذهب؟ إلخ.. من الأسئلة التي تشتاق لها العامة وتقبل فيها كل ما يُقال". ومتى هيج عند النّاس الميل لسماع الأجوبة، قيل لهم "لا تعجلوا، الدّين أغلى من أن تُبذَل حقائقه لمن لا يعيها ولا يصونها، ولا بُدّ مِن أخذ العهد والميثاق على كلّ مَن يريد أن يشاركنا في أسرارنا هذه بأن لا يكشف لنا سرًا ولا ينصُبُ لنا أحبولة وأن يصدّقنا ويدافع عنّا، إلخ.." فيأخذ على النّاس العهود ويأمرهم بالتّسليم المحض والخضوع التّام، ثم يتركهم وشكوكهم إلى حين. الدّرجة الثّانية: يُكاشفون المُستعدّين للتّرقي من أهل الدّرجة الأولى بأنّ الناس قد ضُلُّوا بتقليد الأئمّة الأربعة وأن الذي يقلّد في الحقيقة هو الإمام المعصوم. الدّرجة الثالثة: يكشفون له العقيدة في الأئمّة، وهي أنّهم سبعة والإمام الحاكم هو السّابع وأنه عالم بكل سرائر الدّين ورموزه. الدّرجة الرابعة: يقولون إنّه كما أنّ عدد الأئمّة سبعة كذلك عدد الرُّسل الذين جاؤوا بشرائع ناسخة وكان لكلّ منهم مساعد ولمُساعدهم مساعد إلى سبعةٍ أيضًا. كلٌّ من هؤلاء السّبعة المساعدون يُدعَى "الصّامت". وأمّا مُؤسّسو الأديان، فيُدعى كلٌّ منهم "النّاطق". والنّاطقون هم آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمّد، إلى إمام الوقت عبد اللّه، المُومأ إليه. سرّ هذه المزاعم هو تغيير عقيدة المُريد المُتّبع لهم من أنّه لا وحي بعد النّبي محمد، والإدّعاء بأن الوحي مستمرّ على توالي الأجيال في الأئمة المعصومين. ومن هنا يخرج المُريد عن الإسلام، شَعَر أم لم يشعُر. الدرجة الخامسة: يقولون للمُريد إنّ شريعة محمد ستُنسَخ، وينظرون للمريد، فإن كان فارسيًا ذكّروه بذلّه للعرب وخنوعه لهم وحمّسوه للتخلّص من نيرهم. وإن كان عربيًا هيّجوه على الفُرس وأروه سوء رغبةٍ تداخلهم في حكومته. الدّرجة السادسة: يرون المُريد عدم وجوب العبادات من صلاةٍ وصومٍ... ويزعمون أنّ كل هذه التّقاليد وُضِعَت لإخضاع العوام والسّيطرة عليهم من قِبَلِ من قالوا إنّهم أنبياء وإنّ الفلاسفة اليونانيين أكمل عقولاً وأوسع علمًا من أولئك النّبيين. ولكنهم لا يوصلون من المُريدين إلى هذه الدرجة وما بعدها ممّا يكشف السّر النهائي إلاّ نفرًا قليلين جدًا لأنّه لما كان غرض عبد اللّه بن ميمون هذا تأسيس مملكةٍ لذرّيته، كان من العقل والتّبصر أن يمسك العامة بدين يربطهم، لأنّهم لو ألحدوا لسعى كلّ منهم لشهوات نفسه دون غيره. كانوا ينتخبون الدّعاة من أصحاب اللُّسن، وكانوا يجتذبون الناس بالتأثير على عقولهم بطرقٍ لا يجاريهم فيها غيرهم. وبذلك استفحل أمر هذه الفرقة في القرن الثّاني والثالث والرابع والخامس، وصارت لهم جيوش وحصون. وكانت مملكة البحرين كلّها لهم. وحدث أنّ القرامطة، وهي فرقة منهم بالعراق، نمت وتكاثرت حتى صارت خطرًا على بلاد العرب. وحدث أنّها هاجمت الحجّاج في البيت الحرام، وقتلت منهم ألوفًا مؤلّفةً، قيل ثلاثين ألفًا وقيل سبعين ألفًا، وأخذوا الحجر الأسود وأتوا من الفظائع ما يقشعرّ له جسد الإنسان. ثم ردوا الحجر إلى محلّه. |
الأشـاعرة
الأشاعرة فرقةٌ كلاميّة إسلامية، تُنسَب لأبي الحسن الأشعري الذي خرج على المُعتزلة. وقد اتّخذت الأشاعرة البراهين والدّلائل العقلية والكلامية وسيلةً في محاججة خصومها من المعتزلة والفلاسفة وغيرهم لإثبات حقائق الدّين والعقيدة الإسلامية على طريقة ابن كلاّب. التّـأسـيس وأبـرز الشّـخصيـات: * أبو الحسن الأشعري: هو أبو الحسن علي بن إسماعيل، من ذرية أبي موسى الأشعري. وُلِدَ بالبصرة سنة 270هـ ومرّت حياته الفكرية بثلاث مراحل: - المرحلة الأولى: عاش فيها في كنف أبي علي الجيّائي شيخ المُعتزلة في عصره وتلقّى علومه حتّى صار نائبه وموضع ثقته. تزعّم أبو الحسن المعتزلة أربعين سنةٍ. - المرحلة الثّانية: ثار فيها أبو الحسن على مذهب الإعتزال الذي كان ينافح عنه، بعد أن اعتكف في بيته خمسة عشر يومًا، يُفكّر ويدرس ويستخير الله تعالى حتّى اطمأنّت نفسه وأعلن البراءة من الإعتزال، وخطّ لنفسه منهجًا جديدًا يلجأ فيه إلى تأويل النّصوص بما ظنّ أنّه يتّفق مع أحكام العقل. وفيها اتّبع طريقة عبد الله بن سعيد بن كلاّب في إثبات الصّفات السّبع عن طريق العقل: الحياة والعلم والإرادة والقدرة والسّمع والبصر والكلام. أمّا الصّفات الخبرية كالوجه واليدين والقدم والسّاق فتأولها على ما ظنّ أنّها تتفق مع أحكام العقل؛ وهذه هي المرحلة التّي مازال الأشاعرة عليها. - المرحلة الثّالثة: إثبات الصّفات جميعها لله تعالى من غير تكييفٍ ولا تشبيهٍ ولا تعطيلٍ ولا تحريفٍ ولا تبديلٍ ولا تمثيل. وفي هذه المرحلة، كَتَب كتاب الإبانة عن أصول الدّيانة الذي عبّر فيه عن تفضيله لعقيدة السّلف ومنهجهم والذي كان حاملاً لوائه الإمام أحمد بن حنبل بثمانية وستين مؤلّفًا. بعد وفاة أبي الحسن الأشعري، أخذ المذهب الأشعري أكثر من طورٍ. فقد تعدّدت اجتهادات أئمّة المذهب ومناهجهم في أصول المذهب وعقائده، وما ذلك إلاّ لأن المذهب لم يُبنَ في البداية على منهجٍ مُؤصّلٍ، واضحةٌ أصوله الإعتقاديّة، ولا كيفية التّعامل مع النّصوص الشرعية، فتذبذبت مواقفهم واجتهاداتهم بين موافقة مذهب السّلف واستخدام علم الكلام لتأييد العقيدة والرّد على المُعتزلة. من أبرز مظاهر ذلك التّطور: - القرب من أهل الكلام والإعتزال. - الدّخول في التّصوف وإلتصاق المذهب الأشعري به. - الدخول في الفلسفة وجعلها جزءًا من المذهب. الأفكار والمُعـتقدات: * مصدر التّلقي عند الأشاعرة: الكتاب والسّنة على مُقتضى قواعد علم الكلام ولذلك، فإنّهم يقدّمون العقل على النّقل عند التعارض؛ صرّح بذلك الرازي في القانون الكلّي للمذهب في أساس التّقديس والآمدي وابن فورك وغيرهم. * عدم الأخذ بأحاديث الآحاد في العقيدة لأنّها لا تفيدُ العلم اليقيني ولا مانع من الإحتجاج بها في مسائل السّمعيات أو فيما لا يعارض القانون العقلي. والمُتواتر منها يجب تأويله. * مذهبُ طائفةٍ منهم: صوفيّتهم، كالغزالي والجامي في مصدر التّلقي، تقديم الكشف والذوق على النص، وتأويل النّص ليوافقه. ويسمّون هذا "العلم اللّدني" جريًا على قاعدة الصّوفية "حدَثني قلبي عن ربّي". * يَقسم الأشاعرة أصول العقيدة بحسب مصدر التّلقي إلى ثلاثة أقسامٍ: - قسمٌ مصدره العقل وحده وهو مُعظّم الأبواب ومنه باب الصّفات، ولهذا يسمّون الصّفات التي تُثبّت بالعقل "عقلية". وهذا القسم يحكم العقل بوجوبه من دون توقّف على الوحي عندهم . أمّا ما عدا ذلك من صفات خيرٍ دل الكتاب والسنة عليها فإنّهم يؤوّلونها. - قسم مصدره العقل والنّقل معًا، كالرّؤية (على خلافٍ بينهم فيها). - قسم مصدره النّقل وحده وهو السّمعيات ذات المغيبات من أمور الآخرة، كعذاب القبر والصّراط والميزان وهو ممّا لا يحكم العقل باستحالته. فالحاصل أنّهم في صفات الله جعلوا العقل حاكمًا، وفي إثبات الآخرة جعلوا العقل عاطلاً، وفي الرّؤية جعلوه مساويًا. * خالف الأشاعرة مذهب السّلف في إثبات وجود الله ووافقوا الفلاسفة والمُتكلّمين في الإستدلال على وجود الله بقولهم: "إنّ الكون حادث ولا بُدّ له من مُحدثٍ قديمٍ"؛ وأخصّ صفات القديم مخالفةً للحوادث وعدم حلوله فيها، ومن مخالفته للحوادث إثبات أنّه ليس بجوهرٍ ولا بجسمٍ ولا في جهةٍ ولا في مكانٍ. * التّوحيد عند الأشاعرة هو نفي التّثنية والتّعدد بالذات ونفي التّبعيض والتركيب والتّجزئة، أي نفي الكميّة المتّصلة والمنفصلة. وفي ذلك يقولون: "إنّ الله واحدٌ في ذاته لا قسيم له، واحد في صفاته لا شبيه له، واحد في أفعاله لا شريك له". وهكذا خالف الأشاعرة أهل السنة والجماعة في معنى التّوحيد حيث يعتقد أهل السّنة والجماعة أن التّوحيد هو أول واجب على العبد إفراد الله بربوبيّته وألوهيته وأسمائه وصفاته. إنّ أوّل واجبٌ عند الأشاعرة إذا بلغ الإنسان سنّ التّكليف وهو النّظر أو القصد إلى النّظر ثم الإيمان، ولا تكفي المعرفة الفطرية. الأشاعرة في الإيمان بين المُرجئة التي تقول: "يكفي النّطق بالشّهادتين دون العمل لصحّة الإيمان"، وبين الجهميّة التّي تقول: "يكفي التّصديق القلبي". ورجّح الشيخ حسن أيّوب من المعاصرين أنّ المُصدق بقلبه ناجٍ عند الله وإن لم ينطق بالشّهادتين. و مال إليه البوطي. الأشاعرة مضّطربون في قضية التّكفير؛ فتارةً يقولون: "لا تكفّر أحدًا"، وطورًا يقولون: "لا تكفّر إلاّ مَن كفّرنا"، وتارة أخرى يقولون بأمورٍ توجب التّفسيق والتّبديع أو بأمورٍ لا توجب التّفسيق. فمثلاً، يُكفّرون من يثبت علوّ الله الذاتي أو مَن يأخذ بظواهر النّصوص، حيث يقولون: "إنّ الأخذ بظواهر النّصوص من أصول الكفر". قولهم بأن القرآن ليس كلامُ الله على الحقيقة ولكنّه كلام الله النّفسي وإن الكتب -بما فيها القرآن- مخلوقةٌ. والإيمان والطّاعة بتوفيق الله، والكفر والمعصية بخذلانه. والتّوفيق عند الأشعري خَلق القدرة على الطّاعة، والخذلان، عنده، خلق القدرة على المعصية. وعند بعض أصحاب الأشعري تيسير أسباب الخير هو التّوفيق وضدّه الخذلان. يقول الأشاعرة: "كلّ موجودٍ يصحّ أن يُرى. والله موجودٌ يصحّ أن يُرى". وقد وُرِدَ في القرآن أنّ المؤمنين يرونه في الآخرة. حصر الأشاعرة دلائل النّبوة بالمُعجزات التّي هي الخوارق، موافقةً للمعتزلة وإن اختلفوا معهم في كيفية دلالتها على صدق النّبي بينما يرى جمهور أهل السّنة أنّ دلائل ثبوت النبوة للأنبياء كثيرة ومنها المعجزات. * صاحب الكبيرة إذا خرج من الدّنيا بغير توبةٍ حُكمه إلى الله تعالى؛ إمّا أن يغفر له برحمته وإمّا أن يشفع فيه النّبي. يعتقد الأشاعرة أن الفعل هو مِن خلق الله وهو كسب للعبد لوقوعه مقارنًا لقدرته. قالوا بنفي الحكمة والتّعليل في أفعال الله مُطلقًا. لكنهم قالوا: "إنّ الله يجعل لكلّ نبيٍ معجزة لأجل إثبات صدق النّبي". وافق الأشاعرة أهل السنة والجماعة في الإيمان بأحوال البرزخ وأمور الآخرة من: الحشر والنشر، الميزان، والصراط، الشّفاعة والجنّة والنّار، لأنّها من الأمور المُمكنة التّي أقرّ بها الصادق وأيّدتها نصوص الكتاب والسّنة. وبذلك جعلوها من النصوص السّمعية. كما وافقوا أهل السّنة في القول في الصّحابة على ترتيب خلافتهم، وأن ما وقع بينهم كان خطًا وعن اجتهادٍ منهم، ولذا الكف عن الطّعن فيهم، لأن الطّعن فيهم إما كفر أو بدعة أو فسق. كما يرون الخلافة في قُريش. فضلاً عن تصدّي الأشعري للمعتزلة ومحاجتهم بأسلوبهم الكلامي نفسه ليقطع شبهاتهم ويردّ حجتهم عليهم، تصدى أيضًا للرّد على الفلاسفة والقرامطة والباطنية والرّوافض وغيرهم. الأشعري في كتاب "الإبانة عن أصول الدّيانة" الذي هو آخر ما ألّف من الكُتُب على أصحّ الأقوال، رجع عن كثير من آرائه الكلاميّة إلى طريق السّلف في الإثبات وعدم التّأويل.. يقول: "وقولنا الذي نقول به، وديانتنا التي ندين بها التّمسك بكتاب ربّنا عزّ وجل وبيّنة نبّينا عليه السّلام، وما رُوِيَ عن الصّحابة والتابعين وأئمة الحديث ونحن بذلك مُعتصمون، وبما كان يقول به أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل - نضر الله وجهه، ورفع درجته، وأجزل مثوبته- قائلون، ولما خالف قوله مُخالفون". لا تزال مدرسة الأشعرية الفكرية مُهيمنة على الحياة الدينية في العالم الإسلامي. ولكنّها، كما يقول الشيخ أبو الحسن النّدوي: " فقدت حيويتها ونشاطها الفكري، وضعف إنتاجها في الزّمن الأخير ضعفًا شديدًا وبدت فيها آثار الهرم والإعياء". لماذا ؟ - لأن التّقليد طغى على تلاميذ هذه المدرسة وأصبح علم الكلام لديهم علمًا مُتناقلاً من دون تجديدٍ في الأسلوب. - لإدخال مُصطلحات الفلسفة وأسلوبها في الإستدلال في علم الكلام.. فكان لهذا أثر سيّئ في الفكر الإسلامي لأن هذا الأسلوب لا يفيد العلم القطعي.. ولهذا لم يتمثّل الأشاعرة بعد ذلك مذهب أهل السّنة والجماعة ومسلك السلف تمثّلاً صحيحًا لتأثّرهم بالفلاسفة، وإن هُم أنكروا ذلك.. حتّى الغزالي نفسه الذي حارب الفلاسفة في كتابه "تهافت الفلاسفة"، يقول عنه تلميذه القاضي ابن العربي: " شيخنا أبو حامد دخل في بطون الفلاسفة، ثم أراد أن يخرج منهم فما قدر". الجـذور الفكريّـة والعقائديّـة: يرى أبو الحسن الأشعري في مرحلته الثّانية أنّ العقيدة الإسلامية، كما هي في الكتاب والسّنة وعلى منهج ابن كلاّب، هي الأساس في آرائه الكلاميّة وفي ما يتّفق مع أحكام العقل. تأثّر أئمّة المذهب بعد أبي الحسن الأشعري ببعض أفكارٍ ومُعتقداتٍ: الجُهمية من الإرجاء والتّعطيل وكذلك بالمعتزلة والفلاسفة في نفي بعض الصّفات وتحريف نصوصها ونفي العلو والصّفات الخبرية. كما تأثّروا بالجبرية في مسألة القَدَر. |
البـاطنيّة
هم الإسماعيلية، وإنّما لُقّبوا بهذا اللّقب لحكمهم بأنّ لكلّ ظاهرٍ باطنًا، ولكلّ تنزيلٍ تأويلاً. ولهم ألقاب كثيرة غير هذه، على حَسب البقاع التّي نشأوا بها والمقالات التي دعوا إليها. فهم بالعراق يُسَمّون الباطنية والقرامطة والمزدكية، وبخراسان يسمّون التعليمية والملحدة. وهم يقولون: "نحن إسماعيلية لأننّا تميّزنا من فرق الشّيعة بهذا الإسم وهذا الشّخص". والباطنية الأولى قد ألفوا لهم مذهبًا خلطوا فيه بين الفلسفة والتّصوف وصنّفوا فيه كُتُبًا كثيرةً، ولهم علماء وأئمّة مشهورون. قالوا في الخالق: "إنه موجود ولا عالم ولا قادر، إلخ". فإن الإثبات الحقيقيّ يقتضي شركةً بينه وبين سائر الموجودات. فلم يمكن الحكم بالإثبات المُطلق والنّفي المُطلق، بل هو إله المُتقابلين وخالق الخصمين والحاكم بين المتضادين. وروُوا عن محمد بن علي الباقر أنه قال: "لما وهب اللّه العلم للعالمين قيل هو عالم؛ ولما وهب القدرة للقادرين قيل هو قادر. فهو عالم وقادر بمعنى أنّه وهب العلم والقدرة". وقالوا "كذلك نقول في القِدَم إنّه ليس بقديمٍ ولا محدثٍ بل القديم أمره وكلمته، والمُحدث خلقه وفطرته، أبدع بالأمر العقل الأوّل الذي هو تام بالفعل، ثم بتوسّطه أبدع النّفس الثاني الذي هو غير تامٍ. ونسبة النفس إلى العقل، إمّا نسبة النّطفة إلى تمام الخلقة والبيض إلى الطّير؛ وإمّا نسبة الولد إلى الوالد والنتيجة إلى المُنتج؛ وإمّا نسبة الأُنثى إلى الذّكر والزّوج إلى الزّوج. قالوا: ولما اشتاقت النّفس إلى كمال العقل واحتاجت إلى حركةٍ من النّقص إلى الكمال، احتاجت الحركة إلى آلة الحركة، فحدّثت الأفلاك السّماوية وتحرّكت حركةً دوريّةً بتدبير النّفس، وحدّثت الطّبائع البسيطة بعدها، وتحرّكت حركةً استقامت بتدبير النّفس أيضًا؛ فتركّبت المركبات من المعادن والنّبات والحيوان والإنسان، واتّصلت النّفوس الجزئية بالأبدان. وكان نوع الإنسان متميّزًا عن سائر الموجودات بالإستعداد الخاص لفيض تلك الأنوار. وكان عالمه في مقابل العالم العُلويّ عقل ونفس كليّ. ووُجِبَ أن يكون في هذا العالم عقل شخص هو كلّ، وحكمه حكم الشخص الكامل البالغ يسمّونه الناطق وهو النبي ونفس مشخّصة هو كلّ أيضًا، وحكمها حكم الطفل النّاقص المتوجّه إلى الكمال أو حكم المنطقة المتوجّهة إلى التّمام أو حكم المُزدوج بالذكر ويسمونه الأساس. وقالوا كما تحرّكت الأفلاك بتحريك النّفس والعقل والطّبائع، كذلك تحرّكت النّفوس والأشخاص بالشّرائع بتحريك النبي والوصي. وفي كل زمانٍ دائر سبعة سبعة حتى ينتهي إلى الدور الأخير ويدخل زمان القيامة وترتفع التّكاليف وتضمحلّ السُّنن الشّرعية لتبلغ النّفس إلى حال كمالها بلوغها إلى درجة العقل واتحادها به ووصولها إلى مرتبته فعلاً وذلك هو القيامة الكبرى. فتنحلّ تراكيب الأفلاك والعناصر والمركبات، وتنشقّ السّماء وتتناثر الكواكب وتبدّل الأرض غير الأرض وتُطوَى السّماوات كطيّ السّجل للكتاب المرقوم فيه ويُحاسب الخلق ويتميّز الخير عن الشر والمطيع عن العاصي وتتّصل جزئيات الحق بالنّفس الكُليّ وجزئيات الباطل بالشّيطان المُبطل. فمن وقت الحركة إلى السّكون هو المبدأ، ومن وقت السكون إلى ما لا نهايةٍ له هو الكمال. ثم قالوا ما من فريضةٍ وسنةٍ وحكمٍ من أحكام الشّرع من بيع وإجارة وهبة ونكاح وطلاق وجراح وقصاص ودّية إلاّ وله ما يقابله من العالم عددًا في مقابلة حَكمٍ. فإن الشّرائع عوالم روحانية أمرية والعوالم شرائع جسمانية خلقية، وكذلك التّركيبات في الحروف والكلمات على ما يقابله من تركيبات الصّور والأجسام والحروف المُفردة، نسبتها إلى المركّبات من الكلمات كالبسائط المجرّدة إلى المركبات من الأجسام. ولكلّ حرفٍ وزان في العالم وطبيعة يخصّها وتأثير من حيث تلك الخاصية في النفوس. فعن هذا، صارت العلوم المُستفادة من الكلمات التّعليمية غذاء للنفوس، كما صارت الأغذية المستفادة من الطّبائع الخُلقية غذاء للأبدان. وقد قدّر اللّه أن يكون غذاء كلّ موجود بما خلقه منه. فعلى هذا الوزان صاروا إلى ذكر أعداد الكلمات والآيات، وأن التّسمية مُركّبة من سبعة واثني عشر وأن التّهليل مركّب من أربع كلماتٍ في إحدى الشّهادتين وثلاث كلمات في الشّهادة الثانية وسبع قطع حرفًا في الثانية، وكذلك في كلّ آية أمكنهم استخراج ذلك. وقد وضعوا في ذلك كُتبًا ودعوا أئمّتهم الذين هم عَرَفَة هذه الرسوم وكَشَفَة هذه المساتير. ثم لما أظهر الحسن بن الصّباح دعوته، ترك أحزابه هذه الدّعاوى وقصّروا دعوتهم إلى اتّخاذ إمامٍ صادقٍ معصومٍ في كلّ زمانٍ، وتعيين الفرقة النّاجية من فرق المُسلمين. وكان باطن الأمر قلب الحكومة والإستبداد بها. ولأجل نيل مأربهم عمدوا إلى المقاتلة، فصعد رئيسهم إلى قلعة الموت بالعراق وتحصّن بها سنة 383 هـ. وكان من أمرهم ما كان من العبث بالنّظام والعبث بالرّاحة العامة، حتى انتهى أمرهم بالإضمحلال. |
البريلوية
البريلوية فرقةٌ صوفيّة نشأت في شبه القارّة الهندية الباكستانية، في مدينة بريلي في ولاية أوترابراديش بالهند، أيّام الإستعمار البريطاني؛ وقد اشتهرت بمحبّة وتقديس الأنبياء والأولياء بعامةٍ والنّبي (ص) بخاصّة. مُؤسّس هذه الفرقة أحمد رضا خان تقي علي خان (1865-1921م). سمّى نفسه عبد المصطفى، وهذا لا يجوز في الإسلام لأنّ العبوديّة لله وحده. وُلِدَ في بريلي بولاية اترابرديش وتتلمذ على الميرزا غلام قادربيك. زار مكّة المكرّمة وقرأ على بعض المشايخ فيها عام 1295هـ، وكان نحيلاً حاد المزاج، مُصابًا بالأمراض المُزمنة، دائم الشّكوى من الصداع وآلام الظّهر، شديد الغضب، حاد اللسان، مع فطنةٍ وذكاءٍ. ومن أبرز كتبه: "أنباء المصطفى" و"خالص الإعتقاد" و"دوام العيش والأمن"؛ وله ديوان شعرٍ: "حدائق بخش". من أبرز رجالات البريلوية: - ديدارعلي بريلوي المولود في نواب بور بولاية ألور. من مؤلّفاته: "تفسير ميزان الأديان" و"علامات الوهّابية". - نعيم الدّين المراد آبادي (1883-1948م)، وهو صاحب المدرسة التي سمّاها الجامعة النّعيمية، ويُلقّب بصدر الأفاضل. من كتبه: "الكلمة العُليا في عقيدة علم الغيب". أمجد علي بن جمال الدّين بن خدابخش، وُلِدَ في كهوسي وتخرّج في المدرسة الحنفيّة بجونبور. له كتاب "بهار شريعت". - حشمت علي خان: وُلِدَ في لكهنو، وسمّى نفسه كلب أحمد رضا خان، مُعتزًا بهذه التّسمية. وله كتاب "تجانب أهل السنة"، ويُلقّب بـ"غيظ المُنافقين"، وكان موته سنة 1380هـ. - أحمد يار خان: كان شديد التّعصب للفرقة. ومن مؤلّفاته: "جاء الحق وزهق الباطل"، "سلطنة مصطفى". الأفكار والمُعتقدات: يعتقد أبناء هذه الطّائفة أنّ الرسول لديه قدرة يتحكّم بها في الكون. ويقول أحمد رضا خان: "يا غوث -أي يا عبد القادر الجيلاني- إنّ قدرة "كن" حاصلة لمحمد من ربّه، ومن محمد حاصلة لك، وكلّ ما يظهر منك يدلّ على قدرتك على التّصرف، وأنك أنت الفاعل الحقيقي وراء الحجاب". لقد غالوا في نظرهم إلى النّبي حتّى أوصلوله إلى قريبٍ من مرتبة الألوهية. يقول أحمد رضا خان في "حدائق بخش": "إي يا محمد صلى الله عليه وسلم لا أستطيع أن أقول لك الله، ولا أستطيع أن أفرّق بينكما، فأمرك إلى الله هو أعلم بحقيقتك". كما بالغوا في إضفاء الصّفات التي تخالف الحقيقة على النّبي حتى جعلوه عالمًا للغيب. لديهم عقيدة اسمها "عقيدة الشّهود" حيث إنّ النبي في نظرهم حاضر وناظر لأفعال الخلق الآن وفي كلّ زمانٍ ومكانٍ. ينكرون بشرية النّبي ويجعلونه نورًا من نور الله. يحثّون أتباعهم على الإستغاثة بالأنبياء والأولياء، ومَن يستنكر عليهم ذلك يرمونه بالإلحاد. يشيدون القبور ويعمرونها ويجصصّونها وينيرون فيها الشّموع والقناديل وينذرون لها النّذور ويتبرّكون بها ويقيمون الإحتفالات لأجلها، ويضعون عليها الزهور والورود والأرديّة والسّتائر، ويدعون أتباعهم للطّواف حول الضّريح تبرّكًا به. لديهم غلو شديد في تقديس شخصية عبد القادر الجيلاني، ويعظّمون باقي الأولياء من أئمّة المتصوّفة وينسبون إليهم أفعالاً خياليةً خارقةً للعادات، مُتّسمةً بالنّسيج الخرافي الأسطوريّ. ويقولون بالإسقاط وهي صَدَقة تُدفَع عن الميّت بمقدار ما ترك الصّلاة والصّيام وغيرها. ومقدار الصّدقة عن كلّ صلاةٍ أو صيامٍ تركه الميت هو مقدار صَدَقة الفطر المعروفة. أعظم أعيادهم هو ذكرى المولد النّبوي الشّريف، إذ ينفقون فيه الأموال الطائلة، وهو يومٌ مقدّس مشهور لديهم، ينشدون فيه الأناشيد التي تُمجّد الرّسول. الأعراس: هُم يُكفّرون المُسلمين من غير البريلوييّن لأدنى سببٍ. وكثيرًا ما يَرد في كتبهم، بَعدَ تكفير أيّ شخصٍ، عبارةُ: "ومَن لم يكفّره فهو كافر". وقد شمل تكفيرهم الدّيوبنديين وزعماء التّعليم والإصلاح ومحرّري الهند من الإستعمار. وهم يكفّرون أيضًا ابن تيميّة وينعتونه بأنّه مُختلّ وفاسد العقل ويدرجون معه تلميذه ابن القيم ويكرهون الإمام محمد بن عبد الوهاب ويرمونه بأشنع التّهم وأسوأ الألفاظ وما ذلك إلاّ لأنه وقف أمام الخرافات موقفًا حازمًا داعيًا إلى التّوحيد الخالص. الجذور الفكريّة والعقائدية: تُصنَّف هذه الفرقة، من حيث الأصل، ضمن جماعة أهل السّنة المُلتزمين بالمذهب الحَنَفي. وهذا خطأ، حيث يرى بعض الدارسين أن أسرة مؤسّس الفرقة كانت شيعية ثم أظهرت تسننّها تقيةً، لكنّهم مزجوا عقائدهم بعقائد أخرى ودأبوا على الإحتفال بالمولد النبوي على غرار الإحتفالات بعيد رأس السنة الميلادية ما ينسب إلى عيسى. بسبب عيشهم ضمن القارّة الهنديّة ذات الدّيانات المتعدّدة، انتقلت أفكار من الهندوسية والبوذية لتمازج عقيدتهم الإسلامية، وأضفوا على النّبي وعلى الأولياء صفات تماثل تلك الصّفات التي يضفيها الشّيعة على أئمّتهم المعصومين في نظرهم. كما انتقلت إليهم عقائد غلاة المتصوّفة والقبوريين وشركياتهم ونظريّاتهم في الحلول والوحدة والإتّحاد حتّى صارت هذه الأمور جزءًا من معتقداتهم. |
البهـائيّة
البابيّة أوالبهائية حركةٌ نبعت من المذهب الشّيعي الشيخي سنة 1260هـ. أهمّ ما يُؤمن به البهائيّون: * يعتقد البهائيون أنّ الباب هو الذي خلق كل شيء بكلمته وهو المبدأ الذي ظهرت عنه جميع الأشياء. * يقولون بالحلول والإتّحاد والتّناسخ وخلود الكائنات وإنّ الثواب والعقاب إنّما يكونان للأرواح فقط على وجهٍ يُشبه الخيال. * يُقدّسون العدد 19 ويجعلون عدد الشهور 19 شهرًا وعدد الأيام 19 يومًا. * يقولون بنبوة بوذا وكنفوشيوس وبراهما وزاردشت وأمثالهم من حكماء الهند والصين والفرس الأول. * يوافقون النّصارى في القول بصلب المسيح. * يؤوّلون القرآن تأويلات باطنيّة ليتوافق مع مذهبهم. * ينكرون معجزات الأنبياء وحقيقة الملائكة والجنّ، كما ينكرون الجنّة والنار. * يحرّمون الحجاب على المرأة ويحللّون المتعة وشيوعيّة النّساء والأموال. * يقولون إنّ دِين الباب ناسخ لشريعة محمد (ص). * يؤوّلون القيامة بظهور البهاء. أما قبلتهم فهي إلى البهجة بعكّا في فلسطين بدلاً من المسجد الحرام. * الصّلاة عندهم تؤدّى في تسع ركعاتٍ ثلاث مرّات والوضوء بماء الورد، وإن لم يوجد فالبسملة "بسـم الله" الأطهر خمس مرّاتٍ. * لا توجد صلاة الجماعة إلاّ في الصّلاة على الميت وهي ست تكبيرات تقول كلّ تكبيرةٍ (الله أبهى). * الصّيام عندهم في الشهر التاسع عشر شهر العلا فيجب فيه الإمتناع عن تناول الطّعام من الشروق إلى الغروب مدة تسعة عشر يومًا (شهر بهائيّ) ويكون آخرها عيد النيروز 21 آذار، وذلك من سن 11 إلى 42 فقط. * تحريم الجهاد وحمل السّلاح وإشهاره ضدّ الأعداء. * ينكرون أنّ محمدًا خاتمة الأنبياء، مُدّعين استمرار الوحي. وقد وضعوا كُتُبًا معارضة للقرآن الكريم مليئةً بالأخطاء اللّغوية والرّكاكة في الأسلوب. * يبطلون الحج إلى مكة وحجّهم حيث دُفِنَ بهاء الله في البهجة،بعكا بفلسطين. جذورهم العقائدية : * الرّافضة الإمامية. * "الشّيخية" أتباع الشيخ أحمد الإحسائي. أماكن الإنتشار: تقطن الغالبية العُظمى من البهائيين في إيران وقليل منهم في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين المحتلّة حيث مقرّهم الرّئيسي. وكذلك لهم وجود في مصر حيث أُغلِقت محافلهم بقرارٍ جمهوريٍ سنة 1960م؛ كما أنّ لهم عدة محافل مركزية في إفريقيا بأديس أبابا وفي الحبشة وكمبالا بأوغندا ولوساكا بزامبيا وجوهنسبرغ بجنوب إفريقيا وكذلك المحفلى الملّي بكراتشي في باكستان. ولهم أيضًا حضور في الدّول الغربية. فلهم في لندن وفيينا وفرانكفورت محافل وكذلك بسيدني في استراليا. ويوجد في شيكاغو بالولايات المتحدة أكبر معبدٍ لهم وهو ما يُطلق عليه مشرق الأذكار ومنه تَصدُر مجلة "نجم الغرب". وفي نيويورك لهم قافلة الشرق والغرب، وهي حركة شبابيّة قامت على المبادئ البهائية. ولهم كتاب دليل القافلة وأصدقاء العلم. ولهم تجمّعات كبيرة في هيوستن ولوس انجلوس وبروكلين بنيويورك حيث يُقدّر عدد البهائييّن بالولايات المتحدة بحوالى مليونيّ بهائيّ ينتسبون إلى 600 جمعية. |
الخلقيدونيون
خلقيدونة مدينة قديمة في آسيا الصغرى على البوسفور تدعى اليوم كاديكوي. عُقدت في هذه المدينة عدة مجامع كنسية أهمها المجمع المسكوني الرابع سنة 451م. وجاء هذا الاجتماع على خلفية انقسام النصارى حول طبيعة المسيح: هل هي طبيعة واحدة أم من طبيعتين. عُقد هذا المجمع المسكوني بأمر الملك مرقيان وزوجته بلخاريا بالتماس من البابا لاون الروماني الذي سبق أن أهملت رسالته في مجمع إفسس الثاني لاحتوائها على آراء نسطورية. حضر الاجتماع حوالى 500 أسقف في كنيسة القديسة أوفيمية وعُقدت الجلسة الأولى في 8 تشرين الأول/ أكتوبر 451م. افتتح البابا ديوسقورس المجمع مخاطباً الحاضرين: "إنني اقبل عبارة من طبيعتين بعد الاتحاد"، مؤكداً بذلك ما كان القديس كيرلس قد ذهب إليه عن وجود الطبيعتين في الاتحاد وعدم امتزاجهما. ألغى المجمع الخلقيدوني قرارات مجمع أفسس الثاني الذي انعقد سنة 449م وعزل البابا ديسقورس الاسكندري لأسباب قانونية وإدارية، كما حرّم أوطيخا رئيس دير أيوب بالقسطنطينية الذي تبني عقيدة الطبعية الواحدة المتجسدة لكلمة الله. أكد الجانب الخلقيدوني في ما بعد موقفه من النسطورية وذلك في المجمع الخامس المنعقد في القسطنطينية عام 553م ووضع تعريفاً للإيمان بحيث يتضمن النص النهائي حول طبيعة المسيح بأنها "في طبيعتين" وليس "من طبيعتين". لم يكن هذا التعريف نسطوريا، بل ان المجمع في قراراته قد أكد حرم كل من النسطورية والأوطيخية . غير أن هذا التعريف لم يتضمن عبارة "الاتحاد الأقنومي" ولا عبارة "لا يمكن التمييز بين الطبيعتين إلا في الفكر فقط" وهي التي كان قد دعا إليها القديس كيرلس الكبير. وحرّم المجمع عقيدة الامتزاج بين الطبيعتين. رفض البابا ديوسقورس مجمع خلقيدونية، كذلك رفض مقرراته بعض مجموعات شرقية ومنها الكنيسة المصرية. ورغم محاولات التوفيق بين الفريقين: الخلقدوني واللاخلقدوني فإن الخلاف ظل حول عبارة "في طبيعتين" أو "من طبيعتين". جرت محاولات للتوفيق بين الجانبين في آواخر القرن الماضي انتهت بعقد اجتماع في دير الابنا بيشوي بمصر (1989م) وآخر في شامبيزي بسويسرا (1990م). وقبِل الجانبان التعبير اللاهوتي للآخر واتفقا على أن كلمة الله هو هو نفسه قد صار إنساناً كاملاً بالتجسد مساوياً لنا في الجوهر من حيث ناسوته، بلا خطيئة. واتفقا أن الاتحاد بين الطبائع في المسيح هو اتحاد طبيعي أقنومي حقيقي تام بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير ولا انفصال. وقال الجانبان إن السيدة العذراء هي "والدة الإله" وحرّما تعاليم نسطور وأوطيخا. |
القرامطة
القرامطة حركةٌ دينيّةٌ سياسيّةٌ تفرّعت من المباركية إحدى فرق الإسماعيلية. دُعِيَت بهذا الاسم نسبةً إلى مؤسّسها حمدان بن الأشعث قرمط الذي عاش في عهد الخليفة المعتضد العبّاسي، واتّبعت تنظيمًا سريًا دقيقًا. كانوا في الأصل على مقالة المباركية ثم خالفوهم وقالوا: "لا يكون بعد محمد (ص) غير سبعة من الأئمّة. ساعدت الأوضاع الفاسدة والتّهالك والإنحلال في جسم الدولة العباسيّة على نمو الحركات الثّورية المعارضة، ومنها الحركة الإسماعيلية-القرمطيّة التي انتشرت بصورةٍ عجيبةٍ في المشرق الإسلامي وولّدت انفجاراتٍ عسكريةً اقضّت مضاجع الخلافة العبّاسية وحرمتها لذيذ الرّقاد. اعتمدت الفرقة القرمطيّة على الجانب الإعلامي وبعث الدّعاة إلى الأقاليم، كاليمن والحجاز والهند ومصر وبعلبك وواسط وسلمية وعمان وخراسان، فاستطاعت بذلك جذب الأعداد الكبيرة من الموالين لها في تلك البلدان، ألّفوا في ما بعد القواعد الشّعبية التي مكّنتهم من تنظيم الجيوش والتّوجه لنشر عقائدهم. تميّزت الفرقة القرمطية بالسّرية التّامة وتكتّمها وإخفائها للحقائق التي تنطوي عليها والتّستر على كبار قادتها حتّى أخفوا شخصياتهم على المُقرّبين إليهم، ما مكّنهم من النفوذ إلى الكثير من المجتمعات وتعليمهم مذهبهم من دون الكشف عن هوياتهم. اهتمّ زعماء القرامطة بكلّ ما يخدم طموحاتهم ومخططاتهم الثّورية والإجتماعية بدرجةٍ أنّهم لم يعيروا اهتمامًا للإنتماء الإسمي أو الدّيني أو البحث عن الرّسالة ومَن هو الخليفة أو ورثته أو المهدي المُنتظَر. اتخذت القيادة القرمطيّة التدابير المالية بفرض ضرائب متعدّدةٍ لتحصل على رصيدٍ ماديٍ ضخمٍ يُمكّنها من تنفيذ مشاريعها وبرامجها، فطرحت أنواعًا من الضّرائب، كضريبة الفطرة وهي درهم على الرجال والنّساء والأولاد، وضريبة الهجرة وهي دينار عن كلّ مَن أدرك الحنث، وضريبة البلغة وهي سبعة دنانير، وضريبة الخمس وهي خمس الأرباح السنوية. وأسّست نظام الألفة وهي جمع الأموال في موضعٍ واحدٍ. كلّ هذا مكّنها لأن تبني كيانًا اقتصاديًا متينًا. اتّبع القرامطة نهج العنف وانحرفوا عن مسير الحركة الإسماعيلية، وكانوا توّاقين بعنفٍ إلى إمامٍ مهديٍ مُنتَظر يسارع في إنقاذهم من الفوضى الإقتصادية والقلق النّفسي، فأصرّوا على أن يباشروا فورًا في إعلان دولةٍ في بلاد الشّام. كان ابتداء أمر القرامطة أنّ رجلاً قدم من ناحية الأهواز إلى سواد الكوفة يُظهِرُ الزّهد والتّقشف، وأقام على ذلك فترةً. وكان إذا قعد إليه رجلٌ ذاكره أمر الدّين وزهده في الدنيا. ثمّ مرض فمكث على الطّريق مطروحًا. وكان في القرية رجل أحمر العينين حمل المريض إلى منزله واعتنى به حتى بَرِئَ ودعا أهل تلك النّاحية إلى مذهبه فأجابوه واتّخذ منهم اثني عشر نقيبًا أَمَرَهم أن يدعوا النّاس إلى مذهبهم، وقال: <<أنتم كحواري عيسى بن مريم (ع)>>. فاشتغل أهل كور تلك النّاحية عن أعمالهم بما رسم لهم من الصّلوات، وكان للهيصم في تلك النّاحية ضياع فرأى تقصير الأكرة في عمارتها، فسأل عن ذلك فأخبر بخبر الرّجل فأخذه وحبسه وأغلق باب البيت عليه وجعل مفتاح البيت تحت وسادته واشتغل بالشّرب، فرقّت إحدى الجواري للرّجل وأطلقت سراحه من دون أن يعلم الهيصم، وشاع ذلك في النّاس فافتتن أهل النّاحية وقالوا: رُفِعَ ثمّ ظَهَر في ناحيةٍ أخرى ولقي جماعةً من أصحابه وغيرهم ثم خرج إلى ناحية الشّام". وقيل غير ذلك، إنّ حمدان، بن الأشعث قُرمُط، هو الذي التقى بالرّجل الدّاعي ـأحد دعاة الباطنيةـ فالتزم حمدان سرّه ثم اندفع الداعي في تعليمه واستجاب له في جميع مَن دعاه ، ثم انتدب حمدان للدّعوة وصار أصلاً من أصول هذه الدّعوة فسمّى أتباعه القرامطية. وفي البحرين، ظهر رجلٌ من القرامطة يُعرَف بأبي سعيد الجنابي؛ فاجتمع إليه جماعةٌ من الأعراب وقوي أمره ثم سار إلى القطيف. وفي سنة 287 هـ، أغاروا على نواحي هجر وقرّب بعضهم من نواحي البصرة. أسّسوا لهم موضعًا سمّوه "دار الهجرة" يُهاجرون إليها ويجتمعون بها؛ وبنوا حولها سورًا مَنيعًا عَرضُهُ ثمانية أذرعٍ ومن ورائه خندق عظيم، وانتقل إليها الرّجال والنّساء من كلّ مكانٍ، وذلك سنة (277هـ)، فلم يبق حينئذٍ أحدٌ إلاّ خافهم لقوّتهم وتمكّنهم في البلاد. في سنة 289 هـ أحسّت الخلافة العباسية بخطر القرامطة وازدياد حشودهم، فأمرت عاملها في سورية، شبل الديلمي، فألّف جيشًا جرارًا وهاجم الجيوش القرمطيّة، لكنّهم دحروا هذه القوّة بعد أن قتلوا عددًا كبيرًا منها. تمكّن الحسين بن زكرويه أبو مهزول، المُلقّب بصاحب الخال، من تجهيز الجيوش وفتح الرّقة وحلب وحماة وحمص ودمشق وسلميّة، وحقّق الإنتصارات الباهرة وخطب على المنابر وأيّده أهلها. إلتبس على بعض كبار دعاة القرامطة الأمر في أنّ إمامهم هو عبيد الله المهدي، وكانوا ما يزالون يُدينون بالولاء والطّاعة للإمام محمّد بن إسماعيل الذي بذر بذور الدّعوة بينهم واعتبروه المهدي المُنتظر. ولم تفلح الحُجَج والبراهين التي اعتمدها الدّعاة في إقناعهم بأنّ الإمام عبيد الله المهدي بموجب النّص الذي أودعه الإمام محمد بن إسماعيل في عقبه. ويرجع هذا التّعنت من بعض دعاة القرامطة لإنقطاعهم في البادية ولعدم احتكاكهم الدّائم مع مركز الدّعوة الإسماعيلية في سلمية وتتبّعهم تطورات الدّعوة، فاعتبروا أنّ هذه التطورات خارجةٌ عن مفهوم التّعاليم الأولية التي لقّنوها. وفي سنة 317 هـ، هاجم القرامطة مكّـة المكرّمة ونهبوا الكعبة واقتلعوا الحجر الأسود. ولما بلغ ذلك الإمام الإسماعيلي والخليفة الفاطمي عبيد الله المهدي كتب إلى أبي طاهر ينكر ذلك ويلومه، ويقول: «حقّقت على شيعتنا ودُعاة دولتنا إسم الكفر والإلحاد بما فعلت»، وأمره أن يعيد الحجر الأسود إلى موضعه، فأعاده. أنكر القرامطة على الإسماعيلييّن والفاطميين سياسة المُلاينة التي اعتمدوها في كسب العناصر غير الإسماعيليّة؛ وقد جسّدوا معتقداتهم بالعنف والبطش واستحلّوا استعراض الناس بالسيف وقتلهم وأخذ أموالهم والشّهادة عليهم بالكفر. استغلّ القرامطة شعار الإنتساب إلى البيت العلوي الثّائر المُضطهد ونادوا بالعدالة الإجتماعية وطرحوا أنفسهم في قالبٍ دينيٍ ثوريٍ، ما أعطى لتحرّكهم الإطار الشّرعي. ولا يعرف التّاريخ الإسلامي مذهبًا ثوريًا لا يستندُ إلى أساسٍ روحيٍ أو حركةٍ ثوريةٍ عامةٍ لاترجع إلى الدّين. وكان من المألوف في العصور الإسلاميّة أن تظهر الجماعات الدّاعية إلى الثّورة السياسية مُستنيرةً بالمذهب الشّيعي في سبيل نشر رسالتها وتأليب رجالها إلى أن يستتبّ لها الأمر فتسفر عن حقيقة أمرها. قالوا: إنّ النبي (ص) نصَّ على إمامة علي بن أبي طالب، وإنّ عليًا نصّ على إمامة ابنه الحسن، وإنّ الحسن نصّ على إمامة أخيه الحُسين، وإنّ الحسين نصّ على إمامة ابنه علي، وإنّ عليًا نصّ على إمامة ابنه محمد الباقر، ونصّ محمّد على إمامة ابنه جعفر الصّادق، ونصّ جعفر على إمامة ابن ابنه محمد بن إسماعيل. وزعموا أنّ محمد بن إسماعيل حيّ إلى اليوم ولم يمت، ولن يموت حتّى يملك الأرض، وأنّه هو المهدي الذي تقدّمت البشارة به، واحتجّوا في ذلك بأخبارٍ روُوها عن أسلافهم يخبرون فيها أن سابع الأئمّة قائمهم. أثبتوا النّبوة ظاهرًا وأنكروا الوحي وهبوط الملائكة وأوّلوا المُعجزات فجعلوها رموزًا: فثُعبان موسى حجّته، والغمام أمره؛ وأنكروا كون عيسى من غير أب بل هو رمزٌ أخذ العلم من غير إمام وإحياء الموتى. وقالوا إنّ جميع الأشياء التي فرضها الله تعالى على عباده، ومنها نبيّه محمد (ص) وأمر بها لها ظاهر وباطن، وإن جميع ما استعبد الله به العباد في الظّاهر من الكتاب والسنة أمثال مضروبة وتحتها معانٍ هي بطونها وعليها العمل. وأقرّوا حصر ممتلكاتهم في بيت المال وسنّوا التّشريعات التي تحدّد صلاحية الفرد وتُبيّن حقوقه ضمن المجموع. وضمنوا حياة العاجز والعاطل والعامل والصّانع والفلاّح. واستحلّوا استعراض النّاس بالسّيف وقتلهم وأخذ أموالهم والشّهادة عليهم بالكفر. وزعموا أنّه يجب عليهم أن يبدأوا بقتل مَن قال بالإمامة مِمّن ليس على قولهم، وخاصةً مَن قال بإمامة موسى بن جعفر وولده مِن بعده. وقسّموا المجتمع إلى أربع طبقاتٍ، وهي: - الأولـى وهي طبقة الشّباب بين عمر 15-30 عامًا، ويُسمّون الأخوان الأبرار الرّحماء. - الثّـانية وتشمل مَن كانوا بين 30-40 عامًا وهُم الرّؤساء وذوو السّياسات؛ ويُسَمّون الأخيار الفضلاء. - الثـالثة وتشمل مَن كانوا بين 40-50 من العمر، وهُم أصحاب الأمر والنّهي ونصر الدّعوة. - الرّابعة وهي مَرتَبةُ مَن يزيد عمرهم على الخمسين سنة وهي الأعلى في نظرهم، ويُطلَق عليهم طبقة المُريدين، ثم المعلّمين، ثم القادة، ثم المقرّبين إلى الله. وقالوا إنّ محمد بن إسماعيل هو خاتم النّبييّن الذي حكاه الله في كتابه وأنّ الدّنيا اثنتا عشرة جزيرةٍ في كلّ جزيرة حَجّة، وأن ّالحجج اثنتا عشرة، ولكلّ داعيةٍ يد ويعنون بذلك أنّ اليد رجل له دلائل وبراهين يُقيمها. وحرّموا زيارة القبور وتقبيلها. انتشرت الفرقة القرمطيّة في الكوفة وواسط والبصرة من العراق، ثمّ ظهر دعاتهم في البحرين والقطيف. وعظُمَ أمرهم وأغاروا على نواحي هجر والإحساء والقطيف والطّائف، وبلغت دعوتهم إلى اليمن وتغلّبوا على سائر مدن اليمن وساروا إلى بعلبك وقتلوا عامّة أهلها ولم يبق منهم إلاّ اليسير. ثم ساروا إلى سلميّة وصالحوا أهلها وأعطوهم الأمان. واستولوا على دمشق عام 260 هـ، ومنها توجّهوا إلى مصر. واجتمع معهم خلق كثير من العرب والاخشيدية. وظهر أمرهم في المغرب وعمان، وفي بلاد الديلم حيث استطاع أبو حاتم نشر فكر القرامطة. وفي نيشابور تولّى الدعوة لهم الشّعراني. في سنة 326 هـ، فسد حال القرامطة وقتل بعضهم بعضًا. وسبب ذلك أنّه كان رجل منهم يُقال له "ابن سنبر" وهو من خواص أبي سعيد القرمطي والمُطلعين على سرّه؛ وكان له عدو من القرامطة اسمه ابو حفص الشّريك، فعمد ابن سنبر إلى رجلٍ من اصبهان وقال له: "إذا ملكت أمر القرامطة أريد منك أن تقتل عدويّ، أبا حفص". فأجابه إلى ذلك وعاهده عليه. فأطلعه عندها على أسرار أبي سعيد وعلامات كان يذكر أنّها في صاحبهم الذي يدعون إليه، فحضر عند أولاد أبي سعيد وذكر لهم ذلك. فقال أبو طاهر: "هذا هو الذّي يدعو إليه". فأطاعوه ودانوا له حتّى كان يأمر الرجل بقتل أخيه فيقتله. وكان إذا كره رجلاً يقول له إنّه مريض، يعني أنّه قد شك في دينه، ويأمر بقتله. وبلغ أبا طاهر أن الأصبهاني يريد قتله ليتفرّد بالمُلك، فقال لإخوته: "لقد أخطأنا في هذا الرجل وسأكشف حاله". فقال له: إنّ لنا مريضًا فانظروا إليه ليبرأ". فحضروا وأضجعوا والدته وغطّوها بإزارٍ، فلمّا رآها قال: "إنّ هذا المريض لا يبرأ فاقتلوه". فقالوا له: "كذبتَ هذه والدتك!". ثم قتلوه بعد أن قُتِلَ منهم خلقٌ كثيرٌ من عظمائهم وشجعانهم. لمّا انتشر القرامطة بسواد الكوفة، وجّه إليهم المعتضد شبلاً غلام أحمد بن محمد الطائي، وظفر بهم وأُخِذَ رئيسًا لهم يُعرَف بأبي الفوارس. فسيّره إلى المعتضد فأحضره بين يديه وقال له: "أخبرني، هل تزعمون أنّ روح الله تعالى وأرواح أنبيائه تحلّ في أجسادكم فتعصمكم من الزّلل وتوفّقكم لصالح العمل؟ فقال له: "يا هذا إن حلّت روح الله فينا فما يضرّك؟ وإن حلّت روح إبليس فما ينفعك؟ فلا تسأل عما لا يعنيك وسِل عما يخصّك". وبعد أن قُتِلَ رئيس القرامطة أبو سعيد الحسن بن بهرام الجنابي، سنة 301 هـ، تولّى ابنه أبو طاهر سليمان الجنابي أمر القرامطة في البحرين، فأراد أن يستولي على البصرة فغزاها مرارًا. وكانت أشدّ غزواته سنة 311هـ، فقد سار إليها في 1800 رجل ودخلها وقتل حاميتها وأقام بها 17 يومًا وحمل ما قدر عليه من المال والنّساء والصّبيان وعاد إلى هجر. ثمّ توجّه إلى طريق الحج، فقطع الطّريق على الحُجّاج ونهب القوافل حتّى مات أكثرهم جوعًا وعطشًا. فكتب إليه المُقتدر يطلب منه أن يطلق من عنده مِنَ الأسرى، فأطلقهم وطلب منه أن يوليه على البصرة والأهواز فلم يجبه المُقتدر إلى طلبه. فسار إلى الكوفة وتغلّب على عسكر الخليفة. في سنة 339هـ، أعاد القرامطة الحجر الأسود إلى مكّة، وقالوا: "أخذناه بأمرٍ وأعدناه بأمرٍ". |
المهـديـة
المهدية واحدة من أنشط حركات الإصلاح التي ظهرت في العالم العربي والإسلامي مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين الميلادي. وهي ذات مضمون ديني وسياسي. أسس الحركة محمد أحمد المهدي. ولد محمد أحمد المهدي بن عبد الله سنة 1845م في جزيرة لبب جنوب مدينة دنقلة في السودان. يقال بأن نسبه ينتهي إلى الأشراف. حفظ القرآن وهو صغير ونشأ نشأة دينية متتلمذاً على الشيخ محمود الشنقيطي، سالكاً الطريق السمّانية القادرية الصوفية. ثم التحق بالشيخ القرشي وَدْ الزين في الجزيرة وجدد البيعة على يديه. ويلاحظ أن شيخيه الأول والثاني من أشهر مشايخ الطرق الصوفية آنذاك. استقر عام 1870م في جزير أبا حيث يقيم أهله والتزم أحد الكهوف مستغرقاً في التأمل والتفكير. وعندما توفي شيخ القرشي قام المهدي بتشييد ضريحه وتجصيصه وبناء القبة عالية، وصار خليفته من بعده حيث توافد عليه المبايعون مجددين الولاء للطريقة في شخصه. وفي عام 1881 أصدر فتواه بإعلان الجهاد ضد المستعمرين الإنكليز، وأخذ يعمل على بسط نفوذه في جميع أنحاء غرب السودان. وقابل قوة الحكومة التي أرسلت لإخماد حركته عام 1881م وأحرز عليها انتصاراً دعّم موقفه ودعواه. هاجر بعدها إلى جبل ماسة ورفع رايته هناك. التقى جيش المهدي بجيش القائد البريطاني غوردون في الخرطوم، وفي 26 يناير 1885م اشتدت المعركة وقتل غوردون الذي جُزّ رأسه وبعث إلى المهدي الذي كان يأمل إلقاء القبض عليه حياً ليبادل به أحمد عرابي الذي أجبر على مغادرة مصر إلى المنفى. وكان سقوط الخرطوم بين يدي المهدي آنذاك إيذاناً بانتهاء العهد العثماني على السودان. من يومها لم يبق للمهدي منافس حيث قام بتأسيس دولته مبتدئاً ببناء مسجده الخاص الذي تم إنهاء بنائه في 17 جمادى الأولى 1305هـ. توفي في يوم 9 رمضان/ يونيو 1885م بعد أن أسس أركان دولته الوليدة، وهي دولة لم تدم طويلاً. ففي عام 1896م قضى اللورد كتشنر الذي كان سرداراً لمصر على هذه الدولة ونسف قبة المهدي ونبش قبره وبعث بجمجمته إلى المتحف البريطاني انتقاماً لمقتل غوردون. كانت شخصية المهدي القوية والمعتقد الديني الذي يدعو إليه، والسخط العام الذي كان سائداً ضد الولاة الذين فرضوا الضرائب الباهظة على الناس، وتفشي الرشوة والمظالم، وسيطرة الأتراك والإنكليز، كان لذلك كله دور مهم في تجميع الناس حول هذه الدعوة بهدف التخلص من الوضع المزري الذي هم فيه إذ وجدوا في المهدي المنقذ والمخلّص. دعا المهدي إلى ضرورة العودة مباشرة إلى الكتاب والسنة دون غيرهما من الكتب التي يرى أنها تبعد بخلافاتها وشرورها عن فهم المسلم البيسط العادي، وأوقف العمل بالمذاهب الفقهية المختلفة، وحرّم الاشتغال بعلم الكلام، وفتح باب الاجتهاد في الدين، وأقر كذلك كتاب كشف الغمة للشعراني، والسيرة الحلبية، وتفسير روح البيان للبيضاوي، وتفسير الجلالين. ألغى المهدي جميع الطرق الصوفية وأبطل جميع الأوراد داعياً الجميع إلى نبذ الخلافات والالتفاف حول طريقته المهدية مؤلفاً لهم ورداً يقرأونه يومياً. ومن هذا الباب دخلت المهدية مرة أخرى في بوتقة الصوفية وانصهرت فيها. كان من أبرز ما في دعوة المهدي إلحاحه الشديد على موضوع الجهاد والقوة والفتوة. ويقول بأن مهديته قد جاءته بأمر من رسول الله، إذ يقول: "وقد جاءني في اليقظة ومعه الخلفاء الراشدون والأقطاب والخضر عليه السلام وأمسك بيدي وأجلسني على كرسيه وقال لي: أنت المهدي المنتظر ومن شك في مهديتك فقد كفر". ونسب إلى نفسه العصمة وذكر بأنه معصوم نظراً لامتداد النور الأعظم فيه من قبل خالق الكون إلى يوم القيامة. كان المهدي يلح على ضرورة التواضع وعدم البطر وتشديد النكير على الانغماس في الملاذ والبذخ والنعمة، ويعمل على التقريب بين طبقات المجتمع. وقد عاش حياته يلبس الجبة المرقعة هو وأتباعه. وحرّم الاحتفال بالأعراس والختان احتفالاً يدعو إلى النفقة والإسراف. ويسّر الزواج بتخفيف المهور وبساطة الولائم وتحريم الرقص والغناء وضرب الدفوف. كما منع البكاء على الأموات، وحرّم الاشتغال بالرقى والتمائم، وحارب شرب الدخان وزراعته والاتجار به، وشدد في تحريمه. وأقام حدود الشريعة في أتباعه كالقصاص وحيازة خمس الغنائم ومصادرته أموال السارقين والخمّارين، وصك العملة باسمه ابتداء من فبراير 1885م. أقام المهدي في المنطقة التي امتد إليها نفوذه نظاماً إسلامياً، ونظّم الشؤون المالية وعين الجباة لجمع الزكاة. وكانت مالية الدولة التي أقامها مكونة مما يجبى من زكاة وجبايات على القبائح ولمشروعات ولواق الغنائم الحربية والمحصولات والألقام. تأثر المهدي بالشيعة في ادعائه المهدية التي ستملأ الأرض عدلاً، وفي التأكيد على أهمية نسبه الممتد إلى الحسن بن علي، وفي فكرة العصمة والإمام المعصوم. وأخذ عن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب قوله بضرورة الأخذ عن الكتاب والسنة مباشرة، وفتح باب الاجتهاد. كما أخذ عن جمال الدين الأفغاني وعن الإمام محمد عبده، الذي كان على صلة بأفكارهما، الدعوة إلى تحرير البلاد الإسلامية من الاستعمار الأوروبي وتوحيدها وضرورة تطبيق الشريعة في حياة المسلمين. ابتدأ المهدي دعوته من جزيرة أبا التي ما تزال مركزاً قوياً للمهدية إلى الآن، وقد وثّق صلته في القبائل في مختلف أنحاء البلاد. ومما لا شك فيه أن الثورة المهدية استطاعت أن تصهر السودانيين في بوتقة واحدة، وجعلت منهم شعباً واحداً جاهد مع قائده وزعيمه وحقق انتصارات باهرة على أعدائه. وقد أسقطت المهدية المذهبية وألغت الطرق الصوفية وأعلنت أنها سلفية تدعو إلى عقيدة السلف في التوحيد والاجتهاد وفق المصالح المتجددة. وقد اعتبرت الجهاد ضد الكفار مقدم على الفرائض الأخرى. وهي تعتبر من أبرز حركات اليقظة في العالم الإسلامي. |
الصفرية الزيادية
أصحاب زياد بن صفر. خالفوا: الازارقة والنجدات والابايضة في أمور منها: أنهم لم يكفوا القعدة عن القتال إذا كانوا موافقين في الدين والاعتقاد ولم يسقطوا الرجم ولم يحكموا بقتل أطفال المشركون وتكفيرهم وتخليدهم في النار. وقالوا: التقية جائزة قي القول دون العمل. وقالوا: ما كان من الأعمال عليه حد واقع فلا يتعدى بأهله الاسم الذي لزمه به الحد كالزنا والسرقة والقذف فيسمى زانياً سارقاً قاذفاً لا: كافراً مشركاً. وما كان من الكبائر مما ليس فيه حد لعظم قدره مثل: ترك الصلاة والفرار من الزحف فإنه يكفر بذلك. ونقل عن الضحاك منهم: أنه يجوز تزويج المسلمات من كفار قومهم في دار التقية دون دار العلانية. ورأى زياد ابن الأصفر جميع الصدقات سهماً واحداً في حال التقية. ويحكى عنه أنه قال: نحن مؤمنون عند أنفسنا ولا ندري! لعلنا خرجنا من الإيمان عند الله. وقال: الشرك شركان: شرك هو: طاعة الشيطان وشرك هو: عبادة الأوثان. والكفر كفران: كفر بإنكار النعمة وكفر بإنكار الربوبية. والبراءة براءتان: براءة من أهل الحدود سنة وبراءة من أهل الجحود فريضة. ولنختتم المذاهب بذكر تتمة رجال الخوارج: من المتقدمين: عكرمة وأبو هارون العبدي وأبو الشعثاء وإسماعيل بن سميع. ومن المتأخرين: اليمان بن رباب: ثعلبي ثم: بيهسي وعبد الله بن يزيد ومحمد بن حرب ويحيى بن كامل. ومن شعرائهم: عمران بن حطان وحبيب بن مرة صاحب الضحاك بن قيس. ومنهم أيضاً: جهم بن صفوان وأبو مروان غيلان بن مسلم ومحمد بن عيسى: برغوث وأبو الحسين كلثوم بن حبيب المهلبي وأبو بكر محمد بن عبد الله بن شبيب البصري وعلي بن حرملة وصالح قبة بن صبيح بن عمرو ومويس بن عمران البصري وأبو عبد الله بن مسلمة وأبو عبد الرحمن بن مسلمة والفضل بن عيسى الرقاشي وأبو زكريا يحيى بن أصفح وأبو الحسين محمد بن مسلم الصالحي وأبو محمد عبد الله بن محمد بن الحسن الخالدي ومحمد بن صدقة وأبو الحسين علي بن زيد الإباضي وأبو عبد الله محمد بن كرام وكلثوم بن حبيب المرادي البصري. والذين اعتزلوا إلى جانب فلم يكونوا مع علي رضي الله عنه في حروبه ولا مع خصومه وقالوا: لا ندخل في غمار الفتنة بين الصحابة رضي الله عنهم: عبد الله بن عمر وسعد بن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة الأنصاري وأسامة ابن زيد حارثة الكلبي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال قيس بن حازم: كنت مع علي رضي الله عنه في جميع أحواله وحروبه حتى قال يوم صفين: " انفروا إلى بقية الأحزاب انفروا إلى من يقول: كذب الله ورسوله وأنتم تقولون: صدق الله ورسوله ". فعرفت أي شيء كان يعتقد في الجماعة: فاعتزلت عنه. |
الهشامية
أصحاب هشام بن عمرو الفوطي. ومبالغته في القدر أشد وأكثر من مبالغة أصحابه. وكان يمتنع من إطلاق إضافات أفعال إلى الباري تعالى وإن ورد بها التنزيل. منها قوله: إن الله لا يؤلف بين قلوب المؤمنين بل هم المؤتلفون باختيارهم وقد ورد في التنزيل: " ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم ". ومنها قوله: إن الله لا يحبب الإيمان إلى المؤمنين ولا يزينه في قلوبهم وقد قال تعالى: " حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم ". ومبالغته في نفي إضافات: الطبع والختم والسد وأمثالها - أشد وأصعب وقد ورد بجميعها التنزيل قال الله تعالى: " ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم ". وقال: " بل طبع الله عليها بكفرهم ". وقال: " وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً ". وليت شعري! ما يعتقده الرجل إنكار ألفاظ التنزيل وكونها وحياً من الله تعالى فبكون تصريحاً بالكفر! أو إنكار ظواهرها من نسبتها إلى الباري تعال ووجوب تأويلها وذلك عين مذهب أصحابه ومن بدعه في الدلالة على الباري تعالى قوله: إن الأعراض لا تدل على كونه خالقاً ولا تصلح الأعراض دلالات بل الأجسام تدل على كونه خالقاً. وهذا أيضاً عجب. ومن بدعه في الإمامة قوله: إنها لا تنعقد في أيام الفتنة واختلاف الناس وإنما يجوز عقدها في حال الاتفاق والسلامة. وكذلك أبو بكر الأصم من أصحابه كان يقول: الإمامة لا تنعقد إلا بإجماع الأمة عن بكرة أبيهم. وإنما أراد بذلك الطعن في إمامة علي - رضي الله عنه إذ كانت البيعة في أيام الفتنة من غير اتفاق من جميع أصحابه إذ بقى في كل طرف طائفة على خلافة. ومن بدعه: أن الجنة والنار ليستا مخلوقتين الآن إذ لا فائدة في وجودهما وهما جميعاً خاليتان ممن ينتفع ويتضرر بهما وبقيت هذه المسألة منه اعتقاداً للمعتزلة. وكان يقول بالموافاة وأن الإيمان هو الذي يوافي الموت. وقال: من أطاع الله جميع عمره وقد علم الله أنه يأتي بما يحبط أعماله ولو بكبيرة لم يكن مستحقاً للوعد وكذلك على العكس. وصاحبه عباد من المعتزلة وكان يمتنع من إطلاق القول بأن الله تعالى خلق الكافر لأن الكافر: كفر وإنسان والله تعالى لا يخلق الكفر. وقال النبوة جزاء على عمل وإنها باقية ما بقيت الدنيا. وحكى الأشعري عن عباد أنه زعم: أنه لا يقال: إن الله تعالى لم يزل قائلاً ولا غير قائل. ووافقه الإسكافي على ذلك. قالا: ولا يسمى متكلماً. وكان الفوطي يقول: إن الأشياء قبل كونها: معدومة وليست أشياء وهي بعد أن تعدم عن وجود تسمى أشياء. ولهذا المعنى كان يمنع القول: بأن الله تعالى قد كان لم يزل عالماً بالأشياء قبل كونها فإنها لا تسمى أشياء. قال: وكان يجوز القتل والغيلة على المخالفين لمذهبه وأخذ أموالهم غصباً وسرقة لاعتقاده كفرهم واستباحة دمائهم وأموالهم. |
الحشّـاشـون
طائفة إسماعيلية فاطميّة نزاريّة مشرقيّة، انشقّت عن الفاطميين ودعت إلى إمامة نزار بن المُستنصر بالله ومَن جاء من نسله. أسّسها الحسن بن الصّباح الذي اتّخذ من قلعة «الموت» مركزًا لنشر دعوته وترسيخ أركان دولته. وقد تميّزت هذه الطائفة باحتراف القتل والإغتيال لأهدافٍ سياسيّةٍ ودينيّةٍ متعصّبة. وفي عام 471 هـ/ 1078 م، ذهب الحسن بن الصّباح إلى إمامه المُستنصر بالله حاجًا وعاد ليدعو لمذهبه؛ ثم مات الإمام المستنصر بالله وقام الوزير بدر الجمالي بقتل ولي العهد الابن الأكبر «نزار» لينقل الإمامة إلى الابن الأصغر المُستعلي الذي كان في الوقت نفسه ابن أخت الوزير. وبذلك انشقّت الفاطمية إلى نزارية مشرقية ومستعلية مغربيّة. وقد ظهروا في بلاد الشام، وامتلكوا عددًا من القلاع وقاوموا الزّنكيين وحاولوا اغتيال صلاح الدين الأيّوبي مرّات عديدة. وقد قضى عليهم الظّاهر بيبرس. تلتقي مُعتقداتهم مع الإسماعيلية عامةً من حيث ضرورة وجود إمامٍ معصومٍ ومنصوصٍ عليه، على أن يكون الإبن الأكبر للإمام السّابق. وإمام الحشّاشين بالشّام، رشيد الدّين سنان بن سليمان، قال بفكرة التّناسخ فضلاً عن عقائد الإسماعيلية التي يؤمنون بها. كما ادّعى أنه يعلَم الغيب. والحَسَن الثاني، بن محمد، أعلن قيام القيامة وألغى الشّريعة وأسقط التكاليف. والحج لديهم ظاهرًا إلى البيت الحرام وحقيقته إلى إمام الزّمان ظاهرًا أو مستورًا. وكان شعارهم في بعض مراحلهم: "لا حقيقةً في الوجود، وكلّ أمرٍ مباح". وكانوا يمتنعون في سلسلةٍ من القلاع والحصون، فلم يتركوا مكانًا مُشرفًا إلاّ وسيطروا عليه أو بنوا عليه حُصنًا. وهم لهم أتباع إلى الآن في سوريا وإيران وفي أواسط روسيا. |
الخوارج
كلُّ مَن خَرَج على الإمام الذّي اجتمعت عليه الأمّة يُسمّى خارجًا. وأوّل مَن خرج على أمير المُؤمنين على بن أبي طالب قومٌ مِمَّن كانوا في صفّين ضدّ معاوية، لمّا نازعه في الخلافة. وكانَ مِن أمرهم أنّ حزب معاوية، لمّا آنس من نفسه الضّعف ودعا حزب علي إلى التحكيم أبى عليّ ذلك وعَلِمَ أنّها خدعة، فعارضه هؤلاء الذين سُمُّوا خوارج، وقالوا: "القوم يدعوننا إلى كتاب اللّه وأنت تدعونا إلى السّيف.. لترجعن الأشتر عن قتال المُسلمين وإلاّ لنفعلنّ بك كما فعلنا بعُثمان". وكان الأشتر قائد علي قد هَزَم جموع معاوية ولم يبق لهم إلاّ بقيّة. فاضطرّ علي لإرجاع الأشتر. ثم حصل التّحكيم وجاء الحكم على ما لا يُرضي المُعارضين، فخرجت على عليّ طائفةً من المُسلمين بالنّهروان وكانوا إثنى عشر ألف رجلٍ فقاتلهم، فاستماتوا في القتال حتّى لم ينج منهم إلاّ أقلّ من عشرةٍ، فانهزم إثنان إلى عُمان وإثنان إلى كرمان وإثنان إلى سجستان وإثنان إلى الجزيرة وواحد إلى اليمن، فنشروا مذهبهم في هذه الأصقاع. كبار فِرَق الخوارج ستّة: الأزارقة والنّجدات والصّفرية والعجاردة و الابايضة والثّعالبة. والباقون فروعهم. ويجمعهم القول بالتّبرؤ من عثمان وعلي، ويكفّرون أصحاب الكبائر. كان خروج الخوارج في الصّدر الأوّل على أمرين: أحدهما رأيهم في الإمامة، إذ جَوزوا أن تكون الإمامة في غير قريش. وكلّ من يُنصّبونه برأيهم وسَلَك في النّاس بسيرة العَدل كان إمامًا. ومَن خرج عليه يُقاتل، وإن غيّر السيرة وعَدَل عن العدل وُجِبَ عزله أو قتله. وجوزوا ألاّ يكون في العالم إمام أصلاً، وإن احتيج إليه، يجوز أن يكون عبدًا أو حُرًا أو نبطيًا أو قُرَشيًا إلخ. |
الزّيـديـة
الزّيدية أقربُ فرق الشّيعة من أهل السُّنة بِحَيثُ تتّصف بالإعتدال والقصد والإبتعاد عن التّطرف والغلو. ترجع نسبتها إلى مؤسّسها زيد بن علي زين العابدين الذي صاغ نظرية شيعيّة مُتميّزة في السّياسة والحكم وجاهد من أجلها وقتل في سبيلها. قاد زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي ثورة شيعية في العراق ضدّ الأموييّن أيّام هشام بن عبد الملك. فقد دفعه أهل الكوفة لهذا الخروج ثمّ ما لبثوا أن تخلّوا عنه وخذلوه عندما علموا بأنّه لا يتبرأ من الشّيخين أبي بكر وعمر ولا يلعنهما، بل يترضّى عنهما، فاضطرّ لمقابلة جيش الأمويين، وما معه سوى 500 فارس حيث أُصيب بسهمٍ في جبهته قضى عليه. تنقّل في البلاد الشامية والعراقية باحثًا عن العلم أوّلاً وعن حقّ أهل البيت في الإِمامة ثانيًا. فقد كان تقيًا وَرِعًا عالمًا فاضلاً مُخلصًا شجاعًا وسيمًا مُهيبًا مُلمًا بكتاب الله وبِسُنّة رسوله. تلقّى العلم والرّواية عن أخيه الأكبر محمد الباقر الذي يُعَدّ أحد الأئمّة الإثنى عشر عند الشّيعة الإِمامية. اتّصل بواصل بن عطاء، رأس المعتزلة، وتدارس معه العلوم، فتأثّر به وبأفكاره التّي نقل بعضها إلى الفكر الزّيدي. تتلمذ عليه أبو حنيفة النّعمان وأخذ عنه العلم. من مؤلّفاته، كتاب المجموع في الحديث وكتاب المجموع في الفقه، وهُما في كتابٍ واحدٍ اسمه "المجموع الكبير"، رواهما عنه تلميذه أبو خالد عمرو بن خالد الواسطي الهاشمي بالولاء الذّي مات في الرّبع الثّالث من القرن الثّاني للهجرة. أمّا ابنه يحيى بن زيد، فقد خاض المعارك مع والده لكنّه تمكّن من الفرار إلى خُراسان حيث لاحقته سيوف الأموييّن، فقُتِلَ هناك سنة 125هـ. وفُوِّض الأمر بعد يحيى إلى محمد وإبراهيم. قُتِلَ الأوّل في المدينة وقُتِلَ الثّاني في البصرة، فتسلّم القيادة أحمد بن عيسى بن زيد حفيد، مُؤسّس الزيديّة، وأقام بالعراق وأخذ عن تلاميذ أبي حنيفة فكان مِمّن أثرى هذا المذهب وعمل على تطويره. مِن علماء الزّيدية: القاسم بن إبراهيم المُرسي بن عبد الله بن الحسين بن علي بن أبي طالب. تشكّلت لهُ طائفة زيديّة، عُرِفت بإسم القاسميّة. جاء من بعده حفيده الهادي إلى الحقّ يحيى بن الحسين بن القاسم الذي عُقِدَت له الإِمامة باليمن، فكان مِمّن حارب القرامطة فيها. كما تشكّلت له فرقة زيدية عُرِفَت بإسم الهادوية مُنتشرةً في اليمن والحجاز وما والاها. ظهر للزّيدية في بلاد الديلم وجيلان إمام حُسينيّ هو أبو محمد الحسن بن علي بن الحسن بن زيد بن عمر بن الحسين بن علي، المُلقّب بالنّاصر الكبير، وعُرِفَ أيضًا بإسم الأطروش. فقد هاجر هذا الإِمام إلى هناك داعيًا إلى الإِسلام على مُقتضى المذهب الزّيدي فدخل فيه خلق كثير صاروا زيدييّن. ومنهم الدّاعي الآخر صاحب طبرستان الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي والذي تكوّنت له دولة زيدية في جنوب بحر الخزر، سنة 250هـ. عُرِف مِن أئمّتهم محمد بن إبراهيم بن طباطبا الذي بعث بدعاته إلى الحجاز ومصر واليمن والبصرة. ومن شخصياتهم البارزة كذلك مقاتل بن سليمان ومحمد بن نصر؛ ومنهم أبو الفضل ابن العميد والصاحب بن عباد وبعض أمراء بني بُويه. خرجت عن الزّيدية أربعُ فرقٍ هي: 1- الجاروديّة: أصحاب أبي الجارود زياد بن أبي زياد. 2- السّليمانيّة: أصحاب سليمان بن جرير. 3- الصّالحيّة: أصحاب الحسن بن صالح بن حي. 4- البتريّـة: أصحاب كثير النّوى الأبتر. الفرقتان "الصّالحية" و"البترية" متّفقتان ومتماثلتان في الآراء. هذه الفِرَق بجملتها لم يَعُد لها مكانةٌ بارزةٌ عند الزّيدية المعاصرة التّي تقتفي نهج الإِمام زيد من حيث القصد والإعتدال. الأفـكار والمُعتقـدات: - يُجيز الزّيديون الإِمامة في كلّ أولاد فاطمة، سواء أكانوا من نسل الإِمام الحسن أم من نسل الإِمام الحُسين. - الإِمامة لديهم ليست بالنّص، إذ لا يشترط فيها أن ينصّ الإِمام السابق على الإِمام اللاحق، بمعنى أنّها ليست وراثيّة بل تقوم على البيعة. فمَن كان من أولاد فاطمة وفيه شروط الإِمامة كان أهلاً لها. - لا يجوز عندهم أن يكون الإِمام مَستورًا، إذ لابُدّ من اختياره من قِبَل أهل الحلّ والعقد. ولا يتمّ اختياره إلاّ إذا أعلن عن نفسه، مُبيّنًا أحقّيته بالإِمامة. - يجوز لديهم وجود أكثر من إمامٍ واحدٍ في وقتٍ واحدٍ في قطرين مختلفين. - تقول الزّيدية بالإِمام المفضول مع وجود الأفضل، إذ لا يُشترط أن يكون الإِمام أفضل الناس جميعًا، بل من المُمكن أن يكون هناك للمسلمين إمام على جانبٍ من الفضل مع وجود مَن هو أفضل منه، على أن يُرجَع إليه في الأحكام ويحكم بحكمه في القضايا التّي يدلي برأيه فيها. - مُعظم الزيدية يقرّون خلافة أبي بكر وعمر ولا يلعنونهما كما تفعل فِرَق الشّيعة، بل يترضّون عنهما، ويقرّون بصحّة خلافة عثمان مع مؤاخذته على بعض الأمور. - يميلون إلى الإعتزال فيما يتعلّق بالذات والصفات والجبر والإختيار. ومُرتكبُ الكبيرة يعتبرونه في منزلةٍ بين المنزلتين كما تقول المُعتزلة ولكنّه غير مخلّدٍ في النّار إذ يُعذّب فيها حتّى يُطهّر من ذنبه ثم ينتقل إلى الجنّة. - يرفضون التّصوف رفضًا قاطعًا. - يخالفون الشيعة في زواج المتعة ويستنكرونه. - يتّفقون مع الشيعة في زكاة الخمس وفي جواز التّقية إذا لزم الأمر. - هُم متّفقون مع السّنة بشكلٍ كاملٍ في العبادات والفرائض، سوى اختلافات قليلة في الفروع، من مثالها: * يقولون "حي على خير العمل" في الأذان على الطّريقة الشّيعية. * صلاة الجنازة لديهم خمس تكبيرات. * يرسلون أيديهم في الصّلاة. * صلاة العيد تصحّ فرادى وجماعة. * يحكمون ببطلان الصّلاة خلف الفاجر. * فروض الوضوء عشرة. * تقليد أهل البيت أولى من غيرهم. * يقولون بوجوب الخروج على الإِمام الظّالم الجائر ولا تجب طاعته. * لا يقولون بعصمة الأئمّة عن الخطأ، كما لا يغالون في رفع أئمّتهم على غرار ما تفعله معظم فِرَق الشّيعة الأخرى. * لكن بعض المُنتسبين للزيدية قرّروا العصمة لأربعةٍ فقط من أهل البيت، هُم: علي وفاطمة والحسن والحسين. * لا يوجد عندهم مهدي مُنتظر. * يستنكرون "نظرية البداء" التي قال فيها المُختار الثّقفي الذي كان يسجع سجع الكهّان، فإذا جاء الأمر على عكس ما قال، علّل ذلك بأن يقول للناس: <<قد " بدا " لربّكم تغيير علمه>>. فالزّيدية تقرّر بأن عِلم الله أزلي قديم غير متغيّر وكل شيء مكتوب في اللّوح المحفوظ. * قالوا بوجوب الإِيمان بالقضاء والقدر مع اعتبار الإِنسان حرًا مُختارًا في طاعة الله أو عصيانه، ففصلوا بذلك بين الإِرادة وبين المحبّة أو الرّضا وهو رأي أهل البيت من الأئمّة. * مصادر الإستدلال عندهم كتاب الله ثمّ سنة رسول الله ثمّ القياس ومنه الإستحسان والمصالح المُرسلة، ثم يجئ بعد ذلك العقل. فما يقرّ العقل صحّته وحسنه يكون مطلوبًا وما يقرّ قبحه يكون منهيًا عنه. الجـذور الفـكريّة والعقائـديّة: - يتمسّك الزيديون بالعديد من القضايا التّي يتمسّك بها الشّيعة، كأحقّية أهل البيت في الخلافة وتفضيل الأحاديث الواردة عنهم على غيرها وتقليدهم وزكاة الخمس. فالملامح الشّيعية واضحة في مذهبهم. - تأثرت الزيدية بالمعتزلة فانعكست اعتزالية واصل بن عطاء عليهم وظهر هذا جليًا في تقديرهم للعقل وإعطائه أهمية في الإستدلال، إذ يجعلون له نصيبًا وافرًا في فهم العقائد وفي تطبيق أحكام الشّريعة وفي الحكم بحُسن الأشياء وقبحها، فضلاً عن تحليلاتهم للجبر والإختيار ومُرتكب الكبيرة والخلود في النّار. الإنتشـار ومواقـع النّفـوذ: قامت دولة للزّيدية أسّسها الحسن بن زيد سنة 250هـ في أرض الدّيلم وطبرستان. وأقام الهادي إلى الحق للزّيدين دولةً في اليمن في القرن الثّالث الهجري. انتشرت الزيدية في سواحل بلاد الخزر وبلاد الديلم وطبرستان وجيلان شرقًا، وامتدّت إلى الحجاز ومصر غربًا، وتركّزت في أرض اليمن حيث لا تزال تُشكّل أكثر من ثلثي السّكان فيها. |
السّـلفيّة
السّلفية نسبةً إلى السًلف، وهُم مَن تقدّم من صحابةٍ وتابعين وتابع التّابعين. أُطلِقَ وصف السّلفية على أتباع الإمام أحمد بن حنبل بعد محنة المُعتزلة، لأنّه هو الذي وقف في مواجهتهم، مُعارضًا منهجهم الكلامي في صفات الله، ومنها صفة الكلام التي أفضت بالمُعتزلة إلى القول بخلق القرآن الكريم. ومنهج السّلفية، قديمًا وحديثًا، هو الدّعوة إلى العودة للكتاب والسُّنة وما كان عليه الصّحابة في التّلقي لنصوصها والعمل بأحكامهما وإخضاع العقل للوحي فيهما. مذهب السلفية في قضايا التوحيد: يَقسمُ السّلفية التّوحيد إلى توحيد الرّبوبيّة وتوحيد الأسماء والصّفات وتوحيد الألوهية. وتوحيد الرّبوبية معناه أنّه لا خالق إلاّ الله تعالى، ولا شريك له في الخُلق والإيجاد. ثمّ جاء التّساؤل حول أفعال العباد: هل هي من خُلق الله في العبد أم إنّها من خلق العبد؟ يقول "السّلفية": لقد خلق الله في الإنسان أداة الإرادة وهي العقل، وأداة الإختيار وهي الجوارح، فهو يفعل ما يريد بلا إكراهٍ ولا إجبار. وإذا نُسِبَ عمل الإنسان إلى الله كما في قوله تعالى، فهو تحقيق لما جاء في الآية الكريمة: }والله خلقكم وما تعملون{. وإذا نُسِبَ العمل إلى الإنسان فمن جهةٍ أنّه هو الذي اختاره وفعله، ولذلك صحّ أن يحاسَبَ عليه، فهو يعمل العمل بعِلم الله ولكن باختياره هو. وأمّا توحيد الألوهية فمعناه تفريد الله في العبادة، وهي الطّاعة المُطلقة التّي لا يُرافقها تردّد أو تشكّك أو توقّف لقوله تعالى: }وقضى ربّك ألاّ تعبدوا إلاّ إياه{. وقال:}واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا{. فلا يجوز أن يُطاع غير الله تعالى طاعةً مطلقةً، وإنّما تكون طاعته مقيّدةً بما إذا لم تؤد طاعته إلى معصية الله. ومُقتضى توحيد الألوهية ثلاثة أمورٍ: الأوّل: أن لا نعبد غير الله تعالى دونه. الثّاني: أن لا نعبد غير الله تعالى معه. الثّالث: أن لا نعبد الله تعالى إلاّ بما شرّع لقوله: {فافعلوا ما تُؤمَرون}. |
الدّروز
الدّروز، ويطلقون على أنفسهم اسم الموحّدين، فرقة من الباطنيّة، لهم عقائد سرّية، وهم متفرّقون بين جبال لبنان وحوران والجبل الأعلى من أعمال حلب. لم يُكتَب عن الدّروز شيء يصحّ الإعتماد عليه، ولا هُمّ من الطّوائف العاملة على بثّ عقائدها حتّى يجد الباحث ما يعتمد عليه من مذهبها؛ فليس أمامنا إلاّ مصادر أجنبية عنهم. وربّما لا تخلو تلك المصادر من شيءٍ من التّحامل أو الخطأ. لذلك، نحن ننقل شيئًا من مذهبهم مع التحفظ. ظهر مذهب الدّروز في مصر، في القرن الحادي عشر الميلادي، على عهد الحاكم بأمر اللّه الخليفة الفاطميّ. ظهر به رجل اسمه محمد بن إسماعيل الدّرزي، قَدِمَ مصر من بلاد الفرس، فوافق الحاكم في دعواه الألوهيّة، ودعا الناس للإيمان به. وأضاف إلى هذا الدّين طائفةً من العقائد القديمة وعقائد غلاة الشّيعة، فلم تُصادف هذه الدعوة قبولاً في مصر، ففرّ صاحبها إلى الشّام، فوجد هنالك آذانًا مُصغيةً. ولكنّ الدّروز يُفضّلون الإنتساب إلى حمزة بن علي الأعجمي، المُلقّب بالهادي، وكان من خاصّة الحاكم بأمر اللّه. ظلّت مُعتقدات الدّروز في طيّ الخفاء حتّى استولى ابراهيم باشا بن محمد علي على معابدهم في جبل حاصبيا، ووجد في كُتبهم كُنه مذهبهم تفصيلاً. من مُعتقداتهم أن اللّه قد ظهر على الأرض عشرة مرّات، أوّلها في العلي ثمّ في الباز إلى أن ظهر عاشر مرّةٍ في الحاكم بأمر اللّه. ويعتقدون أنّ إبليس ظهر في جسم آدم ثم نوُح ثم إبراهيم ثم موسى، إلخ.. ويعتقدون بأنّ عدد الأرواح محدودٌ. فالرّوح التي تخرج من جسد الميّت تعود إلى الدُّنيا في جسد طفلٍ جديدٍ. وهم يعتقدون بالإنجيل والقرآن؛ فيختارون منهما ما يستطيعون تأويله ويتركون ما عداه. يعتقدون أن الحاكم بأمر اللّه تجلّى لهم في أوّل سنة 408هـ، فأسقط عنهم التّكاليف من صلاةٍ وصيامٍ وزُكاةٍ وحجٍّ وجهادٍ وولايةٍ وشهادةٍ. لدى الدّروز طبقة تُعرَفُ بالمُنزّهين، وهُمّ عباد أهل ورعٍ وزُهدٍ. ومنهم مَن لا يتزوّج ومَن يصوم الدّهر ومَن لا يذوقُ اللّحم ولا يشربُ الخَمر. تاريخهم بدأت دعوة الموحّدين، عام514هـ، على يد محمد بن تومرت الذّي ينتمي إلى قبيلة «هرغة»، أحد بطون قبيلة مصمودة التّي تنتشر في أغلب أراضي المغرب العربي. وبِقَول بن تومرت بالإنتساب إلى رسول الله، وقد سار إلى الشّرق ودرس العِلم هناك، ثم عاد إلى المغرب وأصبح يأمرُ بالمعروف وينهي عن المُنكَر. وقد أنكر على المرابطين سفور نسائهم، والتقى بعليّ بن يوسف بن تاشفين، وتناقشا وقد اختلفا. انتقل ابن تومرت إلى "أغمات" حيث أهله وقبيلته، وبدأ يعمل بدعوته وينتقد مفاسد المرابطين. وألّف جيشًا ضمّ عدّة قبائل، وكان مقرّه حصن «تينمل». ثم بدأ يُناوىء المُرابطين، فالتقى الطّرفان بمعركة البُحيرة التّي انتصر فيها المرابطون، وقُتِلَ فيها قائد جيش الموحّدين وعددٌ كبيرٌ مِمّن كان معه. بعد وفاة ابن تومرت، عام 524هـ، خلفه صديقه عبد المؤمن بن علي في قيادة الموحّدين، فاستطاع توحيد صفّ المُوحّدين من جديدٍ وقوى الجيش، واستولى على أكثر بلاد السّوس. ثم راح يلاحق المرابطين للقضاء عليهم، وقد تمّ له ذلك. فقضى على تاشفين بن علي عام539هـ، ثم تابع طريقه نحو مراكش وكان فيها ابنه إبراهيم وعمّه اسحق، فحاربهم وقضى عليهم، عام 541هـ. ثمّ سار إلى بني حماد في مدينة بجّاية، عام 547هـ، من آل زيري واستسلم يحيى بن عبد العزيز بن حماد، آخر ملوك بني حماد. ثم حارب صنهاجة وانتصر عليها واستطاع عبد المؤمن بن علي بسط سيطرته على المغرب كلّه، بعد أن فتح المهديّة عام554هـ، وكانت بِيَد النّورماندييّن منذ عام543هـ. وبعد أن انتهى من أمر المغرب، توجّه أمير الموحّدين عبد المؤمن بن علي اتّجاه الأندلس للجهاد ضدّ الإسبان. وتمكّن من استعادة مدينة المريّة من النصارى عام 552هـ، بعد أن حكموها عشر سنواتٍ. توفّي عبد المؤمن بن علي عام 558هـ وهو يستعدّ للإبحار إلى الأندلس للجهاد فيها، فخلفه ابنه الأكبر محمّد. غير أن أمره اضّطرب فاتّفق الموحّدون، على رأي أخويه يوسف وعمر، على خلعه وتولية يوسف بن عبد المؤمن. غير أنّ أخويه أبو عبد الله صاحب قرطبة وأبو محمد صاحب بجاية امتنعا عن ذلك وخالفاه مدّة سنةٍ ثمّ أعلنا الطّاعة والخضوع إليه. وقد سار يوسف بن عبد المؤمن على سياسة أبيه بالجهاد. نازعه«مرزدغ» الصّنهاجي فقضى على ثورته عام 559هـ. كما أرسل أخاه أبا حفص للجهاد في الأندلس، فسار على رأس عشرين ألفًا عام 565هـ، وغزا طُليطلة، وأحرز نصرًا كبيرًا. كما حدث قتالٌ بين يوسف وبين محمّد بن سعيد بن مردنيش الذّي كان قد حكم شرقي الأندلس. سار يوسف بن عبد المؤمن عام 580 هـ بجيشٍ كثيفٍ إلى الأندلس، فاستولى على المُدن في طريقه، واتّجه إلى أشبونة، غربي الأندلس، وحاصرها واستطاع المسلمون النّصر بعدما عدّلوا في الموازين، حيث انقلبت فيها المعركة لصالح المُسلمين. لكنّ يوسف توفّي في طريق العودة متأثّرًا بجراحه، وتولّى بعده ابنه يعقوب بن يوسف، فسار إلى الأندلس عام585، وأغار على أشبونة وحصل على غنائم كثيرةٍ. وطلب ألفونس، أمير النّصارى، هدنةً لمدّة خمس سنواتٍ، فأجابه يعقوب لطلبه. غير أنّ ألفونس نقض العهد عندما استعاد قوّته وأرسل إليه كتاب تهديدٍ. فلمّا وصله، جمع له جيوش المُسلمين وسار إلى الأندلس وخاض حربًا ضَروسًا مع ألفونس، ولم يخرج من الصّليبين في هذه المعركة إلاّ ألفونس وثلاثين فارسًا حيًا فقط، وذلك عام 591 هـ، ودخل يعقوب حصن الأرك. وعاد ألفونس وجمع حشوده وسار لقتال يعقوب الذي كان قد طلب المدد من المغرب والتقى الفريقان؛ وانتصر المسلمون انتصارًاً كبيرًا عام 592هـ. وقد كان على عهد يعقوب بن يوسف في الشّرق صلاح الدّين الأيّوبي. وكان قد حرّر القدس من الصّليبيين، فأرسل إلى يعقوب كتابًا وهدايا يطلب منه الدّعم لإيقاف الحملات الصّليبية ضد الأراضي المقدسة. غير أنّ يعقوب بن يوسف لم يكن بوسعه ذلك إذ لم تقُلّ الحروب الصليبية في الأندلس عن الحروب الصّليبية في الشّرق. ومع ذلك، فقد أرسل له مائة وثمانين سفينةٍ لتكون عونًا لأسطول المُسلمين في الشّرق ضد الأسطول الصّليبي. توفّي يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن عام595هـ ودُفنَ في تينمال وخَلَفَه ابنه محمد ولُقِّب النّاصر لدين الله. وقد سار محمد على خُطا أبيه في حرب النّصارى. وكان ألفونس يَغيِرُ على ثغور المسلمين دائمًا، فسار إليه النّاصر وقد جمع جيشًا كبيرًا وانتقل به إلى الأندلس عام 607 هـ، ووصل إلى اشبيليّة ثم سار إلى حصن «سلبطرة» فحاصره مدة ثمانية أشهرٍ حتّى تعب الجيش الإسلامي، فاستغلّ ألفونس ذلك وأغار على قلعة رباح وأخذها من الموحّدين؛ فاقتحم النّاصر عندئدٍ الحصن والتقى مع ألفونس في حصن العقاب، وانتصر ألفونس عام 609هـ، وكانت هذه الهزيمة ضربةً شديدةً على المُسلمين. وفي العام التّالي توفّي محمد النّاصر وتولّى مكانه ابنه يوسف الثاّني لكنّه كان صغيرًا، فطمع بالحكم بعض أفراد أسرته، فوُلّيَ بعده عم أبيه، عبد الواحد بن يوسف بن عبد المؤمن، وكان رجلاً كبيرًا فخُلِعَ وحلّ محله عبد الله بن المنصور، ولُقّب بالعادل. غير أنّه عُزِلَ بعد 13 يومًا وتوالى الحكّام بعد ذلك، إلى أن كان إدريس بن محمد بن عمر بن عبد المؤمن. وقد أمر الخارجين عليه وقتله بنومرين عام667هـ؛ فانقضى أمر الموحّدين بموته، بعد أن حكموا 152 سنة (515 ـ667 هـ). طقوسهم (الصداق والوصية وصلاة الجنازة) بما أن الصلاة على الجنازة هي المظهر العلني العام الوحيد لدى الطائفة الدرزية، ونظراً لأهمية ظهور بني معروف بمظهر لائق، منظّم موحّد، لا بد لنا من أن نشير إلى أمر مهمّ يتعلقّ بالتأبين. وتعدد الرحمات قد أدخله المصلّون، مع تمادي الأيام، على الصلاة القديمة النفسية فالصلاة هي لغة: دعاء لله تعالى واستغفار منه، وهي شرعاً، أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير لله ومختتمة بالتسليم، ولم تكن قط بمعنى المدح والثناء على الناس، أو تصنيف الأموات في الصلاح والهدى درجات درجات. |
الصّـابئـة
"صبأ": خرج من دينٍ إلى دين، وبابه خضع. و"صَبَأَ" أيضًا صار"صابئًا". و"الصّابئون" جنسٌ من أهل الكتاب. الصّابئون هُم مَن يتركون دينهم ويدينون بدينٍ آخرٍ. وهُم قوم يعبدون الكواكب ويزعمون أنّهم على ملّة نوح وقبلتهم مهبّ الشمال عند منتصف النّهار ويشبه دينهم دين النّصارى. قيل إنّهم طائفة من مُشركي العرب قبل البعثة الذين ساورهم الشّك فيما كان عليه قومهم من عبادة الأصنام، فبحثوا لأنفسهم عن عقيدةٍ يرتضونها فاهتدوا إلى التّوحيد. وقالوا إنهم يتعبّدون الحنيفيّة الأولى (ملّة إبراهيم)، واعتزلوا عبادة قومهم.. فقال عنهم المُشركون إنّهم صبأوا أي مالوا عن دين آبائهم ومن ثمّ سُمّوا صابئة. وهذا القول أرجح من القول بإنّهم عَبَدَة النّجوم. وقيل عنهم غير ذلك، فقد اختلفت الآراء حولهم. ولكنّ الصابئة بفِرَقِها المُتعدّدة قد تلاشت ولم يبق منها إلاّ فرقة واحدة هي الصّابئة المندائيّة والتّي تعتبر يحيى نبيًا لها، ويُقدّس أصحابها الكواكب والنّجوم. إنّ الصّابئين لا يُمكن اعتبارهم من أهل الكتاب أو من فرقةٍ من فِرَق أهل الكتاب وذلك بدلالة القرآن الكريم والسّنة النّبوية. أوّلاً: من القرآن الكريم، قال تعالى:}وهذا كتاب أنـزلناه مُبارك فاتبعوه واتقوه لعلّكم ترحمون{. }أن تقولوا إنّما أنـزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كُنّا عن دراستهم لغافلين{. فقد جاء في تفسير هاتين الآيتين في تفسير القرطبي: "وهذا كتاب -أي القرآن- مبارك، أيّ كثير الخيرات فاتبعوه، أي اعملوا بما فيه –واتّقوه- أي اتقوا تحريفه لعلّكم ترحمون. أن تقولوا -أي لئلا تقولوا- أو أنـزلناه كراهة أن تقولوا، فالمعنى: فاتقوا أن تقولوا يا أهل مكة، إنّما أُنـزِلَ الكتاب -أي التّوراة والإنجيل- على طائفتين من قبلنا أيّ على اليهود والنصارى، ولم ينـزل علينا كتاب". والظّاهر من هذا التفسير أنّه يشعر بأن المعروف عند أهل مكّة وغيرهم أن المقصود بأهل الكتاب هم اليهود والنّصارى بل وإنّ سياق الآية يُشعِرُ بذلك، فلا يدخل في مفهوم أهل الكتاب غيرهم كالصّابئين. ثانيًا: من السُّنة النّبوية: لم يَرِد في السنة النّبوية ما يدلّ على أن الصّابئين من أهل الكتاب، كما ورد بشأن المجوس. ولو كانوا مثل المجوس لورد لهم ذكر في السنة، إمّا باعتبارهم أنّهم من أهل الكتاب، وإما باعتبارهم ملحقين بأهل الكتاب ببعض الأحكام، كما ورد بشأن المجوس. يعتقد الصّابئون أن دينهم أقدم الأديان على وجه الأرض وأنه أُنـزِلَ بأمر ملك النور على آدم وحواء، وهو باق منذ تلك الأزمنة إلى يومنا هذا. ويعتقدون -من حيث المبدأ- بوجود الإله الخالق الواحد الأزليّ الذي لا تناله الحواس ولا يفضي إليه مخلوق، ولكنّهم يجعلون بعد هذا الإله 360 شخصًا خلقوا ليفعلوا أفعال الإله مِن رعدٍ وبرقٍ ومطرٍ وشمسٍ وليلٍ ونهارٍ.. وهؤلاء يعرفون الغيب ولكلٍ منهم مملكته في عالم الأنوار. بينهم وبين المسيحية عداء، لكن عداءَهم لليهود شديدٌ لدرجةٍ أنّهم يعتبرون موسى من رُسُل الرّوح الشّريرة. ليس من المُحتمل اعتبار العقيدة المندائية إحدى العقائد المسيحيّة المنشقة لأن العداء للكنيسة المسيحية بالذّات يبرهن العكس من ذلك. - المندي: هو معبد الصّابئة وفيه كتبهم المقدّسة، ويجري فيه تعميد رجال الدّين. - الصّلاة: تُؤدَّى ثلاث مراتٍ في اليوم؛ فيها وقوف وركوع وجلوس على الأرض من غير سجودٍ. - الصّوم: صابئة اليوم يحرّمون الصّوم لأنه من باب تحريم ما أحلّ الله، لكنهم يمتنعون عن أكل اللّحوم المُباحة لمدّة 36 يومًا متفرقةً على طول أيّام السّنة. - يعتقدون بصحّة التّاريخ الهجري ويستعملونه وذلك بسبب اختلاطهم بالمُسلمين ولأنّ ظهور النّبي كان مذكورًا في الكتب المقدّسة الموجودة لديهم. - يعتقد الصّابئة المندائيّون بأنّهم يتبعون تعاليم آدم ولديهم كتاب "الكنـزبدا" أي مصحف آدم. ثم جاء النّبي يحيى لتخليص الدّين من الأمور الدّخيلة، وهو لم يكن رسولاً بل نبيًا خاصًا بهم. كُتُب الصّابئة ليست مطبوعة. فلقد قام بنسخها باليد الكُتّاب الكهنوت طيلة قرونٍ عديدةٍ. وتحرُص الصّابئة على منع الغير من الاطلاع على كتبهم المقدّسة منعًا شديدًا، إضافةً إلى أنّها مكتوبةٌ باللّغة المندائية التي كان يتكلّم بها آدم كما يعتقدون. أمّا أهمّ كتبهم فهي: 1- "كتاب كنـزه ربه" أي الكنـز العظيم أو الكتاب العظيم، ويُقال له سدرا-آدم أيّ كتاب آدم. ولا يمكن اعتبار الكتاب مُتجانسًا، فهو مجموعةُ فقراتٍ غالبًا ما تتناقضُ. 2- "دراشه أديهيأ" أي تعاليم يحيى، وفيه تعاليم النّبي يحيى وحياته. 3- "سدرة إدنشماثا" وهو يدور حول التّعميد والدّفن والحداد وانتقال الرّوح من الجسد إلى الأرض ومن ثمّ إلى عالم الأنوار. 4- كتاب "أسفر ملواشه" أي سفر البروج لمعرفة حوادث السّنة المُقبلة عن طريق علم الفلك والتّنجيم. 5- كتاب الدّيونان ويسمّى كتاب "الديوان" وهو سفر ضخم من أنفس كُتُب الصّابئة كما أنّه كتاب نادر. ولهم كُتُب أخرى غير هذه. فرق الصّابئة المندائيون ينقسمون إلى قسمين مُتميّزين: الأوّل: هُم فئة النّامورييّن وهم مسؤولون عن حفظ الدّين وإقامة شعائره. الثّاني: هم المندائيون العامّة. أعياد الصّابئة: 1. العيد الكبير ويُسمّى عيد "ملك الأنوار" أو عيد "اليوم الجديد" ومدّته أربعة أيّامٍ، لا يشرب خلاله الكُهان والمُتّقوُن الشّاي الممزوج بالسّكر ولا يشربون الماء المُعقّم إنّما يشربون ماء النّهر مباشرةً. ويكون الكُهّان مُستعدّين لتعميد الرّاغبين من أبناء الطّائفة. 2. العيد الصّغير وهو العيد الصّغير الذي جمّد فيه جبرائيل الأرض بعد أن كانت غازًا، ومدّته الشّرعيّة يوم واحد، ويجري فيه تعميد المؤمنين ويكثرون من أعمال البِرّ والإحسان. 3. عيد البنجة ومدّته خمسة أيامٍ يُقام فيه أكبر عيدٍ عماديٍّ نهريٍ. والعيد هذا عيد احتفالٍ دينيٍ أكثر منه بهجة وفرح. 4. عيد النّبي يحيى. يقولون إنّ آدم عُمِّد في هذا اليوم. وفيه كانت ولادة يحيى. ينتشر الصّابئة على الضّفاف السّفلى من نهري دُجلة والفرات، ويسكنون في منطقة الأهواز وشطّ العرب، ويَكثرون في مُدُن العمارة والنّاصرية والبصرة وعددٌ آخرٌ من مدن العراق. كما ينتشرون في إيران على مدنها السّاحلية، كالمحمرة وناصرية الأهواز وشمشتر ودزبول. تهدّمت معابدهم في العراق ولم يبقَ لهم إلاّ معبدان كما أنّ مهارتهم في صياغة المينا دفعتهم إلى الرّحيل للعمل في بيروت ودمشق والإسكندرية، ووصل بعضهم إلى إيطاليا وفرنسا وأمريكا. |
الصّوفية
الصّوفيّة حركةٌ دينيّة انتشرت في العالم الإسلامي عقب اتّساع الفتوحات وازدياد الرّخاء الإقتصادي كردّة فعلٍ مضادةٍ للإنغماس في التّرف الحضاري، ما حمل بعضهم على الزّهد الذي تطوّر بهم حتّى صار لهم طريقة معروفة بإسم "الصّوفية". وقد اختُلِفَ في اشتقاق كلمة التّصوف أو الصّوفية، فقيل: "الصّوفية" نسبة إلى رجلٍ جاهليٍّ يُقالُ له "صوفة"، واسمه "الغوث بن مر". وقيل: مشتقّةٌ من "سوفيا" اليونانية، ومعناها الحكمة. وقيل: مُشتقّةٌ من "الصّوف" لاشتهارهم بالزّهد والتّقشف ولبس الصّوف؛ وقيل: من "الصّفة" أيّ صفة من مسجد رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم؛ وقيل: من "الصّفاء"؛ وقيل: من "الصّف الأوّل".. على كلّ حالٍ، فالتّصوف النّقي الحقيقيّ الخالي من الخُرافات والبِدَع يكوِّنُ الجزء الثّالث من الإسلام، وهو الإحسان }أن تعبد الله كأنّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك{. ولا مشاحة في الإصطلاح كما يقول العُلماء. فالبعض سمّى هذا الجانب من الإسلام بالسّلوك، والبعض التّزكية، والبعض التّربية، والبعض -كالشّيخ محمد الغزالي الذّي سمّاه: "الجانب العاطفي من الإسلام". ومرَّ التّصوف بأدوارٍ كثيرةٍ، جَنَح خلالها بعضهم في المسار، حتّى تداخلت طريقتهم مع فلسفاتٍ هنديّةٍ وفارسيّةٍ ويونانيّةٍ مُختلفةٍ. من أصول التّصوف الإعتقاد بأنّ الدّين شريعةٌ وحقيقةٌ. ولا بُدّ في التّصوّف من التّأثير الرّوحي الذي لا يأتي إلاّ بواسطة الشّيخ الذي أخذ الطّريقة عن شيخه، وهكذا.. سندٌ مُتّصلٌ بالنّبي ولا بُدّ من الذّكر والتّأمّل الرّوحي وتركيز الذّهن في الملأ الأعلى. وأعلى الدّرجات لديهم هي درجة الوليّ. وهُمّ يؤكّدون على ضرورة الإلتزام بما أمر الشّرع. يقول سهل التّستّري: "أصول طريقنا سبعة: التّمسك بالكتاب والإقتداء بالسُّنة وأكل الحلال وكفّ الأذى وتجنّب المعاصي ولزوم التّوبة وأداء الحقوق". وعندهم درجاتٌ للسّلوك، أوّلها التّوبة والورع والزّهد والتّوكل والمحبّة والرّضا والأسوة الحسنة والأحوال والمقامات. هناك مدارس للصّوفية، منها: مدرسة الزّهد ومدرسة الكشف والمعرفة ومدرسة وحدة الوجود ومدرسة الإتّحاد والحلول. وهناك طرق للصّوفية كالقادريّة الرّفاعية والأحمدية والدّسوقية والأكبرية والشّاذلية والمَولوية والنّقشبندية وغيرها كثير... وكلّ تلك نسبةً إلى مشايخ مربّين، نُسِبَت إليهم الطّريقة. ولا شكّ أنّ التّصوف، وكتبه الموجودة، فيه الغَث وفيه السّمين. فعلى المُسلم أخذ ما صفى وترك ما كدر. وقد نادى الكثير من العلماء الكبار إلى الإستفادة ممّا عند الصّوفية من الزّهد والورع والتوبة ومحاسبة النفس وتزكيتها عن طريق التّحلي بالأخلاق الحسنة والعبادة وترك الأخلاق الذّميمة، وترك الأشياء الأخرى، ممّا وصل إليه بعضهم- وسجّلوه في كتبهم- كالإتّحاد والحلول الذي اشتهر به الحلاّج الذي حكم عليه صوفية أهل زمانه بالضّلال وسلوك طريق المُجاهدات الصّعبة الذي أتاهم من الهندوسية والجينية والبوذية والفلسفات المختلفة. ولقد كان التّصوف المُنحرف بابًا كبيرًا، دخلت منه كثيرٌ من الشّرور على المسلمين، مثل التّواكل والسّلبية وإلغاء شخصية الإنسان وتعظيم شخصية الشّيخ، فضلاً عن كثير من الضّلالات التي يُخرِجُ بعضُها صاحبَه من الإسلام. ولكنّ الحق يُقال، إنّ الطّرق الصّوفية عملت على نشر الإسلام في كثيرٍ من الأماكن التّي لم تفتحها الجيوش، وذلك بما لديهم من تأثيرٍ روحيٍ، مثل أندونيسيا. ولقد اعتمد الحكّام على أقطاب الصّوفية في التعبئة الرّوحية للجهاد؛ ولقد قام كثير من رجال التّصوف الكبار بتجديد التّصوف والعودة به إلى صَفائه الأوّل. |
القدريّة
القدريّون هُم من المُعتزَلة. وقد كان للمعتزلة نحو عشرين مذهبًا، يجمعها أمورٌ عديدة، منها: نَفيها عن اللّه صفاته الأزليّة، وقولها بإنّه ليس له علم ولا قدرة ولا حياة ولا سمع ولا بصر ولا صفة أزليّة. وزادوا على هذا قولهم "إنّ اللّه تعالى لم يكن له في الأزل إسم ولا صفة". ومنها قولهم باستحالة رؤية اللّه بالأبصار، وقالوا إنّه لا يرى نفسه ولا يراه غيره واختلفوا فيه، هل هو راء لغيره أم لا، فأجازه قوم منهم وأباه قوم آخرون. ومنها اتّفاقهم على القول بحدوث كلام اللّه وحدوث أمره ونهيه وخبره. وكلّهم يزعمون أنّ كلام اللّه حادث وأكثرهم يسمّون كلامه مخلوقًا. ومنها قولهم جميعًا بأن اللّه تعالى غير خالقٍ لأعمال النّاس ولا لشيءٍ من أعمال الحيوانات. وقالوا إن النّاس هم الذين يقدّرون أعمالهم وأنه ليس للّه في أعمالهم ولا في أعمال سائر الحيوانات صنع ولا تقدير. ولأجل هذا القول سمّاهم أهل السنّة قدريّة. ومنها اتّفاقهم على دعواهم في الفاسق من أمة الإسلام بالمنزلة بين المنزلتين. ومنها قولهم إنّ كل ما لم يأمر به اللّه تعالى أو ينهى عنه من أعمال العباد لم يشأ اللّه شيئًا منها. وممّا قاله فيهم العلامة أبو منصور عبد القاهر بن طاهر: "وفيهم من يزعم أن المتولّدات أعراض لا فاعل لها. والكعبي مع سائر المعتزلة زعموا أن اللّه تعالى لم يخلق أعمال العباد، وهي أعراض عند من أثبت الأعراض. فبان غلط الكعبي في هذا الفصل على أصحابه. «ومنها دعوى إجماع المعتزلة على أن اللّه خلق ما خلق لا من شيء وكيف يصلح إجماعه على ذلك. والكعبي مع سائر المعتزلة، سوى الصلح، يزعمون أن الحوادث كلّها كانت قبل حدوثها أشياء. والعصريّون منهم يزعمون أن الجواهر والأعراض كانت في حال عدمها جواهر وأعراضًا وأشياءً. والواجب على هذا الفصل أن يكون اللّه خلق الشيء من شيء وإنما يصحّ القول بأنّه خلق الشيء لا من شيء على أصول أصحابنا الصّفاتية الذين أنكروا كون المعدوم شيئًا. «وأما دعوى إجماع المعتزلة على أن العباد يفعلون أفعالهم بالقُدَر التي خلقها اللّه تعالى فيهم فغلط منه عليهم. لأن معمرًا منهم يزعم أن القدرة فعل الجسم القادر بها وليست من فعل اللّه تعالى، والأصمّ ينفي وجود القدرة لأنه ينفي الأعراض كلها. وكذلك دعوى إجماع المعتزلة على أنّ اللّه سبحانه لا يغفر لمُرتكبي الكبائر من توبة منهم، غلط منه عليهم، لأن محمد بن شبيب البصري والصّالحي والخالدي، هؤلاء الثلاثة من شيوخ المعتزلة وهم فقهاء في عقيدة مرتكبي الكبائر قد أجازوا من اللّه تعالى مغفرة ذنوبهم من غير توبة". يتبيّن مما مر أن مذهب القدرية يشمل جميع المعتزلة، وهو القول بأن اللّه لا يخلق أفعال الناس، ولكن الناس إنما يعملون أعمالهم بالقُدَر التي خلقها اللّه فيهم. فهُم أحرار فيما يعملون، أي إن اللّه لم يقض على أحد أن يندفع إلى أي عملٍ من الأعمال، بل وكّله إلى نفسه وعقله يتصرّف في أموره على ما يقتضيه ميله. فإن عمل صالحًا أثيب عليه وإن ساء لقي جزاء ما جنته يداه. |
الكنيسـة القـبطـية
القبط أو الأقباط هم سكان مصر الأصليون الذين ظلوا عبر التاريخ يحتفظون بلغتهم الوطنية في مختلف لهجاتها. الكنيسة القبطية هي كنيسة مصرية بامتياز تمتد جذورها عبر التاريخ المصري منذ أن دخلتها المسيحية. أما اللغة القبطية فهي تلك التي استعملها الفراعنة وهي فرع من ما يسمى "اللغات الحامية". تنتشر الكنيسة القبطية في مصر وبعض بلدان أفريقيا الشمالية والشرق الأوسط. ولها امتدادات جديدة في أميركا الشمالية حملها إلى هناك المهاجرون الجدد. عدد الأقباط في مصر بضع ملايين مشكلين الطائفة المسيحية الأكثر عددا هناك. يرئس الكنيسة القبطية بابا الإسكندرية ويقيم في القاهرة. ينتخب البابا بواسطة رجال الدين والعامة من ثلاثة مرشحين على الأقل. يعتبر الأقباط القديس مرقص مؤسس كنيستهم، رغم أن العديد من المؤرخين يشككون بهذا الأمر. وهم الآن فرعان: أورثوزكس وكاثوليك. وكانت الكنيسة القبطية، كغيرها من الكنائس المسيحية في القرنين الرابع والخامس، قد واجهت السؤال الذي شرذم المسيحيين آنذاك والذي تمحور حول طبيعة المسيح والذي استلزم أكثر من مجمع مسكوني لحله. وكان المجمع الخلقيدوني هو الذي حسم الموقف في نهاية الأمر ولكنه لم يتمكن بما خرج فيه، من توحيد كلمة المسيحيين وإيمانهم بطبيعة المسيح. فبينما قبلت معظم الكنائس المسيحية مقررات مجمع خلقيدونية رفضتها كنائس أخرى بينها الكنيسة القبطية بفرعها الأورثوذكسي وهو الفرع الأكثر عدداً والأقوى. فقد ظل هؤلاء على إيمانهم بالطبيعة الواحدة. تعود جذور الطقوس الكنسية القبطية إلى الطقوس اليونانية الاسكندرانية ولكنها منذ القرن الرابع استقلت هذه الطقوس واتخذت طابعاً مصرياً بحتاً. وكان هذا التحول قد بدأ في الأديرة. واللغة المستعملة حالياً في الطقوس الدينية القبطية هي العربية واليونانية. هناك 12 ديراً للأقباط في مصر حالياً تضم 600 راهب، بالإضافة إلى ستة أديرة صغيرة تضم 300 راهبة. أكبر هذه الأديرة وأكثرها شهرة دير وادي نطرون. تتراجع اللغة القبطة اليوم أمام اللغة العربية في مصر. وكان العديد من المصريين يتكلمون القبطية ذات الأبجدية اليونانية في وقت من الأوقات. وكانت تتوزع على ثلاث لهجات: صعيدية وبحرية وفيومية. أما اليوم فالعربية هي السائدة في التداول اليومي. يرأس الكنيسة اليوم البابا شنودة الثالث الذي انتخب سنة 1971. وكانت بعض الخلافات قد حدثت بينه وبين السلطات المصرية أثناء رئاسة أنور السادات انتهت بتحديد إقامته سنة 1981 وأعيدت إليه حريته التامة سنة 1985. |
الجعفريّة
لُقبٌ اشتُهِرَ به، في هذا العصر، الشّيعة الإماميّة الإثنا عشريّة، باعتبار أنّ مذهبهم في الفروع هو مذهب الإمام جعفر بن محمد الصّادق. ونُسِبَ مذهبهم في الفروع إليه، باعتبار أنّ أكثره مأخوذٌ عنه، وإن كان أخذهم عن أئمّة البيت الإثني عشر بالسّواء. لكن لما كانت الرّوايات عنه في فروع الفقه أكثر منها عن غيره بكثيرٍ، لكون عصره في آخر عصر الدولة الأموية، عندما بدأت بالضّعف، وأول عصر الدولة العباسية التّي لم يكن قد بدأ فيها التّعصب الشديد لكونها دولة هاشمية في أوّل نشأتها، فكان للأئمة من أهل البيت يومئذٍ شيء من الحرية وعدم الخوف؛ فأخذوا في نشر مذهبهم وكَثُرَ الرواة عنهم فيه. وهناك فرق أخرى ـ غير الأئمّة الإثني عشريّةـ تُسمّى بالجعفرية، وهي: فرقة المُعتزلة: أتباع جعفر بن بشر الهَمذاني المُتوفّى سنة 236هـ. ومن معتقداتهم أنّ في فساق هذه الأمة مَن هُو شرّ من اليهود والنّصارى والمجوس والزّنادقة. ـ أصحاب جعفر بن حرب الثّقفي، المتوفى سنة 234 هـ وهم فرقة من المعتزلة. ونُسِبَ هؤلاء إلى جعفر قوله: "إن الله تعالى خلق القرآن في اللّوح المحفوظ، ولا يجوز أن يُنقَل، إذ يستحيل أن يكون الشّيء الواحد في مكانين في حالةٍ واحدةٍ. وما نَتْلُوه هو حكاية عن المكتوب الأوّل في اللّوح المحفوظ، وذلك فَعَلنا وخَلَقنا". ـ فرقة جعفرية بائدة من غُلاة الشّيعة، أجهروا القول إن جعفرًا، أي جعفر الصّادق، هو الله وإنّه ليس بالذّي يُرى، ولكنه يُشبه الناس بهذه الصّورة الذّميمة القبيحة للإستئناس. |
الملكيون
الملكيون فئة من النصارى مركزها الرئيس في سوريا. تضم كنيستهم حوالى مليون ونصف مليون مؤمن يعيش نصفهم في الشرق الأدنى وبخاصة في العراق وسوريا ولبنان. تتبع الكنيسة الملكية البابوية. فهي جزء من الكنيسة الكاثوليكية رغم احتفاظها ببعض خصوصياتها الطقسية الشرقية وبنوع من الاستقلالية. فهي كنيسة شرقية قبلت بقرارات المجمع الخلقيدوني الذي اعترف بطبيعتي المسيح، واحدة إلاهية وأخرى بشرية. وكانوا في سنة 1054 قد انفصل قسم منهم عن سلطة الفاتيكان وتبعوا بطريركية القسطنطينية وأصبحوا يعرفون بالأورثذكس. ولكن عدداً بقي أو عاد إلى سلطة البابا في القرن الثامن عشر. تغلب اليونانية والعربية على لغتهم الطقسية. للملكيين بطريرك واحد يدير شؤونهم، يقيم في دمشق وتتبعه سبع أبرشيات هي: حلب وحمص واللاذقية في سوريا وبيروت وصور في لبنان والبصرى في العراق وعمّان في الأردن، كما تتبعه ست مطرانيات: عكا، بعلبك، بانياس، صيدا، طرابلس وزحلة. ملكيون كلمة سامية تعني ملك وهي إشارة إلى تبؤهم سدة الامبراطورية البيزنطية في القرن الخامس في القسطنطينية عند الانقسام المسيحي الكبير حول طبيعة المسيح. أكثر الملكيين الشرقيين الآن هم أحفاد المهاجرين اليونان الذين جلبوا معهم الطقس اليوناني وعرّبوه. |
المزدارية
أصحاب عيسى بن صبيح المكنى بابي موسى الملقب بالمرداد. وقد تلمذ لبشر بن المعتمر وأخذ العلم منه وتزهد ويسمى راهب المعتزلة. وإنما انفرد عن أصحابه بمسائل: الأولى منها: قوله في القدر: إن الله تعالى يقدر على أن يكذب ويظلم ولو كذب وظلم كان إلهاً كاذباً وظالماً تعالى الله عن قوله. والثانية قوله في التولد: مثل قول أستاذه وزاد عليه: بأن جوز وقوع فعل واحد من فاعلين على سبيل التولد. والثالثة قوله في القرآن: إن الناس قادرون على فعل القرآن: فصاحة ونظما وبلاغة وهو الذي بالغ في القول بخلق القرآن وكفر من قال بقدمه بأنه قد أثبت قديمين. وكفر أيضاً من لابس السلطان وزعم أنه لا يرث ولا يورث وكفر أيضاً من قال: إن أعمال العباد مخلوقة لله تعالى ومن قال: إنه يرى بالأبصار وغلا في التكفير حتى قال: هم كافرون في قولهم: لا إله إلا الله. وقد سأله إبراهيم بن السندي مرة عن أهل الأرض جميعاً فكفرهم فأقبل عليه إبراهيم وقال: الجنة التي عرضها السموات والأرض لا يدخلها إلا أنت وثلاثة وافقوك! فخزي ولم يحر جواباً. وقد تلمذ له أيضاً: الجعفران وأبو زفر ومحمد بن سويد. وصحب: أبو جعفر محمد ابن عبد الله الإسكافي وعيسى ابن الهيثم: جعفر بن حرب الأشج. وحكى الكعبي عن الجعفرين أنهما قالا: إن الله تعالى خلق القرآن في اللوح المحفوظ ولا يجوز أن ينقل إذ يستحيل أن يكون الشيء الواحد في مكانين في حالة واحدة وما نقرأه فهو حكاية عن المكتوب الأول في اللوح المحفوظ وذلك فعلنا وخلقنا. قال: وهو الذي اختاره من الأقوال المختلفة في القرآن. وقالا في تحسين العقل وتقبيحه: إن العقل يوجب معرفة الله تعالى بجميع أحكامه وصفاته قبل ورود الشرع وعليه أن يعلم أنه قصر ولم يعرفه ولم يشكره: عاقبه عقوبة دائمة فأثبت التخليد واجباً بالعقل. |
الواصلية
أصحاب أبي حذيفة واصل بن عطاء الغزال الألثغ كان تلميذاً للحسن البصري يقرأ عليه العلوم الأخبار وكانا في أيام عبد الملك بن مروان وهشام بن عبد الملك. وبالمغرب في أيام أبي جعفر المنصور. ويقال لهم: الواصلية. واعتزالهم يدور على أربعة قواعد: القاعدة الأولى: القول بنفي صفات الباري تعالى من العلم والقدرة والإرادة والحياة. وكانت هذه المقالة في بدئها غير ناضجة وكان واصل بن عطاء يشرع فيها على قول ظاهر وهو الاتفاق على استحالة وجود إلهين قديمين أزليين قال: " ومن أثبت معنى وصفة قديمة فقد أثبت إلهين ". وإنما شرعت أصحابه فيها بعد مطالعة كتب الفلاسفة وانتهى نظرهم فيها إلى رد جميع الصفات إلى كونه: عالماً قادراً ثم الحكم بأنهما صفتان ذاتيتان هما: اعتباران للذات القديمة كما قال الجبائي أو حالان كما قال أبو هاشم. وميل أبو الحسين البصري إلى ردهما إلى صفة واحدة وهي العالمية وذلك عين مذهب الفلاسفة . وكان السلف يخالفهم في ذلك إذ وجدوا الصفات مذكورة في الكتاب والسنة. القاعدة الثانية: القول بالقدر: وقد سلكوا في ذلك مسلك معبد الجهني وغيلان الدمشقي. وقرر واصل بن عطاء هذه القاعدة أكثر مما كان يقرر قاعدة الصفات فقال إن الباري تعالى حكيم عادل لا يجوز أن يضاف إليه شر ولا ظلم ولا يجوز أن يريد من العباد خلاف ما يأمرن ويحتم عليهم شيئاً ثم يجازيهم عليه فالعبد هو الفاعل للخير والشر والإيمان والكفر والطاعة والمعصية وهو المجازى على فعله والرب تعالى أقدره على ذلك كله. وأفعال العباد محصورة في: الحركات والسكنات والاعتمادات والنظر والعلم قال: ويستحيل أن يخاطب العبد بالفعل وهو لا يمكنه أن يفعل ولا هو يحس من نفسه الاقتدار والفعل ومن أنكره فقد أنكر الضرورة واستدل بآيات على هذه الكلمات. ورأيت رسالة نسبت إلى الحسن البصري كتبها إلى عبد الملك بن مروان وقد سأله عن القول بالقدر والجبر فأجابه فيها بما يوافق مذهب القدرية واستدل فيها بآيات من الكتاب ودلائل من العقل ولعلها لواصل ابن عطاء فما كان الحسن ممن يخالف السلف في أن القدر خيره وشره من الله تعالى فإن هذه الكلمات كالمجمع عليها عندهم. والعجب! أنه حمل هذا اللفظ الوارد في الخبر على: البلاء والعافية والشدة والرخاء والمرض والشفاء والموت والحياة إلى غير ذلك من أفعال الله تعالى دون: الخير والشر والحسن والقبيح الصادرين من اكتساب العباد. وكذلك أورده جماعة من المعتزلة في المقالة عن أصحابهم. القاعدة الثالثة: القول بالمنزلة بين المنزلتين والسبب فيه أنه دخل واحد على الحسن البصري فقال: يا إمام الدين! لقد ظهرت في زماننا جماعة يكفرون أصحاب الكبائر والكبيرة عندهم كفر يخرج به عن الملة وهم وعيدية الخوارج وجماعة يرجئون أصحاب الكبائر والكبيرة عندهم لا تضر مع الإيمان بل العمل على مذهبهم ليس ركناً من الإيمان ولا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة وهم مرجئة الأمة فكيف تحكم لنا في ذلك اعتقاداً فتفكر الحسن في ذلك وقبل أن يجيب قال واصل بن عطاء: أنا لا أقول: صاحب الكبيرة مؤمن مطلقاً ولا كافر مطلقاً بل هو في منزلة بين المنزلتين: لا مؤمن ولا كافر ثم قام واعتزل إلى اسطوانة من اسطوانات المسجد يقرر ما أجاب به على جماعة من أصحاب الحسن فقال الحسن: اعتزل عنا واصل فسمي هو وأصحابه: معتزلة. ووجه تقريره انه قال: إن الإيمان عبارة عن خصال خير إذا اجتمعت سمى المرء مؤمناً وهو اسم مدح والاسم لم يستجمع خصال الخير ولا استحق اسم المدح فلا يسمى مؤمناً وليس هو بكافر مطلقا أيضاً لأن الشهادة وسائر أعمال الخير موجودة فيه لا وجه لإنكارها لكنه إذا خرج من الدنيا على كبيرة من غير توبة فهو من أهل النار خالداً فيها إذ ليس في الآخرة إلا فريقان: فريق في الجنة وفريق في السعير لكنه يخفف عنه العذاب وتكون دركته فوق دركة الكفار. وتابعه على ذلك عمرو بن عبيد بعد أن كان موافقاً له في القدر وإنكار الصفات. القاعدة الرابعة: قوله في الفريقين من أصحاب الجمل وأصحاب صفين: إن أحدهما مخطئ بعينه وكذلك قوله في الخليفة عثمان وقاتليه وخاذليه. قال: إن أحد الفريقين فاسق لا محالة كما أن أحد المتلاعنين فاسق لا محالة لكن لا بعينه وقد عرفت قوله في الفاسق وأقل درجات الفريقين أنه لا تقبل شهادتهما كما لا تقبل شهادة المتلاعنين فلم يجوز قبول شهادة علي وطلحة والزبير على باقة بقل وجوز أن يكون عثمان وعلي على الخطأ. هذا قولهَ! وهو رئيس المعتزلة ومبدأ الطريقة في أعلام الصحابة وأئمة العترة. ووافقه عمرو بن عبيد على مذهبه وزاد عليه في تفسيق أحد الفريقين لا بعينه بأن قال: لو شهد رجلان من أحد الفريقين مثل علي ورجل من عسكره أو طلحة والزبير: لم تقبل شهادتهما وفيه تفسيق الفريقين وكونهما من أهل النار. وكان عمرو بن عبيد من رواة الحديث معروفاً بالزهد. وواصل مشهور بالفضل والأدب الهذيلية أصحاب أبي الهذيل حمدان بن الهذيل العلاف: شيخ المعتزلة ومقدم الطائفة ومقرر الطريقة والمناظر عليها أخذ الاعتزال عن عثمان بن خالد الطويل عن واصل بن عطاء. ويقال: أخذ واصل بن عطاء عن أبي هاشم عبد الله بن محمد الحنفية ويقال: أخذه عن الحسن بن أبي الحسن البصري. وإنما انفرد عن أصحابه بعشر قواعد: الأولى: أن الباري تعالى عالم بعلمه وعلمه بذاته قادر بقدرة وقدرته ذاته حي بحياة وحياته ذاته. وإما اقتبس هذا الرأي من الفلاسفة الذين اعتقدوا: أن ذاته واحدة لا ثرة فيها بوجه وإنما الصفات ليست وراء الذات معاني قائمة بذاته بل هي ذاته وترجع إلى أسلوب أو اللوازم كما سيأتي. والفرق بين قول القائل: عالم بذاته لا بعلم وبين قول القائل: عالم بعلم هو ذاته أن الأول نفى الصفة والثاني إثبات ذات هو بعينه صفة أو إثبات صفة هي بعينها ذات. وإذ أثبت أبو الهذيل هذه الصفات وجوهاً للذات فهي بعينها أقانيم النصارى أو أحوال أبي هاشم. الثانية: أنه أثبت إرادات لا محل لها يكون الباري تعالى مريداً بها. وهو أول من أحدث هذه المقالة وتابعه عليها المتأخرون. الثالثة: قال في كلام الباري تعالى: إن بعضه لا في محل وهو قوله كن وبعضه في محل كالأمر والنهي والخبر والإستخبار. وكأن أمر التكوين عنده غير أمر التكليف. الرابعة: قوله في القدر مثل ما قاله أصحابه إلا أنه قد ري الأولى جبري الآخرة فإن مذهبه في حركات أهل الخلدين في الآخرة: أنها كلها ضرورية لا قدرة للعباد عليها وكلها مخلوقة للباري تعالى إذ كانت مكتسبة للعباد لكانوا مكلفين بها. الخامسة: قوله إن حركات أهل الخلدين تنقطع وإنهم يصيرون إلى سكون دائم خموداً وتجتمع للذات قي ذلك السكون لأهل الجنة وتجتمع الآلام في ذلك السكون لأهل النار. وهذا قريب من مذهب جهم: إذ حكم بفناء الجنة والنار. وإنما التزم أبو الهديل هذا المذهب لأنه لما ألزم في مسألة حدوث العالم: أن الحوادث التي لا أول لها كالحوادث التي لا آخر لها إذ كل واحدة لا تتناهى قال: إني لا أقول بحركات لا تتناهى آخراً كما لا أقول بحركات لا تتناهى أولاً بل يصيرون إلى سكون دائم وكأنه ظن أن ما لزمه في الحركة لا يلزمه في السكون. السادسة: قوله في الاستطاعة: إنها عرض من الأعراض غير السلامة والصحة وفرق بين أفعال القلوب وأفعال الجوارح فقال لا يصح وجود أفعال القلوب منه مع عدم القدرة فالاستطاعة معها في حال الفعل. وجوز ذلك في أفعال الجوارح وقال بتقدمها فيفعل بها في الحال الأولى وإن لم يوجد الفعل إلا في الحالة الثانية قال: فحال يفعل غير حال فعل. ثم ما تولد من فعل العبد فهو فعله غير اللون والطعم والرائحة ما لا يعرف كيفيته. وقال في الإدراك والعلم الحادثين في غيره عند إسماعه وتعليمه: إن الله تعالى يبدعهما فيه وليسا من أفعال العباد. السابعة: قوله في المكلف قبل ورود السمع: إنه يجب عليه أن يعرف الله تعالى بالدليل من غير خاطر وإن قصر في المعرفة استوجب العقوبة أبداً ويعلم أيضاً حسن الحسن وقبح القبيح فيجب عليه الإقدام على الحسن كالصدق والعدل والإعراض عن القبيح كالكذب والجور. وقال أيضاً بطاعات لا يراد بها الله تعالى ولا يقصد بها التقرب إليه كالقصد إلى النظر الأول والنظر الأول فإنه لم يعرف الله بعد والفعل عبادة وقال في المكره: إذا لم يعرف التعريض والتورية فيما أكره عليه فله أن يكذب ويكون وزره موضوعاً عنه. الثامنة: قوله في الآجال والأرزاق: إن الرجل إن لم يقتل مات في ذلك الوقت ولا يجوز أن يزاد في العمر أو ينقص. والأرزاق على وجهين: أحدهما: ما خلق الله تعالى من الأمور المنتفع بها يجوز أن يقال خلقها رزقاً للعباد فعلى هذا من قال: إن أحداً أكل أو انتفع بما لم يخلقه الله رزقاً فقد أخطأ لما فيه: أن في الأجسام ما لم يخلقه الله تعالى. والثاني: ما حكم الله به من هذه الأرزاق للعباد فما أحل منها فهو رزقه وما حرم فليس رزقاً أي ليس مأموراً بتناوله. التاسعة: حكى الكعبي عنه أنه قال: إرادة الله غير المراد فإرادته لما خلق: هي خلقه له وخلقه للشيء عنده غير الشيء بل الخلق عنده قول لا في محل. وقال إنه تعالى لم يزل سميعاً بصيراً بمعنى سيسمع وسيبصر وكذلك لم يزل: غفوراً رحيماً محسناً خالقاً رازقاً معاقباً موالياً معادياً آمراً ناهياً بمعنى أن ذلك سيكون منه. العاشرة: حكى الكعبي عنه أنه قال: الحجة لا تقوم فيما غاب إلا بخبر عشرين فيهم واحد من أهل الجنة أو أكثر ولا تخلو الأرض عن جماعة هم فيها أولياء الله: معصومون لا يكذبون ولا يرتكبون الكبائر فهم الحجة لا التواتر إذ يجوز أن يكذب جماعة ممن لا يحصون عدداً إذا لم يكونوا أولياء الله ول يكن فيهم واحد معصوم. وصحب أبا الهذيل أبو يعقوب الشحام والآدمي وهما على مقالته. وكان سنه مائة سنه توفي في أول خلافة المتوكل سنة خمس وثلاثين ومائتين. |
المُرجئة
المرجئة فرقةٌ من الفرق الدّينية؛ بدأت تتّحدد ملامحها عندما طُرِحَ السّؤال التالي: ما الحكم على مُرتكب الكبيرة؟ وذلك عقب الفتنة التي صاحبت مقتل الخليفة الثالث "، والتي كان من نتائجها اقتتال المُسلمين. فقالت المرجئة: "أمر مُرتكب الكبيرة إلى الله يوم القيامة، فلا يقضى عليه في الدّنيا". ذَكَرَ الأشعري في مقالاته أنّ المرجئة اثنتا عشرة فرقةٍ، وهي: 1- اليونسيّة وهم أصحاب يونس بن عوف النّميري. يزعمون أنّ الإيمان هو المعرفة بالله والخضوع له وترك الإستكبار عليه والمحبّة له. فمَن اجتمعت فيه هذه الخصال فهو مؤمنٌ. وما سوى ذلك من الطّاعة فليس من الإيمان، ولا يضرّ تركها حقيقة الإيمان ولا يعذّب على ذلك إذا كان الإيمان خالصًا واليقين صادقًا. 2- العُبيديّة وهم أصحاب عُبيد المُكتئب. حُكِيَ أنّه قال: "ما دون الشّرك مغفور لا محالة، وإنّ العبد إذا مات على توحيده لا يضرّه ما اقترف من الآثام واجترح من السّيئات. 3- الغسّانية وهم أتباع غسّان الحرمى المُرجئي. وقد زعموا أن الإيمان إقرار بالله ومحبة لله وتعظيم له، وهو يقبل الزيادة ولا يقبل النّقصان. 4- الثّوبانية وهم أصحاب أبي ثوبان المرجئي. كان يقول: "الإيمان إقرار ومعرفة بالله وبرُسُله وبكلّ شيء يُقدّر وجوده في العقل. فزاد هذا القائل القول بالواجبات العقلية وأخّر العمل عن الإيمان. والثّوبانيّون يزعمون أنّ العُصاة من المسلمين يلحقهم على الصّراط شيء من حرارة جهنّم لكنهم لا يدخلون جهنم أصلاً. 5- التّومنية، وقد تُسمى المعاذية. أصحاب أبي معاذ التومني. يزعمون أنّ الإيمان ما عصم من الكفر، وهو إسم لخصالٍ إذا تركها التارك أو ترك خصلة منها كان كافرًا. 6- الصّالحية، وهم أصحاب صالح بن عمر الصّالحي. يزعمون أنّ الإيمان هو المعرفة بالله على الإطلاق وهو أنّ الله صانعٌ فقط، والكفر هو الجهل به على الإطلاق، وأنّ قول القائل "إنّ الله ثالث ثلاثة" ليس بكفرٍ ولكنّه لا يظهر إلاّ من كافرٍ. 7- المريسيّة. أصحاب بشير المريسي ومرجئة بغداد من أتباعه. يقولون إن الإيمان هو التصديق، لأن الإيمان في اللّغة هو التصديق، وما ليس بتصديقٍ فليس بإيمانٍ. ويزعمون أنّ التصديق يكون بالقلب واللّسان معًا. 8- الشّمرية. أصحاب أبي شمر المرجئي القدري. وحُكِيَ عن أبي شمّر أنّه قال: "إنّ الإيمان هو المعرفة بالله والإقرار به وبما جاء من عند الله ومعرفة العدل". يعني قوله في القدر، ما كان منصوصًا أو مستخرجًا بالعقول ممّا فيه إثبات عدل الله ونفي التّشبيه والتّوحيد، وكلّ ذلك إيمانٌ، والعلم به إيمان والشاك به كافر والشك في الشّاك كافر أبدًا. 9- النّجارية. أتباع الحسين بن محمد النجار. وهؤلاء يوافقون أهل السّنة في بعض أصولهم مثل خلق الأفعال، الإستطاعة، الإرادة وأبواب الوعيد. ويوافقون القدريّة في بعض الأصول مثل نفي الرّؤية ونفي الحياة والقدرة، ويقولون بحدوث الكلام، أي أنّ كلام الله مخلوق وحادث. وقد تفرّع عن هذه الفرقة ثلاثة فِرَقٍ، هي: البرغوتيّة، الزّعفرانية، المُستدركة. 10- الغيلانيّة. هُم أصحاب غيلان الدّمشقي. يزعمون أنّ الإيمان بالله بالنّظر والإستدلال والمحبّة والخضوع والإقرار وبما جاء من عند الله سبحانه وتعالى، وذلك أن المعرفة الأولى عنده اضّطرار أي فطريّة، وأن الإيمان لا يحتمل الزيادة والنّقصان. 11- الشبيبيّة، أصحاب محمد بن شبيب. يزعمون أنّ الإيمان هو الإقرار بالله والمعرفة بأنّه واحد ليس كمثله شيء، والإقرار والمعرفة بأنبياء الله وبرسله وبجميع ما جاءت به من عند الله ممّا نص عليه المسلمون ونقلوه عن الرّسول من الصّلاة والصيام وأشباه ذلك ممّا لا خلاف عليه بينهم ولا تنازع. أمّا ما كان من الدّين نحو اختلاف الناس في الأشياء، فإن الرّاد للحق لا يُكفّر ولا يرد على المُسلمين ما نقلوه عن نبيّهم ونصوا عليه. والخضوع لله هو ترك الإستكبار. 12- الكرامية. أصحاب أبي عبد الله محمد بن كرام. وجملة الكرامية ثلاث فِرَق: حقائقية وطرافية وإسحاقيّة. وتُعَدّ جميعها فريقًا واحدًا إذ لا يكفّر بعضهم بعضًا. فزعموا أنّ المنافقين الذين كانوا على عهد الرسول كانوا مؤمنين على الحقيقة. كانوا يعتقدون أنّ الله تعالى جسم وجوهر ومحلّ للحوادث، ويثبتون له جهة ومكانا. وكان زعيمهم ابن كرام يُسمّى معبوده جسمًا. ومِن بِدَعهم التي قالوا بها إنّهم فرّقوا بين القول والكلام، وقولهم إنّ كلام الله قديم وقوله حادث وليس بمُحدث، وله حروف وأصوات، وإنّما هو قدرته على التّكليم والتّكلم. وقالوا إنّ كلامه ليس بمسموعٍ وقوله مسموع، وقالوا بالواجبات العقلية قبل ورود الشّرع. |
المعتزلة
المُعتزلة فرقةٌ إسلاميّة نشأت في أواخر العصر الأموي وازدهرت في العصر العباسي. اعتمدت على العقل المجرّد في فهم العقيدة الإسلامية لتأثرّها ببعض الفلسفات القديمة. وقد أُطلقت عليها أسماء مختلفة منها: المُعتزلة والقدرية والعدلية وأهل العدل والتّوحيد والمقصد والوعيديّة. المبادئ والأفكار: جاءت المعتزلة في بدايتها بفكرتين مبتدعتين: - الأولى: القول إنّ الإنسان مختار بشكلٍ مطلقٍ في كلّ ما يفعل؛ فهو يخلق أفعاله بنفسه ولذلك كان التكليف. ومن أبرز مَن قال ذلك "غيلان الدمشقي" الذي أخذ يدعو إلى مقولته هذه في عهد عمر بن عبد العزيز وحتى عهد هشام بن عبد الملك. فكانت نهايته أن قتله هشام بسبب ذلك. - الثّانية: القول إنّ مُرتكب الكبيرة ليس مؤمنًا ولا كافرًا ولكنّه فاسق فهو بمنزلةٍ بين المنزلتين. هذه حاله في الدّنيا. أمّا في الآخرة فهو لا يدخل الجنّة لأنه لم يعمل بعمل أهل الجنة بل هو خالد في النّار. ولا مانع عندهم من تسميته مسلمًا باعتباره يُظهر الإسلام وينطق بالشّهادتين ولكنه لا يُسمّى مؤمنًا. ثمّ حرّر المُعتزلة مذهبهم في خمسة أصولٍ، أهمّها: التّوحيد، العدل، الوعد والوعيد، المنزلة بين المنزلتين، الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر. 1- التّوحيد وخلاصته، برأيهم، هو أنّ الله تعالى مُنزّه عن الشبيه والمماثل (ليس كمثله شيء) ولا ينازعه أحد في سلطانه ولا يجري عليه شيء ممّا يجري على النّاس. وهذا حق. ولكنّهم بنوا عليه أحد نتائج باطلة، منها استحالة رؤية الله تعالى لإقتضاء ذلك نفي الصّفات، وأن الصفات ليست شيئاً غير الذات، وإلاّ تعدَّدَ القدماء في نظرهم. لذلك يُعَدُّون من نفاة الصّفات؛ وبنوا على ذلك أيضًا أنّ القرآن مخلوق لله سبحانه وتعالى لنفيهم عنه سبحانه صفة الكلام. 2- العدل ومعناه برأيهم أنّ الله لا يخلق أفعال العباد ولا يحبّ الفساد، بل إنّ العباد يفعلون ما أمروا به وينهون عما نهوا عنه بالقدرة التي جعلها الله لهم وركّبها فيهم وأنّه لم يأمر إلاّ بما أراد ولم ينه إلاّ عمّا كره. 3- الوعد والوعيد ويعني أن يجازي الله المُحسن إحسانًا ويجازي المُسيء سوءًا ، ولا يغفر لمرتكب الكبيرة إلاّ أن يتوب. 4- المنزلة بين المنزلتين وتعني أن مرتكب الكبيرة في منزلةٍ بين الإيمان والكفر. فليس بمؤمنٍ ولا كافرٍ. وقد قرّر هذا واصل بن عطاء شيخ المعتزلة. 5- الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر. فقد قرّروا وجوب ذلك على المؤمنين نشرًا لدعوة الإسلام وهدايةً للضّالين وإرشادًا للغاوين كلّ بما يستطيع. فذو البيان ببيانه، والعالم بعلمه، وذو السّيف بسيفه وهكذا. ومن حقيقة هذا الأصل أنّهم يقولون بوجوب الخروج على الحاكم إذا خالف وانحرف عن الحق. ومن مبادئ المعتزلة الإعتماد على العقل كليًا في الإستدلال لعقائدهم. وكان من آثار اعتمادهم على العقل في معرفة حقائق الأشياء وإدراك العقائد، أنّهم كانوا يحكمون بحُسن الأشياء وقبحها عقلاً. وبسبب اعتمادهم على العقل أيضًا أوّلوا الصّفات بما يلائم عقولهم الكلية، كصفات الإستواء واليد والعين وكذلك صفات المحبة والرضى والغضب والسخط. ومن المعلوم أنّ المعتزلة تنفي كلّ الصّفات لا أكثرها. وباعتمادهم على العقل أيضًا، طعن كبراؤهم في أكابر الصّحابة وشنعوا عليهم ورموهم بالكذب. فقد زعم واصل بن عطاء أن إحدى الطائفتين يوم الجَمَل فاسقة؛ إمّا طائفة علي بن أبي طالب وعمّار بن ياسر والحسن والحسين وأبي أيوب الأنصاري أو طائفة عائشة والزبير، أوردوا شهادة هؤلاء الصّحابة، فقالوا: لا تقبل شهادتهم. وسبب اختلاف المعتزلة فيما بينهم وتعدّد طوائفهم هو اعتمادهم على العقل فقط، وإعراضهم عن النّصوص الصّحيحة من الكتاب والسنة، ورفضهم الإتباع من دون بحثٍ واستقصاءٍ. وقاعدتهم التي يستندون إليها في ذلك: "كلّ مكلّف مطالب بما يؤدّيه إليه اجتهاده في أصول الدين". فيكفي، وفق مذهبهم، أن يختلف التلميذ مع شيخه في مسألةٍ ليكون هذا التلميذ صاحب فرقةٍ قائمةٍ. وهكذا نجد أن المعتزلة قد حوّلوا الدّين إلى مجموعة من القضايا العقلية والبراهين المنطقية، وذلك لتأثرهم بالفلسفة اليونانية عامّةً وبالمنطق الصّوري (نسبة إلى مدينة صور) الأوسطي خاصّة. فنّد علماء الإسلام آراء المُعتزلة في عصرهم، مثل أحمد بن حنبل الذي اكتوى بنار فِتنَتِهِم المُتعلّقة بخلق القرآن ووقف في وجه هذه الفتنة بحزمٍ. مِن ردودٍ قويّة الحجة، بارعة الأسلوب، رد ابن تيمية في كتابه "درء تعارض العقل والنقل"؛ فقد تتبع آراءهم وأفكارهم واحدة واحدة وردّ عليها وبيّن أنّ صريح العقل لا يكمن أن يكون مخالفًا لصحيح النّقل. وقد ردّ على ذلك عدد كبير من العلماء مؤكّدين: - أن لا يتعارض العقل مع النصوص الصّحيحة. - أن لا يكون استعمال العقل في القضايا الغيبية التي يُعتبر الوحي هو المصدر الصحيح والوحيد لمعرفتها. - أن يُقدَّم النّقل على العقل في الأمور التي لم تتضح حكمتها وهي ما يُعرف بـ"الأمور التّوفيقية". - ولا شك أن احترام الإسلام للعقل وتشجيعه للنظر والفكر واضح. الجذور الفكرية والعقائدية: هناك رواية تُرجِع الفكر المعتزلي في الصّفات إلى أصولٍ يهوديّةٍ فلسفيّةٍ. فالجعد بن درهم أخذ فكره عن أبان بن سمعان وأخذها أبان عن طالوت وأخذها طالوت عن خاله لبيد بن الأعصم اليهودي. وقيل: إنّ مناقشات الجهم بن صفوان مع فرقة السّمنية -وهي فرقة هندية تؤمن بالتّناسخ- قد أدّت إلى تشكيكه في دينه وابتداعه لنفي الصفات. إنّ فكر يوحنا الدمشقي وأقواله تُعدّ موردًا من موارد الفكر الإعتزالي إذ إنّه كان يقول بالأصلح وحريّة الإرادة الإنسانية. ونفي القدر عند المعتزلة الذي ظهر على يد الجهني وغيلان الدمشقي، قيل إنّهما أخذاه عن نصراني يدعى أبو يونس سنسويه. وقد أخذ عمرو بن عبيد صاحب واصل بن عطاء فكرة نفي القدر عن معبد الجهني. تأثّر المعتزلة بفلاسفة اليونان في موضوع الذّات والصفات. فمن ذلك قول أنباد بن قليس الفيلسوف اليوناني: "إنّ الباري تعالى لم يزل هويته فقط وهو العلم المحض وهو الإرادة المحضة وهو الجود والعزة والقدرة والعدل والخير والحق، لا أن هناك قِوَى مُسمّاة بهذه الأسماء بل هي هو، وهو هذه كلّها". وكذلك قول أرسطو طاليس في بعض كتبه: "إنّ الباري علم كلّه، قدر كله، حياة كله، بصر كله". فأخذ العلاف -وهو من شيوخ المعتزله- هذه الأفكار وقال: "إنّ الله عالم بعلم وعلمه ذاته قادر بقدره وقدرته ذاته، حيّ بحياة وحياة ذاته". ثمّ إنّ أحمد بن خابط والفضل الحدثي قد طالعا كتب الفلاسفة ومزجا الفكر الفلسفي مع الفكر النّصراني مع الفكر الهندي، وقالا ما يلي: 1- إنّ المسيح هو الذي يحاسب الخلق في الآخرة. 2- إنّ المسيح تدرّع بالجسد الجسماني وهو الكلمة القديمة المتجسّدة. 3- القول بالتناسخ. 4- حَملا كلّ ما ورد في الخبر عن رؤية الله تعالى على رؤية العقل الأول، هو أوّل مبتدع وهو العقل الفعّال الذي منه تفيض الصّور على الموجودات. يؤكّد العلماء تأثير الفلسفة اليونانية على فكر المعتزلة بما قام به الجاحظ، وهو من مُصنّفي المعتزلة ومفكريهم. فقد طالع كثيرًا من كتب الفلاسفة وتمذهب بمذهبهم حتّى إنه خلط وروّج كثيرًا من مقالاتهم بعبارته البليغة. الفكر الإعتزالي الحديث: يحاول بعض الكُتّاب والمُفكّرين في الوقت الحاضر إحياء فكر المعتزلة من جديد، فألبسوه ثوبًا جديدًا، وأطلقوا عليه أسماء جديدةٍ مثل العقلانية أو التنوير أو التجديد أو التحرر الفكري أو التطور أو المعاصرة أو التيار الديني المستنير أو اليسار الإسلامي. وقد قوّى هذه النزعة التأثر بالفكر الغربي العقلاني المادّي. وحاول مؤيّدو هذه النزعة تفسير النصوص الشّرعية وفق العقل الإنساني. فلجأوا إلى التأويل كما لجأت المعتزلة من قَبل ثم أخذوا يتلمّسون في مصادر الفكر الإسلامي ما يدعم تصوّرهم، فوجدوا في المعتزلة بغيتهم فأنكروا المعجزات الماديّة. أهمّ مبدأٍ معتزليٍّ سار عليه المتأثرون بالفكر المعتزلي الجُدد هو ذاك الذي يزعم أنّ العقل هو الطريق الوحيد للوصول إلى الحقيقة، حتى لو كانت هذه الحقيقة غيبيّة شرعية. أي أنّهم أخضعوا كلّ عقيدةٍ وكل فكرٍ للعقل البشري القاصر. أهمّ وأخطر ما في هذا الفكر الإعتزالي الجديد محاولة تغيير الأحكام الشرعية التي ورد فيها النّص اليقيني من الكتاب والسنة، مثل عقوبة المرتد وفرضية الجهاد والحدود وغير ذلك... فضلاً عن موضوع الحجاب وتعدّد الزوجات والطلاق والإرث، إلخ... |
النّصيريّة
النّصيريّة حركة باطنية، ظهرت في القرن الثّالث للهجرة. أصحابها يُعَدّون من غُلاة الشّيعة الذين زعموا وجودًا إلهيًا في علي. أهمّ عقائدها: * جعل النّصيرية عليًا إلهًا، وقالوا إنّ ظهوره الرّوحاني بالجسد الجسماني الفاني كظهور جبريل في صورة بعض الأشخاص. * لم يكن ظهور الإله علي في صورة النّاسوت إلاّ إيناسًا لخلقه وعبيده. * يحبّون عبد الرّحمن بن ملجم، قاتل الإمام علي، ويترضّون عنه لزعمهم بأنّه قد خلّص اللاّهوت من النّاسوت، ويُخطّئون من يلعنه. * يعتقد بعضهم أنّ عليًا يسكن السّحاب بعد تخلّصه من الجسد الذي كان يقيّده؛ وإذا مرّ بهم السّحاب، قالوا: "السّلام عليك أبا الحسن". ويقولون إنّ الرّعد صوته والبرق سوطه. * يعتقدون أنّ عليًا خَلَق الأيتام الخمسة، الذين هُم: - المقداد بن الأسود، ويعدّونه رب النّاس وخالقهم والمُوَكّل بالرّعود. - أبو ذر الغفاري، الموكّل بدوران الكواكب والنجوم. - عبد الله بن رواحة، الموكّل بالرّياح وقبض أرواح البشر. - عثمان بن مظعون، الموكّل بالمعدة وحرارة الجسد وأمراض الإنسان. - قنبر بن كادان، الموكّل بنفخ الأرواح في الأجسام. * لهم ليلة يَختلط فيهم الحابل بالنّابل كشأن بعض الفِرَق الباطنيّة. * يعظّمون الخمرة ويحتسونها، فيُعظّمون شجرة العنب لذلك، ويستفظعون قلعها أو قطعها لأنّها هي أصل الخمرة التي يسمونها "النّور". * يُصلّون في اليوم خمس مرّات لكنها صلاة تختلف في عدد الرّكعات ولا تشتمل على سجودٍ وإن كان فيها نوع من ركوعٍ أحيانًا. * لايصلّون الجُمعة ولا يتمسّكون بالطّهارة. * ليس لهم مساجد عامّة، بل يُصلّون في بيوتهم. * لهم قدّاسات شبيهة بقداسات النّصارى، مثل: - قدّاس الطِّيِب لك أخ حبيب. - قداس البخّور في روح ما يدور في محل الفرح والسّرور. - قدّاس الآذان وبالله المُستعان. * لا يعترفون بالحجّ، ويقولون إن الحج إلى مكة، إنّما هو كفر وعبادة أصنام!! * لا يعترفون بالزّكاة الشّرعية المعروفة لدى باقي المُسلمين، وإنّما يدفعون ضريبةً إلى مشايخهم، زاعمين بأن مقدارها خُمس ما يملكون. * الصّيام لديهم هو الإمتناع عن معاشرة النّساء طيلة شهر رمضان. * يبغضون الصّحابة بُغضًا شديدًا، ويلعنون أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين. * يزعمون بأن للعقيدة باطنًا وظاهرًا وأنّهم وحدهم العالمون بباطن الأسرار. ومن ذلك: - الجنابة: هي موالاة الأضّداد والجهل بالعلم الباطني. - الطّهارة: هي معاداة الأضّداد ومعرفة العلم الباطني. - الصّيام: هو حفظ السّر المُتعلّق بثلاثين رجلاً وثلاثين امرأة. - الزّكاة: يُرمَز لها بشخصية سلمان الفارسي. - الجهاد: هو صبّ اللّعنات على الخصوم وفُشاة الأسرار. - الولاية: هي الإخلاص للأسرة النّصيرية وكراهية خصومها. - الشّهادة : هي أن تشير إلى صيغة "ع . م . س"، أيّ: علي، محّمد، سلمان. - القرآن : هو مدخل لتعليم الإخلاص لعلي؛ وقد قام سلمان تحت إسم جبريل بتعليم القرآن لمحمّد. - الصّلاة: عبارة عن خمسة أسماءٍ هي: علي وحسن وحسين ومحسن وفاطمة. * يقول ابن تيميّة عند النّصيرييّن: "هؤلاء القوم المُسَمُّون بالنّصيريّة –هُم وسائر أصناف القرامطة الباطنيّة– أكفر من اليهود والنّصارى، بل وأكفر من كثيرٍ من المُشرِكين، وضررهم أعظم من ضرر الكُفّار المحاربين مثل التتار والفرنج وغيرهم.. وهُم دائمًا مع كلّ عدوٍ للمُسلمين. فهُم مع النّصارى على المُسلمين. ومن أعظم المصائب عندهم انتصار المسلمين على التتار، ثم إنّ التتار ما دخلوا بلاد الإسلام وقتلوا خليفة بغداد وغيره من ملوك المسلمين إلاّ بمُعاونتهم ومؤازرتهم. * الأعياد: لهم أعياد كثيرة تدلّ على مُجمل العقائد التّي تشتمل عليها عقيدتهم. ومن ذلك: - عيد النّيروز: في اليوم الرّابع من نيسان، وهو أوّل أيام سنة الفرس. - عيد الغدير، وعيد الفراش وزيارة يوم عاشوراء في العاشر من المُحرّم، ذكرى استشهاد الحُسين في كربلاء. - يوم المباهلة أو يوم الكساء: في التاسع من ربيع الأوّل، ذكرى دعوة النّبي (ص) لنصارى نجران للمُباهلة. - عيد الأضحى: ويكون لديهم في اليوم الثّاني عشر من شهر ذي الحجّة. - يحتفلون بأعياد النّصارى كعيد الغطّاس، وعيد العُنصرة، وعيد القدّيسة بربارة، وعيد الميلاد، وعيد الصّليب الذي يتّخذونه تاريخًا لبدء الزّراعة وقطف الثّمار وبداية المُعاملات التّجارية وعقود الإيجار والإستئجار. - يحتفلون بيوم "دلام" وهو اليوم التاسع من ربيع الأول، ويقصدون به مقتل عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، فَرَحًا بمقتله وشماتةً به. الجذور الفكريّة والعقائديّة: * استمدّ النّصيريّون مُعتقداتهم من الوثنية القديمة، وقدّسوا الكواكب والنّجوم وجعلوها مسكنًا للإمام علي. * تأثّروا بالأفلاطونيّة الحديثة، ونقلوا عنهم نظريّة الفيض النّوراني على الأشياء. * بَنوا مُعتقداتهم على مذهب الفلاسفة المَجوس. * أخذوا عن النّصرانية، ونقلوا عن الغنوصية النّصرانية، وتمسّكوا بما لديهم من التّثليث والقدّاسات وإباحة الخمور. * نقلوا فكرة التّناسخ والحلول عن المُعتقدات الهنديّة والآسيوية الشّرقية. يستوطن النّصيريون منطقة جبال النّصيريين في اللاّذقية، وقد انتشروا مؤخّرًا في المُدُن السّورية المجاورة لهم. ويوجد عدد كبير منهم أيضًا في غربي الأناضول، ويُعرَفون بإسم "التّختجيّة والحطّابون"، فيما يطلق عليهم شرقي الأناضول إسم "القزل باشيه". ويُعرَفون في أجزاءٍ أخرى من تركيا وألبانيا بإسم البكتاشيّة. وهناك أيضًا عددٌ منهم في فارس وتركستان، ويُعرَفون بإسم "العلي إلهيّة". ويعيش عددٌ منهم في لبنان وفلسطين. |
اليزيديّة
هُم جماعةٌ من الغُلاة يرجعون إلى أصلٍ مَجوسيّ. ادعّوا الإسلام بعد المجوسيّة واعتقدوا بألوهيّة يزيد بن معاوية، وأضافوا إليه آلهة آخرين عكفوا على عبادتهم. سُمّوا باليزيديّة لأنّهم كانوا يعتقدون بصلاح يزيد اعتقادًا بلغ حدّ التّأليه. نشأت هذه الفرقة في بلادٍ كانت بعيدةً عن التّحضر والمراكز الدّينية والعلميّة. وقد ذكر الباحثون إنّها بدأت انطلاقتها في جبال حلوان، ثمّ في جبال هكار من كردستان. كانت الطّائفة اليزيديّة تدين بالدّيانة المَجوسيّة. وظلّت معتزلةً عن الأقوام الأخرى. إلاّ أنّ انتشار الاسلام جعلهم يتظاهرون أمام الفاتحين بعقائدهم الإسلاميّة. وعلى مرّ التاريخ، خلط أبناؤها من الأجيال الجديدة بين المُعتَقد الأوّل وبين مظاهر المُعتقد الجديد المُقتبَس، فكانوا ضعافًا في كِلاَ المُعتقدين. تولّى قيادة الفرقة رجال حكّموا آراءهم واتّبعوا أهواءهم فأضلّوا النّاس بالبِدَع والخرافات، وتظاهروا بالزّهد والتّعفف وكثرة المُجاهدة، فقصدهم النّاس وتأثّروا بهم حتّى غلب الرّأي اليزيدي في حلوان وسنجار والأطراف الحدودية من العراق وايران وتركية وسوريا. طرحت الفرقة اليزيديّة آراءها في ظلّ ظروفٍ وأجواءٍ هادئةٍ سياسيًا وفكريًا، استغلّتها لصالحها وجذبت النّاس إليها وبالأخصّ سكّان الجبال والرُحّل وأهل القُرى والقصبات، وأغوت خلقًا كثيرًا منهم. واستطاع الشّيخ عدي بن مُسافر الأمويّ بانتحاله شخصيةً، لها طابع القُدسيّة والزّهد والتّسامح، أن يشقّ طريقه في الدّعوة إلى فرقته؛ وروّج لنفسه بنشر الكرامات والسّجايا التّي تناقلها أنصاره وأتباعه حتّى صاروا يُغالون فيه بما لا يُوافق الشّرع، وينقادون لآرائه ومعتقداته. تولّى زعامة الطّائفة اليزيدية بعد عدي بن مسافر رجلٌ من قبيلته، وهو الشّيخ حسن شمس الدّين، المُلقّب بالبصري، حيث أعاد أبناء طائفته إلى معتقدهم القديم، المجوسيّة، وما توارثوه من أجدادهم وأسلافهم. تميّزت الطائفة اليزيدية عن غيرها من الفِرَق بتدوين مُعتقداتها وبرامجها العباديّة والمذهبيّة في كتابين مقدّسين عندهم، هُما: كتاب "الجلوة" وكتاب "مصحف رش". ويُمكننا أن نلخّص مُعتقداتهم بما يلي: ـ اعتقدوا بصلاح يزيد بن معاوية، حتّى قالوا بألوهيته وقدسيته. ـ تكتّموا في إظهار معتقداتهم تكتّمًا شديدًا. ـ قالوا بغلبة قوّة الخير (وهو الله) على قوة الشر (وهو الشّيطان) ، فطُرِدَ الشّيطان من سُلطان الملكوت. ـ تجنّبوا التّـلفـظ بكلمةٍ فيها حرف من حروف كلمة (الشّيطان)، وبصورةٍ خاصّةٍ حرف الشّين منها؛ وإذا قال أحدهم كلمة "الشّيطان" مُتعمّدًا حَلَّ قتله. - يطمسون ما ورد في القرآن من كلماتٍ لا تناسب أذواقهم، كالتّعوّذ واللّعنة والشّيطان، بوضع قطعة شمعٍ عليها. ـ ليس لهم صلاة عامّة، بل هناك طقوس خاصّة بهم، ويتوجّهون إلى مطلع الشّمس عند الشّروق وإلى مغربها عند الغروب فيلثمون الأرض ويعفرون وجوههم بالتّراب ويقرأون بعض الأدعية، وهي خليط من اللّغة العربية والفارسيّة والكرديّة. ـ الصّوم عندهم على قسمين: صوم العامّة، وهو "صوم يزيد" ويقع أيّام الثّلاثاء والأربعاء والخميس، الأوّل من شهر كانون الأوّل؛ وصوم الخاصة، وهو عبارة عن ثمانين يومًا يصومها رجل الدّين. ـ الزُّكاة يدفعونها كلّ سنة إلى شيخهم، وتُسمّى عندهم الرّسوم. ـ يحجّون حجًا خاصًا بهم كلّ عامٍ في مراسم خاصّةٍ إلى مرقد الشيخ عدي بن مسافر؛ والذّي لا يُوفّق لأداء الحج فهو كافر. ـ الشّهادة عندهم بالطّريقة التالية: "أشهد واحد الله، سلطان يزيد حبيب الله". ـ قالوا بتناسخ الأرواح. ـ حرّموا الزّواج بين الطّبقات (أيّ الطبقات المُصنّفة ضمن مُعتقدهم بين فئات الطّائفة)، وجوّزوا الزّواج من ستّ نساءٍ. ـ حَرّموا أكل الخسّ واللّهانة (الملفوف) والقرنبيط وبعض الخُضَر، وحرّموا من اللّحوم لحم الخنزير والسّمك على اختلاف أنواعه ولحم الغزال. ويُحرَّم على الشّيخ وتلامذته أكل لحم الدّيك احترامًا لآلههم (طاووس ملك). ـ حَرّموا حلق الشّارب أو استئصاله بالمقصّ، غير أنّه يُستحبّ تخـفـيفه. أمّا اللّحية فيجوز فيها ذلك. ـ حَرّموا تعلّم القراءة والكتابة مُطلقًا وجوّزوا التّعلم لعائلةٍ واحدةٍ من سلالة الشّيخ حَسَن شمس الدّين، المُلقّب بالبصري. ـ حَرّموا على اليزيدي أن يتغيّب عن بلده أكثر من سنةٍ. فإذا اضطرّ إلى ذلك غير باغٍٍ حُرّمت عليه زوجته. ـ اعتقدوا أنّ الحمّام والمرحاض من ملاجئ الشّيطان، فلا يدخل اليزيديّ مرحاضًا ولا يغتسل في حمّامٍ. ـ حرّموا على اليزيدي النّظر إلى وجه المرأة غير اليزيدية ومداعبة المرأة التّي حرّمتها الشّريعة عليه من جنسه. ـ حرّموا الزّواج وتعمير البيوت في شهر نيسان. ـ حرّموا على اليزيدييّن دخول مساجد المُسلمين ومدارسهم الدّينية التّي يُذكَر فيها إسم الله، لأنّه إذا سمع المُصلّي يتعوّذ من الشّيطان، وُجِبَ عليه أن يقتله فورًا أو ينتحر؛ فإن لم ير سبيلاً إلى ذلك، صام أسبوعًا وقدّم ضحيةً للطّاووس. ـ حرّموا على اليزيديّ البصاق على الأرض وعلى الإنسان والـحيوان لما في ذلك من رمز الإهانة لطاووس (ملك الشّيطان). ـ حرّموا على اليزيدي قصّ أظفاره والإغتسال من الجنابة واستخدام فرسه أو حصانه لحمل الأثقال، وحرّموا عليه الإستنجاء بعد قضاء الحاجة، ولا يجوز له أن يُبوّل وهو واقف أو يلبس سرواله وهو جالس. ـ قالوا: "يؤثِم اليزيدي إذا مدّ رجله أمام جليسه". ـ حَرّموا على الفقراء والكواجك ـ وهم إحدى طبقات المُجتمع اليزيديّ ـ النّوم على السّرير. ـ حرّموا الإشتغال يوم الجمعة. ـ عندهم أعياد خاصّة، هي: عيد رأس السّنة الميلادية وعيد المربعانية والقربان والجماعة وعيد يزيد. ولهم ليلة تسمى السّوداء، حيث تُطفأ الأنوار وتُستحَلّ المحارم وتُستباح الخمور. طبقات الطّائفة اليزيديّة هي: - الأولى: من الرّوحانـيـّين، أحدهما زمنيّ، يرتقي نَسَبه إلى يزيد بن معاوية، وهو مير شيخان، أي أمير الشّيخان؛ والآخر ينتمي إلى سلالة فخر الدّين، ويُلقبونه "بابا شيخ" يعني الشّيخ الكبير. - الثّانية: الفقير، وهو النّاسك المُتعبّد، وله لباس خاص يُسمّونه "خرقة الفقير". - الثّالثة: القوّال، وهو الحادي أيّ مُرتّل الأناشيد الدّينية. - الرابعة: الكواجك، وهم طائفة من العوام، يتميّزون بلباسهم الأبيض ونطاقهم الصّوفيّ الأسود أو الأحمر. وظيفتهم اكتشاف مصير الموتى، إن كان خيرًا أو شرًا، والإتّصال بعالم الغيب لمعرفة الحال والإستقبال. - الخامسة: المُريدون، وهم عوام النّاس من اليزيديّة؛ وقد فُرِضَت عليهم الطّاعة العمياء ودفع الزّكوات. وهولاء يتزاوجون فيما بينهم، ولا يحقُّ لهم مصاهرة الفئات الأخرى. ينتشر اليزيديّون في المناطق الشّمالية الشرقية من الموصل، وعلى الحدود العراقية-السّورية وديار بكر وماردين وجبل الطّور وبالقرب من حلب حول كلس وعينتاب، وفي بعض البلدان الأرمينيّة على الحدود، بين تركيا وروسيا، وحول تفليس وباطوم؛ وينتمي معظمهم إلى الجنس الكردي |
الغنوصية
كانت الاسكندرية بمصر أهم مراكز الغنوصية أو الغنوسية عند انطلاقها وانتشارها في الشرق في القرنين الأولين بعد الميلاد. وصارت هذه الحركة الدينية المسيحية الوريث للتقليد اليهودي والفكر الكلاسيكي اليوناني والأسرار القديمة للديانات الشرقية. والغنوصية كلمة يونانية تعني المعرفة أو الحكمة. برز في الإسكندرية عدد من كبار القادة الغنوصيين أمثال باسيليدس وكربو كراتس وفالنتينوس. وقد حذر القديس أثناسيوس من خطرهم على العقيدة المسيحية بينما وضع القديس اكليمنضس الإسكندري دراسات تحليلية لفئات غنوصية متعددة وحاول أن يؤسس "غنوصية مسيحية حقيقية". أما أهم التعاليم الغنوصية فهي: 1- تؤمن أكثر المدارس الغنوصية بالثنائية وتفصل بين العالمين الروحي والمادي. 2- اعتقدت الغنوصية بأن الكون مادي خلق نتيجة لسقوط الحكمة. وقال بعضهم إن العالم هو أصلا من صنع إله آل على نفسه أن يمزج بين الإنسان الأبدي وعناصر الشر. وأن هذا الإله هو القادر على إصلاح العالم. ولا يمكن أن يتم ذلك إلا متى جُمع مبدآن هما الرأي الهلينيستي، القائل بأن الكون هو فيض إلهي، وتعاليم الإنجيل. وقالت الغنوصية بأن خلق الكون المادي قد خرج من الكون الإلهي بواسطة سلسلة انبثاقات طويلة أو قصيرة. 3- قسّم الغنوصيون البشر إلى طبقتين: الروحيون الذين هم نفوس مستنيرة والجسديون أو الماديون وهم عبيد المادة. وأضاف بعض الغنوصيين فئة النفسانيين وهم طبقة متوسطة. 4- أرجع الغنوصيون اكتسابهم للمعرفة السرية بواسطة المثابرة على استقامة الأخلاق والاستنارة الفجائية التي تمكنهم من إدراك طريق الله والكون وذواتهم. وقالوا إن هكذا معرفة تحرر البشر وتكشف لهم أسرار الحق. 5- حصر الغنوصيون فهم الواقع بهم. فقالت جماعة منهم هي جماعة ناسن (200م): "إننا وحدنا نعرف أسرار الروح غير المنطوق بها". 6- كان السيد المسيح بالنسبة للغنوصيين هو مبعوث الله العلي الجالب "المعرفة". وبما أنه الكائن الإلهي فقد اتخذ الجسد البشري ولكنه لم يتعرض للموت. فهو قد سكن مؤقتا في جسد بشري. 7- آمن الغنوصيون بالقضاء والقدر. دخل الغنوصيون في حوار عنيف مع معارضيهم من المسيحيين الأرثوذوكسيين حول العلاقة بين العهدين القديم والجديد. فبينما تعلق الآباء الأرثوذوكس بوحدة العلاقة بين العهدين أبرز الغنوصيون المتناقضات بين ناموس العهد القديم والأناجيل. كما أخذ الأرثوذوكسيون على الغنوصية إيمانها بالقضاء والقدر وبالعقيدة الثنائية. |
الشـاذليـة
الشاذلية طريقة صوفية تنتسب إلى أبي الحسن الشاذلي. هو علي بن عبد الله بن عبد الجبار بن يوسف أبو الحسن الهذلي الشاذلي نسبة إلى شاذلة في المغرب بشمال أفريقيا. وتشترك هذه الطريقة مع غيرها من الطرق الصوفية في كثير من الأفكار والمعتقدات، وإن كانت تختلف في أسلوب سلوك المريد وطرق تربيته. ومجمل أفكار هذه الطريقة: التوبة، الإخلاص، النية، الخلوة، الذكر، الزهد، النفس، الورع، التوكل، الرضى، المحبة، الذوق، علم اليقين والسماع. ولهذه الألفاظ معان تختلف بدرجات متفاوتة عن المعاني الشرعية. وفي مفهوم الشاذلية وما دعت إليه فإن: - التوبة هي نقطة انطلاق المريد أو السالك إلى الله. - الإخلاص وينقسم لديها إلى قسمين: إخلاص الصادقين وإخلاص الصّدّيقين. - النية وتعد أساس الأعمال والأخلاق والعبادات. - الخلوة أي اعتزال الناس، فهذا من أسس التربية الصوفية. وفي الطريقة الشاذلية يدخل المريد الخلوة لمدة ثلاثة أيام قبل سلوك الطريق. - الذكر والأصل فيه ذكر الله، ثم الأوراد، وقراءة الأحزاب المختلفة في الليل والنهار. والذكر المشهور لدى الشاذلية هو ذكر الاسم المفرد لله أو مضمراً "هو هو". - الزهد وله تعاريف متعددة عند الصوفية منها فراغ القلب مما سوى الله، وهذا هو زهد العارفين. وهو أيضاَ الزهد في الحلال وترك الحرام. - النفس حيث ركّزت الشاذلية على أحوال للنفس هي: النفس مركز الطاعات إن زكت واتقت. النفس مركز الشهوات في المخالفات. النفس مركز الميل إلى الراحات. النفس مركز العجز في أداء الواجبات. لذلك يجب تزكيتها حتى تكون مركز الطاعات فقط. - الورع وهو العمل لله وبالله على البيئة الواضحة والبصيرة الكاملة. - التوكل وهو صرف القلب عن كل شيء إلا الله. - الرضى وهو رضى الله عن العبد. - المحبة وهي في تعريفهم سفر القلب في طلب المحبوب، ولهج اللسان بذكره على الدوام. وللحب درجات لدى الشاذلية وأعلى درجاته ما وصفته رابعة العدوية بقولها: أحبك حبين: حب الهوى وحباً لأنك أهل لذلك. - الذوق ويعرّفونه بأنه تلقي الأرواح للأسرار الطاهرة في الكرامات وخوارق العادات، ويعدونه طريق الإيمان بالله والقرب منه والعبودية له. - علم اليقين وهو معرفة الله معرفة يقينية. ولا يحصل هذا إلا عن طريق الذوق، أو العلم اللدني أو الكشف إلخ.. يُشدد الشاذلي على التمسك بالكتاب والسنة. فمن أقواله: "إذا عارض كشفك الكتاب والسنة فتمسك بالكتاب والسنة ودع الكشف، وقل لنفسك إن الله تعالى قد ضمن لي العصمة في الكتاب والسنة، ولم يضمنها لي في جانب الكشف ولا الإلهام ولا المشاهدة. كذلك فإن الصوفية عامة يرون، ومنهم الشاذلية، أن علم الكتاب والسنة لا يؤخذان إلا عن طريق شيخ أو مربّ أو مرشد، ولا يتحقق للمريد العلم الصحيح حتى يتبع شيخه طاعة عمياء. كما تشدد الشاذلية كغيرها من الطرق الصوفية على السماع، وهو سماع الأناشيد والأشعار الغزلية الصوفية. من أبرز شخصيات الشاذلية المؤسس أبو الحسن الشاذلي الذي اختلف في نسبه. فمريدوه وأتباعه ينسبونه إلى الأشراف ويصلون بنسبه إلى الحسن بن علي بن أبي طالب وبعضهم ينسبه إلى الحسين، وبعضهم إلى غيره. ذكر الإمام الذهبي في "العبر" أن أبا الحسن علي بن عبد الله بن عبد الجبار المغربي الزاهد، شيخ الطائفة الشاذلية، سكن الإسكندرية وله عبارات في التصوف توهم، ويتكلف له في الاعتذار عنها، وعنه أخذ أبو العباس المرسي. وتوفي الشاذلي بصحراء عيذاب متوجهاً إلى بيت الله الحرام في أوائل ذي القعدة 656هـ. وعيذاب على طريق الصعيد بمصر. كان أبو الحسن الشاذلي قد تتلمذ في صغره على أبي محمد عبد السلام بن بشيش في المغرب، وكان له أكبر الأثر في حياته العلمية والصوفية. ثم رحل إلى تونس، وإلى جبل زغوان، حيث اعتكف للعبادة، وهناك ارتقى منازل عالية، كما تقول الصوفية. رحل بعد ذلك إلى مصر وأقام بالإسكندرية، حيث تزوج وأنجب أولاده شهاب الدين أحمد وأبو الحسن علي، وأبو عبد الله محمد وابنته زينب. وفي الإسكندرية أصبح له أتباع ومريدون، وانتشرت طريقته في مصر بعد ذلك، وانتشر صيته على أنه من أقطاب الصوفية. تنتشر الشاذلية في أماكن عديدة من العالم العربي والإسلامي ومركزها الأول هو مصر وبخاصة مدينة الإسكندرية وطنطا ودسوق بمحافظة كفرالشيخ بالإضافة إلى سوريا والمغرب العربي وليبيا والسودان. |
الفرق اليهودية
يقول المؤرخ اليهودي يوسيفوس الذي عاش في القرن الاول الميلادي انه كان هناك ثلاث فرق " فلسفية يهودية" في فلسطين تنتمي الى ثلاث مدارس هي : الصدوقيون والفريسيون والاسينييون ويذكر فرقة رابعة عرفت بالغيوريين . غير انه يقول إنه لم يكن كل اليهود اعضاء في جماعة او اخرى من هذه الجماعات . الصدوقيون كان الصدوقيون جماعة صغيرة إلا انها كانت تتمتع بنفوذ كبير . وكانت الجماعة تتشكل اساساً من كبار الكهنة ومن الطبقات الغنية . وكانوا محافظين متشددين يمقتون التغيير وبخاصة التغيرات التي تؤثر في وضعهم البارز . يعتقد البعض ان الاسم صدوقي جاء نسبة الى " صادوق " الذي ورد اسمه في العهد القديم . واعتقد آخرون ان الاسم مأخوذ من كلمة عبرية معناها البر والاستقامة الاخلاقية او من كلمة يونانية تعني أعضاء المجلس . وكان مجلس السبعين اليهودي " السنهدريم " يضم عدداً كبيراً من الصدوقين. قال الصدوقيون إن الناموس الذي اعطى بيد موسى والذي جاء في الاسفار الخمسة الاولى من العهد القديم هو أساس التعليم الديني . وهذا يعني انهم لم يشاركوا اليهود الآخرين بعض معتقداتهم اليهودية والتي ليست واضحة تماماً في التوراة . فالصدوقيون لا يؤمنون بحياة مستقبلية او بالدينونة الاخيرة او بالقيامة . الفريسيون كان الفريسيون الطائفة التي نشأت في القرن الثاني ق.م. الاكبر عدداً بين اليهود ايام السيد المسيح وكان كثيرون منهم يحترفون دراسة العهد القديم . وكان لكل مجموعة منهم رؤساؤها وقوانينها . أخذ الصدوقيون على الفريسيين انهم كوَموا كمية كبيرة من الاحكام والقواعد لكي يشرحوا من خلالها ناموس العهد القديم . واتهمهم الصدوقيون بأنهم كانوا يؤمنون ويعملون اشياء لا تتفق مع الفهم الحرفي للناموس . على ان الفريسيين أكدوا من جهتهم ان العهد القديم هو الدستور الاعلى لحياتهم وايمانهم إلا انهم ادركوا انه لا يلائم تماماً المجتمع الذي يعيشون فيه حالياً. ولكي تقوم علاقة نافعة فلا بد من تفسيره بطرق جديدة ، خصوصاً وان الناموس يتدخل في حياة الناس اليومية ويقيدها . ورغم هذه النظرة شبه المنفتحة فان الفريسيين بالغوا بالتشدد في احوال كثيرة . فمثلاً سمحوا لليهودي ان يتنزه يوم السبت على ان لا تزيد المسافة عن ثلثي ميل ، كما حرّموا اشعال النار يوم السبت . وكذلك لم يسمحوا للخياط مثلا بالخروج حاملا ابرته في وقت متاخر قبل حلول السبت لئلا تظل في جيبه عند حلول السبت . لم يجد الفريسيون صعوبة في الايمان بالحياة الاخرى بعد الموت . وربما توقعوا ايضا مجىء " المسيا " ليصحح اخطاء الشعب . ورغم انهم لم يشتركوا مطلقاً في اي ثورة ضد الرومان الا انه من المحتمل انهم كانوا يعجبون بمن يقومون بها . اما اسمهم فكان يعني " المفرز " . وكان معظمهم من اليهود العاديين وربما وصل عددهم ايام المسيح الى ستة الاف . وكان المسيح قد تجادل كثيراً مع الفريسيين ودان فيهم برّهم الذاتي وناموسيتهم بينما اظهر محبته لاولائك الذين احتقرهم الفريسيون . وكان بولس الرسول فريسياً قبل اهتدائه وكذلك كان نيقوديموس الذي صار تلميذاً للمسيح في السر . الاسينيون يعتقد المؤرخون المهتمون بالتاريخ الديني ان احدى الفرق الاسينية هي التي كتبت لفائف البحر الميت . وكان مقر هذه الجماعة في قمران قرب البحر الميت بفلسطين . وكانت هذه الجماعة قد انسحبت من الحياة العادية وعاشت حياة شراكة في الصحراء في محاولة للحفاظ على النقاء الديني والاخلاقي ، هذا النقاء الذي اعتقدوا انهم قد يجدوه في العهد القديم وفي حياة التقشف . ويقول المؤرخ اليهودي يوسيفوس انهم لم يتمركزوا في مدينة واحدة بل استقروا باعداد كبيرة في مدن عديدة . ويظن ان فريقاً منهم عاش في البرية قرب دمشق وان هذا الفريق كان يختلف في معتقداته بشكل قليل عن جماعة قمران . نعرف اليوم من مخطوطات البحر الميت ان الاسنيين كانوا اقلية يهودية وانهم امناء لعهد الله وانهم اعتبروا الشعب اليهودي بأكثريته ، بل وحتى الهيكل والكهنة في اورشليم القدس ، غير امناء . واكدت الجماعة ان قائدها " معلم البر " واتباعه الامناء هم وحدهم الذين عرفوا اسرار العهد القديم . آمن الاسينيون ان كارثة في التاريخ ستحل وعندها سيؤكد الله سيادته على العالم بعد ان يقهر الهراطقة والغرباء الغازين ( اي الرومان ) . وستصبح عند ذاك شيعة من اليهود ، وليس كل اليهود ، شعب الله المختار وستتولى هذه الشيعة الامور وتصحح اوضاع عبادة الله في الهيكل. وتوقع الاسينيون ظهور ثلاثة قادة : النبي الآتي الذي تحدث عنه موسى ، والمسيا الملك الذي سيكون من نسل داود ، والمسيا الكاهن الذي ستكون له الأولوية الكبرى . واعتقد الاسينيون كالفريسيين ان الله لديه خطة معدة لا يمكن ان تتغير نتيجة لاي تدخل بشري . وما على الانسان ، في نظرهم ، الا ان يكون في المكان الصحيح وفي حالة ذهنية سليمة حين يصل المخلص الموعود . الى جانب هذه الفرق الثلاث كان هنال الرؤويون والغيوريون . وهما حركتان هامشيتان . فالغيوريون كانوا حركة فدائية منهمكة في مقاومة الرومان اكثر من كونهم حركة دينية . وكانوا في الواقع يشاركون الفريسيين في الكثير من معتقداتهم ، الا انهم كانوا لا يقبلون سيداً سوى الله . ويقول المؤرخ يوسيفوس ان مؤسس شيعتهم كان يهوذا ، وهو رجل جليلي قاد ثورة عام 6 م . ويعتقد ان احد تلامذة المسيح ويدعى سمعان كان من الغيوريين ، كما ساد اعتقاد بان يهوذا الاسخريوطي كان واحداً منهم . اما الرؤويون فكانوا جماعة صغيرة ، ضيقة الافق ، لا يعرف عنهم الا القليل . وكل ما عرف عنهم جاء من خلال كتاباتهم التي ادعوا فيها انهم تسلموا اعلانات جديدة من الله . وقد شدد هؤلاء على الحياة السماوية وليس على الحياة الدنيوية اليومية . وقال احد الكتاب الرؤويين ان " العلي " لم يخلق عالماً واحداً بل اثنين . وتشدد كتاباتهم على الاحلام والرؤى والاتصال بواسطة الملائكة . وهذه الواسطة والوساطة ضرورية بنظرهم لان الله بعيد في عالمه الخاص ولا يمكن للبشر الوصول اليه الا بالواسطة والوسطاء. ولما كانت كلمة رؤيا تعني حرفياً اناس يكشفون عن اشياء سوية ، فان كتاباتهم اتسمت بالغموض ذلك ان الرؤى لا توصف بعبارات صريحة بل باستخدام لغة رمزية . لذلك نجد عندهم اشارات عديدة الى كتب الانبياء في العهد القديم والى الوحوش الاسطورية ، كما استخدموا الاعداد الرمزية في اشارتهم الى امم او اشخاص . وكانت الكتابات الرؤوية تصدر باسم شخصية معروفة عاشت في الماضي مثل نوح وآدم واختوم وموسى وعزرا الخ.. |
النستورية
النساطرة أو الأشوريون هم طائفة من النصارى ينتمون إلى نسطور (380-451م) بطريرك القسطنطينية المولود في قيصرية بسورية. انتخب بطريركاً للقسطنيطينة سنة 428م. آمنت النسطورية أن "في المسيح طبيعتين وأقنومين. لذلك فهو مسيحان أحدهما ابن الله والآخر ابن الإنسان". وقالوا "إن مريم لم تلد إلهاً متجسداً بل إنساناً محضاً هو يسوع المسيح ثم حلت فيه كلمة الله". لذلك لا يجيز أن تدعى مريم والدة الله بل أم المسيح، "فحيث أن الله لم يولد فلا يجوز القول إن الله قد تألم ومات". تصدت الكنيسة لهذه التعاليم وحُرم نسطور وتعاليمه في المجمع المسكوني الثالث الذي انعقد في أفسس سنة 431 ونفي إلى مصر عام 435م. وكانت الكنيسة المسيحية قد عرفت في القرن الخامس خلافات وانقسامات هي باختصار: 1- اتباع الخلقيدنوية والذين عرفوا بالملكيين تمثلهم بطريركية القسطنطينية وبطريركية انطاكية والفئة اليونانية في مصر. ويؤمن اتباع الخلقيدونية (نسبة إلى مجتمع خلقيدونية 451م) أن المسيح، ابن الله متجسد في طبيعتين: إلهية وإنسانية وقد اتحدتا في أقنوم الابن الواحد. 2- اتباع المنفستية القائلة بالطبيعة الواحدة للمسيح وهم في غالبيتهم من سكان الأجزاء الشرقية من سورية. 3- النساطرة وهم السوريون الشرقيون الذي أخرجوا من الامبراطورية البيزنطية فامتدوا شرقا. قامت بين هذه الفئات المسيحية صراعات تداخل فيها اللاهوتي والسياسي والاجتماعي والمناطقي وخصوصا اللغوي، حيث حسبت الفئات الناطقة باللغة الآرامية/ السريانية أن المسيحيين الناطقين باليونانية هم غرباء. تشرد النساطرة بعد نفي بطريركهم إلى مصر ولكنهم عادوا فنشطوا في بلاد فارس وما بين النهرين بالعراق وخاصة في مناطق الموصل وبابل وكثر اتباعهم وتمكنوا من استمالة ملك الفرس إليهم وأثاروا اضطهاداً عنيفاً على اتباع الكنيسة السريانية الأرثوذكسية. انتظم أمر الكنيسة النسطورية بعد مجمعهم المحلي الذي عقد في سلوقية- دجلة عاصمة الدولة الساسانية سنة 410م واعترف بها الملك يزدجرد على أنها كنيسة ذات كيان خاص. وأكد مجتمع مركبتا (424م) هذا الأمر واعترف برئيسها دَد يشوع على أنه بطريرك المشرق وسمح له بأن يتخذ من العاصمة الساسانية نفسها مقراً له. ولما احتل العرب بلاد فارس ووصلوا إلى حدود الهند ظل للنساطرة وضعهم الخاص وفرضت عليهم الجزية. من الواضع أن المسيحيين تمتعوا في دولة الخلافة بمنزلة خاصة وقامت لهم مراكز علمية مهمة في نصيبين المدينة السورية القديمة على الحدود مع تركيا وجنديشابور الإيرانية، ومرو في تركمانستان التي تدعى الآن ماري وسواها. وقاموا بدور بارز في بيت الحكمة ببغداد حيث عملوا مع أقرانهم المسلمين على نقل علوم اليونانيين ومعارفهم إلى العربية. كما أُشركوا ببعض النشاط السياسي الإداري حيث ولّى، على سبيل المثال، الخليفة المعتضد نسطوريا على الأنبار الواقعة قرب بغداد. وبنى النساطرة خلال تلك الفترة كنائس ومدارس جديدة عديدة. نشر النساطرة المسيحية في أرمينيا وبلاد فارس والهند والصين. انضم قسم منهم إلى الكنيسة الكاثوليكية في القرن السادس عشر وهم الكلدان. |
الختـميـة
الختمية طريقة صوفية تلتقي مع الطرق الصوفية الأخرى في كثير من المعتقدات، مثل الغلو في شخص الرسول وادعاء لقياه وأخذ تعاليمهم وأورادهم وأذكارهم التي تميزوا بها، عنه مباشرة. هذا إلى جانب ارتباط الطريقة بالفكر والمعتقد الشيعي وأخذهم من أدب الشيعة ومحاولة المعاصرين منهم ربط الطائفة بالحركة الشيعية المعاصرة. أسس الحركة محمد عثمان بن محمد أبو بكر بن عبد الله الميرغني المحجوب ويلقب بالختم إشارة إلى أنه خاتم الأولياء. ومنه اشتق اسم الطريقة الختمية كما تسمى الطريقة أيضا بالميرغنية. ولد محمد عثمان الميرغنى بمكة، وتلقى علومه الشرعية على يد علمائها. غلب عليه الاهتمام بالتصوف شأن أفراد أسرته جميعا، فانخرط في عدة طرق: القادرية، الجنيدية، النقشبندية، الشاذلية، وطريقة جده الميرغنية، كما تتلمذ على الشيخ أحمد بن إدريس وأخذ تعاليم الطريقة الإدريسية. ومن هذه الطرق جميعا استمد تعاليم طريقته الختمية. بعد وفاة الشيخ أحمد بن إدريس عام 1838م تنافس الميرغني ومحمد بن علي السنوسي (مؤسس الطريقة السنوسية) على خلافة الشيخ. وبتأييد من بعض أتباع الشيخ كسب الميرغني المنافسة والتأييد واستطاع أن يكوّن طريقته الختمية وينشئ لها عدة زوايا في مكة وجدة والمدينة والطائف. ثم بعث بأبنائه إلى جنوب الجزيرة ومصر والسودان للدعوة للطريقة الختمية ونشرها. ألف الميرغني عدة كتب في التفسير والتوحيد. وله دواوين شعرية يغلب عليها جميعاً الطابع الصوفي في لغتها ومضمونها. من أهم هذه الكتب: "تاج التفاسير"، "النفحات المكية واللمحات الحقيّة في شرح أساس الطريقة الختمية"، "ديوان النفحات المدنية في المدائح المصطفوية"، و"مجموعة فتح الرسول". وعلى إثر خلاف مع بعض العلماء في مكة، رحل محمد عثمان الميرغني إلى الطائف، حيث أقام هناك حتى وفاته عام 1853م. ومن الذين توالوا على قيادة الختمية: 1- الحسن بن محمد عثمان (الختم) المولود في مدينة بارا بغرب السودان من امرأة تزوجها والده بتلك المدينة خلال رحلته إلى السودان. التحق بوالده في مكة وتلقى تعليمه هناك. بعث به والده إلى السودان لنشر الطريقة الختمية حيث لقي نجاحاً كبيراً في دعوته لا سيما في شمال السودان وشرقه. 2- محمد عثمان تاج السر بن الحسن بن محمد عثمان (الختم) الذي تولى القيادة بعد موت والده الحسن. وخلال فترة توليه زعامة الطائفة ظهرت الحركة المهدية في السودان، فعارضها معارضة شديدة، وخاض عدة معارك ضد جيوش المهدية في شرق السودان. وانتهى الأمر بهزيمته وفراره إلى مصر حيث مات. 3- علي الميرغني محمد عثمان تاج السر الذي ولد في مدينة كسلا وذهب بعدهها إلى مصر حيث اختاره الإنكليز لمرافقتهم في غزوهم للسودان للقضاء على دولة المهدية. وحينما تم للإنكليز الاستيلاء على السودان وهزيمة المهدية، اعترفوا به زعيماً لعموم طائفة الختمية في البلاد. واستفادوا منه في القضاء على المشاعر الدينية التي حرّكت الثورة المهدية من ناحية، وفي كسب ولاء السودانيين من ناحية أخرى. حينما بدأت الحركة المهدية تظهر من جديد على يد أحد أبناء المهدي، وبمباركة الإنكليز، شعر علي الميرغني بخطورة الموقف لا سيما وأن الإنكليز أرادوا ضرب الطائفتين الختمية والأنصار والاستفادة من العداء التقليدي بينهما والصراع بين زعيميهما. نتيجة لذلك تحول ولاء زعيم الختمية نحو مصر، وأصبح راعياً فيما بعد للحركة السياسية التي كانت تدعو إلى الوحدة بين مصر والسودان. تتبنى الختمية فكرة وحدة الوجود التي نادى بها من قبل محي الدين بن عربي وتلامذته، وقالوا بفكرة النور المحمدي والحقيقة المحمدية وعبّروا عن ذلك نظماً ونثراً واستخدموا مصطلحات الوحدة والتجلي والانبجاس والظهور والفيض وغيرها من المصطلحات الفلسفية الصوفية. أسبغت الختمية على الرسول من الأوصاف ما لا ينبغي أن يكون إلا لله، وذهبوا إلى أن حقيقته لا تدرك ويعجز الوصف عن بيان ذاته. وتوجهوا إليه بدعائهم واستغاثاتهم. ادعى مشايخ الطريقة بأنهم لقوا الرسول ورأوه عيانا، وأنه يحضر احتفالاتهم بمولده، وأنهم تلقوا منه أسس الطريقة وأورادها وتعاليمها. وقالوا إن الرسول أوصى رضوان بأن يعمّر لمؤسس الختمية جنانا ومساكن له ولأبنائه وصحبه وأتباعه وأتباع أتباعه إلى يوم القيامة. للطريقة الختمية أوراد وأذكار وأداب معينة في الذكر والدعاء ميزوا بها أنفسهم وركزوا عليها دون غيرها. كما يهتمون بإقامة احتفالات معينة وإحياء مناسبات خاصة: كإحياء ذكرى مولد النبي والاحتفال بمولد ووفاة مشايخ الطريقة، وإقامة ما يعرف لديهم بليالي الذكر أو الحولية، ويمارسون في كل ذلك طقوساً خاصة في الزي والذكر والإنشاد. يربط مشايخ الختمية الطريقة نسبهم بأئمة الشيعة الاثني عشرية، ويعتبرون أنفسهم من سلالتهم، علماً بأن الإمام الثاني عشر عند الشيعة اختفى أو غاب وهو صغير لم يتجاوز الثالثة أو الخامسة من عمره. كما تبنت الطائفة فكرة الشيعة حول آل البيت وارتباطهم بقضية الإمامة واستحقاقهم لها. بدأت الطريقة من مكة والطائف، وأرست لها قواعد في جنوب وغرب الجزيرة العربية، كما عبرت إلى السودان ومصر. وتتركز قوة الطريقة من حيث الاتباع والنفوذ الآن، في السودان، لا سيما في شمال السودان وشرقه وأطراف أرتيريا المتخامة للسودان ومصر. |
الجبائية والبهشمية
أصحاب أبي على محمد بن عبد الوهاب الجبائي وابنه أبي هاشم عبد السلام وهما من معتزلة البصرة. انفردا عن أصحابهما بمسائل وانفرد أحدهما عن صاحبه بمسائل أما المسائل التي انفردا بها عن أصحابهما: فمنها: أنهما أثبتا إرادات حادثة لا في محل يكون الباري تعالى بها موصوفا مريداً وتعظيماً لا في محل إذا أراد أن يعظم ذاته وفناء لا في محل إذا أراد أن يفني العالم. وأخص أوصاف هذه الصفات يرجع غليه من حيث إنه تعالى أيضاً لا في محل. وإثبات موجودات هي أعراض أو في حكم الأعراض لا محل لها كإثبات موجودات هي جواهر أو في حكم الجواهر لا مكان لها وذلك قريب من مذهب الفلاسفة حيث أثبتوا عقلاً هو جوهر لا في محل ولا في مكان وكذلك النفس الكلية والعقول المفارقة. ومنها: أنهما حكما بكونه تعالى متكلما بكلام يخلقه في محل وحقيقة الكلام عندهما: أصوات مقطعة وحروف منظومة والمتكلم من فعل الكلام لا من قام به الكلام. إلا أن الجبائي خالف أصحابه خصوصاً بقوله: يحدث الله تعالى عند قراءة كل قارئ كلاماً لنفسه في محل القراءة وذلك حين ألزم: أن الذي يقرؤه القارئ ليس بكلام الله والمسموع منه ليس من كلام الله فالتزم هذا المحال: من إثبات أمر غير معقول ولا مسموع وهو إثبات كلامين في محل واحد. واتفقا على: نفي رؤية الله تعالى في بالأبصار في دار القرار وعلى القول إثبات الفعل للعبد خلقاً وإبداعاً وإضافة الخير الشر والطاعة والمعصية إليه استقلالاً واستبداداً وان الاستطاعة قبل الفل وهي: قدرة زائدة على سلامة البنية وصحة الجوارح وأثبتا البنية شرطاً في قيام المعاني التي يشترط في ثبوتها الحياة وأثبتا شريعة عقلية وردا الشريعة النبوية إلى مقدرات الأحكام ومؤقتات الطاعات التي لا يتطرق إليها عقل ولا يهتدي إليها فكر وبمقتضى العقل والحكمة يجب على الحكيم ثواب المطيع وعقاب العاصي إلا أن التأقيت والتخليد فيه يعرف بالسمع. والإيمان عندهما اسم مدح وهو عبارة عن خصال الخير التي إذا اجتمعت في شخص سمي بها: مؤمناً ومن ارتكب كبيرة فهو في الحال يسمى فاسقاً: لا مؤمناً ولا كافراً وإن لم يتب ومات عليها فهو مخلد في النار. واتفقا على أن الله تعالى لم يدخر عن عباده شيئا مما علم أنه إذا فعل بهم أتوا بالطاعة والتوبة من الصلاح والأصح واللطف لأنه: قادر عالم جواد حكيم: لا يضره الإعطاء ولا ينقص من خزائنه المنح ولا يزيد في ملكه الادخار. وليس الأصلح هو الألذ بل هو: الأعود في العاقبة والأصوب في العاجلة وإن كان ذلك مؤلماً ومكروهاً وذلك: كالحجامة والفصد وشرب الأدوية ولا يقال: إنه تعالى يقدر على شيء هو أصلح مما فعله بعبده. والتكاليف كلها ألطاف وبعثة الأنبياء وشرع الشرائع وتمهيد الأحكام ومما تخالفا فيه: أما في صفات الباري تعالى فقال الجبائي: الباري تعالى عالم لذاته قادر حي. لذاته ومعنى قوله لذاته أي لا يقتضي كونه عالماً صفة هي: علم أو حال توجب كونه عالماً. وعند أبي هاشم: هو عالم لذاته بمعنى أنه ذو حالة هي صفة معلومة وراء كونه ذاتاً موجوداً وإنما تعلم الصفة على الذات لا بانفرادها فأثبت أحوالاً هي صفات: لا موجودة ولا معدومة ولا معلومة ولا مجهولة أي: هي على حيا لهالا تعرف كذلك بل مع الذات. قال والعقل يدرك فرقاً ضرورياً بين معرفة الشيء مطلقاً وبين معرفته على صفة فليس منم عرف الذات عرف كونه عالماً ولا من عرف الجوهر عرف الجوهر عرف كونه متحيزا قابلاً للعرض. ولا شك أن الإنسان يدرك اشتراك الموجودات في قضية وافترقتا في قضية وبالضرورة يعلم أن ما اشتركت فيه غير ما افترقت به وهذه القضايا العقلية لا ينكرها عاقل وهي لا ترجع إلى الذات ولا إلى أعراض وراء الذات فإنه يؤدي إلى قيام العرض بالعرض فتعين بالضرورة أنها أحوال فكون العالم عالما حال هي صفة وراء كونه ذاتاً أي المفهوم منها غير المفهوم من الذات وكذلك كونه: قادراً حياً. ثم أثبت للباري تعالى حالة أخرى أوجبت تلك الأحوال. وخالفه والده وسائر منكري الأحوال في ذلك وردوا الاشتراك والافتراق إلى الألفاظ وأسماء الأجناس وقالوا: أليست الأحوال تشترك في كونها أحوالاً وتفترق في خصائص كذلك نقول في الصفات وإلا فيؤدي إلى إثبات الحال للحال ويفضي إلى التسلسل. بل هي راجعة إما إلى مجرد الألفاظ إذ وضعت في الأصل على وجه يشترك فيها الكثير لا أن مفهومها معنى أو صفة ثابتة في الذات على وجه يشمل أشياء ويشترك فيها الكثير فإن ذلك مستحيل. أو يرجع ذلك إلى وجوه واعتبارات عقلية هي المفهومة من قضايا الاشتراك والافتراق وتلك الوجوه: كالنسب والإضافات والقرب والبعد وغير ذلك مما لا يعد صفات بالاتفاق. وهذا هو اختيار أبي الحسن البصري وأبي الحسن الأشعري. ورتبوا على هذه المسألة: مسألة أن المعدوم شيء فمن يثبت كونه شيئاً كما نقلنا عن جماعة من المعتزلة فلا يبقى من صفات الثبوت إلا كونه موجوداً فعلى ذلك لا يثبت للقدرة في إيجادها أثراً ما سوى الوجود. والوجود على مذهب نفاة الأحوال لا يرجع إلا إلى اللفظ المجرد وعلى مذهب مثبتي الأحوال هو حالة لا توصف بالوجود ولا بالعدم وهذا كما ترى من التناقض والاستحالة ومن نفاة الأحوال من يثبته شيئاً ولا يسميه بصفات الأجناس. وعند الجبائي: أخص وصف الباري تعالى هو القدم والاشتراك في الأخص يوجب الاشتراك في الأعم. وليت شعري! كيف يمكن إثباته: الاشتراك الافتراق والعموم والخصوص - حقيقة وهو من نفاة الأحوال فأما على مذهب أبي هاشم فلعمري هو مطرد غير أن القدم إذا بحث عن حقيقته واختلفا في كونه سميعاً بصيراً فقال الجبائي: معنى كونه سميعاً بصيراً: أنه حي لا آفة به. وخالفه ابنه وسائر أصحابه: أما ابنه فصار إلى أن كونه سميعاً حالة وكزنه بصيراً حالة وكونه بصيراً حالة سوى كونه عالماً لاختلاف: القضيتين والمفهومين والمتعلقين والأثرين. وقال غيره من أصحابه: معناه كونه مدركا للمبصرات مدركاً للمسموعات. واختلفا أيضاً في بعض مسائل اللطف فقال الجبائي فيمن يعلم الباري تعالى من حاله أنه لو آمن مع اللطف لكان ثوابه أقل لقلة مشقته ولو أمن بلا لطف لكان ويسوى بينه وبين من المعلوم من حاله أنه لا يفعل الطاعة على كل وجه إلا مع اللطف ويقول: إذ لو كلفه مع عدم اللطف لوجب أن يكون مستفسداً حاله غير مزيح لعلته. ويخالفه أبو هاشم في بعض المواضع في هذه المسألة قال: يحسن منه تعالى أن يكلفه الإيمان على أشق لا وجهين بلا لطف. واختلفا في فعل الألم للعوض فقال الجبائي: يجوز ذلك ابتداء لأجل العوض والاعتبار جميعاً. وتفصيل مذهب الجبائي في الأعواض على وجهين: أحدهما أنه يقول: يجوز التفضل بمثل الأعواض غير أنه تعالى علم أنه لا ينفعه عوض إلا على ألم متقدم. والوجه الثاني: أنه إنما يحسن ذلك لأن العوض مستحق والتفضل غير مستحق. والثواب عندهم ينفصل عن التفضل بأمرين: أحدهما: تعظيم وإجلال للمثاب يقترن بالنعيم والثاني: قدر زائد على التفضل فلم يجب إذاً إجراء العوض مجرى الثواب لأنه لا يتميز عن التفضل بزيادة مقدار ولا بزيادة صفة. وقال ابنه: يحسن الابتداء بمثل العوض تفضلاً والعوض منقطع غير دائم. وقال الجبائي: يجوز أن يقع الانتصاف من الله تعالى للمظلوم من الظالم بأعواض يتفضل بها عليه إذا لم يكن للظالم على الله عوض لشيء ضره به. وزعم أبو هاشم: أن التفضل لا يقع به نتصاف لأن التفضل ليس يجب عليه فعله. وقال الجبائي وابنه: لا يجب على الله شيء لعباده في الدنيا إذا لم يكلفهم عقلاً وشرعاً فأما إذا كلفهم: فعل الواجب في عقولهم واجتناب القبائح وخلق فيهم الشهوة للقبيح والنفور من الحسن وركب فيهم الأخلاق الذميمة فإنه يجب عليه عند هذا التكليف إكمال العقل ونصب الأدلة والقدرة والاستطاعة وتهيئة الآلة بحيث يكون مزيحاً لعللهم فيما أمرهم. ويجب عليه أن يفعل بهم: أدعى الأمور إلى فعل ما كلفهم به وأزجر الأشياء لهم عن فعل القبيح الذي نهاهم عنه ولهم في مسائل هذا الباب خبط طويل. وأما كلام جميع المعتزلة البغداديين في النبوة والإمامة فيخالف كلام البصريين فإن مكن شيوخهم من يميل إلى الروافض ومنهم من يميل إلى الخوارج. والجبائي وأبو هاشم قد وافقا أهل السنة في الإمامة غير أنهم ينكرون الكرامات أصلا للأولياء: من الصحابة وغيرهم. ويبالغون في عصمة الأنبياء عليهم السلام عن الذنوب: كبائرها وصغائرها حتى منع الجبائي القصد إلى الذنب إلا على تأويل. |
المعمرية
أصحاب معمر بن عباد السلمى وهو من أعظم القدرية فرية: في تدقيق القول بنفي الصفات ونفي القدر خيره وشره من الله تعالى والتكفير والتضليل على ذلك. وانفرد عن أصحابه بمسائل: منها: أنه قال: إن الله تعالى لم يخلق شيئاً غير الأجسام فأما الأعراض فإنها من اختراعات الأجسام: إما طبعاً كالنار التي تحدث الإحراق والشمس والحرارة والقمر التلوين وإما اختياراً كالحيوان يحدث الحركة والسكون والاجتماع والافتراق. ومن العجب أن حدوث الجسم وفناءه عنده عرضان فكيف يقول: إنها من فعل الأجسام وإذا لم يحدث الباري تعالى عرضاً فلم يحدث الجسم وفناءه فإن الحدوث عرض فيلزمه أن لا يكون لله تعالى فعل أصلاً. ثم ألزم: أن كلام الباري تعالى: إما عرض أو جسم. فإن قال: هو عرض فقد أحدثه الباري تعالى فإن المتكلم على أصله هو من فعل الكلام أو ما يلزمه: أن لا يكون لله تعالى كلام هو عرض وإن قال هو جسم فقد أبطل قوله: إنه أحدثه في محل فإن الجسم لا يقوم بالجسم فإذا لم يقل هو بإثبات الأزلية ولا قال بخلق الأعراض فلا يكون لله تعالى كلام يتكلم به على مقتضى مذهبه. وإذا لم يكن له كلام لم يكن له آمراً ناهياً وإذا لم يكن أمر ونهي لم تكن شريعة أصلاً فأدى واهبه إلى خزي عظيم. ومنها: أنه قال: إن الأعراض لا تتناهى في كل نوع. وقال كل عرض قام بمحل فإنما يقوم به لمعنى أوجب القيام وذلك يؤدي إلى التسلسل. وعن هذه المسألة هو وأصحابه: أصحاب المعاني. وزاد على ذلك فقال: الحركة إنما خالفت السكون لا بذاتها بل بمعنى أوجب المخالفة وكذلك مغايرة: المثل ومماثلته وتضاد الضد الضد كل ذلك عنده بمعنى. ومنها: ما حكى الكعبي عنه: أن الإرادة من الله تعالى للشيء غير الله وغير خلقه للشيء وغير: الأمر والأخبار والحكم فأشار إلى أمر مجهول لا يعرف. وقال: ليس للإنسان فعل سوى الإرادة: مباشرة كانت أو توليداً وأفعاله التكليفية: من القيام والقعود والحركة والسكون في الخير والشر. كلها مستندة إلى إرادته لا على طريق المباشرة ولا على طريق التوليد وهذا عجب غير أنه إنما بناه على مذهبه في حقيقة الإنسان. وعنده: الإنسان معنى أو جوهر غير الجسد وهو: عالم قادر مختار حكيم ليس بمتحرك ولا ساكن ولا متكون ولا متمكن ولا يرى ولا يمس ولا يحس ولا يجس ولا يحل موضعاً دون موضع ولا يحويه مكان ولا يحصره زمان لكنه مدبر للجسد وعلاقته مع البدن علاقة التدبير والتصرف. وإنما أخذ هذا القول من الفلاسفة حيث قضوا بإثبات النفس الإنسانية أمراً ما هو جوهر قائم بنفسه: لا متحيز ولا متمكن وأثبتوا من جنس ذلك موجودات عقلية مثل العقول المفارقة. ثم لما كان ميل معمر بن عباد إلى مذهب الفلاسفة ميز بين أفعال النفس التي سماها إنساناً وبين القالب الذي هو جسده فقال: فعل النفس هو الإرادة فحسب النفس إنسان ففعل الإنسان هو لإرادة وما سوى ذلك: من الحركات والسكنات والاعتمادات - فهي من فعل الجسد. ومنها: أنه كان ينكر القول: بأن الله تعالى قديم لأن قديم أخذ من قدم يقدم فهو قديم وهو فعل كقولك: أخذ منه ما قدم وما حدث. وقال أيضاً: هو يشعر بالتقادم الزماني ووجود الباري تعالى ليس زماني. ويحكى عنه أيضاً: أنه قال: الخلق غير المخلوق والإحداث غير المحدث. وحكى جعفر بن حرب عنه أنه قال: إن الله تعالى محال أن يعرف نفسه لأنه يؤدي إلى أن لا يكون العالم والمعلوم واحداً ومحال أن يعلم غيره كما يقال: محال أن يقدر على الموجود من حيث هو موجود. ولعل هذا النقل فيه خلل فإن عاقلاً ما لا يتكلم بمثل هذا الكلام الغير المعقول. لعمري! لما كان الرجل يميل إلى الفلاسفة. ومن مذهبهم: أنه ليس علم الباري تعالى علماً انفعالياً أي تابعاً للمعلوم بل علمه علم فعلي فهو من حيث هو فاعل وعلمه هو الذي أوجب الفعل وإنما يتعلق بالموجود حال حدوثه لا محالة ولا يجوز تعلقه المعدوم على استمرار عدمه وانه علم وعقل وكونه: عقلاً وعاقلاً ومعقولاً شيء واحد فقال ابن عباد: لا يقال: يعلم نفسه لأنه يؤدي إلى تمايز بين العالم والمعلوم ولا يعلم غيره لأنه يؤدي إلى كون علمه من غيره يحصل. فإما لا يصح النقل وإما أن يحمل على مثل هذا المحمل. ولسنا من رجال ابن عباد فنطلب لكلامه وجهاً. |
السـنوسـية
السنوسية دعوة إسلامية إصلاحية تجديدية روحية على أساس الكتاب والسنة. ظهرت في ليبيا وعمت مراكزها الدينية شمال أفريقيا السودان والصومال وبعض البلاد الإسلامية. تأسست الدعوة السنوسية في ليبيا في القرن الثالث عشر الهجري/ التاسع عشر الميلادي. ومن أبرز شخصياتها الشيخ محمد بن علي السنوسي (1787-1859م) وهو المؤسس للدعوة السنوسية، وتنسب السنوسية لجده الرابع. ولد السنوسي في مستغانم في الجزائر. وعندما بلغ سن الرشد تابع دراسته في جامعة مسجد القرويين بالمغرب، ثم أخذ يجول في البلاد العربية، فزار تونس وليبيا ومصر والحجاز واليمن ثم رجع إلى مكة المكرمة وأسس فيها أول زاوية لما عُرف فيما بعد بالحركة السنوسية. وله نحو أربعين كتاباً ورسالة أهمها: "إيقاظ الوسنان في العمل بالحديث والقرآن". خلف الشيخ المهدي محمد بن علي السنوسي (1844-1902م) والده في قيادة الدعوة السنوسية وعمره اثنا عشر عاماً. ثم جاء الشيخ أحمد الشريف السنوسي، ابن عم المهدي. ولد سنة 1873م. تلقى تعليمه على يد عمه، وعاصر هجمة الاستعمار الأوروبي على شمال أفريقيا وهجوم إيطاليا على ليبيا فاستنجد في عام 1917م بالحكومة العثمانية، فلم تنجده. فقد ظن المهدي أن مصطفى كمال أتاتورك، حامي الدين، كما كان يطلق عليه آنذاك، سيأتي لمساعدته. ولما تبين له مقاصد أتاتورك الحقيقية المعادية للإسلام غادر الشيخ أحمد تركيا التي كان قد جاءها طلباً للعون، إلى دمشق عام 1923م. وعندما شعرت فرنسا بخطره على حكومة الانتداب لاحقته فهرب بسيارة عبر الصحراء إلى الجزيرة العربية. ثم جاء الشيخ عمر المختار (1856-1931) وهو البطل المجاهد الذي لم تحُل السنوات السبعون من عمره بينه وبين الجهاد ضد الإيطاليين المستعمرين لليبيا، حيث بقي عشر سنوات يقاتل قوى استعمار أكبر منه بعشرات المرات ومجهزة بأضخم الأسلحة في ذلك العصر، إلى أن تمكن منه الإيطاليون ونفّذوا فيه حكم الإعدام. كان ذلك في يوم الأربعاء السادس عشر من أيلول/ سبتمبر 1931م. تأثر السنوسي بالإمام أحمد بن حنبل وابن تيمية وأبي حامد الغزالي ومحمد بن عبد الوهاب وبحركته السلفية. كما تأثر بالتصوف السُني الخالي من البدع والخرافات مثل التوسل بالأموات والصالحين، ووضع منهاجاً كاملاً للارتقاء بالمسلم. تتشدد السنوسية في أمور العبادة، وتتحلى بالزهد في المأكل والملبس. وقد أوجب السنوسيون على أنفسهم الامتناع عن شرب الشاي والقهوة والتدخين. وتدعو السنوسية إلى الاجتهاد ومحاربة التقليد. وعلى الرغم من أن السنوسيّ مالكيّ المذهب، إلا أنه يخالفه إن جاء الحق مع غيره. كما دعت إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والابتعاد عكن أسلوب العنف واستعمال القوة. وشددت على الاهتمام بالعمل اليدوي. وكان السنوسي يقول دائماً: "إن الأشياء الثمينة توجد في غرس شجرة وفي أوراقها". لذلك ازدهرت الزراعة والتجارة في الواحات الليبية حيث مراكز الدعوة السنوسية. وقالت بالجهاد الدائم في سبيل الله ضد المستعمرين "الصليبيين وغيرهم". هذا هو الشعار الدائم للسنوسية. وقد دفع ثمن ذلك آلاف في جهادهم ضد الاستعمار الإيطالي. تعود المؤثرات والجذور الفكرية والسلوكية للدعوة السنوسية إلى تعاليم أحمد بن حنبل وابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب وخاصة أفكارهم السلفية في مجال العقيدة. وقد اكتسب السنوسي هذا التأثر أثناء زيارته للحجاز لأداء فريضة الحج عام 1837م التي كانت نقطة البداية للحركة السنوسية. وأخذ السنوسي من الصوفية أساليب البيعة ودرجات التزكية الروحية مثل درجة المنتسب ثم درجة الإخوان ثم درجة الخواص. تعد واحة جغبوب في الصحراء الليبية بين مصر وطرابلس مركز الدعوة السنوسية. ففي هذه القرية كان يتعلم كل عام مئات من الدعاة، ثم يرسلون إلى كافة أجزاء أفريقيا الشمالية. بلغت زوايا السنوسية الفرعية 121 زاوية تتلقى من زاويتهم الرئيسة التعليمات والأوامر في كل المسائل المتعلقة بتدبير وتوسيع أمر الدعوة. وانتشرت هذه الدعوة في أفريقيا الشمالية كلها، وامتدت زواياها من مصر إلى مراكش ووصلت جنوباً إلى الصحراء في السودان والصومال وغرباً إلى الجزائر. وكذك انتشرت الدعوة السنوسية في خارج أفريقيا حيث وصلت إلى أرخبيل الملايو في الشرق الأقصى. كما استطاعت السنوسية أن تنشر الإسلام في القبائل الوثنية الأفريقية وتؤسس المدارس التعليمية والزوايا. ولم يقتصر التعليم على الذكور بل امتد إلى النساء والأطفال من الجنسين. واستعانت الدعوة بالنساء لنشر الإسلام بين نساء القبائل الوثنية. |
البشرية
أصحاب بشر بن المعتمر كان من أفضل علماء المعتزلة وهو الذي أحدث القول بالتولد وأفرط فيه. وانفرد عن أصحابه بمسائل ست: الأولى منها: أنه زعم أن اللون والطعم والرائحة، الإدراكات كلها: من السمع والرؤية. يجوز أن تحصل متولدة من فعل العبد إذا كانت أسبابها من فعله وإنما أخذ هذا من الطبيعيين إلا أنهم لا يفرقون بين المتولد والمباشر بالقدرة وربما لا يثبتون القدرة على منهاج المتكلمين. وقوة الفعل وقوة الانفعال: غير القدرة التي يثبتها المتكلم. الثانية: قوله: إن الاستطاعة: هي سلامة البنية وصحة الجوارح وتخليتها من الآفات وقال: لا أقول يفعل بها في الحالة الأولى ولا في الحالة الثانية لكني أقول: الإنسان يفعل والفعل لا يكون إلا... الثالثة: قوله: إن الله تعالى قادر على تعذيب الطفل ولو فعل ذلك كان ظالما إياه إلا أنه لا يستحسن أن يقال ذلك في حقه بل يقال: لو فعل ذلك كان الطفل: بالغاً عاقلاً عاصياً بمعصية ارتكبها مستحقاً للعقاب وهذا كلام متناقض. الرابعة: حكى الكعبي عنه أنه قال: إرادة الله تعالى: فعل من أفعاله وهي على وجهين: صفة ذات وصفة فعل: فأما صفة الذات فهي: أن الله تعالى لم يزل مريداً لجميع أفعاله ولجميع الطاعات من عباده فإنه حكيم ولا يجوز أن يعلم الحكيم صلاحاً وخيراً ولا يريده. وأما صفة الفعل فإن أراد بها فعل نفسه في حال إحداثه فهي خلقه له وهي قبل الخلق لأن ما به يكون الشيء لا يجوز أن يكون معه وإن أراد بها فعل عباده فهي: الأمر به. الخامسة: قال إن عند الله تعالى لطفاً لو أتى به لآمن جميع من في الأرض إيماناً يستحقون عليه الثواب استحقاقهم لو آمنوا من غير وجوده وأكثر منه وليس على الله تعالى أن يفعل ذلك بعباده. ولا يجب عليه رعاية الأصلح لأنه لا غاية لما يقدر عليه من الصلاح فما من أصلح إلا وفوقه أصلح وإنما عليه أن يمكن العبد القدرة والاستطاعة ويزيح العلل بالدعوة والرسالة. والمفكر قبل ورود السمع يعلم الباري تعالى بالنظر والاستدلال وإذا كان مختارا ًفي فعله فيستغني عن الخاطرين لأن الخاطرين لا يكونان من قبل الله تعالى وإنما هما من قبل الشيطان السادسة: قال: من تاب عن كبيرة ثم راجعها عاد استحقاقه العقوبة الأولى فإنه قبل توبته بشرط أن لا يعود |
الجارودية
أصحاب أبي الجارود: زياد بن أبي زيادز زعموا: أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على علي رضي الله عنه بالوصف دون التسمية وهو الإمام بعده. والناس قصروا حيث لم يتعرفوا بذلك. وقد خالف الجارود في هذه المقالة إمامة: زيد بن علي فإنه لم يعتقد هذا واختلفت الجارودية في: التوقف والسوق. فساق بعضهم الإمامة من علي إلى الحسن ثم إلى الحسين ثم إلى علي ابن الحسين: زين العابدين ثم إلى ابنه: زيد بن علي ثم منه إلى الإمام: محمد ابن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب و قالوا بإمامته. وكان أبو حنيفة رحمه الله على بيعته ومن جملة شيعته حتى رفع الأمر إلى المنصور فحبسه حبس الأبدن حتى مات في الحبس. وقيل إنه إنما بايع محمد ابن عبد الله الإمام في أيام المنصور ولما قتل محمد بالمدينة. فتم عليه مأتم. والذين قالوا بإمامة محمد بن عبد الله الإمام: اختلفوا: فمنهم من قال: إنه لم يقتل وهو بعد حي وسيخرج فيملأ الأرض عدلاً ومنهم من أقر بموته وساق الإمامة إلى محمد بن القاسم بن علي بن عمر بن علي ابن الحسين بن علي صاحب الطالقان وقد أسر في أيام المعتصم وحمل إليهح فحبسه في داره حتى مات ومنهم مكن قال بإمامة يحيى بن عمر صاحب الكوفة فخرج ودعا الناس واجتمع عليه خلق كثيرن وقتل في أيام المستعين وحمل رأسه إلى محمد بن عبد الله بن طاهر. حتى قال فيه بعض العلوية: قتلت أعز من ركب المطايا و جئتك أستلينك في الكلام و عز علي أن ألقاك إلا و فيما بيننا حد الحسام وأما أبو الجارود فكان يسمى: سرحوب سماه بذاك أبو جعفر محمد بن علي الباقر. وسرجوب: شيطان أعمى يسكن البحر قاله الباقر: تفسيراً. ومن أصحاب أبي الجارود: فضيل الرسان وأبو خالد الواسطي. وهم مختلفون في الأحكام والسير فبعضهم يزعم: أن علم ولد الحسن والحسين رضي الله عنهما كعلم النبي صلى الله عليه وسلم فيحصل لهم العلم قبل التعلم: فطرة وضرورة. و بعضهم يزعم: أن العلم مشترك فيهم وفي غيرهم وجائز أن يؤخذ عنهم وعن غيرهم من العامة. السليمانية اصحاب: سليمان بن جرير وكان يقول: إن الإمامة شورى فيما بين الخلقن ويصح أن تنعقد بعقد رجلين من خيار المسلمين وإنها تصح في المفضول مع وجود الأفضل. وأثبت إمامة أبي بكر وعمر رضي الله عتهما حقاً باختيار الأمة حقاً اجتهادياً. وربما كان يقول: إن الأمة أخطأت في البيعت لهما مع وجود علي رضي الله عنه خطأ لا يبلغ درجة الفسق وذلك الخطا: خطأ اجتهادي. غير أنه طعن في عثمان رضي الله عنهم بإقدامهم على قتال علي رضي الله عنه ثم إنه طعن في الرافضة فقال: إن إئمة الرافضة قد وضعوا مقالتين لشيعتهم ثم لا يظهر أحد قط عليهم: إحداهما: القول بالبداء فإذا أظهروا قولاً: أنه سيكون والثانية: التقية فكل ما ارادوا تكلموا به فإذا قيل لهم في ذلك: إنه ليس بحق وظهر لهم البطلان قالوا: إنما قلناه: تقية وفعلناه: تقية. وتابعه على القول بجواز إمامة المفضول مع قيام الأفضل: قوم من المعتزلة منهم: جعفر بن مبشر وجعفر بن حرب وكثير النوى وهو من أصحاب الحديث. قالوا: الإمامة من مصالح الدين: ليس يحتاج إليها لمعرفة الله تعالى وتوحيده فإن ذلك حاصل بالعقل لكنها يحتاج إليها: لإقامة الحدود والقضاء بين المتحاكمين وولاية اليتامى والأيامي وحفظ البيضة وإعلاء الكلمة ونصب القتال مع أعداء الدين وحتى يكون للمسلمين جماعة ولا يكون الأمر فوضى بين العامة فلا يشترط فيها أن يكون الإمام: أفضل الأمة علماً وأقدمهم عهداً وأسدهم رأياً وحكمة إذا الحاجة تنسد بقيام المفضول مع وجود الفاضل والأفضل. ومالت جماعة من أهل السنة إلى ذلك حتى جوزوا: أن يكون الإمام غير مجتهدن ولا خبير بمواقع الإجتهاد ولكن يجب أن يكون معه من يكون من أهل الإجتهاد: فيراجعه في الأحكام ويستقي منه في الحلال والحرام ويجب أن يكون في الجملة ذا راي متين وبصر في الحوادث نافذ. الصالحية والبترية: الصالحية: أصحاب الحسن بن صالح بن حي. والبترية: أصحاب كثير النوى الأبتر. وهما متفقان في المذهب. وقولهم في الإمامة كقول السليمانية إلا أنهم توقفوا في أمر عثمان: أهو مؤمن أم كافر قالوا: إذا سمعنا الأخبار الواردة في حقه وكونه من العشرة المشرين في الجنة وإذا رأينا الأحداث التي أحدثها: من استهتاره بتربية بني أمية وبني مروان واستبداده بأمور لم توافق سيرة الصحابة. قلنا: يجب أن نحكم بكفره فتحيرنا في أمره وتوقفنا في حالهن ووكلناه إلى أحكم الحاكمين. وأما علي فهو أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولاهم بالإمامة لكنه سلم الأمر لهم راضياً وفوض إليهم الأمر طائعاً وترك حقه راغباً. فنحن راضون بما رضى وهم الذين جوزوا: إمامة المفضول وتأخير الفضل والافضل إذا كان الأفضل راضياً بذلك. وقالوا: من شهر سيفه من أولاد الحسن والحسين رضي الله عنهما وكان: عالماً زاهداً شجاعاً فهو الإمام وشرط بعضهم صباحة الوجه. ولهم خبط عظيم في إمامين وجدت فيهما هذه الشرائط وشهرا سيفهما: ينظر إلى الأفضل والأزهد وإن تساويا: ينظر إلى الأمتن رأياً والأحزم أمراً وإن تساويا تقابلا فينقلب الأمر عليهم كلا ويعود الطلب جذعاً والإمام مأموماً والأمير مأموراً. ولو كانا في قطرين: افرد كل واحد منهم بقطره ويكون واجب الطاعة في قومه. ولو أفتى أحدهما بخلاف ما يفتي الآخر كان كل واحد منهما مصيباً وإن أفتى وأكثرهم في زماننا مقلدون لا يرجعون إلى رأي أو اجتهاد: أما في الأصول فيرون راي المعتزلة: حذو القذة بالقذة ويعظمون أئمة الاعتزال أكثر من تعظيمهم أئمة أهل البيت. وأما في الفروع فهم على مذهب أبي حنيفة إلا في مسائل قليلة يوافقون فيها الشافعي رحمه الله والشيعة. رجال الزيدية أبو الجارود: زياد بن المنذر العبدي لعنه جعفر ابن محمد الصادق رضي الله عنه والحسن بن صالح بن حي ومقاتل بن سليمانن والداعي ناصر الحق: الحسن بن علي بن الحسن بن زيد ابن عمر بن الحسين بن علي والداعي الآخر صاحب طبرستان: الحسين بن زيد ابن محمد بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي ومحمد بن نصر. الإمامية هم القائلون بإمامة علي رضي الله عنه بعد النبي عليه السلام: نصاً ظاهراً وتعييناً صادقاً من غير تعريض بالوصف بل إشارة إليه بالعين. قالوا: وما كان في الدين والإسلام أمر أهم من تعيين الإمام حتى تكون مفارقته الدنيا على فراغ قلب من أمر الأمة فإنه إنما بعث: لرفع الخلاف وتقرير الوفاق فلا يجوز أن يفارق الأمة ويتركهم هملاً: يرى كل واحد منهم رأياً ويسلك كل منهم طريقاً لا يوافقه في ذلك غيره بل يجب أن يعين شخصاً هو المرجوع إليهن وينص على واحد هو الموثوق به والمعول عليه. وقد عين علياً رضي الله عنه في مواضع: تعريضاً وفي مواضع: تصريحاً. أما تعريضاته فمثل: أن بعث أبا بكر ليقرأ سورة براءة على الناس في المشهد وبعث بعده علياً ليكون هو القارىء عليهمن والمبلغ عنه إليهم وقال: نزل على جبريل عليه السلام فقال: يبلغه رجل منك أو قال: من قومك وهو يدل على تقديمه علياً عليه. ومثل أن كان يؤمر على أبي بكر وعمر غيرهما مكن الصحابة في البوثح وقد أمر عليهما: عمرو بن العاص في بعث وأسامة بن زيد في بعث وما أمر على علي أحداً قط. واما تصريحاته فمثل ما جرى في نأنأة الإسلام حين قال: من الذي يبايعني على ماله فبايعته جماعة ثم قال: من الذي يبايعني على روحه وهو وصي عنه يده غليه فبايعه على روحه ووفى بذلك حتى كانت قريش تعير أبا طالب: أنه أمر عليك ابنك. ز مثل: ما جرى في كمال الغسلام وانتظام الحال فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس: فلما وصل إلى غدير خم أمر بالدوحات فقممن ونادوا: الصلاة جامعة. ثم قال عليه السلام وهو على الرحال: " من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم: وال من والاه وعاد من عاداه واصر من نصرهن واخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار. ألا هل بلغت: ثلاثاً ". فإنا ننظر: من كان النبي صلى الله عليه وسلم مولى له وبأي معنى فنطرد ذلك في حق علي رضي الله عنه. وقد فهمت الصحابة من التولية ما فهمناه حتى قال عمر حين استقبل علياً: طوبى لك يا علي! أصبحت مولى كل مؤمن ومؤمنة. قالوا: و قول النبي عليه السلام: " أقضاكم علي " نص في الإمامة فإن الإمامة لا معنى لها إلا أن يكون: أقضى القضاة في كل حادثة والحاكم على المتخاصمين في كل واقعة وهو معنى قول الله سبحانه وتعالى: " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " قالوا فأولوا الأمر: من إليه القضاء والحكم. حتى وفي مسألة الخلافة لما تخاصمت المهاجرون والأنصار كان القاضي في ذلك هو: أمير المؤمنين على دون غيره فإن النبي صلى الله عليه وسلم كما حكم لكل واحد من الصحابة بأخص وصف له فقال: أفرضكم زيد وأقرؤكم له وهو قوله: " أقضاكم على " والقضاء يستدعي كل علم وما ليس كل علم يستدعي القضاء. ثم إن الإمامية تخطت عن هذه الدرجة إلى الوقيعة في كبار الصحابة: طعناً وتكفيراً وأقله: ظلماً وعدواناً. وقد شهدت نصوص القرلان على عدالتهمن والرضا عن جملتهم قال الله تعالى: " لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة. " وكانوا إذ ذاك ألفاً وأربعمائة وقال الله تعالى على المهاجرين والأنصارن والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم: والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وقال: لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة وقال تعالى: " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم ". وفي ذلك دليل على عظم قدرهم عند الله تعالى وكرامتهم ودرجتهم عند السول صلى الله عليه وسلم. فليت شعري! كيف يستجير ذو دين الطعن فيهم ونسبة الكفر إليهم! وقد قال النبي عليه السلام: عشرة من أصحابي في الجنة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد بن ابي وقاص وسعيد بن زيد وعبد الرحمن ابن عوف وأبو عبيدة بن الجراح إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في حق كا واحد منهم على انفرادز وإن نقلت هنات من بعضهم فليتدبر النقل فإن أكاذيب الروافض كثيرة وإحداث المحدثين كثيرة. ثم إن الإمامية لم يثبتوا في تعيين الأئمة بعد: الحسن والحسين وعلي بن الحسين رضي الله عنهم على رأي واحد بل اختلافاتهم أكثر من اختلافات الفرق كلها حتى قال بعضهم: إن نيفاً وسبعين فرقة من الفرق المذكورة في الخبر هو في الشيعةخاصة ومن عداهم فهم خارجون عن الأمة. وهم متفقون في الإمامة وسوقها إلى جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنه ومختلفون في المنصوص عليه بعده من أولاده وقيل: ستة: محمد وغسحاق وعبد الله وموسى وإسماعيل وعلي. ومن ادعى منهم النص والتعيين: محمد وعبد الله وموسى وإسماعيل. ثم: منهم من مات ولم يعقب ومنهم من مات وأعقب. ومنهم من قال بالتوقف والإنتظار والرجعة. ومنهم من قال بالسوق والتعدية كما سيأتي ذكر اختلافاتهم عند ذكر طائفة طائفةز وكانوا في الأول على مذهب أئمتهم في الأصولن ثم لما اختلفت الروايات عن أئمتهم وتمتدى الزمان: اختارت كل فرقة منهم طريقة فصارت الإمامية بعضها: إما وعيدية وإما تفضيلية وبعضها إخبارية: أما مشبهةأو سلفية. ومن ضل الطريق وتاه لم يبال الله به في أي واد هلك. |
الساعة الآن : 03:07 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour