الغنوصية
كانت الاسكندرية بمصر أهم مراكز الغنوصية أو الغنوسية عند انطلاقها وانتشارها في الشرق في القرنين الأولين بعد الميلاد. وصارت هذه الحركة الدينية المسيحية الوريث للتقليد اليهودي والفكر الكلاسيكي اليوناني والأسرار القديمة للديانات الشرقية. والغنوصية كلمة يونانية تعني المعرفة أو الحكمة. برز في الإسكندرية عدد من كبار القادة الغنوصيين أمثال باسيليدس وكربو كراتس وفالنتينوس. وقد حذر القديس أثناسيوس من خطرهم على العقيدة المسيحية بينما وضع القديس اكليمنضس الإسكندري دراسات تحليلية لفئات غنوصية متعددة وحاول أن يؤسس "غنوصية مسيحية حقيقية". أما أهم التعاليم الغنوصية فهي: 1- تؤمن أكثر المدارس الغنوصية بالثنائية وتفصل بين العالمين الروحي والمادي. 2- اعتقدت الغنوصية بأن الكون مادي خلق نتيجة لسقوط الحكمة. وقال بعضهم إن العالم هو أصلا من صنع إله آل على نفسه أن يمزج بين الإنسان الأبدي وعناصر الشر. وأن هذا الإله هو القادر على إصلاح العالم. ولا يمكن أن يتم ذلك إلا متى جُمع مبدآن هما الرأي الهلينيستي، القائل بأن الكون هو فيض إلهي، وتعاليم الإنجيل. وقالت الغنوصية بأن خلق الكون المادي قد خرج من الكون الإلهي بواسطة سلسلة انبثاقات طويلة أو قصيرة. 3- قسّم الغنوصيون البشر إلى طبقتين: الروحيون الذين هم نفوس مستنيرة والجسديون أو الماديون وهم عبيد المادة. وأضاف بعض الغنوصيين فئة النفسانيين وهم طبقة متوسطة. 4- أرجع الغنوصيون اكتسابهم للمعرفة السرية بواسطة المثابرة على استقامة الأخلاق والاستنارة الفجائية التي تمكنهم من إدراك طريق الله والكون وذواتهم. وقالوا إن هكذا معرفة تحرر البشر وتكشف لهم أسرار الحق. 5- حصر الغنوصيون فهم الواقع بهم. فقالت جماعة منهم هي جماعة ناسن (200م): "إننا وحدنا نعرف أسرار الروح غير المنطوق بها". 6- كان السيد المسيح بالنسبة للغنوصيين هو مبعوث الله العلي الجالب "المعرفة". وبما أنه الكائن الإلهي فقد اتخذ الجسد البشري ولكنه لم يتعرض للموت. فهو قد سكن مؤقتا في جسد بشري. 7- آمن الغنوصيون بالقضاء والقدر. دخل الغنوصيون في حوار عنيف مع معارضيهم من المسيحيين الأرثوذوكسيين حول العلاقة بين العهدين القديم والجديد. فبينما تعلق الآباء الأرثوذوكس بوحدة العلاقة بين العهدين أبرز الغنوصيون المتناقضات بين ناموس العهد القديم والأناجيل. كما أخذ الأرثوذوكسيون على الغنوصية إيمانها بالقضاء والقدر وبالعقيدة الثنائية. |
الشـاذليـة
الشاذلية طريقة صوفية تنتسب إلى أبي الحسن الشاذلي. هو علي بن عبد الله بن عبد الجبار بن يوسف أبو الحسن الهذلي الشاذلي نسبة إلى شاذلة في المغرب بشمال أفريقيا. وتشترك هذه الطريقة مع غيرها من الطرق الصوفية في كثير من الأفكار والمعتقدات، وإن كانت تختلف في أسلوب سلوك المريد وطرق تربيته. ومجمل أفكار هذه الطريقة: التوبة، الإخلاص، النية، الخلوة، الذكر، الزهد، النفس، الورع، التوكل، الرضى، المحبة، الذوق، علم اليقين والسماع. ولهذه الألفاظ معان تختلف بدرجات متفاوتة عن المعاني الشرعية. وفي مفهوم الشاذلية وما دعت إليه فإن: - التوبة هي نقطة انطلاق المريد أو السالك إلى الله. - الإخلاص وينقسم لديها إلى قسمين: إخلاص الصادقين وإخلاص الصّدّيقين. - النية وتعد أساس الأعمال والأخلاق والعبادات. - الخلوة أي اعتزال الناس، فهذا من أسس التربية الصوفية. وفي الطريقة الشاذلية يدخل المريد الخلوة لمدة ثلاثة أيام قبل سلوك الطريق. - الذكر والأصل فيه ذكر الله، ثم الأوراد، وقراءة الأحزاب المختلفة في الليل والنهار. والذكر المشهور لدى الشاذلية هو ذكر الاسم المفرد لله أو مضمراً "هو هو". - الزهد وله تعاريف متعددة عند الصوفية منها فراغ القلب مما سوى الله، وهذا هو زهد العارفين. وهو أيضاَ الزهد في الحلال وترك الحرام. - النفس حيث ركّزت الشاذلية على أحوال للنفس هي: النفس مركز الطاعات إن زكت واتقت. النفس مركز الشهوات في المخالفات. النفس مركز الميل إلى الراحات. النفس مركز العجز في أداء الواجبات. لذلك يجب تزكيتها حتى تكون مركز الطاعات فقط. - الورع وهو العمل لله وبالله على البيئة الواضحة والبصيرة الكاملة. - التوكل وهو صرف القلب عن كل شيء إلا الله. - الرضى وهو رضى الله عن العبد. - المحبة وهي في تعريفهم سفر القلب في طلب المحبوب، ولهج اللسان بذكره على الدوام. وللحب درجات لدى الشاذلية وأعلى درجاته ما وصفته رابعة العدوية بقولها: أحبك حبين: حب الهوى وحباً لأنك أهل لذلك. - الذوق ويعرّفونه بأنه تلقي الأرواح للأسرار الطاهرة في الكرامات وخوارق العادات، ويعدونه طريق الإيمان بالله والقرب منه والعبودية له. - علم اليقين وهو معرفة الله معرفة يقينية. ولا يحصل هذا إلا عن طريق الذوق، أو العلم اللدني أو الكشف إلخ.. يُشدد الشاذلي على التمسك بالكتاب والسنة. فمن أقواله: "إذا عارض كشفك الكتاب والسنة فتمسك بالكتاب والسنة ودع الكشف، وقل لنفسك إن الله تعالى قد ضمن لي العصمة في الكتاب والسنة، ولم يضمنها لي في جانب الكشف ولا الإلهام ولا المشاهدة. كذلك فإن الصوفية عامة يرون، ومنهم الشاذلية، أن علم الكتاب والسنة لا يؤخذان إلا عن طريق شيخ أو مربّ أو مرشد، ولا يتحقق للمريد العلم الصحيح حتى يتبع شيخه طاعة عمياء. كما تشدد الشاذلية كغيرها من الطرق الصوفية على السماع، وهو سماع الأناشيد والأشعار الغزلية الصوفية. من أبرز شخصيات الشاذلية المؤسس أبو الحسن الشاذلي الذي اختلف في نسبه. فمريدوه وأتباعه ينسبونه إلى الأشراف ويصلون بنسبه إلى الحسن بن علي بن أبي طالب وبعضهم ينسبه إلى الحسين، وبعضهم إلى غيره. ذكر الإمام الذهبي في "العبر" أن أبا الحسن علي بن عبد الله بن عبد الجبار المغربي الزاهد، شيخ الطائفة الشاذلية، سكن الإسكندرية وله عبارات في التصوف توهم، ويتكلف له في الاعتذار عنها، وعنه أخذ أبو العباس المرسي. وتوفي الشاذلي بصحراء عيذاب متوجهاً إلى بيت الله الحرام في أوائل ذي القعدة 656هـ. وعيذاب على طريق الصعيد بمصر. كان أبو الحسن الشاذلي قد تتلمذ في صغره على أبي محمد عبد السلام بن بشيش في المغرب، وكان له أكبر الأثر في حياته العلمية والصوفية. ثم رحل إلى تونس، وإلى جبل زغوان، حيث اعتكف للعبادة، وهناك ارتقى منازل عالية، كما تقول الصوفية. رحل بعد ذلك إلى مصر وأقام بالإسكندرية، حيث تزوج وأنجب أولاده شهاب الدين أحمد وأبو الحسن علي، وأبو عبد الله محمد وابنته زينب. وفي الإسكندرية أصبح له أتباع ومريدون، وانتشرت طريقته في مصر بعد ذلك، وانتشر صيته على أنه من أقطاب الصوفية. تنتشر الشاذلية في أماكن عديدة من العالم العربي والإسلامي ومركزها الأول هو مصر وبخاصة مدينة الإسكندرية وطنطا ودسوق بمحافظة كفرالشيخ بالإضافة إلى سوريا والمغرب العربي وليبيا والسودان. |
الفرق اليهودية
يقول المؤرخ اليهودي يوسيفوس الذي عاش في القرن الاول الميلادي انه كان هناك ثلاث فرق " فلسفية يهودية" في فلسطين تنتمي الى ثلاث مدارس هي : الصدوقيون والفريسيون والاسينييون ويذكر فرقة رابعة عرفت بالغيوريين . غير انه يقول إنه لم يكن كل اليهود اعضاء في جماعة او اخرى من هذه الجماعات . الصدوقيون كان الصدوقيون جماعة صغيرة إلا انها كانت تتمتع بنفوذ كبير . وكانت الجماعة تتشكل اساساً من كبار الكهنة ومن الطبقات الغنية . وكانوا محافظين متشددين يمقتون التغيير وبخاصة التغيرات التي تؤثر في وضعهم البارز . يعتقد البعض ان الاسم صدوقي جاء نسبة الى " صادوق " الذي ورد اسمه في العهد القديم . واعتقد آخرون ان الاسم مأخوذ من كلمة عبرية معناها البر والاستقامة الاخلاقية او من كلمة يونانية تعني أعضاء المجلس . وكان مجلس السبعين اليهودي " السنهدريم " يضم عدداً كبيراً من الصدوقين. قال الصدوقيون إن الناموس الذي اعطى بيد موسى والذي جاء في الاسفار الخمسة الاولى من العهد القديم هو أساس التعليم الديني . وهذا يعني انهم لم يشاركوا اليهود الآخرين بعض معتقداتهم اليهودية والتي ليست واضحة تماماً في التوراة . فالصدوقيون لا يؤمنون بحياة مستقبلية او بالدينونة الاخيرة او بالقيامة . الفريسيون كان الفريسيون الطائفة التي نشأت في القرن الثاني ق.م. الاكبر عدداً بين اليهود ايام السيد المسيح وكان كثيرون منهم يحترفون دراسة العهد القديم . وكان لكل مجموعة منهم رؤساؤها وقوانينها . أخذ الصدوقيون على الفريسيين انهم كوَموا كمية كبيرة من الاحكام والقواعد لكي يشرحوا من خلالها ناموس العهد القديم . واتهمهم الصدوقيون بأنهم كانوا يؤمنون ويعملون اشياء لا تتفق مع الفهم الحرفي للناموس . على ان الفريسيين أكدوا من جهتهم ان العهد القديم هو الدستور الاعلى لحياتهم وايمانهم إلا انهم ادركوا انه لا يلائم تماماً المجتمع الذي يعيشون فيه حالياً. ولكي تقوم علاقة نافعة فلا بد من تفسيره بطرق جديدة ، خصوصاً وان الناموس يتدخل في حياة الناس اليومية ويقيدها . ورغم هذه النظرة شبه المنفتحة فان الفريسيين بالغوا بالتشدد في احوال كثيرة . فمثلاً سمحوا لليهودي ان يتنزه يوم السبت على ان لا تزيد المسافة عن ثلثي ميل ، كما حرّموا اشعال النار يوم السبت . وكذلك لم يسمحوا للخياط مثلا بالخروج حاملا ابرته في وقت متاخر قبل حلول السبت لئلا تظل في جيبه عند حلول السبت . لم يجد الفريسيون صعوبة في الايمان بالحياة الاخرى بعد الموت . وربما توقعوا ايضا مجىء " المسيا " ليصحح اخطاء الشعب . ورغم انهم لم يشتركوا مطلقاً في اي ثورة ضد الرومان الا انه من المحتمل انهم كانوا يعجبون بمن يقومون بها . اما اسمهم فكان يعني " المفرز " . وكان معظمهم من اليهود العاديين وربما وصل عددهم ايام المسيح الى ستة الاف . وكان المسيح قد تجادل كثيراً مع الفريسيين ودان فيهم برّهم الذاتي وناموسيتهم بينما اظهر محبته لاولائك الذين احتقرهم الفريسيون . وكان بولس الرسول فريسياً قبل اهتدائه وكذلك كان نيقوديموس الذي صار تلميذاً للمسيح في السر . الاسينيون يعتقد المؤرخون المهتمون بالتاريخ الديني ان احدى الفرق الاسينية هي التي كتبت لفائف البحر الميت . وكان مقر هذه الجماعة في قمران قرب البحر الميت بفلسطين . وكانت هذه الجماعة قد انسحبت من الحياة العادية وعاشت حياة شراكة في الصحراء في محاولة للحفاظ على النقاء الديني والاخلاقي ، هذا النقاء الذي اعتقدوا انهم قد يجدوه في العهد القديم وفي حياة التقشف . ويقول المؤرخ اليهودي يوسيفوس انهم لم يتمركزوا في مدينة واحدة بل استقروا باعداد كبيرة في مدن عديدة . ويظن ان فريقاً منهم عاش في البرية قرب دمشق وان هذا الفريق كان يختلف في معتقداته بشكل قليل عن جماعة قمران . نعرف اليوم من مخطوطات البحر الميت ان الاسنيين كانوا اقلية يهودية وانهم امناء لعهد الله وانهم اعتبروا الشعب اليهودي بأكثريته ، بل وحتى الهيكل والكهنة في اورشليم القدس ، غير امناء . واكدت الجماعة ان قائدها " معلم البر " واتباعه الامناء هم وحدهم الذين عرفوا اسرار العهد القديم . آمن الاسينيون ان كارثة في التاريخ ستحل وعندها سيؤكد الله سيادته على العالم بعد ان يقهر الهراطقة والغرباء الغازين ( اي الرومان ) . وستصبح عند ذاك شيعة من اليهود ، وليس كل اليهود ، شعب الله المختار وستتولى هذه الشيعة الامور وتصحح اوضاع عبادة الله في الهيكل. وتوقع الاسينيون ظهور ثلاثة قادة : النبي الآتي الذي تحدث عنه موسى ، والمسيا الملك الذي سيكون من نسل داود ، والمسيا الكاهن الذي ستكون له الأولوية الكبرى . واعتقد الاسينيون كالفريسيين ان الله لديه خطة معدة لا يمكن ان تتغير نتيجة لاي تدخل بشري . وما على الانسان ، في نظرهم ، الا ان يكون في المكان الصحيح وفي حالة ذهنية سليمة حين يصل المخلص الموعود . الى جانب هذه الفرق الثلاث كان هنال الرؤويون والغيوريون . وهما حركتان هامشيتان . فالغيوريون كانوا حركة فدائية منهمكة في مقاومة الرومان اكثر من كونهم حركة دينية . وكانوا في الواقع يشاركون الفريسيين في الكثير من معتقداتهم ، الا انهم كانوا لا يقبلون سيداً سوى الله . ويقول المؤرخ يوسيفوس ان مؤسس شيعتهم كان يهوذا ، وهو رجل جليلي قاد ثورة عام 6 م . ويعتقد ان احد تلامذة المسيح ويدعى سمعان كان من الغيوريين ، كما ساد اعتقاد بان يهوذا الاسخريوطي كان واحداً منهم . اما الرؤويون فكانوا جماعة صغيرة ، ضيقة الافق ، لا يعرف عنهم الا القليل . وكل ما عرف عنهم جاء من خلال كتاباتهم التي ادعوا فيها انهم تسلموا اعلانات جديدة من الله . وقد شدد هؤلاء على الحياة السماوية وليس على الحياة الدنيوية اليومية . وقال احد الكتاب الرؤويين ان " العلي " لم يخلق عالماً واحداً بل اثنين . وتشدد كتاباتهم على الاحلام والرؤى والاتصال بواسطة الملائكة . وهذه الواسطة والوساطة ضرورية بنظرهم لان الله بعيد في عالمه الخاص ولا يمكن للبشر الوصول اليه الا بالواسطة والوسطاء. ولما كانت كلمة رؤيا تعني حرفياً اناس يكشفون عن اشياء سوية ، فان كتاباتهم اتسمت بالغموض ذلك ان الرؤى لا توصف بعبارات صريحة بل باستخدام لغة رمزية . لذلك نجد عندهم اشارات عديدة الى كتب الانبياء في العهد القديم والى الوحوش الاسطورية ، كما استخدموا الاعداد الرمزية في اشارتهم الى امم او اشخاص . وكانت الكتابات الرؤوية تصدر باسم شخصية معروفة عاشت في الماضي مثل نوح وآدم واختوم وموسى وعزرا الخ.. |
النستورية
النساطرة أو الأشوريون هم طائفة من النصارى ينتمون إلى نسطور (380-451م) بطريرك القسطنطينية المولود في قيصرية بسورية. انتخب بطريركاً للقسطنيطينة سنة 428م. آمنت النسطورية أن "في المسيح طبيعتين وأقنومين. لذلك فهو مسيحان أحدهما ابن الله والآخر ابن الإنسان". وقالوا "إن مريم لم تلد إلهاً متجسداً بل إنساناً محضاً هو يسوع المسيح ثم حلت فيه كلمة الله". لذلك لا يجيز أن تدعى مريم والدة الله بل أم المسيح، "فحيث أن الله لم يولد فلا يجوز القول إن الله قد تألم ومات". تصدت الكنيسة لهذه التعاليم وحُرم نسطور وتعاليمه في المجمع المسكوني الثالث الذي انعقد في أفسس سنة 431 ونفي إلى مصر عام 435م. وكانت الكنيسة المسيحية قد عرفت في القرن الخامس خلافات وانقسامات هي باختصار: 1- اتباع الخلقيدنوية والذين عرفوا بالملكيين تمثلهم بطريركية القسطنطينية وبطريركية انطاكية والفئة اليونانية في مصر. ويؤمن اتباع الخلقيدونية (نسبة إلى مجتمع خلقيدونية 451م) أن المسيح، ابن الله متجسد في طبيعتين: إلهية وإنسانية وقد اتحدتا في أقنوم الابن الواحد. 2- اتباع المنفستية القائلة بالطبيعة الواحدة للمسيح وهم في غالبيتهم من سكان الأجزاء الشرقية من سورية. 3- النساطرة وهم السوريون الشرقيون الذي أخرجوا من الامبراطورية البيزنطية فامتدوا شرقا. قامت بين هذه الفئات المسيحية صراعات تداخل فيها اللاهوتي والسياسي والاجتماعي والمناطقي وخصوصا اللغوي، حيث حسبت الفئات الناطقة باللغة الآرامية/ السريانية أن المسيحيين الناطقين باليونانية هم غرباء. تشرد النساطرة بعد نفي بطريركهم إلى مصر ولكنهم عادوا فنشطوا في بلاد فارس وما بين النهرين بالعراق وخاصة في مناطق الموصل وبابل وكثر اتباعهم وتمكنوا من استمالة ملك الفرس إليهم وأثاروا اضطهاداً عنيفاً على اتباع الكنيسة السريانية الأرثوذكسية. انتظم أمر الكنيسة النسطورية بعد مجمعهم المحلي الذي عقد في سلوقية- دجلة عاصمة الدولة الساسانية سنة 410م واعترف بها الملك يزدجرد على أنها كنيسة ذات كيان خاص. وأكد مجتمع مركبتا (424م) هذا الأمر واعترف برئيسها دَد يشوع على أنه بطريرك المشرق وسمح له بأن يتخذ من العاصمة الساسانية نفسها مقراً له. ولما احتل العرب بلاد فارس ووصلوا إلى حدود الهند ظل للنساطرة وضعهم الخاص وفرضت عليهم الجزية. من الواضع أن المسيحيين تمتعوا في دولة الخلافة بمنزلة خاصة وقامت لهم مراكز علمية مهمة في نصيبين المدينة السورية القديمة على الحدود مع تركيا وجنديشابور الإيرانية، ومرو في تركمانستان التي تدعى الآن ماري وسواها. وقاموا بدور بارز في بيت الحكمة ببغداد حيث عملوا مع أقرانهم المسلمين على نقل علوم اليونانيين ومعارفهم إلى العربية. كما أُشركوا ببعض النشاط السياسي الإداري حيث ولّى، على سبيل المثال، الخليفة المعتضد نسطوريا على الأنبار الواقعة قرب بغداد. وبنى النساطرة خلال تلك الفترة كنائس ومدارس جديدة عديدة. نشر النساطرة المسيحية في أرمينيا وبلاد فارس والهند والصين. انضم قسم منهم إلى الكنيسة الكاثوليكية في القرن السادس عشر وهم الكلدان. |
الختـميـة
الختمية طريقة صوفية تلتقي مع الطرق الصوفية الأخرى في كثير من المعتقدات، مثل الغلو في شخص الرسول وادعاء لقياه وأخذ تعاليمهم وأورادهم وأذكارهم التي تميزوا بها، عنه مباشرة. هذا إلى جانب ارتباط الطريقة بالفكر والمعتقد الشيعي وأخذهم من أدب الشيعة ومحاولة المعاصرين منهم ربط الطائفة بالحركة الشيعية المعاصرة. أسس الحركة محمد عثمان بن محمد أبو بكر بن عبد الله الميرغني المحجوب ويلقب بالختم إشارة إلى أنه خاتم الأولياء. ومنه اشتق اسم الطريقة الختمية كما تسمى الطريقة أيضا بالميرغنية. ولد محمد عثمان الميرغنى بمكة، وتلقى علومه الشرعية على يد علمائها. غلب عليه الاهتمام بالتصوف شأن أفراد أسرته جميعا، فانخرط في عدة طرق: القادرية، الجنيدية، النقشبندية، الشاذلية، وطريقة جده الميرغنية، كما تتلمذ على الشيخ أحمد بن إدريس وأخذ تعاليم الطريقة الإدريسية. ومن هذه الطرق جميعا استمد تعاليم طريقته الختمية. بعد وفاة الشيخ أحمد بن إدريس عام 1838م تنافس الميرغني ومحمد بن علي السنوسي (مؤسس الطريقة السنوسية) على خلافة الشيخ. وبتأييد من بعض أتباع الشيخ كسب الميرغني المنافسة والتأييد واستطاع أن يكوّن طريقته الختمية وينشئ لها عدة زوايا في مكة وجدة والمدينة والطائف. ثم بعث بأبنائه إلى جنوب الجزيرة ومصر والسودان للدعوة للطريقة الختمية ونشرها. ألف الميرغني عدة كتب في التفسير والتوحيد. وله دواوين شعرية يغلب عليها جميعاً الطابع الصوفي في لغتها ومضمونها. من أهم هذه الكتب: "تاج التفاسير"، "النفحات المكية واللمحات الحقيّة في شرح أساس الطريقة الختمية"، "ديوان النفحات المدنية في المدائح المصطفوية"، و"مجموعة فتح الرسول". وعلى إثر خلاف مع بعض العلماء في مكة، رحل محمد عثمان الميرغني إلى الطائف، حيث أقام هناك حتى وفاته عام 1853م. ومن الذين توالوا على قيادة الختمية: 1- الحسن بن محمد عثمان (الختم) المولود في مدينة بارا بغرب السودان من امرأة تزوجها والده بتلك المدينة خلال رحلته إلى السودان. التحق بوالده في مكة وتلقى تعليمه هناك. بعث به والده إلى السودان لنشر الطريقة الختمية حيث لقي نجاحاً كبيراً في دعوته لا سيما في شمال السودان وشرقه. 2- محمد عثمان تاج السر بن الحسن بن محمد عثمان (الختم) الذي تولى القيادة بعد موت والده الحسن. وخلال فترة توليه زعامة الطائفة ظهرت الحركة المهدية في السودان، فعارضها معارضة شديدة، وخاض عدة معارك ضد جيوش المهدية في شرق السودان. وانتهى الأمر بهزيمته وفراره إلى مصر حيث مات. 3- علي الميرغني محمد عثمان تاج السر الذي ولد في مدينة كسلا وذهب بعدهها إلى مصر حيث اختاره الإنكليز لمرافقتهم في غزوهم للسودان للقضاء على دولة المهدية. وحينما تم للإنكليز الاستيلاء على السودان وهزيمة المهدية، اعترفوا به زعيماً لعموم طائفة الختمية في البلاد. واستفادوا منه في القضاء على المشاعر الدينية التي حرّكت الثورة المهدية من ناحية، وفي كسب ولاء السودانيين من ناحية أخرى. حينما بدأت الحركة المهدية تظهر من جديد على يد أحد أبناء المهدي، وبمباركة الإنكليز، شعر علي الميرغني بخطورة الموقف لا سيما وأن الإنكليز أرادوا ضرب الطائفتين الختمية والأنصار والاستفادة من العداء التقليدي بينهما والصراع بين زعيميهما. نتيجة لذلك تحول ولاء زعيم الختمية نحو مصر، وأصبح راعياً فيما بعد للحركة السياسية التي كانت تدعو إلى الوحدة بين مصر والسودان. تتبنى الختمية فكرة وحدة الوجود التي نادى بها من قبل محي الدين بن عربي وتلامذته، وقالوا بفكرة النور المحمدي والحقيقة المحمدية وعبّروا عن ذلك نظماً ونثراً واستخدموا مصطلحات الوحدة والتجلي والانبجاس والظهور والفيض وغيرها من المصطلحات الفلسفية الصوفية. أسبغت الختمية على الرسول من الأوصاف ما لا ينبغي أن يكون إلا لله، وذهبوا إلى أن حقيقته لا تدرك ويعجز الوصف عن بيان ذاته. وتوجهوا إليه بدعائهم واستغاثاتهم. ادعى مشايخ الطريقة بأنهم لقوا الرسول ورأوه عيانا، وأنه يحضر احتفالاتهم بمولده، وأنهم تلقوا منه أسس الطريقة وأورادها وتعاليمها. وقالوا إن الرسول أوصى رضوان بأن يعمّر لمؤسس الختمية جنانا ومساكن له ولأبنائه وصحبه وأتباعه وأتباع أتباعه إلى يوم القيامة. للطريقة الختمية أوراد وأذكار وأداب معينة في الذكر والدعاء ميزوا بها أنفسهم وركزوا عليها دون غيرها. كما يهتمون بإقامة احتفالات معينة وإحياء مناسبات خاصة: كإحياء ذكرى مولد النبي والاحتفال بمولد ووفاة مشايخ الطريقة، وإقامة ما يعرف لديهم بليالي الذكر أو الحولية، ويمارسون في كل ذلك طقوساً خاصة في الزي والذكر والإنشاد. يربط مشايخ الختمية الطريقة نسبهم بأئمة الشيعة الاثني عشرية، ويعتبرون أنفسهم من سلالتهم، علماً بأن الإمام الثاني عشر عند الشيعة اختفى أو غاب وهو صغير لم يتجاوز الثالثة أو الخامسة من عمره. كما تبنت الطائفة فكرة الشيعة حول آل البيت وارتباطهم بقضية الإمامة واستحقاقهم لها. بدأت الطريقة من مكة والطائف، وأرست لها قواعد في جنوب وغرب الجزيرة العربية، كما عبرت إلى السودان ومصر. وتتركز قوة الطريقة من حيث الاتباع والنفوذ الآن، في السودان، لا سيما في شمال السودان وشرقه وأطراف أرتيريا المتخامة للسودان ومصر. |
الجبائية والبهشمية
أصحاب أبي على محمد بن عبد الوهاب الجبائي وابنه أبي هاشم عبد السلام وهما من معتزلة البصرة. انفردا عن أصحابهما بمسائل وانفرد أحدهما عن صاحبه بمسائل أما المسائل التي انفردا بها عن أصحابهما: فمنها: أنهما أثبتا إرادات حادثة لا في محل يكون الباري تعالى بها موصوفا مريداً وتعظيماً لا في محل إذا أراد أن يعظم ذاته وفناء لا في محل إذا أراد أن يفني العالم. وأخص أوصاف هذه الصفات يرجع غليه من حيث إنه تعالى أيضاً لا في محل. وإثبات موجودات هي أعراض أو في حكم الأعراض لا محل لها كإثبات موجودات هي جواهر أو في حكم الجواهر لا مكان لها وذلك قريب من مذهب الفلاسفة حيث أثبتوا عقلاً هو جوهر لا في محل ولا في مكان وكذلك النفس الكلية والعقول المفارقة. ومنها: أنهما حكما بكونه تعالى متكلما بكلام يخلقه في محل وحقيقة الكلام عندهما: أصوات مقطعة وحروف منظومة والمتكلم من فعل الكلام لا من قام به الكلام. إلا أن الجبائي خالف أصحابه خصوصاً بقوله: يحدث الله تعالى عند قراءة كل قارئ كلاماً لنفسه في محل القراءة وذلك حين ألزم: أن الذي يقرؤه القارئ ليس بكلام الله والمسموع منه ليس من كلام الله فالتزم هذا المحال: من إثبات أمر غير معقول ولا مسموع وهو إثبات كلامين في محل واحد. واتفقا على: نفي رؤية الله تعالى في بالأبصار في دار القرار وعلى القول إثبات الفعل للعبد خلقاً وإبداعاً وإضافة الخير الشر والطاعة والمعصية إليه استقلالاً واستبداداً وان الاستطاعة قبل الفل وهي: قدرة زائدة على سلامة البنية وصحة الجوارح وأثبتا البنية شرطاً في قيام المعاني التي يشترط في ثبوتها الحياة وأثبتا شريعة عقلية وردا الشريعة النبوية إلى مقدرات الأحكام ومؤقتات الطاعات التي لا يتطرق إليها عقل ولا يهتدي إليها فكر وبمقتضى العقل والحكمة يجب على الحكيم ثواب المطيع وعقاب العاصي إلا أن التأقيت والتخليد فيه يعرف بالسمع. والإيمان عندهما اسم مدح وهو عبارة عن خصال الخير التي إذا اجتمعت في شخص سمي بها: مؤمناً ومن ارتكب كبيرة فهو في الحال يسمى فاسقاً: لا مؤمناً ولا كافراً وإن لم يتب ومات عليها فهو مخلد في النار. واتفقا على أن الله تعالى لم يدخر عن عباده شيئا مما علم أنه إذا فعل بهم أتوا بالطاعة والتوبة من الصلاح والأصح واللطف لأنه: قادر عالم جواد حكيم: لا يضره الإعطاء ولا ينقص من خزائنه المنح ولا يزيد في ملكه الادخار. وليس الأصلح هو الألذ بل هو: الأعود في العاقبة والأصوب في العاجلة وإن كان ذلك مؤلماً ومكروهاً وذلك: كالحجامة والفصد وشرب الأدوية ولا يقال: إنه تعالى يقدر على شيء هو أصلح مما فعله بعبده. والتكاليف كلها ألطاف وبعثة الأنبياء وشرع الشرائع وتمهيد الأحكام ومما تخالفا فيه: أما في صفات الباري تعالى فقال الجبائي: الباري تعالى عالم لذاته قادر حي. لذاته ومعنى قوله لذاته أي لا يقتضي كونه عالماً صفة هي: علم أو حال توجب كونه عالماً. وعند أبي هاشم: هو عالم لذاته بمعنى أنه ذو حالة هي صفة معلومة وراء كونه ذاتاً موجوداً وإنما تعلم الصفة على الذات لا بانفرادها فأثبت أحوالاً هي صفات: لا موجودة ولا معدومة ولا معلومة ولا مجهولة أي: هي على حيا لهالا تعرف كذلك بل مع الذات. قال والعقل يدرك فرقاً ضرورياً بين معرفة الشيء مطلقاً وبين معرفته على صفة فليس منم عرف الذات عرف كونه عالماً ولا من عرف الجوهر عرف الجوهر عرف كونه متحيزا قابلاً للعرض. ولا شك أن الإنسان يدرك اشتراك الموجودات في قضية وافترقتا في قضية وبالضرورة يعلم أن ما اشتركت فيه غير ما افترقت به وهذه القضايا العقلية لا ينكرها عاقل وهي لا ترجع إلى الذات ولا إلى أعراض وراء الذات فإنه يؤدي إلى قيام العرض بالعرض فتعين بالضرورة أنها أحوال فكون العالم عالما حال هي صفة وراء كونه ذاتاً أي المفهوم منها غير المفهوم من الذات وكذلك كونه: قادراً حياً. ثم أثبت للباري تعالى حالة أخرى أوجبت تلك الأحوال. وخالفه والده وسائر منكري الأحوال في ذلك وردوا الاشتراك والافتراق إلى الألفاظ وأسماء الأجناس وقالوا: أليست الأحوال تشترك في كونها أحوالاً وتفترق في خصائص كذلك نقول في الصفات وإلا فيؤدي إلى إثبات الحال للحال ويفضي إلى التسلسل. بل هي راجعة إما إلى مجرد الألفاظ إذ وضعت في الأصل على وجه يشترك فيها الكثير لا أن مفهومها معنى أو صفة ثابتة في الذات على وجه يشمل أشياء ويشترك فيها الكثير فإن ذلك مستحيل. أو يرجع ذلك إلى وجوه واعتبارات عقلية هي المفهومة من قضايا الاشتراك والافتراق وتلك الوجوه: كالنسب والإضافات والقرب والبعد وغير ذلك مما لا يعد صفات بالاتفاق. وهذا هو اختيار أبي الحسن البصري وأبي الحسن الأشعري. ورتبوا على هذه المسألة: مسألة أن المعدوم شيء فمن يثبت كونه شيئاً كما نقلنا عن جماعة من المعتزلة فلا يبقى من صفات الثبوت إلا كونه موجوداً فعلى ذلك لا يثبت للقدرة في إيجادها أثراً ما سوى الوجود. والوجود على مذهب نفاة الأحوال لا يرجع إلا إلى اللفظ المجرد وعلى مذهب مثبتي الأحوال هو حالة لا توصف بالوجود ولا بالعدم وهذا كما ترى من التناقض والاستحالة ومن نفاة الأحوال من يثبته شيئاً ولا يسميه بصفات الأجناس. وعند الجبائي: أخص وصف الباري تعالى هو القدم والاشتراك في الأخص يوجب الاشتراك في الأعم. وليت شعري! كيف يمكن إثباته: الاشتراك الافتراق والعموم والخصوص - حقيقة وهو من نفاة الأحوال فأما على مذهب أبي هاشم فلعمري هو مطرد غير أن القدم إذا بحث عن حقيقته واختلفا في كونه سميعاً بصيراً فقال الجبائي: معنى كونه سميعاً بصيراً: أنه حي لا آفة به. وخالفه ابنه وسائر أصحابه: أما ابنه فصار إلى أن كونه سميعاً حالة وكزنه بصيراً حالة وكونه بصيراً حالة سوى كونه عالماً لاختلاف: القضيتين والمفهومين والمتعلقين والأثرين. وقال غيره من أصحابه: معناه كونه مدركا للمبصرات مدركاً للمسموعات. واختلفا أيضاً في بعض مسائل اللطف فقال الجبائي فيمن يعلم الباري تعالى من حاله أنه لو آمن مع اللطف لكان ثوابه أقل لقلة مشقته ولو أمن بلا لطف لكان ويسوى بينه وبين من المعلوم من حاله أنه لا يفعل الطاعة على كل وجه إلا مع اللطف ويقول: إذ لو كلفه مع عدم اللطف لوجب أن يكون مستفسداً حاله غير مزيح لعلته. ويخالفه أبو هاشم في بعض المواضع في هذه المسألة قال: يحسن منه تعالى أن يكلفه الإيمان على أشق لا وجهين بلا لطف. واختلفا في فعل الألم للعوض فقال الجبائي: يجوز ذلك ابتداء لأجل العوض والاعتبار جميعاً. وتفصيل مذهب الجبائي في الأعواض على وجهين: أحدهما أنه يقول: يجوز التفضل بمثل الأعواض غير أنه تعالى علم أنه لا ينفعه عوض إلا على ألم متقدم. والوجه الثاني: أنه إنما يحسن ذلك لأن العوض مستحق والتفضل غير مستحق. والثواب عندهم ينفصل عن التفضل بأمرين: أحدهما: تعظيم وإجلال للمثاب يقترن بالنعيم والثاني: قدر زائد على التفضل فلم يجب إذاً إجراء العوض مجرى الثواب لأنه لا يتميز عن التفضل بزيادة مقدار ولا بزيادة صفة. وقال ابنه: يحسن الابتداء بمثل العوض تفضلاً والعوض منقطع غير دائم. وقال الجبائي: يجوز أن يقع الانتصاف من الله تعالى للمظلوم من الظالم بأعواض يتفضل بها عليه إذا لم يكن للظالم على الله عوض لشيء ضره به. وزعم أبو هاشم: أن التفضل لا يقع به نتصاف لأن التفضل ليس يجب عليه فعله. وقال الجبائي وابنه: لا يجب على الله شيء لعباده في الدنيا إذا لم يكلفهم عقلاً وشرعاً فأما إذا كلفهم: فعل الواجب في عقولهم واجتناب القبائح وخلق فيهم الشهوة للقبيح والنفور من الحسن وركب فيهم الأخلاق الذميمة فإنه يجب عليه عند هذا التكليف إكمال العقل ونصب الأدلة والقدرة والاستطاعة وتهيئة الآلة بحيث يكون مزيحاً لعللهم فيما أمرهم. ويجب عليه أن يفعل بهم: أدعى الأمور إلى فعل ما كلفهم به وأزجر الأشياء لهم عن فعل القبيح الذي نهاهم عنه ولهم في مسائل هذا الباب خبط طويل. وأما كلام جميع المعتزلة البغداديين في النبوة والإمامة فيخالف كلام البصريين فإن مكن شيوخهم من يميل إلى الروافض ومنهم من يميل إلى الخوارج. والجبائي وأبو هاشم قد وافقا أهل السنة في الإمامة غير أنهم ينكرون الكرامات أصلا للأولياء: من الصحابة وغيرهم. ويبالغون في عصمة الأنبياء عليهم السلام عن الذنوب: كبائرها وصغائرها حتى منع الجبائي القصد إلى الذنب إلا على تأويل. |
المعمرية
أصحاب معمر بن عباد السلمى وهو من أعظم القدرية فرية: في تدقيق القول بنفي الصفات ونفي القدر خيره وشره من الله تعالى والتكفير والتضليل على ذلك. وانفرد عن أصحابه بمسائل: منها: أنه قال: إن الله تعالى لم يخلق شيئاً غير الأجسام فأما الأعراض فإنها من اختراعات الأجسام: إما طبعاً كالنار التي تحدث الإحراق والشمس والحرارة والقمر التلوين وإما اختياراً كالحيوان يحدث الحركة والسكون والاجتماع والافتراق. ومن العجب أن حدوث الجسم وفناءه عنده عرضان فكيف يقول: إنها من فعل الأجسام وإذا لم يحدث الباري تعالى عرضاً فلم يحدث الجسم وفناءه فإن الحدوث عرض فيلزمه أن لا يكون لله تعالى فعل أصلاً. ثم ألزم: أن كلام الباري تعالى: إما عرض أو جسم. فإن قال: هو عرض فقد أحدثه الباري تعالى فإن المتكلم على أصله هو من فعل الكلام أو ما يلزمه: أن لا يكون لله تعالى كلام هو عرض وإن قال هو جسم فقد أبطل قوله: إنه أحدثه في محل فإن الجسم لا يقوم بالجسم فإذا لم يقل هو بإثبات الأزلية ولا قال بخلق الأعراض فلا يكون لله تعالى كلام يتكلم به على مقتضى مذهبه. وإذا لم يكن له كلام لم يكن له آمراً ناهياً وإذا لم يكن أمر ونهي لم تكن شريعة أصلاً فأدى واهبه إلى خزي عظيم. ومنها: أنه قال: إن الأعراض لا تتناهى في كل نوع. وقال كل عرض قام بمحل فإنما يقوم به لمعنى أوجب القيام وذلك يؤدي إلى التسلسل. وعن هذه المسألة هو وأصحابه: أصحاب المعاني. وزاد على ذلك فقال: الحركة إنما خالفت السكون لا بذاتها بل بمعنى أوجب المخالفة وكذلك مغايرة: المثل ومماثلته وتضاد الضد الضد كل ذلك عنده بمعنى. ومنها: ما حكى الكعبي عنه: أن الإرادة من الله تعالى للشيء غير الله وغير خلقه للشيء وغير: الأمر والأخبار والحكم فأشار إلى أمر مجهول لا يعرف. وقال: ليس للإنسان فعل سوى الإرادة: مباشرة كانت أو توليداً وأفعاله التكليفية: من القيام والقعود والحركة والسكون في الخير والشر. كلها مستندة إلى إرادته لا على طريق المباشرة ولا على طريق التوليد وهذا عجب غير أنه إنما بناه على مذهبه في حقيقة الإنسان. وعنده: الإنسان معنى أو جوهر غير الجسد وهو: عالم قادر مختار حكيم ليس بمتحرك ولا ساكن ولا متكون ولا متمكن ولا يرى ولا يمس ولا يحس ولا يجس ولا يحل موضعاً دون موضع ولا يحويه مكان ولا يحصره زمان لكنه مدبر للجسد وعلاقته مع البدن علاقة التدبير والتصرف. وإنما أخذ هذا القول من الفلاسفة حيث قضوا بإثبات النفس الإنسانية أمراً ما هو جوهر قائم بنفسه: لا متحيز ولا متمكن وأثبتوا من جنس ذلك موجودات عقلية مثل العقول المفارقة. ثم لما كان ميل معمر بن عباد إلى مذهب الفلاسفة ميز بين أفعال النفس التي سماها إنساناً وبين القالب الذي هو جسده فقال: فعل النفس هو الإرادة فحسب النفس إنسان ففعل الإنسان هو لإرادة وما سوى ذلك: من الحركات والسكنات والاعتمادات - فهي من فعل الجسد. ومنها: أنه كان ينكر القول: بأن الله تعالى قديم لأن قديم أخذ من قدم يقدم فهو قديم وهو فعل كقولك: أخذ منه ما قدم وما حدث. وقال أيضاً: هو يشعر بالتقادم الزماني ووجود الباري تعالى ليس زماني. ويحكى عنه أيضاً: أنه قال: الخلق غير المخلوق والإحداث غير المحدث. وحكى جعفر بن حرب عنه أنه قال: إن الله تعالى محال أن يعرف نفسه لأنه يؤدي إلى أن لا يكون العالم والمعلوم واحداً ومحال أن يعلم غيره كما يقال: محال أن يقدر على الموجود من حيث هو موجود. ولعل هذا النقل فيه خلل فإن عاقلاً ما لا يتكلم بمثل هذا الكلام الغير المعقول. لعمري! لما كان الرجل يميل إلى الفلاسفة. ومن مذهبهم: أنه ليس علم الباري تعالى علماً انفعالياً أي تابعاً للمعلوم بل علمه علم فعلي فهو من حيث هو فاعل وعلمه هو الذي أوجب الفعل وإنما يتعلق بالموجود حال حدوثه لا محالة ولا يجوز تعلقه المعدوم على استمرار عدمه وانه علم وعقل وكونه: عقلاً وعاقلاً ومعقولاً شيء واحد فقال ابن عباد: لا يقال: يعلم نفسه لأنه يؤدي إلى تمايز بين العالم والمعلوم ولا يعلم غيره لأنه يؤدي إلى كون علمه من غيره يحصل. فإما لا يصح النقل وإما أن يحمل على مثل هذا المحمل. ولسنا من رجال ابن عباد فنطلب لكلامه وجهاً. |
السـنوسـية
السنوسية دعوة إسلامية إصلاحية تجديدية روحية على أساس الكتاب والسنة. ظهرت في ليبيا وعمت مراكزها الدينية شمال أفريقيا السودان والصومال وبعض البلاد الإسلامية. تأسست الدعوة السنوسية في ليبيا في القرن الثالث عشر الهجري/ التاسع عشر الميلادي. ومن أبرز شخصياتها الشيخ محمد بن علي السنوسي (1787-1859م) وهو المؤسس للدعوة السنوسية، وتنسب السنوسية لجده الرابع. ولد السنوسي في مستغانم في الجزائر. وعندما بلغ سن الرشد تابع دراسته في جامعة مسجد القرويين بالمغرب، ثم أخذ يجول في البلاد العربية، فزار تونس وليبيا ومصر والحجاز واليمن ثم رجع إلى مكة المكرمة وأسس فيها أول زاوية لما عُرف فيما بعد بالحركة السنوسية. وله نحو أربعين كتاباً ورسالة أهمها: "إيقاظ الوسنان في العمل بالحديث والقرآن". خلف الشيخ المهدي محمد بن علي السنوسي (1844-1902م) والده في قيادة الدعوة السنوسية وعمره اثنا عشر عاماً. ثم جاء الشيخ أحمد الشريف السنوسي، ابن عم المهدي. ولد سنة 1873م. تلقى تعليمه على يد عمه، وعاصر هجمة الاستعمار الأوروبي على شمال أفريقيا وهجوم إيطاليا على ليبيا فاستنجد في عام 1917م بالحكومة العثمانية، فلم تنجده. فقد ظن المهدي أن مصطفى كمال أتاتورك، حامي الدين، كما كان يطلق عليه آنذاك، سيأتي لمساعدته. ولما تبين له مقاصد أتاتورك الحقيقية المعادية للإسلام غادر الشيخ أحمد تركيا التي كان قد جاءها طلباً للعون، إلى دمشق عام 1923م. وعندما شعرت فرنسا بخطره على حكومة الانتداب لاحقته فهرب بسيارة عبر الصحراء إلى الجزيرة العربية. ثم جاء الشيخ عمر المختار (1856-1931) وهو البطل المجاهد الذي لم تحُل السنوات السبعون من عمره بينه وبين الجهاد ضد الإيطاليين المستعمرين لليبيا، حيث بقي عشر سنوات يقاتل قوى استعمار أكبر منه بعشرات المرات ومجهزة بأضخم الأسلحة في ذلك العصر، إلى أن تمكن منه الإيطاليون ونفّذوا فيه حكم الإعدام. كان ذلك في يوم الأربعاء السادس عشر من أيلول/ سبتمبر 1931م. تأثر السنوسي بالإمام أحمد بن حنبل وابن تيمية وأبي حامد الغزالي ومحمد بن عبد الوهاب وبحركته السلفية. كما تأثر بالتصوف السُني الخالي من البدع والخرافات مثل التوسل بالأموات والصالحين، ووضع منهاجاً كاملاً للارتقاء بالمسلم. تتشدد السنوسية في أمور العبادة، وتتحلى بالزهد في المأكل والملبس. وقد أوجب السنوسيون على أنفسهم الامتناع عن شرب الشاي والقهوة والتدخين. وتدعو السنوسية إلى الاجتهاد ومحاربة التقليد. وعلى الرغم من أن السنوسيّ مالكيّ المذهب، إلا أنه يخالفه إن جاء الحق مع غيره. كما دعت إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والابتعاد عكن أسلوب العنف واستعمال القوة. وشددت على الاهتمام بالعمل اليدوي. وكان السنوسي يقول دائماً: "إن الأشياء الثمينة توجد في غرس شجرة وفي أوراقها". لذلك ازدهرت الزراعة والتجارة في الواحات الليبية حيث مراكز الدعوة السنوسية. وقالت بالجهاد الدائم في سبيل الله ضد المستعمرين "الصليبيين وغيرهم". هذا هو الشعار الدائم للسنوسية. وقد دفع ثمن ذلك آلاف في جهادهم ضد الاستعمار الإيطالي. تعود المؤثرات والجذور الفكرية والسلوكية للدعوة السنوسية إلى تعاليم أحمد بن حنبل وابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب وخاصة أفكارهم السلفية في مجال العقيدة. وقد اكتسب السنوسي هذا التأثر أثناء زيارته للحجاز لأداء فريضة الحج عام 1837م التي كانت نقطة البداية للحركة السنوسية. وأخذ السنوسي من الصوفية أساليب البيعة ودرجات التزكية الروحية مثل درجة المنتسب ثم درجة الإخوان ثم درجة الخواص. تعد واحة جغبوب في الصحراء الليبية بين مصر وطرابلس مركز الدعوة السنوسية. ففي هذه القرية كان يتعلم كل عام مئات من الدعاة، ثم يرسلون إلى كافة أجزاء أفريقيا الشمالية. بلغت زوايا السنوسية الفرعية 121 زاوية تتلقى من زاويتهم الرئيسة التعليمات والأوامر في كل المسائل المتعلقة بتدبير وتوسيع أمر الدعوة. وانتشرت هذه الدعوة في أفريقيا الشمالية كلها، وامتدت زواياها من مصر إلى مراكش ووصلت جنوباً إلى الصحراء في السودان والصومال وغرباً إلى الجزائر. وكذك انتشرت الدعوة السنوسية في خارج أفريقيا حيث وصلت إلى أرخبيل الملايو في الشرق الأقصى. كما استطاعت السنوسية أن تنشر الإسلام في القبائل الوثنية الأفريقية وتؤسس المدارس التعليمية والزوايا. ولم يقتصر التعليم على الذكور بل امتد إلى النساء والأطفال من الجنسين. واستعانت الدعوة بالنساء لنشر الإسلام بين نساء القبائل الوثنية. |
البشرية
أصحاب بشر بن المعتمر كان من أفضل علماء المعتزلة وهو الذي أحدث القول بالتولد وأفرط فيه. وانفرد عن أصحابه بمسائل ست: الأولى منها: أنه زعم أن اللون والطعم والرائحة، الإدراكات كلها: من السمع والرؤية. يجوز أن تحصل متولدة من فعل العبد إذا كانت أسبابها من فعله وإنما أخذ هذا من الطبيعيين إلا أنهم لا يفرقون بين المتولد والمباشر بالقدرة وربما لا يثبتون القدرة على منهاج المتكلمين. وقوة الفعل وقوة الانفعال: غير القدرة التي يثبتها المتكلم. الثانية: قوله: إن الاستطاعة: هي سلامة البنية وصحة الجوارح وتخليتها من الآفات وقال: لا أقول يفعل بها في الحالة الأولى ولا في الحالة الثانية لكني أقول: الإنسان يفعل والفعل لا يكون إلا... الثالثة: قوله: إن الله تعالى قادر على تعذيب الطفل ولو فعل ذلك كان ظالما إياه إلا أنه لا يستحسن أن يقال ذلك في حقه بل يقال: لو فعل ذلك كان الطفل: بالغاً عاقلاً عاصياً بمعصية ارتكبها مستحقاً للعقاب وهذا كلام متناقض. الرابعة: حكى الكعبي عنه أنه قال: إرادة الله تعالى: فعل من أفعاله وهي على وجهين: صفة ذات وصفة فعل: فأما صفة الذات فهي: أن الله تعالى لم يزل مريداً لجميع أفعاله ولجميع الطاعات من عباده فإنه حكيم ولا يجوز أن يعلم الحكيم صلاحاً وخيراً ولا يريده. وأما صفة الفعل فإن أراد بها فعل نفسه في حال إحداثه فهي خلقه له وهي قبل الخلق لأن ما به يكون الشيء لا يجوز أن يكون معه وإن أراد بها فعل عباده فهي: الأمر به. الخامسة: قال إن عند الله تعالى لطفاً لو أتى به لآمن جميع من في الأرض إيماناً يستحقون عليه الثواب استحقاقهم لو آمنوا من غير وجوده وأكثر منه وليس على الله تعالى أن يفعل ذلك بعباده. ولا يجب عليه رعاية الأصلح لأنه لا غاية لما يقدر عليه من الصلاح فما من أصلح إلا وفوقه أصلح وإنما عليه أن يمكن العبد القدرة والاستطاعة ويزيح العلل بالدعوة والرسالة. والمفكر قبل ورود السمع يعلم الباري تعالى بالنظر والاستدلال وإذا كان مختارا ًفي فعله فيستغني عن الخاطرين لأن الخاطرين لا يكونان من قبل الله تعالى وإنما هما من قبل الشيطان السادسة: قال: من تاب عن كبيرة ثم راجعها عاد استحقاقه العقوبة الأولى فإنه قبل توبته بشرط أن لا يعود |
الجارودية
أصحاب أبي الجارود: زياد بن أبي زيادز زعموا: أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على علي رضي الله عنه بالوصف دون التسمية وهو الإمام بعده. والناس قصروا حيث لم يتعرفوا بذلك. وقد خالف الجارود في هذه المقالة إمامة: زيد بن علي فإنه لم يعتقد هذا واختلفت الجارودية في: التوقف والسوق. فساق بعضهم الإمامة من علي إلى الحسن ثم إلى الحسين ثم إلى علي ابن الحسين: زين العابدين ثم إلى ابنه: زيد بن علي ثم منه إلى الإمام: محمد ابن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب و قالوا بإمامته. وكان أبو حنيفة رحمه الله على بيعته ومن جملة شيعته حتى رفع الأمر إلى المنصور فحبسه حبس الأبدن حتى مات في الحبس. وقيل إنه إنما بايع محمد ابن عبد الله الإمام في أيام المنصور ولما قتل محمد بالمدينة. فتم عليه مأتم. والذين قالوا بإمامة محمد بن عبد الله الإمام: اختلفوا: فمنهم من قال: إنه لم يقتل وهو بعد حي وسيخرج فيملأ الأرض عدلاً ومنهم من أقر بموته وساق الإمامة إلى محمد بن القاسم بن علي بن عمر بن علي ابن الحسين بن علي صاحب الطالقان وقد أسر في أيام المعتصم وحمل إليهح فحبسه في داره حتى مات ومنهم مكن قال بإمامة يحيى بن عمر صاحب الكوفة فخرج ودعا الناس واجتمع عليه خلق كثيرن وقتل في أيام المستعين وحمل رأسه إلى محمد بن عبد الله بن طاهر. حتى قال فيه بعض العلوية: قتلت أعز من ركب المطايا و جئتك أستلينك في الكلام و عز علي أن ألقاك إلا و فيما بيننا حد الحسام وأما أبو الجارود فكان يسمى: سرحوب سماه بذاك أبو جعفر محمد بن علي الباقر. وسرجوب: شيطان أعمى يسكن البحر قاله الباقر: تفسيراً. ومن أصحاب أبي الجارود: فضيل الرسان وأبو خالد الواسطي. وهم مختلفون في الأحكام والسير فبعضهم يزعم: أن علم ولد الحسن والحسين رضي الله عنهما كعلم النبي صلى الله عليه وسلم فيحصل لهم العلم قبل التعلم: فطرة وضرورة. و بعضهم يزعم: أن العلم مشترك فيهم وفي غيرهم وجائز أن يؤخذ عنهم وعن غيرهم من العامة. السليمانية اصحاب: سليمان بن جرير وكان يقول: إن الإمامة شورى فيما بين الخلقن ويصح أن تنعقد بعقد رجلين من خيار المسلمين وإنها تصح في المفضول مع وجود الأفضل. وأثبت إمامة أبي بكر وعمر رضي الله عتهما حقاً باختيار الأمة حقاً اجتهادياً. وربما كان يقول: إن الأمة أخطأت في البيعت لهما مع وجود علي رضي الله عنه خطأ لا يبلغ درجة الفسق وذلك الخطا: خطأ اجتهادي. غير أنه طعن في عثمان رضي الله عنهم بإقدامهم على قتال علي رضي الله عنه ثم إنه طعن في الرافضة فقال: إن إئمة الرافضة قد وضعوا مقالتين لشيعتهم ثم لا يظهر أحد قط عليهم: إحداهما: القول بالبداء فإذا أظهروا قولاً: أنه سيكون والثانية: التقية فكل ما ارادوا تكلموا به فإذا قيل لهم في ذلك: إنه ليس بحق وظهر لهم البطلان قالوا: إنما قلناه: تقية وفعلناه: تقية. وتابعه على القول بجواز إمامة المفضول مع قيام الأفضل: قوم من المعتزلة منهم: جعفر بن مبشر وجعفر بن حرب وكثير النوى وهو من أصحاب الحديث. قالوا: الإمامة من مصالح الدين: ليس يحتاج إليها لمعرفة الله تعالى وتوحيده فإن ذلك حاصل بالعقل لكنها يحتاج إليها: لإقامة الحدود والقضاء بين المتحاكمين وولاية اليتامى والأيامي وحفظ البيضة وإعلاء الكلمة ونصب القتال مع أعداء الدين وحتى يكون للمسلمين جماعة ولا يكون الأمر فوضى بين العامة فلا يشترط فيها أن يكون الإمام: أفضل الأمة علماً وأقدمهم عهداً وأسدهم رأياً وحكمة إذا الحاجة تنسد بقيام المفضول مع وجود الفاضل والأفضل. ومالت جماعة من أهل السنة إلى ذلك حتى جوزوا: أن يكون الإمام غير مجتهدن ولا خبير بمواقع الإجتهاد ولكن يجب أن يكون معه من يكون من أهل الإجتهاد: فيراجعه في الأحكام ويستقي منه في الحلال والحرام ويجب أن يكون في الجملة ذا راي متين وبصر في الحوادث نافذ. الصالحية والبترية: الصالحية: أصحاب الحسن بن صالح بن حي. والبترية: أصحاب كثير النوى الأبتر. وهما متفقان في المذهب. وقولهم في الإمامة كقول السليمانية إلا أنهم توقفوا في أمر عثمان: أهو مؤمن أم كافر قالوا: إذا سمعنا الأخبار الواردة في حقه وكونه من العشرة المشرين في الجنة وإذا رأينا الأحداث التي أحدثها: من استهتاره بتربية بني أمية وبني مروان واستبداده بأمور لم توافق سيرة الصحابة. قلنا: يجب أن نحكم بكفره فتحيرنا في أمره وتوقفنا في حالهن ووكلناه إلى أحكم الحاكمين. وأما علي فهو أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولاهم بالإمامة لكنه سلم الأمر لهم راضياً وفوض إليهم الأمر طائعاً وترك حقه راغباً. فنحن راضون بما رضى وهم الذين جوزوا: إمامة المفضول وتأخير الفضل والافضل إذا كان الأفضل راضياً بذلك. وقالوا: من شهر سيفه من أولاد الحسن والحسين رضي الله عنهما وكان: عالماً زاهداً شجاعاً فهو الإمام وشرط بعضهم صباحة الوجه. ولهم خبط عظيم في إمامين وجدت فيهما هذه الشرائط وشهرا سيفهما: ينظر إلى الأفضل والأزهد وإن تساويا: ينظر إلى الأمتن رأياً والأحزم أمراً وإن تساويا تقابلا فينقلب الأمر عليهم كلا ويعود الطلب جذعاً والإمام مأموماً والأمير مأموراً. ولو كانا في قطرين: افرد كل واحد منهم بقطره ويكون واجب الطاعة في قومه. ولو أفتى أحدهما بخلاف ما يفتي الآخر كان كل واحد منهما مصيباً وإن أفتى وأكثرهم في زماننا مقلدون لا يرجعون إلى رأي أو اجتهاد: أما في الأصول فيرون راي المعتزلة: حذو القذة بالقذة ويعظمون أئمة الاعتزال أكثر من تعظيمهم أئمة أهل البيت. وأما في الفروع فهم على مذهب أبي حنيفة إلا في مسائل قليلة يوافقون فيها الشافعي رحمه الله والشيعة. رجال الزيدية أبو الجارود: زياد بن المنذر العبدي لعنه جعفر ابن محمد الصادق رضي الله عنه والحسن بن صالح بن حي ومقاتل بن سليمانن والداعي ناصر الحق: الحسن بن علي بن الحسن بن زيد ابن عمر بن الحسين بن علي والداعي الآخر صاحب طبرستان: الحسين بن زيد ابن محمد بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي ومحمد بن نصر. الإمامية هم القائلون بإمامة علي رضي الله عنه بعد النبي عليه السلام: نصاً ظاهراً وتعييناً صادقاً من غير تعريض بالوصف بل إشارة إليه بالعين. قالوا: وما كان في الدين والإسلام أمر أهم من تعيين الإمام حتى تكون مفارقته الدنيا على فراغ قلب من أمر الأمة فإنه إنما بعث: لرفع الخلاف وتقرير الوفاق فلا يجوز أن يفارق الأمة ويتركهم هملاً: يرى كل واحد منهم رأياً ويسلك كل منهم طريقاً لا يوافقه في ذلك غيره بل يجب أن يعين شخصاً هو المرجوع إليهن وينص على واحد هو الموثوق به والمعول عليه. وقد عين علياً رضي الله عنه في مواضع: تعريضاً وفي مواضع: تصريحاً. أما تعريضاته فمثل: أن بعث أبا بكر ليقرأ سورة براءة على الناس في المشهد وبعث بعده علياً ليكون هو القارىء عليهمن والمبلغ عنه إليهم وقال: نزل على جبريل عليه السلام فقال: يبلغه رجل منك أو قال: من قومك وهو يدل على تقديمه علياً عليه. ومثل أن كان يؤمر على أبي بكر وعمر غيرهما مكن الصحابة في البوثح وقد أمر عليهما: عمرو بن العاص في بعث وأسامة بن زيد في بعث وما أمر على علي أحداً قط. واما تصريحاته فمثل ما جرى في نأنأة الإسلام حين قال: من الذي يبايعني على ماله فبايعته جماعة ثم قال: من الذي يبايعني على روحه وهو وصي عنه يده غليه فبايعه على روحه ووفى بذلك حتى كانت قريش تعير أبا طالب: أنه أمر عليك ابنك. ز مثل: ما جرى في كمال الغسلام وانتظام الحال فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس: فلما وصل إلى غدير خم أمر بالدوحات فقممن ونادوا: الصلاة جامعة. ثم قال عليه السلام وهو على الرحال: " من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم: وال من والاه وعاد من عاداه واصر من نصرهن واخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار. ألا هل بلغت: ثلاثاً ". فإنا ننظر: من كان النبي صلى الله عليه وسلم مولى له وبأي معنى فنطرد ذلك في حق علي رضي الله عنه. وقد فهمت الصحابة من التولية ما فهمناه حتى قال عمر حين استقبل علياً: طوبى لك يا علي! أصبحت مولى كل مؤمن ومؤمنة. قالوا: و قول النبي عليه السلام: " أقضاكم علي " نص في الإمامة فإن الإمامة لا معنى لها إلا أن يكون: أقضى القضاة في كل حادثة والحاكم على المتخاصمين في كل واقعة وهو معنى قول الله سبحانه وتعالى: " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " قالوا فأولوا الأمر: من إليه القضاء والحكم. حتى وفي مسألة الخلافة لما تخاصمت المهاجرون والأنصار كان القاضي في ذلك هو: أمير المؤمنين على دون غيره فإن النبي صلى الله عليه وسلم كما حكم لكل واحد من الصحابة بأخص وصف له فقال: أفرضكم زيد وأقرؤكم له وهو قوله: " أقضاكم على " والقضاء يستدعي كل علم وما ليس كل علم يستدعي القضاء. ثم إن الإمامية تخطت عن هذه الدرجة إلى الوقيعة في كبار الصحابة: طعناً وتكفيراً وأقله: ظلماً وعدواناً. وقد شهدت نصوص القرلان على عدالتهمن والرضا عن جملتهم قال الله تعالى: " لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة. " وكانوا إذ ذاك ألفاً وأربعمائة وقال الله تعالى على المهاجرين والأنصارن والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم: والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وقال: لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة وقال تعالى: " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم ". وفي ذلك دليل على عظم قدرهم عند الله تعالى وكرامتهم ودرجتهم عند السول صلى الله عليه وسلم. فليت شعري! كيف يستجير ذو دين الطعن فيهم ونسبة الكفر إليهم! وقد قال النبي عليه السلام: عشرة من أصحابي في الجنة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد بن ابي وقاص وسعيد بن زيد وعبد الرحمن ابن عوف وأبو عبيدة بن الجراح إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في حق كا واحد منهم على انفرادز وإن نقلت هنات من بعضهم فليتدبر النقل فإن أكاذيب الروافض كثيرة وإحداث المحدثين كثيرة. ثم إن الإمامية لم يثبتوا في تعيين الأئمة بعد: الحسن والحسين وعلي بن الحسين رضي الله عنهم على رأي واحد بل اختلافاتهم أكثر من اختلافات الفرق كلها حتى قال بعضهم: إن نيفاً وسبعين فرقة من الفرق المذكورة في الخبر هو في الشيعةخاصة ومن عداهم فهم خارجون عن الأمة. وهم متفقون في الإمامة وسوقها إلى جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنه ومختلفون في المنصوص عليه بعده من أولاده وقيل: ستة: محمد وغسحاق وعبد الله وموسى وإسماعيل وعلي. ومن ادعى منهم النص والتعيين: محمد وعبد الله وموسى وإسماعيل. ثم: منهم من مات ولم يعقب ومنهم من مات وأعقب. ومنهم من قال بالتوقف والإنتظار والرجعة. ومنهم من قال بالسوق والتعدية كما سيأتي ذكر اختلافاتهم عند ذكر طائفة طائفةز وكانوا في الأول على مذهب أئمتهم في الأصولن ثم لما اختلفت الروايات عن أئمتهم وتمتدى الزمان: اختارت كل فرقة منهم طريقة فصارت الإمامية بعضها: إما وعيدية وإما تفضيلية وبعضها إخبارية: أما مشبهةأو سلفية. ومن ضل الطريق وتاه لم يبال الله به في أي واد هلك. |
الساعة الآن : 11:11 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour