رد: رمضانيات يوميا فى رمضان إن شاء الله
بأي حال عدت يا رمضان؟ دينا حسن نصير وها هي الأيام تجري مُسرِعةً، وتَنقضي الأعوام مُتَتابعة، فكأنَّنا نَنظر إلى مشهدٍ قد مرَّ بنا منذ أيام قليلة، وليس عامًا كاملاً مرَّ بحلوه ومرِّه! وكأن لحظات استقبالنا لشهر رمضان الماضي كانت بالأمس القريب، نتذكَّر كيف استقبَلْنا هذا الضيف الحبيب بشوق وتلهُّف، وعزمٍ على عبادةٍ وطاعة وبرٍّ، وحفاوة، ونتذكَّر أيضًا كم ودَّعناه بحزن ولوعة وتحسُّر على ما فاتنا فيه من خير وفير، وعزْمٍ على أن يكون رمضان التالي له حال غير الحال، وفيه بذْلٌ يُرضي الرحمن! وها هو العام قد مرَّ كلمح البصر، كأيام، بل كساعات، فماذا أنت فاعل يا باغي الخير؟ ماذا أعددت لاستقبال هذا الضيف؟ وهل سيكون رمضان فعلاً مختلفًا هذا العام أم كالأعوام السابقة؛ يبدأ بلهفة وشوق، وينتهي بحسرة وندم؟! ما زلتُ أتذكَّر ليلة العيد والجميع حولي في فرحة وسعادة بقدوم العيد ومباهجه، وأنا أسرح بخيالي في أيام مضت - ثلاثين يومًا - كل لحظة عشتها في تلك الأيام تمرُّ كشريط يُعرض أمامي: • كم مرة ختمت القرآن؟! فتخاطبني نفسي: "العبرة بالكيف وليس بالكم"، وهل يا نفس عشت أيامك في تدبر لكتاب الله أم أنها مجرَّد حُجَّة وتعليل تخدعين به نفسك؟! كم من صلاة أديتها بخشوع وحضور قلب؟! كم من أوقات ثمينة في هذا الشهر المُبارَك ضاعت بلا فائدة؟! كل ذلك دار في خلدي وأنا أستعدُّ لاستقبال العيد، وغلبتني دموعي ألمًا وحسرة على ما فرطت وضيعتُ، وعزمت عزمًا أكيدًا أن رمضان القادم سيكون لي معه شأن آخر، وها هو رمضان قد أتى، فماذا أنتِ فاعلة يا نفس؟! هل استشعرت مدى نعمة الله عز وجل عليك أن أمد في عمرك حتى تعيش رمضان مرة أخرى؟ نعم؛ والله إنها نعمة وأي نعمة؟! أن يتاح لك اغتنام فضل هذه الأيام المباركة مرة أخرى، فلا تضيِّع هذه النعمة؛ فكم من أناس كانوا معنا رمضان الماضي ولم يَدُر بخلدهم أنه آخر رمضان لهم، وأنه سيأتي رمضان جديد وهم ليسوا أحياء، بل تحت التراب، أُغلقت صحائف أعمالهم، فإن كان خيرًا فهنيئًا لهم، وإن كان غير ذلك فلا مكان لاستدراك ما فات، فاستشعر نعمة إدراكك لرمضان، وأعدَّ لاستِقباله فرحة وعزمًا ونيةً صادقة، نعم، رمضان هذا سيكون مختلفًا، سيكون أكثر طاعة وعبادة وإخلاصًا لرب العالمين سبحانه وتعالى. في كل عام وفي نفس هذا الوقت نقرأ مثل تلك الكلمات، فتتأثَّر قلوبنا، ونتحمَّس ونَنوي أن رمضان هذا العام سيكون غير الذي كان، ولكن ما نلبث أن نعود كما كنا، تسويف وأمانٍ، ولا نستيقظ إلا في ليلة العيد بعد انتهاء السباق، فيَفوز مَن جدَّ وصبر، ويتحسَّر مَن فرَّط وكسل، فلتكن من الفائزين السابقين للخيرات هذا العام، نية صادقة وعزم ومجاهدة هو ما تحتاجه لتكون في الصفوف الأولى في سباق يسعد ويُفلح مَن يُسابق فيه بصدق ونيَّة خالصة، سباق يستغرق ثلاثين يومًا، ولكن أثره على قلبك وطاعتك يمتدُّ بقية شهور العام، فإن مِن أثر الطاعة التوفيقَ لطاعة أخرى، فالطاعات تجرُّ بعضها بعضًا، ومَن علم اللهُ في قلبه الصدق، وفَّقه للطاعة بعد الطاعة. ابدأ شهرك وفي بالك أنه قد يكون آخر رمضان لك، فاملأ صحيفة أعمالك بما تحب أن تلقى الله به، ثقِّلها بما يسرُّك رؤيتُه يوم تلقى الله، وتذكَّر أن مَن هم تحت التراب لو سألناهم: ماذا يتمنون؟ لكانت أمنيتهم ساعةً واحدةً يذكرون الله فيها، فاغتنم ساعاتك في تحقيق تلك الأمنية قبل أن يُحال بينك وبينها. |
رد: رمضانيات يوميا فى رمضان إن شاء الله
ابدأ من هنا (بداية الطريق) أبو سليمان المختار بن العربي مؤمن من هنا نبدأ وفي الجنة اللقاء: أخي الحبيب، إن طريقنا إلى الله تبدأ بالسير إليه بقلوبٍ ملأ الإخلاص جوانبها، وأفسح نور الحق مضايقها، وأهم خطوة في طريقنا إلى الله بعد الإخلاص هي طلبُ علمِ ما كلفنا بعمله؛ فالعبادة بلا علم يتخللها الضعف والفساد، والناس فريقان: عالم مسؤول، وعامي سائل، فلا تكن الثالثَ فتَهلِكَ، وقد قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: ((الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها، إلا ذكر الله، وما والاه، أو عالمًا ومتعلمًا))؛ رواه الترمذي وابن ماجه[1]. الاستعداد للطاعة: قال تعالى: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133]، وقال سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾ [المؤمنون: 60، 61]. وجاء في الحديث القدسي الشريف: ((إذا تقرَّب العبد إليَّ شبرًا تقربت إليه ذراعًا، وإذا تقرب إليَّ ذراعًا تقربت منه باعًا، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة))؛ رواه البخاري[2]. الاستعداد لمواسم الخير والطاعات دليلٌ على حياة القلب، وتعلق الروح بالملأ الأعلى، والغفلة عن ذلك علامة على تراكم الذنوب، وعيش النفس في مهاوي البُعد عن الله، فتيقظ يا أخي الحبيب، ولا تغفل؛ فاليقظة - كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى -: هي أول مفاتيح الخير؛ فإن الغافل عن الاستعداد للقاء ربه والتزود لمعاده بمنزلة النائم، بل أسوأ حالاً منه؛ فإن العاقل يعلم وعد الله ووعيده، وما تتقاضاه أوامر الرب تعالى ونواهيه وأحكامه من الحقوق، لكن يحجبه عن حقيقة الإدراك ويُقعِده عن الاستدراك سِنَةُ[3] القلب، وهي: غفلته التي رقد فيها فطال رقوده، وركد وأخلد إلى نوازع الشهوات، فاشتد إخلاده وركوده، وانغمس في غمار الشهوات، واستولت عليه العادات، ومخالطة أهل البطالات، ورضي بالتشبُّه بأهل إضاعة الأوقات، فهو في رقاده مع النائمين، وفي سَكْرته مع المخمورين، فمتى انكشف عن قلبه سِنَةُ هذه الغفلة بزجرةٍ من زواجر الحق في قلبه، استجاب فيها لواعظ الله في قلب عبده المؤمن، فقال: ألا يا نفسُ ويحكِ ساعديني https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif بسعيٍ منك في ظُلَمِ الليالي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif لعلك في القيامة أن تفوزي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif بطيب العيش في تلك العلالي[4] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif واعلم - أيها الكريم ويا أيتها الفاضلة -: أن من علامة توفيق الله للعبد أن ييسر له إعداد العدة لمكابدة الطاعة؛ قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ ﴾ [التوبة: 46]، ويحبب إليه دخول سوقها المكتظ بأنواع البضاعة الرابحة، فتراه يترقب أوقاتها، ويتطلع للربح ليلاً ونهارًا، فإن كانت الطاعة صلاة استعد بالنية الصادقة، والطهارة التامة، وراعى مدارج الشمس بُغيةَ دخول وقتها، ويحيط الفريضة منها بسياج النوافل الراتبة، والأذكار الرابحة، فيدخلها بحب وتذلل، ويخرج منها بدعاء واستغفار، مستشعرًا التقصير، طالبًا العون من الله على ذِكره وشكره وحُسن عبادته. يروى عن علي بن الحسين: "أنه كان إذا توضأ اصفرَّ لونه، فيقول له أهله: ما هذا الذي يعتريك عند الوضوء؟ فيقول: أتدرون بين يدَيْ من أريد أن أقوم؟!"[5]، أرأيتم إلى قوم كانت صلاتهم تبدأ من طهارة الأعضاء، فما بالنا في غفلة عن الطاعات؟! إذا كنتُ أعلمُ علمًا يقينًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif بأن جميعَ حياتي كساعَهْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فلِمْ لا أكونُ ضنينًا بها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وأجعلُها في صلاح وطاعَهْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif تجديد العزم والنية: فحيَّهلا إن كنتَ ذا همَّةٍ فقد https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif حدا بك حادي الشَّوقِ، فاطوِ المراحلا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ولا تنتظر بالسير رفقةَ قاعدٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ودَعْه؛ فإن العزمَ يكفيك حاملا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif نعم أخي الحبيب، لا بد من تجديد العزم، وتجريد القصد لله؛ فإن النفوس الكريمة إذا أرادت اللذة الدائمة التي تطمئن إليها القلوب، وترتاح إليها النفوس - شمَّرت عن ساق الجد، ونشِطت في جمع الزاد ليوم المعاد، ولتكن همتك منازل الآخرة في كل ما تقول وتعمل، وتقصد وتفعل؛ فكم من نية صادقة رفعت صاحبها مقامًا عليًّا مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصِّدِّيقين والشهداء والصالحين! إن تجديد العزم والنيات أمرٌ محتوم لكل باغٍ للخير ساعٍ للأجر؛ فالنية تبلى كما يبلى الثوب الجديد الزاهي؛ فهي دومًا تحتاج إلى رعاية وتجديد، وذلك من أجل عمل صحيح مقبول بإذن الله تعالى؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمالُ بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى...))[6]، فجدِّدِ العزم مع كل طاعة، وصحِّحِ النية مع كل عبادة، واسأل الله تعالى بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللهم إني أسألك الثباتَ في الأمر، والعزيمة على الرشد))[7] - تفُزْ بالأجر الكثير، والخير الوفير. التهيؤ لرمضان: (اللهم بارك لنا في رجب وشعبان، وبلغنا رمضان)[8]، من هنا يبدأ المسلم بالتهيؤ لرمضان نفسيًّا، ويكثر من دعاء ربه؛ ليبلغه الشهر المبارك الذي أنزل فيه القرآن، وبُعِث فيه خير ولد عدنان؛ لينال أعظم غنيمة، وهي العفو والغفران من الرحمن؛ قال ابن رجب: وفي هذا الحديث دليلٌ على استحباب الدعاء بالبقاء إلى الأزمان الفاضلة؛ لإدراك الأعمال الصالحة فيها؛ فإن المؤمن لا يزيده عمره إلا خيرًا، وخير الناس من طال عُمره وحسُنَ عمله، وكان السلف يستحبون أن يموتوا عقب عمل صالح؛ من صوم رمضان، أو رجوع من حج" [9]. ولذا ينبغي على المسلم أن يدرب نفسه قبل رمضان: أولاً: على صيام النوافل، لا سيما النصف الأول من شعبان. ثانيًا: على كثرة تلاوة القرآن. ثالثًا: على قيام الليل، ولو ركعات قليلة. رابعًا: على إطالة الجلوس في مجالس الخير، لا سيما المساجد؛ ليعوِّدَ نفسَه على الاعتكاف. خامسًا: على التقليل من فضول الكلام والنظر والاستماع. سادسًا: أكثِرْ من سماع المحاضرات المرغبة في الفضائل، واقرأ كتبًا ومطويات ترشد إلى كيفية الصيام والقيام والاعتكاف، وسائر الطاعات في رمضان. ثم اعلم - أخي الكريم - أن لله نفحات، فلتتعرض لها؛ فقد أخرج الطبراني من حديث محمد بن مسلمة مرفوعًا: (إن لله في أيام الدهر نفحات، فتعرضوا لها، فلعل أحدكم أن تصيبه نفحة فلا يشقى بعدها أبدًا) ضعيف[10]. أخي الكريم، لما كانت الأزمنة الفاضلة من أنسب أوقات الجد والاجتهاد في الطاعة، وكان شهر رمضان من مواسم الجود الإلهي العميم؛ حيث تعتق الرقاب من النار، وتوزع الجوائز الربانية على الأصفياء والمجتهدين - فلقد كان سلفُنا يجتهدون في الطاعات قبله بفترة طويلة؛ لتألَفَ أعضاؤهم الطاعة، وتستلذ العبادةَ في رمضان أكثر، فكانوا يتهيؤون له على غير ما يفعل الكثير في أيامنا من جمع الطعام وتكديسه، والمفاخرة بصنيع الطباخين. فانظر - يا رعاك الله - إلى هذه الأمثلة: "باع قوم من السلف جارية، فلما قرب شهر رمضان رأتهم[11] يتأهَّبون له ويستعدون بالأطعمة وغيرها، فسألتهم، فقالوا: نتهيأ لصيام رمضان، فقالت: وأنتم لا تصومون إلا رمضان! لقد كنت عند قوم كل زمانهم رمضان، ردُّوني عليهم". وباع الحسن بن صالح جارية له، فلما انتصف الليل قامت فنادتهم: يا أهل الدار، الصلاةَ الصلاةَ، قالوا: طلع الفجر؟ قالت: وأنتم لا تصلون إلا المكتوبة؟! ثم جاءت الحسن فقالت: بِعْتَني إلى قوم لا يصلون إلا المكتوبة، ردَّني ردَّني. أخي الكريم، أختي الفاضلة، ها هو رمضان على الأبواب؛ فأعدَّ العدَّة لاستقباله، ولا تحرم نفسك من فضله ونواله؛ فالمحروم مَن حُرم العتق والمغفرة فيه. أعتقنا الله وإياكم من نيرانه، وأسكننا فسيح جناته، آمين! [1] في "جامعه" (2322) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، به، وقال: (حسن غريب)، ورُوي نحوه من غير وجه مرسلاً ومتصلاً، وابن ماجه في السنن (4112). [2] البخاري (7536). [3] السِّنَة - بكسر السين -: هي الغفلة. [4] في كتاب الروح (1/ 223). [5] إحياء علوم الدين للغزالي (1/ 151). [6] رواه البخاري ومسلم وغيرهما. [7] رواه أحمد وغيره؛ انظر الصحيحة (3228). [8] ورد مرفوعًا، إلا أنه ضعيف، كما في ضعيف الجامع (4395)، وقال الحويني في فتاواه: منكَر. [9] لطائف المعارف لابن رجب (130). [10] الطبراني في الكبير (1/ 250)، وهذه الطريق الوحيدة التي ساقها الألباني رحمه الله لهذا الحديث، وضعفه في ضعيف الجامع الصغير (128) رقم (902). [11] المقصود من اشتروها. |
رد: رمضانيات يوميا فى رمضان إن شاء الله
أسراب الراجعين إليك أ. محمود توفيق حسين خلع كل واحدٍ منهم قميص غفلته الذي بللته دموعه، وألقاه تحت قدميه غير آسف عليه، وخرج راجعًا إليك يتهم نفسه، ويذكر نعماءك. كل واحد من هؤلاء يهرب إليك بجلده الذي يرغب في نجاته من النار، يخرج وهو لا يعرف إن كان يلوم جوارحه التي خانك بها، أم أنّ جوارحَه تلومه؟ والقلب يكاد يذوب فوق شمع الخجل منك وهو يذكر بكل أسًى اللهوَ والتقصيرَ والجرائم والغدرات والموبقات. كل ما كان العبد يفتك بنفسه به خلف الجدران، وهو يتقي أن يراه أحد من الناس، وتناسى أن رب الناس يراه. كل واحد من هؤلاء الآن يخرج وهو يعرفك، ويخشاك، وذنوبه السوداء أمامه تطفو على ذاكرته كما يرعب القرشُ المبحرينَ في صغار القوارب. كلهم خجَلٌ منك.. وأملٌ فيك.. وها هي ذي رؤوس الدروب نفسُها التي كان يسلك فيها اللاهون للأبد، العاصون للأبد، الضاحكون للأبد، الشرِهون للأبد، تمتلئ شيئًا فشيئًا بالأسراب، أسرابِ الراجعين إليك. وإن هذه المدنَ جميعَها وإن اتسعَت، لَتنوءُ بخروج مثلهم من أصحاب الحاجات، وتنفلت من فوضى الصاعدين في الطرقات، وتفتقد الشعور بالأمن. وإن سلاطين الأرض لا يتحملون أن تخرج الجموع بهذه الأعداد إلى أسوار القصور طلبًا لشيءٍ، أي شيء، ويشعرون بالتهديد من شدة الإلحاح، حتى وإن أحسن الناس الطلب، ويشعرون بالفلاح إن يئس الناس وعادوا إلى مآويهم، حتى وإن بدا على وجوههم الضيق. أما أنت - سبحانك - وعبادُك! فلك فيهم شأنٌ آخر فلك مُلكٌ لا يهدده الخروج ولك غنًى لا يؤثّر فيه الطلب وإنك تحب إلحاح من يرجونك ولا تحب منهم أن ييأسوا من الدعاء. وأنت تحث المؤمنين بك على العودة إليك؛ فها هي ذي أسرابُ الراجعين إليك.. لا تردَّهم، واغفِر لهم يا رَحيم.. ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ ﴾. |
رد: رمضانيات يوميا فى رمضان إن شاء الله
أزل الحواجز رياض العمري يمثل شهر رمضان المبارك نقلة نوعية لنفس المؤمن في شتى المجالات المختلفة التي يحتاجها الفرد المسلم في حياته وبعد وفاته، أعتقد أنه الدورة الربانية ذات الفائدة المتجاوزة لحدود عمر الإنسان إلى ما بعد وفاته، وهذا ما يجعل هذا الشهر فرصة يتسابق في سبيلها المتسابقون. وخير عباد الله مَن يتقبلهم الله في هذا الشهر الفضيل؛ ولهذا يحرص المؤمن أن يصل صوته إلى من بيده كل شيء؛ فهو يعلم أن الخير والشر والقبول والفشل بيده، ولكن هناك شرط ليصل صوتك، يجب علينا أن نراجع أنفسنا مع بداية هذا الشهر المبارك، وهو: أَزِلِ الحواجز المانعة لوصول صوتك؛ من شحناء وحسد، وكل ما يمنع أن يرفع عملك إلى ربك. ولذلك نجد النصوص الربانية تقرن بين عمل العبد وقبوله: ﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ﴾ [محمد: 7]. فكانت نصرته والاستجابة له سبيلاً لقبولك، وقد ورد في الأثر: أن يونس عليه السلام حين قال: اللهم لا إله إلا أنت سبحانك، إني كنت من الظالمين، فأقبلت الدعوة تحف بالعرش، قالت الملائكة: يا رب، هذا صوت ضعيف معروف من بلاد بعيدة غريبة، فقال - جل وعلا -: "أما تعرفون ذلك؟" قالوا: يا رب، ومن هو؟ قال الله: "عبدي يونس"، قالوا: عبدك يونس الذي لم يزل يُرفع له عمل متقبل، ودعوة مستجابة؟ قالوا: يا رب، أوَلَا ترحم ما كان يصنع في الرخاء، فتنجِّيه في البلاء؟ قال: بلى، فأمر الحوت فطرحه بالعرَاء. فكان سبب نجاته أنه دائم الصلة بالله، ولا ينقطع صوته عن قرع أبواب السماء، فكان وصول صوته الدائم سببًا في قبوله حال دعوته. يجب علينا أن نراجع أنفسنا، ونزيل ما يحبط الأعمال؛ حتى يتقبلنا الله قبولًا حسنًا. أسأل الله أن يتقبلنا في هذا الشهر؛ إنه واسع الجود والكرم. |
رد: رمضانيات يوميا فى رمضان إن شاء الله
ضيف كريم مقال نادر للشيخ طه محمد الساكت الإسلام - السنة 5، عدد 35 6 رمضان 1355هـ، 20 نوفمبر 1936 روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا جاء رمضان فُتِّحتْ أبواب الجنة، وغُلِّقتْ أبواب النار، وصفِّدتِ الشياطين))، وسواء أكان التفتيح والتغليق والتصفيد على الحقيقة، ولا مانع من ذلك؛ فإن الجنة والنار مخلوقتان كما قال أهل الحق، وكما تشهد بذلك ظواهر النصوص، أم كان الأول كنايةً عن تنزيل الرحمة وقبول الدعاء، والثاني كنايةً عن تنزه الصائمين عن الفواحش، بقمع أنفسهم عن الشهوات، وعن موجبات أسباب العذاب، والثالث مجازًا عن قلة شرور الشياطين وتسلطهم، وأنهم لا يَصلون من إفساد المسلمين في رمضان إلى ما يصلون إليه في غير رمضان. سواء أكان هذا أم ذاك، فإن الرسول صلوات الله وسلامه عليه يبشِّرُنا بمقدمِ رمضان، وأنه شهر كثير الخير والبركة، وضيف يحفُّه الفضل والرحمة، وأن فيه من المزايا ما ليس في شهر آخر سواه، فليت شعري ما الذي أعددناه لهذا الضيف الكريم؟! أكبر ظني أننا نعد له من ألوان الطعام والشراب، كل ما لذَّ وطاب، ومن أنواع التفكه والتسلية ما نقطع به الوقت، ونستوجب به السُّخْطَ والمقت، وما هكذا شأن المؤمنين. إن المسلمين الأولين كانوا يستشرفون لرمضان، ويفرحون به فرحَ المحبِّ بمحبوبٍ طالت غيبتُه، وتناءت أوبتُه، فما كاد ينزل بهم حتى يهيئوا له من صنوف الطاعات، وعمل الصالحات - ما يوجب شفاعته فيهم، وشهادته لهم، روى الإمام أحمد والطبراني وغيرهما عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يقول الصيام: أي ربِّ، منعتُه الطعام والشهوة، فشفِّعْني فيه، قال: فيشفعان))، وجدير بمن يرجو شفاعة الصيام أن يُحسِنَه ويحقِّقَ حكمة الله في تشريعه، وبمن يرجو شفاعة القرآن أن يتلوَه، ويعمل به، ولعل السر في اقتران القرآن بالصيام في الشفاعة، هو الإشارة إلى أن تلاوة كتاب الله من أفضل القُرَبِ في رمضان، ومن أجْلِ هذا أنزل فيه القرآن هدًى للناس، وبينات من الهدى والفرقان، واختاره النبي صلى الله عليه وسلم ميقاتًا لمدارسة جبريل فيه كما في الصحيحين. وخير ما نستقبل به هذا الضيف الكريم: توبةٌ صادقة نصوح، نخلع بها ثياب الذنوب والمعاصي، نادمين على ما فات، مستعدين لما هو آت، مؤدِّين الحقوق إلى أربابها، نازعين الغلَّ من الصدور، والحقدَ من القلوب، ضارعين إلى الله الكريم أن يكتبَنا فيه من عباده الموفَّقين المقبولين. ولا يتحقق لنا ما نرجو من أمنية إلا بدراسة أحكام الصيام، والتفقُّهِ في الدين، والتأدُّبِ بآداب الشريعة المطهرة، والعمل على تحقيق أسرار الصوم والحكمة المقصودة منه، وحاشا لله أن يكون مراده تعذيبَ أنفسنا بالجوع والعطش وهو القائل جل ثناؤه: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185]. وإنما الحكمة في الصوم تهذيبُ النفس، وتصفية القلب، وغرس التعاون والتراحم، والتعاطف والتناصر، وسموُّ الروح إلى مدارج العلا، ومراتب العز والكرامة، إلى غير ذلك مما يجد حلاوتَه الصائمون القائمون، ويَحظَى بلذَّته العاملون المخلصون، ويدرك نعيمَه المتقون الشاكرون. قال أنصار الإسلام: أزفُّ خالص التهنئة بهذا الشهر الكريم، ضارعًا إلى الله جل شأنه أن يعيد عليهم أمثاله، رافلين في لباس التقوى والخير العميم. |
رد: رمضانيات يوميا فى رمضان إن شاء الله
مهلاً أخي الصائم إسلام فتحي جاء رمضان وانقضَت بعض أيامه، وإذ انقضى بعضُه فقد أوشك أن يَنقضي كله، وما لم نتفهَّم المراد منا تحقيقه مِن أهداف، والمراد منا الوصول إليه مِن حال في هذا الشهر، فإننا سنَخرج منه حتمًا خاسِرِين أو على أحسن الأحوال غير فائزين. يأتي رمضان على رأس فكرة: ((إنَّ لله في أيام دهركم لنفحات، ألا فتعرَّضوا لها)) فرمضان هو تلك النفحة الربانية السنَوية، النفحة المستمرة لفترة طويلة يُمكن للإنسان أن ينهَل منها ما يَكفيه لتربية نفسه وإصلاح خللِها؛ وذلك لأن رمضان يتعدى كونه نفحةً في جانب تعبُّدي واحد ليَصل إلى كونه مَنظومة مُتكامِلة من صيام وما فيه مِن قيَمٍ، ومِن قيام وما فيه مِن قيَمٍ، ومن زكاة وصدقة وما فيهما مِن قيم، هذه المنظومة المتكاملة تحقّق للإنسان الذي يعيشها بحق بيئة معاونة على ترك كل الرذائل وإتيان كل الفضائل. إن الصيام وإن كان عبادة لها فضلها وأجرها فإن حكمة تشريعه والآثار المنوط به إحداثها تتخطى فكرة الثواب وجمع الحسنات، نعم يا أخي، إنَّ الصيام يسمو فوق تلك المعاملة التجارية التي تنظر إلى الكم فقط. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]. فالآية تبدأ بندائك ومُخاطبتك ليس باسمك ولا باسم قومك أو عائلتك؛ وإنما بانتمائك لركْب المؤمنين، لتُذكِّرك بأنَّك مؤمن، والمؤمن عليه بعض الواجبات، وله بعض المواصَفات التي يجب أن تقيِّم نفسك بناءً عليها، ويأتي بعد ذلك فرض الصيام مُقترنًا بآصرة الرابطة التاريخيَّة بين عباد الله من لدن آدم حتى يرثَ اللهُ الأرضَ ومَن عليها؛ وذلك لإيقاظ مفهوم الوَحدة بين المسلمين المتمثِّل في وحدة شرائعهم وشَعائرهم ومَشاعرهم. ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183] هنا بيت القصيد، هنا الهدف الأسمى للصيام وهو التقوى، التقوى التي عرَّفها الإمام علي بن أبي طالب بأنها: "الخوف مِن الجَليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل" خوفٌ يتحقَّق بقدر الله حق قدره، ويتَّزن بالرجاء، وعملٌ يتحقَّق بإخلاص التوجه لله وحده، وبالتقيُّد بحدود شرعِه، ورضًا يتحقَّق بالصبر على البلايا، والشُّكر على العطايا، واستعدادٌ يتحقَّق باليقين والثِّقة بموعود الله، كل تلك القيم يأتي الصيام ليُحقِّقها فيك وليَغرسها غرسًا تتأتَّى ثماره طوال العام حتى يأتي رمضان القادم وموعد الغرس الجديد. التقوى - كما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم -: ((لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حَذَرًا مما به بأس))، والمقصود هنا: ترك بعض الحلال وعدم الإفراط فيه، وتجنُّب الشبهات وعدم التجرؤ عليها؛ خوفًا من الوقوع في حرام، فالنفس البشرية إذا سمتْ إلى درجة أن تكون في التقوى 95% فإنها في لحظات ضعفِها ستنزل إلى درجة 75%، أما مَن يكون مُستوى تقواه 50% فإنه في ضعفه وغلبَةِ شيطانه عليه سينزل مستواه إلى ما لا يُحمد عقباه، وربما أصاب بعض الحرام. الصيام وأجواء رمضان بشكل عام تُكيِّفك على ترك بعض الحلال في بعض الأوقات تهذيبًا لنفسك وترويضًا لها، وكبحًا لجماحِها حتى تَقودها أنت بعقلِك المُتفهِّم للشرع بدلاً مِن أن تقودَك هي بحَماستها المُندفِعة للشَّهوات. كل أيام السنَة تأكل وتشرب وتأتي أهلك في أي وقت تشاء، أما رمضان فإنَّ صيام نهاره يَمنع عنك هذا، وهذا لتكسر الروتينيات التي تَعتبرك آلةً تعمل وَفقًا لنظام ما طوال أيام حياتك، تقوم أنت بصيامِكَ في وسط مجتمَع غلبت عليه المادية حتى طغتْ قوانين الآلات على قوانين النفس البشرية، تقوم لتُعلن عن الإرادة والحرية التي أودَعَها الله للإنسان ليفعل ما يشاء وقتما يشاء، دون أن تحكمه قوانين الآلة التي يمكن قبولها بعض الشيء عند الحيوانات مسلوبة العقل والاختيار. معلوم أن اليقين والإيمان هما أساس التقوى والعمل الصالح، والصيام يَجيء طوال الثلاثين يومًا ليوقظ فيك باعث الإيمان، فليس هنا أي دافع مادي أو مقابل دنيوي لامتناعك عن طعامك وشرابك طيلة النهار، ولكن هناك دافع إيماني مرجوع لإيمانك بالغيب، وبأن الدنيا دار عمل، وهناك شيء اسمه الآخرة، وفيه جنة ونار، والجنة تكون لمن أطاع الله ورسوله، والنار تكون لمن عَصاهما، كل هذه المفاهيم أنت بالصيام تُحقِّقها واقعًا ملموسًا في حياتك. نصوم بالنهار ونقوم بالليل، النهار هو فرصة الْتقاء الناس بعضهم ببعض ووقت معاشهم وقضاء حوائجهم المعيشية، وجاء الصيام ليبلغنا أنه ليس معوقًا لبذلنا لمعاشنا، وليس معوقًا لجهادِنا؛ وإنما هو فرصة ليلقى بعضنا البعض بأخلاق الصائمين ومشاعر الصائمين الذين يتكبَّدون نفس التعب والشقاء ابتغاءَ مرضات إلهنا الواحد في آنٍ واحد، والقيام ليلاً جماعةً في التراويح لتقوية آصرة الأخوَّة بين المسلمين، وللتناغُم مع جوِّ الصيام طيلة النهار لتظلَّ النفس في سموِّها وارتفاعها العلويِّ المُمتدِّ إلى عنان السماء. رمضان هو فرصة مُهيَّأة لتقييم نفسك، نفسك التي لن تجد لها أيَّ حُجة في غَوايتها في رمضان مثل حجة (شيطاني قوي)؛ لأن الشيطان مصفَّد ومُتجرِّد مِن كل قوَّتِه، وبالتالي يجب أن تتَّهم نفسك بالضَّعف عند جنايتك أي معصيَة في رمضان. مهلاً أخي الصائم، فهذه بعضُ مَقاصدِك وأهدافك في رمضان التي يجب أن تُحقِّقها في ذاتك وفي مجتمعك خلال أيامه، فاستعِن بالله، وتوكَّل عليه، وابذلْ لتَحقيقها الأسباب؛ لعلَّك بها تجعل رمضانك هذا أفضل رمضان في حياتك! |
رد: رمضانيات يوميا فى رمضان إن شاء الله
حظي من صومي الجوع والظمأ! د. زيد بن محمد الرماني سئل بعض السلف لمَ شُرع الصيام؟! قال: "ليذوق الغني طعم الجوع فلا ينسى الجائع". وهذا من بعض حكم الصوم وفوائده. لقد خصّ الله سبحانه الصيام بإضافته إلى نفسه دون سائر الأعمال، لأن الصيام فيه ترك لحظوظ النفس وشهواتها الأصلية التي جبلت على الميل إليها لله عز وجل ولا يوجد ذلك في عبادة أخرى غير الصيام، ثم إن الصيام سِّر بين العبد وربه لا يطلع عليه غيره سبحانه. قال بعض السلف أهون الصيام ترك الشراب والطعام، قال جابر رضي الله عنه إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم ودع أذى الجار وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء. إذا لم يكن في السمع مني تصاونٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وفي بصري غض وفي منطقي صَمْتُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فحظي إذاً من صومي الجوع والظَّمَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فإن قلت إني صمت يومي فما صُمْتُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif كان بعض السلف يختم في قيام رمضان في كل ثلاث ليال، وبعضهم في سبع منهم قتادة رحمه الله وبعضهم في عشرة منهم أبو رجاء العطاردي رحمه الله. وكان السلف يتلون القرآن في شهر رمضان في الصلاة وغيرها. كان الأسود رحمه الله يقرأ القرآن في كل ليلتين في رمضان، والنخعي رحمه الله يفعل ذلك في العشر الأواخر منه خاصة، وكان للشافعي رحمه الله في رمضان ستون ختمة. قوله عليه الصلاة والسلام: للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه، أما فرحة الصائم عند فطره، فإن النفوس مجبولة على الميل إلى ما يلائمها من مطعم ومشرب ومنكح فإذا منعت من ذلك في وقت من الأوقات ثم أبيح لها في وقت آخر فرحت بإباحة ما منعت منه خصوصاً عند اشتداد الحاجة إليه، فإن النفوس تفرح بذلك طبعاً، فإن كان ذلك محبوباً لله كان محبوباً شرعاً والصائم عند فطره كذلك. وأما فرحة عند لقاء ربه فبما يجده عند الله عز وجل من ثواب الصيام مدخراً فيجده أحوج ما كان إليه. ورد أن مَنْ أتى عليه رمضان صحيحاً مسلماً، فصام نهاره وصلى ورداً من ليله وغض بصره وحفظ فرجه ولسانه ويده وحافظ على صلاته جماعة وبكر إلى الجمعة، فقد صام الشهر واستكمل الأجر وفاز بجائزة الرب التي لا تشبه جوائز الأمراء. |
رد: رمضانيات يوميا فى رمضان إن شاء الله
ذلك القفص أ. محمود توفيق حسين أتعبت نفسكَ بالناس من مرحلةٍ إلى أخرى وأنت تحبس نفسك في قفص المقارنة، مرة مع هذا ومرة مع ذاك. والوجوه تتغير.. وأسباب المقارنة تتغير بتغير اهتماماتك. ولكنه ذات القفص. بصدئه وقسوته وضيقه وعبوسه. وهو ذات الألم الذي يكوي جنبك منذ أن وعيت على الدنيا وانشغلت بغيرك. سواء عندما كنت طفلًا لا يفضّل الفريقان ضمه في لعبة الكرة، ويتشاجرون على صديقه المقرب الموهوب. وعندما دخلت في فترة الشباب وكان لك صديق تليق به ملابسه ويلفت الانتباه، أما أنت فكنت عابرًا. وها أنتذا الآن تكتوي لأن أحد أصدقائك المجتهدين في الثانوية يأتي لنفس البلد الذي أتيت إليه براتب ضئيل، يأتي كاستشاري مرموق، بكامل احترامه وشروطه، براتب قدر راتبك عشر مرات. وتكتوي لأن أبناء أحد الزملاء هم دائمًا الأوائل على المدرسة وليس أبناؤك. مكبل للأبد بالسؤال المجرم القاتل ( لماذا؟)، الذي لا تستخدمه لتطور نفسك بقدر ما تستخدمه للتعبير عن السخط. أخرج من هذا القفص، جرب في هذا الشهر أن تمنح لنفسك إفراجًا، جرب أن تحيا لمدة شهر على أن الحياة ليست سباقًا، وأنك راض عما كتب الله لك. جرب أن تنشغل في هذا الشهر بما يجدد شعورك بالحرية والكرامة والثقة بالنفس. جرب أن تعيد تقدير الأشياء الممنوحة إليك. حتى لو كانت نافذة تطل على شمس الصباح، فغيرك لا يرى الشمس. حتى لو كانت قطة تتمسح فيك وتأخذ منك كسرة وتشكر، فغيرك يود أن يتودد لقطة ولكن جسده يغلبه ويقشعر. حتى لو كان طفلًا بشوشًا رضي منك بأن تصنع له مركبًا من الورق، فغيرك لا يكسب رضا طفله بأحدث الألعاب. جرب أن تنشغل بذكر الله وعبادته فلا نعمة خير من أن يحبك. ولا كنوز الأرض كلها تساوي أن يحبك الله. وثق بأنه لن يهون عليك إن جربت الحرية أن تعود لذلك القفص. |
رد: رمضانيات يوميا فى رمضان إن شاء الله
رسائل واتس أب (4) خيرية الحارثي (1) الحقيقة التي يَنبغي أن يَذكرها الآثِم أنه إن نسي فاستمرَأ بالنسيان إثمه، فإن وراءه الرقيب الذي يُحصي عليه ما قد نسيه؛ يقول تعالى: ï´؟ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ï´¾ [المجادلة: 6]. (2) إنَّ الإنسان يَزرع بقوله وعمله الحسنات والسيِّئات، ثم يَحصُد يوم القيامة ما زرع؛ فمَن زرَع خيرًا مِن قول أو عمل، حصد الكرامةَ، ومَن زرع شرًّا من قول أو عمل، حصد غدًا الحسرة والنَّدامةَ؛ قال تعالى: ï´؟ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ï´¾ [آل عمران: 30]. (3) يوم القيامة الذي يقوم فيه الناس لرب العالمين؛ حيث يجد كل إنسان طائره في عنقه، ويقرأ بنفسه صحائف أعماله، ويرى بعينه مصيره، وهو اليوم الحق؛ حيث يفصل فيه بين الناس فيما كانوا فيه يختلفون، وينتهي أمر الباطل إلى جحيم، وينعم المتقون في دار النعيم. وقد عني القرآن الكريم بعرض مشاهد شتى من ذلك اليوم، وما دام المؤمن على ذُكْرٍ لذلك اليوم، سيتَّخذ منه حافزًا يدفعه إلى الخير، وينأى به عن الضلال، ويُثبِّته على طريق الهداية؛ ولذا نجد في أكثر من آية في كتاب الله دعوة إلى اتقاء ذلك اليوم، وما فيه من أهوال وبلاء، وإذا نسي الإنسان ذلك اليوم، فلم يعمل له حسابه، فنسيانه بادرة إلى الانحراف الذي يَنتهي بالإنسان إلى ضلال، فجزاؤه عند الله إذًا إهمال ووبال؛ لأنه نسي يوم القيامة، فلم يقدم في دنياه عملاً ينفعه، والهوى يَهوي بصاحبه ويُضلُّه، فيُنسيه يوم الجزاء بما يقدم له من شواغل صارفة؛ يقول تعالى في نصح نبيه داود عليه السلام: ï´؟ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ï´¾ [ص: 26]. (4) العمل الصالح هناك ما يُعوِّقه ويُثبِّطه، وهذه المعوقات والمثبِّطات كثيرة؛ كضعف اليقين بالله - عز وجل - والشبهات، والشيطان بما يُوسوسه في قلب الإنسان، واتِّباع الهوى، والجهل، والغفلة، والتقليد في الباطل، والتسويف وحب الدنيا، والصحبة الفاسدة، فكلها تُعيق الإنسان عن الأعمال الصالحة، والغفلة والذهول عن اليوم الآخِر والحساب والجزاء. |
رد: رمضانيات يوميا فى رمضان إن شاء الله
رسائل واتس أب (5) خيرية الحارثي (1) هذا الإيمان أساسه التسليم والإذعان لله - تبارك وتعالى - فالمؤمن الحق هو الذي أسلم لله ظاهرًا وباطنًا، وهذا الإسلام يستلزم منك أمورًا يَنبغي عليك أن تقوم بها، وهذه الأمور دلائل تدل على صدق عبوديتك لله عز وجل، وقد شاء الله عز وجل أن يَمتحِنَ أهل الإيمان، وأن يبتلي صبر أهل الإحسان؛ ليَميز الله الخبيث مِن الطيب، وليُظهر عز وجل صِدقَ الصادقين، ونفاق المنافقين، وأعظم أمرٍ يَظهر به إيمان المؤمن وتسليمه لله عز وجل وإذعانه لله إذا نزلت الفِتَن. (2) إذا أصبح الإنسان بين الدعاة، كلٌّ يَدعو إلى سبيل، وكلٌّ يَظن أنه دليلٌ ونعم الدليل، وأصبح الإنسان بين آراء متباينة، تعصف به الفتن، عندها يظهر إيمانه ويقينه وانقياده لله عز وجل؛ فاللهَ اللهَ في دِين آمنَّا به! الله الله في سنَّة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم سلَّمنا لها! أعطِ كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هواك، وإياك ثم إياك أن ينظر اللهُ إليك لحظة في الحياة وقد عبدتَ هواك؛ فإن الله عز وجل يقول: ï´؟ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ ï´¾ [الجاثية: 23]. (3) حاجتنا إلى التفاؤل في زمن الفِتَن: التَّفاؤل: يعني انشراح القلب وتوقُّع الخير، وفوائده لا تُحصى؛ فهو يقوِّي العزم، ويبعَث على الجدِّ، ويُعِين على إِدراك الهدف، وهو يَجلب الطمأنينة وسكون النَّفس، وفيه اقتداء بسيد الخَلق القائل: ((سدِّدوا وقاربوا، وأبشروا))، والتفاؤل يُمكِّن الإِنسان مِنْ إِدارة أزمته بثقة وهدوء، فيَحصُل الفرج بعد الشِّدَّة، كما أَنه يُقوِّي الروابط بين الناس، فالمُتفائل يحبُّ مَن يُبشِّره ويستأنس به، وفيه إِحسان الظن بالله تعالى، وحسْن الظَّن مِنْ حُسْنِ العبادة. (4) عليك في زمن الفتن باتباع قول الله تعالى: ï´؟ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ï´¾ [الكهف: 28]؛ أي: شُغل عن الدين وعبادة ربه بالدنيا، ï´؟ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ï´¾؛ أي: أعماله وأفعاله سفهٌ وتفريط وضياع، ولا تكن مُطيعًا ولا محبًّا لطريقته، ولا تَغبطه بما هو فيه. |
رد: رمضانيات يوميا فى رمضان إن شاء الله
مندوبو الإلهاء أ. محمود توفيق حسين بيننا مندوبونَ يعملون بحماسةٍ وبغيرِ أجر. يروِّجون لوسائل الإلهاء على اختلاف أنواعها. بين معارفهم وأصدقائهم وزملائهم وجيرانهم. كنوعٍ من التعبير عن الودِّ والرغبة في الإسعاد. وبعضهم يشتدُّ نشاطهِ في أيام رمضان عن بقية الأيام: • هناك مسلسل فظيع على قناة كذا بعد منتصف الليل لا يفوتكِ، إن رأيتِ حلقة ستواظبين على مشاهدته بقية الليالي. • هناك دورية رمضانية للكرة وقت التراويح في حي كذا، تعال وشاهد الفن على أصوله واللعب التلقائي الجميل غير المغرق في التكتيكات. • سأدلك على أجمل مقهى أُنسٍ تقضي فيه وقتك أنت والشلة طول الليل برمضان حتى السحور، جوّ وديكور وخدمة. • خذ هذه الرواية الضخمة لأحد نوابغ فن الرواية العالميين، لن تشعر بالوقت معها، اقرأ هذه الرائعة الكبيرة وتأكد أنها ستغيرك تمامًا. • جرب أن تصيد السمك في نهار رمضان معنا عند النهر، وبجوارك المذياع، وأتحداك أن تشعر ببطء مرور الوقت. • جئت بوقتك يا سعيد، فزورة رقمية معقدة أخذت مني ساعتين وما وصلت لحلها، حاول – الله يتقبل صيامك - معها بنباهتك. .. رمضان وقت ثمين، لا تكن فيه مندوبًا لإلهاء أحد. كن مندوبًا للخير فقط. دلَّ الناس على مكان للاعتكاف أو للإحسان أو وجهٍ من وجوه العمل الطيب. ولا تقل للناس أين يذهبون هذا المساء. دع عباد الله وناشئة الليل. ودع عنك من يصدك عن ناشئة الليل. |
رد: رمضانيات يوميا فى رمضان إن شاء الله
سلْم لعباد الله أ. محمود توفيق حسين أن تكون سلساً في رمضان. ليِّناً يعرف ما عليه فعله، ويتجنب مضايقة من حوله، ويكفي الناس أدنى شرِّه. فيمر الشهر عليه وعلى ومن حوله ولم يكن فيه مستفزًا أو محبِطًا إلَّا فيما لا قبل له بدفعه. زوج مريح مع زوجته لا تشعر بأنها أُنهكتْ في فهمه وإرضائه ولم تنجح. زوجة مريحة مع زوجها لا يشعر بأنها تفتش عن النكد والغضب، ولا يشعر معها بأن البيت مأواه وسكن نفسه. أو ابن مريح مع والديه، أو موظف مريح مع مشرفه، أو جار مريح مع جاره. فلا تتسبب على الإطلاق في تنغيص صائم وإخراجه عن شعوره. ولا تؤدِّ إلى أن ينكث أحدهم عهده الذي عاهد عليه نفسه بحسن الخلق في رمضان. وأن تكون صانعَ سلامٍ حيثما حللت. حتى وأنت في السيارة وقد قررت أن تمتنع عن ضرب البوق بداعٍ وبغير داع. حتى وأنت تتبضع من السوق وقد قررت أن تكف عن عادتك في إرهاق البائع في التقليب والإرجاع والمساومة والإلحاح. حتى وأنت تمتنع عن المداعبة والمزاح في الحديث مع معارفك من ذلك الذي النوع يعيد ذكرى إساءة قديمة أو خصومة سابقة. حتى وأنت تمتنع عن جدل لا نفع فيه، وإن قالوا عنك تهرَّب وانسحب. وتشمل نفسك من ضمن من تشمل بهذا السلام وتلك السلاسة. فتعطل فيك ذاكرة المقت والألم. فلا تخلو بنفسك لتذكر كلمة ضايقتك من زوجتك أو أخيك أو صديقك أو أحد الموتى الذين لم تغفر لهم. وتتصدق على من حولك بابتسامة، وتعطي أملًا صادقًا لكل من شكا شكواه بجانبك. أن تنجح في أن تكون كذلك. توقيرًا للشهر الذي أنزل فيه القرآن: فقد تأدبت بأدب يليق بأهل هذا الشهر من أفاضل الصائمين. وأرحت نفسك مما تتخمك به الأيام العادية من الشحناء والغل واستنفار الديكة الذي ليس له داع. فيكون من ضمنِ ما فيه من رحمة: أنْ رحمتَ من حولك ورحمتَ نفسك. |
رد: رمضانيات يوميا فى رمضان إن شاء الله
من الأخطاء الخطيرة في رمضان عدم الاحتساب واستصحاب نية خلال الصيام أو القيام خلال الصيام أو القيام عبدالله سليمان السكرمي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: • (من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدَّم من ذنبه). • و (مَن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدَّم من ذنبه). • و (مَن قام ليلةَ القدر إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدَّم من ذنبه). تأمَّل قوله صلى الله عليه وسلم: (إيمانًا واحتسابًا)؛ لتعلم أنَّه ليس كلُّ من صام رمضان تُغفر ذنوبه، وليس كل من قام رمضان تُغفر ذنوبه، وليس كل مَن قام ليلة القدر تُغفر ذنوبه؛ إنَّما الصنف الرابح هم: مَن صاموا وقاموا إيمانًا واحتسابًا. ودعني أسألك أخي: هل أنت ممَّن يصوم إيمانًا واحتسابًا؟ هل أنت ممن يقوم إيمانًا واحتسابًا؟ أم تصوم كما يصوم الناس، وتُفطر كما يفطر الناس، وتقوم مع الناس تحرُّجًا من أن يفتقدك أصحابك في المسجد؟ وهل تعرف معنى (إيمانًا واحتسابًا)؟ قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: "المراد بالإيمان: الاعتقاد بفرضيَّة صومه، وبالاحتساب: طلب الثواب من الله تعالى"؛ انتهى. وأكثر الناس يصومون معتقدين فرضيَّة الصوم، ولكن - للأسف - القليل مَن يحتسب الأجرَ؛ بمعنى: أن يستصحب نيَّة معه خِلال النهار، وخلال الليل. فهل استحضرتَ أخي نيَّة أن تُغفر ذنوبك بصيام هذا اليوم؟ هل استحضرتَ نيَّة العِتق من النار في هذه الليلة؟ إنَّ من ينشغل بنيَّة كهذه أو غيرها، يظل طوال يومه وليله حريصًا على صيامه وقيامه؛ لأنَّه يريد مغفرةَ الذنوب، ويريد العتقَ من النار. ومثل هذا لن ينشغل بغِيبةٍ أو نميمة أو محادثات جانبية لا فائدة منها؛ لأنَّ همه أن تُغفر ذنوبه، وهمه أن تُعتق رقبته، والقلب منزعِج ومتشوِّف إلى هذا. ومن النوايا التي ينبغي الحرص عليها واحتسابها: التشوف لأن يتغمَّدك الله برحمته؛ فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لن يُدخل أحدًا عملُه الجنَّة)، قالُوا: ولا أنت يا رسُول الله؟ قال: (لا، ولا أنا، إلاَّ أن يتغمَّدني الله بفضلٍ ورحمةٍ). فإذا كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لن يدخل الجنة إلاَّ أن يتغمَّده الله بفضل ورحمة، فكيف أنت؟! فعِش يومك كاملاً بهذا الاحتساب، وهذا التشوُّف، والجَأْ إلى ربِّك، واصدق في لجوئك إليه. |
رد: رمضانيات يوميا فى رمضان إن شاء الله
ثلاثية: الناس والأكل والشبع! د. زيد بن محمد الرماني أجمل ما في كتاب شمس الدين محمد بن طولون الصالحي رحمه الله (دلالة الشكل على كمية الأكل): ما أورده عن مذاهب الناس في الأكل؛ حيث جعلها في عشرين قسمًا، بعضها صحيح وواقع، وبعضها تاريخي لم يعد له وجود، وبعضها غريب. قال ابن طولون رحمه الله: قال شيخنا أبو المحاسن - ابن المبرد الحنبلي -: وقد اختلف الناس في حد الأكل على مذاهب: جدية، وهزلية. المذهب الأول: الوارد عن رسول الله (لقيمات يُقيم بهنَّ الصُّلب). المذهب الثاني: الشِّبع حتى تكتفي النفس، ولا يقدر على الزيادة. المذهب الثالث: مذهب الرؤساء والأكابر. المذهب الرابع: مذهب الأمراء والأجناد. المذهب الخامس: مذهب الفقهاء. المذهب السادس: مذهب الصوفية. المذهب السابع: مذهب الفقراء. المذهب الثامن: مذهب المغاربة. المذهب التاسع: مذهب العوام. المذهب العاشر: مذهب البخل. المذهب الحادي عشر: مذهب الطفيليين. المذهب الثاني عشر: مذهب الأعراب. المذهب الثالث عشر: مذهب المنتجعين. المذهب الرابع عشر: مذهب الحشائين. المذهب الخامس عشر: مذهب المشائين. المذهب السادس عشر: مذهب الشرهين. المذهب السابع عشر: مذهب المسرفين. المذهب الثامن عشر: مذهب البطرانين. المذهب التاسع عشر: مذهب اليساريين. المذهب العشرون: مذهب الجزارين. وتجدر الإشارة إلى أن الأكل الكثير يكون من أمور: 1 - احتراق وشدة حرارة مزاج. 2 - صحة معدة وحسن هضم. 3 - اتساع محل وموضع الغذاء. 4 - ترك التسمية على الطعام والشراب. 5 - تقدم جوع، فإن من يجوع يأكل. 6 - تقدم مرض، فإنه يحصل للبدن فيه خلو من الأكل، فإذا عُوفِي أكل. ولا شك أن كثرة الأكل تورث التخم والريح الغليظة في البدن، ولا سيما في المعدة والأعضاء الباطنة، وتورث السدد، وتُحدث السِّمَن والترهُّل، وكثرة البلغم والكسل، والنوم والبلادة. جاء في كتاب الإمتاع والمؤانسة لأبي حيان التوحيدي، قيل لبعضهم: ما حدُّ الشِّبع؟ قال: أن يُحشى حتى يُخشى. وقديمًا قيل: مَنْ أكل كثيرًا شرب كثيرًا، ومن شرب كثيرًا نام كثيرًا، ومَنْ نام كثيرًا فاته خيرٌ كثير. وفي كتاب (الاكتساب في الرزق المستطاب) لمحمد الحسن الشيباني رحمه الله تفصيل وبيان؛ حيث قال ابن الحسن رحمه الله: ثم السرف في الطعام أنواع، فمن ذلك الأكل فوق الشبع؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (ما ملأ ابن آدم وعاءً شرًّا من بطنه، فإن كان لا بد فثلث للطعام، وثلث للشراب، وثلث للنفس)، وقال عليه السلام: (يكفي ابن آدم لقيمات يُقمن صُلبه)، ولا منفعة في الأكل فوق الشبع، بل فيه مضرة، فيكون ذلك بمنزلة إلقاء الطعام في مزبلة أو شرًّا منه، ولأن ما يزيد على مقدار حاجته من الطعام فيه حق غيره، فهو في تناوُله جان على حق الغير، وذلك حرام، ولأن الأكل فوق الشبع ربما يُمرضه، فيكون ذلك كجراحته نفسه، إلا أن بعض المتأخرين رحمهم الله استثنى من ذلك حالة إذا كان له غرض صحيح إلى الأكل فوق الشبع، فحينئذ لا بأس بذلك، بأن يأتيه ضيفه يخجل، وكذا إذا أراد أن يصوم من الغد، فلا بأس بأن يتناول بالليل فوق الشبع؛ ليتقوى على الصوم بالنهار، ولذا قال النووي رحمه الله في شرحه لصحيح مسلم: وما جاء في كراهة الشبع فمحمولٌ على المداومة عليه؛ لأنه يُقسي القلب، ويُنسي أمر المحتاجين. وما أحرى كل مسلم ومسلمة أن يتبع هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أمرنا بالتسمية قبل الأكل والأكل باليمين، والأكل مما يلي الآكل، ولعق الأصابع للبركة، والأكل بثلاث أصابع، ولعق القصعة، وأكل اللقمة الساقطة بعد مسح الأذى عنها، وأن يكون الأكل ثلاثًا: ثُلث للطعام، وثلث للشراب، وثلث للتنفس؛ كما صح عن رسول الهدى عليه الصلاة والسلام: (فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه). وقد قال بعض الأطباء: إن الناس لو عمِلوا بهذا الحديث، لم يَسقَم أحد! |
رد: رمضانيات يوميا فى رمضان إن شاء الله
متفرقات عن رمضان أ. د. مصطفى مسلم 1 - لله مواسم في العبادات؛ كالصوم، والحج. 2 - مضاعفة الثواب للأعمال: الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف. • مضاعفة الثواب للأعمال في الأماكن؛ مسجد مكة، مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى. • مضاعَفة الثواب للأعمال في الأزمنة؛ كشَهرِ رمضان، ليلة القدر، يوم عرَفة، العشر من ذي الحجَّة، وكل ذلك لتعويض هذه الأمَّة عن قِصَر أعمارِها. 3 - الاستِبشار باستِقباله والتهنئة بقدومه: • رُوي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُبشِّر أصحابه، فيقول: ((أتاكم رمضان، شهر مُبارَك، فرض الله عز وجل عليكم صيامه، تُفتح فيه أبواب السماء، وتُغلَق فيه أبواب الجحيم، وتُغَلُّ فيه مردة الشياطين، لله تعالى فيه ليلة خير من ألف شهر، مَن حُرم خيرها فقد حرم))؛ رواه النسائي. • ومِن دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم بارك لنا في رجب وشعبان، وبلِّغنا رمضان)). 4 - عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن صام رمضان وأتبعه ستًّا مِن شوَّال، كان كصوم الدهر)). 5 - رمضان مدرسة للصبر، وفيه ترسيخ للعادات الحسنة واجتثاث للعادات السيئة. 6 - الالتزام بآداب الصوم، ومنها: • ترك المِراء والجدلِ، والسبِّ والغيبةِ. • حضور القلب. • الأجر العظيم على صيامه، والوعيد الشديد على التفريط فيه. |
رد: رمضانيات يوميا فى رمضان إن شاء الله
فيك النصر تجلى يا رمضان أ. سميرة بيطام لكم أسعَدُ بقدومك، وقد تعوَّدْتُ بين جنبات أيامك نصرًا، وتفوُّقًا، وفرجًا، وخلاصًا من أزمات عديدة؛ فعبر حلولك - بأيامك الملاح - يدور في نفسي حوارٌ عن نوع الحدث الجديد الذي سأعيشه في أيامك المباركة، فكانت لي - أنا شخصيًّا - لقطات ثمينة جدًّا، تركتْ بصماتها على ذاكرتي، ولا يمكنني نسيانها، بل بالعكس عند كلِّ قدوم لك أسترجِعُ ما كنت فيه من نصر؛ لانفراج أزمة من الأزمات، أو لتحوُّل محنة إلى مِنْحة؛ لأستخلِصَ هذا العام حكمةً أبديَّةً أنك - فعلاً - شهرُ الانتصارات والتألُّق إلى العُلا. فإن كان للمسلمين تفوُّقٌ ونجاح في مهمات عديدة في مسيرة الجهاد، فهذا دليل على أنك كنت الفرصة والخلاص والسبيل للتتويج الأكيد بالنصر المظفَّر بعد مكابدات عديدة مع أعوان الشيطان وأعداء الدين، ولك أيها القارئ أن تتفحَّص التاريخ الإسلامي لتستشفَّ منه عبرًا وحكمًا، فستكتشف أمورًا عجيبة كانت تحدُثُ في هذا الشهر الفضيل، على المقابل من وجود محاولات للحاقدين على ديننا الحنيف، الذين يترصَّدون بالمسلمين وبالإسلام لبثِّ البَلْبلة والفتنة، ومحاولة تجريد المعتنق لدينه من كلِّ صفات الانتماء، أرقى صفات بثَّتْها فينا عقيدة سمحة، محاولين بذلك زرع أمور دخيلة لم تكن للمسلمين، لا في ترتيبات دينهم، ولا في ميولات أرواحهم الطاهرة التي تستنشِقُ عَبَقَ الإيمان مسكًا من بين صفحات القرآن الكريم والسنة النبوية الطاهرة. فالأمثلة عديدة وكثيرة، منها: دخول سليم العثماني دمشق دون مقاومة، فقد تمَّ حصار دمشق لمدة 12 يومًا؛ كما سجل في شهر رمضان انتصار العثمانيين على الصفويِّين في معركة شماهي، وخسر الصفويون في هذه المعركة 15 ألف قتيل، كما تم في شهرك أيضًا انتصار المسلمين في معركة البويب في العراق، وما الانتصار الرائع في معركة بدر إلا دليلٌ قاطع على أنك يا رمضانُ تمثِّل منحةً للمسلمين؛ لينتقلوا من مرحلة الضعفِ إلى مدارج القوة التي تزيد في قوتهم وتوحِّدُهم، وبالتالي تغيِّرهم من حال الذلِّ إلى حال العزة، وبفرحة ليست تعمُّ الأفواه فقط، وإنما تنبعث من الروح والعينين لينسجِمَ الفرح بغير حدود. ما أحلاك يا شهرَ الرحمة والبركة! صدقًا ما أحلاك وما أغناك! رمضان فيك النصر تجلَّى ببوادر الانعتاق من قيود النفس لأنك كنت فرصةً للجامِها بلجام التقوى وقوة العزيمة. إن الجهاد الأكبر تلوح قواعده في الكفِّ عن الأكل والشرب وكل ما كان في الإفطار مباحًا، وبغير قيود - إلا ما نصَّ عليه الشرع القويم - وعليه أتوق لأن أصف الفضل في شهرك كالرهام المتساقط رذاذًا من عطر مزكَّى كله نفحات إيمانية، وعزيمة أكيدة في العودة والاقتراب من الله أكثرَ فأكثر، وبصمودِ الواعين بضرورة الخوف والخشية ممن أمرنا بأن نأتيَ ما أراده لنا من خير، والامتناع عما كان لنا شرًّا ومشقة، وقد كان ذلك واضحًا في قوله تعالى: ﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ [البقرة: 184]، إنها الرحمة الإلهية في الرِّفْق بالمريض، ومَن حال بينه وبين الصيام عارضٌ من العوارض كالسفر، لك الحمد يا رب على نعمك التي لا تُعدُّ ولا تحصى، ولنا في كل سجود تذلُّلٌ ودمع ينهمر؛ لأنك يا رب خلقت كلَّ شيء بقدر، وقد جعلت لنا فرصًا ومناسبات لنستغلَّها فيما ينفعنا في ديننا ودنيانا وأخرانا، فكان شهر رمضان إحدى الهدايا الجميلة والمُفرحة بفيض الخير الذي يحملُه بين جوانحه، وقد أضيئت له فوانيس الكون ترحابًا بقدومه، حللتَ سهلاً ونزلت أهلاً يا رمضان، وأبقى أحتفظ في قلبي بإحساس لا يفارقني وأنا أستقبل فيك يا رمضان فرصةً ثمينة لتجديد إيماني ولوعة فكري؛ فيزداد الحب لله وللرسول صلى الله عليه وسلم، ولكل ما للإسلام ينتمي، ويزداد أيضًا الإكثار من الطاعات، وتصحيح الزلاَّت والأخطاء، إنها رحمات من عند الله تهلُّ علينا ونحن في أوْجِ الضعف والتوتر مما يحدث في عالمنا العربي والإسلامي من تغيُّرات بدَّدَتْ ملامحَ التكافل والتآزر فيما بين المسلمين، وما هي من شيم الأتقياء والأطهار، لكنها فتن آخر الزمان، التي نسأل العلي القدير في هذا الشهر المبارك أن يجفف منابع إراقة الدماء، ويُضمِّد جراح المتألمين لفراق الأحباب والأصدقاء والأبناء، وأن يوحِّد صفوف المسلمين، ويقوي عزيمة الحفاظ على أمانة ثقيلة أودعها الرسول الكريم فينا، أمانة السير على نهجه السديد، والتحلي بمكارم الأخلاق مهما اشتدت عواصف التفرقة. صدقًا فيك تجلَّى النصر يا رمضان، وأقولها حبًّا في أن نستغل كل أوقاتك فيما يرضي الله عز وجل، رمضان، أنت الضيف، والخير، والرحمة، والتوبة، وأنت - بالنسبة لي - عنوان الانتصار بعد تجارب أوهنت فيَّ الفكرة والرأي والإرادة، ولكنك الفرصة التي تأتي محمَّلة بثمار الصبر لصاحبها، من صامك حقَّ الصيام، ورتل فيك القرآن بتدبر وتركيز. رمضان، أنت لي فانوس النصر الأكيد، وأكيد لغيري من المؤمنين والمؤمنات. اللهم تقبَّل منا الصيام والقيام، واغفر لنا وارحمنا، وأحسن خاتمتنا، وصلِّ اللهم وسلم وبارك على حبيبي محمد وعلى آله وصحبه، ومَن تبعه إلى يوم الدين. |
رد: رمضانيات يوميا فى رمضان إن شاء الله
ليالي رمضان.. الجد والهزل الشيخ طه محمد الساكت عن مالك، بلغه أن عيسى ابن مريم عليه السلام قال: "لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله، فتقسو قلوبكم، وإن القلب القاسي بعيد من الله، ولكن لا تعلمون، ولا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أربابٌ، وانظروا في ذنوبكم كأنكم عبيدٌ، فإنما الناس مبتلًى ومعافًى؛ فارحموا أهل البلاء، واحمدوا الله على العافية". إنه لمن الاستخفاف بالمروءة، والاستهانة بالكرامة: إفراط المرء في اللَّغْو والضحك، وإضاعة الوقت في سفاسف الأمور ومحقرات النوادر والأقاصيص، وإنه لخُلقٌ سخيف قد عمَّ كثيرًا من طوائف لا ترعى للكرامة حرمةً، ولا للوقت ذمة، ولا للمجالس حقًّا، وأسخفُ من السُّخْفِ أن يكون ذلك الهراءُ من القول والفعل في موسم الخيرات، وميقات البر والبركات، وميدان السباق لقوم يعقلون، في شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدًى للناس، وبينات من الهدى والفرقان. مر الحسنُ بقوم يضحكون في شهر رمضان، فقال: يا قوم، إن الله جعل رمضان مضمارًا لخلقه، يتسابقون فيه إلى رحمته، فسبق أقوام ففازوا، وتخلَّف أقوام فخابوا، فالعجب من الضاحك اللاهي في يوم فاز فيه السابقون، وخاب فيه المتخلِّفون، أمَا والله لو كُشِفَ الغطاء، لشَغلَ محسنًا إحسانُه، ومسيئًا إساءتُه. ولست أقصد أن يعمر المرء أوقاته كلَّها بالجد والنشاط، فإن للقلوب مللاً، وللنفوس سآمة، وللأرواح آلامًا، إذا عرتْ كانت الحياة ثقيلةً مريرةً أشدَّ ما تكون محتاجة إلى دعابة تُسرِّي عنها الهمَّ، وتكشف الغمَّ، غير أنه لا ينبغي أن يطغى المزاحُ فيخرج عن حدِّه، وإلا انقلب شرًّا ووبالاً، وما مثلُ الفُكاهة والمزحِ إلا كمثل الملح للطعام، والدواء للسقام، قال سعيد بن العاص لابنه: اقتَصِدْ في مزحِك؛ فإن الإفراط فيه يَفضُّ عنك المؤانسين، ويُوحِشُ منك المصاحبين. وإننا لنرى في الشمائل المحمدية أنه صلى الله عليه وسلم كان يمزحُ ويَقتصِدُ في المزاح، ولا يقول إلا حقًّا، وإليك بعضَ الشواهد في هذا الباب؛ عسى أن تكون نبراسًا منيرًا، وعلمًا هاديًا لمن فرَّط وغلا فانقبض صدره، وكثُرُ همُّه، فلم يجد له فرجًا، ولمن اشتَطَّ وأسرف فخسر وقته وكرامته ثم لم يجدْ منهما عوضًا. جاء في الصحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليُخالِطُنا حتى يقول لأخ لي صغير: ((يا أبا عمير، ما فعل النُّغَيْرُ؟)) (والنُّغَيْرُ طائر صغير أحمر المنقار)، وفي الشمائل أنه صلى الله عليه وسلم قال لأنس: ((يا ذا الأذنين)) يمازحه، وأن رجلاً جاء يستحمله فقال له صلى الله عليه وسلم: ((إني حاملُك على ولد الناقة؟))، فقال: يا رسول الله، ما أصنع بولد الناقة؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وهل تلد الإبلَ إلا النُّوقُ؟))، وفي الشمائل أيضًا أن رجلاً من أهل البادية كان اسمه زاهرًا، وكان يُهدِي إلى النبي صلى الله عليه وسلم هَديَّةً من البادية، فيجهزه النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن زاهرًا باديتُنا، ونحن حاضروه))، وكان يحبه، وكان رجلاً دميمًا، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يومًا وهو يبيع متاعَه، فاحتضنه من خلفه - وهو لا يبصره - فقال: من هذا؟ أرسلني، فالتفت فعرف النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فجعل لا يألو ما ألصق ظهره بصدر النبي صلى الله عليه وسلم حين عرَفَه، فجعل النبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول: ((مَن يشتري هذا العبد؟))، فقال: يا رسول الله، إذًا والله تجدُني كاسدًا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لكن عندَ الله لست بكاسدٍ))، أو قال: ((أنت عند الله غالٍ)). وهذا مسلم يروي في صحيحه عن حنظلة بن ربيع، قال: لَقِيني أبو بكر رضي الله عنه فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ فقلت: نافَقَ حنظلة! قال: سبحان الله! ما تقول؟ قلت: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكِّرُنا بالجنة والنار كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عنده عافسْنا (لاعبنا) الأزواجَ والأولاد والضَّيْعات (المعايش)؛ نسينا كثيرًا، قال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: نافق حنظلةُ يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وما ذاك؟))، قلت: يا رسول الله، نكون عندك تذكِّرُنا بالنار والجنة كأنا رأي العين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضَّيْعاتِ؛ نسينا كثيرًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده، أن لو تدومون على ما تكونون عليه عندي وفي الذِّكر، لصافحتكم الملائكة على فُرُشِكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلةُ، ساعة وساعة)) ثلاث مرات. ففي هذه الأحاديث أدلة واضحة على جواز المزاح والملاطفة في حدود الأدب والاعتدال، فعسى أن يثوب قوم إلى رشدهم، ويهتدوا بهدي نبيهم صلوات الله وسلامه عليه، في حسن أدبه، وكرم شمائله، وجميل معاملته؛ ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21]. |
رد: رمضانيات يوميا فى رمضان إن شاء الله
جروحك التي تلعقها أ. محمود توفيق حسين فكرتَ في الامتناع عن كذا وكذا في رمضان..مشاهدة المسلسلات، مشاهدة الكرة، قراءة الكتب المسلية، التدخين، وضع الماكياج، النظر إلى النساء. نوايا حميدة بغير شك ولكن هل قررت أن تمتنع عن اليأس في رمضان؟ أن تمتنع عن اجترار همومك القديمة؟ وعن لعق جروحك المزمنة؟ هل قررت أنه ليس من المناسب أن تظل تكرر في نفسك خلال أيام رمضان ما كنت تكرر في أيامك العادية؟ لن أحصل على عمل مناسب في القريب العاجل مشاكلنا الزوجية دوامة لن تنتهي لن أجد أحدًا يفهمني أبدًا وسأظل للأبد أكلم نفسي سيأتي العيد بغير بسمة بغير نزهة بغير كلمة طيبة من ضيق إلى ضيق.. ولن أجرب مثل الناس أن يتوفر لي شيء في مستنقع الحياة الصعبة الله لا يريدني، ولو أرادني ليسر لي الوقت للصلاة والقيام كمن أحبهم ورضي عنهم..! اعلمْ أنك كمن ورد مع الناس على نهر فحق له الاغتسال ليجدد نشاطه ويتخلص من أدرانه وينعش جسده ويتخلص من رائحة عرقه. وعابرو السبيل لا يفوِّتون فرصة المرور على نهر في الطريق الصعب الطويل المرهق بدون اغتسال. ونحن عابرو سبيل وأغلب أيامنا صعبة ورمضان نهرٌ.. واليأس جنابة الروح فاغتسلْ وتقبَّل ما مرَّ بك وأقبل على الحياة التي أنعم الله عليك بها بقدر من الجد والتفاؤل وأحسن الظنَّ بربك. |
رد: رمضانيات يوميا فى رمضان إن شاء الله
لك مكانٌ.. فخذ مكانك أ. محمود توفيق حسين رمضان مائدةُ كريم ولا يعجل الكريم برفع مائدته وعنده ما يكفي آخر القادمين المهرولين ممن يعشمون باللحاق بالخير والأطايب فإن فاتك منه أيامٌ بعيدَ القلب عن الطاعات وذكر الله فلا يفوتكَ فيه الأملُ في قبول الله إن من يقتربُ من المائدة متأخرًا ويجد الناس يقومون من عندها شبعى ليغسلوا أيديهم شاكرين مطمئنين فيستدير قبل أن يراهُ الناس خوفًا من أن يردَّه صاحب الوليمة ولا يرحب به أو يعتذر إليه لفراغ المائدة قد ظن أنَّ من دعاهُ لم يكن على كامل السعة وظن أن من دعاهُ قد نسيه في زحام الوجوه أمَّا الله .. فلا ينسى أحدًا من المتأخرين ولا يردُّ من أحسن الظنَّ به منهم و يرحب بمن غلبهم البكاءُ والحياء وهرولوا ليلحقوا بكرمه وعطائه فتقدَّمْ وهروِل واندم لعلَّ الله يجد في قلبك من ندمٍ وحياءٍ وحبٍّ ما يضعك به عند رأس المائدة. |
رد: رمضانيات يوميا فى رمضان إن شاء الله
رمضانيات د. زيد بن محمد الرماني (1) مَرَّ الحسن البصري رحمه الله بقوم يضحكون فوقف عليهم، وقال: إن الله تعالى قد جعل شهر رمضان مضمارًا لخلقِه يستبقون فيه بطاعته، فسبق أقوام ففازوا، وتخلَّف أقوام فخابوا، فالعجب للضاحك اللاعب في اليوم الذي فاز فيه المسارعون وخاب فيه الباطلون. الصوم جنة أقوام من النار https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif والصوم حصنٌ لمن يخشى من النار https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif والصومُ سترٌ لأهل الخير كلهم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif الخائفين من الأوزار والعار https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif (2) الحكمة في فرض شهر رمضان أنَّ الله تعالى أمرنا أن نصوم فيه ونجوع؛ لأنَّ الجوع ملاك السلامة في باب الأديان والأبدان عند الحكماء والأطباء، فما ملأ ابن آدم وعاءً شرًّا من بطنه، والحكمة ملاك لا يسكن إلا في بيت خال. قال يحيى بن معاذ رحمه الله مرَّة لأصحابه: مَن شبِع من الطعام عجز عن القيام، ومَنْ عجز عن القيام افتُضِح بين الخُدَّام، وإذا امتلأت المعدة رقدت الأعضاء عن الطاعات، وقعدت الجوارح عن العبادات. (3) قيل: مثل شهر رمضان كمثل رسول أرسله سلطان إلى قوم، فإن أكرموا شأنه وعظَّموا مكانه، وشرفوا منزلته، وعرَفوا فضيلته، رجع الرسول إلى السلطان شاكرًا لأفعالهم، مادحًا لأحوالهم، راضيًا لأعمالهم، فيحبهم السلطان على ذلك، فيحسن إليهم كل الإحسان، وإن استخفوا برعايته وهوَّنوا لعنايته، ولم يُنزلوه منزلته من الإكرام، وفعلوا به فعل اللئام، فيرجع الرسول إلى السلطان وقد غضب عليهم من قبيح أفعالهم وسيِّئ أعمالهم، فيغضب السلطان لغضبه، كذلك يغضب الله سبحانه وتعالى - (ولله المثل الأسمى والأعلى) - على مَن استخف بحُرمة شهر رمضان؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]. (4) إنَّ أعظم هدية حملها إلينا رمضان - بل حملها إلى البشرية جمعاء - هي القرآن الكريم الذي أنزله الله تعالى في هذا الشهر المبارك على محمد صلى الله عليه وسلم، فقال عز وجل: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ﴾ [البقرة: 185]. كما أنَّ هدية رمضان الثانية هي ليلة القدر، وهي ليلة نزول القرآن الكريم على محمد صلى الله عليه وسلم؛ قال جل شأنه: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾ [القدر: 1]. كيف لا تكون هدية عظيمة وفيها انطلقت أنوار العلم والمعرفة ماحية ظلمات الجهل والجاهلية؟! (5) قال أحد الصالحين: أدوية الروح خمسة، وهي كلها من متطلبات شهر الصيام: قراءة القرآن بالتدبر، وخلاء البطن، وقيام الليل، والتضرع عند السحر، ومجالسة الصالحين. يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجب https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif حتى عصى ربَّه في شهر شعبان https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif لقد أظلك شهر الصوم بعدهما https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فلا تصيِّره أيضًا شهر عصيان https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif واتلُ القرآنَ وسبِّح فيه مجتهدًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فإنه شهر تسبيح وقرآن https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif (6) أيام شهر رمضان كالتاج على رؤوس الأيام، وهي مغنم الخير والبركات لذوي الإيمان، وللصيام آداب يجمعها: حفظ القلوب عن الخطرات، واللسان عن قبيح المقالات، والسمع عن الاستماع إلى المنكرات، والجوف عن المطاعم والمشارب المحرمات. مَنْ كان يشكو عِظَم داء ذنوبه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فليأت من رمضان باب طبيبه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif (الصوم لي وأنا الذي أجزي به). (7) كان سفيان الثوري رحمه الله إذا دخل رمضان ترك جميع العباد وأقبل على قراءة القرآن. يا غافلًا وليالي الصوم قد ذهبت https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif زادت خطاياك قف بالباب وابْكيها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif واغنَم بقية هذا الشهر تحظَ بما https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif غرسته من ثمار الخير تَجنيها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وقلْ: إلهي أنا العبد الذليل وقد https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أتيت أرجو أجورًا فاز راجيها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فلا تكلني إلى علمي ولا عملي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif واغفِر ذنوبي فإني غارقٌ فيها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif (8) لقد حفل شهر رمضان بأحداث مهمة في التاريخ، كلها تدل على أن رمضان كان على مدى التاريخ شهر عمل وانتصارات وبركات، ففي رمضان من السنة الثانية للهجرة وقعت غزوة بدر الكبرى، وفي رمضان من السنة الثامنة للهجرة كان الفتح الكبير فتح مكة، وفي رمضان سنة 15 للهجرة كانت موقعة القادسية بقيادة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وفي رمضان سنة 92 للهجرة فتح المسلمون الأندلس بقيادة طارق بن زياد رحمه الله، ويبقى أهم الأحداث الرمضانية قاطبة، وهو نزول القرآن الكريم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في غار حراء. (9) قال ابن الجوزي رحمه الله: شهر رمضان شهر فيه تُزهر القناديل، وينزل فيه بالرحمة جبريل، ويُبتلى فيه التنزيل، ويسمح فيه للمسافر والعليل. وورد عن ذي النون المصري رحمه الله قوله: تجوع بالنهار وقم بالأسحار، ترَ عجبًا من الملك الجبَّار. قيل للأحنف بن قيس رحمه الله: إنك شيخ كبير، وإنَّ الصوم يضعفك، فقال: إني أعده لسفر طويل، والصبر على طاعة الله أهون من الصبر على عذابه. سُئِل بعض السلف: لِمَ شُرع الصيام؟ قال: ليذوق الغني طعم الجوع، فلا ينسى الجائع. قال أبو الفرج ابن الجوزي رحمه الله: رمضان شهرٌ جعله الله تعالى مصباح العام، وواسطة النظام، وأشرف قواعد الإسلام المشرف بنور الصلاة والصيام والقيام. (10) لما كانت القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد، وجلاؤها ذكر الله، فإنَّ شهر رمضان فرصة للذكر والشكر، وبذلك يمتلك الشهر الفضيل أدوية الروح والقلب. يا فوز مَنْ للصوم قام بحقه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وأتى بحُسن القول فيه وصدقه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ومن الجحيم نجا وفاز بعتقه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فالله قال عن الصيام لخلقه: https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif "الصوم لي وأنا الذي أجزي به" |
رد: رمضانيات يوميا فى رمضان إن شاء الله
الشوق للهو والذنوب محمود توفيق حسين رمضان ليس منفاك حتى يغلبك الشوقُ فيه لما تركت ولا الغفلةُ بلادك إن كنت تركت فيه مشاهدة الأفلام في رمضان أو التدخين أو الشات أو أي شيء مما يبعدك عن ذكر الله فاعلم أنك عدت إلى وطنك الحقيقي وهويتك الأصيلة هوية أهل الجنة، هوية أهل التوحيد، هوية من يصلحونَ في الأرض. وأنَّ زمن غربتك هو زمن ذنوبك، زمن ابتعادك عن الله. وأنك في شهرٍ يهرب الناس إليه ولا يشردون فيه فيما تركوا وقد غلبهم الشوق وبعضهم يقفز إليه وقد غلبتهم الدموع والإحساس بالنجاة، كما يقفز اللاجئون في آخر حافلة تقلُّهم بعيدًا عن الجوع والتنكيل والقصف. فاغلبْ ضراوتك، وقاوم طينك، ولا تكن فيه مثل سبع يحوم عند أسلاك الحديقة باحثًا عن فرجة للعالم المفتوح. فلو عرفت ما أنت فيه من زمن لتعلَّقت به تعلق الرضيع بصدر أمه كيف لمن يدعي حب رمضان أن يشتاق للعودة لما لا يحب فعله في رمضان؟! هذا الشوق لا يليق بك ولا بالشهر الكريم هذا الشوق جُنون كشوق القابعين في المخابئ للخروج إلى مواقع القصف. |
رد: رمضانيات يوميا فى رمضان إن شاء الله
من أسرار رمضان (شهر الصبر) أ. د. مصطفى مسلم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: فإنَّ في آيات القرآن الكريم إشارات، وفي حديث رسول الله صلى عليه وسلم لَفتات، يجدر بنا أن نقف عندها ونتدبَّرها؛ من هذه الإشارات: قضية التقوى وعلاقتها بالصوم؛ كما ورَد في قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]. ونقول مسبقًا: إن "لعلَّ" في حق العباد تُفيد رجاءَ حصول الشيء المطلوب، أما في حق الله تعالى فهو تحقق وقوع هذا الشيء؛ أي في فرضية الصوم تتحقق التقوى بالالتزام بأداء هذه الفريضة، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصوم يُلقي ضوءًا على هذا الجانب: فقد روى الشيخان - البخاري ومسلم - بسندَيهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كلُّ عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سَبعمائة ضِعْف؛ يقول عز وجل: إلا الصيام؛ فإنه لي، وأنا أجزي به، ترَك شهوته وطعامه وشرابه مِن أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولَخُلُوفُ فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك). لماذا كان للصوم هذه المزايا؟! إنَّ في كل المخلوقات مراكز ثقل وقوة في الماديات وفي المعنويات، فلنَضرب أمثلة من الماديات، ثم ننتقل إلى المعنويات: 1 - يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا إن في الجسد مُضغة إذا صلَحت صلَح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي: القلب). القلب ذاك الجسم، الكتلة، المضخَّة، له تشعُّباته إلى جميع أنحاء الجسم؛ فإنه يوزِّع الدم إلى كل خلية في الجسم، ويَحمل الأوكسجين والغذاء، ويُبعد عنه السموم والفضلات، فلو تعطلت هذه المضخَّة تعطَّلت الدورة الدموية، وأدى إلى وفاة الكائن الحي. 2 - في الاقتصاد: لو أردنا أن نُساعد دولة مِن الدول بمدِّ اقتصادها بميزانية، فإن ذهبْنا نضخ الأموال في خزينة مدينة من المدن الجانبية فلن ينهض اقتصاد الدولة، أما إذا قدَّمنا المساعدات لخزينة الدولة المركزية أو ما يُسمى بالمصرف المركزي، أو مؤسسة النقد المركزي للدولة، فإنها ستوزَّع على جميع أجهزة الدولة، ويستفيد منها القاصي والداني مِن رعايا الدولة. 3 - في الطب: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام، والسام: الموت). واستغرب الأطباء من هذا الأمر، كيف تكون عشبة واحدة دواء لكل الأمراض؟! ولكن زال هذا الاستغراب عندما أجريت التجارب المخبرية على الحبة السوداء فوجدوها ترفع مناعة الجسم، فينعكس ذلك على مقاومة الجسم للأمراض، فكانت دواءً لأثرها على جهاز المناعة المركزيِّ. 4 - في مجال الأخلاق - وهو جانب معنوي - هناك أخلاق تَنعكِس آثارها على مُختلِف جوانب الحياة للفرد؛ مثل: خلُق (الصبر)، فإذا ترسخ هذا الخلق في الإنسان انعكس على صبره على التزام الطاعات وأدائها، وانعكس على التزامه بالأخلاق الفاضِلة فاتَّصف بها، وانعكَس على تجنُّب سفاسف الأمور والمعاصي فابتعَدَ عنها، وانعكس على تحمُّل المشاق يَحتسب ذلك في سبيل الله، وعلى تَحمُّل المصائب والأذى فلم يَتبرَّم منها. لذا يقول صلى الله عليه وسلم عن شهر رمضان: إنه شهر الصبر؛ لأنه يقوِّي إرادة الإنسان فيصبر عن الطعام والشراب والشهوات، كل ذلك يصبُّ في الصفة المركزية في تنمية التقوى لدى الإنسان، إنَّ معنى التقوى المبسَّط هو أن تحيط نفسك بشيء يَقيك مما يُحيط بك من الأمور التي لا ترغب فيها، ولا يُحقق ذلك إلا باستحضار مراقبة الله سبحانه وتعالى في كل حركة وسكنة من التصرُّفات، وأقوى سبب وأبرز وسيلة تُحقِّق هذه المراقبة هو الصوم، إن المرء عندما يصوم: يكون خاليًا في مكانٍ لا يراه فيه أحد، ونفسه تواقة للطعام والشراب، وربما يصل به الجوع والعطش مبلغًا مؤثرًا، ومع ذلك يمتنع عن الإقدام على تناول شيء منها، إنَّ الإرادة تسند بمثل هذه السجايا، والصبر يَنمو فتتحقق التقوى التي يُشبِّهها سبحانه وتعالى باللباس الذي يَستُر جسم الإنسان ويَحميه من كل سوء، ويُضفي عليه الزينة والحسْن والبهاء؛ ﴿ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 26]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]. فهل أدركنا بعض أسرار فضائل رمضان شهر الصبر الذي يُحقِّق التقوى؟ وإذا كانت الإرادة تَقوى في هذا الشهر الكريم، والمراقبة - مراقبة الله سبحانه وتعالى - تنمو عند الإنسان في هذا الشهر، فهلاَّ وظَّفنا ذلك في ترسيخ أمور حسنة نَحرص عليها، واستأصلنا أمورًا سيئة نَجتنبها؟! إنَّ للإنسان أعداءً كثُرًا، ومن أبرز أعداء الإنسان: عدوٌّ خارجي هو الشيطان، وعدوٌّ داخليٌّ، هي النفس الأمارة بالسوء. لقد كفانا الله في هذا الشهر شرَّ العُدوان الخارجي؛ حيث تُصفَّد الشياطين في بداية شهر رمضان إلى نهايته، كما أخبرنا الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام. والعدوُّ الداخليُّ قد ضُيِّق الخناق عليه بقطع طرُق الشهوات عليه؛ فقد ضعف أمر النفس بالجوع والعطش، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى قويت الإرادة ومُراقبة الله سبحانه وتعالى، فتستطيع التغلُّب بإذن الله تعالى على النفس الأمارة بالسوء. ومما أَقترِحه لترسيخ أمور حسنة: أ - الاستمرار على قراءة القرآن كما عوَّدْنا أنفسَنا في رمضان؛ بقراءة جزء واحد كل يوم على الأقل. ب - الاستيقاظ قبل الفجر بساعة كما نفعل في رمضان؛ لقيام الليل، أو قراءة القرآن، أو ذكر الله سبحانه وتعالى، أو القراءة في كتاب علميٍّ، المُهم أن نكون مستيقظين في هذا الوقت - وقت السحَر - الذي هو جزء مِن الثلثِ الأخير مِن الليل لنتلقى نفحات السحَر. جـ - أن نُحاول الاحتفاظ بشيء من النوافل التي نؤدِّيها في رمضان؛ صلاة الضحى، قيام الليل، وكل نافلة تؤدى بعد صلاة العشاء بعد الفريضة والسنَّة الراتبة تُعدُّ قيامَ ليل، فلو استمررنا مع ركعتين أو أربع ركعات قبل النوم أو قبل أذان الفجر! كما أقترح أن نتخلَّص من بعض العادات السيئة التي قد يُمارسها بعضنا؛ فإنَّ الإنسان إذا ألزم نفسه فترةَ شهر بفعل شيء، أو اجتنَب شيئًا آخر لمدة شهر، أصبح جزءًا من حياته وسلوكه لا يخلص منه بعد ذلك، ومن هذه العادات: أ - التدخين: مَن ابتُلي بهدة الآفة، فالبيئة، والامتناع لفترة طويلة، والإرادة المتنامية - كل ذلك يُساعد على التخلص من هذه العادة السيئة. ب - متابعة المسلسلات، وقضاء فترات طويلة على الإنترنت وغيرها. |
رد: رمضانيات يوميا فى رمضان إن شاء الله
الغائب في رمضان أ. محمود توفيق حسين انصرافُكَ للطاعة في رمضان وغلقُ نوافذ القلب عن متابعةِ ما يسمرُ بهِ العامة ويومياتِ الصحف والفضائيات وأحاديثِ الخبز والتموين والضرائب والبورصة وما قاله السياسي فلان والفنان علاَّن وكل ما ينشغل به الناس ويتجدد في نهار كل يوم لا يعني أن لا يتمعَّرَ وجهك بسبب مصيبةٍ أخلاقية أعلَنوها في المجتمع ولا يعني ألاَّ يضيق صدرك ببابِ شرٍّ قد فتحوه على الناس ولا يعني ألاَّ تشتكي إلى الله من معصيةٍ يسَّروها وأن تنكفئَ عن نفسك ككائنٍ محدودٍ فاقدِ الصلة بما يدور حولَهُ متعطلِ الحواسِّ عديمِ الأثر والتأثر يتعبَّد ويدعو لنفسهِ ولزوجته وأولاده وإن دعا للناس مع الناس دعا بقلبٍ لاه ليس فيه أدنى حرصٍ عليهم. أن تعيشَ رمضان يعني من ضمنِ ما يعني: حبكَ الخيرَ للناس وحزنكَ على انتهاك حُرماتِ الله ورغبتك العميقةَ في أن تقام المجتمعات على مُرادِ الله وكرهك لأن يعود الناس من حولك للجاهلية والفساد وهذا لا يعني تتبُّع كل خبرٍ وحكاية والقعود في الطرقات وأمامَ الشاشات بالساعات لاصطياد كل حكاية بل التألم من أمرٍ من أمور الشر قد وصل إلى غيرك كما وصل إليك فرمضانُ ليس عطلةً للإنكار ولو بالقلب ولا يبطلُ فيه الشعور بالجماعة بل الصحيحُ أنه يتقوَّى في هذا الشهر ولا يتوقف فيه ابنُ آدمَ عن البراءة من مظاهر الانحلال بل يزدادُ فيه عبدُ اللهِ كرهًا لما يُغضب الله. |
ماذا تعلمنا من رمضان؟
ماذا تعلمنا من رمضان؟ https://static.islamway.net/uploads/articles/7.jpg علمنا رمضانُ الصبرَ: • فالصبر على الطاعة والصبر على ترك المعاصي والصبر على قدر الله ثلاث مقامات يجمعها شهر الصبر، حيث وصفه الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم فقال: «صَومُ شَهرِ الصَّبرِ، وثلاثةِ أيامٍ من كلِّ شَهرٍ صومُ الدهْرِ كُلِّه» [1]، وقد علمنا رمضان كيف نصبر على ترك الحلال من مطعم ومشرب والذات، فأقام الحجة علينا بأن ترك الحرام أسهل حالًا وأنفع مآلًا. ولا عيش للمسلم يدرك به فضل الدنيا وسعادتها وأجر الآخرة ونعيمها إلا بالصبر قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إنَّ أفضل عيش أدركناه بالصبر، ولو أنَّ الصبر كان من الرجال كان كريمًا)[2]. • فالصبر يجمل به مقام الرجال ويجعل لهم قدم الصدق في كل محفل ومقام، وإنما وقع الإنسان في وحل المعصية ورذيلتها وعارها بفقده الصبر والانسياق خلف الشهوات. علمنا رمضان الإخلاص • فأنت صائم ولا يعلم بك أحد فما عُبد الله بأخفى من الصيام ولذا ورد في الحديث: «يَتْرُكُ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ وشَهْوَتَهُ مِن أجْلِي الصِّيَامُ لِي، وأَنَا أجْزِي به والحَسَنَةُ بعَشْرِ أمْثَالِهَا»[3]، فعظم الصيام لقيام الإخلاص في نفس العبد فلا يراقب به إلا الله نهارًا فإذا أتى الليل وجدت العبد يتلمس الصلاة في أوله وفي جوفه وعند السحر لعله تصيبه نفحة رحمانية يسعد بها في دنياه ولآخرته. • والإخلاص أعز ثمرة رمضان لأنه أحد ساقي القبول وأعمدته فلا يقبل من العمل إلا ما كان خالصًا لله وعلى سنة رسول الله اتباعًا. • يا مَن انفردت تناجي ربك في رمضان مستترًا عن أعين الناس في جوف الليل قد وصلت إلى ساحة الرحيم الرحمن فالزم المقام تفوز بالجنان. علمنا رمضان العطاء. • العطاء في رمضان يصادف شرف الزمان وقلة المعاش وحاجة الناس، وتجد أن الناس في رمضان أكثر عطاء لما أحسوا به من ألم الجوع سويعات فتذكروا من يعاني الأيام وربما الأشهر من أهل العوز، وقد سبقنا سيد المرسلين هاديًا لهذا العطاء ومبشرًا لأهله بالخلف من الله فعن عبدالله بن عباس قال: (كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أجْوَدَ النَّاسِ، وكانَ أجْوَدُ ما يَكونُ في رَمَضانَ حِينَ يَلْقاهُ جِبْرِيلُ، وكانَ يَلْقاهُ في كُلِّ لَيْلَةٍ مِن رَمَضانَ فيُدارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أجْوَدُ بالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ) [4]. • فما تقدمه لفقير وإن كان قليلًا فإنما تقدمه لنفسك قال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [5]، فيد الفقير آخذة مالًا ويدك آخذة أجرًا. علمنا رمضان عبادة الذكر: • في رمضان نجد أنفسنا أقرب إلى الله بالذكر والشكر امتثالًا لأمر الباري عز وجل القائل: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ}[6]، فأصبح الذكر ولله الحمد تتحرك بها السنتنا يبعثه رقة في القلب وقد غشيت الأفئدة سحائب الرحمات، ثم ازددنا خيرًا فكان الدعاء الذي وصفه الله أنه العبادة فقال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}، فمن أدى حق الدعاء كعبودية أستجيب له بعاجل أو آجل. ثم ترقت نفوسنا فوجدنا أن ختمة للقرآن في رمضان من أعظم ما يذكر به الله كما كان حال نبينا صلى الله عليه وسلم فقد كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أجْوَدَ النَّاسِ، وكانَ أجْوَدُ ما يَكونُ في رَمَضانَ حِينَ يَلْقاهُ جِبْرِيلُ، وكانَ يَلْقاهُ في كُلِّ لَيْلَةٍ مِن رَمَضانَ فيُدارِسُهُ القُرْآنَ. فأصبح نهارنا وليلنا ذكر لله بتسبيح وتهليل ودعاء وتلاوة القرآن ولولا رمضان ما اجتمعت لأحدنا إلا في النادر البعيد، ولكنه الأنس بالله فمن أنس بذكره في الدنيا آنسه الله في آخرته. فرمضان مضى من حيث العدد وبقي لنا روحه وريحانته العطرة، فقد جعل الله لنا قيام الليل ولو بركعتين تغذي أرواحنا بالإيمان. وبقي صيام ست من شوال تكملة لنا في الأجر قال صلى الله عليه وسلم: (مَن صامَ رَمَضانَ ثُمَّ أتْبَعَهُ سِتًّا مِن شَوَّالٍ، كانَ كَصِيامِ الدَّهْرِ)[7]. وبقي معنا تلاوة القرآن نختمه كل شهر مرة واحدة حتى لا نكون ممن هجر كتاب الله. بقي معنا إخواننا الفقراء والمعوزين الذي يترقبون مد يد العون بكل سبيل. وبقي معنا حسن الخلق بكف الأذى وطلاقة الوجه وحب الخير لكل مسلم. فرمضان علمنا التربية العملية للعلم المتلقى من كتاب الله وسنة رسول الله ليضعنا أما حجة علينا أمام الله بأنا قادرون على تحمل المشاق لفعل الطاعات وترك المحرمات فهو شاهد لنا أو علينا. وفي خاتمة رمضان أكرمنا بضيافة الرحمن، فقد « قدِمَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ المدينةَ ولَهُم يومانِ يلعبونَ فيهِما، فقالَ: «قد أبدلَكمُ اللَّهُ بِهما خيرًا منهُما: يومَ الأضحى، ويومَ الفِطرِ» [8]، والخيرية أن عيدنا أهل الإسلام عيد شكر وعبادة ولهو حلال وصلة أرحام وتوسيع على العيال في المباحات وكل أمر يحقق التألف بين الناس مما أباحه الله وأذن فيه الشرع. الدعاء: • ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب وأصلح اللهم أحوالنا في الأمور كلها وبلغنا بما يرضيك آمالنا، واختم اللهم بالصالحات أعمالنا وبالسعادة آجالنا، وتوفنا يا رب وأنت راض عنا. • اللهم اجعلنا ممن صام رمضان فقبلته وقام ليله فقربته، وناجاك في السحر فاستجبت له. • اللهم اجعلنا ممن نال أجر ليلة القدر فضلًا منك ورحمة يا أرحم الراحمين. • اللهم تقبل توبتنا واغسل حوبتنا وأجب دعوتنا، وثبت حجتنا واهد قلوبنا وسدد ألسنتنا واسلل سخيمة قلوبنا • اللهم إنا نسألك لولاة أمورنا الصلاح والسداد اللهم كن لهم عونًا وخذ بأيديهم إلى الحق والصواب والسداد والرشاد ووفقهم للعمل لما فيه رضاك وما فيه صالح العباد والبلاد. • اللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. • اللهم صلي وسلم على النبي المصطفى والرسول المجتبى وعلى آله وأصحابه معادن التقوى وينبوع الصفا صلاة تبقى وسلامًا يترى. [1] صححه السيوطي في "الجامع الصغير"، والألباني في "الإرواء"، والأرناؤوط في تخريج المسند. [2] ((الصبر والثواب عليه)) لابن أبي الدنيا (ص 23). [3] البخاري (1894). [4] البخاري (6) . [5] الآية 110 من سورة البقرة . [6] الآية 152 من سورة البقرة . [7] مسلم (1164) [8] وصححه ابن حجر في الفتح , والنووي في الخلاصة , والألباني في صحيح الجامع , ______________________________ ___________ الكاتب: د. عطية بن عبدالله الباحوث |
رد: رمضانيات يوميا فى رمضان إن شاء الله
تعلمنا في مدرسة الصيام أن الإيمان والخُلق قرناء حسام العيسوي إبراهيم لا إيمان لمن لا خُلق له: هل تنفع الصلاة والصيام وقراءة القرآن إلا إذا تبعها عمل وإصلاح للمجتمع من حولنا؟ امرأة عجيبة: هل تعرف من هي؟ إنها امرأة تُكثر من الصلاة والصيام والصدقة، ولكن تؤذي جيرانها، فهل تصح لها عبادة؟ قال صلى الله عليه وسلم: ((هي في النار))، وها هي امرأة أخرى عُرفت بقلة الصلاة والصوم، ولكنها تتصدق على جيرانها، فأخبرها صلى الله عليه وسلم: ((بأنها من أهل الجنة)). نداء إلى المصلين: كثيرًا من الناس يفضل التعامل مع من هو أقل منه في الالتزام، زعمًا منه بأنه يراعي عمله، ويؤديه على الوجه الأكمل. هل هذا صحيح؟ لو كان صحيحًا فهذه كارثة؛ لأن الإيمان والخُلق قرناء. وصايا عملية: ◄ الله الله قبل كل شيء. ◄ القدوة لا تعني الرياء. ◄ أفضل الأعمال سرورٌ تدخله على مسلم. ◄ خير الأعمال أدومها وإن قل. ◄ هل تصلي؟ ما هو دليلك على ذلك؟ ◄ سبق أهل الدثور بالأجور. ◄ اعلم جيدًا (أن صاحب المعروف لا يقع، وإذا وقع لا ينكسر، أو وجَد متكئًا). أخي، هذه بعض الاستفادات التي تربينا وتدربنا عليها في مدرسة الصيام السنوية، فهل نكون من الفائزين؟ أم أننا نضيع ما تدربنا عليه؟ الله نسأل أن ينفعنا بما علمنا، وأن يتقبل منا الصيام والقيام وصالح الأعمال. |
رد: رمضانيات يوميا فى رمضان إن شاء الله
هل عشت حبًا لله في رمضان؟ أ. محمود توفيق حسين قرأتَ القرآن صليتَ تصدقت.. هذا ما جئت به رمضان ونسألُ الله أن تؤجر خير أجر. لكن هل عشت حبًّا لله في رمضان؟ لا أسألك على ما اجتهدت فيها مأجورًا لكن أسألك عن عيشك في هذا الشهر حبًّا لله. هل شعرتَ بحبه يملأ جوانحك؟ هل شعرت بهذه الثمرة الجليلة في فؤادك أن تحب مولاك؟ يضع الناس رؤوسهم على الوسائد للنوم فينشغل هذا بالوردة الجميلة التي أهدتها إياه خطيبته وذاك بعدد المتابعين الذي زاد على الفيسبوك وثالثٌ ينظر في الآثار الطيبة للتمرينات على جسمه الممشوق ورابع يراجع صور حفل تخرج ابنه من المدرسة قلبُ كلٍّ منهم قد سرى في جنح الليل وهدأتهِ في طريقِ من يحب أو ما يحب وكل هؤلاء يتكلمون عن حبهم للهِ إن سئلوا طبعًا طبعًا نحبُّه والأفئدة اللاهية تكذِّب ما تقولهُ الألسنة فانشغالها بغيرهِ حقيقة وعلامة الحب الانشغال أنْ تذكر من تحب خاليًا وتتفكر فيه حتى تتحركَ مشاعرك ويغمرَك بذكره طمأنينةٌ ورضًا فعش حبًّا لله في هذه الأيام المباركة ولو عندما تلقي برأسك على المخدة مسلِّمًا أمرك له وقد جعل ابن قيم الجوزية من أخذ المضجع أحدَ المواطن التي يتلمس فيها العبد أثر حبِّ الله في قلبه. فما رأيك أن تكحِّل عينيك قبل أن تغيبا في النوم بما يغمرُهما من حبِّ لله؟ ما رأيك أن يغتسلَ قلبك من عناء اليوم بهذا الشعور العظيم.. بحب الله؟ .. موعدنا قبيل النوم. |
رد: رمضانيات يوميا فى رمضان إن شاء الله
أبواب الخير بعد انتصاف شهر رمضان علي البوسيفي الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد: فإننا وبعد انتصاف شهر الخير والبركة؛ شهر رمضان، أردنا أن نذكِّر أنفسنا ونذكر المسلمين بما ينبغي أن يكون عليه المسلم في موسم الطاعات العظيم، وهو هذا الشهر المبارك، وربما كثير من المسلمين يقول: أنا لا أعلم كثيرًا من أبواب الخير! فأردنا أن نَذْكُرَ بعضَ هذه الأبواب بذكر الأحاديث الواردة في ذلك؛ حتى تكون محفِّزًا للمسلمين للعمل في بقية هذا الشهر المبارك؛ لعلنا نكون من عتقاء الله من النار، ويختم لنا هذا الموسم على أحسن الأحوال. من هذه الأحاديث حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه: عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فأصبحت يومًا قريبًا منه ونحن نسير، فقلت: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة، ويُباعدني من النار؟ قال: (لقد سألتني عن عظيم، وإنه ليسيرٌ على مَن يسَّره الله عليه: تعبد الله ولا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت)، ثم قال: (ألا أدلُّك على أبواب الخير؟ الصوم جُنةٌ، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل من جوف الليل)، قال: ثم تلا: ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ ﴾ [السجدة: 16] حتى بلغ ﴿ يَعْمَلُونَ ﴾ [السجدة: 17]، ثم قال: (ألا أخبرك برأس الأمر كله، وعموده، وذروة سنامه؟)، قلت: بلى يا رسول الله، قال: (رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد)، ثم قال: (ألا أخبرك بمِلاك ذلك كلِّه؟)، قلت: بلى يا نبي الله، قال: فأخذ بلسانه قال: (كُفَّ عليك هذا)، فقلت: يا نبي الله، وإنا لمُؤاخذون بما نتكلم به؟! فقال: (ثَكِلتْك أمُّك يا معاذ! وهل يكبُّ الناس في النار على وجوههم - أو على مناخرهم - إلا حصائدُ ألسنتهم؟!)؛ قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ؛ سنن الترمذي - وقال الألباني: صحيح. ونُذكِّر المسلمين بما ختم به النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث العظيم، وهو أنه يجب على المسلم أن يحذر لسانَه؛ فإن حصائد الألسنة قد تكون سببًا لضياع العمل الصالح، ولا حول ولا قوة إلا بالله. الحديث الثاني: عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَن أُعطِي حظَّه من الرفق، فقد أُعطي حظَّه من الخير، ومن حُرِم حظَّه من الرفق، فقد حُرِم حظَّه من الخير)؛ الترمذي، والبيهقي في السنن - وقال الألباني: صحيح؛ الصحيحة (2166). ويؤيده ما جاء في صحيح مسلم عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الرِّفْق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه). الحديث الثالث: عن عبدالله بن الصامت، عن أبي ذر قال: (أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بخصال من الخير: أوصاني بألا أنظرَ إلى مَن هو فوقي، وأن أنظر إلى من هو دوني، وأوصاني بحبِّ المساكين والدنُوِّ منهم، وأوصاني أن أَصِلَ رَحِمي وإن أدبرتْ، وأوصاني ألا أخاف في الله لومةَ لائمٍ، وأوصاني أن أقول الحقَّ وإن كان مرًّا، وأوصاني أن أكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله؛ فإنها كنز من كنوز الجنة)؛ صحيح ابن حبان، وصحَّحه الألباني. الحديث الرابع: عن أبي مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حُوسب رجلٌ ممن كان قبلكم، فلم يوجد له من الخير شيءٌ إلا أنه كان يُخالط الناس، وكان مُوسِرًا، فكان يأمر غِلمانه أن يتجاوزوا عن المُعسر، قال: قال الله عز وجل: نحن أحقُّ بذلك منه، تجاوَزوا عنه)؛ أخرجه مسلم في صحيحه. الحديث الخامس: عن عبدالله بن أبي أوفى قال: جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئًا، فعلِّمني ما يجزئني منه؟ قال: (قل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله)، قال: يا رسول الله، هذا لله عز وجل، فما لي؟ قال: (قل: اللهم ارحمني، وارزقني، وعافني، واهدني)، فلما قام قال هكذا بيده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما هذا، فقد ملأ يده من الخير)؛ أخرجه أبو داود في السنن، وحسنه الألباني. فهذه أحاديث عن نبينا صلى الله عليه وسلم حثَّنا فيها على أبواب الخير التي غفل عنها كثير من الناس، أردت التذكير بها بعبارة سهلة مختصرة؛ حتى يَسْهُلَ فهمُها ومطالعتها، متمنِّيًا للجميع التوفيق والسداد، وهو وليُّنا، فنعم المولى، ونعم النصير. |
رد: رمضانيات يوميا فى رمضان إن شاء الله
من فضائل شهر رمضان المبارك أ. د. مصطفى مسلم ♦ قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((كلُّ عملِ ابن آدم له؛ الحسنةُ بعشرِ أمثالِها إلى سبعمائة ضعفٍ، يقول الله عزَّ وجلَّ: إلاَّ الصيامُ؛ فإنَّه لي وأنا أجزي به، يترك شهوتَه وطعامَه مِن أَجلي، للصَّائم فرحتان: فرحةٌ عند فِطره، وفرحةٌ عند لِقاء ربِّه، ولخُلُوف فَمِ الصَّائم أطيب عِند الله من رِيح المسك))؛ رواه البخاري ومسلم. ♦ قال عليه الصلاة والسلام: ((إذا دخل رمضان، فتِّحت أبوابُ الجنَّة، وغلِّقَت أبوابُ النَّار، وسُلسِلَت الشياطين))؛ رواه الشيخان. ♦ قال عليه الصلاة والسلام: ((الصِّيام جُنَّة، فإذا كان يومُ صومِ أحدِكم فلا يَرْفُث ولا يَفسق، فإن سابَّه أَحدٌ أو قاتله، فليقل: إنِّي امرؤٌ صائم))؛ رواه البخاري ومسلم. ♦ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الصَّدَقة صدَقةُ رمضان))؛ أخرجة الترمذي. ♦ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من فطَّر صائمًا، كان له مثل أَجْره، غير أنَّه لا يَنقص من أَجْر الصَّائم شيء))؛ أخرجه أحمد والنسائي. ♦ كان كثير مِن أهل العِلم يترك حَلقاته العلميَّة المعتادة ويتفرَّغ لقراءَةِ القرآن؛ منهم الإمام الزُّهري وسفيان الثوري. ♦ قال ابن رجب: إنَّما ورد النَّهي عن قراءة القرآن في أقل مِن ثلاثٍ على المداومةِ على ذلك، فأمَّا في الأوقات المفضَّلَة؛ كشهرِ رمضان خصوصًا اللَّيالي التي يُطلب فيها ليلة القدر، أو في الأماكن المفضَّلة؛ كمكة لمن دَخَلها مِن غير أهلِها، فيستحبُّ الإكثارُ فيها مِن تلاوة القرآن؛ اغتنامًا لفضيلة الزَّمان والمكان، وهو قول أحمد وإسحاق وغيرهما من الأئمة. ♦ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة لا تُرَدُّ دعوتهم: الصَّائم حين يُفطر، والإمام العادل، ودَعوة المظلوم يرفَعُها الله فوقَ الغَمام، وتفتح لها أبوابُ السماء، ويقول الربُّ: وعزَّتي وجلالي، لأنصرنَّكِ ولو بعد حينٍ))؛ رواه أحمد والترمذي وحسَّنه. ♦ عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما مِن عبدٍ يصوم يومًا في سبيل الله تعالى إلاَّ باعَد الله بذلك اليوم وجهَه عن النَّار سبعين خريفًا))؛ رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي. ♦ عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الصِّيام والقرآن يشفعان للعبدِ يومَ القيامة؛ يقول الصِّيام: أي رَبِّ، منعتُه الطَّعامَ والشهوةَ فشفِّعني فيه، ويقول القرآن: منعتُه النومَ بالليل فشفِّعني فيه، قال: فيُشَفَّعان))؛ رواه أحمد والطبراني. ♦ عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((احضُروا المنبرَ))، فَحَضرْنا، فلمَّا ارتقى درجةً قال: ((آمين))، فلمَّا ارتقى الدرجةَ الثانية قال: ((آمين))، فلمَّا ارتقى الدرجة الثالثة قال: ((آمين))، فلمَّا نزل قلنا: يا رسولَ الله، لقد سمعنا منك اليوم شيئًا ما كنَّا نسمعه؟! قال: ((إنَّ جبريل عليه السلام عرض لي، فقال: بَعُدَ من أدرك رمضان فلم يُغْفر له، قلتُ: آمين، فلمَّا رقيت الثانية قال: بَعُد من ذُكرتَ عنده فلم يصلِّ عليك، قلتُ: آمين، فلمَّا رقيت الثالثةَ قال: بَعُد من أدرك أبويه الكِبَرُ عنده أو أحدهما فلم يُدخِلاه الجنَّة، قلت: آمين))؛ رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد. ♦ عن أبي أمامة الباهليِّ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((بينا أنا نَائم أتاني رجلان، فأخذا بضَبْعَيَّ، فأتيا بي جبلاً وعرًا، فقالا: اصعد، فقلتُ: إنِّي لا أُطيقه، فقالا: إنَّا سنسهِّله لك، فصعدتُ حتى إذا كنتُ في سواء الجبل إذا بأصواتٍ شديدة، قلتُ: ما هذه الأصوات؟ قالوا: هذا عواءُ أهل النار، ثمَّ انطلقا بي فإذا أنا بقومٍ معلَّقين بعراقيبهم، مشقَّقة أشداقُهم تسيل أشدَاقهم دمًا، قال: قلتُ: مَن هؤلاء؟ قال: الذين يُفطرون قبل تحلَّة صومهم))؛ رواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما. ♦ عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن أفطر يومًا من رمضان من غير رخصةٍ ولا مَرَض، لم يَقْضِه صومُ الدَّهر كله، وإن صامَه))؛ رواه الترمذي واللفظ له وأبو داود والنسائي. الدعاء في ليالي رمضان؛ فهي مظنَّة الاستجابة: أ- وليكن الدُّعاء بالمأثور؛ فإنَّه: • أقرب للسنَّة وأكمل في الاتِّباع. • أجمع للخير وأَدفع للشرِّ؛ فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قد أُوتي جوامعَ الكَلِم. • أسلم من زَلَّة اللِّسان، أو الدعاء بما لا ينبغي. أخرج أحمد ومسلم والبخاري في الأدب المفرد والترمذي والنسائي عن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عادَ رجلاً من المسلمين قد خَفَتَ فصار مثل الفَرْخ، فقال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((هل كنتَ تدعو بشيءٍ أو تسأله إيَّاه؟))، قال: نعم، كنت أقول: اللهمَّ ما كنتَ معاقبي به في الآخرة فعجِّله لي في الدنيا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سبحان الله! لا تطيقُه أو لا تستطيعه، أفلا قلتَ: اللهمَّ آتنا في الدُّنيا حسنة، وفي الآخرةِ حسنة، وقِنا عذابَ النَّار، قال: فدعا اللهَ له فشفاه)). ب- إذا جاءت المرأةَ العادةُ تمتنع عن الصَّلاة والصيام، ولكنَّ باب الأذكار عندها مفتوحٌ، فتجتهد في الذِّكر والدُّعاء؛ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((الدُّعاء هو العبادة))، وفي رواية: ((الدُّعاء مخُّ العبادة))؛ رواه أبو داود والترمذي، وكذلك الاستغفار والصَّدقَة، والقيام على خدمة الصائمين من أهل بيته؛ ((ذهب المفطِرون اليومَ بالأجرِ))؛ رواه البخاري ومسلم. ♦ عن عُبادة بن الصامت رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما على الأرض مسلمٌ يدعو اللهَ تعالى بدعوةٍ إلا آتاه الله إيَّاها، أو صرَف عنه مِن السُّوء مثلَها، ما لم يَدْع بإثمٍ أو قطيعة رَحِم))، فقال رجلٌ من القوم: إذًا نُكثِر! قال: ((الله أكثر))؛ رواه الترمذي. ♦ وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: كنَّا عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: ((أَيَعجِز أحدكم أن يَكسِب كلَّ يوم ألفَ حسَنة؟))، فسأله سائلٌ مِن جلسائه: كيف يكسب أحدُنا ألفَ حسنة؟ قال: ((يسبِّح اللهَ مائةَ تسبيحة، فيُكتَبُ له ألفُ حسنةٍ، أو يُحطُّ عنه ألفُ خطيئة))؛ رواه مسلم. |
رد: ماذا تعلمنا من رمضان؟
لا اله الا الله |
رد: ماذا تعلمنا من رمضان؟
لا اله الا الله |
رد: رمضان وتربية النفس
لا اله الا الله |
نفحات قرأنية رمضانية
(نفحات قرأنية رمضانية) من فضائل القرآن في رمضان أبو الفرج عبدالرحمن بن أحمد (ابن رجب الحنبلي) وَدَلَّ الحديث[1] أيضًا على استحبابِ دراسة القرآن في رمضان، والاجتماع على ذلك، وعَرْض القرآن على مَن هو أحفظ له، وفيه دليلٌ على استحبابِ الإكثار مِن تلاوة القرآن في شهر رمضان. وفي حديثِ فاطمة - رضي الله عنها - عن أبيها - صلى الله عليه وسلم - أنه أخْبَرَهَا أنَّ جبريل - عليه السلام - كان يعارضُه القرآن كل عام مَرَّة، وأنه عارَضَه في سنة وفاتِه مَرَّتين. وفي حديثِ ابن عباس: أنَّ المُدَارَسة بينه وبين جبريل - عليهما الصلاة السلام - كانتْ ليلاً، فدَلَّ على استحباب الإكثار منَ التلاوة في رمضان ليلاً، فإنَّ اللَّيل تنقطع فيه الشَّواغل وتجتمع فيه الهِمم، وَيَتَوَاطأ فيه القلب واللسان على التَّدَبُّر، كما قال - تعالى -: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلاً}[2]. وشهر رمضان له خصوصيَّة بالقرآن، كما قال - تعالى -: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ}[3]، وقد قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: إنه أُنْزِل جملةً واحدة منَ اللوح المحفوظ، إلى بيت العِزَّة في ليلة القدر، ويشهد لذلك قوله - تعالى -: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}[4]، وقوله: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ}[5]، وقد سَبَق عن عبيد بن عمير أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم -: بدئ بالوحي ونزول القرآن عليه في شهر رمضان. وفي "المسند" عن وَاثِلة بن الأسقع، عنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((نزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من شهر رمضان، وأنزلت التَّوراة لستٍّ مضينَ من رمضان، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة من رمضان، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خَلَت من رمضان)). وكان النَّبي - صلى الله عليه وسلم - يُطيل القراءة في قيام رمضان باللَّيل، أكثر من غيره. وقد صَلَّى معه حُذَيفة ليلة في رمضان، قال: فقرأ بـ"البقرة"، ثمَّ "النِّساء"، ثم "آل عمران"، لا يمرُّ بآيةِ تخويفٍ إلاَّ وقف وسَأَل، قال: فما صَلَّى الرَّكعتينِ حتى جاءَه بلال فآذنه بالصَّلاة؛ خرجه الإمام أحمد؛ وخَرَّجه النَّسائي، وعنده: أنه ما صلى إلاَّ أربع ركعات[6]. وكان عمر قد أَمَر أُبَي بن كعب، وَتَمِيمًا الدَّاري، أن يقوما بالنَّاس في شهر رمضان، فكان القارئ يقرأ بالمائتينِ في ركعة، حتى كانوا يعتمدونَ على العصي من طول القيام، وما كانوا ينصرفون إلاَّ عند الفجر[7]. وفي رواية: أنَّهم كانوا يربطونَ الحبال بين السواري، ثمَّ يَتَعَلَّقُون بها. ورُويَ أنَّ عمر جمع ثلاثة قُرَّاء، فأمر أسرعهم قراءة أن يقرأَ بالناس ثلاثين، وأوسطهم بخمس وعشرين، وأبطأهم بعشرينَ. ثم كان في زمن التابعين يَقْرَؤُون بـ"البقرة" في قيام رمضان في ثماني ركعاتٍ، فإن قرأ بها في اثنتي عشرة ركعة، رأوا أنه قد خَفَّف. قال ابن منصور: سُئِل إسحاق بن راهويه: كم يقرأ في شهر رمضان؟ فلم يرخص في دون عشر آيات، فقيلَ له: إنهم لا يرضون، فقال: لا رضوا، فلا تؤمنهم إذا لم يرضوا بعشر آيات من (البقرة)؛ يعني في كل ركعة. وكذلك كَرِه مالك أن يقرأ دون عشر آيات. وسُئِل الإمام أحمد عَمَّا رُوي عن عمر؛ كما تقدم ذكره في السَّريع القراءة، والبطيء، فقال: في هذا مَشَقَّة على الناس، ولا سِيَّما في هذه اللَّيالي القصار، وإنَّما الأمر على ما يحتمله النَّاس. وقال أحمد لِبَعْض أصحابه، وكان يُصَلِّي بهم في رمضان: هؤلاءِ قومٌ ضُعَفاء، اقرأ خمسًا، ستًّا، سبعًا، قال: فقرأت، فَخَتَمْتُ ليلة سبع وعشرين. وَقَد رَوَى الحَسَن: أنَّ الذي أَمَره عمر أن يُصَلِّي بالناس، كان يقرأ خمس آيات، ست آيات، وكلام الإمام أحمد يدل على أنَّه يُرَاعى في القراءة حال المَأْمومينَ، فلا يشقّ عليهم. وقاله أيضًا غيره منَ الفقهاء من أصحاب أبي حنيفة، وغيرهم. وقد روي عن أبي ذر: أنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قام بهم ليلة ثلاث وعشرين، إلى ثلث الليل، وليلة خمس وعشرين إلى نصف الليل، فقالوا له: لو نَفَّلْتَنَا بَقِيَّة ليلتنا، فقال: ((إنَّ الرَّجل إذا صَلَّى مع الإمام حتى ينصرفَ، كُتِبَ له بقيَّة ليلته))؛ خرجه أهل "السُّنن"، وحسنه الترمذي. وهذا يدل على أنَّ قيام ثلث الليل يكتب به قيام ليلة؛ لكن مع الإمام. وكان الإمام أحمد يأخذ بهذا الحديث، ويُصَلِّي مع الإمام حتى ينصرفَ، ولا ينصرفُ حتى ينصرفَ الإمام. وقال بعض السَّلَف: مَن قام نصف الليل، فقد قامَ اللَّيل. وفي "سُنَن أبي داود"، عن عبدالله بن عمرو عنِ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَن قام بعشر آيات لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الغافلين، ومَن قام بمائة آية كُتِبَ منَ القانتين، ومَن قام بألف آية كتب منَ المقنطرين))؛ يعني: أن يكتبَ له قنطار منَ الأجر. ويُرْوَى من حديث تميم وأنس مرفوعًا: "مَن قرأ بمائة آية في ليلة، كتب له قيام ليلة"، وفي إسنادهما ضَعف، وروي حديثُ تميم موقوفًا عليه، وهو أصح. وعن ابن مسعود قال: مَن قرأ في ليلة خمسين آية لَمْ يكتبْ مِنَ الغافلينَ، ومَن قَرَأَ مائة آية كُتِب منَ القانتينَ، ومَن قرأ ثلاثمائة آية كتب له قنطار، ومن أراد أن يزيدَ في القراءة ويطيل - وكان يُصَلِّي لنفسه - فليطول ما شاء؛ كما قاله النَّبي - صلى الله عليه وسلم - وكذلك مَن صَلَّى بِجَماعة يرضون بِصَلاته. وكان بعضُ السَّلَف يختم في قيام رمضان في كُلِّ ثلاث ليال، وبعضهم في كلِّ سبع، منهم قتادة، وبعضهم في كلِّ عشرة، منهم أبو رجاء العطاردي. وكان السَّلَف يَتْلُون القرآن في شهر رمضان في الصلاة، وغيرها، كان الأسود يقرأ القرآنَ في كلِّ لَيْلَتينِ في رمضان، وكان النَّخَعِي يفعل ذلك في العشر الأواخر منه خاصَّة، وفي بقيَّة الشهر في ثلاث. وكان قتادة يَخْتِم في كل سَبْع دائمًا، وفي رمضان في كلِّ ثلاث، وفي العَشْر الأواخر كل ليلة. وكان للشَّافعي في رمضان سِتُّون ختمة يقرؤها في غير الصلاة، وعن أبي حنيفة نحوه، وكان قتادة يَدْرس القرآن في شهر رمضان، وكان الزُّهْرِي إذا دَخَل رمضان قال: فإنَّما هو تلاوة القرآن، وإطعام الطَّعام. قال ابن عبدالحكم: كان مالك إذا دَخَل رمضان يفِرُّ مِن قراءة الحديث، ومُجَالَسة أهل العلم، وأقبل على تِلاوة القرآن منَ المُصْحف. وقال عبدالرَّزَّاق: كان سُفْيان الثَّوْري إذا دَخَل رمضان، تَرَك جميع العِبادة، وأقْبل على قراءة القرآن. وكانت عائشة - رضي الله عنها - تَقْرأ في المصحف أول النهار في شهر رمضان، فإذا طَلَعتِ الشَّمس نامَتْ. وقال سفيان: كان زُبَيْد اليَامِي[8] إذا حَضَر رمضان، أحضر المَصَاحف، وجَمَع إليه أصحابه. وإنَّما وَرَد النَّهيُ عن قِرَاءة القرآن في أقل مِن ثلاث على المُدَاوَمة على ذلك؛ فأمَّا في الأوقات المُفَضَّلة؛ كشهر رمضان، خصوصًا الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر، أو في الأماكنِ المُفَضَّلة؛ كمكة لِمَن دخلها من غير أهلها، فيُسْتَحَبُّ الإكثار فيها مِن تلاوة القرآن؛ اغتنامًا للزَّمان والمكان، وهو قولُ أحمد، وإسحاق، وغيرهما منَ الأئمَّة، وعليه؛ يدل عمل غيرهم كما سبق ذكره. واعلم أنَّ المؤمن يجتمع له في شهر رمضان جِهَادان لنفسه: جهاد بالنَّهار على الصيام، وجهاد باللَّيل على القيام، فمَن جمع بين هذين الجهادين، وَوَفَّى بحقوقهما، وصَبَرَ عليهما، وُفِّي أجره بغير حساب. قال كعب: يُنادي يوم القيامة منادٍ: إنَّ كلَّ حارث يعطى بحرثه ويزاد، غير أن أهل القرآن والصيام يعطون أجورهم بغير حساب، ويشفعان له أيضًا عند الله - عَزَّ وَجَلَّ - كما في "المسند"، عن عبدالله بن عمرو، عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الصِّيام والقُرآن، يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: ربِّ مَنَعْته الطَّعام والشراب بالنهار، ويقول القرآن: منعته النَّوم باللَّيل، فَشَفّعني فيه، فيشفعان)). فالصِّيام يشفع لِمَن منعه الطَّعام والشَّهَوات المُحَرَّمة كلها، سواء كان تحريمها يختص بالصِّيام، كشَهوة الطعام، والشَّراب، والنِّكاح، ومقدماتها، أو لا يختص به، كشهوة فضول الكلام المُحَرَّم، والسَّماع المحرم، والنَّظَر المُحَرَّم، والكَسْب المُحَرَّم، فإذا منعه الصيام مِن هذه المحرمات كلها، فإنه يشفع له عند الله يوم القيامة، ويقول: ياربِّ، منعته شهواته، فشَفِّعني فيه، فهَذا لِمَن حفظ صيامه، ومنعه من شهواته، فأمَّا مَن ضَيَّع صيامَه، ولم يمنعه عمَّا حَرَّمَهُ الله عليه، فإنه جديرٌ أن يضرب به وجه صاحبه، ويقول له: ضَيَّعَكَ الله كما ضَيَّعْتَنِي، كما وَرَد مثل ذلك في الصَّلاة. قال بعض السَّلَف: إذا احتضر المؤمن يُقال لِلْملك: شم رأسه، قال: أجد في رأسه القرآن، فيقال: شم قلبه، فيقول: أجد في قلبه الصيام، فيقال: شم قدميه، فيقول: أجد في قدميه القيام، فيقال: حفظ نفسه، حفظه الله - عز وجل. وكذلك القرآن إنَّما يشفع لِمَن منعه منَ النَّوم بالليل، فإن مَن قَرَأ القرآن وقام به، فقد قام بحقِّه؛ فيشفع له. وقد ذكر النَّبي - صلى الله عليه وسلم - رجلاً فقال: ((ذاك لا يتوسد القرآن))؛ يعني لا ينام عنه، فيصير له كالوسادة. وخرج الإمام أحمد، من حديث بُرَيْدة مرفوعًا: "إنَّ القرآن يلقى صاحبه يوم القيامة، حتى ينشق عنه قبره، كالرجل الشاحب، فيقول: هل تعرفني؟ أنا صاحبكَ الذي أظمأتُكَ في الهَوَاجِر، وأسهرتُ ليلكَ، وكل تاجِرٍ من رواء تجارته، فيُعْطَى المُلْك بِيَمِينه، والخلد بشماله، ويوضع على رأسه تاج الوَقار، ثم يقال له: اقْرأ، واصعد، في درج الجنة وغرفها، فهو في صعود ما دام يقرأ هَذًّا كان، أو ترتيلاً". وفي حديث عُبادة بن الصامت، الطويل: أنَّ القرآن يأتي صاحبه في القبر، فيقول له: أنا الذي كنت أسهر ليلكَ، وأظمئ نهارك، وأمنعك شهوتك، وسمعك وبصرك، فستجدني منَ الأَخِلاَّء خليل صدق، ثم يصعد فيسأل الله له فِرَاشًا ودثارًا، فيُؤْمَر له بفراشٍ منَ الجَنَّة، وقنديل منَ الجنَّة، وياسمين منَ الجنَّة، ثم يدفع القرآن في قبلة القبر، فيوسع عليه ما شاء الله مِن ذلك". قال ابن مسعود: ينبغِي لقارئ القرآن أن يُعْرَف بِلَيْلِه إذا الناس ينامون، ونهاره إذا الناس يفطرون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبِوَرَعه إذا الناس يخلطون، وبِصَمْته إذا الناس يخوضون، وبِخُشوعه إذا الناس يَخْتالون، وبِحُزنه إذا الناس يفرحون. قال محمد بن كعب[9]: كنا نعرف قارئ القرآن بِصُفرة لونه، يشير إلى سَهَره، وطول تَهَجُّده. قال وهيب بن الورد[10]: قيل لرجل: ألا تنام؟ قال: إنَّ عجائب القرآن أطرن نَوْمي، وصحب رجل رجلاً شهرين، فلم يره نائمًا، فقال: مالي لا أراك نائمًا؟ قال: إنَّ عجائب القرآن أطرن نومي، ما أخرج من أعجوبة إلاَّ وقَعْتُ في أخرى. قال أحمد ابن أبي الحواري[11]: إنِّي لأقرأ القرآن، وأنظر في آية فيحير عقلي بها، وأعجب من حُفَّاظ القرآن، كيف يهنيهم النوم، ويسعهم أن يشتغلوا بشيء منَ الدنيا، وهم يتلون كلام الله، أما إنهم لو فهموا ما يتلون، وعرفوا حقه، وتَلَذَّذوا به، واستحلوا المناجاة به، لذهب عنهم النوم فرحًا بما قد رزقوا[12]. أنشد ذو النون المصري: مَنَعَ القُرَانُ بِوَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ مُقْلَ العُيُونِ بِلَيْلِهَا لاَ تَهْجَعُ فَهِمُوا عَنِ المَلِكِ العَظِيمِ كَلاَمَهُ فَهْمًا تَذِلُّ لَهُ الرِّقَابُ وَتَخْضَعُ فأمَّا مَن كان معه منَ القرآن فنامَ بالليل، ولم يعملْ به بالنهار، فإنَّه ينتصب القرآن خصمًا له، يطالبه بحقوقه التي ضَيَّعَها. وخرج الإمام أحمد من حديث سمرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى في منامِه رجلاً مستلقيًا على قفاه، ورجل قائمٌ بيده فهر[13] أو صخرة، فيشدخ به رأسه، فيتدهده[14] الحجر، فإذا ذهبَ ليأخذه عاد رأسه كما كان، فيصنع به مثل ذلك، فسأل عنه، فقيل له: هذا رجل آتاه الله القرآن، فنامَ عنه بالليل، ولم يعمل به بالنهار، فهو يفعل به ذلك إلى يوم القيامة؛ وقد خرجه البخاري بغير هذا اللفظ. وفي حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يمثل القرآن يوم القيامة رجلاً، فيؤتى بالرجل قد حمله، فخالف أمره، فيمثل له خصمًا، فيقول: يا ربِّ حملته إياي، فبئس حامل تعدى حدودي، وضيع فرائضي، وركب معصيتي، وترك طاعتي، فلا يزال يقذف عليه بالحجج حتى يقال: شأنك به، فيأخذ بيده فما يرسله حتى يكبه على منخره في النار، ويؤتى بالرجل الصالح كان قد حمله، وحفظ أمره، فيمثل خصمًا دونه، فيقول: يا رب حملته إياي، فخير حامل، حفظ حدودي، وعمل بفرائضي، واجتنب مَعصيتي، واتبع طاعتي، فلا يزال يقذف له بالحجج حتى يقال: شأنك به، فيأخذ بيده فما يرسله حتى يلبسه حلة الإستبرق، ويعقد عليه تاج الملك، ويسقيه كأس الخمر)). يا مَن ضَيَّع عمره في غير الطاعة، يا مَن فَرَّط في شهره؛ بل في دهره وأضاعه، يا مَن بضاعته التسويف والتفريط، وبئست البضاعة، يا مَن جعل خصمه القرآن وشهر رمضان، كيف ترجو ممن جعلته خصمك الشفاعة. وَيْلٌ لِمَنْ شُفَعَاؤُهُ خُصَمَاؤُهُ وَالصُّورُ فِي يَوْمِ القِيَامَةِ يُنْفَخُ رُبّ صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، وقائم حَظّه من قيامه السَّهر، كل قيام لا يَنْه عن الفَحْشاء والمنكر لا يزيد صاحبه إلاَّ بُعْدًا، وكل صيام لا يُصان عن قول الزُّور والعمل به، لا يورث صاحبه إلاَّ مَقْتًا وردى، يا قوم أين آثار الصيام، أين أنوار القيام. إِنْ كُنْتَ تَنُوحُ يَا حَمامَ البَانِ لِلْبَيْنِ أَيْنَ شَوَاهِدُ الأَحْزَانِ أَجْفَانُكَ لِلدُّمُوعِ أَمْ أَجْفَانِي لاَ تُقْبَلُ دَعْوى بِلا بُرْهَانِ هذا - عبادَ الله - شهر رمضان، الذي أُنْزل فيه القرآن، وفيه بقيته للعبادين مستمتع، وهذا كتاب الله يُتْلى فيه بين أظهركم ويسمع، وهو القرآن الذي لو أنزل على جبل لرأيته خاشعًا يَتَصَدَّع، ومع هذا فلا قَلْب يخشع، ولا عين تدمع، ولا صيام يُصان عنِ الحرام فينفع، ولا قيام استقام فيرجى لصاحبه أن يشفع، قلوب خَلَت منَ التقوى فهيَ خراب بلقع[15]، وتراكمتْ عليها ظلمة الذنوب، فهي لا تبصر ولا تسمع. كم تتلى علينا آيات القرآن، وقلوبنا كالحجارة أو أشد قسوة، وكم يتوالى علينا شهر رمضان، وحالنا فيه كحال أهل الشقوة، ولا الشاب منا ينتهي عنِ الصبوة، ولا الشيخ منَّا يَنْزَجر عن القبيح فيلتحق بالصفوة، أين نحن من قوم، إذا سمعوا داعي الله أجابوا الدعوة، وإذا تليت عليهم آيات الله وجلت قلوبهم، وجلتها جلوة؛ وإذا صاموا صامت منهم الألسنة والأسماع والأبصار، أفما لنا فيهم أسوة؟ كم بيننا وبين أهل الصفا؟ بيننا أبعد مما بيننا، وبين الصفا والمروة[16]، كلما حسنت منَّا الأقوال، ساءت منا الأعمال، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وحسبنا الله. يَا نَفْسُ فَازَ الصَّالِحُونَ بِالتُّقَى وَأَبْصَرُوا الحَقَّ وَقَلْبِي قَدْ عَمِ يَا حُسْنَهُمْ وَاللَّيْلُ قَدْ جَنَّهُمُ وَنُورُهُمْ يَفُوقُ نُورَ الأَنْجُمِ تَرَنَّمُوا بِالذِّكْرِ فِي لَيْلِهِمُ فَعَيْشُهُمْ قَدْ طَابَ بِالتَّرَنُّمِ قُلُوبُهُمْ بِالذِّكْرِ قَدْ تَفَرَّغَتْ دُمُوعُهُمْ كَلُؤْلُوءٍ مُنْتَظِمِ أَسْحَارُهُمْ بِهِمْ لَهُمْ قَدْ أَشْرَقَتْ وَخلعُ الغُفْرَانِ خَيْر القَسَمِ وَيْحَكِ يَا نَفْسُ أَلاَ تَيَقّظ يَنْفَعُ قَبْلَ أَنْ تَزِلَّ قَدَمِي مَضَى الزَّمانُ فِي تَوَانٍ وَهَوًى فَاسْتَدْرِكِي مَا قَدْ بَقِي وَاغْتَنِمِي [1] يقصد حيث الصَّحيحينِ عن ابن عباس - رضيَ الله عنهما - قال: "كان النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أجود ما يكون في رمضان، حين يَلْقاه جبريل، فيُدَارسه القرآن - فَلَرَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - حين يلقاه جبريل أجود منَ الرِّيح المرسلة". [2] سورة المزمل الآية 6. [3] سورة القدر الآية 1. [4] سورة البقرة الآية 185. [5] سورة الدخان الآية 3. [6] يُلاحَظُ أنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قَدَّمَ "النِّساء" على "آل عمران"، وهذا أحق بالاتِّباع منَ الذين أَوْجَبُوا متابعة القراءة في الصلاة، حسب تَرْتيب المُصْحَف. [7] إذا كان الإمام في التَّراويح بعهد عمر، يقرأ في الرَّكعة مائتي آية، ويطيل القِيَام والركوع والسجود، فكَيف تكون التَّراويح أكثر من ثماني ركعات؟! وانظر رسالة "صلاة التَّراويح"، طبع المكتب الإسلامي. [8] هو أبو عبدالرحمن، زبيد بن الحارث بن عمرو بن كعب اليامي الكُوفي، ثقة ثَبْت عابِد، روى له الجماعة، توفِّي سنة 122 هـ. [9] هو أبو حمزة القرظي التابعي المدني، من أهل العِلْم والرِّواية، قالوا عنه: ما كان أحدٌ أعلم بتأويل القرآن منه، وكان يقص في المسجد، فوقع عليهم السّقف، ومات سنة 118. [10] هو عبدالوهاب بن الورد المخزومي بالولاء، أبو أمية، تابعي، متعبد، معروف بالحكمة والأدب، كان الإمام سفيان الثوري يسميه: الطيب، عاش وتوفي في مكة سنة 153هـ، وصغر اسمه وعرف بـ"مهيب". [11] هو أحمد بن عبدالله بن ميمون بن أبي الحواري، التغلبي، منَ الزُّهاد، وكان ثقة في الحديث، مات سنة 146هـ. [12] ولو شهد ما نعهده من أكثر القُرَّاء الآن، مِن اهتمام بالإلحان، وجعل القرآن مزامير وغناء، وأخذ الأجور على التلاوة، وارتكاب المخالفات!! فماذا يقول؟! [13] الفهر: الحجر الذي يملئ الكف، ويكون رقيقًا. [14] أي: يتدحرج. [15] البلقع: المكان المقفر الخالي من كل خير. [16] الصفا والمروة في مكة، وهو يقول هذا في دمشق للدلالة على بعد المسافة. |
رد: نفحات قرأنية رمضانية
(نفحات قرأنية رمضانية) [1] راجع الصفحتين الأوليين من مقال عدد رمضان. نفحات قرآنية (26) بخاري أحمد عبده ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ï´¾ [البقرة: 183 - 185]. مسَسْنا في مقالنا السَّابق بعض قضايا الصوم مسًّا مباشرًا، أردنا به أن نَفِي بحقِّ المناسبة، وأن نقوِّي الطارق الكريمَ الغريب "رمضان" الذي أطلَّ مأخوذًا ينكر البلاد، ويستغرب العباد، ويستعجل لحظة الرَّحيل، ولبث فينا مرتاعًا، وانطوى حسيرًا يُحَوقل، ويسترجع، ويأسى للأُمَّة الممتهنة، والعزة الْمُهراقة، والتاريخ الكاسف الحزين. وعَلِمنا - هناك - أنَّ آياتنا نَبْضة من نبضات سورة البقرة التي تزيد الإيمان، وتعلي الأركان وتجلو، وتَنْزح، وتغذو، وتصنع للمسلمين. وعجبنا لغفلة المسلمين، وضيعة العرب، رغم صفحات الاتِّهام الدافع التي يَنْشرها القرآن، يكشف بها أحزابَ الشيطان، ويجلو قسماتِهم، ويفضح حركاتِهم وسَكناتِهم. ورأينا كيف يتدرَّج المولى بالمسلمين، وكيف يُمهِّد لهم، ويهيِّئهم لنفحات رمضان، ولأعبائه الجسيمة[1]. مدارج التحرير: تحسُّ وأنت ترتع في رياض الآيات التي تكتنف آيات الصِّيام بأرواح الحرِّية تنبعث فوَّاحة منشِّطة، وتشعر بعمليات (فكِّ الارتباط) التي تقوم بها الآيات الكريمة، وتكاد تسمع وقْعَ معاول الحقِّ تحطم الأطواق التي غلَّ بها أهلُ الكتاب أعناقَ العرب، وتكاد تشَمُّ أرياح العفَن الوبيء، والقرآن يَنْزَح مُخلَّفات اليهود، ورواسبَ الزَّيف، ويُبْطِل[2] آثارَ غزوهم للأفكار في عبقريَّةٍ منقطعة النَّظير. وشَرُّ ألوان الرِّق أن تَسْبِيَك[3] شهواتُك، وأن تكبِّلك أهواؤُك، أن تَنْسج بيديك القيودَ، وتسلِّم بنفسك زمامك للنَّزعات الدُّنيا وللشَّيطان، فتمسي - منها - وَفْق المشهد الذي تَعْرضه آيات سورة (يس): ï´؟ لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ * وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ï´¾ [يس: 7 - 9]. واستمراء الغواية، وإشباع كلِّ رغبات النَّفْس يوهن الإرادة، ويسلم لنِير الشَّيطان[4]، والإسلام الذي يعمل على تَحريرك يرفض أن تبيت عبْدَ الأهواء؛ ï´؟ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا * أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ï´¾ [الفرقان: 43 - 44]. وتقديرًا لأوزار هذا النوع منَ العُبُوديَّة أشادت الآثار بِجهاد النَّفس، وشكمها عن نزعاتِها، وارتفعَتْ بِمنْزِلة هذا الجهاد (جهاد النَّفس) حتَّى عدَّتْه الجهاد الأكبر. والصوم بكافَّة أدبيَّاته يحطم أغلال الهوى، ويحرِّر من أصفاد الشيطان وسلاسله، تلك السلاسل التي تُرَدُّ إلى نَحْر الشيطان - في رمضان - ليبيت ويصبح مغلولاً مدحورًا. والصَّائم إذا استخلص نفسه من أوضارها، وحرَّرها من نزعاتِها، فقد تبوَّأ قمَّة يستطيع من عليائها أن يرى فيُحْكِم الرُّؤية، وأن يسدِّد فيصيب السَّداد. الصوم إذًا - بعد كونه عبادةً خالصة - مَظْهرُ تحرُّر، ووسيلةٌ إلى مزيدٍ من تحرُّر. وإبرازًا لمعاني الحرية التي تزخر بِها شعيرة الصوم جاءت الآيات التي تكتنف آيات الصيام دواعِيَ تحرُّر، ومدارج نحو القمَّة الشمَّاء التي يتربَّع عليها الصائم. في موكب الحرية: والحديث عن التَّحرير في معرض الحديث عن الإسلامِ والصِّيام ليس بِدْعًا، ولا تكلُّفًا، ولا افتعالاً؛ فالعلاقة بين الإسلام والتحرير علاقةٌ وثيقة وبيِّنة، الإسلام أن تُسْلِم وجْهَك لله، وتَنْبذ كل القُوَى الأرضية التي تتنازعك وتحتويك، وتتسلَّط عليك. والإسلام إذْ يأمرك بأن تبرِّئ وجهتك، وتطهِّر بالتوحيد عقيدتَك، إنَّما يَمْنعك من أن تتعدَّد جهاتُ ذلك، وتُطْحَن بين شركاءَ متشاكسين؛ ï´؟ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ï´¾ [الزمر: 29]. وهو إذْ يحدِّد لك قبلتك، وإذْ يَحدو نزعاتك وقلبَك، حتَّى لا يتشعَّب ويغدو بكلِّ وادٍ شعبة إنَّما يريد أن يَجْمع شتاتك، ويحرِّرك من أن تَخْلد إلى الأرض، أو تحتبس رهْنَ عنصر الطِّين الذي يَؤُودك، ويَغُلُّك. وهو إذْ يفرض عليك، ويستنفِرُك كي تستَبِق الخيرات، يوثِّق صلاتك بالله، ويُحْكِم رباطَك؛ حتَّى لا تكون قلقًا تلين لكلِّ لامس، وتدور مع كلِّ رياح. والقرآن يحدد لنا رسالة محمد -صلى الله عليه وسلم- فيَذْكر خلالاً تحمل معاني التحرير - ضمنًا - ويعود فينصُّ على التحرير - صراحةً - مِمَّا يدلُّ على علُوِّ كعب قضية التَّحرير في الإسلام. ذلك ما تجده حين تتمعَّن في مغزى قولِه سبحانه: ï´؟ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ... ï´¾ [الأعراف: 157]. فما أُمِرنا به، وما نُهِينا عنه، وما أُحِلَّ من طيبات، وما حرِّم من خبائث تتضافر فتَصْنع إنسانًا لا يستهويه نداءُ الحيوان الكامن في الأعماق، ولا يطويه الزَّبَد الذي يتطاير كثيفًا من مستنقع الغريزة، ولا يعميه الدُّخان الذي يتصاعد خانقًا من التقاليد الموروثة والعادات. ووَضْع الآصارِ والأغلال تصريحٌ بالأمر مِن بَعد تلميح، ونَصٌّ على قضية التحرير من بعد تضمين؛ ï´؟ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ï´¾ [الأعراف: 157]، عبوديَّة النَّزعة المادية يحطمها الإيمان بالغيب. النَّزعة المادية غلٌّ يضمُّ الأعناق إلى الأذقان، ويُقْمِح[5] المرء، فيَغْدو كتمثال شُدَّ شدًّا إلى جهة واحدة. وتَغلغل النَّزعة المادية هو الذي يجعل الإنسان لا يؤمن إلاَّ بالمحسوس الملموس، وتحت وطأة هذه النَّزعة ضعف الإدراك، ووهَى حسُّ اليقين عند كثيرين، فاستعظموا أن يَعْبدوا غير مرئيٍّ مُدْرَكٍ بالأبصار، فأضفَوْا عظمة المعبود على موادَّ يصنعونَها، أو صُوَرٍ ينحتونها، أو مخلوقاتٍ يعظِّمونها، ثم عكفوا على ما صنعوا، واختلقوا، وقدَّسوا. والنَّزعة المادية هي التي طمسَتْ نور الفطرة، وأفسدتْ على الإنسان رؤيته، ونوَّعت له الشُّركاء، وعدَّدت الآلهة ï´؟ وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ï´¾ [الأعراف: 198]، وهكذا أمسى الإنسانُ عبْدَ هذه النَّزعة في دينه ودُنياه. وحَدًّا من طغيان هذه النَّزعة، واستنقاذًا من عبودية المَحسوس؛ حتَّم الإسلامُ الإيمانَ بالغيب، وأشاد القرآنُ بالمؤمنين بالغيب في آياتٍ جَمَّة، أُولاها آية البقرة التي جعلت الإيمان بالغيب أُولَى سِمات المتَّقين؛ ï´؟ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ï´¾ [البقرة: 2 - 5]. فالإيمان بالغيب دليلُ التحرُّر من أصفاد المادانية، وهو قمَّة الإيمان، ومظهر الثِّقة المُثْلى بكلِّ ما يَصْدر من الرَّسول -صلى الله عليه وسلم- بل هو الإيمان كلُّه؛ لأنَّ خبَر السَّماء غيب كلُّه، يعالِج أمورًا تنطوي في دائرة المَحجوبات، أو المعقولات، أو المَحسوسات. والإيمان بالغيب يتجلَّى أوضح ما يكون الجلاء في الأُمِّيين الأوَّلين؛ فالغيب بالنِّسبة لَهم غيب مُطْبق، وبالنسبة لغيرهم - من اللاَّحقين - غيبٌ استأنس بالأضواء التي عكسَتْها معارف السَّماءِ والأرض، والقلب الذي يَمتلك خاصِّية الإيمان بالغيب قلبٌ مؤهَّل، يطيق أن يقام فوقه صرحُ الإيمان بكلِّ طوابقه وشُعَبِه. وخاصيَّة الإيمان بالغيب تختلف في قوَّتِها من قلب إلى قلب؛ فمن القلوب قلوبٌ تعجز عن الغَوْر والاستيعاب، وقلوب تستوعب، وتنفذ إلى عمقٍ محدود، ثم تَلْهث، وقلوب تذهب إلى نهاية الشَّوط. وكلَّما كان الغيبِيُّ أبعدَ عن التصوُّر، وأدخلَ في عالَمِ ما وراء الطَّبيعة، كان المؤمنُ به أجلى وجدانًا، وأعمق إيمانًا؛ شريطةَ أن يعتمد ذلك الغيبِيُّ على أثَرٍ معتمَدٍ صحيح. ومِمَّن امتلك خاصِّية الإيمان بالغيب في أعلى مستوياتِها الصِّديق - رضي الله عنه - ومِن رحاب هذه الخاصِّية استمدَّ موقِفَه من قصَّة الإسراء والمعراج، ومن كلِّ أخبار السماء. ولِمقام الإيمان بالغيب، ولشدَّة تأثيره في شُعَب الإيمان الأخرى، أشادَ رسولُ الله بالآخِرين الذين يؤمنون به ولَم يرَوْه، وعجَّب (بتشديد الجيم المفتوحة) من إيمانِ قومٍ يكونون من بَعْد، يجدون صحفًا فيها كتاب، فيؤمنون بِما فيها. إن تحرير الوجدان بتحتيم الإيمان بالغَيْب، وتحرير الجَنان بعقيدة التوحيد التي تَعْصمك من أن تذلَّ فتتَّخذ من دون الله الأرباب: ï´؟ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ï´¾ [التوبة: 31]. إنَّهما دعامتا كلِّ الحريات التي يتيحها لك الإسلامُ الحنيف لتنطلق على أجنحتها نحو قمَّتِك الشمَّاء. والإخلال بعقيدة التوحيد يورث التخبُّط، والشَّلل، والزَّلَل إلى قاعٍ سحيق؛ ï´؟ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ï´¾ [الحج: 31]. واهتزاز الإيمان بالغيب يَنْسف الدِّين كلَّه، ويحيل العبد أرضانيًّا[6]، يغوص في الظَّلام، ويعيش في الحُفَر مع الديدان. وظنِّي أن هاتين الحرِّيتين اللَّتين تلتئم بِهما سائر الحريات المشروعة هما النُّور الذي منَّ الله علينا به، وأمرنا أن نكون - باستمرارٍ - الأُمَّةَ التي تشيع هذا النُّور وتنشره، والقوَّةَ الضاربة التي تذود عنه، وتَمْنعه؛ ï´؟ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ï´¾ [التوبة: 32]. والمسلمون منذ فرَّطوا في أمر التوحيد فأشركوا، وأذعنوا لغير الله، وقرَّبوا، ورجَوا، خافوا... إلخ. ومنذ اهتزَّ موقفهم من الغيب، فعكفوا على المادَّة، وكفروا بغير المَعْمل، والمخبَر، والتَّجربة... إلخ، أضحوا مهيضي الجناح، مَشْلولين، مَخنوقين، ويرقِّعون دُنيا غيرهم بدِينهم. ولَست - بِهذه الإشارة - أقلِّل من شأن التَّجربة، والمعمل، كيف والإسلام هو الدِّين الوحيد الذي طوَّف بك في الآفاق، وحلَّق بك في الأجواء، ونفذ بك إلى الأغوار، وجال بك بَيْن ظواهر الكون، وأغراك بالتَّحليل، ولفت نظرك إلى الشَّيء وأبعاضِه التي لا تتناهى، وأوحى إليك - بِهذا - أن تتَّخذ المعمل، والمجهر، والمرصد... إلخ؟ إنَّما أردت ألاَّ يصرفنا ذلك عن الله وملكوته، وعن النَّفس وأوضارها، وعن الغَيْب وأسراره، وعن الدِّين وقِيَمه، وعن الآخرة ومشاهدها، وأردتُ ألاَّ ننحو منحى المسلم اللَّوْذَعي الذي أُشْرِب مَقْت الإسلام والمسلمين، فهو يَنِبُّ وراء دينه نبيبَ التُّيوس[7]، وقلَمُه لا يسيل ولا يصول إلاَّ إذا صُوِّب إلى صدر الإسلام والمسلمين، ولكَمْ كتبَ يتندَّر بالإسلام، ويزعم أنَّ حضارته حضارة الكلمة - وإنَّها حضارة مطحونة تَذْروها الرِّياح؛ رياح الآلة والتقدُّم العلمي - وأنَّ المناداة بالإسلام معناها الارتداد، والقهقَرى، ومواجهة عصر الآلة بمحصول لفظي، ونادى بضرورة التخلُّص من حضارة الكلمة[8]. ومِثْل هذا الكاتب هو المُقْمَح المغلول بأغلالٍ تَضمُّ إلى عنُقِه ذقنَه وعضدَيْه، وقلبه، ومتنه كلَّه. والإسلام إنَّما جاء ليحرِّر أمثال هذا من آصار الجاهلية الأولى، وهو حريٌّ أن يحرِّر عبيد الماسونيَّة، وضحايا المستشرقين، وصنائعَ الإلحاد والصليبيَّة التي تَجِدُّ كي تفكَّ الارتباط بين المسلم ودينه، وقرآنه[9]، متوسِّلة إلى ذلك بصدور مَحمومة، وأقلام مسمومة تشحن فتبث، وتنفث، وتعكس أصوات سادتِها. وهؤلاء أسرى مكبَّلون، منوَّمون مغناطيسيًّا، وظنِّي أنَّ حالةَ كثيرٍ منهم أضحت متأخِّرة لا تنفعها أشفية، ولا ينقذها طبٌّ، فأشفية الإسلام لا تطبُّ الصُّدور التي تأكَّلَت وبليت، وأصحابها سواءٌ عليهم أأنذرتَهم أم لَم تنذرهم، ï´؟ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ï´¾ [البقرة: 7]. والخطورة في أنَّ مَوالي هؤلاء المكبَّلين جلَوْهم، وموَّهوا ظواهرهم، وأضفَوْا عليهم من بريقِ الشَّيطان ثم بوَّؤوهم مواقعَ تأثير؛ ليقذفوا من فوقها بغازاتِهم السامَّة، ويَخدعوا، وما يخدعون إلاَّ أنفسهم وما يشعرون. ومن أساليب المَوالي أن يثيروا كلابَهم في وقت واحد؛ وذلك: 1- حتَّى يَضيع في صخب النباحِ صوتُ الحق. 2- وحتَّى تَنْطلق قذائفُهم من عدَّة جبهات؛ فيصعب التصدِّي، وتَعِزُّ المواجهة. 3- لما في التَّكرار، وتعدُّد المصادر، ومواصلة القول من أثَرٍ نفْسي يورث الاقتناع. 4- ورُبَّما ليشغلوا السَّاحة الإسلاميَّة عن التربية، والبِناء، ويصرفوا الدُّعاة عن الجادَّة المُثْلى إلى الجدل والمهاترة، والمواجهة التي تستنفد الطاقات، ï´؟ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ï´¾ [آل عمران: 118]. [2] يَنْزح. [3] تأسرك. [4] النِّير: القَيْد. [5] أقمحَ الغُلُّ الأسيرَ: ضيَّق الخناق على رأسه بحيث لا تتحرَّك، ولا تنظر إلا في اتِّجاه واحد، قال تعالى: ï´؟ إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ ï´¾ [يس: 8]. [6] نسبة إلى أرض تفيد المبالغة. [7] النَّبيب صوت التَّيس حين يُراود ويصيح، والتَّيس يصيح أوَّل ما يصيح خلفَ أمِّه. [8] نشرت جريدة الأهرام - إثر معاهدة "كامب دافيد" - عدَّة مقالات بعنوان "مصر ومعركة التحدِّي الحضاري مع إسرائيل"، وأذكر منها ما جاء في أعداد 24/6، 27/6، 1/7/1979، واستغلالاً للمناخ الذي ساد البلادَ وقتئذٍ، هبَّ كاتبُنا يقرِّب القرابين، راجيًا من مَواليه القبول. [9] في مجلة "الأمَّة" القطَريَّة (عدد رجب 1404- أبريل 1984) حديث عن: "لغة القرآن بين مكر الأعداء وحرص الأبناء"، قدَّم له بما يأتي: مضى أربعة عشر قرنًا من الزمان، وأعداء الله لم يهدأ لهم بالٌ، ولن يهدأ، وكتاب الله موجود يؤرِّق نومهم، فالقضاء عليه هو الهدف والأمنية، هذا ما دفع "جلادستون" رئيس وزراء بريطانيا إلى أن يقول أمام مجلس العموم: "ما دام القرآن موجودًا فلن نستطيع السيطرة على الشرق، ولا أن نكون في أمان"، أمَّا المبشر "تاكلي" فيقول: "يجب أن نَستخدم القرآن - وهو أمضى سلاحٍ في الإسلام - ضدَّ الإسلام نفسه، حتَّى نقضي عليه تمامًا، يجب أن نبيِّن للمسلمين أن الصحيح في القرآن ليس جديدًا، وأن الجديد فيه ليس صحيحًا"؛ هكذا يريدون استئصالَ شجرة الإسلام، ولكن بأيدي مسلمين! |
رد: نفحات قرأنية رمضانية
|
رد: نفحات قرأنية رمضانية
(نفحات قرأنية رمضانية) نفحات قرآنية (27) بخاري أحمد عبده ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 183 - 185]. إسار العقلانية، ونير العلمانية[1]: استَسْلمنا لأرواح الحُرِّية التي تَسْترسل رخاءً حول آيات الصِّيام، تُفَتِّت وتَذْرو أثقال الهوى، والطِّين، والمادانية العمياء. والهوى، والطين، والمادانية تتلاحم بِخَصائصها العنصريَّة، وتتوافَق بعلائقها الشيطانيَّة، وتتفاعل، ثم تُسبك أطواقًا، وتُصاغ سلاسل، وتَرتفع سجونًا تزهق فيها أنفاس الحرِّية الربَّانية التي تتيح للعبد أن يرشد، ويلطِّف، ويعلو ليحوز صلاحيَّات الخلافة في الأرض. ورأينا في غيابة تلك السُّجون قطعانًا في غَفْلتها تَعْمَهُ[2] وتَمرح، وسمعنا نبيبَ التيوس يُصَلصِل معلِنًا عن حيوانيَّة دنيا، لا تَرُودُها[3] قِيَمٌ، ولا يَكْبَحها إيمان. والأيادي التي تُمْسِك بزمام تلك التُّيوس، وتلعب بِها مثيرةً وموجِّهة، تَحرص على أن تحشو أديم[4] التيوس بِمُغالطات، وخدع تربِّيها[5]، وتذكِّيها عقدة النَّقص التي تستحكم في أعماق كثيرين منَّا متولِّدةً من الانتكاسة التي أصابت العرب والمسلمين منذ هجروا الدِّين، وجهلوا الدنيا، فخسروا الدَّارين. ومن الحِيَل التي تَلعب بها القُوَى المضادَّة للإسلام: المبالَغة في تقدير العقل، حتَّى يُمسي ربًّا يُعبَد من دون الله، والبغي في تقديس العلم حتَّى يُخال إِلَهًا يُرجى من دون الله. والعقل نورٌ روحانِيٌّ، وهو - بِحُكم كونه نورًا - يكشف لك العلومَ الضروريَّة والنَّظرية، وبِحُكم كونه روحانيًّا يأنس بالغيبيات التي جاءت في القرآن أو السُّنة الصحيحة، يَعْبر هذه الحياة المحدودة إلى حياةٍ أخرى لا تُحَدُّ. وتجريد العقل من خاصيَّتَيْه، وجَعْلُه إليكترونيًّا بحتًا يحيله إلى قَيد يعقل[6] ويُحبَس في محيطٍ مَحدود، ويجرِّده من أجنحته التي يَضرب بها في الآفاق، وقوى العقل مستمَدَّة من كلِّ الطاقات التي ميَّز الله بها الإنسانَ من حواسِّه، ومداركِه، ومشاعره، ومُخِّه، وقلبه وروحه، فإذا عدَدْنا العقل جهازًا قائمًا بنفسه مستقِلاًّ، فقد أوغلنا في الشَّطَط. والإنسان بكلِّ قُوَاه محدودُ الزَّمان والمكان، والعقل جانبٌ من جوانب هذا المحدود، أمَّا ملَكُوت الله بشهادتِه وغَيْبه، ودنياه وآخرته، فغير محدود، والله الذي لا يكلِّف نفسًا إلاَّ وسعها لَم يكلِّف العقل أن يتجاوز حجمه، ولكنَّه أطلق له العنان - كي ينشط - في عالَم الشَّهادة، وكفاه سبحانه عالَم الغيب، وتكرَّم فعرض أمامه من قضايا الغيب ومَشاهدِ القيامة، ومن تاريخ ما قَبْل التَّاريخ ما عرَض. وواجِبُ العقل أن يَنظر، ويَسْبر، ويستقرئ، ويَفرض الفروض، ويُحقِّق النَّظريات في مَجالاته الدُّنيوية، أمَّا واجبه حيالَ الغيبات التي صحَّت فهو أن يَخشع ويؤمن، ولا بأس من أن يتبصَّر ويُحاول أن يجد علَّة، أو يستنبط حِكمة، أمَّا أن يَزِنَ بِقُواه الثَّابت الصحيح، فيَقبل إن وافق الهوى، ويردّ إن لَم يوافِق، فهذا هو الجموح المُرْدي، وهو العقلانيَّة المرفوضة. والعلم وليد القُوَى العقليَّة، فهو - كأصله - مَحْدود، وصدق الله: ﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 85]، ومَحصولنا العلميُّ أهون من أن نقدِّر به كلَّ حقائق الدِّين، والمولى - جلَّ وعلا - يصنع للإنسان، ويَجبر قصورَه العلميَّ، فيعلِّمه من شؤون دينه، وشؤون حياته الأخرى ما به قوام أمرِه، وصلاحُ حياته. وانتفاخُ الإنسان بِهذا العلم الضَّئيل الذي يُتاح له ظاهرة مرَضيَّة تنذر بالدَّمار ﴿ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ﴾ [يونس: 24]. وكمال الإنسان وجمالُه في أن يبحث ويتعلَّم عِلم الدُّنيا والآخرة، وأهليَّة الإنسان للخِلافة تعظم أو تقصر بِمِقدار ما حقَّق من علم مُورَث للتَّقوى ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28]، أمَّا العلم الذي ينفخ الأوداجَ، ويُطغي ويُنسي، فهو عِلم قارونِيٌّ قد يُضْفي بريقًا محدودًا، وقد يكفل مكانةً مؤقَّتة، ومتاعًا قليلاً؛ ﴿ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ ﴾ [النساء: 77]. والحديث عن رقِّ العقلانيَّة، ورقِّ العلمانية حديث يطول، والذي يهمُّني أن أشير إلى قوم يتشدَّقون بالعقل، والعلم، ويُحكِّمونهما في مثل قصَّة الإسراء والمعراج؛ يُنكرون، ويَرُدُّون، ويتندَّرون بالإسلام، وبالمسلمين الذين يردِّدون كالبَبْغاوات أساطيرَ ينبذها القرنُ العشرون، ويَرْكلها العقل، وينسفُها العلم المعبود! ولقد قلنا: إنَّ هؤلاء موجَّهون مدفوعون بقوة نَفْخ الأعداء، وبتفاعل السُّموم التي حشيت بِها بواطنهم؛ ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ * لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [النحل: 107 - 109]. إنَّ هؤلاء يهرُّون كالكلاب المسعورة خلف الإسلام وقِيَمه، ويفقدون الصَّواب كلَّما رأوا مبادئَ الإسلام تستأثر باهتمامات الشَّباب، ويفزعون كلَّما لمَحوا في وجوه ساداتِهم ما ينمُّ عن التبَرُّم من اتِّساع المدِّ الإسلامي، وهؤلاء إذْ يَنطلقون في كل اتِّجاه، ويَعْوون، يضمُّ أعناقَهم حبلٌ طويل، طرَفُه الآخَر في قبضة القوى المضادَّة للإسلام، فهم ليسوا أحرارًا، وإن زعموا أنَّهم ينطلقون من قاعدة الفكر الحُر، كيف وهم مُعبَّؤون بشحنات مستورَدة؟! وليتَ هؤلاء المتشدِّقين بالقرن العشرين يَعُون مغزى تصنيف رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - للقرون تصنيفًا تنازُليًّا، وذلك في حديث شريفٍ متَّفق عليه: ((خير أمَّتِي قرني، ثم الذين يلونَهم، ثم الذين يلونهم، ثم إنَّ بعدهم قومًا يَشهدون ولا يُستشهدون، ويَخونون ولا يُؤتَمنون، ويَنذرون ولا يُوفون، ويَحلفون ولا يُستحلفون، ويظهر فيهم السِّمَن)). وهذه كلُّها صفات تدلُّ على الاضطراب والخِفَّة والطَّيش، ووطأة السَّمَانة التي تَعتريهم، تحطُّ بهم، وتُفقدهم الهمَّة، وتحبسهم طيَّ رغبات الجسد المليء الجسيم، وهي - بعدُ - سَمَانةٌ جَوفاء يَملؤها الرِّيح: أُعِيذُهَا نَظَرَاتٍ مِنْكَ ثَاقِبَةً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أَنْ تَحْسَبَ الشَّحْمَ فِيمَنْ شَحْمُهُ وَرَمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif (المتنبِّي) وأولئك المنتفخون هم صنائع الشَّيطان؛ فالشيطان منذ أضحى في الملَكوت مذمومًا مدحورًا يُتابع الزَّفرات، ويواصل النَّفخ مستهدِفًا: 1 - إطفاءَ نورِ الله. 2 - ملْءَ تجاويف بعض جنوده بزفيره؛ حتَّى يُرَوْا - بالبناء للمجهول - جِسامًا مترهِّلين: (أ) يغرون بِمَنظرهم. (ب) وكي يسدُّوا مسدَّ الطَّبل حين يَبدو للشَّيطان أن يدقَّ ويثير. (جـ) وحتَّى يَغدوا أفواهًا للشَّيطان، يُفرغون ما اختُزِن - بالبناء للمجهول - في أجوافهم مِن ريحٍ على مصادر نور الله، وموارد دِينه. (د) وهؤلاء - بِحجمهم المنتفخ - لعبة الشَّيطان، ومُتعة رجلَيه، يُدحرِجهم بينهما، ويَقذف بهم نحو أهدافه التي منها ما ذكَر رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يَشهدون ولا يُستشهدون، ويحلفون ولا يستحلفون، ويخونون ولا يؤتمنون...)) إلخ؛ يَخونون الله ورسولَه، ويشهدون زورًا ضدَّ الإسلام، ويحلفون ضرارًا، وتغريرًا وتفريقًا بين المسلمين. الفراغ الفكري والغزو الفكري: في "صحيح مسلم" عن أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنه قال: ((لَمَّا صوَّر الله آدمَ في الجنَّة تركه ما شاء أن يَتركه، فجعل إبليسُ يطيف به؛ يَنظر ما هو، فلمَّا رآه أجوَف، عرف أنَّه خُلِق خلقًا لا يتَمالك)). ولعلَّ الملائكة الكِرَام حين أفصحوا عن الدَّهشة والعجز عن اكتِناهِ[7] الحِكمة في اصطِفاء آدم بقولِهم: ﴿ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ﴾ [البقرة: 30]، لعلَّهم نظروا إلى هذا الفراغ الأجوف الذي أُقِيم عليه آدم، هذا الفراغ الذي لا يتيح لصاحبه أن يتمالك، فوق أنَّه عُرْضة لأنْ يَمتلئ بأيِّ شيء؛ بالطَّاهر والنَّجس، والنَّظيف والقذر، كالحفرة التي تَستقبل كلَّ عارض، وتبتلع أيَّ وارد. والحقُّ أنَّ الخَواء[8] الأجوف واحة الشيطان، يَخَبُّ[9] فيه ويضع، ويَبِيض ويفرِّخ، ويتَّخِذه محطَّ رحالِه، ومُختزَنَ آصارِه وأغلالِه، والفراغ متنفَّس المستعمِرين، ومَجال الغَزْو الفكريِّ. والمولى الذي اصطفى آدمَ خليفةً لَم يكن ليتركه نَهْب هذا الفراغ البلوع، فلا عجب إذا سدَّ الله الفراغ، وحشا التجويف بعِلم لا يعلم كنهَه غيْرُ الله: ﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾ [البقرة: 31 - 33]. الفراغ إذًا مَتاهةٌ مضِلَّة، ومَطْرح لشباك الغازين، وهوَّة تحجب الأضواء، وتخنق الأنفاس. والفراغ هو عينُ الجاهلية التي كان العرب يُقاسونَها قبل الإسلام. وهذا الفراغ الذي ضاعف من وحشتِه عقدةُ الأُمِّية التي أورثَت العرب ما نسمِّيه اليوم بِمركب النَّقص، استغلَّه اليهودُ أسوأ استغلال، فحشَوْه بالغثِّ، وهالوا عليه من قُماماتِهم، وأباطيلهم ما ظَنُّوه يكفل لهم الْهَيمنةَ، وسَوْقَ العرب كما تُساق الأنعام. والقرآن الكريم وهو يواجه الغَزو الفكريَّ المعتمِدَ أساسًا على الفراغ الفكريِّ قام بعمليتَيْن مترابطتين: 1) بِنَزح ما تراكَم في الأعماق من أباطيلِ أهل الكتاب. 2) وبِشَغل ما كان - أو ما نَجم - مِن فراغٍ ببدائِلَ ذات شعاع يَشفي ويُضيء، بدائل دسمة تغذِّي، وتروي، وتَملأ الفراغ. أمثلة هادية: 1 - تحريرًا من وطأة الفراغ بدأَتْ سورة البقرة بالإشارة إلى الكتاب بأداةٍ تُوحي برِفْعة المَنْزلة ﴿ ذَلِكَ ﴾، ثم جاءت كلمة ﴿الْكِتَابُ﴾ مُحلاَّةً بـ "أل" الموحية بالاستغراق والْهَيمنة، والاستئثار - دون الكتب الأخرى المتداوَلة - بكلِّ معطيات كلمة "كتاب"، والأوصافُ التي تبِعَت الموصوفَ "الكتاب" تؤكِّد هذه المعاني، وتبيِّن سِرَّ تَميُّزِه عن كلِّ الكتب المتداوَلة، وهو انفراده بأنه ﴿ لَا رَيْبَ فِيهِ ﴾، وبأنَّ تذوُّقه التذوُّقَ الكامل حظُّ المؤمنين المتقين ﴿ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 2]. وهذا الأسلوب - بكلِّ جزئياته الهادفة - فوق ما يَحمل من هدايات؛ صلصلة مُثيرة كتلك التي كانت تواكب الوحي؛ تنبيهًا، وتَهيِئةً لنفس الرَّسول، واستخلاصًا لوجدانه من كلِّ ما يشغل. والإشادة بالكتاب على هذا النَّحو تشدُّ الانتباه، وتثير الأذهان المتعثِّرة في فراغ الأُمِّية، ومتاهات الجاهلية، فما أشبهَ هذا الأسلوب الوجيز البليغ بِحَبل الإنقاذ تُدلِّيه إلى مُتردٍّ في بئرٍ سحيقة؛ ليتحسَّس، ويتعلَّق، ويلتَمِس أسباب النَّجاة من الوهدة الخانقة! فإذا ضمَمْنا إلى هذا ما تُحْدِثه الأحرف المتقطِّعة (أ ل م) من إثارةٍ وصلصلة زائدة، عَلِمنا مدى اهتمام القرآن بانتشال الهائمين في درب الفراغ. وتبلغ عمليَّة الانتشال مبلغَها بآيتَيِ التحدِّي: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 23 - 24]. وعندئذٍ تشرئِبُّ الأعناق، وتتطلَّع الأفئدة، وتُعاد - بالبناء للمجهول - الحِسابات، ويعظم الإحساس بوطأة الفَراغ، وضرورة التِماس المَخرج، والمَخْرج يتمثَّل في هذا الحبل الممدود في هذا الكتاب الذي يلوح كما تلوح المنائر لِمُبحرين فقَدوا الهدى في يَمٍّ متلاطمِ الأمواج. 2 - وفي طريق عمارة الفراغ العميق يَنْزع القرآن من التاريخ، ومن تاريخِ ما قبْلَ التاريخ؛ حتَّى تصحَّ المعلومات، وتَتِمَّ دائرة المعارف التي تُحَدِّد الموقف العلميَّ، وتكوِّن التربة التي تَحْتضن جذور الشَّجرة الطيِّبة الوارِفة الظِّلال. تَعْرض السُّورة قصة الحوار العلويِّ، وتعكس أصوات الملأ الأعلى، وتُبْرِز نُشوزَ إبليس، وفسقَه عن أمر ربِّه؛ كي نشكر، ونقدِّر، ونَحْذر من أن نتَّخِذ إبليس وذرِّيتَه أولياء من دون الله، واقرأ في هذا مِن قوله سبحانه: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ... ﴾ [البقرة: 30] إلى قوله تعالى: ﴿ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 38]. ومن هذا تلك النَّظرات السَّديدة في المُجتمع، وتلك الدِّراسة الثَّاقبة التي تقلب الناس، وتبيِّن أنماطهم، ونفسياتِهم واتِّجاهاتهم، ﴿ وَمِنَ النَّاسِ... ﴾ [البقرة: 8]، ﴿ وَمِنَ النَّاسِ... ﴾ [البقرة: 165]، ﴿ وَمِنَ النَّاسِ... ﴾ [البقرة: 204]، ﴿ وَمِنَ النَّاسِ... ﴾ [البقرة: 207]. فالنَّاس هم رُفَقاء الطَّريق، وأبطال مَسرح الحياة، والعملة الحيويَّة، وسياسة الناس تنبني على معرفة الناس فهم المَحك، والمسلمون أخرجوا للنَّاس قاطبة، ودينهم يوفِّر لهم دراساتٍ شافية؛ حتَّى لا يُنشئوا احتكاكهم ومعاملاتِهم على فراغ. 3 - وتَسْبح السورة بالمؤمنين سَبحًا طويلاً عَبْر الكائنات والكون؛ تدريبًا على النَّظر، والاستقرار والتَّحليل، وتعميقًا لروافد الإيمان، وطردًا لِما تكدَّس من أوهامٍ ولَّدها الفراغ الرهيب: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 21 - 22]. ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 29]. ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 164]. 4 - وتعرض السُّورة ما تعرض من تاريخ الأُمَم وكِفاح المرسلين؛ كي تَستقيم المعلومات التاريخيَّة سدًّا ضد الأساطير والخرافات التي تنعق في الفراغ نعيقَ البُوم في الخرابات ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ ﴾ [البقرة: 54]، [البقرة: 67]. ﴿ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ ﴾ [البقرة: 124]، ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ ﴾ [البقرة: 243]، ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى ﴾ [البقرة: 246]. 5 - وأمدَّ سبحانه بشرائِعَ قويمةٍ تَملأ الفراغ، وتضبط الحياة، وتشدُّ أواصر الأسرة، وتَحْكم العلاقات الاجتماعيَّة بشرائع تناولَت الأحوال الشخصيَّة؛ مِن نكاحٍ، وطلاق، وإرضاع، ونفَقة... إلخ، والأمراض الاجتماعية؛ من خمرٍ، وميسر، وعدوان... إلخ، والأحوال الاقتصاديَّة؛ من ديون، ورهن، وربا، وصدقات، وزكاة... إلخ، والعلل النَّفسية من جزَع، وجُبْن، ونَهَم، وأثَرة، وكتمانٍ للحقِّ... إلخ، والحيل النفسية التي تدفع إلى إعلاء الصَّوت بالأمر والنهي، دون أن نأتَمِر وننتهي: ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [البقرة: 44]. إلى غير ذلك من المعارف الدسمة التي تسدُّ الخَصاصة، وتملأ خواءَ العقيدة، والفِكر، والوجدان. [1] الإسار: القَيد، والنِّير: خشبةٌ تُوضع على عنق الثَّور، فتَحُدُّ حركته. [2] تتخبَّط. [3] تَنظر وتَطْلب. [4] جِلْد. [5] تَزِيدها وتنمِّيها. [6] عقَلَ الرَّجلُ البعيرَ: إذا شدَّ ساقَه إلى ذراعه. [7] الاكتِناه: بلوغ الكُنْه، والكُنه: جوهر الشَّيء، ووَقته، وغايته. [8] الخواء: الفراغ. [9] يغشُّ. |
رد: نفحات قرأنية رمضانية
كم مرة تختم القرآن في رمضان؟ ياسر مصطفى يوسف القرآن شعار شهر رمضان، والعَلامة البارزة فيه، وهو العمل العظيم الذي لا يكادُ يَخلو منه جدولُ أعمالِ أيِّ امرئ في هذا الشَّهر العظيم، وإنَّ من نافلة القول أنْ نؤكد على أهمية قراءة القرآن عمومًا، وفي هذا الشهر خصوصًا في ضوء قول الله - عزَّ وجلَّ -: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ* لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر: 29 - 30]، وقول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اقرؤوا القرآنَ، فإنه يأتي يومَ القيامةِ شفيعًا لأصحابه))؛ (رواه مسلم عن أبي أمامة، برقم: 1910). ولقد كان السَّلف الصَّالح - رضوان الله عليهم - يَحتفلون بهذا الكتاب العظيم في هذا الشَّهر العظيم وفي غيره أيَّما احتفال، ويفسحون ويُخصِّصون له في بياضِ نَهارهم وسواد ليلهم المساحاتِ الشاسعةَ الواسعة، حتَّى كانوا يَختمون فيه الختمات الكثيرة ذوات العدد. وقد نقل لنا الإمامُ النَّووي في كتابه "التبيان في آداب حملة القرآن" صورًا مُدهشة من عدد الختمات التي كان السَّلف يُحصيها في قراءته للقرآن، فقال - رحمه الله -: "وكان السَّلف - رضي الله عنهم - لهم عاداتٌ مُختلفة في قدر ما يَختمون فيه، فروى ابن أبي داود عن بعضِ السَّلف - رضي الله عنهم - أنَّهم كانوا يَختمون في كل شهرين ختمة واحدة، وعن بعضهم في كل شهر ختمة، وعن بعضهم في كل عشر ليالٍ ختمة، وعن بعضهم في كل ثماني ليالٍ، وعن الأكثرين في كل سبع ليالٍ، وعن بعضهم في كل ست، وعن بعضهم في كل خمس، وعن بعضهم في كل أربع، وعن كثيرين في كل ثلاث، وعن بعضهم في كل ليلتين، وختم بعضهم في كل يوم وليلة ختمة، ومنهم من كان يختم في كل يوم وليلة ختمتين، ومنهم من كان يختم ثلاثًا، وختم بعضهم ثماني ختمات: أربعًا بالليل، وأربعًا بالنهار". وقد ساق لنا الإمام النَّووي في هذا الباب أخبارًا عجيبة، إضافةً إلى ما نقلنا عنه؛ مما يَجعل الواحد منا يقف مشدوهًا، ويكلم نفسه قائلاً: ما هذه السُّرعة؟ وأيُّ نوع من الرجال أولئك؟ وما نوع قراءتهم التي تَجعل الواحد منهم يَختم كلَّ هذه الختمات في ساعات مَعدودات لا تتجاوز أصابعَ الكفِّ الواحدة؟ ولعل الجوابَ: إنَّ الله - تعالى - قد بارك لأولئك الأفذاذ في أوقاتهم، كما يطوي المكان لمن يشاء من عباده، حتَّى فعلوا ما فعلوا، ولو أنَّنا أَجَلْنَا النَّظرَ في مؤلفاتهم التي أخرجوها للناس، لوجدنا أنفسنا عاجزين عن قراءتها، بَلْهَ نسخها وكتابتها، فساعتهم تعدل يومنا، ويومهم شهرنا، وشهرهم سنتنا، وعمرهم أضعاف أعمارنا. واليومَ لعل المرء وهو يسمع هذه الأخبار عن سلفنا الصالح تنهض به همّته، وينشط بدنه لقراءة القرآن، فيُحاول أنْ يصنعَ كالذي صنعوا، فيَجْتهِد أنْ يَختم عدة ختمات في رمضان وغيره، فيقع في المحظور؛ ظنًّا منه أنَّ ختم القرآن مطلوب لذاته فحسب، ومقصود بعينه فقط، فيقرأ القرآنَ قراءة سريعة ربَّما أتى على بعض الحروف فأكلها، وبَخَسَ أحكامَ التجويد حقها، وعطل العقل والقلبَ عن فهم معاني ما يَقرأ ولطائف ما يَتلو. والله - عزَّ وجلَّ - أنزل القرآن لتدبره؛ {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} [ص: 29]، لا للهذِّ فيه والإسراع بقراءته، ولأنْ تقرأ آيةً أو حزبًا أو جزءًا أو سورة بتدبر وتأمُّل وتفكر - لَخيرٌ ألفَ مَرَّة من أنْ تَختم القرآن كاملاً دون أنْ تعي مما تقرأ شيئًا. ولقد ورد عن عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - أنَّه أخذ في تحصيل سورة واحدة - هي سورة البقرة - ثماني سنوات يَتعلمها، لكن كيف كان يتعلمها أيَحفظها، والطفل من أطفالنا اليوم ربَّما حفظها في شهر أو شهرين أو ثلاثة؟ أيترنم بها؟ لا، بل كان يحفظها ويتعلم أحكامَها ومعانيها، وكل ما يتعلق بها، فلذلك كانت تأخذُ منه كل هذا الوقت والجهد، ألا فلنعقد العزم، ولنقتدِ بهم في هذا؛ {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90]، ولنأتسِ بهم في قراءتنا لكتاب ربنا كمًّا وكيفًا. والله الهادي إلى سواء السبيل. |
رد: نفحات قرأنية رمضانية
(نفحات قرأنية رمضانية) نفحات قرآنية (28) بخاري أحمد عبده ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 183 - 185]. حس اليقين: وقفنا طويلاً - وسنقف - نستنشِق عبير الحُرِّيةِ المتهادِيَ حول آيات الصيام شذًى سخيًّا، والهدايات التي تُصدرها الآياتُ غزيرة كثيرة، غير أنَّ رؤية الإنسان قد تختلف من حالة إلى حالة، والآية من القرآن تتفتَّح لك وفق ظروفِك؛ ترى منها في ساعات العسرة غيرَ ما ترى في ساعات اليسرة، وتنشد منها في أيام الشدَّة غير ما تنشد في أيام الرخاء. والنَّفس المكلومة قد تصفو وتَرِقُّ، فتحس - بإذْن ربِّها - حسَّ اليقين الذي يشفُّ عن نفسٍ مكلومة، انطلق يعقوبُ - عليه السَّلام - يصيح في بنيه، وقد جاؤوه عشاءً يَبكون: ﴿ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ﴾ [يوسف: 18]. وحين تكرَّرت المأساة أسعفَتْه البصيرة، وأدركه حسُّ اليقين، وكان ما حكى القرآن: ﴿ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ * قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ * قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ * يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 83 - 87]. هذا الإدراك الذي أسميناه حسَّ اليقين يسمَّى أحيانًا بالحاسة السادسة، ولعلَّه الألمعيَّة التي أشاد بِها العرب، وأجَلُّوا أصحابَها أيَّما إجلال، قال شاعرُهم يرثي ألمعيًّا رحل: أَيَّتُهَا العَيْنُ أَجْمِلِي جَزَعَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif إِنَّ الَّذِي تَحْذَرِينَ قَدْ وَقَعَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif إِنَّ الَّذِي جَمَعَ السَّمَاحَةَ وَالنْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif نَجْدَةَ وَالْحَزْمَ وَالتُّقَى جُمَعَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif الأَلْمَعِيُّ الَّذِي يَظُنُّ بِكِ الظْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ظَنَّ كَأَنْ قَدْ رَأَى، وَقَدْ سَمِعَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أَوْدَى، وَمَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِذْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أَوْدَى لِمَنْ قَدْ يُحَاوِلُ البِدَعَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ولعلَّها فراسة المؤمن التي تعتمد على سداد البصَر، وجلاء البصيرة. وقد حبا اللهُ يعقوب - عليه السَّلام - بِحظِّه من كلِّ هذه المعاني التي جلَّتْها المصيبة، حتَّى إنه - بهذا الحسِّ - يتشمَّم - على البعد - ريح يوسف، وفق ما جاء في القرآن الكريم: ﴿ اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ * وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ * قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ * فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 93 - 96]. ونَحن بِنَفسٍ نكبت في حرِّيتها، مكلومةٍ - نجوس خلال الآيات نَنْشد في رياضها أرواحَ الحرِّية، وعبير الجنَّة المفقود الذي يسري خلال آياتٍ تَصْدع هذه الأُمَّة التي استمرَأَت الرِّقَّ، برغم نداءات الحرِّية التي ترتفع مِن مآذِن القُرآن الكريم. عمارة الفراغ أيضًا: تبيَّن لنا أنَّ الفراغ الأجوف كالأرض الموَات تكون لِمَن سبق، وتنبت كلَّ ما يبذر فيها، بل كالحفرة التي تمتصُّ كلَّ ما أُلقي فيها، أو سال نَحوها من قذر، أو وحل، أو غير ذلك، ومن هنا كان اهتمام الإسلام بملء الفراغ الذي يتمُّ جنبًا إلى جنب مع عمليات اجتثاث الطُّفيليات، ونزح المخلَّفات، وتطهير القيعان. وقد عِشْنا مع الهدايات التي تُواكِب آيات الصِّيام وهي تجلو الأوعية، وتخصب التُّربة حتَّى تغدو صالحة، متفاعلةً مع الحقائق القرآنيَّة التي تخترق السُّدود، وتفرج عن نزلاء سجون الفراغ. وظنِّي أن القرآن وهو يَصْدع الجاهلين بِمثل قوله: ﴿ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [يونس: 68]، ﴿ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ ﴾ [آل عمران: 66]، ﴿ قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا ﴾ [الأنعام: 148]، ﴿ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ ﴾ [الأنعام: 143]، ﴿ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ﴾ [الزخرف: 20]، وبِمِثل قوله: ﴿ أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ ﴾ [القلم: 37]، بل ظني أنَّ القرآن بكلِّ آياته التي فيها من مادة (ع ل م)، أو مِن مادة (ك ت ب) - إنَّما كان يشجب الفراغَ، ويَسحق[1] صنيع الذين ينطلقون من فراغ، ويَحْدوهم إلى الموازنة الصَّحيحة بين الفارغ والمليء، بين الجاهليَّة والإسلام. وواكبنا آياتٍ تَملأ خواء العقيدة، وخواءَ الوجدان وخواء القِيَم، وخواء الفِكر، وآياتٍ تربِّي بالتشريع الذين يغطِّي كل جوانب حياة المسلم[2]؛ حتَّى لا يكون فيها انكشاف، أو انفتاح يغري الهوامَ المتلصصة. وشعار الإسلام: ((بلِّغوا عنِّي؛ فرُبَّ مبلَّغ أوعى من سامع، ورُبَّ حامل فقهٍ إلى مَن هو أفقه منه))، والإسلام - لِهذا - يأمر بإشاعة البَيِّنات والْهُدى، ويتهدَّد الذين يكتمون بالويلِ والثُّبور؛ ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 159 - 160]. ولخطورة أمر الكتمان، ووخامة عاقبته في الدُّنيا والآخرة؛ شدَّد القرآنُ الكريم على الكاتِمين في آياتٍ مُختلفة تحتِّم جميعها متضامنة بثَّ العلوم، ونشر المعارف، وتُجسِّم مسؤولية الكاتِمين طمعًا في مقابل مادِّي أو معنوي. 1- نَعى[3] القرآن على الكاتِمين كتمانَهم ما شهدوا من حقٍّ أو عِلم، فقال: ﴿ وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 42]، وقال: ﴿ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ﴾ [البقرة: 283]. 2- وذكر أنَّ البيان عهْدُ الله الموثَّق على الأوَّلين والآخِرين: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ﴾ [آل عمران: 187]. 3- وإظهارًا لشناعة الأمر؛ أخرجَه الله في صورةٍ مُجسَّمة: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ ﴾ [البقرة: 174]. والهدف أن ينتشر النُّور، ويتدفَّق؛ ليملأ كل فراغ، ويسدَّ كل خصاصة. جمود التقليد: التقليد يشي بالفراغ، ويورث الجُمود، والجمود صمَمٌ، وعمًى، وشلَل، والإسلام كما يقاسي من الجاحد يقاسي كذلك من الجامد. والقرآن يهتمُّ بأن يحرِّكك حتى يحرِّرك، وكل تلك الأمواه[4] النَّقية الغنيَّة التي يَملأ بها القرآنُ الفراغَ، تَجرف - فيما تجرف - التقليدَ الأعمى ورواسِبَه، وخبثَه، وكسرًا لحواجز التقليد نعى القرآنُ كثيرًا على المقلِّدين، وأنكر مواقفهم، ورفض منطقهم القائم على: ﴿ إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ ﴾ [الزخرف: 23]، ﴿ قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ ﴾ [الأنبياء: 53]، ﴿ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ﴾ [الشعراء: 74]، وتلَقِّي تراث الآباء بالتقديس بلا نظر ولا إعمال فكر، بهيميَّة لا تليق بالإنسان الحُر، فلا عجب إذا حُشِر المقلِّدون مع سائر الفئات التي انحطَّت إلى درك الأنعام: ﴿ ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ * إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ * فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ ﴾ [الصافات: 68 - 70]. والقرآن بُغْيةَ تحطيم هذه الأغلال؛ يحرِّك فيهم قُوَى الإدراك والفكر بأسلوبٍ حكيم ينطوي على سخرية لاذعةٍ تحمل على النَّظر والتفكير: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ﴾ [المائدة: 104]. وسورتُنا - البقرة - التي تهتمُّ بتأصيل جذور الحُرِّية، وإشاعة نورها في مُجتمعات المسلمين، لَم تغفل هذا الجانب، بل واصلَت الطَّرْق على هذا النِّير حتى يتفتَّت، ويَسقط. تقرأ هذا في الآيات التي تَعرض مشاهد المتبوعين والأتباع، وهم يتحاجون في النار: ﴿ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 166 - 167]. وفي الآية التي تُعُجِّب (بضم التاء وتشديد الجيم المكسورة) مِمَّن يُهْرَعون أنعامًا خلف أنعام، مُلْفِين كلَّ القوى المدركة التي أنعم المولى عليهم بها: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ * وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 170 - 171]. بل يتجاوز القرآنُ قضيَّة التقليد إلى التقاليد الموروثة البالية التي يتَحاكمون إليها، ويقدرون بها والتي تتجلَّى في قالة الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى: ﴿ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 247]. وهذه النظرة التقليديَّة انتقلت (بالعَدوى) من يهود إلى العرب، فقالوا: ﴿ لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ * أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ * وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [الزخرف: 31 - 35]. طَرقات، بل طَلقات تصيب عَرُى الأغلال التي كانت تكبِّلهم فتعوق نُموَّهم وتَحرُّرهم وتطوُّرَهم، فإذا انحلَّت عُرَى هذه الأصفاد، وسقطت عروةً من بعد عروة تَخفَّف المسلم، وانتصب عملاقًا، وتحرَّك وقد وضع آصارَ الشَّهوة والمادة، وتخلَّص من ضغوط التقليد، والتقاليد. والإسلام بكلِّ تَعاليمه يَخلق الرُّوح الاستقلاليَّة في المسلم؛ ((لا تكونوا إِمَّعة، تقولون: إن أحسَن الناس أحسَنَّا، وإن ظلَموا ظلَمْنا، ولكن وَطِّنوا أنفُسَكم؛ إنْ أحسنَ الناسُ أن تُحسِنوا، وإن أساؤوا فلا تَظلموا))[5]؛ وهذه الرُّوح الاستقلالية التي يُذْكِيها الإسلام هي بداية فكِّ الارتباط بين منهجَي الحقِّ والباطل. غزو الألباب: والقرآن - وهو يزيل الأغشية، ويمزِّق الشِّباك، ويُحرِّر الأغرار المكبَّلين - اهتمَّ اهتمامًا بالغًا بحملات الغزو الفكري، وعمل على تنقية الألباب[6] مما غَشِيَها، أو تراكم فيها من سُموم الأفاعي، وقيء الشَّياطين، ولا نزاع في أنَّ الأجواف المفعمة بقيء الشياطين مَرتعٌ خصْب للأفاعي، ومسرح جيِّد لسمومها. والشيطان الفكريُّ - من أجل هذا - الذي يوجّه لاجتياح نور الحقِّ، واحتلال القواعد التي يُمكن أن يحطَّ فوقها الحق، أو - على الأقل - لإطفاء ما تيسَّر من أضوائه، ومزاحَمتِه في قواعده. والشيطان - من أجل هذا - يفرّغ تفريغًا، ويجوّف تجويفًا، ويغيِّر المفاهيم، ويزيِّف تزييفًا، وهو الذي يسدل أستار الغفلة، ويَجِدُّ كي يُلهي ويُنسي، ويبلي العزيمة: ﴿ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ﴾ [طه: 115]. ولقد مارس الشيطان هذه اللُّعبة - أوَّلَ ما مارس - مع آدم وحواء؛ وسوس لهما، وقاسَمَهما، ودلاَّهُما بغرور، ومَنَّاهما، وأطمعَهما في الملكيَّة، والخلود، ولم يزَل بِهما حتَّى أزلَّهما، وبدت لهما سوءاتُهما وفق ما جاء في آياتٍ جَمَّة: ﴿ وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ * فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [الأعراف: 19 - 22]... إلخ. وترديد هذه القصَّة، وتكرُّرها في مواطن عدَّة، بأساليب متكاملة يدلُّ على شدَّة اهتمام الإسلام بالغزو الفكري الخفي، واتِّقاء هذا الغزو، وابتغاء أن يطيش سهم الشَّيطان، ذكر القرآن أمر الشيطان، وكيدَه، وعداوته ووسوسته، وتغريره، وتزيينه، وعدَّد إمكاناتِه مرَّاتٍ، ومرات. والشيطان لا يلعب هذه اللعبة وحده، بل ينطلق ومعه أولياؤه وجنودُه: ﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا... ﴾ [الأنعام: 128]. وأولياء الشيطان يردعونه، ويسدون مسدَّه حين يُسلسَل في رمضان: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا... ﴾ [الأنعام: 112]. والحُلَفاء من شياطين الإنس والجنِّ يهتَمُّون - بالدَّرجة الأولى - بالغزو الفكري، وما يتطلَّب من تعتيمٍ، وتخييل، وتَمويه، وتغرير، وتزييف حتَّى يَسُود الباطل، أو على الأقل يلتبس الحقُّ بالباطل. وأهل الكتاب - بِما حرَّفوا، وبدَّلوا، وابتدعوا، وزيَّفوا - هم عُدَّة الشيطان، وأذْرُعه اليسرى[7] في هذا المَجال الوبيء، والمولى - جلَّ وعلا - يُحذِّر مِن تَحالُف القُوَّتين ضد محتوى الفكر المسلم؛ ﴿ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ [البقرة: 120]، والذي جاء من العلم حَرِيٌّ أن يَملأ الفراغ، ويوقف مدَّ الأهواء والإغواء. ويكشف سبحانه الدَّوافع المُحرِّكة وراء نزعة العدوان على محتوى الفِكر: ﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ﴾ [البقرة: 109]. ويزدري القرآنُ الكريم دعواهم، وينبذها نبذًا بلا نقاش؛ إيحاءً بتفاهتها وسقوطها: ﴿ وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 111 - 112]. وإرادة التَّعتيم - حتى نبتلي بالتخبُّط، ونصاب بالخبال - تعيها حين تتدبَّر الآيةَ الكريمة التي تكاد تكون نصًّا في مُحاولات الغزو الفكريِّ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ... ﴾ [آل عمران: 118][8]. [1] يبعد. [2] حياة المسلم حياة موصوله تمتد حتى الصراط المستقيم. [3] شهر بهم تشهيرًا وأظهر عيوبهم. [4] المياه. [5] روي عن ابن مسعود موقوفًا، ورواه التِّرمذي عن حذيفة بإسنادٍ فيه ضعف. [6] الألباب جمع لُبٍّ، واللبُّ: العقل والوجدان. [7] ظَنِّي أن الشيطان كلتا يديه شِمال. [8] لنا - إن شاء الله - وقفةٌ مع هذه الآية، ومع الغزو الفِكري، ولكن في مقام آخَر. |
رد: نفحات قرأنية رمضانية
عرضُ القرآن في ليالي رمضان الشيخ محمد صفوت نور الدين عن ابن عباس[1] - رضي الله عنهما - قال: كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كلِّ ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن، فلرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أجود من الريح المرسلة؛ رواه البخاري ومسلم. في الحديث الشريف: أن الرفقة الصالحة في الزمان الفاضل، عند هدوء شواغل الدنيا، وطيب الزاد (بمائدة القرآن الكريم: يطيب الخلق، وتعلو الهمة، وتهون أعراض الدنيا. فالحديث حثَّ المسلم أن يتخذ الأيام الفاضلة كرمضان وذي الحجة، ليصحب فيها أهل الفضل على الزاد الطيب في العلم النافع من القرآن والسنة، فيقوى العبد في جهاد أعداء الإسلام، ولذا كان شهر رمضان شهر الانتصارات الباهرة للمسلمين على مر العصور، وكذلك هو شهر الجود، والعطاء، والألفة، والإخاء، والمحبة، وزوال البغضاء، وشهر العبادة والطاعة. قال النووي: من فوائد الحديث: الحثُّ على الجود في كلِّ وقت، والزيادة في رمضان عند الاجتماع بأهل الصلاح، ومنه: زيارة الصلحاء وأهل الخير، وتكرار ذلك، إذا كان المزور لا يكرهه، ومنها: استحباب الاستكثار من قراءة القرآن في رمضان، وكونها أفضل من سائر الأذكار. قال ابن حجر: وفيه إشارة أن ابتداء نزول القرآن كان في شهر رمضان، فكان يعارضه بما نزل عليه من رمضان إلى رمضان، فلما كان العام الذي توفِّي فيه، عارضه به مرتين. وفيه: أن فضل الزمان إنما يحصل بزيادة العبادة. وفيه: استحباب تكثير العبادة في آخر العمر. وفيه: مذاكرة الفاضل بالعلم، وإن كان لا يخفى عليه. وفيه: فضل الليل في رمضان عن النهار في التلاوة، لأن الليل يخلو من الشواغل والعوارض الدنيوية والدينية. من صور جود النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم: قال جابر: "ما سُئل رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - شيئًا قطُّ، فقال: لا"؛ متفق عليه. وعن أنس: أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لم يُسأل شيئًا على الإسلام إلا أعطاه، قال: فأتاه رجل، فأمر له بشاءٍ[2] كثير بين جبلين مِن شاء الصدقة، قال: فرجع إلى قومه، فقال يا قوم أسلموا، فإن محمدًا يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة؛ رواه مسلم. وعن أنس: أن رجلاً سأل النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم، فأعطاه غنمًا بين جبلين، فأتى قومه فقال: يا قوم أسلموا، فإن محمدًا يعطي عطاءً، ما يخاف الفاقة، فإن كان الرجل ليجيء إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ما يريد إلا الدنيا، فما يمسي حتى يكون دينه أحب إليه وأعز عليه من الدنيا وما فيها؛ رواه أحمد. فكان في عطائه - صلَّى الله عليه وسلَّم - يتألَّف القلوب في الإسلام، كما فعل يوم حنين، حيث قسم الإبل الكثيرة، والشاء، والذهب، والفضة في المؤلفة، ولم يعط الأنصار وجمهور المهاجرين شيئًا، بل أنفقه فيمن كان يحب أن يتألَّفهم على الإسلام، وترك أولئك لما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير، ثم قال لمن سأل من الأنصار: ((أما ترضون أن يذهب الناس بالشاء والبعير، وتذهبون برسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - تحوزونه إلى رحالكم؟))، قالوا: رضينا برسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم. وقال أنس: كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أجود الناس، وأشجع الناس. وكيف لا يكون كذلك، وهو رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - المحمول على أكمل الصفات، الواثق بما في يدي الله - عزَّ وجلَّ - الذي أنزل في كتابه العزيز: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الحديد:10]، وقال تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ: 39] ولقد قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - لبلال: ((أنفق بلالُ ولا تخش من ذي العرش إقلالاً))، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما من يوم يصبح العباد فيه إلاَّ وملكان يقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا))، وقال لعائشة: ((لا توعي فيوعي الله عليك، ولا توكي فيوكي الله عليك)). قال ابن الأثير: أي: لا تجمعي وتشحي بالنفقة، فيشح عليك وتُجازَيْ بتضييق في رزقك، ولا توكي؛ أي: لا تدخري وتشدي ما عندك، وتمنعي ما في يدك، فتنقطع مادة الرزق عنك. وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يقول الله - تعالى -: ابن آدم، أَنفق أُنفق عليك))، فكيف لا يكون أكرم الناس وأشجعهم، وهو المتوكل الذي لا أعظم من توكله، الواثق برزق الله ونصره، المستعين بربه في جميع أمره؟! ولقد كان - صلَّى الله عليه وسلَّم - ملجأ الفقراء والأرامل والأيتام والضعفاء والمساكين. دوافع الشح ودوافع الجود: الإيمان بالقضاء والقدر، وأن الله قدر العطاء تقديرًا، وأن الله - سبحانه - لا يترك عبدًا بغير رزق ساعة من نهار أو ليل - يزيل عن العبد شحه ويظهر جوده، وإيمان العبد بأنه لا ينفق نفقة إلا وجدها عند الله يوم القيامة؛ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7، 8]، ذلك يُزيل شحَّه ويزيد جوده. وإيمان العبد بأهوال يوم القيامة، وأن الله - سبحانه - يدفعها بالصالحات من الأعمال: ((عبدي استطعمتك فلم تطعمني، فيقول: كيف أطعمك وأنت ربُّ العالمين؟ فيقول: استطعمك عبدي فلان، فلو أطعمته لوجدت ذلك عندي))، فإذا علم العبد أن النفقة في رمضان يضاعف فيها الأجر، ويزاد فيها الثواب، سارع بالإنفاق في سبيل الله في رمضان، كل ذلك يدفع الشح ويظهر الجود. فإذا صح اعتقاد العبد في ربِّه، واليوم الآخر، والقضاء والقدر، زال شُحُّه، وظهر جوده. فإذا حسنت رفقته أعين على ذكره في ليله ونهاره، عند ذلك تهون الدنيا عليه، ويؤثر الحياة الباقية على الفانية، فيزداد جوده وعطاؤه[3]. ولذا فإن الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا دخل رمضان، ورافق جبريل، ورتَّل القرآن، كان في عطائه كالريح المرسلة، وفى التشبيه لعطاء الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالريح المرسلة - أى: بالخير - من المناسبة البديعة، ولذا، فإن الله - سبحانه - يقول في سورة الروم: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ * اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ * فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الروم: 46-50]. وهكذا يذكرنا الله بأنه أرسل الرياح، وأرسل الرسل، وجعل في كلٍّ حياة، وجعل في الرياح بشرى، والرسل جاؤوا مبشرين، والماء الذي تسوقه الرياح يحيي موات الأرض، والرسل يحيون موات القلوب، وينصر الله المؤمنين، فإذا جاء رمضان شهر القرآن، جمع للرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - وللمؤمنين من بعده بين العطاءين: القرآن عطاء الهداية، والصدقة والإنفاق عطاء المال، فيحيي به الله موات القلوب، وموات الأبدان، ويؤلف القلوب على الإسلام. يقول ابن حجر: يعني: أنه في الإسراع بالجود أسرع من الريح، وعبر بالمرسلة إشارة إلى دوام هبوبها بالرحمة، وإلى عموم النفع، وبجوده كما تعمُّ الريح المرسلة جميع ما تهبُّ عليه. عرض القرآن: في حديث فاطمة - عليها السلام -: أسرَّ إلىَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن جبريل كان يعارضني بالقرآن كلَّ سنة، وأنه عارضني العامَ مرتين، ولا أراه إلا حضر أجلي. وفى حديث أبى هريرة: كان يعرض على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - القرآن كل عام مرة، فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض فيه، وكان يعتكف في كل عام عشرًا، فاعتكف عشرين في العام الذي قبض فيه. ومن ذلك نفهم أن الله قد أحكم كتابه إحكامًا، فلم تنته حياة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - حتى عارضه بالقرآن ودارسه القرآن، فكان القرآن بسوره، وفواصله، وترتيبه، وتلاوته، كله وحي من عند الله – سبحانه - نصًّا، وتلاوةً، وترتيبًا، وقد حضر العرض الأخير زيد بن ثابت، وقيل: إن ابن مسعود حضرها كذلك، فلله الحمد نزَّل القرآن، وحفظه، فحفظ به الأمة، فدين في عنق الأمة مدارسة القرآن، وأن تكون أكثر المدارسة له في شهر رمضان. ــــــــــــــــــــــ [1]راوي الحديث هو عبدالله بن العباس بن عبد المطلب، وهو ابن عم النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأبوه العباس بن عبد المطلب، هو العم الذي عاش على الإسلام بعد وفاة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وعبدالله بن عباس حبر الأمة، وفقيه العصر، وإمام التفسير، وكنيته أبو العباس، ولد بشعب بني هاشم، قبل الهجرة بثلاث سنوات، صحب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - نحوًا من ثلاثين شهرًا، وحدَّث عنه أحاديث كثيرة، وعن عمر، وعلي، ومعاذ، والعباس، وعبدالرحمن بن عوف، وأبى سفيان، وأبى ذر، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وخلق كثيرين من الصحابة، وقرأ القرآن على أُبي وزيد، وقرأ عليه مجاهد، وسعيد بن جبير، وطائفة من أهل القرآن، وروى عنه ابنه علي، وابن أخيه عبدالله، ومواليه: عكرمة، ومقسم، وكريب، وطاوس، وسواهم كثير، وكان وسيمًا، جميلاً، مديد القامة، مهيبًا، كامل العقل، ذكي النفس، من رجال الكمال، هاجر مع أبيه سنة الفتح، وقد أسلم قبل ذلك، فقد صحَّ عنه أنه قال: كنت أنا وأمي من المستضعفين، أنا من الولدان، وأمي من النساء، قال ابن عباس: مسح النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - رأسي ودعا لي بالحكمة، مات رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وابن عباس له ثلاث عشرة سنة، غزا ابن عباس إفريقية مع ابن أبي السرح، وروى عنه من أهل مصر خمس عشرة نفسًا، ودعا له النبى - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اللهم علِّمه التأويل وفقِّهه في الدين))، ومناقبة كثيرة وعلمه غزير، فليراجع في مواضعه من كتب الرجال. [2] الشاء: الغنم جمع شاة. [3] هذا هو الدواء لكل من شكا من نفسه شحًّا أوشكا انصرافًا وإعراضًا. |
رد: نفحات قرأنية رمضانية
(نفحات قرأنية رمضانية) نفحات قرآنية (31) بخاري أحمد عبده ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 183 - 185]. عَوْد على بَدْء: في رحلتنا البصيرة مع نفحات آيات الصيام راعتْنا "مفاعلات" التحرير تشعُّ خلال الآيات، تُبْطِل رِقَّ الهوى، وتَنقض أحابيل الشيطان، ثم تنقَضُّ - بفتح القاف وتشديد الضاد - على مرابض الباطل؛ تدمَغ الفِرَى - بكسر الفاء، وفتْح الراء، جمْع فِرْيَة - وتُوهِي العُرى - جمع عُروة - وتردُّ كيْد الكائدين. ومفاعلات التحرير التي تنعش خلال الآيات تعتق الرِّقاب العانية - الأسيرة - وتحرِّك قُوَى الإيمان الكامنة، وتُبارِك الأنفس؛ حتى تُحدِّد الوجْهة، وتُسلم الوجْه المبارك إلى الله وحْده، فلا تستفزُّها رُقَى - بضم الراء وفتْح القاف، جمع رُقْية بضم الراء وإسكان القاف - الشيطان، ولا يستأثِرُ بها تراثُ الآباء، أو تقاليد البيئة؛ ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ * وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ [لقمان: 21 - 22]. وعلى هدى تلك المفاعلات، أبصرنا أقنعة الزَّيف تتطايَر فتشي بالخُبثاء الماكرين، وتَفضَح تدابير المجرمين المتربِّصين. وفي رحلتنا تلك واكبْنا - بعقيدة مَجلوَّة، وقلبٍ مؤمن - أرواحَ الحريَّة تُرفرف عبر كلِّ الهدايات القرآنيَّة، وتستنقذ من ظُلمة الطين، وأسْر المحسوس، ومن ذُلِّ الأنداد المتدافعة المتشاكسة، التي لا تفتأ تغرُّ وتُغري الإنسان؛ حتى يذلَّ وينحني، ثم يمضي مُكِبًّا على وجْهه، حَشْو أديمه تُرَّهات وخدَعٌ تتفاعل مع مركب النقْص الذي أحْكَم عُقدته ذُلُّ السنين، يمضي يَنْعِق نعيقَ البُهْم، ويَنِبُّ نبيبَ التيوس، ويهرُّ هريرَ الكلاب. ورأينا أُمَّة احتواها الفراغ، فغَدَت تختنق، وتتخبَّط صمَّاءَ عمياءَ، نُهْبَ حملات غزْوٍ فكري وغير فكري، والقرآن يتداركهم فيُوسع الخِناق، ويملأ الفراغ، ويُطلق من حقِّه قذائفَ تُهشِّم الأغلال، فتَفكُّ الرِّقاب. وأرواح الحرية الخفَّاقة لا يَطْعَمها ولا يَجد شَذاها، إلاَّ مَن رهَفَتْ مشاعره، وسَلِمتْ له حواسُّه، فغدَت تستقبل وتُرسل ما تستقبل، تغزو به كلَّ قُوى الإدراك التي تنشط؛ كي تَعِي وتتأثَّر، وتمثِّل وتختزن. أما المبتلون ذَوُو الحواسِّ المتبلِّدة، فأنَّى لهم أن يُحِسُّوا؟ ولقد ابْتُلِيت أُمَّتنا بذَوِي الحسِّ الصفيق المتبلِّد، الذي يُورث الجمود، ويُنذر بالعَتَه والعَمَه. والعَمَه نعني به: عمى الفؤاد؛ ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ [الحج: 46]. والعَمَه بهذا المفهوم: مظهر من مظاهر غضب الله ومَقْته، وازدرائه للضالِّين ذَوِي الحسِّ الصفيق؛ ﴿ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [البقرة: 15]. وهو - بهذا المفهوم - دليلُ تخلِّي المولَى عن العامهين، وأنه - سبحانه - وكَلَهم إلى أنفسهم الساقطة المتهالكة على الشِّعاب المنحرفة المضلة؛ ﴿ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [يونس: 11]. ومُهْوَى العَمَه؛ مشحون بالعَفن، مُتْرَع بأجواء الغفلة، مُنْذَر بالأخْذ الوشيك؛ ﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ * فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ * فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ﴾ [الحجر: 72 - 75]. والعَتَه نعني به: الغفلة التي تُسلم إلى السكرة، والتي تُعَطِّل أو تَسْلُب قُوَى الحواس والإدراك، فيُمسي الغافلون أنعامًا، بل أضل؛ ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [الأعراف: 179]. وأولئك وهؤلاء استبانتْ سبيلُهم، وتحدَّد مصيرهم، فلا ينبغي أن يُدْعَوا - بالبناء للمجهول - لرِيَادة، أو يُمَكَّنوا من قيادة، أو يُتْرَكوا في موقع تأثيرٍ؛ ﴿ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ [الكهف: 28]. وأولئك وهؤلاء منهم الجاحدون المخْلِدون إلى الأرض، المتشدِّقون بالماديَّة، والعلمانية، المتخذون دينَ الله هُزوًا ولعبًا، المحْتَذُون - حَذْوَ النَّعل بالنَّعل - خُطى الكافرين الموتورين؛ شبرًا بشبرٍ، وذراعًا بذراع. والكافرون الموتورون نُهينا عن أن نتَّخذَهم أولياءَ، أو وليجةً، أو بِطَانةً؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [المائدة: 57]. وهذه الآية التي تُحرِّم الموالاة، وتُجَرِّم - بضم التاء، وفتْح الجيم، وكسر الرَّاء المشددة - الموالين، دون أن تتعرَّض لأكثر من هذا، الآية تُشرع لحالة من حالات المسلمين، قد لا تكتمل فيها القُدرة على ردْعِ المستهزئين، أمَّا إذا كان الإسلام في ذِروة القوَّة والقدرة، فإن دستورَهم ما جاء في آية التوبة: ﴿ قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾ [التوبة: 29]. وتنفيذ أمْر القطعية والمفاصلة حسبما ورَد في آية المائدة جِهادٌ، ولكنَّه جهادُ المستضعفين الملتبسين بحالة من حالات الضَّعف. وأستطرد[1]، فأقول: إن القوى المناوئة للإسلام تَعْتريها في مواجهتها للمسلمين حالات: 1- حالة الهيبة البالغة؛ ﴿ لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ﴾ [الحشر: 13]، وفيها يحذرون أن تبدرَ منهم بادرة تشي بما في قلوبهم، فلا عجب إذا اتخذوا اللسان غِطاءً لِمَا يعتمل في الجَنان فأثنوا وهنَّؤوا، ونَمَّقوا الكلام، وداهنوا وأبدوا المودَّة، وتشدَّقوا واعتذروا عن مواقف الشُّبهات، وبرَّروا… إلخ، ولعل هذا إيحاءُ قول الله: ﴿ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ﴾ [آل عمران: 167]، وقوله: ﴿ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ﴾ [الفتح: 11]، ﴿ كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ ﴾ [التوبة: 8]، ﴿ لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ ﴾ [الحشر: 13]. 2- حالة الفرصة الآمنة، وهذه تَلْمسها وأنت تقرأ قوله - سبحانه -: ﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ﴾ [البقرة: 14]، وقوله - سبحانه -: ﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 76]. 3- حالة انكشاف الغُمَّة وإفلات اللسان؛ ﴿ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ ﴾ [الأحزاب: 19]. 4- حالة الظهور والتمكُّن، فلا مودَّة، ولا مُجاملة، ولا مسالَمة، بل عُدوان وإساءة، وطِعان؛ ﴿ إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ ﴾ [الممتحنة: 2]. وواضح أن كلَّ حالة من هذه الحالات ردُّ فعلٍ بليغٍ ينمُّ عن مكانة المسلمين ومستواهم العسكري، والمستوى الذي يُرضي الله هو مستوى الظهور والتمكُّن، مستوى القمة والذُّرَى، أما مستوى الحُفَر والقِيعان والسفوح، فهو مسارح الدِّيدان، ومكامِن الحشرات. والمسلم في أدنى حالاته، لا ينبغي أن يَهبط عن المستوى الذي يُمْكنه فيه أن يتَّخذ القرارَ ويَصمد، أمَّا أنْ يُحْشر إلى الله هشيمًا تَذروه الرياح، فذلك من الخُسران المبين. فإذا كان ذلك هو موقف الإسلام ممن اتَّخذ آيات الله هُزوًا من غير المسلمين، فماذا عسى أن يكون موقفه من مسلمين يتطاولون على الشريعة، ويستهزئون بأحكامها، ويرتضون أن يُصبحوا - بألسنتهم وأقلامهم، وكلِّ إمكاناتهم - سهامًا من جعبة الشيطان، ونِصالاً في كِنانة الأعداء؟ إن المسلم الذي مسَّ الإيمان شغاف قلبِه يَحكم للتَّوِّ على أصحاب مثل تلك الأقلام بالرِّدَّة والمروق، ثم يكرُّ عليهم بالوعظ الشافي، والقول البليغ، والإعراض الزاجر الأليم؛ إعمالاً لقول الله: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا ﴾ [النساء: 63]. ذلك هو المتاح في ظروف غيبة الشريعة، وانتشار مدِّ الطاغوت؛ ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ ﴾ [النساء: 60]. ومِن أولئك وهؤلاء جامدون يشتملون بمعلوماتهم اشتمالَ الصماء، والإسلام مع دقَّة تعاليمه مَرِنٌ، فِضْفاض، يَسَع ببُحبوحته الأوَّلين والآخِرين. هؤلاء تَمرق بهم الأيام، فلا ينتبهون، وتُغْرِي أُمَّتهم الأحداث ولا ينتفضون، وتُدَحْرجهم الأقدام، فلا يتأوَّهون، تحسبهم - حين تُنْعِم فيهم النظرَ - أيقاظًا وهم رُقود، وتظنُّهم - بجامع السَّمت والهيئة - وَحْدة متعاطفة، والحقُّ أنَّهم صورة ناطقة لقول الحقِّ - جل وعلا -: ﴿ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ﴾ [الحشر: 14]. فاتَهم فَهْمُ مُقتضى الحال، وإدراك عامل الزمن، وعامل المكان. وهؤلاء أفْزعتْهم فَرْقَعة السِّياط، وحَشَرتْهم صَيْحات الزَّجْر، ودَفعات الرَّكْل؛ حتى انْزَوَوا وتَقَوْقَعوا في محارات ضيِّقة، ظنُّوها كلَّ الدِّين، والدين أرحبُ وأرغدُ، وأرفعُ مما رأَوْا وخَالوا. هؤلاء الجامدون أيضًا آفتُهم تبلُّد الحِسِّ: والبَلادة كما تتأتي مما رانَ على القلب من شرٍّ، تتولَّد كذلك من طول المعاناة، أو من عضَّة اليأْس، أو من غمرة الحَيْرة، أو من استفحال عُقدة النقْص، أو..، أو..، وحينئذ تَركُد العقول، ويَجمد الفكر، ويتَسنَّه ويأْسَن، فيعجز المصابون بهذا الداء عن مُجاراة العالَم، ومُلاحقة الرَّكب، وعن إدراك سُنن المولى في الكون، وعن استثمار نِعَم الله المبثوثة في تضاعيف الوجود. والجامدون قد ينطوون على خيرٍ، ولكنَّهم في مَسيس الحاجة إلى يدٍ آسية؛ تفتح لذلك الخير المنافذ، وتَجلو ما انعقَد حوْله أو فوْقه من قَتَام وغَمام، وعِلَلٍ نفسيَّة جَليَّة وخفيَّة، تفقدُ التوازُن، وتُغري بعِشْق الذَّات، والتمحْوُر - بلا فِقهٍ - حول ما عرَفوا وألِفُوا. نعم هم في مسيس الحاجة إلى قيادة رشيدة تجمع بين خصائص إمام الدعوة، وإمام السياسة والدولة، ولكن لِمَ هذا اللف والنشر والحديث ذو الشجون عن الجمود والجامدين؟ ثم ما علاقة هذا الحديث الساخن بالنفحات وآيات الصيام؟ أهي الملابسة الوثيقة التي بين الجمود والقيود، وبين التطور والتحرُّر؟ قد يكون إدراك تلك العلاقة حافزًا من الحوافز، ولكنَّ الذي أهمَّني أمرٌ وراء هذا، أمرٌ محورُه رمضان والعيد، وزَيْغة الحُكماء، فإلى لقاءٍ قريب، والله المستعان. [1] أمْلَى هذا الاستطراد غُربةُ الإسلام ومِحنة المسلمين. |
رد: نفحات قرأنية رمضانية
(نفحات قرأنية رمضانية) آيات الصيام: مقاصد وأحكام د. فارس العزاوي الحمد لله، والصلاة والسلام على رسولِ الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه. وبعد: فهذه وقفات مُوجزة مع آيات الصيام قصدت بها توضيحَ مقاصد الآيات وبيان مَعانيها، مُهتديًا ومسترشدًا بما قاله المفسرون، ومن المُهم التنبيه على ضرورة رَبْطِ فقه الصيام في تقرير أحكامه بالآيات المنزلة فيه؛ لجعل عبادة الصيام مُرتبطة بمرجعيتها القرآنية وبيانها النبوي. ولعلَّ من المثالب والمعايب التي اتَّصفت بها المتون الفقهية وشروحاتُها وحواشيها عزلَ الأحكام الفقهية عن مَراجعها النصية، مع العلم أنَّ هذه الأحكامَ مأخوذةٌ استنباطًا واستخراجًا من الكتاب والسنة؛ لكونهما المصدرين الأصلِيَّين في الاجتهاد واستخراج الأحكام، ويحسب لمدرسة الأثر ربطها الأحكامَ بنصوصها، إلاَّ أنَّه يعيبها غيابُ النظر المقاصدي، وكان حريًّا بمدارس الفقه الإسلامي التأكيد على قراءة النصوص ومُقتضياتِها ومقاصدها في تقرير الأحكام، ولا شَكَّ أن النص الشرعي قرآنًا وسنة يستبطن حكمَه الظاهر ومَقصده المكنون. وهنا تتجلى وظيفة الفقيه والمجتهد في قراءةِ النص من أجل التعرُّف على أحكامه ومقاصده، وفقًا لمنهجِيَّة أصولية معتبرة تستحضر معهودَ التنزيل وأسلوبَ القرآن العربي، وما يتعلَّق به من أسباب للنُّزول وناسخ ومنسوخ، واعتبار قواعد الألفاظ، وغير ذلك من قواعد التعامُل مع النص الشرعي. وعليه؛ فبين يدي القارئ استعراض لآيات الصيام، وقراءة موجزة في مقاصدِها وأحكامها؛ عَلَّها تكون عونًا للمسلم المعاصر في فقهها وتنزيلها على الواقع؛ لتكونَ العبادة آخذة بجوامعه قلبًا وروحًا وجسدًا. قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ * أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183 - 187]. قوله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾: استئناف ابتدائي لفصل هذه الآية عن التي قبلها، وإنَّما فصلت؛ لاختلافِ الغَرَضين، واختلاف الحُكمَين، فالآياتُ السابقة تَختص بحكم القصاص والوَصِيَّة، وهذه الآيات إنَّما تتعلق بأحكام الصيام. وهذا الجزء من الآية فيه جملة من الفوائد: 1- وصف الله المخاطبين بـ﴿ الذين آمنوا ﴾، ولم يقل: المؤمنون؛ وذلك خشيةَ اعتقادِ أنَّ هذا الحكم خاص بالمخاطبين، فقوله: ﴿ يا أيها المؤمنون ﴾ يَحتمل وجهين: العهد والاستغراق، فأتى بالكلمة التي لا تَحتمل إلاَّ وجهًا واحدًا وهو العموم؛ لأنَّ كلمةَ "الذين" اسم موصول، والأسماء الموصولة كما هو مَعروف عند علماء الأصول تُفيد العموم؛ قال ابن عاشور[1]: "الظاهر أن خطابات التشريع ونَحوها غير جارية على المعروف في توجُّه الخطاب في أصلِ اللغات؛ لأنَّ المشرع لا يقصد لفريق مُعين، وكذلك خطاب الخلفاء والولاة في الظهائر والتقاليد، فقرينة عدم قصد الحاضرين ثابتة واضحة"؛ لذلك نقول: إنَّ الخطابَ هنا - وفي غيره - للعموم. 2- وصفُ الله المخاطبين بالإيمان دليلٌ على أنَّ الخطاب هنا خاصٌّ بمن تَحقَّق فيه شرط الإيمان، وأمَّا الكفار، فليسوا داخلين في الخطاب ولا الحكم، من حيث أداؤه لا من حيث توجه الخطاب، وهي مسألة اختلف فيها أهلُ العلم: هل الكفارُ مُخاطبون بفروع الشريعة أو لا؟ والجمهور على أنَّهم داخلون في الخطاب، وإن لم يذكروا، ولكن لا عِبْرَة بفعلهم؛ لوجودِ المانع وهو الكفر، وإنَّما خُصَّ المؤمنون بالذكر تشريفًا لهم كما قال الشوكاني نقلاً عن بعض أهل العلم: "إنَّ المسلمين والمؤمنين خُصِّصوا من باب خطاب التشريف لا خطاب التخصيص"[2]. والدليل على أنَّ الكافرَ داخلٌ في الخطاب قوله - تعالى -: ﴿ إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ ﴾ [المدثر: 39 - 45]. 3- وفي قوله: ﴿ يا أيها الذين آمنوا ﴾ إشارة إلى أنَّ الإيمان شرطٌ لقَبول العمل، والإيمان هو: "الإقرارُ المستلزم للقَبول والإذعان"، فلا بُدَّ من الإقرار بالقَلب واللسان، والقَبول باللسان، والانقياد بالجوارح، وحُذِفَ المتعلق؛ لدلالة ما قبله عليه في قوله - تعالى - بداية السورة: ﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ﴾ [البقرة: 3]، والإيمان له لوازمُ ينبغي معرفتها، والتحلي بها، نذكرها إجمالاً: إخلاص العمل لله، وتعظيم القرآن الكريم، ومَحبة الله ورسوله، والتمسُّك بما عليه الجماعة، ومَحبة المؤمنين؛ روى الإمام البخاري في صحيحه[3] من حديث أنس - صلَّى الله عليه وسلَّم -: أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((ثلاثٌ مَن كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أنْ يكونَ الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، وأنْ يُحب المرء لا يُحبه إلا لله، وأن يكره أن يعودَ في الكفر كما يكره أنْ يقذف في النار))؛ قال الحافظ ابن حجر: "شَبَّهَ رغبةَ المؤمن في الإيمان بشيء حُلْوٍ، وأثبت له لازمَ الشيء وأضافه إليه"[4]. 4- في قوله: ﴿ يا أيها الذين آمنوا ﴾ جاء الخطاب للمؤمنين بصيغة الجمع، وهذا فيه إشارةٌ إلى أنَّ الأمةَ جماعة واحدة على منهجٍ واحد، فلا يَجوز تفرقها، وهذا في جميع خطابات الشرع، وقد جاءت أدلَّة كثيرة، ونصوص صريحة من كتاب الله، وسنة رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأقوال سلف الأمة في الأمر بالجماعة؛ قال تعالى: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ [آل عمران: 103]، وقوله: ﴿ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ﴾ [الشورى: 13]؛ روى الذهبي في سيره[5]: "قال الليث بن سعد وغيره: كتب رجل إلى ابن عمر أَنِ اكتُب إلَيَّ بالعلم كله، فكتب إليه: إنَّ العلمَ كثير، ولكن إنِ استطعتَ أنْ تلقى الله خفيفَ الظهر من دماء الناس، خميص البطن من أموالهم، كافَّ اللسان عن أعراضِهم، لازمًا لأمر جماعتهم - فافعل". قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "أمرنا بملازمة الإسلام إلى الممات، كما أمر الأنبياء جميعهم بالإسلام، وأنْ نعتصمَ بِحَبله جميعًا ولا نتفرق، ونهانا أنْ نكونَ كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات، وهذا نظير قوله للرسل: ﴿ أنْ أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ﴾، فهذه النصوص وما كان في معناها تُوجِب علينا الاجتماع في الدين، كاجتماع الأنبياء قبلنا في الدين"[6]. قوله - تعالى -: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ﴾: الصيام في اللغة: الإمساك؛ قال تعالى: ﴿ إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ﴾ [مريم: 26]، وأمَّا في الشرع، فهو: الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بنية التعبُّد لله - تعالى - ومن حكمة الله - تعالى - أنَّه نوَّع العبادات اختبارًا للمكلف كيف يكون امتثاله، هل يكون من جهة اتباع الهوى، أو من جهة إعلان العبودية لله - عزَّ وجلَّ - وهذا التقسيم والتنويع للعبادات جاء حتى يعرفَ مَن يَمتثل تعبدًا لله ممن يَمتثل تبعًا لهواه، هذا مع العلم أن الأصل في العبادات أنَّها غير معقولة المعنى، فالأصلُ فيها التعبد، ولكن لا يَمنع تلمس المعاني والمقاصد التي قصدها الشارع في تشريعه للعبادات، والمؤمن إذا اهتدى إليها كانت تثبيتًا وتأكيدًا لإيمانه، ودفعًا للاستزادة من الإيمان؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾ [الأحزاب: 36]. قوله - تعالى -: ﴿ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾: فيه إشارة إلى أن امتثالَ هذا الأمر يجعل المؤمن داخلاً في رَكْبٍ فيه أعظم من وجد على وجه البسيطة، هم الأنبياء والمرسلون وأتباعهم، ففي امتثالِ هذا الأمر تشريفٌ للمؤمن؛ لأنَّ له انتسابًا إلى خير الخلق؛ قال الشيخ عبدالرحمن السعدي في تفسيره: "يُخبر تعالى بما مَنَّ به على عباده بأنه فرض عليهم الصيام، كما فرضه على الأمم السابقة؛ لأنَّه من الشرائع والأوامر التي هي مصلحة للخلق في كلِّ زمان، وفيه تنشيط لهذه الأمة بأنَّه ينبغي لكم أنْ تنافسوا غيرَكم في تكميل الأعمال، والمسارعة إلى صالح الخصال، وأنه ليس من الأمور الثقيلة التي اختُصِصْتم بها"[7]. قوله - تعالى -: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾: هذه الجملة تعليلية فيها معنى المفعول لأجله؛ لأنَّ الغاية من امتثال هذا الأمر حصول التقوى، ولقد جاء الخبر هنا جملة فعلية، وهي تتقون، وهي صيغة الفعل المضارع، التي تفيد التجدد والحدوث؛ أي: إنَّ التقوى تتجدد من قبل صاحبها مع أنَّ أصلها ثابت والمراد الزيادة، ولقد حذف المعمول؛ وذلك لأنه معلومٌ، والتقدير: لعلكم تتقون عذاب الله - تعالى - وهذا هو معنى التقوى الذي قرَّره العلماء، وهو: أن يَجعل العبد بينه وبين عذاب الله وقايةً بامتثال الأوامر واجتناب النواهي. والصوم من أكبر أسباب التقوى؛ وذلك لأمور: 1- أنَّ فيه تركَ الطعام والشراب والجماع وغيرها، مع العلم أنَّها أمور تَميل إليها النفس، والغاية التقرُّب إلى الله راجيًا بتركها ثوابه، وهذا من التقوى. 2- أن في الصوم مراقبة لله، فيترك ما تهوى نفسه مع قدرته عليه؛ لعلمه باطلاع الله عليه. 3- أن في الصيام الإكثار من الطاعات، والطاعات هي من خصال التقوى. 4- أن في الصيام التعرُّف والتحسس لما يُعانيه الفقراء من ألَم الجوع والعطش، ففيه معنى المواساة لهم، وهذا من التقوى. قال ابن القيم: "وللصوم تأثيرٌ عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة، والقوى الباطنة، وحِميتها عن التخليط الجالب لها المواد الفاسدة، التي إذا استولت عليها أفسدتها، واستفراغ المواد الرديئة المانعة لها من صحتها، فالصومُ يَحفظ على القلب والجوارح صحتها، ويُعيد إليها ما استلبته منها أيدي الشهوات، فهو من أكبر العون على التقوى؛ كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]... والمقصود: أنَّ مصالح الصوم لَمَّا كانت مشهودة بالعقول السليمة، والفطر المستقيمة، شرعه الله لعباده رحمةً بهم، وإحسانًا إليهم، وحِمْيَة لهم وجنة"[8]. قوله - تعالى -: ﴿ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ ﴾: من رحمة الله - تعالى - بهذه الأمة أنْ رَبَطَ أحكامَ الشريعة المكلفة بها بالاستطاعة؛ قال تعالى: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 286]، وقال: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا ﴾ [الطلاق: 7]، فجعل الصيام أيامًا معدودات؛ أي: قليلات، ولم يَجعلها كثيرة؛ لئلا يشق على المكلفين، والواقع أنَّ الشريعة ليس فيها مشقة، وإن وجدت فهي مُحتملة كما قال العلماء، وإذا وصل بها الحد إلى المشقة غير المحتملة، سقط الواجب عندها؛ ولذلك قعَّد العلماء قاعدة: "لا واجب مع العجز". قوله - تعالى -: ﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾: في هذه الجملة محذوف وتقديره: فمن كان منكم مريضًا أو على سفر فأفطر، فعِدَّة من أيام أخر، وهذا يُسميه أهلُ العلم دلالة الاقتضاء، وهي توقُّف الكلام على مَحذوف لو لم يقدر، لكان الكلام مَعيبًا، وهذا القدر من الآية مُتعلق بالأعذار التي تُبيح الفطر في رمضان، فالمرضُ المبيح للفطر هو الذي يشق على المكلف معه الصَّوم، وهذه المشقة المصاحبة للمرض عند التلبس بعبادة الصوم هي التي تَجعل الحكم الشرعي مُتغيرًا من الإيجاب بالصوم إلى إباحة الفطر. وعليه؛ فإنَّ المرض المقصود في الآية ليس كل مرض، وإنَّما هو الذي يترتب عليه المشقة والضَّرَر، أمَّا المرض الخفيف الذي ليس له أثر على المكلف عند التلبس بالعبادة، فليس مُعتبرًا في تغير الحكم الشرعي. قوله - تعالى -: ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ﴾: كان فرض الصيام في السنة الثانية للهجرة، وقد فرض على مرحلتين: الأولى: التخيير بين الصيام والإطعام، والصوم أفضل، وهو الذي دلَّت عليه هذه الآية. الثانية: تعيين الصيام وبَقاء الإطعام لمن لم يَستطع الصيام من الرجل الكبير، والمرأة الكبيرة، أو المريض الذي لا يُرجى بُرؤه، ولا يستطيع الصيام. روى مسلم في صحيحه من حديث سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه -[9] قال: "كُنَّا في رمضان على عهد رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - من شاء صام، ومن شاء أفطر، فافتدى بطعام مسكين، حتى أُنْزِلت هذه الآية: ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ [البقرة: 185]، وفي رواية قال: لما نزلت هذه الآية: ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ﴾ [البقرة: 184]، كان من أراد أن يفطر ويفتدي حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها. وقد روى البخاريُّ عن ابن عباس قوله[10]: ليست بمنسوخة، هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أنْ يَصوما، فيطعمان مكانَ كل يوم مسكينًا، وهذا الذي قرَّره ابنُ عباس هو الذي يظهر لنا، وعليه فإن الآية متعلقة بالمرض الذي لا يُرجى برؤه، ويشق معه الصوم، وكذلك المكلف الذي بلغ من الكبر عتيًّا؛ بحيث لا يستطيع الصوم، ومن الجدير ذكرُه في هذا السياق أنَّ هناك من المكلفين مَن يدخل عليهم الخرف؛ بسببِ تقدُّمهم في السن، وهؤلاء على صُورتين: الأولى: أنْ يستحكمَ الخرف فيهم؛ بحيث يصبح المرءُ لا يعقل شيئًا، ففي هذه الحالة يرتفع عنهم التكليف، فلا صومَ ولا كفارة، والصورة الثانية: أنْ يكونَ حالُهم مُتفاوتًا، فيكون تارة عاقلاً، وتارة أخرى خرفًا، وهنا ينبغي التنبه إلى أنَّه مكلف حال كونه عاقلاً، فيجب أمره بالصوم، وإلاَّ فعليه الكفارة، وأمَّا في حالة كونه خرفًا، فإن التكليف يسقط عنه، فلا صَوْمَ ولا كفارة. قوله - تعالى -: ﴿ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾: والتقدير: وصومكم خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون، وحذف مُتعلق بعد خير؛ لإفادة العموم، فالخيرية عامَّة شاملة لأمور الدين والدنيا. يتبع |
الساعة الآن : 09:30 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour