المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


الصفحات : 1 2 3 [4] 5 6 7 8

ابوالوليد المسلم
08-09-2021, 04:45 AM
ذكر خبر تحطيم إبراهيم عليه السلام لأصنام قومه
وهناك موقف آخر لإبراهيم من سورة الأنبياء، كان لهم عيد، كأعياد النصارى في الربيع، ونحن ورثنا أيضاً عنهم الميلاد والمواليد، كان لهم عيد يخرجون فيه إلى الصحراء وإلى أماكن، وإذا أرادوا أن يخرجوا وضعوا أنواعاً من الطعام بين يدي الآلهة في يوم العيد هذا لتباركه، فيأكلون فينتفعون به بظنهم، فمروا جماعات جماعات على إبراهيم فقالوا: هيا يا إبراهيم. (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ )[الصافات:88-89]، مريض ما أستطيع أن أخرج معكم، فالمعذرة، ونظر في النجوم ليوهمهم أنه يستمد معرفته من الكواكب التي يعبدونها، فلما خرجوا وبقي في المدينة وحده جاء بفأس كبيرة، وفلق رءوس تلك الآلهة كلها وكسرها وهشمها، وعلق الفأس في عنق الإله الأكبر، المعبود الكبير.وجاء القوم مسرعين ليأخذوا الطعام الذي باركته الآلهة، فوجدوها متناثرة هنا وهناك، قالوا: ( مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ )[الأنبياء:59]، والشاهد أنه عندما جيء به فقالوا: (أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنطِقُونَ )[الأنبياء:62-63]، يشير إلى أصبعه يوهمهم أنه الصنم، فحكموا بإعدامه، وهذه الحادثة كانت بعد حادثة اليوم بفترة، والشاهد أن هذا في بداية دعوة إبراهيم عليه السلام.
تفسير قوله تعالى: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون)
ذكر الخبر النبوي في صفات مستحقي الأمن يوم القيامة
قال تعالى: ( فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ )[الأنعام:81-82]، هنا ذكر أهل الحديث ما يلي: فقد ذكر ابن كثير عن ابن مردويه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( من أعطي فشكر، ومن منع فصبر، ومن ظلم فغفر، ومن أذنب فاستغفر )، وسكت ولم يجب عن هذا السؤال، فقال الأصحاب: ما له يا رسول الله، فقال: ( أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ )[الأنعام:82]).أقول هذا لأن فيه دعوة إلى الصبر والشكر والتوبة والتجاوز والتسامح، فهذا الحديث سنده مقبول، ( أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ )[الأنعام:82]، نحن نريد أن يكون لنا هذا الأمن، هل تريدون هذا الأمن بحق؟ قال: ( من أعطي فشكر )، أعطاه الله فشكر نعمته، أعطاه فلان فشكر له، هذه خلقه، ( ومنع فصبر ) ، ما شكى وبكى، ( وأذنب فاستغفر)، على الفور استغفر، ( وظلم فغفر ) لمن ظلمه، من حقق هذه فله الأمن، يفوز بالأمن، ما الأمن هذا؟ النجاة من النار ودخول الجنة، هل هناك أمن أكثر من هذا؟ ( أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ )[الأنعام:82].
تفسير الظلم المطلوب نفيه عن الإيمان لتحصيل الأمن
وفي الصحيح أنه ( لما نزلت هذه الآية شق ذلك على أصحابه وتألموا، وقالوا: أينا لا يظلم نفسه؟ فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: ليس الأمر كما ظننتم أو فهمتم، ألم تسمعوا قول لقمان الحكيم لابنه: ( يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ )[لقمان:13] )، فالأصحاب قالوا: أينا لم يظلم نفسه؛ لأن الآية الكريمة تقول: ( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ )[الأنعام:82]، أي: ولم يخلطوا إيمانهم بظلم، وما منا أحد إلا وقد ظلم نفسه، ظلم أخاه، ظلم حيواناً من الحيوانات، الظلم يقع، ولا ينجو منه إلا المعصومون، إذاً: فلا أمن ولا نجاة، فخافوا وشق عليهم الأمر واستصعبوه، فأرشدهم الحبيب صلى الله عليه وسلم إلى كلمة لقمان الواردة في سورته: ( وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ )[لقمان:13]، لماذا يا أبتاه، ( إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ )[لقمان:13].وقد بينا للمؤمنين والمؤمنات وجه الظلم، فأي ظلم أعظم من أن تظلم ربك فتأخذ حقه وتعطيه لغيره؟ الظلم أن تأخذ مال فلان أم لا؟ والله خلقك لتعبده، ووهبك قوتك وإرادتك وسمعك وبصرك وعقلك، وإذا بك تعبد صنماً أو تعبد إنساناً، أو تعبد ملكاً وتترك ربك الذي خلقك! أي ظلم أعظم من هذا؟ والله لا ظلم أعظم من الشرك، الظلم أن تأخذ من فلان حقه وتعطيه لفلان، هذا ظلم، فكيف بالذي يأخذ حقوق الله كلها -كالعبادات- ويعطيها لغيره، فهو أفظع ظلم وأقبحه.
وهكذا يقول تعالى في الذين لهم الأمن بالحقيقة: ( الَّذِينَ آمَنُوا )[الأنعام:82] إيماناً حقيقياً صدقوا فيه وعرفوه، ( وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ )[الأنعام:82] لم يخلطوا إيمانهم بظلم ما من أنواع الظلم، والتنكير هنا للتعميم، ( أُوْلَئِكَ )[الأنعام:82]، الأعلون أو السامون، ( لَهُمُ الأَمْنُ )[الأنعام:82]، لا يخافون ولا يحزنون، فهم أولياء الله، آمنوا ثم ماذا؟ ( آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ )[الأنعام:82]، ( فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ )[البقرة:38].
تفسير قوله تعالى: (وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء...)
وأخيراً: قال تعالى: ( وَتِلْكَ حُجَّتُنَا )[الأنعام:83] هذه الحجة العظيمة التي سمعتموها ( آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ )[الأنعام:83] أعطيناها إبراهيم، ( عَلَى قَوْمِهِ )[الأنعام:83]، ثم قال تعالى: ( نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ )[يوسف:76]، وفي سورة يوسف: ( نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ )[الأنعام:83].وهكذا ما من عبد يتفرغ لدعوة الله، ويكون فيها على علم، ويدعو بالموعظة والحكمة والموعظة الحسنة، ويجادل بالتي هي أحسن إلا أعطاه الله الحجة والبرهان، ( وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ )[الأنعام:83]، ما من عبد صالح يدعو إلى الله على بصيرة إلا ويعلمه ويؤتيه من الحجج ما يغلب خصمه إلى يوم القيامة.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

معنى الآيات
هذه الآيات نسمعكم شرحها في الكتاب زيادة في تحصيل المعاني التي نريدها.يقول المؤلف: [لما أقام إبراهيم الدليل على بطلان عبادة غير الله تعالى، وتبرأ من الشرك والمشركين حاجه قومه في ذلك، فقال منكراً عليهم ذلك: ( أَتُحَاجُّونِي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ )[الأنعام:80]؟ أي: كيف يصح منكم جدال لي في توحيد الله وعبادته وترك عبادة ما سواه من الآلهة المدعاة، وهي لم تخلق شيئاً، ولم تنفع ولم تضر، ومع هذا فقد هداني -أي: ربي- إلى معرفته وتوحيده، وأصبحت على بينة منه سبحانه وتعالى، هذا ما دل عليه قوله تعالى: ( وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ )[الأنعام:80].
ولا شك أنهم لما تبرأ من آلهتهم خوفوه بها، وذكروا له أنها قد تصيبه بمكروه، فرد ذلك عليهم قائلاً: ( وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ )[الأنعام:80] من آلهة أن تصيبني بأذى من الأذى، ( إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا )[الأنعام:80]، فإنه يكون قطعاً؛ فقد ( وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا )[الأنعام:80]، ثم وبخهم قائلاً: ( أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ )[الأنعام:80]، فتذكروا أن ما أنتم عليه هو الباطل، وأن ما أدعوكم إليه هو الحق، ثم رد القول عليهم قائلاً: ( وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ )[الأنعام:81] وهي أصنام جامدة لا تنفع ولا تضر، لعجزها وحقارتها وضعفها، ولا تخافون أنتم الرب الحق الله الذي لا اله إلا هو، المحيي المميت الفعال لما يريد، وقد أشركتم به أصناماً ما أنزل عليكم في عبادتها حجة ولا برهاناً تحتجون به على عبادتها معه سبحانه وتعالى.
ثم قال لهم استخلاصاً للحجة وانتزاعاً لها منهم: ( فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ )[الأنعام:81]من الخوف: أنا الموحد للرب، أم أنتم المشركون به؟ والجواب معروف، وهو: من يعبد رباً واحداً أحق بالأمن ممن يعبد آلهة شتى وجمادات لا تسمع ولا تبصر.
وحكم الله تعالى بينهم وفصل فقال: ( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ )[الأنعام:82]، أي: ولم يخلطوا إيمانهم بشرك، ( أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ )[الأنعام:82]]، إبراهيم طرح السؤال والله أجاب، [أي: الأمن في الدنيا وفي الآخرة، ( وَهُمْ مُهْتَدُونَ )[الأنعام:82]، أي: في حياتهم إلى طريق سعادتهم وكمالهم، وهو الإسلام الصحيح.
ثم قال تعالى: ( وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ )[الأنعام:83]، إشارة إلى ما سبق من محاجة إبراهيم قومه، ودحض باطلهم، وإقامة الحجة عليهم.
وقوله تعالى: ( نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ )[الأنعام:83]، تقرير لما فضَّل به إبراهيم على غيره من الإيمان واليقين والعلم المبين.
ثم علل تعالى لذلك بقوله: ( إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ )[الأنعام:83]، حكيم في تدبيره، عليم بخلقه، يؤتي الحكمة من يشاء وهو العليم الحكيم].
هداية الآيات
إلى هنا انتهى تفسير الآيات، وإليكم بيان هداياتها:[أولاً: مشروعية جدال المبطلين والمشركين لإقامة الحجة عليهم لعلهم يهتدون]، من أين أخذنا جواز الجدال والخصومة مع المشركين والمبطلين؟ من هذه الآية.
[ثانياً: بيان ضلال عقول أهل الشرك في كل زمان ومكان]، والذين يعبدون الأصنام والأحجار أقرب من هذا الذي يأتي إلى قبر ميت ويناديه: يا فلان.. يا فلان.. يا فلان! أنا مصاب بكذا، وفي كذا، وادع الله لي بكذا وكذا، أهذا له عقل حين يدعو ميتاً؟ هل الميت يسمعه؟ وإن فرضنا أنه سمع هل يمد يده لينقذه؟ فلم -إذاً- تدعو من لا يستجيب لك، أين عقلك؟
لو مررت برجل واقف أمام خربة من الديار وهو يصيح ويطلب ماذا تقول له؟ تقول: ما في البيت أحد، ما في هذه الخرابة ساكن، عليك بالبيت الفلاني انظر إلى الضوء فيه. فالذين يدعون غير الله كلهم على حد سواء، دعوا الأنبياء، أو الرسل، أو الملائكة، أو الجمادات والحيوانات.
[ثالثاً: التعجب من حال مذنب لا يخاف عاقبة ذنوبه]، قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام: ( وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ )[الأنعام:81]، أقول: التعجب من حال مذنب لا يخاف عاقبة ذنوبه، وهذا موجود، فكل المذنبين الذين يواصلون الذنوب ما خافوا، لو خافوا عاقبة الذنب لتابوا في يومهم أو ليلتهم.
[رابعاً: أحق العباد بالأمن من الخوف من آمن بالله ولم يشرك به شيئاً]، أحق الناس بالأمن من آمن بالله ولم يشرك به شيئاً، وإذا آمن عبد وأطاع واستقام واتقى فقد استحق الأمن.
[خامساً: تقرير معنى ( اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ )[البقرة:257]].
هذه سنة الله في الناس، الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من ظلمات الجهل أو الشك أو الارتياب إلى نور الحق والمعرفة.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.

ابوالوليد المسلم
08-09-2021, 04:47 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانعام
الحلقة (384)
تفسير سورة الأنعام (17)

بعد كل ما تعرض له إبراهيم عليه السلام من قومه من التكذيب والإيذاء، وعدم ثنيه عن معتقده وتوحيده لربه رفع الله عز وجل شأنه، واصطفاه بالخلة والكرامة، ووهبه إسحاق عليه السلام، ومن بعد إسحاق يعقوب، وجعل من ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون، وغيرهم من الأنبياء، وكان منهم الملوك، ومنهم الربانيون الشهداء الصالحون، فكان صلى الله عليه وسلم بحق أبا الأنبياء.
تفسير قوله تعالى: (ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلاً هدينا...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس كتاب ربنا عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه ألفاً وسلم، قال: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن ما زلنا مع سورة الأنعام المكية المباركة الميمونة، تلكم السورة التي زفت بسبعين ألف ملك لهم زجل وتسبيح، والآن مع هذه الآيات التي نستمع إلى تلاوتها مجودة مرتلة، ثم نأخذ في شرحها وبيان المراد منها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ( وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ * وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ )[الأنعام:84-87].
ذكر خبر إبراهيم وزوجه سارة مع ملك مصر
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: ( وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ )[الأنعام:84]، وقد تقدم السياق في إبراهيم الخليل عليه السلام في قوله تعالى: ( وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ )[الأنعام:83]، ثم قال تعالى: ( وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ )[الأنعام:84] أعطيناه إسحاق بن إبراهيم، وإسحاق -كما سبق أن علمنا- ولد لإبراهيم بعد تجاوز المائة في شيخوخته، وامرأته سارة عاقر، فوهبه إسحاق آية من آيات الله وكرامة من كراماته لأوليائه، وذلكم أن إبراهيم عليه السلام لما هاجر تحت الضغط والتهديد والتعذيب، ووصل إلى الديار المصرية، شاء الله أن يعطي ملك مصر هاجر جارية لسارة امرأة إبراهيم، وكيف أعطاها؟ لما دخل إبراهيم مع سارة امرأته وهما غريبان لا يعرفهما أحد، وكانت سارة حسناء وجميلة، فشاهدها بعض خدم السلطان وأعوانه، فأخبروه أن هناك امرأة حسناء ولا تصلح إلا لك، هؤلاء يسميهم العرب القوادين، وأهل المدينة يسمونهم الجرارين، فالجرار لأنه يجر والقواد لأنه يقوده، فالقواد ألطف. فقال الملك: علي بها. فلما جاءوا ليأخذوها من زوجها إبراهيم قال لها: أي فلانة! إذا سألوك عني فلا تقولي: هو زوجي، قولي: أخي؛ فإنه لا يوجد على الأرض مؤمن ولا مؤمنة إلا أنا وأنت؛ فلهذا قولي: أخي. لأنها لو قالت: زوجي لقال: اقتلوه. أما أخوها فلا يضر.
وجيء بها وحُسِّنت حالها باللباس الحسن والطيب الذكي، وقدمت للسلطان، وجلس معها يتحدث إليها ويطلبها، لكنه كان كلما أراد أن يضع يده على كتفها أو على يدها يصاب بالشلل الفوري، والله الذي لا إله غيره! فيكف يده، ويقول: ادعي لي، فتدعو له، ثم يتحدث إليها ويطلبها، وحين يرغب في أن يضع يده عليها يصاب بالشلل، وهكذا ثلاث مرات! ثم صاح في رجاله: أخرجوا هذه، ما هي بآدمية! وأكرمها فأعطاها خادمة اسمها هاجر القبطية المصرية، وأعطاها بغلة.
ذكر خبر هجرة إبراهيم بهاجر وإسماعيل إلى مكة
فأخذ إبراهيم سارة والخادمة لامرأته وذهب إلى فلسطين، وشاء الله أن تحمل هاجر حيث تسراها بدون عقد، والتسري مشروع، فأنجبت إسماعيل، فاستشاطت سارة غيظاً، وقالت: أنا امرأة إبراهيم لا يولد لي، وهذه جارية خادمة يولد لها؟! فما أطاقت أن تشاهد الطفل ولا أمه، فأمر الخليل بأن يخرج بهاجر وابنها إلى جبال فاران بالوادي الأمين، ومن عجيب ما أخبرنا به أبو القاسم صلى الله عليه وسلم أن هاجر كانت تعفي بخمارها آثار رجليها وقدمي زوجها، حتى لا تعرف سارة أين ذهبا! وانتهى بها وطفلها إلى جبال مكة، وما كان بمكة أحد، وتسمى جبالها بجبال فاران، والقصة واردة في الكتاب والسنة واضحة، نذكر منها ما به العظة.وتركها مع طفلها ومعها دلاوة فيها ماء وجراب فيه بعض التمر، وقفل راجعاً، فلما أدبر واتجه نحو الشام صاحت به هاجر تقول له: آلله أمرك بهذا؟ إلى من تتركنا يا إبراهيم؟! آلله أمرك بهذا؟ ثلاث مرات، فقال: نعم، قالت: إذاً: فاذهب فإنه لن يضيعنا! من يأخذ بهذا؟ من يفهمه؟! ما دام ربي قد أمرني ألا أكذب ولا أسرق ولا أفجر ولا أطفف ولا فوالله لن يضيعني؟ فلم نسرق؟ لم نكذب؟ لم نتعاطى الربا والقوت بيد ربي؟ عجب حال هذه المرأة! قالت: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذاً: فاذهب فإنه لن يضيعنا!
وتتجلى الحقيقة، حيث نفد الطعام ونفد الماء، وإذا بالطفل يتلوى من شدة العطش، وهي تسعى ترنو يميناً وشمالاً لعلها تسمع صوتاً أو ترى شخصاً، وإذا بها ترى أقرب جبل إليها وهو الصفا، فتأتيه فتعلو فوقه وتنظر يميناً وشمالاً علها ترى أحداً، فما رأت فهبطت، ولما وصلت إلى الوادي أسرعت، وخبت فيه خبباً حتى تجاوزته وارتفعت، وانتهت إلى المروة فارتفعت فوقها، وهكذا سبعة أشواط، ثم سمعت النداء، وإذا بجبريل واقف عند الطفل، فلما وصلت إليه ضرب الأرض بكعب رجله فصارت زمزم وذهب جبريل، فأخذت تحوضه وتغرف من الماء في سقائها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم -أو قال: لو لم تغرف من الماء- لكانت عيناً معيناً ) هذه هاجر.
الامتحان بذبح إسماعيل والبشارة بإسحاق ومن بعده يعقوب
وامتحن الله إبراهيم محنة أخرى، أوحى إليه أن يذبح إسماعيل، يذبح ولده، وما كان منه إلا أن جاء إلى مكة وأمر أمه بأن تهيئه للذبح، فغسلته ونظفته وأخذه إلى منى، والمدية في يده، وطرحه على الأرض وتله للجبين، وإذا بجبريل قد جاء بكبش أملح يقول له: دع هذا وخذ هذا، قال تعالى: ( وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ )[الصافات:107].وقد امتثل أمر الله وما تردد وقال: كيف أذبح طفلي؟! أو ما حاجة ربي لهذا الولد؟ كما قال له إبليس في منى.
قال تعالى: ( فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ )[هود:71]، هذه البشرى مقابل الامتحان والابتلاء، هذا إسحاق بشرى؛ لأن إبراهيم شيخ كبير وامرأته عاقر لا تلد، قال تعالى: ( وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ )[الأنعام:84] يعقوب هو إسرائيل وهو ابن إسحاق، الوالد والولد والحفيد، إبراهيم الوالد، والولد إسحاق، والحفيد يعقوب الملقب بإسرائيل، هذه نعمة الله أم لا؟ فكيف يعبد غير الله؟!
قال تعالى: ( وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا )[الأنعام:84]، كل واحد من هؤلاء -الجد والأب والابن- هديناه إلى طريقنا حيث محابنا يأتونها، ومكارهنا يتركونها ويتخلون عنها، هذا إفضال الله وإنعامه، والحديث عن يعقوب والد يوسف الصديق ابن الصديق، والنكبة التي أصابته بأخذ طفله من بين يديه يوسف حديث ذو شجون، حيث بكى حتى ابيضت عيناه وعمي! أحداث جسام، ولكن صبروا ففازوا، ونحن ما يصيبنا شيء مما أصابهم ولا نصبر، ونجاهر بالباطل والشر والعصيان والعياذ بالله تعالى.
معنى قوله تعالى: (ونوحاً هدينا من قبل)
قال تعالى: ( وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ )[الأنعام:84] أيضاً قبل إبراهيم، إبراهيم من ذرية نوح، ونوح عليه السلام أول رسول حارب الشرك والمشركين والوثنية وأهلها، وعاش يدعو إلى الله عز وجل ألف سنة إلا خمسين عاماً، ولم يستجب له سوى نيف وثمانين نسمة بين رجل وامرأة! وكانت كارثة الطوفان، فأرسل الله تعالى عليهم السماء تسيل بالمياه، والأرض تفور بالمياه: ( فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ )[القمر:10]، فأجابه الله تعالى، قال: ( فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ )[القمر:11-12]، وركب السفينة ومن معه وجرت السفينة على الماء حتى هلك العالم بأسره.(وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ )[الأنعام:84]، نوح هديناه، ( وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ )[الأنعام:84]، يصح أن تقول: من ذرية إبراهيم، ويصح أن تقول: من ذرية نوح، ولكن كونه نوحاً أقرب إلى السياق، ( وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ )[الأنعام:84] والكل من ذرية من إبراهيم أيضاً، وهل إبراهيم ليس من ذرية نوح؟ وهل إسحاق ليس من ذرية نوح؟ الكل من ذريته.
الإنعام على إبراهيم عليه السلام بكون داود وسليمان من ذريته
(وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ )[الأنعام:84]، وهذان ملكان غنيان كريمان من أكثر الخلق عبادة، وحسبكم ما قال نبينا صلى الله عليه وسلم في داود: ( أحب الصيام إلى الله صيام داود، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً ) ولا يعيقه ذلك أو يقعد به عن الجهاد! ( وكان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه ) السدس الأخير.

يتبع

ابوالوليد المسلم
08-09-2021, 04:47 AM
ذكر خبر داود عليه السلام في قتله جالوت وتوليه الملك
وماذا تعرفون عن داود؟ داود له بداية، لما فسق بنو إسرائيل وفجروا -كما فسقنا وفجرنا- ولبست نساؤهم الكعب الطويل سلط الله عليهم البابليين، فاجتاحوا ديارهم، وأسروا رجالهم واستعبدوهم ومزقوا البلاد، وفعلوا الأعاجيب بهم.فجاء شيوخ بني إسرائيل بعد فترة من الزمان إلى أحد أنبيائهم -يقال له: حزقيل- فقالوا: عين لنا ملكاً علينا نقاتل تحت رايته.
والآن بعض الجماعات في بلاد العروبة والإسلام ما يعرفون هذا وما سمعوا به، ونحن نقول آلاف المرات: يا أيتها الجماعات الغاضبة -في نظرها- لله، وتريد أن تقيم الدولة الإسلامية! قتالكم بهذه الصورة وجهادكم باطل باطل، والعاقبة السوأى عائدة عليكم، بايعوا إماماً تبايعه أمتكم، وحينئذ التفوا حوله واعبدوا ربكم بما شرع لكم، حتى إذا اكتملتم وأصبحتم أهلاً للجهاد خاض بكم معارك الجهاد.
أما الاغتيالات والعمل في الظلام ثم يقال: نحن نقاتل ونجاهد؛ فهذا منكر وباطل وعاقبته أسوأ ما تكون!
بنو إسرائيل وهم جهال مضطهدون جاءوا إلى نبيهم وقالوا: اجعل لنا ملكاً نقاتل وراءه، لماذا ما قالوا: نقاتل نحن؟ أما فهمتم؟ ( قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ )[البقرة:246].
أزيد فأقول: لو أن إخواننا الفلسطينيين- وهم أولى بهذا- اجتمعوا رجالاً ونساء وأطفالاً والتفوا حول إمام وبايعوه وما اختلفوا عليه، ثم تدربوا على العبادة والطاعة والاستقامة حتى كملوا في ظرف سنوات، ثم قاتلوا اليهود؛ فوالله ليخرجنهم من ديارهم.
أما الاغتيالات والتحمسات والجماعات فكل هذا باطل باطل باطل، ولن ينتج إلا الدمار والخراب، ومع الأسف أنه يوجد علماء يقولون لهم: هذا يجوز! فما النتيجة؟ دلونا عليها! هذا هو عمى البصائر.
عجيبة هذه القصة، حيث قالوا: اجعل لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله، لم لا تقاتلون بدون ملك؟ الجواب: هذه ضرورة؛ لأن كلمتنا تختلف، وسيوفنا تتضارب ولا بد من وحدة.
فعين لهم ملكاً فقالوا: هذا فقير ما عنده كذا ولا كذا، ما هو بشريف، اختاروا أن يكون من صفاته كذا وكذا، ثم تمت الموافقة، وخرج بهم بأربعين ألف مقاتل، ولما كانوا كأمثالنا مزعزعين مضعضعين اختبرهم بأمر الله، قال: غداً نمر بواد بنهر الأردن، ولم يأذن لكم الله أن تشربوا منه، إلا من اغترف غرفة بيده ليطفئ لهب العطش فقط، وما إن وصلوا إلى الماء حتى أكبوا عليه كالبهائم يشربون! وما صبروا؛ لأنهم ما عندهم إرادات ولا علم ولا بصيرة، ولم يبق منهم إلا ثلاثمائة وأربعة عشر رجلاً ما شربوا، إلا من اغترف الغرفة المأذون فيها.
ورجع أولئك الهابطون مهزومين، والتقى جيش طالوت قائد بني إسرائيل وملكهم بالعدو المقابل جالوت ، وبدأ القتال بالمبارزة كما هي الطريقة القديمة في البشرية، تلتقي الصفوف ثم يخرج واحد يقول: من يقاتل؟ فيخرج الثاني حتى تشتعل حرارة الحرب ويندفع بعضهم على بعض، هذه الآن انتهت؛ لأن القتال خداع وفي الغيبة، فلما خرج جالوت كالجبل نادى: من يبارز؟ من يقاتل؟ فما استطاع أحد من بني إسرائيل أن يتقدم أمام هذا الطاغية، فتقدم داود وهو شاب صغير عليه السلام، وقال: بسم الله ورماه بحجر واحد فانهد كما ينهد البناء وسقط، من ثم عين خليفة لطالوت ، وبعد وفاته تولى الملك، وأوحي إليه ونبئ، وأصبح رسول الله وملك المؤمنين، وأنجب ولداً ألا وهو سليمان. ذكر بعض قصص داود وسليمان عليهما السلام
ولهما قصص، منها: أن سليمان كان يلعب أمام المحكمة وهو فتى، ووالده داخل المحكمة، فجاءت امرأتان تشتكيان، فقالت إحداهما: هذه أخذت ولدي. فداود عليه السلام ما وفق للحكم، فخرجتا من عنده إحداهما تبكي والأخرى تقول: هذا ولدي، فقال سليمان: ائتوني بسكين أشقه بينكما، فقد حكمنا بأن نقتل الولد، فقالت أمه: لا تفعل، هو ابنها! لا تذبحه يا نبي الله هو لها، فعرف أن هذه أمه فأعطاه إياها، وأدب الأخرى.وكذلك قصة الغنم التي قال الله تعالى فيها: ( فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ )[الأنبياء:79] قبل أن ينبأن أ
، (وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا )[الأنبياء:79].
وسليمان عليه السلام لما ملك وحكم كان في حياته أحداث كثيرة أيضاً، منها: أنه نذر لله نذراً فقال: لأطوفن الليلة على مائة امرأة تلد كل واحدة منهن ولداً يقاتل في سبيل الله.
وشاء الله ألا تحمل واحدة منهن، إلا واحدة ولدت نصف ولد فقط بعد تسعة أشهر، فجيء فقيل له: هذا هو الولد، وهو ملقى على سرير لا يتحرك، فعرف سليمان وندم؛ لأنه ما قال: إن شاء الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لو قال: إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعون )، لو قال: تلد كل واحدة كذا إن شاء الله ما كان يقع هذا، فهذه خذوها، لا تقل لشيء: سأفعل كذا حتى تقول: إن شاء الله، وإلا فإنك تخيب وتندم.
ذكر بعض خبر أيوب عليه السلام وبيان المنة الإلهية على إبراهيم بدخول يوسف وموسى وهارون في جملة ذريته
قال تعالى: ( وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ )[الأنعام:84] أيوب عليه السلام أيضاً كان ملكاً؛ لأن هؤلاء كانوا ملوكاً وحكاماً صالحين، وأيوب وقع أيضاً في واقعة، حيث قال تعالى عنه: ( وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ )[الأنبياء:83-84]، لكن ما سبب هذا الضر؟لقد وقع له كما وقع لغيره من الامتحانات، فامتحنه الله عز وجل فصبر، ثماني عشرة سنة وهو على الأرض، وكان قد نذر نذراً إن شفاه الله ليضربن امرأته مائة ضربة، فأفتاه الله عز وجل بأن يجمع مائة عود خفيف ويضربها بها ضربة واحدة، الله أفتى أيوب كما يفتي العالم الناس: ( وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ )[ص:44].
قال تعالى: ( وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ )[الأنعام:84] هؤلاء كلهم حكموا وسادوا وأحسنوا، كانت ميزتهم الحسن، أحسنوا في عبادتهم لربهم، وأحسنوا في قضائهم وحكمهم، وأحسنوا إلى الناس أجمعين فلم يسيئوا إلى أحد، فلهذا قال تعالى: كما جزيناهم نجزي المحسنين.
ذكر بعض خبر زكريا ويحيى عليهما السلام
ثم قال تعالى: ( وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ )[الأنعام:85]، وهؤلاء ما كان فيهم ملك ولا حاكم، ولكن كانوا ربانيين شهداء صالحين، فقال تعالى فيهم: ( كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ )[الأنعام:85]، وزكريا أبو يحيى ويحيى ولده، وحادثتهما في القرآن أن زكريا عليه السلام كان قد بلغ الكبر وكانت امرأته عاقراً، وتاقا للولد واشتاقا له، وشاهد حنة والدة مريم كيف ولدت مريم، فلما رآها ولدت مريم ونمت وكبرت، وولدت مريم عيسى، لما شاهد هذه المعجزة قال: ( رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ * فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى )[آل عمران:38-39] مع كبر سنه وعقم امرأته، وبشره الله بيحيى عليه السلام، وزكريا ويحيى قتلهما بنو إسرائيل، فهما شهيدان.وعيسى بن مريم كذلك عزموا على قتله، وكان عابداً لله صالحاً، عزموا على قتله ولكن الله أنقذه ورفعه إليه.
(وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ )[الأنعام:86]،كل هؤلاء ما كان فيهم ملك ولا سلطان ولا كانت لهم دولة، بخلاف الطائفة الأولى؛ ولهذا قال: ( وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ )[الأنعام:86] كل واحد منهم أفضل الناس في زمانهم ذلك.
تفسير قوله تعالى: (ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم)
ثم قال تعالى: ( وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ )[الأنعام:87] أي: وأوجدنا من آبائهم وذرياتهم أناساً صالحين ربانيين علماء أنبياء من الآباء والذرية، ( وَاجْتَبَيْنَاهُمْ )[الأنعام:87] اصطفيناهم واخترناهم، ( وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ )[الأنعام:87] ألا وهو دين الله الذي هو الإسلام.هنا -معاشر المستمعين- ثمانية عشر نبياً ورسولاً في هذه الآيات، هم: إبراهيم، إسحاق، يعقوب، نوح، داود، سليمان، أيوب، يوسف، موسى، هارون، زكريا، يحيى، عيسى، إلياس، إسماعيل، اليسع، يونس، لوط، ثمانية عشر، وأهل العلم يقولون: خمسة وعشرون نبياً تجب معرفتهم على كل مؤمن ومؤمنة. فالرسل ثلاثمائة وأربعة عشر، ما نستطيع أن نحفظهم، والأنبياء مائة وأربعة وعشرون ألفاً، لكن هؤلاء الذين ذكروا في القرآن يجب على المؤمن والمؤمنة أن يعرفاهم، ثمانية عشر في هذه الآية، وسبعة هم: هود وصالح شعيب وإدريس وذو الكفل وآدم ومحمد صلى الله عليه وسلم.
وقد ذكروهم في ثلاثة أبيات من الشعر:
حتم على كل ذي التكليف معرفة في تلـــــــك حجتنــــا منهـــم ثمانيــــــــــة
إدريس هــود شعيــب صـالح وكــــذا أنبياء على التفصيـــل قـــــــد علمــوا
من بعد عشر ويبقى سبعة وهـمو ذو الكفل آدم بالمختار قد ختموا
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! هذا إفضال الله، هذا إنعام الله ينعم على من يشاء، ويتفضل على من يشاء، ولكن الذين يشاء التفضل عليهم والإنعام هم الذين يقرعون بابه، ويطرحون بين يديه، ويبكون ويسألون ويتضرعون، أما المستنكفون المستكبرون المستغنون عن الله فهيهات هيهات أن ينعم الله عليهم أو يكرمهم.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

هداية الآيات
والآن مع هداية هذه الآيات:
[ أولاً: سعة فضل الله ]، دلت الآيات على سعة فضل الله، بدليل ما يعطي وما يهب لمن يشاء من عباده.
[ ثانياَ: خير ما يعطى المرء في هذه الحياة ] الدنيا، هل الولد؟ امرأة؟ وظيفة؟ مال؟ قال: [خير ما يعطى المرء في هذه الحياة الهداية إلى صراط مستقيم ]، ولا تقل: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة )، ذاك للمؤمنين، فخير ما يعطاه الآدمي أو الجني هو أن يهديه الله تعالى إلى صراط مستقيم، ألا وهو الإسلام، فيسلم قلبه ووجهه لله ويعبد الله تعالى بما شرع من أنواع العبادات؛ حتى يتوفاه الله مؤمناً صالحاً، ويدخله في الصالحين.
[ثالثاً: فضيلة كل من الإحسان والصلاح ]، حيث وصف تعالى جماعة من الأنبياء بالصالحين وأخرى بالمحسنين.
إذاً: يدل هذا على أفضلية كل من الإحسان والصلاح.
الإحسان ما هو؟ أولاً: أن تعبد الله كأنك تراه، ومعنى هذا: أن عباداتك كلها صالحة، ما من عبادة يؤديها العبد وكأنه ينظر إلى ربه إلا أتمها وأحسنها وأداها على الوجه المطلوب، هذا الإحسان أولاً.
ثانياً: أن يحسن إلى الخلق فلا يسيء إلى أحد منهم، وهذا هو الكمال، يحسن إلى الخلق فيبدأ بنفسه وبأقاربه ثم البشرية كلها، إما أن يعطيهم الخير أو يكف عنهم الأذى والشر.
والصلاح ما هو؟ من هو الصالح؟ الصالح هو الذي يؤدي حقوق الله وافية، ما ينقص منها شيئاً، ويؤدي حقوق العباد كذلك، هذا عبد صالح، هذا رجل صالح، ما بخس الله حقه ولا بخس أي إنسان حقه الذي وجب له؛ ولهذا فهاتان الفرقتان في درجة عالية.
[ رابعاً: لا منافاة بين الملك والنبوة أو الإمارة والصلاح ]، لا منافاة بين الملك والنبوة، يكون نبياً ويكون ملكاً، كيف عرفنا هذا؟ أما كان داود ملكاً؟ وسليمان أما كان ملكاَ؟ وهما نبيان ورسولان، فما هناك منافاة أبداً بين الملك والنبوة، ولا بين الإمارة والنبوة.
[خامساً: فضيلة الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة ]، من أين أخذنا هذا؟ من شأن إسماعيل عليه السلام، فهل كان ملكاً؟ هل كان أميراً؟ كان يعيش في مكة، يصيد ويأكل الذبيحة أم لا؟ كذلك اليسع ويونس ولوط كلهم كانوا فقراء، لكن كانوا زهاداً في الدنيا مقبلين على الآخرة، والله تعالى ذكر الصالحين وذكر المحسنين، وذكر هؤلاء وأثنى عليهم فقال: ( وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ )[الجاثية:16] لزهدهم في الدنيا ورغبتهم في الآخرة.
والله تعالى أسأل أن يجعلنا وإياكم من الزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

ابوالوليد المسلم
08-09-2021, 04:49 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانعام
الحلقة (385)
تفسير سورة الأنعام (18)



ذكر الله عز وجل في كتابه الكريم الكثير من الأنبياء والرسل، ومنهم أولو العزم صلوات الله وسلامه عليهم، وقص على نبيه صلى الله عليه وسلم قصصهم وحالهم مع أقوامهم ودعوتهم لهم وصبرهم عليهم، ثم أمره تعالى بالاقتداء بهم وبهداهم، رغم أنه صلى الله عليه وسلم هو أفضلهم وأكملهم، ولكنه في حاجة إلى من يعضده ويشد من أزره وهو يعاني الآلام والكروب في مكة وما حولها، فجاء ذكرهم صلوات الله عليهم ليصبره ويثبته لإكمال طريق الدعوة وتبليغ الدين.
تفسير قوله تعالى: (ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله ربه بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأربعاء من يوم الثلاثاء- ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن مع سورة الأنعام المكية التي زفت بسبعين ألف ملك ولهم زجل وتسبيح، وها نحن مع هذه الآيات الثلاث التي نسمعها مجودة مرتلة من أحد التلامذة، ثم نشرحها إن شاء الله ونبين مراد الله منها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ( ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ )[الأنعام:88-90].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: ( ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ )[الأنعام:88]، تقدم في السياق أن ذكر تعالى لنا ثمانية عشر نبياً ورسولاً، هو الذي اصطفاهم واجتباهم وأرسلهم هداة للعالمين.
النبوة اصطفاء والهداية مطلب
إذاً: قال تعالى: ( ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ )[الأنعام:88]، إذا كان الهدى هو النبوة والوحي والرسالة فهذا لا يطلب ولا يسأل، وإنما الله يختار من هو أهل لأن يحمل رسالته فيصطفيه وينبئه ويرسله، وما عدا النبوة والرسالة ممكن، فمن قرع باب الله تعالى سائلاً ضارعاً فالله لا يرده، أي: من طلب في صدق الهداية إلى الصراط المستقيم وجد في الطلب فلك أن تحلف بالله أن الله لا يخذله، لا بد أن يهديه وأن يوفقه، ويهيئ له الأسباب حتى يبلغ مراده مما طلب من الله وهو هدايته؛ ليمشي طول حياته على منهج الحق، يحل ما أحل الله، ويحرم ما حرم الله، وينهض بما أوجب الله من الأقوال والأفعال، ويتجنب ويترك ما نهى الله عنه وحرمه من الأقوال والأعمال.(ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ )[الأنعام:88]، فإن كان المراد النبوة والوحي فهذا لا يطلب، لو سألت الله ألف سنة أن ينبئك فلن تنبأ، وليس من حقك هذا، فالرسالة والوحي والاصطفاء هذا لله عز وجل، يختار من عباده من يختاره وهم في أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم، فسلم بما أخبر الله تعالى به، وأنه يهدي من يشاء من عباده، أما الهداية إلى الصراط المستقيم ذاك الصراط الذي نطلبه في كل ركعة من ركعاتنا فنقول: ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ )[الفاتحة:6-7]، هذه الهداية مستجابة، اصدق فقط يا عبد الله وصحح نيتك، وأقبل على ربك واسأله هدايته فإنه يهديك، لا أن يوحي إليك، ولكن يوفقك لأن تسأل أهل العلم، لأن تتعرف على الطريق فتعرفه، يوفقك إلى أن تكثر من الصالحات، فتزكو نفسك وتطيب وتطهر، فهذا يُسألُه الله ويطلب من الله، والله لا يحرم من سأله وطلبه.
معنى قوله تعالى: (ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون)
وقوله تعالى: ( وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )[الأنعام:88] من هؤلاء؟ ثمانية عشر نبياً ورسولاً، نوح فإبراهيم وما بينهما وما بعدهما، هؤلاء كلهم لو أشركوا بالله في عبادة غيره لبطلت كل أعمالهم وهلكوا وإن كانوا معصومين، لكن هذا من باب: (إياك أعني واسمعي يا جارة)، وهذا في عامة هذه المواكب الثلاثة: الصالحين والمحسنين والمطيعين البارين، ورسولنا صلى الله عليه وسلم واجهه الله تعالى على انفراده بهذا، إذ جاء من سورة الزمر قوله تعالى: ( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ )[الزمر:65]، ما هو السر؟ ما هي العلة؟ ما هي الحكمة يا بصراء؟! الشرك كفر، بل أفظع أنواع الكفر؛ لأنك سويت بالله عز وجل مخلوقاً من المخلوقات، فأعطيته قلبك ووجهك، سويت مخلوقاً من هذه المخلوقات على اختلافها وجعلته إلهاً مع الله تركع له وتسجد، أو ترفع كفك وتتضرع وتسأل، أو تتقرب إليه بأدنى قربة تتقرب بها ناسياً ربك معرضاً عن مولاك، فهذا الذنب العظيم إذا حدث يحول النفس البشرية إلى عفن كامل ونتن كامل. وقد علمنا- وزادكم الله علماً- أن الحسنات تزكي النفس وتطهرها بمثابة الماء والصابون للأبدان والأجسام، وأن السيئات تخبث النفس وتعفنها كالأوساخ التي تعفن الجسم والثوب، والله لكما تسمعون، وهذه سنة الله، الطعام يشبع الآكلين أم لا؟ السم يقتل الآكلين أم لا؟ لا تتبدل سنن الله عز وجل، فالذنوب ليست على مستوى واحد، أليس قد علمنا أن الذنوب منها الكبائر ومنها الصغائر؟ والكبائر سبع، فالذنب إذا عظم يلطخ النفس ويحولها إلى نتن وعفونة.
فمن هنا كان الشرك -والعياذ بالله- يقلب النفس إلى نفس شيطانية منتنة لا يقبلها الله تعالى، والله طيب لا يقبل إلا طيباً، لا تقل: أنا إذا قلت: (يا سيدي فلان المدد)، (يا رسول الله أغثني) فماذا فعلت؟ إنه في نظرك ما فعلت شيئاً، لكن لو علمت أن دعاء غير الله وسؤال غير الله من أعظم أنواع الشرك لما قلت هذا!
وشيء آخر للعقلاء والبصراء: فحين تقف تحت كوكب تسأله هل يجيبك؟ هل يسمع نداءك؟ هل يفرج كربك؟ الجواب: لا. حين تضع تمثالاً لشخصية مضت كنبي من الأنبياء، وتعكف حوله وتسأله هل يجيب ويعطيك؟ وحين تقف على قبر صالح من الصالحين وتناديه أن: يا فلان! الغوث الغوث، إني في كرب، أنت كذا. هل يسمعك؟ وإذا سمعه فأسألكم بالله: هل يجيبه فيقول: افعل وافعل؟! الجواب: لا، فكيف -إذاً- يفعل هذا العفن؟ ( إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ )[ فاطر: 14] ، إن فرضنا أنهم سمعوا فلن يستجيبوا.
خلاصة هذه الكلمة ونحن أمام كلام الله: أنه تعالى يقول لثمانية عشر رسولاً: ( وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )[الأنعام:88]، فهل هناك بعد هذا من يقول: لا بأس، ماذا يكون إذا أشركت بالله؟! والشرك ليس معناه أنك تقول: فلان هو الله، أو هو الإله، ليس هذا شرطاً!

يتبع

ابوالوليد المسلم
08-09-2021, 04:49 AM
زجر النبي صلى الله عليه وسلم عن كل مظاهر الشرك
والرسول صلى الله عليه وسلم وضع أيدينا على كل مظاهر الشرك لو كنا ندرس سنته ونعرف منهجه وسيرته، ( نظر إلى أحد أصحابه وفي يده حلقة من حديد، فسأله: ما هذه يا فلان؟! قال: من الواهنة يا رسول الله! )، أصاب بالوهن في يدي فقيل لي: اتخذ هذه يزول الوهن طلباً للعلاج، فقال له: ( انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهناً، وإنك لو مت وأنت ترى أنها تنفعك لمت على غير الفطرة )، فهل بعد هذا نعلق خيطاً أو حديدة؟! ويتحدث مع أصحابه فيقول له أحدهم: ( ما شاء الله وشئت يا رسول الله! فقال: أجعلتني لله نداً؟! قل: ما شاء الله وحده )، فكيف بالذي يقول: هذه بقرة سيدي فلان؟! هذا لسيدي فلان، قرابين يتقربون بها إلى الموتى إضافة إلى الدعاء والتضرع والسؤال والتلطف، وإن شككتم فقولوا للعسكر حول الحجرة النبوية: ابتعدوا اليوم وأعطوا الناس راحة، وتعال اسمع، ستسمع دعاء ما سئل الله به، ولا يبكون بين يدي الله ولا يتضرعون كما يفعلون أمامه صلى الله عليه وسلم!
فالله تعالى هو القائل: ( وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )[الأنعام:88]، فكيف نسوغ لمؤمن أن يقول: يا سيدي فلان؟! أو يحلف: يا فلان؟! أو ينحني ويركع لفلان؟!
(ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا )[الأنعام:88] من باب الفرض فقط ( لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )[الأنعام:88]، كل أعمالهم الصالحة من الجهاد والخير والبركات والعبادات كلها تفوت، تزول وتفنى.
تفسير قوله تعالى: (أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة ...)
ثم قال تعالى: ( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ )[الأنعام:89]، أولئك السامون الأعلون أصحاب المقامات السامية، أولئك الذين أعطيناهم الكتاب: التوراة لموسى، الإنجيل لعيسى، الزبور لداود، الصحف لإبراهيم، وصحف موسى، وما إلى ذلك، والكتاب اسم جنس. (وَالْحُكْمَ )[الأنعام:89] الحكم ليس هنا بمعنى: الدولة والسلطان، أعطاهم الحكم بمعنى: الحكمة، الإصابة والسداد في الأمور كلها، فقه العبد وفهمه لأسرار الشريعة، والحكمة: ( وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا )[البقرة:269].
(وَالنُّبُوَّةَ )[الأنعام:89] إذ ما منهم إلا نبي، وجمع الله لهم بين النبوة والرسالة، كل الثمانية عشر أنبياء ورسل، والنبوة أولاً والرسالة بعدها، كل رسول نبي، وليس كل نبي رسولاً؛ إذ قد يكون نبياً ولا يكون رسولاً، ما أرسله الله إلى أمة من الأمم، ولكن نبأه وأخبره وأوحى إليه وكلمه.
معنى قوله تعالى: (فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين)
ثم قال تعالى: ( فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ )[الأنعام:89]، والخطاب هنا لرسول الله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ( فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا )[الأنعام:89] أي: بهذه الدعوة، من هؤلاء الذين يشير إليهم؟ إنهم أهل مكة، قريش ومن إليها وما حولها.(فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ )[الأنعام:89] وعلى رأسهم المهاجرون والأنصار، ثم كل مؤمن صادق الإيمان إلى يوم القيامة.
رؤيا الشيخ محمد رشيد رضا المتعلقة ببشارة مأخوذة من الآية الكريمة
وهنا عندنا لطيفة رزقناها الله في هذا المساء، ومن غضب سامحناه، فبالأمس أحد الطلبة قال لآخر: أنا لا أجلس عند هذا، أكرهه، فقم! وأقول: الحمد لله أن وجد من يكرهني، أما أنا فوالله ما آذيت مؤمناً قط. فالحاصل أني الآن كنت أطالع في تفسير المنار للشيخ محمد عبده وتلميذه الشيخ رشيد رضا رحمة الله عليهما، ومن إخوانكم من يسبهما، فلا إله إلا الله!
فكنت عند هذه الآية، وهي قوله تعالى: ( فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ )[الأنعام:89]، قال الشيخ: بعدما كتبت هذه الآية وشرحتها بزهاء شهر رأيت في المنام أني في مكان وإذا بموكب من الرجال في أنوار تتلألأ ووجوه مشرقة، وقدموا أحدهم فأثنوا عليه وقمنا فسلمنا عليه، وقالوا: هذا الذي يعيد إلى الإسلام ما فقده، إن كفر بها هؤلاء فهؤلاء يستردونها. قال: فأخذت أفكر من هو الذي يقوم الآن بدعوة الإسلام بعد ما هبطت؟! وكان هذا أيام العثمانيين، ورأى في المنام أنهم قالوا: إن الصحف الأوروبية كتبت أن شخصية إسلامية شأنها كذا وكذا. قال: فاستيقظت فبحثت عن هذا الذي يقوم بهذه.
وما حصل شيء معه، فلاح في خاطري -ولو كان الشيخ حياً لبلغته- أن هذا الذي أحيا هذه الدعوة بعدما ماتت أو كادت تموت هو عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ! والله العظيم لقد أحياها، قبله ماتت الدعوة الإسلامية، عمَّ الشرك كل ديار المسلمين، خيمت الخرافة والضلالات، أيس العالم من أن الإسلام يحكم، أيس الكفار والمسلمون على حد سواء أن يوجد من يقطع اليد أو يرجم الزاني، أو يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وصفقت الدنيا كلها، فالعالم الإسلامي آيس محكوم ببريطانيا وفرنسا وإيطاليا، والعالم كله واضع رجليه على العالم الإسلامي، وشاء الله عز وجل أن تتحقق تلك الرؤيا، ويظهر هذا الرجل وينشر دعوة الله، ويتحقق التوحيد قبل كل شيء، ثم تطبق شريعة الله على مسمع من العالم بأسره، والدنيا كلها ساخطة وغاضبة، هذا الذي عثرت عليه الآن.
قال تعالى: ( فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ )[الأنعام:89] ألا وهم المهاجرون والأنصار، نهضوا بها أم لا؟ ثم كل مؤمن ومؤمنة يوحد الله ويدعو إلى توحيده إلى يوم القيامة، اللهم اجعلنا منهم.
تفسير قوله تعالى: (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده...)
(فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ )[الأنعام:89-90]، الإشارة هنا إلى الثمانية عشر نبياً ورسولاً، ( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ )[الأنعام:90] هداهم إلى ماذا؟ إلى صراط مستقيم، إلى الطريق الموصل إلى رضوان ربهم وجواره في الملكوت الأعلى، بعد أن طابوا وطهروا في هذه الحياة.(أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ )[الأنعام:90]، هذه الهاء -يا طلبة العلم- جيء بها هنا للسكت فقط، وإلا فالفعل: اقتدى يقتدي اقتدِ يا فلان. وقرئت (اقتد) بحذف الهاء وصلاً.
(فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ )[الأنعام:90]يا رسولنا! مع أنه أفضلهم وأكملهم، ولكنه في حاجة إلى من يعضده ويشد من ساعده وهو يعاني الآلام والكروب في مكة وما حولها، فاقتد بهم في صبرهم وثباتهم وجهادهم، وما ذاقوا من مرارة، أما قتل يحيى؟ أما قتل زكريا؟ أما سجن يوسف؟ اذكر هذا كله واثبت واقتد بهم.
ولا نقول: الاقتداء بهم في شرائعهم؛ لأن تلك الشرائع نسخها الله عز وجل، وما كان لا ينسخ كالتوحيد، فالتوحيد لا ينسخ بحال من الأحوال، هو هو من عهد آدم، أما باقي الشرائع من الحلال والحرام فالله يجدد للناس بحسب حاجاتهم وظروفهم، لكن الآداب والأخلاق كالصبر والثبات والتواضع وكذلك العبادة هذاه كلها يقتدى بهم فيها.
وأعطيكم لطيفة أفضح بها نفسي، وأنتم انظروا إلى حالتي وسبوا أو اشتموا، فذلك غير مهم! لأن بعض الناس لا يعرفون الاقتداء، فقد كنت طفلاً وعندي صديق أبوه رجل كبير، فكنا إذا لعبنا في البستان وجاء الشيخ الكبير يصلي نصلي معه، فكان يصلي ركعتين بعد صلاة المغرب وهي السنة، فيقرأ في الركعة الأولى بالفاتحة وآية الكرسي، وفي الركعة الثانية بالفاتحة والصمد، فوالله ما تركت ذلك من صباي إلى ما قبل سنتين وأنا هكذا، ولما وجدت في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين بعد المغرب بالكافرون والصمد تركت ذلك وعدت إلى السنة.
فأنا أقول: المؤمن يقتدي بالصالحين، فإذا وجد بعد ذلك السنة فإنه يعدل عن ذلك، ولكن لا يشتمه ويسبه ويقول الجهل والجهالة، بل يتأدب ويتلطف ويقول: رحمهم الله!
أزيدكم ثانية: كنا نصلي ثماني ركعات يوم الجمعة قبل صلاة الجمعة، وقبل سنتين جاء شيخ إما من القصيم أو من الرياض فصلى عشر ركعات؛ فقلت أنا: لماذا لا أصلي أنا عشراً؟! وإلى الآن ونحن نصلي عشر ركعات، ولو جاء من تزمت ويقول: لماذا؟ أقول: ما هو من شأنه، فأنا أصلي عشر ركعات واقتديت بهذا العبد الصالح، هل اقتديت به في معصية الله أو في باطل؟ صلى عشر ركعات، فأنا أولى بهذا، فسأصلي عشراً.
فعلى كل عاقل ذي بصيرة أن يقتدي بالصالحين، يسلك مسالكهم في مخاطباتهم، في معاملاتهم، في عباداتهم، في صالح أعمالهم، بذلك يهتدي.
(فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ )[الأنعام:90]، يقتدي بالهدى لا بالبدعة أو الخرافة والضلالة والشركيات، إذا رأيت من هو على هدى من الله عز وجل فائتس به بهذه الآية الكريمة، فرسول الله يقول له ربه: اقتد بالسابقين! هكذا يقول تعالى: ( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ )[الأنعام:90] إذاً: ( فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ )[الأنعام:90].
معنى قوله تعالى: (قل لا أسألكم عليه أجراً إن هو إلا ذكرى للعالمين)
ثم قال له: ( قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا )[الأنعام:90]، يا أيها الناس! إني أبلغكم دعوة الله، ولا أطلب منكم مالاً لا ديناراً ولا درهماً، هكذا يؤمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ؛ فلهذا يجب على مبلغ دعوة الله ألا يأخذ من الناس ديناراً ولا درهماً، فأيام كانوا يأخذون ضلت الأمة كلها، ينصب المرء نفسه عالماً تقبل يده ورجله ويرسل إليه بالهدايا وكذا، بل أعظم من هذا أن يخلو حتى بالنساء! إنه الجهل. (فَبِهُدَاهُمُ )[الأنعام:90] لا بضلالهم ( اقْتَدِهِ )[الأنعام:90]، إن رأيت من هو ذو هدى فاقتد بهداه واسلك سبيله، أما أن تقتدي بالظالمين بالمفسدين بالمشركين بالضلال بالخرافيين فلا! لا تقتد حتى تعرف الهدى، فإذا عرفت الهدى فقل: فلان مهتد سأقتدي به، ولكن إذا كان ضالاً فمن أين له الهدى؟ فإن اقتديت به فقد رضيت بضلاله.
(قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا )[الأنعام:90] بلغهم يا رسول الله، يشهد العرب والناس أجمعين أنه لا يطلب على هذا البلاغ أجراً، لا دجاجة مشوية ولا حفنة تمر، فضلاً عن دينار ودرهم!
ثم قال تعالى: ( إِنْ هُوَ )[الأنعام:90] أي: ما هو ( إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ )[الأنعام:90]، ما هذا القرآن الكريم الذي نقرؤه ونشرحه إلا ذكرى للعالمين أجمعين، ما من إنسان يفهم هذه اللغة أو تترجم له ويسمع كلام الله، ويصغي ويحضر نفسه إلا دخل النور في قلبه وتذكر، ( ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ )[الأنعام:90] أبيضهم وأسودهم، لكن مع الأسف ما قدمنا هذا للناس.
فكرة الشيخ في رسالة الدعوة للكفار
أزيدكم بشارة أخرى: هي رسالة عرفتموها، وهي دعوة خير إنسانية عامة، أرسلناها إلى ثمانية عشر مسئولاً ابتداء من خادم الحرمين إلى الشيخ عبد العزيز بن باز ، وكل أغنياء المملكة، وكل الجماعات التي تقوم بالدعوة، وطالبناهم أن يترجموها إلى سبع لغات من البريطانية إلى الأردية، وأن يطبع منها ملايين، وهي أصغر من حجم الكف، وتوضع تحت نظر الجاليات والمراكز الإسلامية في العالم، ويؤمرون بتوزيعها، والله لو تم هذا وعشتم لبلغكم الأعداد الكثيرة التي دخلت في الإسلام. والله تعالى يقول: ( إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ )[الأنعام:90] يتذكر بها كل إنسان، وهي رسالة قيمة خاطبنا فيها الكافر بلطف وذوق وأدب فلا يشعر بشيء يؤلمه أبداً، حتى يعرف كتاب الله ويقرأه، فهذا كلام الله: ما القرآن إلا ذكرى للعالمين، والله تعالى أسأل أن يحقق هذا، وأن يبارك في هؤلاء الذين يقومون بالترجمة. قراءة في كتاب أيسر التفاسير

هداية الآيات
[ هداية الآيات: أولاً: الشرك محبط للعمل كالردة والعياذ بالله تعالى]، ما الردة؟ شخص قام أربعين سنة، وحج أربعين عاماً، وجاهد أربعين سنة، ثم قال كلمة الردة؛ فانمحى كل شيء من عمله وخرج من الإسلام، فكذلك الشرك.
[ ثانياً: فضل الكتاب الكريم والسنة النبوية ]، من أين أخذنا هذا؟ من قوله تعالى: ( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ )[الأنعام:89].
[ ثالثاً: وجوب الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم وأهل العلم والصلاح من هذه الأمة ]، يجب الاقتداء بالرسول وبالعلماء والصالحين في هذه الأمة.
[ رابعاً: حرمة أخذ الأجرة على تبليغ الدعوة الإسلامية.
خامساً: القرآن الكريم ذكرى لكل من يقرؤه أو يستمع إليه، وهو شهيد حاضر القلب ].
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

ابوالوليد المسلم
17-09-2021, 02:09 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانعام
الحلقة (386)
تفسير سورة الأنعام (19)
الذين كفروا بالله عز وجل، وأنكروا دينه، وكذبوا رسله، إنما حملهم على ذلك أنهم حرموا معرفة الله حق معرفته، فلم يعرفوا صفاته الدالة على جلاله وكماله وعظمته، وهذا كان حال كفار قريش، فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يسألهم عمن أنزل التوراة على اليهود الذين يبدون بعضها ويخفون البعض الآخر حسب أهوائهم وأطماعهم، ثم أمره أن يجيبهم -لأنهم لن يجيبوا من تلقاء أنفسهم- بأن الله هو منزل التوراة وكل الكتب السابقة، كما أنه هو منزل القرآن الذي ينكرونه، وقد جاء بالتصديق لما بين يديه من الكتاب، وجاء نذيراً لأهل مكة ومن حولهم من الأعراب.
تفسير قوله تعالى: (وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأحد- من يوم السبت والليالي الثلاث بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن ما زلنا مع سورة الأنعام المكية المباركة الميمونة، وها نحن مع هذه الآيات الثلاث، فلنستمع إليها مجودة مرتلة من أحد الأبناء، ثم نأخذ في شرحها وبيان مراد الله تعالى منها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ * وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ )[الأنعام:91-92].
معاشر الأبناء والإخوان! قول ربنا جل ذكره: ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ )[الأنعام:91] إي والله ما قدروا الله حق قدره وهم يعبدون معه أصناماً آلهة، ما قدروا الله حق قدره إذ أنكروا رسالته وكذبوا رسوله، ما قدروا الله حق قدره إذ حرموا من معرفة صفاته الدالة على جلاله وكماله ورحمته وعدله وإفضاله وإحسانه، ما قدروا الله حق قدره لا سيما إذ قالوا: ( مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ )[الأنعام:91]، أنكروا الوحي، وكذبوا الرسول، وكذبوا أن يكون القرآن كلام الله ووحيه، فهل الذي خلق البشر لا ينزل عليهم كتاباً يهديهم إلى سبيل سعادتهم وكمالهم؟ ولا ينزل عليهم كتاباً ليعلمهم ما يكملون به ويسعدون؟ أيتركهم كالبهائم يأكل بعضهم بعضاً؟! والله ما قدروا الله حق قدره وقد قالوا هذا القول.
(وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ )[الأنعام:91] أي: الوحي، كذبوا بالتوراة والإنجيل والزبور وكل شيء، الكل أنكروه وقالوا: ( مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ )[الأنعام:91]، يقولون هذا ليموهوا على العوام، ولا شك أنهم رؤساء الضلالة الذين كانوا يقودون أهل مكة ومن حولهم.
معنى قوله تعالى: (قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نوراً وهدى للناس ...)
فعلم الله رسوله الحجاج وكيف يرد عليهم قولهم الباطل فقال تعالى: ( قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ )[الأنعام:91]؟ وهم يعرفون هذا حق المعرفة، حيث تجارتهم في الشام في طول السير وهم متصلون باليهود والنصارى يعرفون أن الله أنزل التوراة على موسى، وأنزل الإنجيل على عيسى، لكن للمكابرة والتغطية والمجاحدة يقولون: ( مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ )[الأنعام:91]، فعلم الله رسوله أن يرد عليهم فيقول: ( مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ )[الأنعام:91] ألا وهو التوراة، والتوراة نور، على ذلك النور اهتدى خلق وأمم كثيرة، هذا الكتاب الذي هو نور وهدى طريق مستقيم إلى السعادة في الدارين من أنزله؟ ثم قال: ( تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ )[الأنعام:91]، وفي قراءة سبعية: ( يجعلونه قراطيس يبدونها ويخفون كثيراً )، وهذه القراءة رجحها ابن جرير وهي تتفق مع هذا التفسير، أو نقول: الكلام الآن مع بني إسرائيل، مع اليهود، ولا يبعد أنهم زاروا مكة واتصلوا برجالها، وقالوا لهم: ( مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ )[الأنعام:91]، علموهم ذلك ليجاحدوا ويكابروا، قالوا: لا تقبلوا فكرة نزول القرآن على محمد، وإن قال لكم: أنزل الله التوراة فقولوا: ( مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ )[الأنعام:91]، اثبتوا على هذا. لأن اليهود يريدون منهم مواصلة الشرك والكفر والبقاء على ما هم عليه كالبهائم، فلا يبعد هذا.
(قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ )[الأنعام:91] جمع قرطاس، وهو ورقة يكتب فيها الشيء الذي يريد أن يكتبه.
(قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا )[الأنعام:91] تظهرون ما فيه صالحكم، وما يحقق لكم غرضكم وأهدافكم، ( وَتُخْفُونَ )[الأنعام:91] الأخرى التي فيها ضد ما تريدون، ( وَتُخْفُونَ كَثِيرًا )[الأنعام:91]، والقراءة التي رجحها ابن جرير هي: (يجلعونه قراطيس يبدونها ويخفون كثيراً) وهم اليهود، يجعلونها قراطيس يبدونها ويخفون كثيراً؛ فالمشركون قالوا: ( مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ )[الأنعام:91]، هذه الفكرة من أعطاهم إياها؟ اليهود، فقال تعالى: قل لهم: ( مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ )[الأنعام:91]، هذا الكتاب اليهود يجعلونه قراطيس يبدونها ويخفون كثيراً، ما فيه مصلحة لدعوتهم الباطلة ومواقفهم المخزية ضد دعوة الحق يظهرونه، والآخر يخفونه!
وقوله تعالى: ( وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ )[الأنعام:91] هذا يعود إلى العرب، بما أنزل الله عليهم من هذا القرآن العظيم، فهذه السورة -سورة الأنعام- سبقها سور نزلت، والرسول يتلوها عليهم ويبين لهم ما فيها من الهدى والخير.
معنى قوله تعالى: (قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون)
ثم قال تعالى له: ( قُلِ اللَّهُ )[الأنعام:91] هذا جواب السؤال: ( مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ قُلِ )[الأنعام:91] لهم: ( اللَّهَ )[الأنعام:91] الذي أنزل الكتاب! جواب للسؤال الأول، قالوا: ما أنزل الله من شيء، فقل: أنزل الله تعالى التوراة.(قُلِ اللَّهُ )[الأنعام:91] أي: هو الذي أنزل الكتاب، ( ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ )[الأنعام:91]، بين لهم الحقيقة التي أنكروها، قل: الله الذي أنزل الكتاب، واتركهم في خوضهم وباطلهم يلعبون كالصبيان، طول الليل والنهار وهم يهرفون ويتكلمون بلا طائل ولا نتيجة أبداً، وهذا شأن الضلال الخارجين عن هدى الله عز وجل.
وفي هذا تعليم الله لرسوله وكيف يحتج على المشركين، وكيف يرد على باطلهم، وكيف يبين لهم الطريق، ولكن بأمر الله عز وجل وتدبيره.
تفسير قوله تعالى: (وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى وما حولها...)
ثم قال لهم: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ )[الأنعام: 92]، إنه القرآن العظيم (مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ )[الأنعام: 92]، فالكتب السالفة -التوراة، الإنجيل، الزبور، صحف إبراهيم وموسى- القرآن مصدق لها، ما أنكر كتاباً منها ولا كذبه، ولا كذب ما جاء في كتاب من تلك الكتب، (مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى )[الأنعام: 92] يا رسولنا بهذا الكتاب، والمراد من أم القرى مكة، والقرى: الحواضر والمدن، لا على اصطلاح الجغرافيين المعاصرين، فالقرى: المدن التي يتجمع فيها الناس ويسكنونها بكثرة، فأم القرى وأم العواصم والحواضر مكة.(وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا )[الأنعام: 92] من بلاد العرب ومن حولهم من العجم، كلمة (من حولها) وراءها دائماً وأبداً. ‏
معنى قوله تعالى: (والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون )
(وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ )[الأنعام: 92] أي: بالقرآن، ( وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ )[الأنعام: 92] بالمعاد والحياة الثانية، وما يجري فيها وما يتم من جزاء عادل، فأهل الإيمان والصلاح في دار السلام، وأهل الشرك والكفر والمعاصي في دار البوار، هذا الذي يتم في الدار الآخرة، ( وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ )[الأنعام:92].لتنذر أم القرى ومن حولها، وتنذر الذين يؤمنون بالآخرة، ( يُؤْمِنُونَ بِهِ )[الأنعام: 92] أي: بالقرآن ( وَهُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ )[الأنعام:92].
وهنا إشارة إلى أنه عند نزول هذه السورة ما كان هناك شرائع وأحكام إلا الصلاة؛ إذ هي أول فريضة فرضت وأول عبادة تعبد الله بها المؤمنين في مكة، وما فرضت إلا في السنة العاشرة من الوحي، فصلى الرسول والمؤمنون بمكة ثلاث سنوات، ثم لما انتقل المدينة وهاجر أخذت الشرائع والأحكام تنزل حكماً بعد آخر.
فقوله تعالى: ( وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ )[الأنعام: 92] يشير إلى القرآن العظيم، و(مبارك) أي: الخير فيه إلى يوم القيامة، ( مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ )[الأنعام: 92] من الكتب السابقة، ما أنكر القرآن الكتب السابقة بل قرر وجودها ودعا إلى الإيمان بها، بل وفرضه على المؤمنين، ( وَلِتُنذِرَ )[الأنعام: 92] يا رسول الله ( أُمَّ الْقُرَى )[الأنعام: 92] يعني: أهلها، ( وَمَنْ حَوْلَهَا )[الأنعام: 92] من المدن والقرى، ( وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ )[الأنعام: 92]، وهنا بيان سبب الكفر والشرك والمعاصي، وهو التكذيب بالبعث والجزاء، هو عدم الإيمان بالدار الآخرة.
أما من آمن بأن هناك حياة أخرى يتم فيها الجزاء على الكسب في هذه الدنيا؛ فهذا مستعد لأن يؤمن بكل ما أمر الله بالإيمان به، ومستعد لأن يطيع الله ورسوله فيما يستطيع ويقدر عليه، بخلاف المكذب بالبعث والدار الآخرة.
(وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ )[الأنعام: 92] أي: بهذا القرآن الكريم، وبمن نزل عليه وأنزل عليه، ( وَهُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ )[الأنعام:92] تلك الصلاة التي فرضها الله عليهم يحافظون عليها فيؤدونها في أوقاتها وبشروطها وأركانها التي لا بد منها، لتزكي أنفسهم وتطهرها.
يتبع

ابوالوليد المسلم
17-09-2021, 02:10 AM
ملخص لما جاء في تفسير الآيات
اسمعوا الآيات مرة ثانية:يقول تعالى: ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ )[الأنعام:91] من هؤلاء؟ إنهم المشركون الكافرون، من جملة ذلك: ( إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ )[الأنعام:91]، أنكروا أن يكون الله أنزل القرآن أو التوراة أو الإنجيل أو الزبور أو غيرها من الكتب الإلهية.
وقد قلت لكم: إنهم يعلمون هذا ويعرفونه، ولكن للعناد والمكابرة ليستمروا على تكذيبهم وكفرهم قالوا: ما أنزل الله على بشر من شيء. فعلم الله رسوله أن يرد فقال: قل لهم: ( مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا )[الأنعام:91]، من هؤلاء؟ إنهم اليهود أيضاً.
(وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ )[الأنعام:91]، علمتم الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنوات في مكة وبينه، وما حصل لآبائهم وأجدادهم، تعلموا ما لم يتعلم آباؤهم وأجدادهم.
ثم علم الله تعالى الرسول صلى الله عليه وسلم الجواب على قولهم: ( مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ )؟ فقال: قل لهم: الله هو الذي أنزل. ( قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى )[الأنعام:91] الجواب: ( قُلِ اللَّهُ )[الأنعام:91] الله الذي أنزله.
(ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ )[الأنعام:91] اتركهم في باطلهم؛ لأنهم أعرضوا وأبوا أن يستجيبوا، يكفيك ذلك.
(وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ )[الأنعام:92] إشارة إلى هذا القرآن العظيم، مبارك لا يفارقه الخير أبداً في كل الزمان والظروف، ( مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ )[الأنعام:92] من الكتب الإلهية، ( وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى )[الأنعام:92] يا رسولنا ( وَمَنْ حَوْلَهَا )[الأنعام:92] من البلاد، ( وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ )[الأنعام:92] الذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون بالقرآن الكريم، ( وَهُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ )[الأنعام:92] يؤدونها في أوقاتها بشروطها ومتطلباتها لتزكي أنفسهم وتطهرها.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير
معنى الآيات
الآن نستمع إلى تفسير هذه الآيات بالتفصيل من الكتاب:قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم: [ ما زال السياق مع العادلين بربهم ] الذين عدلوا به الآلهة والأصنام والأحجار، قال: [ ما زال السياق مع العادلين بربهم أصنامهم وأوثانهم؛ فقد أنكر تعالى عليهم إنكارهم للوحي الإلهي وتكذيبهم بالقرآن الكريم إذ قالوا: ( مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ )[الأنعام:91]، ومن هنا قال تعالى: ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ )[الأنعام:91] أي: ما عظموه كما ينبغي تعظيمه لما قالوا: ( مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ )[الأنعام:91]، ولقن رسوله الحجة فقال له قل لهم: ( مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا )[الأنعام:91] يستضاء به في معرفة الطريق إلى الله تعالى وهدى يهتدى به إلى ذلك ] أي: إلى ذلك الطريق، [ وهو التوراة التي جعلها اليهود قراطيس يبدون بعضها ويخفون بعضها حسب أهوائهم وأطماعهم.
وقوله: ( وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ )[الأنعام:91] أي: وعلمكم الله بهذا القرآن من الحقائق العلمية كتوحيد الله تعالى وأسمائه وصفاته، والدار الآخرة وما فيها من نعيم مقيم وعذاب أليم ]، فهذا ما كانوا يعرفونه قبل القرآن أبداً.
[ ثم أمر الرسول أن يجيب عن السؤال الذي وجهه إليهم تبكيتاً: ( قُلِ اللَّهُ )[الأنعام:91] أي: الذي أنزل التوراة على موسى هو الله جل جلاله وعظم سلطانه. ( ثُمَّ ذَرْهُمْ )[الأنعام:91] أي: اتركهم ( فِي خَوْضِهِمْ )[الأنعام:91] أي: في الباطل ( يَلْعَبُونَ )[الأنعام:91]، حيث لا يحصلون من ذلك الخوض في الباطل على أي فائدة تعود عليهم، فهم كاللاعبين من الأطفال. هذا ما تضمنته الآية الأولى.
أما الآية الثانية فقد تضمنت: أولاً: الرد على قول من قال: ( مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ )[الأنعام:91]، أي: كيف يقال: ما أنزل الله على بشر من شيء وهذا القرآن بين أيديهم يتلى عليهم أنزله الله مباركاً لا ينتهي خيره ولا يقل نفعه، مصدقاً لما سبقه من الكتب كالتوراة والإنجيل، أنزلناه ليؤمنوا به، ( وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى )[الأنعام:92] أي: أهلها ( وَمَنْ حَوْلَهَا )[الأنعام:92] من المدن والقرى القريبة والبعيدة، لينذرهم عاقبة الكفر والضلال فإنها الخسران التام والهلاك الكامل.
وثانياً: الإخبار بأن الذين يؤمنون بالآخرة -أي: بالحياة في الدار الآخرة- يؤمنون بهذا القرآن، وهم على صلاتهم يحافظون، وذلك مصداق إيمانهم وثمرته التي يجنيها المؤمنون الصادقون ].
هداية الآيات
والآن مع هداية هاتين الآيتين:[ أولاً: كل من كذب الله تعالى أو أشرك به أو وصفه بوصف لا يليق بجلاله فإنه لم يقدر الله حق قدره ]، وذلك لقوله تعالى: ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ )[الأنعام:91] كذبوا الله عز وجل.
[ ثانياً: بيان تلاعب اليهود بكتاب الله في إبداء بعض أخباره وأحكامه وإخفاء بعض آخر، وهو تصرف ناتج من الهوى واتباع الشهوات وإيثار الدنيا على الآخرة ]، إذ قال تعالى: ( تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ )[الأنعام:91] يبدون بعضها ويخفون البعض، هذا التصرف ناتج عن ماذا؟ عن رغبتهم في الدنيا وإعراضهم عن الآخرة.
[ ثالثاً: بيان فضل الله تعالى على العرب بإنزال هذا الكتاب العظيم عليهم ] أي: على نبيهم [بلغتهم لهدايتهم ]، وهذا فضل عظيم، فلنحمد الله ونشكره.
[ رابعاً: تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم كيفية الحجاج والرد على المجادلين والمكذبين ]، وذلك بقوله تعالى له: (قل).
[ خامساً: بيان علة نزول الكتاب وهي الإيمان به وإنذار المكذبين والمشركين ]، لماذا نزل؟ ما العلة في نزوله؟ العلة هي: الإيمان به وإنذار المكذبين والمشركين بما أعد الله لهم من عذاب أليم.
[ سادساً: الإيمان بالآخرة سبب لكل خير، والكفر به سبب لكل باطل وشر ]، لأن الذي لا يؤمن بلقاء الله وما يجري في الدار الآخرة كيف لا يظلم؟ كيف لا يعتدي؟ كيف لا يفجر؟ ما المانع إلا الخوف من العصا، وقد توجد العصا وقد لا توجد، لكن الذي في قلبه إيمان بلقاء الله والوقوف بين يديه، ثم الاستنطاق والاستجواب، ثم وزن الأعمال من حسنات أو سيئات، ثم الجزاء إما بنعيم مقيم أو بعذاب أليم، صاحب هذا الإيمان لا يقوى على معصية الله، ما يديمها أبداً، والله ما يستطيع، لكن الذي لا يؤمن بلقاء الله والوقوف بين يديه، أو آمن إيماناً سطحياً ما بلغ قلبه ولا تمكن من نفسه فإنه ممكن أن يعصي ويفجر، فالإيمان بالآخرة سبب لكل خير، والكفر به سبب لكل باطل وشر، إي والله العظيم.
تحذير من التشبه بالكفرة في لبس البرانيط
إذاً: معاشر المستمعين والمستمعات! مع ولاية الله عز وجل، وبين يدي الحديث عن محاب الله ومكارهه ينبغي ألا نسكت، لقد ظهرت هذه الظاهرة وأكثرنا ساكت، لا الهيئة ولا العلماء ولا الحكومة ولا المؤمنون، ظاهرة لبس البرانيط للأطفال من نساء وبنات وبنين، كيف السكوت عن هذه؟ البنت تحملها أمها وعلى رأسها برنيطة، شيء عجب هذا! والطفل يمشي مع أبيه في الخامسة من عمره أو السابعة والبرنيطة على رأسه! والشبيبة في العمر في خمسة عشر وعشرين سنة يمشي أحدهم والبرنيطة على رأسه!هذه الظاهرة كيف نفسرها؟ أسألكم بالله كيف تفسر؟ أليس معنى هذا أننا نريد أن نكون كالكفار؟ أليس معنى هذا التشبه بهم؟
وأزيد فأقول: والله إن يداً وراء ذلك لتخفف من نفوس المؤمنين كره الكافرين والتغيض عليهم وبغضهم.
إذاً: فهذا الزي يخفف ذلك، وعلماء النفس عندهم يعرفون هذه الحقائق ويعلمونها، كيف تلبس ابنك برنيطة على رأسه؟
لقد قلت لكم: عاش العرب مستعمرين أذلاء تحت بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وما كان واحد منهم يضع برنيطة على رأسه قط، والذي يلبس برنيطة يقولون عنه: ارتد، كافر ما هو بمؤمن، وبذلك حفظت هذه البقية الباقية من الإسلام، لو لبسوا البرانيط لارتدوا، واستحلوا ما حرم الله، وأصبحوا مسيحيين أو يهوداً، فكيف الآن بهذه الظاهرة في مدينة الرسول؟! ويأتي الزوار من الشمال ومن الشرق والغرب بأولادهم والبرانيط على رءوسهم!
ممكن أن يقول أهل الغفلة وعدم البصيرة: أيش في ذلك؟ هذا لا يضر! هكذا إذا قلنا: هذا لا يجوز، يقول: أيش فيه؟ وما عرف ماذا فيه.
أما قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: ( من تشبه بقوم فهو منهم )؟ من يرد على رسول الله؟ من تشبه فأراد أن يكون شبيهاً لهم فوالله لن ينتهي أمره حتى يكون محباً لهم.
فلم لا نتكلم؟ يمر بك رجل ومعه ابنه فقل: يا عبد الله! هذا لا يجوز في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، برانيط على رءوسهم، والتجار الفجار الذين استوردوها لأجل المادة هل سألوا أهل العلم: أيجوز هذا أم لا؟ كيف يورد هذا في بلاد الإسلام بلاد القرآن لا لضرورة ولا لحاجة أبداً، ما هو إلا مد أعناقنا لنتلذذ هكذا بصفات الكافرين والمشركين.
اللهم اشهد فقد بلغنا، ولن نسكت إلا إذا أُسكتنا بالعصا، فلا يجوز هذا أبداً، قل لي بربك: لما تجعل برنيطة على ولدك؟ هل ليسموا، لينموا، ليكمل، ليصفو، ليطيب، ليحفظ القرآن، ليحب الله ورسوله؟ ما هي الثمار؟ تقيه الشمس؟ لقد عشت أنت قبله ومن قبلك إلى رسول الله وما عملوا البرانيط، أما عاشوا في الشمس والحر؟
يجب ألا نسكت، والحمد لله؛ فحين تكلمنا عن الأغاني انتهت والحمد لله، كنت إذا مرت بك مائة سيارة ما تجد عشر سيارات بدون أغان، والآن تمر مائة سيارة فيها واحدة صاحبها يغني والباقي ليس فيها ذلك، فالحمد لله.
فما ينبغي أبداً أن نرى المنكر ونسكت بدون طائل.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

ابوالوليد المسلم
17-09-2021, 02:12 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانعام
الحلقة (387)
تفسير سورة الأنعام (20)
أظلم الناس الذي يفتري على الله الكذب ويزعم أنه نبي يوحى إليه من عند الله، وهؤلاء الظالمون وكل ظالم عداهم إذا حانت ساعتهم، واقترب أجلهم، وكانوا في غمرات الموت جاءهم ملك الموت وأعوانه لينتزعوا أرواحهم، وهم أثناء ذلك يبكتونهم ويطلبون منهم إخراج أرواحهم ويتوعدونهم بالعذاب الأليم عند انتزاع الروح، والعذاب الأشد إيلاماً منه الذي ينتظرهم في الآخرة بسبب تكذيبهم وإعراضهم عن دين الله، واستغنائهم بما رزقهم الله عز وجل إياه في الدنيا من النعيم الزائل.
تفسير قوله تعالى: (ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة واللتين بعدها ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن نستمع إلى آياتنا التي نتدارسها مرتلة مجودة أولاً، ثم نشرح ونبين مراد الله تعالى لنا منها.
مداخلة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ * وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُمْ مَا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ )[الأنعام:93-94]. ‏
عظم ظلم مفتري الكذب على الله ومدعي النبوة ومدعي القدرة على المجيء بمثل ما أنزل الله تعالى
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! ما زلنا مع سورة الأنعام المكية، فقول ربنا جل ذكره: ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ )[الأنعام:93] والله لا أظلم منه، لا أظلم ممن يكذب على الله، ويقول: أمر الله أو نهى الله والله لم يأمر ولم ينه، أو يقول: حرم الله أو أحل الله والله لم يحرم ولم يحل، أو يقول: أرسلني ربي إليكم رسولاً والله ما أرسله، أو يقول: إني أشفع لكم عند الله يوم القيامة والله ما شفّعه، أو يقول: لله شريك، أو لله شفيع، أو لله ولد، وينسب إلى الله تعالى من الأسماء والصفات ما الله تعالى منه بريء، هذا لا أظلم منه، وشأنه شأن المشرك بالله، المتخذ شريكاً لله يعبده مع الله، فقد افترى على الله أعظم الافتراء.(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا )[الأنعام:93] أولاً، ( أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ )[الأنعام:93]، يقول: أوحى الله إلي بكذا وكذا، وأنا نبي الله، وهذه الدعوى وجدت على عهد رسول الله في آخر حياته، فادعى كثيرون النبوة والرسالة على رأسهم مسيلمة الكذاب، والأسود وفلان وفلان، وهي قائمة وباقية.
ما هناك أظلم ممن يدعي النبوة ويقول: إني يوحى إلي وأُعلَّم من طريق الله بما لم يُعَلِّمه الله، فأغلق الله تعالى هذا الباب، باب الدخول بدعوى أني نبي أو فلان يوحى إليه، هذا الباب مغلق، فإنه من أعظم الأبواب؛ إذ هو افتراء على الله وكذب للتضليل وإفساد البشرية.
(وَمَنْ أَظْلَمُ )[الأنعام:93] أي: لا أحد، فالاستفهام للنفي، ( مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا )[الأنعام:93] فكذب على الله وقال: أمرني، أعطاني، أوحى إلي. ( أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ )[الأنعام:93].
ثالثاً: ( وَمَنْ قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ )[الأنعام:93] هذه مثلها.
فهذه ثلاثة افتراءات كلها شر، ولا يرضى ذو عقل لنفسه أن يتصف بواحدة منها.
إذاً: فكيف يردون على رسول الله دعواه النبوة والرسالة وأن القرآن ينزل عليه؟ لو كان الرسول صلى الله عليه وسلم ما أوحي إليه ولا أرسل لما كان سيجرؤ على أن يقول هذا، وهذا جزاء المفترين على الله الكاذبين عليه.
هكذا يقول تعالى: ( وَمَنْ قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ )[الأنعام:93]، النضر بن الحارث قال: نستطيع أن نأتي بمثل هذا القرآن، ولو شئنا لأتينا بمثله، وكلها ادعاءات باطلة وافتراءات مردودة، والله لا يستطيع أحد أن يأتي بآية واحدة، وتحداهم الله أن يأتوا بآية فما استطاعوا؛ إذ قال تعالى: ( وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ )[البقرة:23].
معنى قوله تعالى: (ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم)
ثم قال تعالى: ( وَلَوْ تَرَى )[الأنعام:93] أيها السامع ( إِذِ الظَّالِمُونَ )[الأنعام:93] وهم الكاذبون على الله، المفترون عليه، المتجاوزون لحدوده، المحققون للباطل، المبطلون للحق؛ إذ كل هؤلاء ظلمة، إذ حقيقة الظلم: وضع الشيء في غير موضعه، فالذي يقول: فلان نبي فقد وضع النبوة في غير موضعها، والذي يقول: أنا نبي فكذلك.(وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ )[الأنعام:93] المشركون، المفترون على الله، الكاذبون عليه، المدعون النبوة، المدعون الوحي.. وما إلى ذلك، هؤلاء الظالمون لأنفسهم لو تراهم وهم ( فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ )[الأنعام:93]، والغمرات: جمع غمرة، غمره الماء: غطاه، غمره الحزن والكرب: غشيه وغطاه، غمرات الموت لا تعرفها إلا إذا حضرت من هو في سكرات الموت، لما تتجلى لك تلك الغمرة، يفيق لحظة ويغمى عليه لحظات.
(وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ )[الأنعام:93] حولهم، ملك الموت وأعوانه ( بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ )[الأنعام:93] لضربهم، ولو ترى لرأيت أمراً فظيعاً فيغمى عليك وما تقوى على أن تشاهده، والملائكة المراد بهم هنا: ملك الموت وأعوانه.
(بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ )[الأنعام:93] بالضرب على وجوههم، ( أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ )[الأنعام:93]، والروح إذا شاهدت ملك الموت وكانت في الحلقوم ترجع إلى الأقدام، وتعود إلى كل جزء من أجزاء الجسم خوفاً من ملك الموت، وهذا ليس من باب التهويل، والله إنه لهو الواقع، هذا جزاء الظالمين، لو رأيت لرأيت أمراً عجباً وحالة أفظع.
العذاب الأليم جزاء الظالمين لاستكبارهم وافترائهم على الله تعالى
(وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ )[الأنعام:93] عذاب الذل والحقار والصغار والذل والدون، ( الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ )[الأنعام:93] بسبب ما كنتم تقولون وتفعلون من أنواع الشر والباطل والظلم والفساد، ( بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ )[الأنعام:93] أولاً، ( وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ )[الأنعام:93] لا تصغون ولا تسمعون، لا تقبلون من يقولها، لا تعملون بها، بل تترفعون حتى لا تسمعوا كلام الله وما يحويه من الهدى والنور لعباد الله. فهل عينوا لهم الجريمة أم لا؟ قال تعالى: ( بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ) كنسبة الولد إلى الله وكنسبة الزوجة إليه تعالى، أليس هذا ظلماً؟ بلى. فالذي ينسب إليه مخلوقاً من مخلوقاته ويقول: هذا شريكه.. هذا شفيع عند الله أما كذب على الله؟ كالذي يدعي الوحي وأنه يوحى إليه، فهو كاذب على الله.
(بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ )[الأنعام:93] أولاً، ( وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ )[الأنعام:93]، آيات الله القرآنية التي تحمل شرائعه، كانوا إذا سمعوا الرسول صلى الله عليه وسلم يقرأ يتكبرون، إذا قيل لهم: قال الله كذا يتكبرون ويستكبرون، ولا يذعنون ولا يقبلون الحق، ولا يريدونه.

يتبع

ابوالوليد المسلم
17-09-2021, 02:13 AM
تفسير قوله تعالى: (ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم...)
ثانياً: قال تعالى: ( وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى )[الأنعام:94]، وهذا في عرصات القيامة وساحة فصل القضاء، ( وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى )[الأنعام:94] واحداً واحداً، لا أب معك، ولا أم، ولا أخ، ولا شيخ قبيلة، ولا ملك، ولا سلطان.. كل واحد يأتي على انفراد، ( وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى )[الأنعام:94] فرداً فرداً ( كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ )[الأنعام:94]، هل نحن خلقنا مجموعات أم فرادى؟ فرادى، كل واحد خرج وحده.(كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ )[الأنعام:94] ومعنى هذا أنهم حفاة عراة، وفي الحديث عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( تحشرون حفاة عراة غرلاً. قالت عائشة: فقلت: يا رسول الله! الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض؟! فقال: الأمر أشد من أن يهمهم ذاك )، ماله أبداً قلب لينظر إلى العورة.
(وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ )[الأنعام:94] ما أعطيناكم، ما وهبناكم، ما رزقناكم من الذرية والمال وما إلى ذلك، تركتم ذلك ( وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ )[الأنعام:94] في الدنيا.
أين المال؟ أين الرجال؟ أين الجيوش؟ أين الأولياء والأنصار؟
(وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ )[الأنعام:94] ماذا؟ ما أعطيناكم في الدنيا وراء ظهوركم.
ثانياً: ( وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ )[الأنعام:94]، أين الذين كنتم تؤلهونهم، تستغيثون بهم، تدعون أنهم يشفعون لكم؟ هاتوهم، والله لا أحد، ومن يقوى على أن يقول: أنا قلت له: أشفع لك؟ لا يقدر على هذا أحد، ( وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ )[الأنعام:94] لله عز وجل فتعبدونهم بعبادة الله، إما بالذبح، وإما بالنذر، وإما بالعكوف حول قبورهم أو تماثيلهم.
(لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ )[الأنعام:94] البين الذي كان يربطكم تمزق، وما بقي، والبين: الذي يربط بين الشيئين كمن بيني وبينه أخوة، مصاهرة، مواطنة.. هذا البين كان بينك وبين هذا الصنم لأنك تعبده وتقول: يشفع لي، أو بينك وبين هذا الولي أو هذا النبي، تقطع ذلك الوصل نهائياً.
(وَضَلَّ عَنكُمْ )[الأنعام:94] وغاب ما كنتم تزعمونه في الدنيا من أنهم شركاء وأنهم يشفعون، وأنهم.. وأنهم.. من تلك الترهات والأباطيل،كلها ضلت، ما يستطيع أحد أن يقول كلمة بين يدي الله: هذا كان لي شفيعاً، أو كنت أعتقد شفاعته.
ملخص لما جاء في تفسير الآيات
يقول تعالى: ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ )[الأنعام:93]، هل هناك أظلم من هذا؟ ( وَلَوْ تَرَى )[الأنعام:93] يا رسول الله، ولو ترى أيها السامع ( إِذِ الظَّالِمُونَ )[الأنعام:93] من هم الظالمون؟ الذين وضعوا الأمور في غير موضعها، بدل أن يبر بوالديه عقهما، بدل أن يحسن إلى المسلمين آذاهم وأساء إليهم، بدل أن يعبد الله عبد غيره.إذاً: ( وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ )[الأنعام:93] لا تذعنون ولا تخضعون ولا تطبقون حكماً من أحكام الله ولا طريقاً من طرائقه، حملهم على ذلك الكبر.
وقالوا لهم: ( وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ )[الأنعام:94] حفاة عراة أم لا؟ أم يخرج الإنسان وعنده سروال أو عمامة؟ ( كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ )[الأنعام:94]، أي: في الدنيا التي فنيت وذهبت، ( وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ )[الأنعام:94] لله يشفعون لكم عند الله، ( لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ )[الأنعام:94] انفصلت تلك الصلة، ( وَضَلَّ عَنكُمْ مَا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ )[الأنعام:94] من أن لكم شفعاء وشركاء، وأنكم أولياء وما إلى ذلك.
ذكر كلام الإمام القرطبي في حكم غلاة المتصوفة المعرضين عن الشريعة بدعوى تلقي المعرفة عن الله تعالى لصفاء قلوبهم
وهنا نسمع القرطبي يذكر هذه القضية في أيامه، حيث عاش في القرن السابع، يقول: ومن هذا النمط -أي: المدعي للوحي ولم يوح إليه- من أعرض عن الفقه والسنن وما كان عليه السلف من السنن، فيقول: وقع في خاطري كذا، أو أخبرني قلبي بكذا، أو أخبرني قلبي عن ربي. فيحكمون بما وقع في قلوبهم ويغلب عليهم من خواطرهم، ويزعمون أن ذلك لصفائها -أي: صفاء قلوبهم- من الأكدار وخلوها عن الأغيار، فتنجلي لهم العلوم الإلهية والحقائق الربانية فيستغنون بذلك عن أحكام الشرع، ويقولون: هذه الأحكام الشرعية العامة إنما يحكم بها على الأغبياء والعامة... وهي زندقة وكفر يقتل قائله ولا يستتاب، ولا يحتاج معه إلى سؤال ولا إلى جواب.وخلاصة ذلك أن الذين يعرضون عن كتاب الله وما فيه، وعن سنن رسول الله وما بين، وعما كان عليه سلف الأمة من الصحابة والتابعين وتابعيهم، ويخترع اختراعات ويدعي ادعاءات، منها أن هذه من شأن العوام، أما نحن الربانيون أولياء الله فنتلقى المعارف من الله، صفت قلوبنا وطهرت وذهب الغين والرين، وأصبحنا نتلقى المعرفة عن الله عز وجل!
وهذا حدث والله العظيم، واستغلوا العوام هكذا واستعبدوهم، وتركوا الصلاة وفجروا بالنساء بدعوى أن مستواهم أرقى وأعلى من مستوى العوام، وأن الذي تشاهدونه أنتم ليس كما ترون، ويقول أحدهم: أخبرني قلبي عن ربي! أخبرني قلبي عن ربي أنه يحب كذا وكذا، أو يكره كذا وكذا من غير محاب الله ومكارهه! وهؤلاء هم غلاة المتصوفة.
فالقرطبي قال: أمثال هؤلاء لا يستتابون، بل يقتلون، ولا تقبل لهم توبة؛ لأنهم وقفوا موقف من قال: أوحي إلي ولم يوح إليه شيء، ومن قال: أنزل الله والله ما أنزل، ذلك الموقف هو الذي وقفوه.
والحمد لله فهذا النوع من البشر انتهى، وقد يوجد هنا وهناك بقلة مغمورين بين الناس، والذي نريده أنا لا نقول على الله كلمة لم يقلها، لا نحل ولا نحرم إلا ما أحل الله وحرم، لا نشرع ولا نقنن إلا ما شرع الله وقننه وبينه رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد عرفتم جزاء المفترين على الله والكاذبين عليه.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

معنى الآيات
والآن نسمع شرح الآيتين في الكتاب:قال الشيخ غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم: [ مازال السياق مع المشركين والمفترين الكاذبين على الله تعالى باتخاذ الأنداد والشركاء، فقال تعالى: ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا )[الأنعام:93] بأن أدَّعى أن الله نبأه وأنه نبيه ورسوله، كما ادعى سعد بن أبي سرح بمكة ومسيلمة في بني حنيفة بنجد والعنسي باليمن] هؤلاء ادعوا النبوات [اللهم لا أحد هو أظلم منه وممن قال أوحي إلي شيء من عند الله ولم يوح إليه شيء وممن قال: ( سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ ) من الوحي والقرآن]، كالذي يقوله الصوفي: حدثني قلبي عن ربي؛ لأن قلبي طاهر صاف يتجلى في حقائقه الله عز وجل أو محاب الله ومكارهه.
[ ثم قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: ( وَلَوْ تَرَى )[الأنعام:93] يا رسولنا (إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ )[الأنعام:93] أي: في شدائد سكرات الموت، ( وَالْمَلائِكَةُ )[الأنعام:93] ملك الموت وأعوانه ( بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ )[الأنعام:93] بالضرب وإخراج الروح، وهم يقولون لأولئك المحتضرين تعجيزاً وتحدياً لهم: ( أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ )[الأنعام:93] بسبب استكباركم في الأرض بغير الحق؛ إذ الحامل للعذرة] الخرء [وأصله نطفة مذرة، ونهايته جيفة قذرة، استكباره في الأرض حقاً إنه استكبار باطل لا يصح من فاعله بحال من الأحوال ].
أقول: قالوا لهم: بسبب استكباركم في الأرض. لماذا يستكبر الإنسان في الأرض؟ نسي أصله وأنه حامل العذرة في بطنه؟ أصله نطفة مذرة وسخة، ونهايته جيفة منتنة في المقبرة، كيف يستكبر هذا؟ من أين جاء حتى يستكبر؟ إنه استكبار ما هو بمتأهل له، ما له حق في أن يستكبر أبداً وهو يحمل العذرة، ومنشؤه من نطفة مذرة ونهايته جيفة قذرة! كيف يستكبر هذا؟ من أين جاء الحق الذي يستكبر به؟
قال: [ هذا ما دلت عليه الآية الأولى، أما الآية الثانية: فإن الله تعالى يخبر عن حال المشركين المستكبرين يوم القيامة حيث يقول لهم: ( وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى )[الأنعام:94] أي: واحداً واحداً ( كَمَا خَلَقْنَاكُمْ )[الأنعام:94] حفاة عراة غرلاً، ( وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ )[الأنعام:94] أي: ما وهبناكم من مال وولد ( وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ )[الأنعام:94] أي: في دار الدنيا، ( وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ )[الأنعام:94] وأنتم كاذبون في زعمكم مبطلون في اعتقادكم، ( لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ )[الأنعام:94]، أي: انحل حبل الولاء بينكم، ( وَضَلَّ عَنكُمْ مَا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ )[الأنعام:94] أي: ما كنتم تكذبون به في الدنيا ] من أنواع الأباطيل والأكاذيب.
هداية الآيات
الآن نستخرج هداية الآيتين فتأملوا:[ أولاً: قبح الكذب على الله تعالى في أي شكل، وأن صاحبه لا أظلم منه قط ].
الكذب على الله قبيح وبأي شكل، سواء قال: أحل الله، أو حرم، أو قال: أسماء الله كذا يكذب على الله، أو صفة الله كذا، كل ما ينسبه إلى الله والله منه بريء فهو من أقبح أنواع الظلم؛ لأنهم توصلوا إلى استعباد الأمم وعبادتهم بهذه الطريقة، يدعون كذا وكذا يكذبون على الله.
[ ثانياً: تقرير عذاب القبر ]، من أين أخذنا تقرير عذاب القبر؟ من قوله تعالى: (وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ )[الأنعام:93].
[ تقرير عذاب القبر، وسكرات الموت وشدتها، وفي الحديث: ( إن للموت سكرات )]، فما هي بسكرة واحدة.
[ ثالثاً: قبح الاستكبار وعظم جرمه ]، فجريمة الاستكبار هل هي عظيمة أم لا؟ لا أعظم منها بدليل الآيات.
[ رابعاً: تقرير عقيدة البعث الآخر والجزاء على الكسب في الدنيا ].
فهاتان الآيتان قررتا هذه، قررتا عقيدة البعث الآخر والجزاء على الكسب في الدنيا، كيف دلت الآية عليه؟ ( وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ )[الأنعام:94].
[ خامساً: انعدام الشفعاء يوم القيامة إلا ما قضت السنة الصحيحة من شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم والعلماء والشهداء بشروط، هي: أن يأذن الله للشافع ] أولاً [ أن يشفع، وأن يرضى عن المشفوع له ].
هذان الشرطان لا ننساهما، والله لا يشفع أحد يوم القيامة لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا عالم ولا صالح إلا بعد إذن الله تعالى له، وقبل أن يأذن الله مستحيل أن يشفع واحد، قال تعالى: ( وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى )[النجم:26] عن المشفوع له، وإن فرضنا أن عالماً أو نبياً أو ولياً أراد أن يشفع لك، فحينئذ هل هذا الذي تشفع له رضي الله عنه أو سخط، فإن لم يرض الله عنه فوالله ما تنفعه شفاعة، تدخله الجنة والله غير راض عنه؟ فلا بد من هذين الحقيقتين:
أولاً: إذن الله لمن أراد أن يشفع.
ثانياً: أن يكون الله راضياً عن هذا المشفوع له حتى يسمح له بدخول الجنة.
ودلت على هذا آية النجم: ( وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ ( أولاً، ) وَيَرْضَى )[النجم:26].
وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.

ابوالوليد المسلم
17-09-2021, 02:16 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانعام
الحلقة (388)
تفسير سورة الأنعام (21)

الله عز وجل ينزل آياته القرآنية والكونية الدالة على وحدانيته وعظمته وقدرته، فهو سبحانه فالق الحبة والنواة وما هو أصغر منها، وهو مخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي، خالق الليل والنهار، ومقدر الأكوان والأجرام، كل هذا ليبين لعباده أنه سبحانه مستحق العبادة والتمجيد، دون هذه الأصنام والأوثان التي يعبدها أصحاب القلوب المريضة والعقول الحائرة، التي لا تغني عن نفسها شيئاً فضلاً عن أن تغني عمن يعبدها أو تضره أو تنفعه.
تفسير قوله تعالى: (إن الله فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس إن شاء الله كتاب الله، راجين أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن مع سورة الأنعام المكية المباركة الميمونة، ومع هذه الآيات الثلاث، وهيا نستمع إلى تلاوتها مجودة مرتلة، ثم نأخذ -بفضل الله- في شرحها وبيان مراد ربنا تعالى منها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ * فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ )[الأنعام:95-98]. ‏
أهمية معرفة الله تعالى وطريق تحصيلها
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! لنعلم ما قد سبق أن علمناه، ولكننا غافلون وننسى، وحالنا دال على واقعنا، إن معرفة الله عز وجل من الضروريات، والذي لا يعرف الله معرفة حقيقية يقينية أنى له أن يعبده، وكيف يعبده وما عرفه؟معرفة الله لها شأنها، فيجب على كل آدمي ذكراً أو أنثى أن يسأل عن الله حتى يعرفه، فإذا عرفه أحبه أكثر من حبه لنفسه، وخافه أكثر من كل مخوف، وبذلك يسهل عليه أن يعبده عبادة تسعده في الدارين، تكمله وتسعده في هذه الحياة وفي الحياة الآتية التي هي لازمة ولا محالة منها.
ومن طلب الله عز وجل وأراد أن يعرفه فعليه بالكتابين: كتاب الله القرآن العظيم، اقرأ واستمع وتدبر وتأمل تتجل لك صفات الرب الدالة عليه آياته، فتعرف الله بأسمائه وصفاته، ويدلك على معرفته حبك له، وخوفك منه: ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ )[فاطر:28].
الكتاب الثاني: كتاب الكون، انظر في هذه الأكوان العلوية والسفلية، هذه النجوم وهذه الأفلاك، هذه الشمس وهذا القمر، انظر إلى هذه النباتات والجمادات، انظر إلى نفسك وما حولك: ( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ )[فصلت:53].
والمعرض الغافل اللاهي كالبهيمة لا هم له إلا الأكل والشرب والنكاح، كيف يعرف ربه؟ فالذي ما طلب ربه لا يجده، ولا يحصل معرفته، فيجب أن نتذكر ونتفكر حتى نعرف الطريق إلى ربنا عز وجل.
معنى قوله تعالى: (إن الله فالق الحب والنوى)
وها نحن مع هذه الآيات الثلاث والتي بعدها، حيث يقول تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى )[الأنعام:95] من يفلق الحب لتخرج منه السنبلة؟ هل هو أبي أو أمي؟ حبة ميتة يفلقها وتخرج منها السنبلة، من يفعل هذا سوى الله؟ ونواة التمر من يفلقها حتى تخرج الفسيلة وتصبح نخلة عالية ذات قنوان وتمور، من يفعل هذا؟ إنه الله تعالى. من يشير إلى كائن بأن هذا فعل فلان؟ فكيف -إذاً- لا يعبد الله تعالى وتعبد الأهواء والشهوات، وتعبد الأصنام والتماثيل والأحجار، أو تعبد الكواكب والنجوم، ويعمى الإنسان عن خالقها ومكونها وموجدها؟
(إِنَّ اللَّهَ )[الأنعام:95] يا من أعرضوا عن ذكره وأقبلوا عن دنياهم وهواهم، وتمثلت لهم الشياطين في أصنام وأحجار وعبدوها، اعلموا أن الله ( فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى )[الأنعام:95]، ولا أحد في الكون يفلق الحب ليخرج منه الزرع أو يفلق النواة ليخرج منها الشجرة أو يخرج منها النخلة، من فعل هذا؟ ما هناك جواب إلا الله، إذاً: لم لا يُحب ولا يُخاف؟ لم يلتفت إلى غيره ويترك هو؟
صور من قدرة الله تعالى على إخراج الحي من الميت وإخراج الميت من الحي
ثانياً: ( يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ )[الأنعام:95] ولهذا صور: فالنطفة المذرة ميتة، من يخرج منها إنساناً ذكراً أو أنثى، طفلاً أو طفلة؟ هل يد الإنسان؟ أو أطباء الناس؟ أو السحرة؟ الجواب: لا أحد إلا الله، وهذا الإنسان الحي من يخرج منه تلك النطفة المذرة؟ من أوجدها فيه؟ من أخرجها منه؟ إنه الله تعالى.
والحب الميت يخرج الله منه سنابل وأشجاراً، والسنابل والأشجار يخرج منها حباً ميتاً، وأقرب من هذا البيضة تخرج منها الدجاجة، والبيضة ميتة تعبث بها بيدك، فيخرج الله منها الدجاجة حية، والدجاجة الحية تخرج ميتاً، فمن أخرج هذا الميت من هذا الحي؟ هل هناك من يشارك الله في هذا؟ ليس في الكون كله من يفعل ذلك إلا الله، فلهذا يجب ألا يكون معبود العالمين سوى الله تعالى، لم تعبد الأهواء والدنيا والشهوات، وتعبد الأصنام والأحجار، وتعبد بعض المخلوقات كما عبدوا عيسى وألهوه وألهوا أمه، وكما عبدوا اللات والعزى ومناة من أوثان الجاهلية الأولى؟!
معنى قوله تعالى: (ذلكم الله فأنى تؤفكون)
إن الله جل جلاله وعظم سلطانه هو فالق الحب والنوى، يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي، ( ذَلِكُمُ اللَّهُ )[الأنعام:95]، ذلكم الذي يفعل ما سمعتم هو الله، إذاً: ( فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ )[الأنعام:95] كيف تصرفون عنه إلى غيره؟ كيف تصرفون عن معرفته، عن طلب حبه ورضاه، كيف تصرفون عنه إلى الأوثان والأصنام والشهوات والأهواء؟ ( فَأَنَّى ) كيف، يا للعجب! كيف يؤفكون؟ من يأفكهم ويصرفهم؟ الشياطين هي التي تلعب بقلوبهم وبنفوسهم.عجب هذا! ( فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ )[الأنعام:95] كيف تصرفون عن الله عز وجل وتعبدون غيره؟ أو كيف تصرفون عن عبادته وذكره وتلتهون بالأباطيل والألعاب وتنسون ربكم؟ أمر عجب.
تفسير قوله تعالى: (فالق الإصباح وجعل الليل سكناً...)
وقوله: ( فَالِقُ الإِصْبَاحِ )[الأنعام:96] الإصباح: الصبح، فمن يفلق رأس الليل ويشقه ويخرج منه الصبح؟ إنه الله سبحانه وتعالى، ولو اجتمعت يد البشرية كلها والإنس والجن على أن يأتون بالفجر الآن فهل يستطيعون؟فمن يفلق ذلك الظلام ويشقه ويخرج منه نور الصباح؟ من يفعل هذا سوى الله؟ كيف لا يتعرف إليه، كيف لا يعبد؟ كيف لا يذل له ويخضع؟ لولا أن الشياطين تعبث بقلوب الإنس والجن لتصرفهم عن الحق ليعبدوا الباطل.
(فَالِقُ الإِصْبَاحِ )[الأنعام:96]، وتعرفون قولهم: فلق رأسه، أي: أخرج مخه، فظلمة الليل كيف تفلق ويخرج منها الصبح والإصباح؟ هل يد إنسان تفعل هذا؟ لو اجتمعت البشرية كلها فلن تفعل هذا، والله تعالى يفعل هذا لماذا؟ هل لأنه في حاجة إليه؟ لا والله، ولكنه من أجلك يا ابن آدم، من أجلك أيها الإنسان، فاذكر هذه النعمة واشكر الله عليها.
(فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا )[الأنعام:96] تسكن فيه الأبدان والأرواح، وتسترجع ما فقدته في عمل النهار، فيسكن كل شيء في الإنسان ويهدأ ويستقر، وينام نوماً يعوضه طاقاته التي بددها في النهار في أعماله.
مخالفة الناس السنة الإلهية والنبوية بالسهر في الليل لغير حاجة ومصلحة
ونحن ما شكرنا هذه النعمة، والذي نشكوه أننا حولنا الليل إلى نهار، عكسنا مراد الله، أحلف بالله لو كنت أملك الأمر لما زدت في الكهرباء من بعد العشاء فوق ساعة ونصف، الآن أطفالهم وأولادهم يلعبون طول الليل، ونساؤهم ورجالهم يسهرون، نعكس مراد الله! هل يليق هذا؟ هل رسول الله ما علم؟ لقد نهى رسول الله المؤمنين عن الحديث والتحدث بعد صلاة العشاء ليناموا، ولم يسمح إلا بمؤانسة ضيف أو طلب علم أو زوجة تلاعبها، نهى عن النوم قبل صلاة العشاء، فمكروه أن تنام قبل صلاة العشاء، ونهى عن الحديث بعد صلاة العشاء، هذه هي التعاليم المحمدية، ونحن عكسنا فأصبح الليل كله كالنهار، وتأتي عجائب المفاسد والشرور، وخاصة الأحداث الذين يتيهون في الليل، ولو كان الظلام دامساً عاماً فهل هناك من سيخرج؟ في أوروبا يختلف الوضع عنه عندنا، إذا جاء الليل يقل ذلك النور وذلك الهيجان، ودعنا من الكفار، فنحن نقول: امتن الله علينا بأن جعل الليل سكناً، فقلنا: نجعله حركة، بدل السكون حركة، ثم لو كنا نعمل بجد فنصنع وننتج مضطرين فإنا نقول: ممكن أن يعفو الله عنا، فنحن في حاجة إلى هذا العمل، لكن السهر كله لهو وأحاديث وأباطيل، المفروض أنه إذا صلينا العشاء نغلق أبوانا، لا دكان ولا مصنع ولا معمل، والناس في بيوتهم يذكرون الله وينامون ليستيقظوا آخر الليل، وعلى الأقل يستيقظون مع الفجر ليصلوا صلاة الصبح.
الآن كفرنا هذه النعمة وجحدناها، وأنكرناها وما بالينا بها، ( وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا )[الأنعام:96] يسكن فيه الإنسان براً أو فاجراً، كافراً أو مؤمناً، من فعل هذا؟ الله جل جلاله وعظم سلطانه.

يتبع

ابوالوليد المسلم
17-09-2021, 02:16 AM
معنى قوله تعالى: (والشمس والقمر حسباناً)
(وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا )[الأنعام:96] ماذا نقول عن الشمس والقمر؟ ماذا نعرف؟ لو اطلعنا على ما قرره علماء الفلك بواسطة هذه الأجهزة لعرفنا أن النجوم ملايين، وأن من النجوم ما هو أكبر من شمسنا هذه التي هي أكبر من الأرض بمليون ونصف مليون مرة، وأن الأبعاد بين هذه الكواكب لا تقاس بالكيلو متر والمليمتر، تقاس فقط باللحظة والثانية، فلا إله إلا الله! من أوجد هذا العالم العلوي؟ إنه الله سبحانه وتعالى. من أوجد هذه النجوم؟ وامتن علينا بنعمته أننا نعرف بها الطريق إلى ديارنا، إلى أقاليمنا، إذا سافرنا في البحر فهي أعلام تدل على الطريق، والبر كذلك، لو لم تكن الطرق معبدة كيف تعرف الشرق من الغرب؟ تسير بالكواكب، فمن كوكب هذه الكواكب؟ من نظمها في الملكوت الأعلى؟ ليس إلا الله، إذاً: فوالله لا إله إلا الله، وأقبح إنسان من عرف غير الله وعبد غير الله، وهو الفاعل العزيز الحكيم.(وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا )[الأنعام:96] بدقة بنظام الحساب، لا تتقدم أو تتأخر ثانية ولا لحظة ولا دقيقة، وبذلك عرفنا ساعات الليل وساعات النهار، وعرفنا الأيام والأسابيع والشهور والسنين، وفي ذلك مصالحنا وعهودنا وعقودنا.. وما إلى ذلك، كيف نعرف أوقات الصلاة؟ أوقات الصيام؟ كيف نعرف الحج؟ كيف وكيف لولا الشمس والقمر؟
معنى قوله تعالى: (ذلك تقدير العزيز العليم)
(وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ )[الأنعام:96] الذي سمعتم مما يحار فيه العقل البشري ( تَقْدِيرُ )[الأنعام:96] إيجاد وتنظيم ( الْعَزِيزِ )[الأنعام:96] الذي لا يغلب أبداً ( الْعَلِيمِ )[الأنعام:96] بدقائق الأمور وجلائلها، ظواهرها وبواطنها، سرها وعلانيتها، كل ما في الأكوان العلوية والسفلية بيده تعالى، لا يخفى عليه من أمر الأكوان شيء، فكيف لا يحب؟ كيف لا يخاف؟ وهل أريكم فضيحتنا؟ والله لو عرفنا الله تعالى معرفة حقيقة لكانت فرائصنا ترتعد إذا تكلمنا معه، فنحن نقف نصلي وقلوبنا لاهية، وأبصارنا تائهة، وأجسامنا خافتة، فأنت مع من تتحدث؟ مع من تتكلم؟
فصلاتنا كلها لا شيء، فلم لا نتلذذ بالكلام معه؟ لم حين نتكلم مع صديق أو قريب نجد لذاذة للكلام وينشرح الصدر، وتتكلم مع الله كأنك تتكلم مع ميت، هذه زلة عظيمة وهذا هو واقعنا.
(ذَلِكَ )[الأنعام:96] الذي سمعتم ( تَقْدِيرُ )[الأنعام:96] من؟ إيجاد من؟ تدبير من؟( الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ )[الأنعام:96] غلبة وعزة لا تقهر، علم لا يخفى عليه شيء، فكيف لا يخاف؟ كيف لا ترتعد منه النفوس والقلوب؟ كيف يعصى؟ كيف لا يُطلب؟ وكيف لا يتعرف إليه؟
تفسير قوله تعالى: (وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر...)
وفي الآية الثالثة يقول تعالى: ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ )[الأنعام:97]، ماذا عرفنا عن النجوم؟ لا شيء. أولاً: هذه النجوم تعد الحصى في الوادي ولا تعدها، هناك نجم ما يصل نوره إلينا إلا بعد سنتين أو ثلاث، هناك نجوم أكبر من الشمس، والتباعد بينها لا تقدره أبداً، والمسافات بالسنين، فهذه النجوم من أظهرها وأوجدها؟ هل وجدت من نفسها؟ إن هذا الكلام عبث وسخرية، والذي يقول هذا يصفع على وجهه، ما تستطيع أن تثبت أن كأساً من الماء جاء بنفسه، ما تستطيع أن تقول: إن هذا العمود وجد بنفسه! كيف توجد هذه الأكوان نفسها؟ أين عقلك يا ابن آدم؟ لا خالق إلا الله، الله هو الخالق ( أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ )[الأعراف:54].
قال تعالى: ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ )[الأنعام:97] إي والله فصلها، بينها، شرحها، أظهرها، لكن للعالمين: ( لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ )[الأنعام:97]، أما الذين لا يعلمون فلا ينتفعون بهذا، هذا التفصيل للآيات بهذا الازدواج وبهذا العرض، وبهذه الأحداث الكونية من فصله؟ إنه الله تعالى. ولمن فصله؟ هل للجهال الذين لا ينتفعون به؟ ( لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ )[الأنعام:97].
إذاً: يجب أن نعلم، حرام أن نبقى جهالاً، نطلب حتى نعلم، من أراد أن يعلم فليطلب، كما نطلب علم أمور الحياة: أين بيت فلان؟ في الشارع الفلاني. لمن هذه السيارة؟ لفلان. فإذا لم تسأل فكيف ستعلم؟ يجب أن نسأل حتى نعلم، وإلا فلن ننتفع بهذه الآيات المبينة الموضحة المفصلة التي لا إجمال فيها بل على غاية البيان.
تفسير قوله تعالى: (وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع...)
ثم قال تعالى: ( وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ )[الأنعام:98] ألا وهو آدم، أنشأنا نحن بني آدم من نفس واحدة ألا وهي آدم أبو البشر عليه السلام.ذكروا حكاية صنعها اليهود عليهم لعنة الله، وقلدهم المجانين والحمقى والتائهون والملاحدة، وتبجح بها أيضاً حتى العرب والجهال في مدارسهم إلا أن الله أخبتهم، قالوا: الإنسان أصله قرد، ودرست هذه النظرية الداروينية في مدارس العرب، وهي كفر وكذب وبهتان وباطل، وفضحوا، دفنوا رأس خنزير أو كلب في الأرض كذا سنة ثم أخرجوه وقالوا: هذا هو أصل الإنسان، أصله قرد، وتبجح بها الملاحدة وصفق لها الذين لا يؤمنون بالله وقالوا: الإنسان أصله قرد!
إن الذي يقول هذه الكلمة كذب وكذّب الله والبشرية كلها، ولعنة الله عليه حياً وميتاً، فالله تعالى تولى خلق آدم على أجمل صورة، في أحسن تقويم، ثم تقول: لا. أصل الإنسان قرد، وتطور القرد! لم ما تطورت البغال والحمير والذئاب والكلاب وبقيت على صورتها؟ القرد فقط هو الذي تطور!
لقد بكينا وندبنا أيام كانت الفكرة شائعة منذ ثلاثين سنة في مدارسنا، نظرية داروين، والله يقول: ( خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ )[النساء:1] ألا هي نفس آدم عليه السلام، وتطلق النفس على البدن والروح، ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ )[آل عمران:185] كل إنسان.
(وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ )[الأنعام:98]، الإنشاء: اختراع وإيجاد بدون صورة ولا مثال، الإنشاء عندنا أن ينشئ كلاماً أو شعراً أو أشياء جديدة ليس لها نظير في السابق، فالله تعالى أنشأنا بلا سابق لذلك من نفس واحدة، أما نقول: لك الحمد، لك الشكر؟ أليس هو الذي أنشأنا؟ لم لا نقول: الحمد لله؟ نحمده ونشكره مقابل هذا الإنعام إنعام الإيجاد والإمداد.
قال تعالى: ( أَنشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ )[الأنعام:98] ولهذا معان كلها صالحة، أحسنها أن المستقر أي: في الأرحام، والمستودع: في أصلاب الرجال، هل يخرج الإنسان من غير هذين الموضعين؟ أين محل استقراره؟ في الرحم، وأين هو مستودع ومتروك لوقت معين؟ في الظهر، في ظهر الإنسان، في أصلاب الرجال وأرحام النساء، وهل هناك مكان غير هذا وهذا؟ لا.
ثم بعد هذا منا المستقر في قبره، ومنا المستودع ثم يموت فيستقر في القبر أيضاً، كما أننا مستودعون الآن مستقرون يوم القيامة، والكل صالح، لكن الوجه الأول أقرب.
(فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ )[الأنعام:98] المستقر: هو المستقر في الرحم والقرار له، والمستودع: صلب الرجل وظهره؛ لأن ماء النساء من الصدور، وماء الرجال من الظهور، من الأصلاب.
حاجتنا إلى الفقه في دين الله تعالى وفهم أسرار شريعته
قال تعالى: ( قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ )[الأنعام:98]، من القائل هذا؟ الله، قد فصلنا الآيات التفصيل الذي سمعتم ( لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ )[الأنعام:98]، والفقه أعلى من العلم، العلم تتوصل به إلى معلوم غائب، وبذلك تصبح فقيهاً، الفقه: معرفة أسرار التكليف والشرع، فقه: إذا فهم أسرار هذه العبادات وهذه الشرائع. إذاً: يجب أن نتعلم لنصبح عالمين ونطلب العلم لنصبح فقهاء متفقهين، أما الجهلة أصحاب ظلمة النفس فمطالبتهم بالاستقامة كالمطالبة بالمستحيل، كيف يستقيم طول حياته فيحل ما أحل الله ويحرم ما حرم الله، وينهض بما أوجب الله، ويبتعد عما نهى الله إذا لم يكن ذا علم بالله، وذا فقه في شرائع الله؟
لا سبيل إلى الاستقامة في أي أسرة أو بين أفراد أو في أمة أو قرية إلا إذا علمنا وفقهنا وأصبحنا أولياء لله عز وجل، فكل الذي نشكوه من الظلم والخبث، والربا والزنا والشر والفساد، والطلاق والنكاح والباطل مرده والله إلى الجهل، عدم البصيرة والفقه والعلم، والذي رمانا بهذه الظلمات -ظلمات الجهل- هو العدو الثالوث الأسود: المجوس واليهود والنصارى، أفقدونا الهداية حتى يتمكنوا منا وحتى نساويهم في باطلهم وشرهم وجحيمهم، واستجبنا لهم، فالقرآن تقرءونه على الموتى أم لا؟ كم حلقة معقودة الآن في المدينة لدراسة كتاب الله؟ أين أهل المدينة ؟كم منهم بيننا؟ كيف نعرف؟ كيف نتصل بربنا؟ كيف نحقق ولايتنا له عز وجل ونحن معرضون تائهون؟ وا أسفاه، وا حسرتاه! ولكن ما شاء الله كان.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

ابوالوليد المسلم
17-09-2021, 02:18 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانعام
الحلقة (389)
تفسير سورة الأنعام (22)

يذكر الله عز وجل عباده في هذه الآيات بالنعم التي أنعم بها عليهم، فهو سبحانه منزل المطر من السماء، ومنبت الحب في السنابل، ومخرج التمر من النخيل، ومنشئ جنات الأعناب والزيتون والرمان، وكل هذا سخره لعباده، فينظر أي عباده الذي يشكر نعمة الله، ويوقن بآياته العظيمة ويؤمن به سبحانه، وأيهم يكون ميتاً لا تنفعه ذكرى، ولا تفيده موعظة أو آية.
تقرير آيات سورة الأنعام القضايا العقدية الثلاث بذكر مظاهر القدرة الإلهية
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأربعاء من يوم الثلاثاء- ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
ومن أراد أن يتأكد من صحة الخبر فعليه بصحيح مسلم وغيره، وعليه بالواقع، أرأيتم لو كنا في مقهى أو في عرس أو في سوق أو في وليمة هل يحصل هذا السكون؟ والله ما كان، هل رأيتم لو كنا في مجلس غير هذا أما يقع بيننا العذاب: السب والشتم والتلصص والسرقة؟ ولكن هنا الرحمة تغشانا.
أما الملائكة فهم والله يطوفون بكم، أليس الأفضل والأكمل أن يباهي الله بكم ملائكته: انظروا إلى عبيدي كيف اجتمعوا في بيتي يتلون كتابي، يتملقون لي ويتزلفون إلي؟ فكيف نحصل على هذا؟ لا نستطيعه بالملايين.
ومع الأسف ما أكثر المحرومين، مجالسهم خارج المسجد لا تنتج لهم درهماً لمعاشهم ولا حسنة لمعادهم، ويقضون الساعة والساعات فيما لا ينفع، والله نسأل أن يهديهم.
ما زلنا مع سورة الأنعام المكية، تلك السورة التي زفت بسبعين ألف ملك ولهم زجل وتسبيح، وها نحن مع الآية المتأخرة من الآيات التي درسناها بالأمس، فلنستمع إلى تجويدها مع الآيات السابقة لها.
(إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ * فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ * وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ )[الأنعام:95-99].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! هذه الآيات الخمس وما سبقها من فاتحة السورة وما يأتي بعد ذلك إلى خاتمتها كلها تقرر مبدأ لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأن البعث الآخر حق، وأن ما يتم فيه إنما يتم بحسب الأعمال خيرها وشرها، هذه الآيات تقرر وجود الله، وجود الخالق البارئ المصور العزيز الحكيم، تقرر ذلك بعرض هذه الآيات الكونية في الملكوت الأعلى والملكوت الأسفل، هل من خالق سوى الله؟ هل من خالق غير الله؟ لا يستطيع كائن في الأرض أن يشير إلى خالقٍ سوى الله، إما أن يقول: لا خالق إلا الله، أو ينكس رأسه ويطأطئه ويقول: لا أدري.
وهل يعقل وجود مخلوق بدون خالق؟! هل يعقل أن يوجد مخلوق بدون خالق ذي علم أحاط بكل شيء، وذي قدرة لا يعجزها شيء، وذي حكمة لا يخرج أبداً من فعلها شيء؟
أهمية معرفة الله تعالى لتحصيل محبته
والآيات تدعو إلى معرفة الله بواسطة هذه الآيات الكونية، وهذه الآيات القرآنية التنزيلية؛ لأن معرفة الله حق المعرفة هي التي تجعل العارف يقوى على أن يعيش ثمانين وتسعين سنة لا يلفظ بسوء، ولا ينطق بمكروه، ولا يمد يده بباطل، ولا يمشي خطوة في غير ما يرضي الله عز وجل، هذا هو العلم الذي قال فيه عز وجل: ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ )[فاطر:28]، ما هم علماء الذرة والهيدروجين والتقنية ولا السحر ولا الأعمال الشيطانية، وإنما العلماء بربهم الذين عرفوه بأسمائه وصفاته، عرفوه بواسطة آياته الكونية والتنزيلية فأكسبتهم معرفته أمرين عظيمين: حبه تعالى فوق كل محبوب ثم الخوف منه والخشية. والرسول الكريم يقول: ( اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك، وحب كل عمل يقربني من حبك، اللهم اجعل حبك أحب إلي من أهلي ونفسي ومالي والناس أجمعين )، كيف تحب الله وأنت ما رأيت جماله ولا كماله ولا عظمته ولا جبروته ولا قدرته، ولا عرفت شيئاً من أسمائه وصفاته؟ من أين لك؟ ومعنى هذا أن نعود إلى كتاب الله، لقد فصل الله فيه الآيات تفصيلاً، ما إن تقرأه متأملاً متفكراً متدبراً حتى يزداد إيمانك في قلبك، وتظهر دلائل حبك له تعالى وخشيتك منه، ولهذا يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم )، يتلونه ثم بعد التلاوة يتدارسونه بينهم ليعرفوا مراد الله من كل آية، ليعرفوا ما يجب عليهم، ما يجب لهم، ما يجب أن يتركوه، ما يجب أن يقوموا به، ليعرفوا كيف يتملقون لله ويتزلفون إليه بترداد اسمه وذكره، بالركوع والسجود له، بحبس الحياة كلها ووقفها عليه؛ ليحبهم، فإذا أحبهم أحبوه.
تفسير قوله تعالى: (وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء...)
يقول جل ذكره: ( وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً )[الأنعام:99]، هل هناك من يرفع يده ويقول: نحن بنو فلان أنزلنا المطر؟ لعل أمريكا قالت، لعل ملاحدة الروس قالوا، ثم إن استطعتم أن تبخروا الماء كما زعمتم فمن جمع المطر في السماء؟ هل في السماء من ماء؟ أين الماء الآن؟ من جمع تلك السحب وصيرها كأنها أنعام تحمل في ضرعها اللبن؟ ثم السحب تمر شرقاً وغرباً وتخيم على ديار قوم وترحل ولا تصب إلا بعد إذن ربها لها، فهل هناك غيره؟ (وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً )[الأنعام:99]، وهذا الماء أصله ملح أجاج، والله كأنه مصفى في آلاف الآلات، سبحان الله العظيم! لم لا نسأل: هذا الماء من أنزله؟ فيقال لنا: هذا الله، فنقول: من هو الله؟ فييقال: خالقكم ورازقكم وربكم الذي لا رب لكم سواه.
(وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ )[الأنعام:99]، هذا التفات من الغيبة إلى الحضور، أخرجنا نحن رب العزة والجلال والكمال، ( فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ )[الأنعام:99]، ما من شيء ينبت على سطح الأرض إلا والماء سببه، والله وحده هو الذي يخرجه، ( إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى )[الأنعام:95]، حبة الشعير الصماء أو البر من يفلقها؟ نواة التمرة من يشقها ويخرج ذلك الفتيل؟ من يقوى على هذا؟ من يدعيه؟ لا إله إلا الله.
معنى قوله تعالى: (فأخرجنا منه خضراً نخرج منه حباً متراكباً ومن النخل من طلعها قنوان دانية)
(فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا )[الأنعام:99]، لما تنشق الحبة وتنفلق يخرج منها ذلك القصيل، وذلك القصيل قد يكون براً أو شعيراً أو ذرة أو أرزاً، أنواع متنوعة.(فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا )[الأنعام:99]، ذاك الخضر الأخضر الذي خرج من الحبة بعد فلق الله لها وشقها يخرج الله تعالى منه حباً متراكباً، انظر إلى السنبلة حبها منظم متراكم تعجز عن مثله الآلات.
(وَمِنَ النَّخْلِ )[الأنعام:99]، ونخرج من النخل، والنخل واحده: نخلة، والجمع: نخل اسم جنس، ( وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ )[الأنعام:99]، القنوان: جمع قنو، وهو العرق، وبلغة أهل المغرب: العرجون، هذه النخلة الخشبة الميتة كيف يخرج هذا منها؟
أولاً: يكون الطلع، ثم يخضر وينشق ويخرج منه ذاك الذي كان محروزاً محفوظاً فيه فجأة فإذا به تمر، ويصبح قنواً دانياً متدلياً، والنخلة في السنوات الأولى تتناول منها التمر بيديك لا تصعد ولا تنزله بآلة، فمن فعل هذا؟ إنه الله تعالى، لماذا فعله؟ هل لحاجة إلى ذلك؟ ما فعله الله إلا من أجلنا، من أجل بني آدم فقط، الذين ما خلقهم إلا من أجل أن يذكروه ويشكروه، فمن ذكره وشكره أعزه وأسعده، ومن كفره ونسيه أهانه وأذله وأشقاه، إذ علة الحياة كلها أن يذكر الله ويشكر.
وهل يذكر بالأوراد التي يبتدعها المبتدعة؟ يذكر بماذا؟ بالأغاني والأهازيج؟ يذكر بما أحب أن يذكر به، وقد علم ذلك رسوله وبين له الكلمات الطيبات التي يحب أن يسمعها من عبده، فلا ذكر يأتي من غير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل ورد مبتدع لا قيمة له بل هو بدعة وضلالة.
والشكر كيف يكون؟ الشكر يكون بطاعته عز وجل، بفعل محابه وترك مكارهه، ذلكم والله الشكر، الشكر أن تطيعه في أوامره فلا تفرط فيها ولا تضيعها، وفي نواهيه فلا تقبل عليها ولا تخالفه، أنت يومئٍذ من الشاكرين، زيادة على حمد الله والاعتراف بآلائه وإنعامه.

يتبع

ابوالوليد المسلم
17-09-2021, 02:18 AM
معنى قوله تعالى: (وجنات من أعناب)
قال تعالى: ( وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ )[الأنعام:99]، أي: وأخرجنا بذلك الماء جنات من أعناب، والأعناب: جمع عنب، هذا أوان حصاده، هذا العنب كيف يوجد؟! شجرة العنب من خلقها؟تكون يابسة كخشب وحطب ثم تتحول إلى ذات أوراق ثم إلى ذات عناقيد كعناقيد التمر متدلية كلها حلوة، فمن فعل هذا؟ إنه الله تعالى لا إله إلا هو، هو الخالق الرازق، فلا نقبل على مخلوق أبداً بقلوبنا ولا بوجوهنا، ولكن نقبل عليه هو، ونسلم له القلب والوجه، ( وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ )[النساء:125].
والعنب والتمر مغذيان فيهما فيتامينات عجب، التمر هذا بالذات تستطيع أن تعيش عليه، في بعض السرايا كان الصحابة يعيشون على التمر، وعاشت أمتنا على التمر، قيل: إن واحدة التمر فيها غذاء أكثر من خمس عشرة تفاحة، سمعنا هذا من بعض الناس، وهو جائز، الحبة الواحدة من التمر تغذي جسمك أكثر من خمس عشرة تفاحة.
قصة صقلبي يسلم لرؤية بديع خلق الله تعالى في حلاوة التمر
ذكرنا قصة منذ سنين في الدرس: وهي أنه جاء صقلبي من شمال العالم، من تلك الديار التي لا تعرف التمر ولا النخل، ودخل إلى بلادنا الصحراوية وذهبنا معه إلى الحديقة إلى البستان إلى الجنان، فقدمنا له الرطب فتعجب فقال: كيف يصنع هذا؟ ما هو المصنع الذي ينتج هذا الرطب الحلو؟ وقال: هذا الذي يفعل هذا ينبغي أن يجل ويقدس! فلما انتهى إلى البستان وشاهد أنه من النخل عرف أن هذا ليس من صنع الإنسان، وأن هذا من صنع الله عز وجل، فآمن ودخل في الإسلام.
معنى قوله تعالى: (والزيتون والرمان مشتبهاً وغير متشابه انظروا إلى ثمره إذا أثمر
قال تعالى: ( وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ )[الأنعام:99]، وأنشأ الزيتون والرمان بذلك الماء، الزيتون جنس معروف والرمان كذلك، ( مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ )[الأنعام:99]، الرمان نفسه فيه الحلو وفيه الحامض وفيه، الورقة والشجرة تشتبه بأختها، ولكن هذه ثمرها حلو، وهذه ثمرها حامض أو مر، وهذه بين الحموضة والحلاوة.ثانياً: شجرة الرمان كشجرة الزيتون بالنسبة إلى الورق والأغصان كلها متساوية، إلا أن ورق الرمان قد يكون أكثر خضرة، والزيتون يكن فيه بعض السواد، لكن التشابه حاصل، متشابه من جهة وغير متشابه من أخرى، فمن صنع هذا؟ من أوجده؟
قال تعالى: ( وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ )[الأنعام:99]، شجرة الزيتون وشجرة الرمان متساويتان متشابهتان، وحين تثمران وتنضج ثمارهما تجد الفرق بين عنقود العنب وبين حبة الزيتون كما بين الليل والنهار، فمن يفرق هذا التفريق؟
شجرة من خشب تنتج هذا العنب! والرمانة تنتج هذا الرمان! والرمان غذاء كامل أيضاً وشراب، والزيتون لا تسأل عن الدهن وعن الزيت وحاجة البشر إليه.
هيا نسأل: من أوجد هذا؟ هل اللات؟ هل عيسى؟ من هو هذا أوجد ذلك؟ إنه الله رب العالمين، فهيا نحبه، هيا نعبده، دلنا كيف نعبده؟ كيف نذل ونستكين له من أجل أن يحبنا، هيا نتعلم.
قال تعالى: ( وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ )[الأنعام:99]، والينع: النضوج، فعندما يستوي وينضج تجدون الفرق بين عنقود العنب والزيتون.
معنى قوله تعالى: (إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون)
ثم قال تعالى: ( إِنَّ فِي ذَلِكُمْ )[الأنعام:99] المذكور لكم، المبين لكم، المفصل فيه هذه الآيات، فيه آيات بينات واضحات كالشمس والقمر بدلالتها على وجود ربٍ وإلهٍ عزيز حكيم قدير لا يعجزه شيء، وهو إله الأولين والآخرين.(إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ )[الأنعام:99]، ولكن من يرى الآيات؟ من يبصرها؟ من ينتفع بها؟ الحي أو الميت؟ فلهذا قال: ( لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ )[الأنعام:99]، أما الكافرون فموتى، وهي الحقيقة التي لا ننساها، الكافر ميت، والمؤمن حي، والبرهنة على ذلك والتدليل عليه: أن الحي يسمع النداء ويجيب الدعاء ويعطي إذا طلب منه، ويأخذ إذا أعطي ويفعل إذا أمر، وينتهي إذا نهي، والكافر هل يسمع النداء؟ هل يجيبه؟ هل يعطي ما أوجب الله؟ هل ينتهي عما نهى الله عنه؟ لا، فهو ميت.
والأكثر دلالة: أن أهل الذمة في ديارنا من اليهود والنصارى والمجوس إذا أهل هلال رمضان هل نطالبهم بالصيام؟ هل إذا آن أوان الزكاة نطالبهم بإخراج الزكاة؟ هل إذا نادى مناد أن: حي على الصلاة نقول: تعالوا صلوا؟ الجواب: لا. لماذا؟ لأنهم أموات، إذا نفخت فيهم روح الإيمان وقالوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله فحينئذ مرهم يفعلون وانههم ينتهون، ولهذا هذه الآيات التي بينها تعالى من يشاهدها وينتفع بها الميت أو الحي؟ الحي، اقرأها على الكافر من أولها إلى آخرها فلا يتحرك أبداً؛ لأنه ميت، ( إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ )[الأنعام:99].
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

معنى الآيات
هيا نسمع أيضاً مرة ثانية شرح هذه الآيات ونقف على هداية الله فيها.قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم:
[معنى الآيات:
ما زال السياق في بيان الدليل على وجوب توحيد الله تعالى وبطلان عبادة غيره، فقال تعالى واصفاً نفسه بأفعاله العظيمة الحكيمة التي تثبت ربوبيته وتقرر إلوهيته وتبطل ربوبية وإلوهية غيره مما زعم المشركون أنها أرباب لهم وآلهة: ( إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى )[الأنعام:95]، أي: هو الذي يفلق الحب ويخرج منه الزرع لا غيره، وهو الذي يفلق النوى ويخرج منه الشجر والنخل لا غيره، فهو الإله الحق -إذاً- وما عداه باطل.
وقال: ( يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ )[الأنعام:95]، فيخرج الزرع الحيّ من الحب الميت، ( وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ )[الأنعام:95]، فيخرج الحب من الزرع الحيّ، والنخلة والشجرة من النواة الميتة.
ثم يقول: ( ذَلِكُمُ اللَّهُ )[الأنعام:95]، أي: المستحق للإلهية -أي: العبادة- وحده، ( فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ )[الأنعام:95]، أي: فكيف -يا للعجب- تصرفون عن عبادته وتأليهه إلى تأليه وعبادة غيره؟!
ويقول: ( فَالِقُ الإِصْبَاحِ )[الأنعام:96]، أي: هو الله الذي يفلق ظلام الليل فيخرج منه ضياء النهار، ( وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا )[الأنعام:96]، أي: ظرف سكن وسكون وراحة تسكن فيه الأحياء من تعب النهار والعمل فيه ليستريحوا.
وقوله: ( وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا )[الأنعام:96]، أي: وجعل الشمس والقمر يدوران في فلكيهما بحساب تقدير لا يقدر عليه إلا هو، وبذلك يعرف الناس الأوقات وما يتوقف عليها من عبادات وأعمال وآجال وحقوق.
ثم يشير إلى فعله ذلك فيقول: ( ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ )[الأنعام:96] الغالب على أمره، ( الْعَلِيمِ )[الأنعام:96] بسائر خلقه وأحوالهم وحاجاتهم، وقد فعل ذلك لأجلهم، فكيف -إذاً- لا يستحق عبادتهم وتأليههم؟ عجباً لحال بني آدم ما أضلهم!
ويقول تعالى في الآية الثالثة: ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ )[الأنعام:97]، هذه منة أخرى من مننه على الناس ومظهر آخر من مظاهر قدرته؛ حيث جعل لنا النجوم ليهتدي بها مسافرونا في البر والبحر حتى لا يضلوا طريقهم فيهلكوا، فهي نعمة لا يقدر على الإنعام بها إلا الله، فلم -إذاً- يكفر به ويعبد سواه؟
وقوله: ( قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ )[الأنعام:97]، يخبر به تعالى على نعمة أخرى، وهي تفصيله تعالى للآيات وإظهارها لينتفع بها العلماء الذين يميزون بنور العلم بين الحق والباطل والضار والنافع.
ويقول في الآية الرابعة: ( وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ )[الأنعام:98] هي آدم عليه السلام، فبعضكم مستقر في الأرحام وبعضنا مستودع في الأصلاب، وهو مظهر من مظاهر إنعامه وقدرته ولطفه وإحسانه.
ويختم الآية بقوله: ( قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ )[الأنعام:98]؛ لتقوم لهم الحجة على ألوهيته تعالى دون ألوهية ما عداه من سائر المخلوقات؛ لفهمهم أسرار الكلام وعلل الحديث ومغزاه.
ويقول في الآية الأخيرة: ( وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً )[الأنعام:99]، وهو ماء المطر. ويقول: ( فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ )[الأنعام:99]، أي: ينبت، أي: قابل للإنبات من سائر الزروع والنباتات.
ويقول: ( فَأَخْرَجْنَا )[الأنعام:99] من ذلك النبات ( خَضِرًا )[الأنعام:99]، وهو القصيل للقمح والشعير، ومن الخضر يخرج حباً متراكباً في سنابله.
ويقول عز وجل: ( وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ )[الأنعام:99]، أي: ويخرج بإذن الله تعالى من طلع النخل قنوان: جمع قنو: العذق، دانية متدلية وقريبة لا يتكلف مشقة كبيرة من أراد جنيها والحصول عليها.
وقوله: ( وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ )[الأنعام:99]، يقول: وأخرجنا به بساتين من نخيل وأعناب، وأخرجنا به كذلك الزيتون والرمان حال كونه مشتبهاً في اللون وغير متشابه في الطعم، كلوا من ثمره إذا أثمر وينعه ينبت لديكم ذلك التشابه وعدمه.
وختم الآية بقوله: ( إِنَّ فِي ذَلِكُمْ )[الأنعام:99]المذكور كله ( لَآيَاتٍ )[الأنعام:99]، علامات ظاهرات تدل على وجوب ألوهية الله تعالى وبطلان ألوهية غيره، ( لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ )[الأنعام:99]؛ لأنهم أحياء يعقلون ويفكرون ويفهمون، أما غيرهم من أهل الكفر فهم أموات القلوب لما ران عليها من أوضار الشرك والمعاصي، فهم لا يعقلون ولا يفقهون، فأنى لهم أن يجدوا في تلك الآيات ما يدلهم على توحيد الله عز وجل؟ ]
هداية الآيات
من هداية الآيات ست هدايات، فتذكروا الآية:[ أولاً: الله خالق كل شيء فهو رب كل شيء ]، ما دام أنه خالق كل شيء فهو رب كل شيء. [ ولذا وجب أن يؤله وحده ]، أي: أن يعبد وحده [ دون ما سواه ]، لكونه خالق كل شيء وجب أن يكون الإله المعبود بحق ولا يعبد سواه.
[ ثانياً: تقرير قدرة الله على كل شيء وعلمه بكل شيء وحكمته في كل شيء ] حتى في الفسيلة، فلا إله إلا الله.
[ ثالثاً: فائدة خلق النجوم، وهي الاهتداء بها في السير في الليل في البر والبحر.
رابعاً: يتم إدراك ظواهر الأمور وبواطنها بالعقل ]، ومن فقد العقل لا يدرك شيئاً.
[ خامساً: يتم إدراك أسرار الأشياء بالفقه.
سادساً: الإيمان بمثابة الحياة، والكفر بمثابة الموت في إدراك الأمور ].
والله تعالى أسأل أن يجعلنا من الأحياء، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

ابوالوليد المسلم
17-09-2021, 02:20 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانعام
الحلقة (390)
تفسير سورة الأنعام (23)

توعد الله عز وجل من تأتيه آياته سبحانه ثم يعرض عنها؛ لأنه بذلك إنما يكون قد كذب بالحق الذي جاء من عند الله سبحانه وتعالى، رغم علمه بما أصاب الأمم السابقة ممن مكن لهم الله في الأرض، فكذبوا وأعرضوا، فكان جزاء تكذيبهم وإعراضهم أن دمر الله عليهم، وأهلكهم بذنوبهم، وأنشأ بعدهم أمماً أخرى، فهو القاهر فوق عباده عز وجل، وهو العزيز الحكيم.
مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة الأنعام
الحمد لله، نحمده تعالى، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليالي الثلاث بعدها ندرس بإذن الله كتاب الله؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
مجمل ما عالجته سورة الأنعام من العقائد
وأذكر الإخوان والأبناء أن السورة هي سورة الأنعام، تلك السورة العظيمة التي شيعها سبعون ألف ملك ولهم زجل وتسبيح، تلك السورة التي تعالج أعظم العقائد، وأهم مبادئ الكمال والسعادة في الحياتين، تعالج العقيدة: توحيد الله، تقرير نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، البعث الآخر ولقاء الله، هذه السورة العظيمة درسنا منها الآيات الآتية تلاوتها:
مظاهر الربوبية المستلزمة استحقاق الله تعالى للعبادة
بسم الله الرحمن الرحيم. ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ * هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ * وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ )[الأنعام:1-3].هذه الآيات درسناها، مرة ثانية أعيدها تذكيراً للناسين.
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ )[الأنعام:1] هذه مظاهر الربوبية والإلهية، وهي مستلزمة لتوحيد الله، إذ الذي يعبد وحده دون سواه هو الذي أنعم علينا بخلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور، إذ حياتنا متوقفة على ذلك، وهذه المخلوقات لم يدع كائن ما كان خلقها، فهذه مما هو حق الله وخلقه، وبهذا استحق الحمد وحده، واستحق العبادة دون سواه.
إشراك الكفرة بربهم عز وجل
(خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ )[الأنعام:1] يا للعجب! يا للعجب! يعدلون بربهم غيره، ويسوونه بمخلوقاته، فيعبدون الأصنام والأحجار، يعبدون الأهواء والشهوات، ويعبدون الفروج والأموال، ولا يعبدون الرحمن جل جلاله وعظم سلطانه، أو يعبدونه مع ما يعبدون، وهذا هو العدل، يعدلون بالله غيره من مخلوقاته.
مادة خلق الإنسان وبيان تقدير أجله الخاص وأجل الحياة الدنيا
(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ )[الأنعام:2] من يرد على الله؟! من يقول: لا، هل نحن خلقنا من ذهب، أو خلقنا من سمن، أو خلقنا من ساج أو عاج؟ ( خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ )[الأنعام:2] باعتبار خلق آدم ونحن ذريته، ثم عظامنا ولحومنا وعروقنا ودماؤنا كلها من الأرض، إذ أغذيتنا فواكه وخضر ولحوم وحبوب كلها من التراب، وهي أساس وجودنا ومنبعنا وبقاء حياتنا.(ثُمَّ قَضَى أَجَلًا )[الأنعام:2] ألا وهو أجل الموت لكل حي منا، وحدد وعده ووقته وميعاده، هل هناك من يقول: لا حق لله تعالى في خلقي ولا في تحديد حياتي أو موتي؟ لا أحد.
ثم هناك أجل مسمى عنده معروف لديه، يجهله كل كائن في السماء والأرض، ألا وهو أجل نهاية هذه الحياة، أجل البعث الآخر والحياة الآخرة، من يرد على الله؟ من يتكلم؟ لا أحد.
(قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ )[الأنعام:2] يا بني آدم ( تَمْتَرُونَ )[الأنعام:2] تشكون وتضطربون، مالكم؟ أين يذهب بكم؟ الذي خلقكم وخلق كل شيء من أجلكم، هذا الخالق العلام تمترون في وجوب عبادته وحده دون سواه، تمترون في ألوهيته، أين يذهب بعقولكم يا بني آدم؟!
إحاطة علم الله تعالى بسر عباده وجهرهم وكسبهم
(وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ )[الأنعام:3] أي: المعبود في العوالم العلوية والسفلية، وهو في السماء إله معبود، وفي الأرض إله معبود، ومع هذا ( يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ )[الأنعام:3] هو فوق عرشه بائن من خلقه فوق السماوات، والعوالم كلها في قبضته وبين يديه، يعلم سر من يسر كلامه وجهر من يجهر به، لا تظن أنك إذا اختبأت في سراديب، أو دخلت في قوارير الزجاج أن الله لا يسمع ما تقول! والله ما كان هذا، بل يعلم السر والنجوى.(يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ )[الأنعام:3] بجوارحكم وكواسبكم، لقد علم الجوارح التي نجترح بها السيئات والحسنات، والكواسب التي نكتسب بها الخير والشر، ألا وهي السمع والبصر والفم واللسان واليدان والرجلان والبطن والفرج، يعلم ما نكسب، ولازم ذلك أنه يعلمه للجزاء به، وللمحاسبة عليه، وإن قلت: سوف أجحد أعمالي وأكتمها وأنا بين يديه؛ فقد أخبرنا تعالى أنه يستنطق الجوارح فتنطق: ( يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )[النور:24]، فحين يحاول المرء أن يجحد أو يخفي أو يبدل ويغير يقول الله للجوارح: انطقي. واسكت يا لسان!
إذاً: هل استنارت قلوبنا بهذه الآيات الثلاث؟ عرفنا ربنا؟ عرفنا خالقنا؟ عرفنا من وضع آجالنا في مواعيدها؟ عرفنا من يجمعنا في ساحة فصل القضاء ثم ينبئنا بأعمالنا ثم يجزينا بها؟ إما سعادة بعد ذلك، وإما شقاء، والله الذي لا إله غيره لهذا هو الذي نحن مقبلون عليه، أحببنا أم كرهنا.
تفسير قوله تعالى: (وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين)
والآن مع هذه الآيات الثلاث معطوفة على سابقتها: قال تعالى: ( وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ * فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون * أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ )[الأنعام:4-6] كلام من هذا؟ من يقوى على أن يتكلم بهذا؟ هذا كلام الجبار الواحد القهار جل جلاله وعظم سلطانه.
(وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ )[الأنعام:4] وآيات الله القرآنية عرفنا أنها ستة آلاف ومائتان وست وثلاثون آية، كل آية تدل على أنه لا إله إلا الله محمد رسول الله، وأن البعث حق، والآية: العلامة الدالة على الشيء، فإذا قلنا: هذه الآية: ( وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ )[الأنعام:4] من قالها؟ هل هناك من أنزلها وقالها غير الله؟ إذاً: فهي تشهد بوجود الله وعلمه وحكمته وقدرته، وأنه رب الأولين والآخرين، ومعبود أهل السماء والأرضين.
ومن نزلت عليه في الدنيا من يكون غير رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم؟ إذاً: فهل يكون غير رسوله، وينزل عليه وحيه؟ فهي تشهد بأن محمداً رسول الله.
وفائدة تلك الشهادة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) والمقصود منها: أن يعبد الله في الأرض؛ إذ ما خلق العوالم كلها إلا من أجل أن يذكر فيها ويشكر؛ فلهذا كان شر الخلق وشر البريئة من كفر بالله فلم يذكره ولم يشكره.
دائماً نقول: من شر الخليقة؟ هل القردة والخنازير؟ لا! هل الكلاب والذئاب؟ لا! هل الأفاعي والحيات؟ لا! شر الخليقة من أعرض عن ذكر الله، فلم يذكر الله ولم يشكره!
أيخلقك الله -يا عبد الله- ويرزقك ويهبك سمعك وبصرك وكل حياتك، ويخلق هذه العوالم من أجلك حتى عالم الشقاء وعالم السعادة، ثم تعرض عنه ولا تلتفت إليه، لا تطيعه فلا تذكر ولا تشكر، من شر الخلق سوى هذا؟!
يتبع

ابوالوليد المسلم
17-09-2021, 02:21 AM
تكذيب المشركين بآيات الله تعالى الكونية وآياته القرآنية
(وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ )[الأنعام:4] قد تكون معجزة كانشقاق القمر؛ فقد انشق القمر، وشاهده طغاة المشركين وجبابرتهم ثم قالوا: سحر. وقالوا: كذب. وقالوا: خرافة وضلالة. واقرءوا: ( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ )[القمر:1] اقتربت الساعة ساعة النهاية، اقتربت بالفعل، وانشق القمر على جبل أبي قبيس فلقتين، وهم يشاهدون، وقالوا: سحر! ( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ * وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ )[القمر:1-3] ما اتبعوا عقولهم، فالآيات معجزات، وآيات القرآن أعظم منها، ما تأتيهم من آية إلا كانوا عنها معرضين، ما معنى (معرضين)؟ لا يريدون أن يسمعوها ولا يتأملوا ما فيها، ولا يعملوا بها، فيعطوها أدبارهم ولا يلتفتون إليها، فهيا نكشف الغطاء:
الإعراض عن آيات الله تعالى في حياة المسلمين اليوم
هل العالم الإسلامي اليوم ومنذ قرون غير معرض عن آيات الله؟ آيات الله الحاملة لشرائعه وأحكامه وعباداته وقوانينه؛ هذه الآيات هل أقبل عليها المسلمون في بيوت ربهم وبيوتهم يتدارسونها ويعلمون ما تحويه من الهدى، ويطبقونه في حياتهم؟ هل أقيمت الصلاة في بيوتهم وديارهم؟ هل جبيت الزكاة؟ هل أمر بالمعروف ونهي عن المنكر؟ هل اتحدت كلمتهم؟ هل بايعوا إمامهم؟ هل عبدوا الله بما شرع لهم؟ هل عرفوا الله معرفة أوجدت حبه في قلوبهم، والرهبة منه والخوف في نفوسهم فأطاعوه؟ إن أردنا القول الصحيح فوالله لأكثرهم معرضون عن آيات الله.أليس الإعراض هو عدم الالتفات إلى الشيء أم لا؟ إنهم يوم يجتمعون على آيات الله في بيوت الرب، يحفظونها ويتدارسونها ويطبقونها وتظهر أنوارها في قلوبهم وآدابهم وأخلاقهم وسلوكهم وحياتهم؛ حينئذ يكون أولئك حقاً قد أقبلوا على آيات الله، أما أن نعيش هكذا عيشة اليهود والنصارى، لا صلاة تقام ولا زكاة تجبى، ولا أمر بمعروف ولا نهي عن منكر، ولا إخاء ولا مودة ولا رحمة، ولا علم ولا دموع ولا بكاء من الله، نعيش كما يعيش اليهود والنصارى ونقول: ما أعرضنا؟! وهذا الوعيد الذي ذكره تعالى للأولين أما حصل لنا لما أعرضنا؟ أما أذلنا الله حتى لليهود؟ أما كسر بيضتنا وألصقنا بالأرض، وأصبح النصارى والمجوس يتحكمون فينا؟
(وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ )[الأنعام:4] التي ينزلها وحياً أو يعطيها معجزة وإكراماً لرسوله ( إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ )[الأنعام:4].
تفسير قوله تعالى: (فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون)
(فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ )[الأنعام:5]، ورسول الله حق، الدين الإلهي الإسلامي حق، القرآن حق، البعث والجزاء الآخر حق، والله حق.(كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ )[الأنعام:5] يحمله كتاب الله ويبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذاً: ( فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون )[الأنعام:5] أعرضوا وكذبوا واستهزءوا، وهل بقي إثم أكثر من هذا؟ إنهم أولاً: أعرضوا عن شرع الله وكتابه وقوانينه. ثانياً: كذبوا بذلك، فلم يطبقوا ولم يعملوا. ثالثاً: استهزءوا وسخروا.
فقال تعالى: ( فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون )[الأنعام:5]، فسوف يأتيهم أنباء وأخبار ما كانوا به يستهزئون، ونفَّسَها بقوله: ( فَسَوْفَ )[الأنعام:5] حتى لا يقال: تأخر عنا، هو وقت طويل. فلا بد أن يأتي أخبار ما كانوا به يستهزئون.
وقد عرفنا ما أصاب أمتنا لما أعرضت عن كتاب ربها وهدي نبيها، عرفنا كيف تقسمت وتوزعت وتقطعت بعدما كانت أمة واحدة، وعرفنا كيف افتقرت وهانت وذلت بعدما كانت أعز وأغنى أمة في العالم! عرفنا كيف ذهب الإخاء والحب والولاء: ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً ) ، ( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يكذبه، كل المسلم على المسلم حرام، دمه وعرضه وماله )، فأراق اليهود والنصارى دماء المسلمين، وانتهكوا أعراضهم، وفعلوا الأعاجيب فيهم! أليس هذا نتيجة الإعراض عن كتاب الله وعن آيات الله؟
تفسير قوله تعالى: (ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم ...)
ثم قال تعالى: ( أَلَمْ يَرَوْا )[الأنعام:6] ألم ينته إلى علمهم ويشاهدوا تلك الأمم التي أهلكها الله عز وجل؟ ( أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ )[الأنعام:6] والمراد من القرن: أهله، والقرن: مائة سنة، وقد يقال: سبعون وثمانون، لكن الصحيح: مائة سنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـعبد الله بن بسر رضي الله عنه: ( تعيش قرناً ) فعاش مائة سنة، فأخذ من ذلك الصحابة أن القرن تفسيره الصحيح: مائة عام، وقد يكون الجيل من الناس قرناً، من اقترنوا كلهم في وقت واحد فهم قرن من القرون.(أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ )[الأنعام:6] وهذا التفات، ما لم نمكن لكم يا أيها المعرضون! مكناهم بمعنى: سادوا وحكموا وورثوا وملكوا وسادوا، الأمر الذي ما مكنه لغيرهم من هؤلاء المعرضين. (وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا )[الأنعام:6] الأمطار الغزيرة والنباتات على اختلافها، وأنواع ما يحتاجون إليه من الزروع والثمار والحبوب. ( وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ )[الأنعام:6] أي: تحت قصورهم وفي بساتينهم وحدائقهم.
الذنوب سبب الهلاك
(فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ )[الأنعام:6] هل هناك ذنوب تسبب الهلاك وأخرى لا تسبب الهلاك؟ هل هناك سم يقتل وآخر لا يقتل؟ هل هناك حديد يقطع وآخر لا يقطع؟ هل هناك نار تحرق وأخرى لا تحرق؟ إذاً: الذنوب سنن من سنن الله التي تهلك وتدمر وتسوق للخسران والدمار، ما هناك ذنب يقال فيه: هذا لا يؤاخذ الله به، إذ الذنب معناه: العصيان والتمرد والخروج عن طاعة الله ورسوله، وبهذا يؤخذ الإنسان من عقبه ومن ذنبه، فسمي الذنب ذنباً لأنه كالذنب للحيوان، إذا جرى أمامك حيوان فإنك تأخذه من ذنبه، فكل ما يؤاخذ به المرء من معاص سمه ذنباً وأطلق عليه أنه ذنب.(أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ )[الأنعام:6] من القرون وأهلها ( مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ )[الأنعام:6] هذا أبلغ من: (مكنا لهم)، مكناهم في الأرض فسادوا وحكموا وعاشوا هكذا ولهم دولتهم وسلطانهم، مكنا لهم ما لم نمكن لكم أنتم، هذا فيه احتباك، لك أن تقول: مكناهم في الأرض ما مكنا لكم، ومكنا لهم ما مكنا لكم.
(وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا )[الأنعام:6] المراد من السماء: المطر، وإلا فالسماء لا تنزل، يقول الشاعر:
إذا نزل السماء بأرض قوم رعيناه وإن كانوا غضابًا
إذا نزل السماء: أي: المطر.
(وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا )[الأنعام:6] والدر معروف، هو اللبن في الضرع، درت الشاة: إذا تدفق لبنها بين يدي الحالب لها.
(وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ )[الأنعام:6] أنهار ماذا؟ العيون، أنهار كالنيل والفرات وما إلى ذلك، تجري من تحتهم الأنهار، ( فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ )[الأنعام:6] هذه هي العظة والعبرة، هل أهلكهم الله ظلماً منه؟ تعالى الله عن الظلم وحاشاه، والله ما أهلكهم إلا بسبب ظلمهم، أي: بذنبهم، والباء سببية، (بذنوبهم) جمع ذنب، وهو ما يؤاخذ عليه العبد هو معصية الله ورسوله، ومن أمر الله بطاعته كإمام المسلمين والوالدين والمربي ومن إليهم ممن أمر الله بطاعتهم، ولكن طاعتهم في المعروف لا في المنكر، هذا هو الذنب.
ذكر بعض ما أخذ به المشركون من ذنوبهم ومعاصيهم
إذاً: ( فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ )[الأنعام:6] أمة أخرى وقرونًا أخرى، هذه الآية تجلت أولاً في تلك السنين السبع العجاف التي أذاقها الله مشركي مكة، حتى أكلوا الوبر وأكلوا الدماء، وجاءوا يطلبون من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستشفع لهم عند الله، سبع سنين كسني يوسف، من هذه الآيات هزيمتهم في بدر التي جمعوا لها أحابيشهم ورجالهم وذاقوا مرارة الهزيمة، وصرع هناك طغاتهم، كـأبي جهل وفلان وفلان، أخذهم بذنوبهم أم لا؟ وفتح مكة وأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه لها، وتلك الهزيمة المرة كانت بذنوبهم أم بماذا؟ بذنوبهم.
آثار الذنوب والمعاصي وعواقبها الوخيمة في حياة المسلمين
وأما ما أشرنا إليه -بل صرحنا به- وهو ما أصاب المسلمين بذنوبهم من الاستعمار الذي تسلط عليهم، وما أذاقهم من مر العذاب، وما أذاقهم من هون ودون من إندونيسيا إلى موريتانيا؛ فهل هذا كان بذنوبنا، أم كان ظلماً من الله لنا؟ والله ما هو إلا بذنوبنا. وأزيدكم: والله الذي لا إله غيره! إن لم يتدارك الله المسلمين عاجلاً بتوبة صادقة وإنابة حقة فلينزلن بهم ما لم ينزل على أجدادهم من قبل، إنهم ليتعرضون لنقمة إلهية لا نظير لها!
نصرهم على دول الغرب واستقلوا وامتازوا، ولهم جيوش ولهم أموال، ويعرضون عن كتاب الله هذا الإعراض، يعرضون عن دين الله هذا الإعراض، ويجرون وراء الغرب حتى في برانيطهم وزيهم، حتى في أكلهم وشربهم، أي ذنب من الذنوب ينتهي إلى هذا؟
مرة ثانية أقول: إن لله سنناً لا تتبدل ولا تتغير، فمخالفة أمر لرسول الله واحد أذاق الله به أصحاب رسول الله مر العذاب والهزيمة في أحد، فما هو هذا الذنب؟ وضع صلى الله عليه وسلم خمسين رامياً على جبل الرماة، وقال: لا تنزلوا إن انتصرنا أو انكسرنا، الزموا أماكنكم. وكان صلى الله عليه وسلم قائداً ورائداً لا أقدر ولا أعلم منه بشئون الحرب؛ لأنه يتلقى علومه من الملكوت الأعلى.
ودارت المعركة وانهزم المشركون وهم آلاف، وفروا بنساؤهم هاربات يشاهدن، فلما رأى الرماة انهزام المشركين وفرارهم وتمزقهم قالوا: نهبط. فقال أميرهم: لا تهبطوا، ما أمرنا الرسول بأن نهبط، قالوا: الآن انتصرنا فلا معنى للبقاء. هذا هو الاجتهاد الباطل، فهبطوا إلا من شاء الله، حيث بقي رئيسهم في نفر معه، وما إن نزلوا من جبل الرماة حتى عرف خالد بن الوليد قائد خيلهم، عرف أن الهزيمة الآن تثبت، فاحتل الجبل؛ لأن الجبل كان درعاً واقياً للمجاهدين وراءهم، فاحتله خالد وقتل من عليه، وما إن احتل الجبل وسدد السهام والرماح حتى انهزموا، وجرح وجه رسول الله، وكسرت رباعيته، ودخل المغفر في رأسه، بسبب ماذا؟ بسبب الذنب أم لا؟ والله إنه لبسبب هذا الذنب، والله هو الذي أخبر بهذا: ( أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ )[آل عمران:165]، عصوا الرسول فقط في قضية، اسألوا العالم الإسلامي كم هو عاص للرسول، في الحجاب الذي اختفى بين نساء المؤمنين، في الربا الذي أصبح حلالاً شائعاً في العالم الإسلامي، في التمزق والفرقة ولعن بعضهم بعضاً، والرضا بالدويلات الهابطة، أيرضى الله بهذا الخلاف والفرقة؟ ما أجاز لنا الفرقة ولا أذن فيها أبداً، ماذا نقول؟ ذنوب لا حد لها، وأكثر ما نقول: كيف لا يؤمر المواطنون بإقامة الصلاة؟ ما المانع؟ لماذا لا تجبى الزكاة إرضاء لله، طلباً لرضاه وإن كنتم أغنياء؟ لماذا لا توجد هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ يكون البوليس والشرط يصفرون ويصيحون، ويفجرون في الشوارع، ولا أمر بمعروف ولا نهي عن منكر! أي إعراض أكثر من هذا الإعراض؟!
حاجتنا إلى التوبة الصادقة بالعودة إلى التربية المسجدية
وأخيراً: قل انتظروا، والله إن لم يتداركنا الله بتوبة فلنهلكن، ما التوبة هذه؟ أن نرجع إليه فقط، وقد بينت وجه التوبة الصادقة، وهي إذا دقت الساعة السادسة مساء وجب ترك العمل والإقبال على الله في بيوته، النساء والرجال والأطفال، ما إن يصلوا المغرب حتى يجلسوا لمرب حكيم عليم بكتاب الله وسنة الرسول، وكلهم آذان صاغية، وقلوب واعية، يتعلمون الكتاب والحكمة، ما يتعلمون أدباً إلا طبقوه على الفور، ولا خلقاً إلا اكتسبوه وتخلقوا به، ومن شعر أن له ذنباً من تلك اللحظة تاب إلى الله منه وتركه، ويخرجون إلى بيوتهم وكلهم أنوار يذكرون الله ويسبحونه ويسألونه حاجاتهم. اليهود والنصارى في الشرق والغرب شاهدناهم إذا دقت الساعة السادسة وقف دولاب العمل، وأقبلوا على الملاهي والمقاهي والمراقص والمقاصف للترويح عن أنفسهم، والمسلمون أولياء الله أين يذهبون؟ يذهبون إلى بيوت ربهم لتلقي الكتاب والحكمة والآداب والأخلاق، لو أن أهل القرية فقط طبقوا هذا المبدأ المحمدي عاماً واحداً؛ لما رأيت في تلك القرية فاجراً ولا كافراً ولا لصاً ولا كذاباً ولا منافقاً ولا خادعاً ولا عاهراً ولا زانياً ولا فاجراً.
بدون هذا لو جعلت عند كل باب عسكريًا والله لشاعت الأباطيل وظهرت المفاسد والمعاصي والذنوب، إن لم يستعجلوا الفرصة قبل فواتها، ومن يعش منكم فسيقول: سمعنا ذاك الشيخ يقول. لتنزلن محن -والله- أكثر من محن الاستعمار.
وإلا فهل نحن أفضل من غيرنا؟! أيمسح على رءوسنا ويقال لنا: لا بأس، افجروا ولا تخافوا فأنتم مؤمنون، أيمكن هذا؟ مستحيل.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

ابوالوليد المسلم
25-09-2021, 10:59 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانعام
الحلقة (391)
تفسير سورة الأنعام (24)

مع ما بين الله لعباده من آياته الدالة على وجوده وعلمه وقدرته ورحمته المقررة لربوبيته وألوهيته، إلا أن جهالة المعرضين عن الطريق القويم، الصادين عن الذكرى وآيات الذكر الحكيم، جعلهم يشركون بالله غيره، فجعلوا له شركاء الجن وهو خلقهم وخلق الإنس وسائر المخلوقات، كما حملتهم عقولهم السقيمة وأفهامهم الرديئة إلى أن ينسبوا إليه البنين والبنات، ويزعموا وجود صاحبة له سبحانه، فتعالى الله عن إفكهم، وتقدس اسمه سبحانه عن ضلالاتهم وإثمهم.
تفسير قوله تعالى: (وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليالي الثلاث بعدها ندرس إن شاء الله كتاب الله؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه ألف ألف وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن مع سورة الأنعام المكية المباركة الميمونة، وها هي الآيات الأربع نستمع إلى تلاوتها مجودة مرتلة ثم نأخذ في شرحها وبيان مراد الله تعالى منها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ * بَدِيعُ السماوات وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ )[الأنعام:100-103]. سبحانه! ‏
تقرير السورة لعقيدة التوحيد وإبطال ما ينافيها
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! أعيد إلى أذهانكم أن هذه السورة المباركة الميمونة تعالج ما يلي:أولاً: توحيد الله عز وجل، وأنه لا إله إلا هو، بالأدلة والبراهين العقلية والنقلية، لا إله إلا الله.
وكثيراً ما نقول: أيام البلشفية والإلحاد الشيوعي لو اجتمعت البشرية كلها وصيغت عقولها على عقل واحد فوالله ما استطعت أن تنقض هذه الجملة: لا إله إلا الله؛ إذ نقضها يكون بأحد أمرين: إما بالعدم: لا إله، وهذا لا يقوله ذو عقل أبداً، فمن قال: لا إله يقال له: قف! هل أنت موجود أو غير موجود؟ إن قال: موجود، قلنا: من أوجدك؟ أنت مخلوق أو غير مخلوق؟ بلى أنا مخلوق، إذاً: من خلقك؟ فيطأطئ رأسه: لا أدري.
الأمر الثاني: الذي يثبت التعدد نقول له: الله هو المعبود الحق وأنت تثبت معه واحداً أو اثنين أو عشرة، هذا الذي تثبته خالق أم مخلوق؟ مخلوق مربوب، سواء كان من الجن أو الإنس أو الملائكة.
إذاً: فبطلت كل دعوى يريد صاحبها أن ينفي هذه الجملة: لا إله إلا الله إما بـ(لا إله) أو بالتعدد، فلم يبق إلا الحق وهو أنه لا إله إلا الله، ولازم هذا أن يعبد بما شرع للناس أن يعبدوه به، وأن لا يشاركه في تلك العبادة مخلوق كائناً من كان، لا يحل عقلاً ولا شرعاً أن يشارك الخالق في طاعته التي تعبد بها الناس والجن والملائكة، فهذه السورة تقرر مبدأ لا إله إلا الله.
تقرير السورة لعقيدة البعث والجزاء
ثانياً: تقرر مبدأ البعث الآخر والحياة الثانية دار الجزاء على الكسب الدنيوي في هذه الدار، الناس يكسبون الخير والشر، فلا بد من جزاء واف لأعمالهم التي كسبوها بإراداتهم وحرياتهم، وهو الإيمان بلقاء الله والوقوف بين يديه والاستنطاق والاستجواب ثم الحساب الدقيق السريع والجزاء: الخير بالخير، والشر بمثله.
تقرير السورة لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم
ثالثاً: تقرر أن محمد بن عبد الله الهاشمي القرشي العربي رسول الله، ولن يستطيع ذو عقل أن ينفي رسالته أبداً إلا إذا انسلخ من عقله وأصبح كالحمار، وبيان ذلك أن رجلاً أمياً لم يقرأ ولم يكتب يتحدث عن الملكوت الأعلى بالتفصيل، يتحدث عن الكون كله، يتحدث عن الذرة والمجرة، كيف يتم هذا لأمي لا يقرأ ولا يكتب؟! وإذا قال الكلمة فوالله إذا صحت عنه واجتمعت البشرية كلها على نقضها ما نقضتها، فكيف لا يكون رسول الله؟!وأعظم من ذلك أن بيده كتاب الله المقدس فيه مائة وأربع عشرة سورة، فيه علوم الأولين والآخرين، فيه التقنين العجب، فيه السنن العجب، هذا الكتاب من أين جاء له؟ هل كتبه عمه؟ هل أعطاه فلان؟ لقد تحدى الله العرب أهل البيان واللسان والبلاغة على أن يأتوا بسورة فقط من مثله فعجزوا، واقرءوا قول الله تعالى: ( وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ )[البقرة:23]، أي: شك، ( مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ )[البقرة:23-24]، وهل فعلوا؟ مضى عليهم ألف وأربعمائة عام فهل استطاعوا؟ ( وَلَنْ تَفْعَلُوا )[البقرة:24].
تقرير الآيات عظم جرم المشركين بعد إيراد دلائل قدرة الله تعالى ووحدانيته
الآيات السابقة بينت للعادلين بربهم الأصنام والأحجار والشهوات والأهواء مظاهر وجود الله وقدرته وعلمه وحكمته في الكون كله، وإن شئتم أسمعتكم الآيات التي تقدمت مرة ثانية، وهي قوله تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ * فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ * وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ )[الأنعام:95-99].بعد هذا كله قال: ( وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ )[الأنعام:100]، يا للأسف! مع هذا كله ( وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ )[الأنعام:100].
ذكر بعض ما يتعلق بعالم الملائكة وعالم الجن وعالم الإنس
والجن -معاشر الأبناء والمستمعين والمستمعات- عالم يضاهي عالم الإنس، إذ العوالم ثلاثة: عالم الملائكة، وهذا عالم الطهر والصفاء، فالملائكة مخلوقون مفطورون على عبادة الله، لا يعصون الله عز وجل ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، ماذا تعرفون عن عالم الملائكة؟ أولاً: كل واحد منكم معه عشرة.
وقال صلى الله عليه وسلم: ( أطّت السماء وحق لها أن تئط؛ ما يوجد في السماء موضع شبر إلا عليه ملك راكع أو ساجد )، فعالم الملائكة عالم الطهر.
وعالم الجن عالم آخر، وهم قريبون في الخلق من الملائكة؛ لأن الملائكة مادة خلقهم من النور، ومادة خلق الجن من النار، والنور والنار بينهما تقارب، وهذا هو السر في أننا لا نقدر على رؤيتهم، وأبصارنا أعطيت طاقة محدودة لا تتجاوزها، ما نقدر على رؤية الجن ولا الملائكة إلا إذا تشكل بشكل مادي كإنسان أو حيوان فتراه وتشاهده، فجبريل رسول الله إلى الأنبياء والرسل كان يأتي كثيراً في صورة دحية الكلبي في صورة إنسان.
وبعدهما عالم الإنس وهم ذرية آدم، هذا العالم فيه البار والفاجر، والكافر والمؤمن، والطالح والصالح، ومرد هذا إلى الإيمان والعمل الصالح، وإلى الشرك والكفر والعمل الفاسد، والنار مخلوقة لإيواء من كفر بالله وأشرك به وعصاه من الإنس أو الجن على حدٍ سواء.
إلا أن من ولد من إبليس من الجن هؤلاء كلهم شياطين، لا يعبدون الله ولا يعترفون بعبادته، ذرية إبليس الذين انحدروا منه إلى الآن يتوالدون، هؤلاء لا يؤمنون ولا يعبدون الله عز وجل، ولا خير فيهم البتة، أبلسهم الله وأيأسهم، وغير أولاد إبليس فيهم البار والفاجر كأولاد آدم، والكافر والمؤمن والصالح والطالح على حد سواء.
عالم الجن وعالم الشياطين عبده أمم في الهند وفي أوروبا وفي فارس، عبدوا الجن، تمثلوا لهم وعبدوهم واتخذوهم آلهة، ورسموا لهم هياكل، حتى قيل: إن جاناً رسموا صورة من ذهب، هيكل ذهبي، هذه الأمم إلى الآن تعبد الجن في تلك التماثيل والصور التي رسموها ووضعها لهم.

يتبع

ابوالوليد المسلم
25-09-2021, 10:59 PM
بيان ما وقع فيه بعض المشركين من إشراك الجن مع الله تعالى ونسبة البنين والبنات إليه سبحانه
قال تعالى: ( وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ )[الأنعام:100]، شركاء من الجن، وكل من عبد غير الله قد عبد الشيطان، من الذي يدعو الإنسان إلى أن يعبد صنماً أو كوكباً أو فرجاً؟ والله إنه الشيطان، هو الذي يدعوه ويحسن له ويزينه، ويدفعه إلى ذلك، فهو عابد الشيطان ما هو بعابد الصنم، عبد من أطاعه.إذاً: فكل الآلهة التي عبدت لك أن تقول: إنما الشيطان هو المعبود، ( وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ )[الأنعام:100]، يا للأسف! مع ما بين تعالى لهم من آياته الدالة على وجوده وعلمه وقدرته ورحمته المقررة لربوبيته وألوهيته، مع هذا جعلوا له شركاء الجن.
ثم قال تعالى: ( وَخَلَقَهُمْ )[الأنعام:100]، خلق البشر وخلق الجن، ( وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ )[الأنعام:100]، قراءتان سبعيتان: (خرقوا) و(خرّقوا): اختلقوا وافتروا الكذب والافتراء.
فالنصارى إلى الآن نساءً ورجالاً يقولون: عيسى ابن الله، وهذا معتقدهم وعليه يحيون ويموتون، فهل عيسى ابن الله؟! كيف هذا يتم؟! إنهم يؤولون ذلك ليخرجوا من الورطة، ولكن ما نفعهم ذلك، قد يقول قائلهم: لحبنا له فقط جعلناه كأنه ابن الله. وهو كذب وافتراء.
اليهود أهل كتاب، ومع ذلك قالوا: العزير ابن الله، وإلى الآن يعتقدون أن عزيراً عليه السلام ابن الله عز وجل، وسبب قول اليهود: عزير ابن الله -كما تقول الروايات-: أنه لما احتل البابليون ديارهم وأجلوهم منها وأخرجوهم واستولوا على أموالهم، واستولوا على كتابهم التوراة وفيها ألف سورة لم تحفظ عن ظهر قلب، فلما أخذها جيش البابليين العراقيين واستولوا عليها قالوا: من لنا بالتوراة؟ فأملاها عليهم العزير، حفظها عن ظهر قلب، فلما أملاها عليهم وكتبوها قالوا: إذاً: أنت ابن الله! الشيطان زين لهم فقالوا: مستحيل أن يحفظها أحد من هذه الأمة إلا هذا، فهذا ابن الله، فقالوا: عزير ابن الله.
العرب فيهم طوائف -بنو لحيان- قالوا: الملائكة بنات الله، قالوه بألسنتهم، والذي يقول هذا ويقرره في نفوسهم هو إبليس، قالوا: إن الله قد أصهر إلى الجن وأنجب الملائكة، فهم بنات الله، فهم يعبدونهم بوصفهم بنات الله، وهذا كله من إيحاء الشيطان وتحسينه وتزيينه ووسوسته، يا للعجب! فجاء القرآن الكريم يمزق هذه الحبال الواهية، ويسقط هذه المباني الساقطة، ويقرر الحقيقة الحقة التي لا يطرأ عليها أبداً ضعف ولا نقص، لا إله إلا الله.
(وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ )[الأنعام:100]، لا علم عقلي ولا علم مادي ولا علم وحيي وتنزيلي من كلام الله ورسله، والله لا علم، فكيف -إذاً- ينسبون لله الولد والبنت؟
معنى قوله تعالى: (سبحانه وتعالى عما يصفون)
(وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ )[الأنعام:100]، نزه الله تعالى نفسه وقدسها عن أن يكون -مثلما يقولون- له الولد والبنت، لا من الملائكة ولا من الإنس ولا من الجن، هل هو في حاجة إلى ابن؟! كيف يفهمون هذا الكلام؟!(سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ )[الأنعام:100]، يصفونه بماذا؟ وصفوه بأن له ولداً، وأنه له بنتاً أو بنات وأنه له شركاء.
تفسير قوله تعالى: (بديع السموات والأرض...)
ثم قال تعالى: ( بَدِيعُ السماوات وَالأَرْضِ )[الأنعام:101]، من يشارك الله في هذا؟بديع: مبدع ومخترع السماوات والأرض قبل ألا يكون شيء، ما هناك صورة صور عليها وأوجد مثلها أو نظيرها، إبداع كامل لم يسبق له نظير ولا مثيل، ومن يقول: لا؛ نقول له: ومن أبدع السماوات والأرض؟ ما تستطيع أن تقول: فلان، فاسكت إذاً وقل: آمنت بالله.
(بَدِيعُ السماوات )[الأنعام:101]، إن سماء الدنيا وأفلاكها وكواكبها فقط يحار العقل البشري في إيجادها وصنعها، فكيف بسبع سموات؟ وقد اخترقها رسول الله ونزل بالملكوت الأعلى وشاهد العالم العلوي بما فيه، ( بَدِيعُ السماوات وَالأَرْضِ )[الأنعام:101]، وهذا الكوكب الأرضي من أبدعه ومن أوجده؟ هل هم بنو تميم؟ هل بنو فلان؟ هل الهنود؟ هل الزنادقة من المجوس؟ ما له من مبدع إلا الله عز وجل.
‏ تنزيه الله سبحانه عن الصاحبة والولد
(بَدِيعُ السماوات وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ )[الأنعام:101]، كيف يكون له ولد ( وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ )[الأنعام:101]، أيعقل أن إنساناً يكون له ولد بدون زوجة؟ هل هذا في أمريكا موجود؟ في الهند؟ في عالم الجن؟ هل يوجد ولد بدون أب وبدون أم؟ مستحيل، كيف يكون له ولد وليس له زوجة؟ ما استطاعوا أن يقولوا: زوجته فلانة؛ فسيضحك عليهم، أيخلقها وتكون له زوجة؟ وهل تساوي جنابه وعظمته وجلاله؟ هل الذي يضع السماوات في يمينه تكون له زوجة؟(وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسماوات مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ )[الزمر:67]، كرسيه وسع السماوات والأرض، فكيف يكون له زوجة ويكون لها ولد؟! عجب هذا القرآن.
(بَدِيعُ السماوات وَالأَرْضِ)[الأنعام:101]، بديع: مبدع موجد لهما على غير مثال سابق، بخلاف الذي يبني داراً -مثلاً- لأنه شاهد أخرى فبنى مثلها، لكن المبدع الذي يوجد بدون مثال سابق.
(بَدِيعُ السماوات وَالأَرْضِ أَنَّى)[الأنعام:101]، أي: كيف يكون؟ استبعاد، مستحيل ( أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ )[الأنعام:101]، والله! إنه لمستحيل هذا، الذي ليس له زوجة هل يكون له ولد؟ أهذا موجود في البشر؟! أو في الحيوانات ممكن؟
معنى قوله تعالى: (وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم)
(وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ )[الأنعام:101]، والله لا يستثنى ذرة في العوالم كلها، ليس هناك مخلوق لم يخلقه الله في العوالم العلوية والسفلية، فكيف يخلق كل شيء ويكون معه شريك يعبد بعبادته؟ خلق كل شيء ويوجد بين المخلوقين من يُعبد معه ويؤله بتأليهه ويعظم بتعظيمه، كيف يعقل هذا؟! هذه الآيات تنتزع الأوهام والسموم والجهالات من العقول البشرية، لكن من يستفيد منها؟ من يسمعها ويصغي إليها، ويتأمل ما فيها ويتدبر ما تحمله من الهدى؟ ولذلك آمن العرب وفازوا وسادوا وأصبحوا مضرب المثل في الكمال أيام أقبلوا على القرآن الكريم وفهموه.
(بَدِيعُ السماوات وَالأَرْضِ أَنَّى )[الأنعام:101]، أي: كيف ( يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ )[الأنعام:101]، والصاحبة هنا: الزوجة، لماذا سميت صاحبة؟ لأنها تصحبك في كل يوم وليلة، هل تفارقك الزوجة؟ أنت صاحبها وهي صاحبة لك، من الصحبة والمصاحبة.
(وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )[الأنعام:101]، لا توجد ذرة في الأكوان إلا هو عليم بها، فلو كان له ولد لعلمه وعرفه، أين هذا الولد؟ لو كان له شريك يستحق أن ينحنى له أو يعظم أو تذبح له الذبائح أو تخافه النفوس لعلمه؛ لأنه هو خالق العالم وهو بين يديه، فكيف يوجد له شريك لا يدري به ولا يعلم؟!
تفسير قوله تعالى: (ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه...)
ثم ختم ذلك البرهان بقوله: ( ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ )[الأنعام:102]، ما معنى ربنا؟ خالقنا ورازقنا وواهبنا عقولنا وطاقاتنا البشرية، وخالق الأرض لنا والسماء فوقنا، وأوجد لنا مقومات حياتنا من الأكسجين والهواء إلى الماء، هو خالق كل شيء، هذا هو ربنا، كيف يكون المخلوق رباً لنا؟ لا عيسى ولا العزير ولا الملائكة ولا عبد القادر ولا عيدروس ، ما لنا من إله سوى الله. (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ )[الأنعام:102]، أي: لا معبود يستحق العبادة في العوالم إلا هو فقط، لا جبريل ولا ميكائيل ولا المقربون، ولا رسول ولا نبي ولا كائن يستحق أن يعبد مع الله.
(لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ )[الأنعام:102]، ومن قال: يوجد إله فليأتنا بتمثال يشير إلى كوكب أو إلى فكرة هابطة خلقت ورزقت، وأصبحت إلهاً تعبد! هذه خرافات وضلالات وأفكار الشياطين هي التي تزينها وتحسنها.
إن الإله الذي يعبد هو الذي يكون خالقاً لكل شيء عالماً بكل شيء قادراً على كل شيء، رحيماً بكل شيء، هذا هو الذي يؤله وننحني بين يديه ونركع ونسجد، ونقول فيه: إله الحق.
(ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ )[الأنعام:102]، من قال: لا هلك، ومن قال: مرحباً سمعاً وطاعة سأعبده نجح.
بيان كيفية العبادة وما يعبد الله تعالى به
(فَاعْبُدُوهُ )[الأنعام:102]، كيف نعبدك يا ربنا؟ لقد أرسلنا إليكم رسولنا وأنزلنا عليكم كتابنا، وهو حاو لكل ما نحب أن نعبد به، ورسولنا يبين ذلك ويفصله، فاعبدوه بما يبين رسولنا وبما حواه كتابنا، وإن كان لفظ العبادة معناه الإذعان والذل والطاعة، والطاعة ما هي؟ أن يقول: اسكت فتسكت، أو يقول: انطق فتنطق، أن يقول: امش فتمشي، أن يقول: قف فتقف، هذه هي العبادة، إذ هي الطاعة، ( فَاعْبُدُوهُ )[الأنعام:102]، نسأل: بم نعبده وكيف نعبده؟ والجواب: كتابي فيه ما أمرت أن أعبد به، ورسولي يبين ذلك، إذاً: فاغتسل يا من قال: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، اغتسل من جنابتك، ثم أقم الصلاة، واشهدها في بيوت الله مع أوليائه خمس مرات في الأربع والعشرين ساعة، فهذه من أعظم العبادات وأشرفها وأكملها، تشابه الملائكة في السماء، م أعط الزكاة إن كان لك مال يزكى، وصم رمضان عندما يهل هلاله، وحج بيت الله عندما تقدر على ذلك، ووراء ذلك استعدادك الكامل لأن تطيع الله في كل ما يأمر به، لو قال: اسكت تسكت فلا تتكلم، وأطعه فيما نهاك عنه وحرمه عليك من قول أو اعتقاد أو عمل، هذه هي عبادته تعالى.
سر العبادة
وسرها عرفه الأبناء والإخوان في هذه الحلقة، العبادة ليس مما ينتفع الله به أو هو في حاجة إليه، لا والله، وإنما من أجل أن يكمل عبد الله وأمته ويسعد في الدنيا والآخرة، والله لا يوجد أمر من أوامر الله ورسوله لم يحقق لفاعله خيراً قط، ولا يوجد منهي بنهي الله ورسوله للمؤمن ولا يحمل ضرراً وشراً لعبد الله أو أمته، وزبدة ذلك أن تزكو النفس وأن تطيب وتطهر فتتأهل للملكوت الأعلى، انتهت أيام الدنيا وتوفي فلان فأين يذهب بروحه الطاهرة الزكية؟ إلى الملكوت الأعلى، في مواكب النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.لقد عرفنا تعالى بنفسه وعرفناه وقلنا: عرفناك يا رب. قال: إذاً: فاعبدوني لتسعدوا وتكملوا، وإن قلت: كيف؟ وبم؟ فالجواب: عليك برسول الله وكتاب الله، وإن قلت: أين رسول الله؟ أو لا أحسن أن أقرأ، قلنا: خلفاء رسول الله علماء الكتاب والسنة اقرع بابهم واسألهم: كيف أتوضأ؟ كيف أصلي؟ كيف أصوم؟ تتعلم.
معنى قوله تعالى: (وهو على كل شيء وكيل)
(ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ )[الأنعام:102]، ما معنى ربكم؟ خالقكم ومدبر أمركم، وواهبكم وجودكم وحياتكم، لا رب لكم غيره، معبودكم الحق الذي لا معبود سواه.(خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ )[الأنعام:102]، كل الأمور موكولة إلى الله هو الذي يدبرها ويتصرف فيها، فوض أمرك إليه واعبده فقط وأقبل عليه، فهو على كل شيء وكيل.
تفسير قوله تعالى: (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير)
وفي الآية الأخيرة يقول تعالى: ( لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ )[الأنعام:103]، الأبصار: جمع بصر، فالعين هذه ما هي؟ كيف تنظر؟ لماذا لا أنظر بيدي؟ لماذا لا أنظر بركبتي؟ ما هي هذه القطعة؟ وإن حل الأطباء خيوطها وأنسجتها ما عرفوا كيف ينظر بهذه، هذه الأبصار التي وهبنا إياها لنرى ما ينفعنا ويضرنا وتستقيم حياتنا، هذه الأبصار هل تدرك الله عز وجل؟إن موسى عليه السلام -كما علمتم يقيناً- لما كان الله يحدثه ويكلمه تاقت نفسه -وله الحق- إلى رؤية الله عز وجل، فقال: ( رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ )[الأعراف:143]، فأجابه تعالى بقوله: ( لَنْ تَرَانِي )[الأعراف:143]، ما أنت بأهل لذلك، ما تستطيع، ( قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنْ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنْ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي )[الأعراف:143]، لما تسكن نفسك وتطمئن انظر إلى الجبل أمامك، فإن استطعت أن ترى الجبل فإنك تستطيع أن تراني، وتجلى -أي: ظهر- ربه للجبل فاندك اندكاكاً كاملاً وأصبح هباءً، ما إن نظر موسى إلى الجبل وقد تحلل حتى أغمي عليه وصعق، ما تستطيع -إذاً- أن تنظر إلى الله، ما تقوى بهذا البصر، لو أعطاك بصراً قابلاً لرؤية الله نعم، لكن هذه أبصار غير قابلة أبداً، تموت وتهلك ويأكلها التراب.
فحين يخلق الله الخلق من جديد خلقاً أعظم من هذا الخلق، ونقف بين يديه هناك نستطيع أن نرى الله عز وجل، أهل الجنة يكشف لهم الحجاب عن وجهه الكريم وينظرون إليه فيجدون لذة وسعادة ما عرفوها قط، أما هذه الأبصار فلا تدركه ولا تبصره.
(لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ )[الأنعام:103]، ثم عندما ينظر إليه أولياؤه في الجنة ليس معنى هذا أنهم أدركوا ما وراء الرؤية، ما يدركون أبداً، أنت الآن تنظر إلى هذا الجبل لكن لا ترى ما وراءه.
(لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ )[الأنعام:103]، لطف كامل وخبرة كاملة بالكون كله، لا تخرج ذرة في الكون عن علم الله تعالى وقدرته ولطفه، فهذا الذي يجب أن يعبد أم لا؟ فاعبدوه، اعبدوه من أجلكم لا من أجله، من أجل أن تكملوا وتسعدوا في دنياكم وآخرتكم.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

ابوالوليد المسلم
25-09-2021, 11:01 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانعام
الحلقة (392)
تفسير سورة الأنعام (25)

يوجه الله سبحانه وتعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم لأن يلزم ما يوحيه إليه ربه ويعرض عن أهل الشرك والضلالة، لأنه عز وجل قد أتاهم بالآيات القرآنية والآيات الكونية لتحملهم على الإيمان بما جاءهم به هذا النبي، فمن قبل الحق، واتبع الهدى، وأبصر الصراط المستقيم؛ فقد انتفع ونجا، وأما من أعرض عن الحق وتنكب الصراط، فإنما هو أعمى، ولا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.
تفسير قوله تعالى: (قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة.
من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة واللتين بعدها ندرس إن شاء الله كتاب الله؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن مع سورة الأنعام المكية المباركة الميمونة، تلكم السورة التي زفت بسبعين ألف ملك ولهم زجل وتسبيح، هذه السورة تقدم لنا أن قلنا: إنها تقرر المبادئ العظمى الثلاثة:
أولاً: توحيد الله عز وجل، أي: لا إله إلا الله، فلا يعبد إلا هو في الحياة.
ثانياً: تقرير النبوة المحمدية، وأن محمداً رسول الله.
ثالثاً: البعث الآخر، يوم القيامة وما يتم في ذلك أولاً من حساب، ثم الجزاء إما بالنعيم المقيم وإما بالعذاب الأليم.
كل آيها تدور حول هذه المعتقدات الثلاثة، وها نحن الآن مع هذه الآيات الأربع، فهيا نستمع تلاوتها مرتلة مجودة ثم نأخذ في تدارسها وبيان ما جاء فيها بإذن ربنا تعالى.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ * وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ )[الأنعام:104-107].
المراد بالبصائر وما يبصر بها
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: ( قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ )[الأنعام:104]، هذا خبر أم لا؟ من المخبر؟ الله جل جلاله، الله منزل الكتاب باعث الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي يخبرنا بهذا الخبر، ولنعم ما أخبر به عز وجل: ( قَدْ )[الأنعام:104]، التي تفيد التحقيق ( قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ )[الأنعام:104]، واحد البصائر: بصيرة، والبصيرة: العين المبصرة، بصيرتك عينك التي تبصر بها، أليس كذلك؟فما هذه البصائر التي جاءتنا لنبصر بها فنعرف الحياة على حقيقتها حلوها ومرها، وباطلها وحقها، وربحها وخسرانها، إنها -والله- لآيات الله القرآنية، كل آية تهدي إلى أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأن للحياة نهاية، وللحياة الثانية بداية ونهايتها استقرار إما في الملكوت الأعلى وإما في أسفل سافلين، هذه البصائر آيات الله القرآنية، نبصر بها ماذا؟ ما يضرنا وما ينفعنا، نبصر بها ما يسعدنا وما يشقينا، نبصر بها الحق، نبصر بها الباطل، نعرف بها الإيمان، نعرف بها الكفر والشرك وهكذا، فمن حرمها فهو أعمى -والله- لا يبصر شيئاً، فمن آمن بهذا القرآن الكريم وقرأه وتدارسه وفهمه وعرف ما فيه أصبح ذا بصيرة نافذة لا يجهل شيئاً من هذه الحياة ظاهرها كباطنها، ومن أعرض عنه واستكبر وكذب وأنكر وجحد وكفر فهو في عداد العميان، هل الأعمى يعرف الطريق إلى دار السلام؟ لا يعرف.
إذاً: فعلى البشرية أبيضها وأسودها أن تؤمن بهذا القرآن، وإذا آمنت به أنه كلام الله ووحيه وجب أن تجتمع عليه وتتدارسه لتعرف معاني هذه الآيات لتبصر بها الحياة على حقيقتها.
تغييب القرآن الكريم عن الحياة العملية في بلاد المسلمين وأثر ذلك عليهم
ومما أكرر القول فيه -وقد لا تسمعونه في غير هذا المجلس- أن أعداء الإسلام ذلكم الثالوث الأسود المكون من المجوسية واليهودية والنصرانية عرفوا هذه الحقيقة وما عرفناها، عرفوا أن هذا القرآن بصائر، وأن من عرفه عرف الحياة ظاهرها وباطنها وعرف كيف ينجو من آلامها وشقائها وكيف يسعد بالآخرة وما فيها، عرفوا هذا معرفة ولم يعرفه من المسلمين عدد بنسبة واحد إلى مليون.فمن ثم قالوا: هيا نعميهم. كيف تعمونهم؟ قالوا: نبعدهم عن القرآن، وقالوا: القرآن تفسيره حرام، صوابه خطأ وخطؤه كفر، فانكمشت الأمة عن القرآن، وما أصبح في القرى ولا المدن من يقول: قال الله كذا وكذا، وإذا قال ذلك قيل له: اسكت! أنت تعرف كلام الله؟!
إذاً: ماذا نصنع بهذا القرآن؟ قالوا: حولوه إلى المقابر وإلى الموتى، واستجبنا لظلمة نفوسنا وأصبحنا لا نجتمع على آية نتدارسها ولا سورة في يوم ولا في عشرة، وأصبح القرآن يقرأ فقط على الموتى، إذا مات أبي أو أخي أو أمي نجمع كذا من أهل القرآن في قريتنا أو في حينا ثلاث ليال أو سبع ليال يقرءون القرآن بصوت واحد يترنمون به، ويأكلون اللحم والطعام، ويوضع في جيوبهم الريالات ويمشون وقد أعتقنا والدنا.
وذكرت لكم ما بلغنا أن في ديار الشام في تلك الأيام تكونت نقابة، بالتلفون بالرقم كذا، إذا احتجت إلى طلبة القرآن لميت فاتصل بهم هاتفياً وقل لهم: أريد عشرة من أهل القرآن فقد مات الوالد رحمة الله عليه، يقولون لك: من فئة المائة ليرة أم الخمسين؟ إذا كنت غنياً ثرياً فمائة، وإذا كنت فقيراً فخمسون ليرة، هكذا والله من إندونيسيا إلى موريتانيا شرقاً وغرباً أكثر من سبعمائة سنة.
ومن أراد البرهنة العقلية المنطقية السياسية نقول له: هل استعمر العالم الإسلامي وحكمه الكفار أم لا؟ استعمر من إندونيسيا إلى موريتانيا، ما نجى الله إلا هذه البقعة بلاد الحرمين، فكيف يسلط الله الكافرين على المسلمين وهو القائل: ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا )[النساء:141]؟ أن هؤلاء هم المؤمنون بحق وصدق، الذين يصدق عليهم أنهم المؤمنون.
كيف وصلوا إلى استعمارنا واستغلالنا والتحكم فينا؟ لأننا متنا وعمينا عن الآيات المبصرة وما عرفناها، القرآن النور والروح حولناه إلى الموتى، تدخل إلى المقبرة فتجد طلبة القرآن عاكفين على القبور ينادونك: جنيهاً فقط نقرأ على أمك! وهكذا.
سعادة المسلمين الأوائل بالقرآن الكريم
إذاً: ( قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ )[الأنعام:104]، وهل أبصر بها المسلمون؟ إي ورب الكعبة، كيف تحولت هذه العروبة وهذه البادية إلى أنوار؟ وأهلها صاروا أشباه الملائكة وسادوا العالم وقادوا البشرية شرقاً وغرباً إلى هدايتها وكمالها وسعادتها ثلاثمائة سنة؟ هل بالقرآن أم بالفلسفة؟ من يرد هذا من ذوي العقول والبصائر؟ فلما عرف العدو هذا سلب هذا القرآن من عندهم فهبطوا.إذاً: قولوا: صدق الله العظيم. ( قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ )[الأنعام:104]، فحفظة القرآن العارفون به يعرفون ما أحل الله وما حرم، يعرفون ما أمر الله به ليفعل وما نهى عنه ليترك، إذ هذا سبيل السلام وطريق السعادة، فعل المأمور وترك المنهي به تزكو النفس وتطيب وتطهر، ويصفو العقل ويستنير ويواصل عبد الله مسيره إلى دار السلام.
(قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ )[الأنعام:104]، هذه الآية نزلت في مكة والمشركون حول من نزلت عليه يطعنون ويسبون ويشتمون ويتواصون بالباطل، فماذا يقول الله لهم؟ ( قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا )[الأنعام:104]، هو هذا الواقع أم لا؟ جاءتكم البصائر فمن أبصر فلنفسه عرف الطريق طريق السعادة والكمال فسعد وكمل، ( وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا )[الأنعام:104] أي: على نفسه، تبقى في الظلام والهلاك والدمار والخراب.
معنى قوله تعالى: (وما أنا عليكم بحفيظ)
(وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ )[الأنعام:104] كأنما الله تعالى يقول لرسوله: قل يا رسولنا لقومك المشركين الذين تقدمت الآيات في بيان هدايتهم، قل لهم: ( قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا )[الأنعام:104] أي: على نفسه، وأما أنا ( وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ )[الأنعام:104]، ما أنا بوكيل على هدايتكم ولا مسئول عن ضلالكم وشقاوتكم ولا سعادتكم وكمالكم، ما أنا إلا مبلغ فقط وقد بلغت. الله يعلم رسوله أن يقف هذا الموقف ويقول هذا القول حتى لا يكرب ولا يحزن ولا يتألم: ( وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ )[الأنعام:104]، أي: لست موكلاً بهدايتكم مكلفاً بها، فلهذا تؤلمونني إذا كفرتم وأصررتم على الشرك والباطل، يقول تعالى ذلك ليذهب عن رسوله ألم الحزن وألم الكرب الذي يعانيه من المشركين.
هذه الآية الأولى أعيد تلاوتها: ( قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا )[الأنعام:104]، وما رسول الله عليهم بحفيظ، ( وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ )[الأنعام:104]، أي: لست بملزم بهدايتكم ولا بموكل بها، أنا لا أملك هذا، ما كلفت به، أقدم لكم البصائر فمن أبصر فلها ومن عمي فعليها.

يتبع

ابوالوليد المسلم
25-09-2021, 11:01 PM
تفسير قوله تعالى: (وكذلك نصرف الآيات وليقولوا درست ولنبينه لقوم يعلمون)
الآية الثانية: يقول تعالى وقوله الحق: ( وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ )[الأنعام:105] كهذا التصريف للآيات نصرفها ما دام الوحي ينزل والرسول يبلغ، كم سنة وهو يصرف بعد هذه الآية؟ وهكذا نصرف الآيات تصريفاً لبيانها وهدايتها وما تحمل من حجج وبراهين عقلية ومنطقية، ولا يهلك على الله إلا هالك. (وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ )[الأنعام:105]، وفي قراءة (دارست)، وقوله تعالى: (وليقولوا) هذه لام العاقبة، نصرف الآيات لا من أجل أن يقولوا، ولكن سوف يقولون، فنحن نصرفها ونلونها ونقدم ونؤخر ونظهر ونخفي من أجل الهداية، ولكن القوم يقولون: درست، أي: تعلمت هذا العلم من غيرك.
وكان صهيب الرومي عبداً من بلاد الروم فأسلم، فقالوا: هذا صهيب يعلمه، يجلس إليه في بيته ويدرس عنده، وهذا الذي يقوله محمد مما تعلمه ودرسه.
وقراءة (دارست) -وهي حق- معناها أنهم قالوا: أيضاً دارس اليهود والنصارى، كان يذهب إلى الشام للتجارة فيتصل بالنصارى، واليهود في المدينة وقد يأتون إليه ويتصل بهم ويعلمونه!
هذا هو الطابور الخامس أو الإعلام الكاذب، يختلقون الكذب ويفترونه وهم موقنون أن الرسول ما دارس يهودياً ولا نصرانياً، ولا درس عند يهودي ولا نصراني، ولكن للتعمية والتضليل وصرف الناس عن هذا النور حتى ينطفئ وتعود ظلماتهم، فهم يكذبون على الله ورسوله والمؤمنين.
وقالوا إيضاً: إنما يعلمه بشر. قال تعالى: ( لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ )[النحل:103]، الذي يميلون إليه ويقولون: يتعلم منه هو صهيب الرومي عجمي، وهذا لسان عربي، فكيف يتعلم العربي من العجمي؟!
إذاً: يقول تعالى: ( وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ )[الأنعام:105]، أي: وكهذا التصريف ومثله نصرف الآيات الآيات القرآنية،كم آية في القرآن يا عباد الرحمن؟ ستة آلاف ومائتان وست وثلاثون آية.
دلالة الآيات القرآنية على وحدانية الله تعالى ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم
الآية ما معناها؟ الآية: العلامة الدالة على شيء، كل آية تدل دلالة قطعية على أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأن البعث حق، كيف هذا يا شيخ؟ الجواب: هذه الآية من أين جاءت؟ من أنزلها؟ من أوحى بها؟ لا جواب إلا: الله، إذاً: فالله موجود وعليم وحكيم، ويدل على وجوده وعلمه وحكمته هذا الكتاب وهذه الآية.
على من نزلت هذه الآية؟ على محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، إذاً: والله إنه لرسول الله، لو لم يكن رسولاً فهل سينزل عليه القرآن والوحي؟ فهي تقرر أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا القرآن والوحي والرسول لماذا؟ من أجل أن يعبد الله في الأرض حتى يكمل أهل الأرض ويسعدوا في الدار الآخرة.
فكل آية من ستة آلاف ومائتين وست وثلاثين آية تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
(وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ )[الأنعام:105] قالوا أم لا؟ ( لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ )[النحل:103].
معنى قوله تعالى: (ولنبينه لقوم يعلمون)
قال تعالى: ( وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ )[الأنعام:105]، ولنبين هذا القرآن وهذا التفصيل للآيات لقوم يعلمون، هم الذين ينتفعون بهذا، عبد الله بن سلام وإخوته ومن سمعوا كلام الله ما ترددوا في الإسلام والدخول فيه من نصارى ومجوس ويهود، والذين لا علم لهم دائماً يكونون متأخرين. هذا التفصيل ( وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ )[الأنعام:105]، ومعنى هذا واضح، هل عوامكم -أيها المستمعون- يعرفون القرآن؟ يعرفون الحلال والحرام والآداب والأخلاق؟ لا يعرفون؛ لأنهم جهال. وعلماؤكم يعلمون أم لا يعلمون؟ يعلمون.
(وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ )[الأنعام:105]، يبينه تعالى ويفصل آيه ويصرفها وتتجلى أنوارها في كل مكان لمن يبصر ولمن يعلم.
وجوب تعلم العلم لتحصيل النجاة
(لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ )[الأنعام:105]، ومعنى هذا أنه حرام علينا أن نعيش جهلاء، إننا آثمون إن لم نتعلم العلم الإلهي، فآثار الجهل هذا الهبوط والسقوط والذل والصغار والحقار.يجب أن نتعلم، حرام أن يعيش نساؤنا ورجالنا بدون علم، فإنهم إذا لم يعلموا لا يهتدون ولا يبصرون ولا يعرفون الطريق إلى الله، فيزنون ويفجرون ويكذبون ويخدعون ويقولون الباطل ويفعلون الشر لجهلهم.
قد تقول: كيف نعمل يا شيخ؟ ما المخرج؟ أما هناك خطة رشيدة، أما هناك سياسة حكيمة؟ إلى متى؟
والجواب: قد بينا الطريق وكتبنا رسالة هي خطة لأمة الإسلام من علماء وحكام ووزعناها وقرأناها، خطة رشيدة فيها سبيل النجاة، وخلاصة ذلك أن أهل القرية في مصر أو في الحجاز أو في باكستان أو في المغرب على إمامهم يوم الجمعة في خطبته أن يقول لهم: أيها المستمعون! معشر المؤمنين والمؤمنات! من هذه الليلة لا يتخلف رجل ولا امرأة عن صلاة المغرب في هذا المسجد. ما إن تميل الشمس إلى الغروب حتى يقف العمل، أغلق الدكان وارم المسحاة يا فلاح، وارم الحديدة يا حداد، وتوضئوا واحملوا أطفالكم ونساءكم إلى بيت ربكم، الله أكبر! هل لربي بيت؟ أي نعم، فيصلون المغرب كما صلينا ويجلسون كما جلسنا، النساء وراء الستارة ومكبرات الصوت بين أيديهم والأطفال صفوف كالملائكة، والفحول أمامهم، ويجلس لهم عالم بالكتاب والسنة، فليلة يتعلمون آية يحفظونها في تلك الجلسة ويفهمون معناها ويعزمون على العمل بها وكلهم عزم وتصميم، حتى إذا أذن العشاء صلوا العشاء وعادوا إلى بيوتهم ولا حديث لهم إلا ما سمعوه وما تعلموه وكيف العمل به وتطبيقه، حتى يناموا على ذلك.
وغداً -إن شاء الله- ما إن تغرب الشمس إلا وهم كأمس بنسائهم وأطفالهم ورجالهم في بيت ربهم، وإن كان ضيقاً وسعوه بالخشب أو بالأروقة، ويجلسون فيسمعهم آية أو حديثاً من أحاديث نبيهم صلى الله عليه وسلم يتفق مع مضمون الآية الكريمة؛ لأن الرسول مبين للقرآن، فيحفظون الحديث، ويعلمهم معناه ويطالبهم بأن يعزموا على التطبيق والعمل.
وفي اليوم الثالث آية وفي الرابع حديث وفي الخامس آية وفي السادس حديث وهكذا طول العام، فسيصبح أهل تلك القرية كلهم علماء نساءً ورجالاً، والله العظيم! وإن كانوا لا يقرءون ولا يكتبون، وإذا أصبحوا علماء فما الذي يترتب على ذلك؟ قطعاً تنتهي مظاهر الحسد والكذب والخيانة والزنا والغش والعداوة والخلاف، كلها تنمحي، ويحل محلها الولاء والحب والأدب واللين والعطف حتى يصبحوا كأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
كم كررنا هذا القول؟ والله العظيم لن يستقيم أهل قرية ولا حي ولا مدينة إلا على هذا المنهج الرباني، وقد عرف هذا العدو وصرفنا بكل الوسائل والوسائط ومددنا أعناقنا وما زلنا كذلك، وعلماؤنا ما يفرحون بهذا ولا يحاول أحدهم أن يفعل هذا لنبقى هكذا، وقد قلت لكم: إن أمة الإسلام تحت النظارة، فالله بالمرصاد.
هل يرضى الله تعالى بخلافهم وتطاعنهم وفسقهم ورباهم وفجورهم وكذبهم؟! أعوذ بالله، والله ما هو إلا الإمهال وإلا الانتظار فقط ثم تنزل العقوبات، يا شيخ! أمة الإسلام تنزل بها عقوبة؟! أما سلط عليهم اليهود فأذلوهم؟ أما سلط عليهم النصارى فداسوهم وذوبوهم؟!
فإما أن نعود وإما أن تنزل المحن والبلايا والرزايا أحببنا أم كرهنا، تلك سنة الله ( وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا )[الأحزاب:62]، وعرفنا الآن.
قال تعالى: ( وَلِنُبَيِّنَهُ )[الأنعام:105] أي: القرآن ( لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ )[الأنعام:105] يعلمون من هو الله، ما صفاته، ما جلاله، ما كماله، ما حقه، بم يطاع وكيف يطاع، ما أوامره ما نواهيه، ما وعوده ما مواعيده؟ حتى يتكون هذا الشخص ويصبح أهلاً لأن يعبد الله عز وجل فلا يسرق ولا يكذب ولا يفجر ولا يعصي.
تفسير قوله تعالى: (اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين)
الآية الثالثة: يقول تعالى: ( اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ )[الأنعام:106] يا رسولنا، يا محمد بن عبد الله! اتبع ما يوحى إليك من ربك، الزم الذي يوحيه إليك وافعله، إن كان عقيدة اعتقدها، إذا كان عملاً انهض به، إذا كان نهياً اتركه، وهذا هو شأنك. (اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ )[الأنعام:106]، اسأل المسلمين عن معنى (لا إله إلا هو)؟ لا واحد في الألف يجيبك إجابة صحيحة.
(لا إله إلا هو) لا معبود يعبد بحق في الملكوت الأعلى والأسفل إلا الله، ولماذا لا يعبد بحق إلا الله؟ لأنه هو الخالق للأكوان كلها؛ لأنه الذي يشقي ويسعد، الذي بيده كل شيء، وما خلق الخليقة إلا لتعبده، فكيف لا يعبد؟ فالذي لا يعبده ما انتفع بكلمة (لا إله إلا هو)، لا معبود إلا هو ثم تعبد معه عبد القادر والعيدروس ؟ ما هذا التناقض؟
من قال: لا إله إلا الله عبد الله أولاً قبل كل شيء، ثانياً: لا يعبد معه غيره بحال من الأحوال، ثالثاً: لا يرضى بعبادة غيره، وإلا فلن يفهم معنى لا إله إلا الله، والله تعالى يقول للرسول صلى الله عليه وسلم: ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ )[محمد:19].
فالذي يعلم أنه لا إله إلا الله كيف نعرف أنه علم؟ نعرف ذلك بأن يعبد الله أولاً، ثانياً: أنه لا يعبد معه غيره، ثالثاً: لا يرضى بعبادة غيره أبداً، لا من أبيه ولا من أمه ولا من قريب ولا بعيد، هذا فهم معنى لا إله إلا الله.
توجيه الأمر بالإعراض عن المشركين
يقول تعالى: ( اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ )[الأنعام:106]، قد نقول: هذه الآية خصص عمومها، أو نقول: نسخت ولا حرج، ولكن التخصيص أولى؛ لأنه في أيامه في مكة ما كان عنده حيلة أبداً يواجه بها المشركين، فأمر بأن يتبع ما أوحاه الله إليه ويعرض عنهم، لا يلتفت إليهم وهم يسبون ويشتمون ويكفرون، ما عنده قدرة على محاربتهم، فقيل له: ( اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ )[الأنعام:106]، لكن لما قويت شوكة الإسلام وارتفعت رايته وقامت دولته في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم هذه قال تعالى: ( بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ )[التوبة:1-2]، أعطاهم أجلاً أربعة أشهر: إما أن تدخلوا في الإسلام أو تخرجوا من الجزيرة أو تقطع رءوسكم، قال تعالى: ( فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ )[التوبة:5] لأن الرسول أوشك على الوفاة والدولة قائمة، ولا يجب أن يبقى في هذه الأرض مشرك؛ لأنها قبة الإسلام وعاصمته فيجب أن تطهر، فلا يقبل من أحد ذمة ولا يقبل منه هدي ولا يقبل منه جزية؛ لأن البقعة هذه هي قبة الإسلام. إذاً: فقوله تعالى: ( وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ )[الأنعام:106] كان في تلك الأيام.
تفسير قوله تعالى: (ولو شاء الله ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظاً وما أنت عليهم بوكيل)
وقوله تعالى: ( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا )[الأنعام:107] يسلي الله رسوله ويخفف حزنه وآلامه فيقول: ( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا )[الأنعام:107] أي: والله لو شاء أن يهديهم لهداهم، يخلق الإيمان فيهم خلقاً ما هو باختيارهم وطلبهم. وفي هذا رد على القدرية الذين يقولون: إن الإنسان يخلق أفعاله بنفسه ولا علاقة لله بهذا، والله تعالى يقول: ( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا )[الأنعام:107] يفطرهم في أرحام أمهاتهم على الإسلام فيخرجون من بطون أمهاتهم يقولون: لا إله إلا الله، لو شاء لفعل، ولكنه لا يفعل لأنه أوجد دار السلام وأوجد دار البوار، وهيأ هذا الكون كله وخلق عالم الإنس والجن من أجل أن يسعد من يطيعه ويشقي من يعصيه.
يعرض على المكلف الإسلام، فإن قبله باختياره وعمل به زكت نفسه وطابت وأصبح أهلاً للجنة، وإن أنكر ذلك وتنكر له ورفضه خبثت نفسه وسقط في الجحيم، فلهذا نحن أحرار نفعل بإرادتنا ونترك بإرادتنا، والله خالقنا وخالق أعمالنا، ولولاه ما عرفنا كيف نتحرك أو كيف ننطق.
قال تعالى: ( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا )[الأنعام:107] كما قلنا: من الحفيظ لهذا المكان؟ فلان المسئول عنه حتى لا يضيع منه شيء أو يغيب منه شيء.
(وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ )[الأنعام:107] كل هذا من باب أن يعرف المشركون أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو مبلغ لا يملك هداية أحد أبداً ولا إضلاله، يبلغ فقط، فبهذا يخف عن الرسول الألم والحزن؛ لأنه بقي عشر سنوات ما آمن به إلا عدد قليل، فكيف لا يتألم، يخرج إلى الأسواق فيسبونه ويجرون وراءه ويرمونه بالحجارة.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

ابوالوليد المسلم
25-09-2021, 11:03 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانعام
الحلقة (393)
تفسير سورة الأنعام (26)

يؤدب الله عز وجل عباده المؤمنين ناهياً لهم عن سب آلهة المشركين من الأصنام والأوثان؛ لأن ذلك قد يحملهم على سب الله عز وجل، ظناً منهم أنهم بسبهم له تعالى قد انتصروا لآلهتهم، كما أن أهل الإيمان ليسوا سبابين ولا شتامين، ولا يتعاملون مع أهل الجهل بجهالتهم، وإنما هم يستقون تربيتهم الإيمانية من كتاب ربهم جل وعلا، ومن سنة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم.
تفسير قوله تعالى: (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم ...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة بضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ) .
وها نحن مع سورة الأنعام المكية ومع هذه الآيات الثلاث، فهيا نصغي نستمع إلى تجويدها وترتيلها من أحد الأبناء ثم نشرع في دراستها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ * وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ )[الأنعام:108-110].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: ( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ )[الأنعام:108]. ‏
سبب نزول الآية الكريمة وبيان حكم سب الله تعالى وسب نبيه صلى الله عليه وسلم
سبب نزول هذه الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم لما انتصر في مكة وخرج من ذلك الحصار وكثر الأصحاب أصبح بعض المؤمنين يسبون ويشتمون آلهة المشركين، فما كان من المشركين إلا أن أتوا عم النبي صلى الله عليه وسلم أبا طالب وقالوا: إن ابن أخيك يسب آلهتنا، فإما أن يترك أو نسب إلههم. هذا معنى قوله تعالى: ( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ )[الأنعام:108]،
ودل هذا على أن سب الله عز وجل وشتمه كفر، ومن سب الله أو شتم أو انتقص أو قال فيه ما هو منزه عنه فقد كفر بذلك، كما أن من سب النبي صلى الله عليه وسلم أو شتمه أو قال فيه كلمة سوء فقد كفر وخرج من الإسلام.
وأما من سب غير النبي كأصحابه والمؤمنين فقد أثم وقارف ذنباً وارتكب جريمة يجب أن يتوب منها أو يهلك؛ لأن سباب المسلمين فسوق وقتالهم كفر.
دلالة الآية على أصل سد الذرائع
وهنا سد الذرائع، وهذا باب معلوم عند أهل العلم، الطريق الذي يوصل العبد إلى ارتكاب محرم يجب أن لا يسلكه، إذا سببت أو شتمت امرءاً سبك أو شتمك، فلا يحل لك أن تسب وتشتم، وقد جاء في الحديث تحريم شتم الآباء: ( لعن الله من سب أبويه. فقالوا: يا رسول الله! ومن يشتم أبويه؟ قال: يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه )، وقلَّ من يقوم ويسب أمه وأباه، ولكن يسب أباء الآخرين فيسبوا أباه. الشاهد عندنا أنه إذا كان المسلك يؤدي بك إلى فعل محذور وارتكاب منهي فينبغي ألا تسلكه، ومن هنا نهينا عن مجالسة الفساق والفاسدين خشية أن يتسرب إلينا فسادهم، نهينا أن نتزيا بزي غير الصالحين خشية أن نصبح مثلهم، وهكذا هذه الآية تدل على سد الذرائع.
(وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ )[الأنعام:108] أي: لا تسبوا آلهتهم أو لا تسبوهم هم فيسبون إلهكم؛ لأنهم حمقى وجهلة، ويكفيهم أنهم كفار لا يؤمنون بالله، فأنت إذا سببته أو سببت اللات أو العزى أو صنمه فسوف يسب الله، فمن هنا حرم الله على المؤمنين أن يسبوا آلهة الكافرين.
الآن لو سببت عيسى عليه السلام لنصراني فإنه يسب محمداً صلى الله عليه وسلم، فلا يحل أن تسبه، ولو سببت شيخ فلان سب شيخك، فالطريق السليم أننا لسنا بسبابين ولا شتامين، لا نشتم أحداً ولا نسب أحداً خوفاً أن يسب من لا يستحق السب أو يشتم من هو بريء من الشتم.
دلالة الآية الكريمة على إطلاق الدعاء على العبادة
هذا معنى قوله جل ذكره: ( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ )[الأنعام:108]، أي: يعبدون غير الله، وأطلق الدعاء على العبادة لأنه مخها، الدعاء هو العبادة، الدعاء مخ العبادة، وقد بينت للصالحين غير ما مرة كيف كان الدعاء هو العبادة. وإليكم الصورة لتعرفوا هذه الحقيقة: سأقول لأحدكم: قف أنت هنا واستقبل القبلة وارفع يديك.
هذا الآن كيف نقرأ وقفته؟ إن هذا العبد فقير محتاج؟ ما الدليل على فقره واحتياجه؟ أنه رفع كفيه يتكفف ويسأل، فهو فقير محتاج.
ثانياً: الذي رفع إليه كفيه فوق سماواته، ما هو عن يمينه ولا عن شماله ولا تحته، وإنما عرف أنه فوقه فرفع كفيه إليه، فهل هذه قراءة سليمة لهذا الموقف أم لا؟ والله إنها قراءة صحيحة.
ثالثاً: هو يدعو وبصوت خافت لا يسمع، حتى من إلى جنبه لا يسمعه، هذا يعلم أن من يدعوه يسمع صوته متى تحركت بالكلمات شفتاه ونطق لسانه، مؤمن بأن الله يسمع صوته.
رابعاً: عرف أنه لا يوجد في الخليقة من يقضي حاجته حتى يقبل إليه ويمد كفيه إليه، عرف أنه لا يقضيها إلا الله، فهو رافع يديه إلى الله.
فهذه كلها تدل على أن الدعاء هو العبادة، فمن دعا غير الله فقد ألهه وآمن بكمالاته ولا كمال له، آمن بأنه يسمع وهو لا يسمعه، وأنه يبصر وهو لا يبصره، وأنه يقدر على أن يعطيه وهو لا يعطيه، فهو في ضلال كبير، ولهذا لا أضل من مشرك يترك الله ويستقبل غير الله يدعوه ويسأله.
الدعاء هو العبادة، والعبارة القائلة: (الدعاء مخ العبادة) لا بأس بها؛ لأن الإنسان يحيا بمخه، فلو فسد المخ هلك، ولو ترك العبد الدعاء بطلت العبادة وما بقي لها معنى.
فالله تعالى يقول: ( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ )[الأنعام:108] أي: يعبدونهم، وهم الأصنام والأحجار وغير الأصنام والأحجار من كل المعبودات المؤلهة، فلا نسب إله مشرك ولا بوذي ولا هندوسي ولا مسيحي ولا يهودي إلى يوم القيامة حتى لا يسب الله عز وجل ونكون السبب في ذلك، والمسلم ليس بسباب ولا شتام، والسب والشتم ليس من صفات المؤمنين أبداً.
معنى قوله تعالى: (فيسبوا الله عدواً بغير علم)
( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا )[الأنعام:108] أي: ظلماً واعتداءً ( بِغَيْرِ عِلْمٍ )[الأنعام:108]؛ إذ لو علموا ما سبوه، لو عرفوا الله وكماله وصفاته فهل سيسبونه؟ لو يقطعون ويحرقون ويصلبون لا يسبون الله، لكن لا علم لهم. لو كانوا عالمين ما سبوا الله عز وجل، فشخص قوي ذو إرادة وقدرة تعرف أنه لو سببته لضربك لن تسبه، لن تقدر على أن تسبه بين الناس خشية أن يعذبك، فكيف بالله عز وجل؟! فلو عرفوه ما سبوه.
معنى قوله تعالى: (كذلك زينا لكل أمة عملهم)
ثم قال تعالى وقوله الحق: ( كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ )[الأنعام:108] كهذا التزيين، وهو أن المشركين ينتصرون لآلهتهم ويقدسونها ويمدحونها ولا يسمحون بسبها ولا انتقادها،لم؟ كهذا التزيين زين الله تعالى لكل أمة عملهم، كل جماعة يقومون بعمل زينه الله لهم بحسب سنته في أن الشخص إذا أقبل على الشيء ورغب فيه وأخذ يزاوله العام بعد العام يصبح ذلك الشيء أحب شيء إليه، ولا يرى الجمال إلا به ولا الخير ولا الحسن إلا فيه. وهذه قاعدة لن تنخرم ولن تسقط إلى يوم القيامة، كل من زاول عملاً وباشره وروض نفسه عليه يوماً بعد يوم وشهراً بعد آخر وعاماً بعد عام يصبح في فطرته وغريزته يسري مع دمه.
يقول الخالق جل جلاله: ( كَذَلِكَ )[الأنعام:108] التزيين الذي شاهدناه في المشركين، حيث شكوا أن المسلمين يسبون آلهتهم، مع أن آلهتهم ملعونة وباطلة، لكن بما أنهم عبدوها والتفوا حولها وتوالدوا من أجلها وكانوا وكانوا أصبحت مؤلهة عندهم مقدسة، ما يسمحون لأحد أن ينالها بسوء، يموتون ولا يعصون الآلهة.
إذاً: يقول تعالى: ( كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ )[الأنعام:108]، كهذا التزيين زين لكل أمة من الأمم وجماعة من الجماعات وفرد من الأفراد، الذي زين له الأغاني والضرب على العود والصوت هل تستطيع أن تقنعه بأن هذا لا يجوز وباطل؟ لا تستطيع، فقد أحبه، والذي ألف لعب الورق أو الكيرم ما يستطيع أن يجلس يوماً أو يومين دون أن يلعبه، انطبع في نفسه وأحبه أم لا؟ لو نهيته أو سببته يسبك ويشتمك.
والذي أقبل على الخير وأحبه وروض نفسه عليه فأصبح مفطوراً على حب الخير ما يقوى على فعل الشر أو حتى سماعه، هذه سنة من سنن الله في الخلق من باب ربط المسببات بأسبابها.
(كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ )[الأنعام:108] الذي يعملونه، إن كان خيراً فخير وإن كان شراً فشر، إن كان إيماناً وتوحيداً فإيمان وتوحيد، وإن كان شركاً أو كفراً فهو كذلك، أما خرجوا يقاتلون من أجل عاداتهم ودينهم الباطل؟
فهذه قاعدة نأخذها ونعمل بها ونعرف أن من اعتاد شيئاً فسوف يتأثر به ويصبح لا يرى فيه شيناً ولا قبحاً ولا سوءاً، فإن أردت أن تصلحه وتهديه فلا تسب ذلك، ولكن حاول أن تقنعه بأن هذا العمل لا يفيده ولا ينتج له خيراً، هكذا على دعاة الإسلام أن يعرفوا هذه الحقيقة: لا نسب ولا نشتم آلهة المشركين ولا غيرهم حتى لا يسبوا إسلامنا ويسبوا نبينا وديننا.
وهكذا يقول تعالى: ( كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ )[الأنعام:108] الذي يعيشون عليه ويعملونه خيراً أو شراً، هذا التزيين حسب سنته تعالى أن من ألف الشيء وروض نفسه شيئاً فشيئاً يصبح مفطوراً عليه لا يحب غيره، هل لأن الله أكرهه وألزمه به؟ هذا يتنافى مع دين الله وشرعه، ولكن الإنسان إذا أقبل على شيء باطلاً كان أو حقاً، خيراً أو شراً، ومشى وراءه زمناً يصبح في فطرته، ويصبح في قلبه ونفسه، فإن كان قبيحاً يراه أزين ما يكون، أليس الكفرة الآن يسخرون من الإسلام ويرون أنه دين رجعي ودين تخلف، لم؟ هذا هو عملهم: الكفر والإلحاد والعلمانية والباطل، ثبتوا عليه زمناً فأصبحوا لا يرون الدين شيئاً، بل يرونه معوقاً للكمال ومانعاً من السعادة في الدنيا.

يتبع

ابوالوليد المسلم
25-09-2021, 11:03 PM
معنى قوله تعالى: (ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون)
( كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ )[الأنعام:108]، ما هم بمهملين ضائعين من شاء اهتدى ومن شاء فليكفر، من شاء فليؤذن ومن شاء فليقل الباطل.( ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ )[الأنعام:108] خالقهم ومالك أمرهم الذي وهبهم حياتهم وكلأهم حتى استوفوا آجالهم وانتهوا إلى عالم الدار الآخرة، هذا ربهم يرجعون إليه، هل هناك من لا يرجع إلى الله؟ والله لا يتخلف أحد، ما هي إلا أن تدق الساعة وتفنى هذه البشرية ثم تمضي فترة من الزمن وينفخ إسرافيل نفخة البعث فإذا هم قيام ينظرون، ويساقون سوقاً إلى ساحة فصل القضاء والحكم الإلهي، ثم يحكم الله عليهم بحسب عملهم: الخير بالخير والشر بالشر.
(ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )[الأنعام:108] ينبئهم: يخبرهم، أنت فعلت كذا وفعلت كذا وتركت كذا، والله سريع الحساب، وإن كانت الفترة خمسين ألف سنة، واقرءوا قول الله تعالى: ( فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ )[المعارج:4]، والبشرية قائمة خمسين ألف سنة.
إذاً: فينبئهم التنبئة الصادقة أنه يوم كذا وساعة كذا فعلت كذا وكذا، هذا ثم الأشرطة المسجلة المدونة تنطق بكاملها، وإن حاولت أن تخفي شيئاً يقول الله تعالى للسان: اصمت وانطقي يا جوارح. فوالله تنطق الجوارح جارحة بعد أخرى: ( يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )[النور:24].
(فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )[الأنعام:108]من خير وشر. إذاً: قوله عز وجل: ( كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )[الأنعام:108]، ويتم الجزاء في الدار الآخرة بحسب العمل، إن كان خيراً فدار السلام، وإن كان شراً فدار البوار والعذاب.
تفسير قوله تعالى: (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها...)
ثم قال تعالى في الآية الثانية: ( وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا )[الأنعام:109]، من الذين أقسموا؟ طغاة المشركين وضلالهم من أبي جهل إلى عقبة بن أبي معيط إلى النضر وفلان وفلان.المشركون كلهم قالوا: لو جاءتنا آية تشهد لمحمد بالرسالة آمنا به، وطالبوا بهذا: ( وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ )[الأنعام:37]، وقال تعالى في بيان هذه الحقيقة: ( وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ )[الأنعام:7] كما في أول السورة.
ومن سورة الحجر: ( وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ )[الحجر:14] رحلة إلى الملكوت الأعلى والباب مفتوح، اطلع أنت وزوجتك وأولادك، ويبقى طول النهار في السماء ويرجع إلى الأرض ( لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا )[الحجر:15]، مستحيل أن يقع هذا ! كيف تفتح أبواب السماء لنا؟ كيف يعقل أننا نطلع إلى السماء ؟ سحركم الرجل وأعمى أبصاركم.
هذا إخبار العلام الحكيم: ( وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ ([الحجر:14] طول النهار هابطين طالعين ) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ )[الحجر:15]، فلعلمه تعالى -وهو خالقهم وخالق قلوبهم وغرائزهم- أنهم لا يؤمنون بالآية إذا أعطاهم إياها لذلك لم يسمع قولهم ولم يستجب لهم، وإلا فلو أتاهم بآية فسيقولون غداً: نريد آية ثانية! ما يريدون أن يسلموا، ما يريدون أن يدخلوا في هذه الرحمة الإلهية، أصروا على شركهم وباطلهم، إذاً فالآية ما تنفعهم، مع أنهم أقسموا بالله جهد أيمانهم وأقصاها.
قال العلماء: المشركون يحلفون بآلهتهم إلا إذا كان الأمر عظيماً فإنهم يحلفون بالله عز وجل، فأيمانهم العادية في مسائلهم: واللات والعزى، لكن إذا كان الأمر ذا خطر وشأن يحلفون بالله عز وجل، لأن العرب المشركين ما كانوا ملاحدة علمانيين لا يؤمنون بالله ولقائه، بل كان يؤمنون بوجود الله عز وجل ويحجون بيته ويحترمون الأشهر الحرم ويحترمون مكة ومن فيها، يؤمنون بالله لكن ما عرفوا الله معرفة حقيقية تكسبهم الخوف منه والخشية والحب فيه حتى يعبدوه؛ لأنهم توارثوا الجاهلية وتوارثوا تلك العادات والشركيات أباً عن جد إلى أن بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإلا فهم يحلفون بالله، وخاصة في المسائل المهمة، ولهذا قال تعالى: ( وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا )[الأنعام:109] أنها من عند الله، وأن محمداً رسول الله، وأن الجنة حق والنار حق والدار الآخرة حق، هنا لما حلفوا هكذا لا شك يقيناً أن بعض المؤمنين أحبوا أن يعطيهم الله آية، ما دامت المشكلة استعصت وزاد البلاء ثم هم يلحفون بأقصى الأيمان أنه لو جاءت آية لآمنوا، فيا رب! أعطهم الآية حتى نستريح من الحرب والفتنة، وهذا يخطر بالبال أم لا؟ هذه طبيعة الناس.
(وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا )[الأنعام:109]، قال تعالى: ( قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ )[الأنعام:109] قل لهم: الآيات ليست عندي أنا فمتى شئتم أعطيتكم، ومتى أردتم إنزالها أنزلناها، الآيات عند الله تطلب من الله، لا تطالبوا محمداً -صلى الله عليه وسلم- بها فهو لا يملكها ولا هو قادر عليها، هذا بيد الله عز وجل.
مضي السنة الإلهية بهلاك المكذبين بآيات الله تعالى بعد مجيئها
ولنعلم أن أمماً سبقت هذه الأمة وأوتيت الآيات العظام وما آمنوا فهلكوا، على سبيل المثال: هل قوم نوح ما شاهدوا الآيات؟ أما كان يسخرون منه وهو يصنع السفينة؟ هل آمنوا؟ ما آمنوا، هل بقوا أم دمروا وأهلكوا؟ لقد أهلكوا إلا ثلاثاً وثمانين نسمة نجت في السفينة. وقوم هود عليه السلام جنوب الجزيرة في حضرموت وما حولها إلى الشحر كانوا أعظم أمة على الأرض قوة وقدرة وصناعة، واقرءوا: ( إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ )[الفجر:7-8].
كان طول أحدهم ثلاثين ذراعاً أو ستين ذراعاً، هذه الأمة جاءتهم الآية وشاهدوها أم لا؟ واستهزءوا بها وسخروا منها، فأهلكهم الله ونجى هوداً ومن معه من المؤمنين.
وآية صالح لا أعظم من تلك الآية، قالوا: يا صالح! إن كنت كما تزعم أنكك رسول الله ونبيه إلينا فادع ربنا يخرج لنا ناقة من هذا الجبل. من جبل أمامهم في الحي أو في تلك المدينة، وبالفعل قام صالح يصلي ورفع كفيه إلى الله وما زال يدعوه حتى انشق الجبل وخرجت الناقة من أعظم النوق في هيئتها وشكلها، وشاهدوها، وزين لهم الشيطان فعزموا على قتلها وقتلوها، وكان قدار بن سالف عليه لعائن الله قد أخذ الموافقة من أهل المدينة كلهم ووافقوه على عقرها فعقرها، فأمهلهم الله ثلاثة أيام فقط وأصبحوا على الركب جاثمين، هل هناك آية أعظم من هذه؟
وآيات موسى تسع آيات: العصا تتحول إلى حية تأكل كل ما في الساحة من تلك الصور الخيالية التي أحدثوها بالسحر، ويدخل يده فتخرج بيضاء كأنها فلقة من قمر، هل نفعت الآيات؟ هل آمن فرعون وقومه؟! والله ما آمنوا، تسع آيات: أرسل عليهم الطوفان والجراد والقمل، أكلهم القمل والضفادع والدم، الماء تضعه الإسرائيلية في فم القبطية فيتحول إلى دم، ومع هذا ما آمنوا.
فلو أعطى الله رسوله آية لقريش فهل سيؤمنون؟ والحكمة مردها إلى الله عز وجل؛ لأنه خلقنا ليمتحننا فيعمر بنا الجنة دار السلام والنار دار البوار، لا بد من الامتحان فمن آمن وعمل صالحاً وزكى نفسه وطهرها وأصبح محبوباً لربه مقبولاً عنده ما إن تفيض روحه حتى ترقى إلى الملكوت الأعلى، ومن كفر بالله ولطخ نفسه بالشرك والمعاصي واسودت وتعفنت تخرج نفسه فتنزل إلى أسفل سافلين، فهذه الفترة التي في حياتنا ثم يجمعنا الله مرة ثانية، فأهل السلام في الجنة وأهل العذاب في النار.
هكذا يقول تعالى: ( وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ )[الأنعام:109] مطلق آية، ليس آية أكبر من آية، فلو حول الله تعالى لهم جبلاً من جبال مكة إلى ذهب فهل سيؤمنون؟ والله ما يؤمنون، سيقولون: هذا سحر، كيف يتحول الجبل إلى ذهب؟!
تكذيب الكفرة والمنافقين بالمعجزات الجارية على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم إن المعجزات التي أعطاها الله للرسول شاهدها المنافقون بالمدينة وما آمنوا، فذات مرة أذن للعصر وأرادوا أن يتوضئوا لصلاة العصر فما وجدوا ماء، فكيف يفعلون؟ جيء بإناء فغمس الرسول أصابعه فيه ففاض الماء فتوضأ منه قرابة ثمانين شخصاً، الماء يفيض من الكفين، وفي غزوة في الحديبية كذلك أدخل يده في ركوة من الماء ففاضت وتزود ألف وأربعمائة شخص من الماء، فهذه معجزات. عين قتادة في أحد سالت حين ضرب من قفاه فسالت عينه على خده، فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم باسم الله فكانت -والله- أحسن من عينه الأولى، لكن الذين ما أعدهم الله لدار السلام لا بد أن يصروا على الشرك والكفر والذنوب والآثام ليلقوا جزاءهم ومصيرهم.
(وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ )[الأنعام:109]؟ من يعلمكم من يدريكم أيها المؤمنون الذين ترغبون في الآية؟ تظنون أنه إذا أعطاهم الله آية دخلوا في الإسلام وانتهت الحرب والفتنة، من يعلمكم بهذا؟ فالله أعلم منكم أنهم لا يؤمنون، فلهذا ما استجاب لهم، ( وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ )[الأنعام:109].
تفسير قوله تعالى: (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون)
قال تعالى: ( وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ )[الأنعام:110] الأفئدة: القلوب التي تعي وتفهم، يعني: يقلبها فتنتكس فما تصبح ترى الآية آية أبداً، بل تصفق وتضحك، أبصارهم التي يشاهدون بها يقلبها، فيبصر الحوراء فيظنها بغلة أو حماراً. ( وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ )[الأنعام:110] كما لم يؤمنوا بالقرآن وبالبعث والجزاء وبالرسول صلى الله عليه وسلم أول مرة قبل الآية، فالآيات تنزل فهل هناك أعظم من آيات القرآن؟
ولهذا ما من نبي من الأنبياء إلا وقد آتاه الله آية معجزة، وكان الذي أوتي رسولنا القرآن الكريم، أخبر بهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما من الأنبياء من نبي إلا قد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحياً أوحى الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة )، وذلك هو القرآن الكريم.
وقد تعهد الله تعالى بحفظه فقال: ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )[الحجر:9]، فلولا أن الله ما حفظه بالرجال والنساء إلى اليوم فهو مكتوب في السطور محفوظ في الصدور؛ لارتدت هذه الأمة منذ زمن، فالإنجيل كتاب الله أم لا؟ وعيسى رسول الله أم لا؟ فكم سنة عبد الله النصارى بالعبادة الشرعية التي تزكي النفس؟ فالذين آمنوا به عبد الله سبعين سنة، وتدخل اليهود وزادوا ونقصوا وبدلوا وغيروا وكفروا المسيحيين.
لكن هذه الأمة تعهد الله بحفظ كتابها إلى يوم القيامة، وسر ذلك حتى لا يقول جيل من الأجيال: يا ربنا! ما عرفناك، ما وجدنا من يعرفنا بك. فتقوم لهم الحجة على الله، أو يبعث الله رسولاً من جديد، وقد أعلمنا أنه ختم الرسالات بمحمد صلى الله عليه وسلم، إذاً: فسوف يبقى هذا الدين ظاهراً حجة لله على البشرية إلى يوم القيامة.
(وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ )[الأنعام:110] مثلما كانوا قبل ( وَنَذَرُهُمْ )[الأنعام:110] ونتركهم ( فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ )[الأنعام:110].
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

ابوالوليد المسلم
25-09-2021, 11:05 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانعام
الحلقة (394)
تفسير سورة الأنعام (27)
لا زال أسلوب الكافرين المعاندين في رد الحق وإنكار الهدى لم يتغير، فهم يطلبون الآيات والأدلة على صدق الرسالة والنبوة، زاعمين أنهم سيؤمنون إذا رأوها، فهم مرة يطلبون أن ينزل عليهم ملكاً من السماء يدعوهم إلى الله، ومرة يأتون بطلبات من وحي شياطينهم ليعجزوا بها النبي صلوات الله وسلامه عليه، فيخبر الله عز وجل نبيه أنهم مهما جاءتهم من الآيات والنذر فلن يؤمنوا، ولن ينصاعوا للحق، فقلوبهم منكرة، وعقولهم جامدة، رغم علمهم بأنه الحق من ربهم.
تفسير قوله تعالى: (ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلاً ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأربعاء من يوم الثلاثاء- ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ) .
وها نحن مع سورة الأنعام المكية المباركة الميمونة، تلكم السورة التي زفت بسبعين ألف ملك لهم زجل وتسبيح، والسورة تقرر عقيدة التوحيد بأن لا إله إلا الله، ونبوة ورسالة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم وأنه حقاً رسول الله، وتقرر مبدأ المعاد والحياة الثانية للجزاء على الكسب في هذه الدنيا إما بالنعيم المقيم أو بالعذاب الأليم.
السورة تدور على هذه العقائد الثلاث، وها نحن مع ثلاث آيات، فليتفضل أبو بكر القارئ يقرؤها ثم نشرحها بإذن الله.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ * وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ )[الأنعام:111-113].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: ( وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ )[الأنعام:111]، هذا خبر الصدق، يخبر تعالى فيقول لرسوله والمؤمنين: ( وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا )[الأنعام:111] إلى أولئك المعاندين إلى أولئك المشركين إلى أولئك المكذبين الكافرين الذين يطالبون بالآيات ويريدون أن يشاهدوها فيؤمنوا.
إيغال المشركين في التكذيب والجحود
يقول تعالى وهو العليم بهم المطلع على سرائرهم، بل هو غارز غرائزهم، يقول: ( وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ )[الأنعام:111] وشاهدوا ذلك العالم النوراني بأعينهم، وكلمهم الموتى من مات قبلهم ومن مات قبل أجدادهم ومن ماتوا من عهد آدم وقالوا: محمد رسول الله، وحشرنا عليهم كل شيء أمامهم ليشاهدوه ( مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ )[الأنعام:111]. ما السر في هذا؟ السر أنهم لكثرة توغلهم في الكفر والتكذيب والشرك والفساد والباطل أصبحت هذه غرائز لهم ما يبطلها أبداً مشاهدة الملائكة، إذ لو شاهدوا الملائكة لقالوا: نحن مسحورون، فكيف تشاهد الملائكة؟ ما رأيناه ليس بحقيقة أبداً بل مجرد خيالات فقط، لو جمع لهم ما شاء الله أن يجمع من هذا الكون ووقف بين أيديهم ما كانوا ليؤمنوا؛ لأنهم عرفوا الحق وأصروا على إنكاره وعدم الاعتراف به، والذي أخبر بهذا -كما علمتم- هو خالقهم وخالق غرائزهم وطباعهم.
(وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ )[الأنعام:111] من الملائكة؟ عالم الطهر والصفاء عالم النور، عالم يعمر الملكوت الأعلى، وهم معنا في حلقتنا هذه يحفون بنا، ( وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى )[الأنعام:111]، وكلمهم الموتى عدنان ومضر وإسماعيل: أنا فلان فآمنوا بأن محمداً رسول الله ما آمنوا، ( وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ )[الأنعام:111] أمامهم يشاهدونه ( مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ )[الأنعام:111]، فإذا شاء الله إيمانهم آمنوا، أما إذا لم يشأ الله أن يؤمنوا فلن يؤمنوا؛ لأنه كتب ذلك في كتاب المقادير في اللوح المحفوظ أن هؤلاء من أصحاب النار، أن هؤلاء يعرض عليهم الإيمان في أوضح صورة وبأعظم دليل وحجة فلا يؤمنون، فكتب ذلك عليهم، فلذلك هم لا يؤمنون.
فيا من تريدون أن تشاهدوا الآيات حتى يؤمن هؤلاء المشركون! اعلموا أنهم لا يؤمنون، وفي آية سورة الحجر: ( وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ )[الحجر:14-15]، وفي هذه السورة في بدايتها ( وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ )[الأنعام:7].
دلالة الآية الكريمة على طلب الهداية من الله تعالى
ومعنى هذا -معاشر المؤمنين والمؤمنات- أن نقرع باب الله عز وجل ونسأله، هو الذي بيده قلوب الخليقة فمن شاء أن يؤمن آمن ومن شاء أن يكفر كفر، فما علينا إلا الفزع في صدق إلى ربنا نسأله هدايتنا وهداية غيرنا، أما الآيات المعجزات والسيف والحرب فكل هذا ما يجدي. القلوب بيد الله يقلبها كيف شاء، فعلينا أن نقدم لهم الهداية فإن قبلوها لأن الله كتب سعادتهم ليكملوا ويسعدوا فهنيئاً لهم وهنيئاً لنا في نجاحنا في تقديم هذه الهداية، فإن هم رفضوا وأصروا على شركهم والكفر فلا نحزن ولا نكرب أبداً، ولنفوض الأمر إلى الله إذ بيده القلوب، وكان عليه الصلاة والسلام في سجوده يقول: ( اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، اللهم يا مصرف القلوب اصرف قلبي على دينك ) .
تربية المؤمنين الراغبين في إنزال الآية ببيان علم الله تعالى بحال المشركين
تأملتم هذه الآية الكريمة: ( وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ )[الأنعام:111]؟ هذا أيضاً ينتفع به المؤمنون الذين كانوا يرغبون في أن ينزل الله آية على رسوله ليؤمن أبو جهل وأبو لهب وتنتهي المشكلة. ( وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ * وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ )[الأنعام:109-110] هاتان آيتا الدرس السابق وهما متصلتان بهذه.
وزادهم تأكيداً فقال: ( وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ )[الأنعام:111] وشاهدوا جبريل وميكائيل وكل ملائكة السماء ( وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى )[الأنعام:111] فلان وفلان وفلان من المقبرة وحشرنا وجمعنا لهم كل شيء أمامهم فوالله ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله.
ثم ختم الآية بقوله: ( وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ )[الأنعام:111]، ويدخل في هذا من كانوا يريدون أن يشاهدوا الآية ليؤمن كفار قريش، كانوا يرغبون لشدة الحرب والمضايقة ويقولون: لو أنزل الله آية لآمنوا واسترحنا، فهذا أيضاً انزعوه من أذهانكم، وهذا ناتج عن الجهل ( وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ )[الأنعام:111]، ما قال: (ولكنهم يجهلون) فلا يخرج منهم واحد أو اثنان، معناه: أنه يوجد فيهم من لا يجهل، وهذا من عجائب القرآن.
تفسير قوله تعالى: (وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن...)
الآية الثانية: يقول تعالى: ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا )[الأنعام:112]، وهكذا كما جعلنا لك أنت أبا جهل وعقبة بن أبي معيط وأبا لهب أعداء كذلك جعلنا لكل نبي من الأنبياء، وهم مائة وأربعة وعشرون ألف نبي، ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا )[الأنعام:112]. الشياطين: جمع شيطان، والإنس نحن، والجن العالم الخفي الذي تعرفونه، هل يوجد في بني آدم شياطين؟ أي نعم، كما يوجد في الجن شياطين، ويوجد في الجن ربانيون مؤمنون أولياء الله، ويوجد في الإنس ربانيون مؤمنون أولياء الله، ويوجد في عالم الجن شياطين متمردون عن الله والحق لا يعرفونه أبداً، وتوجد ثلة من الناس شياطين لا هم لهم إلا الشر والخبث والفساد.
وقد علمتم مما سبق أن العوالم ثلاثة: عالم الملائكة وعالم الإنس وعالم الجن، دعنا من عالم الحيوانات، فنحن نتكلم عن العالم المكلف بعبادة الله عز وجل.
عالم الجن -والعياذ بالله تعالى- خرج عنه إبليس؛ إذ رفض أمر الله وتنكر له وأبى أن يسجد لآدم فأبلسه الله ومسح الخير منه وأصبح شيطاناً خالصاً لا يحب الخير ولا يخطر بباله، وذريته مثله إذ الحية لا تلد إلا حية، هل رأيتم عقرباً تلد جرادة؟ لا تلد إلا عقرباً.
وعالم الشياطين تفرع من إبليس، وعالم الإنس وعالم الجن الذين يفسقون عن أمر الله ويخرجون عن طاعته ويتوغلون في الخبث والشر والفساد يصبحون شياطين لا خير فيهم، كلامه وعمله وسياسته كلها شر، فمن هنا يوجد شياطين من الإنس لا هم لهم إلا نشر الباطل والشر والفساد، كما يوجد شياطين من الجن غير إبليس وذريته، أما الشياطين فهكذا وجدوا لا يعرفون الخير بالمرة ولا يهتدون ولا يقبلون الهداية.

يتبع

ابوالوليد المسلم
25-09-2021, 11:05 PM
معنى قوله تعالى: (يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً)
إذاً: يقول تعالى: كما جعلنا لك يا رسولنا أعداءً ( جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا )[الأنعام:112]، شياطين الإنس يوحون إلى شياطين الجن وشياطين الجن يوحون إلى شياطين الإنس، والإيحاء: الإعلام الخفي بطريقة لا تعرف ولا ترى.( زُخْرُفَ الْقَوْلِ )[الأنعام:112] القول يزينونه ويزخرفونه ويحسنونه للإنسي أو الجني المؤمن ليوقعوه في الفساد، زخرف القول للتغرير بالمؤمنين من الإنس أو من الجن، إلا أن الشيطان من الإنس لا يستطيع أن يزين للشياطين من الجن؛ إذ لا صلة لهم بهم بحيث يتحدث معهم، إلا إذا تشكلوا في شكل إنسان فهذا ممكن.
لكن من حيث واقعهم يخبر تعالى عنهم أنهم يزينون القول ويزخرفونه حتى يوقعوا الإنسان في الفتنة والضلال، فالإنسان الذي هو شيطان توحي إليه الشياطين بكلمات ومعان وتدله على أعمال يقوم بها وتخرفها له وتحسنها له حتى يقولها ويفعلها، فالموبقات التي ترتكب من بعض الناس من الآدميين كالزنا واللواط والجرائم والقتل؛ كل هذه بتزيين الشياطين والتغرير بالآدمي حتى يفعلها ويأتيها؛ لأنها مهمتهم التي يقومون بها.
(شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ )[الأنعام:112]، شيطان الإنس يوحي إلى شيطان الإنس، أصحاب الشر أما يجتمعون ويتواصلون ويتعاونون؟ يوحي بعضهم إلى بعض.
وزخرف القول هو الذي يفتنون به من الأباطيل والكذب والدعاوى الباطلة حتى يوقعوا الإنسان في تلك المحنة أو الفتنة، وشياطين الجن كذلك، والذي أخبر بهذا خالقهم والعليم بحياتهم وسلوكهم.
(يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا )[الأنعام:112] أي: للتغرير وإيقاع الناس في الفتنة أو المحنة والحرب أو الفتن والضلال.
معنى قوله تعالى: (ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون)
(وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ )[الأنعام:112] أيضاً يسلي الله تعالى رسوله ويحمله على الصبر والثبات ويقول له: الحيات والعقارب والهوام هكذا وجدت، ولكن الله عز وجل لو شاء لما آذت أحداً ولا ضرته، وكذلك هؤلاء الشياطين، ( يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ )[الأنعام:112] للتغرير وإيقاع الناس في الباطل، ومع هذا لو شاء الله ما فعلوا، وهل يخرجون عن إرادة الله ومشيئته؟ لا يستطيعون. وكما أن أولئك المشركين لو جمع لهم كل الخلق بين أيديهم من ملائكة ورسل وأجداد لا يؤمنون إلا أن يشاء الله، فكذلك شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض ويزخرف القول ويعسله للإيقاع في الفتن والباطل والشر، ومع هذا لو شاء الله ما فعلوا؛ لأن قدرة الله فوقهم وهم بين يديه وفي قبضته.
(وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ )[الأنعام:112] إذاً ( فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ )[الأنعام:112]، اتركهم يا رسولنا وما يكذبون ويختلقون من الباطل، أتعرفون ما كان يقول أبو جهل وعقبة بن أبي معيط وفلان؟ كانوا يقولون بإيحاء الشيطان: محمد ساحر كذاب دجال. وهكذا يشيعونها في القبائل، بل يذهبون إلى الأسواق ويعلنون هذا، هذا هو زخرف القول، يحسنونه بألفاظ ليصرفوا الناس عن الدخول في الإسلام حتى لا يؤمنوا بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبقوا في الشرك والكفر.
(وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ )[الأنعام:112] إذاً ( فَذَرْهُمْ )[الأنعام:112] أي: اتركهم ( وَمَا يَفْتَرُونَ )[الأنعام:112] ويقولون من الكذب والباطل.
تفسير قوله تعالى: (ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة ...)
ثم قال تعالى: ( وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ )[الأنعام:113] آذان من التي تصغي لزخارف القول والأباطيل؟ هل هي آذان المؤمنين الموحدين الصالحين الربانيين؟ والله ما تصغي آذانهم ولا تميل لتسمع الباطل؟ الآن لو قلت بقول باطل يجتمع حولك المرضى، ( وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ )[الأنعام:113]، أما من آمن بلقاء الله والوقوف بين يديه ثم الحساب الدقيق والجزاء الكامل إما بالنعيم أو بالعذاب، هذا المؤمن -والله- لا يصغي لكلام الباطل، بل إذا سمع باطلاً أغلق أذنيه وأدخل أصبعيه في أذنيه أو قام من المجلس، ولكن من هو الذي يصغي ويسمع؟ الذين لا يؤمنون بالآخرة، ( وَلِيَرْضَوْهُ )[الأنعام:113]ذلك الباطل ويحبوه، ( وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ )[الأنعام:113]من الذنوب والجرائم والموبقات وعلى رأسها الشرك والكفر. ( وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ )[الأنعام:113] هل القلب يميل أم لا؟ مال قلبه إلى كذا: أحبه ورغب فيه ومشى وراءه، الإصغاء يكون للأذن فتسمع، والقلب إذا مال وهو يسمع يميل إلى الباطل والشر.
(وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ )[الأنعام:113]، الاقتراف ما هو؟ جمع الذنوب والآثام بلا حساب ولا عدد.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير
معنى الآيات قال: [ معنى الآيات: ما زال السياق في أولئك العادلين بربهم ] الظالمين [ المطالبين بالآيات الكونية ] عرفنا هذا أمس، الكون ما هو؟ السماء والأرض، الآية الكونية كأن تقع الشمس في حجر فلان! أن ينزل المطر الآن، أن يحيا فلان الميت، هذه الآيات الكونية، [ ليؤمنوا إذا شاهدوها، فأخبر تعالى في هذه الآيات أنه لو نزل إليهم الملائكة من السماء وأحيا لهم الموتى فكلموهم وقالوا لهم: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وحشر عليهم كل شيء أمامهم يعاينونه معاينة، أو تأتيهم المخلوقات قبيلاً بعد قبيل وهم يشاهدونهم ويقولون: لا إله إلا الله محمد رسول الله؛ ما كانوا ليؤمنوا بك ويصدقوك ويؤمنوا بما جئت به إلا أن يشاء الله ذلك منهم، ولكن أكثر أولئك العادلين بربهم الأصنام والأوثان يجهلون أن الهداية بيد الله تعالى وليست بأيديهم كما يزعمون، وأنهم لو رأوا الآيات آمنوا ] فالهداية بيد الله.
[ هذا ما دلت عليه الآية الأولى، أما الآية الثانية فإن الله تعالى يقول: وكما كان لك يا رسولنا من هؤلاء العادلين أعداء يجادلونك ويحاربونك جعلنا لكل نبي أرسلناه أعداءً يجادلونه ويحاربونه ( شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا )[الأنعام:112]، أي: القول المزين بالباطل المحسن بالكذب]، والذين عاشوا مع إذاعة (صوت العرب) قديماً سمعوا وعرفوا.
كنا في طريقنا إلى المغرب في السيارة، مشينا بالليل في صحراء ليبيا، في آخر الليل جاء صوت ما كنا نسمعه في المدينة، فاستمعت ذاك الصوت ومن ثم انقبضت انقباضاً، وأصبحت -والله- ما أستطيع أن أسمعه، وتعجبت من قوله تعالى: ( وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا )[الكهف:101]، كيف لا يستطيعون السمع؟ وجدتني -والله- ما أستطيع.
قال تعالى: ( زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا )[الأنعام:112]، وإلى الآن ما زالت الأباطيل تزين وتحسن، وإذاعة لندن كافية.
قال: [ أي: القول المزين بالباطل المحسن بالكذب. ( غُرُورًا )[الأنعام:112]، أي: للتغرير والتضليل، ( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ )[الأنعام:112] أيها الرسول عدم فعل ذلك الإيحاء والوسواس ( مَا فَعَلُوهُ )[الأنعام:112]] أليس هو خالقهم [ إذاً: ( فَذَرْهُمْ )[الأنعام:112]، أي: اتركهم ( وَمَا يَفْتَرُونَ )[الأنعام:112] من الكفر والكذب والباطل. هذا ما دلت عليه الآية الثانية.
أما الآية الثالثة وهي قوله تعالى: ( وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ )[الأنعام:113]، هذه الآية بجملها الأربع معطوفة على قوله: ( زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا )[الأنعام:112]، إذ إيحاء شياطين الجن والإنس كان، للغرور، أي: ليغتر به المشركون، ( وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ )[الأنعام:113]، أي: تميل ( أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ )[الأنعام:113]، وهم المشركون العادلون بربهم الأصنام والأحجار، ( وَلِيَرْضَوْهُ )[الأنعام:113]، ويقتنعوا به؛ لأنه مموه مزين لهم، ونتيجة لذلك التغرير والميل إليه وهو باطل والرضا به والإقناع بفائدته فهم لذلك يقترفون من أنواع الكفر وضروب الشرك والمعاصي والإجرام ما يقترفون ]، متأثرين بذلك التغرير والباطل.
هداية الآيات
قال: [ من هداية الآيات.:أولاً: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن أبداً ]، هل هناك من ينقض هذه؟ ما شاء الله كان من الإيمان أو الكفر، من الخير أو الشر، من الهداية أو الضلال، ما شاءه الله كان وما لم يشأه -والله- لا يكون.
قال: [ وبهذا تقررت ربوبيته وألوهيته للأولين والآخرين ]، ما دام أن ما يشاؤه يكون وما لم يشأه لا يكون فبهذا تقررت ألوهيته للخليقة كلها، وربوبيته للأولين والآخرين.
[ ثانياً: تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم وكل داع إلى الله تعالى بإعلامه أنه ما من نبي ولا داع إلا وله أعداء من الجن والإنس يحاربونه حتى ينصره الله عليهم.
ثالثاً: التحذير من التمويه والتغرير، فإن أمضى سلاح للشياطين هو التزيين والتغرير ]، وهذا تعرفونه من كلام المضللين.
[ رابعاً: القلوب الفارغة من الإيمان بالله ووعده وعيده في الدار الآخرة أكثر القلوب ميلاً إلى الباطل والشر والفساد ]، من جاء مدينة أهلها كفار يستطيع أن ينشر الباطل والفساد بكل سهولة، وإذا جاء إلى مدينة أهلها أتقياء هل يستجيبون له؟ لا يستجيبون، يبقى عشرين سنة يعمل فلا ينجح، لكن إذا كانت القلوب فارغة من الإيمان بالله ولقائه فإنها تتحول وتتبدل.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.

ابوالوليد المسلم
25-09-2021, 11:07 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانعام
الحلقة (395)
تفسير سورة الأنعام (28)

دعوة الإسلام هي دعوة الحق، والرسالة المحمدية هي الرسالة الخاتمة المهيمنة على كل ما قبلها من الرسالات، يشهد بذلك ما جاء في كتاب الله العزيز من الآيات، ويشهد بذلك امتلاء كتب السابقين بالتبشير بسيد المرسلين، وعلم أهل الكتاب بذلك علم اليقين، فمن أراد الفوز والفلاح فعليه باتباع الصراط المستقيم، والإعراض عن سبيل أهل الأرض من الغاوين، الذين هم عن دين الله معرضين، وعن شرعه ناكبين.
تفسير قوله تعالى: (أفغير الله أبتغي حكماً وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلاً...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليالي الثلاث بعدها ندرس إن شاء الله كتاب الله؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه ألفاً وسلم، قال: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، ولنستمع إلى تلاوة الآيات مجودة مرتلة ثم نشرع في تفسيرها وبيان ما جاء فيها، والله نسأل ألا يحرمنا العلم والعمل.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ * وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ )[الأنعام:114-117].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: ( أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا )[الأنعام:114]، ما المراد بالحكم؟ الحكم: هو الذي يحكم بين المختصمين والمختلفين، الحكم كالحاكم، إلا أن لفظ الحكم يدل على وجود خلاف وهو يحكم بين أهله ليبين لهم الحق من الباطل، والصواب من الخطأ.
فالله تعالى يأمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لأولئك الذين طالبوا بالآيات ليصدقوه فيما يدعيه ويقول ويدعو إليه؛ لأنهم كذبوا برسالته صلى الله عليه وسلم، كما كذبوا بدعوته إلى الله تعالى ليعبد وحده، كما كذبوا بالبعث الآخر ولقاء الله عز وجل، إذ السورة المكية تدور على هذه العقائد الثلاث.
يقول الله تعالى: قل: ( أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا )[الأنعام:114]، تريدون أن نحكم غير الله؟ الآية التي تظهر لكم، والميت ينطق لكم، والمطر ينزل، هذه آيات، فهل هذه تساوي الله فيما يحكم به؟ ما قيمتها؟ فحسبي -إذاً- أن يحكم الله بيني وبينكم، وقد حكم بأنكم كافرون، مشركون، هالكون، وحكم بأني عبد الله ورسوله، فماذا أبغي بعد ذلك؟ ‏
توبيخ الكفرة لإعراضهم عن معجزة الكتاب الحكيم المفصل لهدايتهم
(أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا )[الأنعام:114]، تريدون ماذا؟ هذا الكتاب، وهذا القرآن العظيم، ولفظة (الْكِتَابَ) هنا دالة على عظمته، كتاب لا يقادر قدره أبداً، عجزت البشرية عن محاكاته، وعن الإتيان بسورة من مثل سوره.(وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ )[الأنعام:114]، أنزله إليهم لهدايتهم من الضلال، لإكمالهم وإسعادهم، وإنجائهم من الخسران والنقصان، أما نزل إليهم وإلى البشرية كلها؟ أنزل الله كتابه لماذا؟ لإصلاح البشرية وهدايتها، من أجل إكمالها وإسعادها، فله الحمد والمنة، فالحمد لله.
(أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ )[الأنعام:114]، أي: القرآن، ( مُفَصَّلًا )[الأنعام:114] غاية التفصيل، فيه العبادات، الآداب، الأخلاق، الأحكام الشرعية، القصص، الأخبار، كل ذلك في غاية التفصيل، أما يكفيني هذا شاهداً على رسالتي ونبوتي ودعوتي إليه تعالى؟ كيف نطلب لكم آية من الآيات وأعظم الآيات هي هذا الكتاب؟ ولقد قال صلى الله عليه وسلم: ( ما من نبي إلا أوتي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وكان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة )، وحق ذلك وثبت، تبعث الأمم ورسلها، والله لا توجد أمة أعدادها أكثر من هذه الأمة المحمدية، وأقرب دليل أن الأمم في مائة سنة أو سبعين سنة تنتهي، وهذه الأمة إلى الآن لها ألف وأربعمائة وسبع عشرة سنة، والإسلام هو الإسلام، والناس يدخلون فيه.
الاستشهاد على صدق الرسالة المحمدية بعلم أهل الكتاب بحقيقة تنزيل الكتاب من عند الله تعالى
(أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا )[الأنعام:114]، هذا أولاً. وثانياً: ( وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ )[الأنعام:114]، الذين أوتوا الكتاب يعني: التوراة والإنجيل، وأهله اليهود والنصارى، فالذين أسلموا كـعبد الله بن سلام وإخوته، ومن المسيحيين، الكل يعلم أن هذا الكتاب منزل من عند الله عز وجل بالحق، فهل بعد هذا تريدون شهادة دجاجة تنطق أو بعير يقول: هذا رسول الله؟ أيهما أفضل: أن يشهد علماء الكتاب ويصرحوا بصدق هذه النبوة وأن هذا كتاب الله أم طير ينطق؟ لأنهم يطالبون بالآيات الخارقة للعادة تشهد له أنه رسول الله، وفي علم الله أنهم لا يؤمنون، فما الفائدة من أن يحيي لهم فلاناً وفلاناً حتى يكلمهم وهم لا يؤمنون، والذي خلقهم وغرز غرائزهم وطبع طبائعهم قال: ( وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ )[الأنعام:7]، ( وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا )[الحجر:14] طول النهار https://audio.islamweb.net/audio/sQoos.gif فِيهِ يَعْرُجُونَ )[الحجر:14] طالعين هابطين، ( لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ )[الحجر:15]، أمثال هؤلاء يعطيهم معجزة؟ ماذا يستفيدون؟ والذي لا تؤثر فيه معجزة القرآن كيف سيؤثر فيه غيرها، أمي لا يقرأ ولا يكتب، وقد لبث فيهم عمراً من قبله أربعين سنة، ما قال كلمة منه ولا عرف، ثم ينزل عليه كتاب أعجز الإنس والجن، أفبعد هذا تطلب الدليل على أنه رسول الله؟! أعاقل أنت أم مجنون؟
معنى قوله تعالى: (فلا تكونن من الممترين)
(وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ )[الأنعام:114]، يعني: التوراة والإنجيل، ( يَعْلَمُونَ )[الأنعام:114]، يعلمون علم يقين؛ لأنهم عرفوا وآمنوا ( أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ )[الأنعام:114]، منزل من عند ربكم من الملكوت الأعلى بالحق مصاحباً له ويدعو إليه، ولا باطل فيه في قليل ولا كثير، وما نزل لإبطال الحق، ولكن لإحقاق الحق وإبطال الباطل، إذاً: ( فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ )[الأنعام:114]. هذا من باب (إياك أعني واسمعي يا جارة)، ( فَلا تَكُونَنَّ )[الأنعام:114] يا رسولنا ( مِنَ الْمُمْتَرِينَ )[الأنعام:114]، وهل الرسول يكون من الشاكين؟ ولكن أنتم أيها السامعون، فلا تكونن يا من بلغه هذا من الشاكين بعد هذا البيان، بعد هذا العلم وهذه البصيرة، والممتري: هو الشاك، والممترون: جمع ممتر، ( فَلا تَكُونَنَّ )[الأنعام:114] يا رسولنا ( مِنَ الْمُمْتَرِينَ )[الأنعام:114]، وليس المقصود هو الرسول، بل من باب: (إياك أعني واسمعي يا جارة)، اسمعوا أنتم أيها الشاكون، لا تكونوا من الشاكين والممترين بعد أن لاحت أنوار المعرفة، وتجلت حقيقة أنه كتاب الله ووحي الله، وأن محمداً عبد الله ورسول الله.
تفسير قوله تعالى: (وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم)
ثم قال تعالى: ( وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ )[الأنعام:115]، ( وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ )[الأنعام:115] حال كونها ( صِدْقًا وَعَدْلًا )[الأنعام:115]، (صِدْقًا) في الأخبار، كل ما أخبر الله به في الكتاب القرآني من أخبار الأولين والآخرين، والملكوت الأعلى، وفي الدنيا، وفي الآخرة، كل أخباره -والله- صدق، ولا يدخلها كذب، ولا يوجد بينها كلمة كذب، ومن هذا الوعود الإلهية والمواعيد، كل ما أخبر به من وعد أو وعيد هو صدق، وكل ما يخبر به الله في هذا الكتاب أحلف بالله إنه لحق وليس فيه شك أبداً.(وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا )[الأنعام:115]، ومنها: أنك من المنتصرين، سينصرك الله، وينصر معكم المؤمنين، إذ مضى بهذا كلام الله، ( وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ )[الحج:40]، سوف تدخل البشرية في دينك، ويلتف حولك الملايين، رغم أنف الكاشحين والغاضبين والساخطين، ( وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ )[الأنعام:115]، اطمئن فالعاقبة لك، النصر لك، دعهم يكذبون، ينكرون، يشكون، وسوف تنتهي هذه كلها، وتلوح أنوار الحق في مكة، ولا يعبد فيها إلا الله إلى يوم القيامة، ولا يبقى صنم ولا وثن، ( وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ )[الأنعام:115] يا رسولنا ( صِدْقًا وَعَدْلًا )[الأنعام:115]، أي: صدقاً في الأخبار، وعدلاً في الأحكام والقضاء، أحكام الله المنزلة في هذا الكتاب، والله لا يوجد حيف ولا ظلم ولا جور ولا اعوجاج ولا انحراف قط، وسر ذلك أن الله عالم الغيب والشهادة، وسر ذلك أنه خلق الكون وقدره وكتبه قبل أن يوجده، فكيف -إذاً- يقع غير العدل فيه؟ وهكذا في الدماء، في الحدود، في الجهاد، في السلم، في الأموال، في كل الأحكام الشرعية القرآن أعدل ما نزل من السماء في بيان أحكام الله عز وجل، ( وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ )[الأنعام:115] يا عبد الله صدقاً في الأخبار، وعدلاً في الأحكام.

يتبع

ابوالوليد المسلم
25-09-2021, 11:08 PM
صورة من اعتراضات السفهاء على أحكام الله تعالى الصادقة العادلة
وهل يوجد حكم في القرآن ليس فيه عدل ؟ قالوا: نعم. قلنا: كيف؟ قالوا: التركة توزع، فالرجل يعطى سهمين، والبنت تعطى سهماً، أين العدل؟ وقالوا: الرجل يعطى النصف من تركة امرأته وهي تعطى الربع، وهو يعطى الربع وهي تعطى الثمن! وتخبطوا، وصعدوا وهبطوا وجاسوا كالكلاب؛ وما عرفوا أن جوابهم بكلمة واحدة، ذلك أن المرأة حفظ الله عيشها وقوتها أولاً بوالدها، وثانياً: بزوجها، وثالثاً: بأولادها، ورابعاً: بولاية الله لها، فلماذا تأخذ مثل الرجل؟ المرأة ملكة في بيتها، تأتيها الكسوة واللبن واللحم، والرجل يعرق ويجد ويحرث ويخرق الأرض ويطير في السماء ليأتيها بطعامها وشرابها، وهي جالسة على الأريكة، هل نعطيها النصف؟ سفاهة وعبث، وهذا شأن من لا يؤمنون بالله. قالوا: كيف يفضل الرجل على المرأة؟ هذا ما هو بعدل، العدل في حق المرأة -المحفوظ رزقها- أن يعطيها أكثر من الرجل! وحاولوا أن يفعلوا العجب، ولكن القرآن كتاب الله يبقى هكذا تلوح أنواره لمن يريد الهداية الإلهية حتى يرفعه الله تعالى.
محاولة يائسة لتحريف القرآن الكريم
(وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا )[الأنعام:115]، في الأخبار، ( وَعَدْلًا )[الأنعام:115] في الأحكام، ( لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ )[الأنعام:115]، هل استطاع البشر أن يبدلوا كلمة واحدة في القرآن؟إن اليهود والمجوس والنصارى والبوذيين والهندوس وكل الدنيا ضد هذا القرآن، والله ما استطاعوا أن يبدلوا كلمة، ولو قدروا ما وصل القرآن إليكم الآن إلا محرفاً مبدلاً مغيراً، مزيداً فيه، منقوصاً منه، كالتوراة والإنجيل، هل التوراة ذات الألف سورة فيها النصف حق؟ والله لا يوجد، والإنجيل كذلك، لماذا؟ لأن الله ما تولى حفظهما، ولكن تولى حفظ القرآن الكريم، فقال: ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )[الحجر:9].
اجتمع مرة قسس ورهبان في السودان من قديم في مؤتمر، فقالوا : كيف نستطيع نحذف كلمة (قل) من القرآن؟ (قل) كم حرفاً فيها؟ حرفان: القاف واللام، قالوا: إذا استطعنا أن نحذف (قل) فإننا نستطيع أن نثبت ما قلناه أن هذا القرآن ما هو من عند الله، وإنما هو من ذهن محمد ومن شعوره الصحراوي، فاض بهذه العلوم، ما هو من عند الله، لكن (قل) هذه هي المحنة؛ لأن الله يقول: ( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ )[الأعراف:158]، وهل الرجل يقول لنفسه: (قل)؟ ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ )[آل عمران:64]، هل يقول: أنا أقول: قل يا أهل الكتاب، أو ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ )[الإخلاص:1]، ( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ )[الكافرون:1]، مستحيل أن يكون هذا كلامه ويقول: (قل)؟
إذاً: فانفضوا خزايا نادمين، قالوا: مستحيل أن ننقص كلمة من القرآن، وذلك لحفظ الله له.
إذاً: ( لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ )[الأنعام:115]، من أراد إغناءه ما تستطيع أن تفقره، من أراد إسعاده فلن تستطيع إشقاءه، من أراد كماله فلن تستطيع أنت هبوطه ونقصانه، ( وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ )[الأنعام:115] لأقوال عباده، ( الْعَلِيمُ )[الأنعام:115] بأعمالهم، لا يقولن قائل كلمة أو بعض كلمة إلا وقد علمها الله عز وجل أولاً، سمع صوته وعلم مقاله، فاحذر يا عبد الله -إذاً- أن تقول الباطل أو تنطق بغير الحق، ( وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )[الأنعام:115].
تفسير قوله تعالى: (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله...)
ثم قال تعالى: ( وَإِنْ تُطِعْ )[الأنعام:116] يا رسولنا.. أيها المبلغ عنا.. يا محمد صلى الله عليه وسلم! ( وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ )[الأنعام:116] وإلى الآن، وإن تطع أكثر من في الأرض، فتسمع منهم ما يقولون، وتنفذ ما يأمرون، أو تترك ما ينهون، إن تطعهم ضللت وما اهتديت أبداً، بل يضلونك عن سبيل الله، تأملتهم هذه أم لا؟ أنت الآن في ديار المسلمين، إن تطع أكثر أهل المدينة والله ما اهتديت، ولن تهتدي إلى الخير، بل يشردونك وينفرونك ويضللونك، ( وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ )[الأنعام:116]، ما السبب في ذلك؟ قال: ( إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ )[الأنعام:116]، فلهذا لا يحل أن نتبع غير أولي البصائر والنهى، لا نتبع غير أهل العلم والمعرفة، أما أن نتبع كل من يقول وينعق ونجري وراءه فوالله ما اهتدينا، ( إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ )[الأنعام:116]، فالذي ما عنده يقينيات ولا أنوار تلوح ولا ثقة فيما يروي عن ربه كيف تهتدي معه وهو يقول بالخرص والظن والشك والارتياب؟ فلهذا -يا رسولنا- اثبت على الوحي الذي ينزل إليك، ولا تقبل آراء الناس واتجاهاتهم وما يسولون وما يقولون، وهكذا كل داعٍ إلى الله في القرية في أسرته، لو أطاع أخبار امرأته وبناته لا يستقيم، كل واحد يقول له كلمة، ( وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ )[الأنعام:116]، لأن أكثر من في الأرض جهلاء، ضلال عماة، لا يعرفون الطريق إلى الله، أليس كذلك؟ بلى، وما هي نسبة العالمين بالله والعارفين؟ ليست نسبة واحد إلى المليون.
(وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ )[الأنعام:116]، هل تعرفون سبيل الله -هداكم الله إليه- ما هو؟
إنه الصراط المستقيم، أما عندكم صورة منه؟ موجودة: أوامر عن اليمين، ونواه عن الشمال، وامش أنت مستقيماً حتى تقرع باب دار السلام، فإن ملت هنا إلى المنهيات وهبطت، أو ملت إلى ترك الأوامر والواجبات واعتزلت فوالله لن تصل، أتعرفون صراط الله أم لا؟ إنه الصراط المستقيم الذي ليس فيه اعوجاج، كما قلت لكم غير ما مرة: أوامر عن اليمين، نواه عن الشمال، فولاية الله تعالى تمثل هذا، أي: محاب ومكاره.
(إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ )[الأنعام:116]، إي: وما هم إلا يظنون ويخرصون، والخرص مأخوذ من خرص الفلاح حين يدخل البستان فيخرص بالتخمين: كم صاعاً في هذه، كم مداً في هذه النخلة. يقول ذلك بالخرص، كذلك الذي يقول بدون علم من الله ورسوله: هذا حلال، هذا حرام، هذا يجوز هذا كذا؛ فهو كالخراصين، يصيب في واحدة ويخطئ في عشر، فلا بد من العلم بمحاب الله ومكارهه.
تفسير قوله تعالى: (إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين)
ثم قال تعالى: ( إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ )[الأنعام:117]، دعهم يقولوا ما شاءوا أن يقولوا، فربك -يا رسولنا- أعلم بمن يضل عن سبيله وأعلم بالمهتدين، والضال عن السبيل: هو الذي يخطئ الطريق، لا أمر ولا نهي، كالكفار كلهم، ولهذا رسمت في صورة في رسالة ستطبع خطاً مستقيماً في الصفحة، وعن يمينه وعن شماله الأوامر والنواهي، فالذين كفروا خرجوا خروجاً كاملاً عن الطريق، فتحطموا وتمزقوا ثم استقرت حالهم، فما بقي من يأسف ولا يكرب، الزنا عندهم حلال، الربا حلال، القتل حلال، والذين يخرجون من جهة ويعودون من أخرى يبقون في حيرتهم حتى يعودوا إلى الصراط بكاملهم، أو ينفصلوا فيتحطموا. وهنا تبجح الضلال والجهال وقالوا: الكفار ليس فيهم خلاف، بل عندهم استقرار في بلادهم، ونحن لماذا في اضطراب؟ فقلنا لهم: ما عرفتم لماذا؟ الكفار خرجوا عن طريق الله نهائياً وسقطوا فتألموا ثم سكنوا، فالزنا حلال، الربا حلال، لا عيب، لا حرام، لا باطل، ما هناك صراع، أما المسلمون فما انفصلوا عن الإسلام ولا قبلوه كاملاً، فهم في اضطرابهم وحيرتهم، إما أن يعودوا إلى الطريق السوي فيكملوا ويسعدوا ويهدءوا، وإما أن ينفصلوا نهائياً فيهلكوا ويهدءوا ويسكنوا بعد ذلك، إلا أننا نرضى بهم حيارى مرتفعين من جهة وهابطين من أخرى أحسن من الانفصال الكلي، أليس كذلك؟
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

هداية الآيات
والآن نكتفي بهداية الآيات، هذه الآيات تحمل هداية، تهدي إلى ماذا؟ إلى الوليمة في البستان الفلاني! تهدي إلى أي شيء؟ إلى رضا الله وجواره في الملكوت الأعلى، وذلك بتزكية النفس وتطهيرها بهذه العبادات الإلهية، وبذلك تصل إلى مستواها وتنزل بدار السلام. إذاً: كل آية لها هداية، كل آية في القرآن من ستة آلاف ومائتين وست وثلاثين آية تدل دلالة قطعية على أنه لا إله إلا الله محمد رسول الله، ولن يستطيع ذو عقل أن ينقضها، وبينا ذلك مرات، ذلك أن هذه الآية من أنزلها؟ إنه الله تعالى، وهل هناك من يقول: أمي أو أبي؟ فمن أين جاءت؟ من الله، آمنت بالله منزلها، آمنت بجلاله وكماله، لا إله إلا هو. وعلى من نزلت هذه الآية؟ الذي نزلت عليه لن يكون إلا رسول الله، مستحيل أن يكون غير رسوله، كل آية تقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، على علم يقيني.
قال: [ أولاً: حرمة وبطلان التحاكم إلى غير الوحي الإلهي ]، ( أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا )[الأنعام:114]، دل هذا على أنه لا يحل أن نتحاكم إلى غير كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
[ ثانياً: تقرير صحة الدعوة الإسلامية ]، الدعوة الإسلامية: دعوة الناس إلى الله ليعبد وحده ويسعد العابدون، هذه الدعوة صحتها ثبتت [بأمرين: الأول: القرآن الكريم. الثاني: شهادة أهل الكتاب ممن أسلموا كـعبد الله بن سلام القرظي وأصحمة النجاشي المسيحي وغيرهم ]، فهمتم هذا؟ الدعوة الإسلامية ثبتت بماذا؟ بالقرآن الكريم، وبإيمان أهل الكتاب، من أين أخذنا هذا؟ من قوله تعالى: ( وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ )[الأنعام:114].
[ثالثاً: ميزة القرآن الكريم: أن أخباره كلها صدق وأحكامه كلها عدل ]، هذه ميزة القرآن، هذا ما امتاز به: كل أخباره صدق وكل أحكامه عدل، لا حيف ولا ظلم ولا جور.
[ رابعاً: وعود الله تعالى لا تتخلف أبداً ] إذا وعد الله، ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا )[النور:55]، هل تم هذا لرسول الله وأصحابه أم لا؟ والآن والله ليتمنه لأية أمة في بلاد العالم في الشرق أو الغرب إن أقبلت على الله في صدق، وآمنت الإيمان الحق وعملت الصالحات، والله إن فعلت لمكن الله لها في الأرض ولسادت وحكمت، ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ )[النور:55]، بم وعدهم؟ ( لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا )[النور:55].
[ خامساً: اتباع أكثر الناس يؤدي إلى الضلال ] كما بينت لكم؛ حتى أهل المدينة [ فلذا لا يتبع إلا أهل العلم الراسخون فيه ]، ولا يتبع ولا يمشى وراء أحد إلا أهل العلم، [ لقوله تعالى: ( وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ )[يونس:89] ].

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

ابوالوليد المسلم
13-10-2021, 03:36 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانعام
الحلقة (396)
تفسير سورة الأنعام (29)


مما أوحى به شياطين الجن إلى إخوانهم من شياطين الإنس أن قالوا للرسول ولمن معه من المؤمنين: كيف تأكلون ما تقتلون وتذرون ما يقتله الله، فنبه الله عباده المؤمنين إلى أن شياطين الجن يوحون إلى الأخباث من الإنس الذين استجابوا لهم بعبادة الأوثان مثل هذه الأقوال ليزعزعوا إيمان الصادقين ويشوشوا عليهم، ثم أمرهم سبحانه بأن يأكلوا مما ذكر اسم الله عليه؛ لأنه حلال وليس مما حرمه الله على عباده.
تفسير قوله تعالى: (فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة واللتين بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
والسورة ما زالت سورة الأنعام المباركة المكية الميمونة، فلنستمع إلى تلاوة الآيات مجودة مرتلة، ثم نشرع بإذن الله في شرحها وبيان مراد الله تعالى منها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ * وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ * وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ * وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ )[الأنعام:118-121].
مشروعية الأكل مما ذكر اسم الله تعالى عليه وحرمة الأكل من غيره من الذبائح
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: ( فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ )[الأنعام:118]، هذا أمر الله لنا -معاشر المؤمنين والمؤمنات- أن نأكل من الذبائح مما أذن الله في أكله، وهي الأنعام ومن غير الأنعام كالطير -مثلاً- أو الدجاج، وسائر ما أذن الله في أكله، وعند الذبح وعند التذكية يجب أن يقول من يذكي ومن يذبح: باسم الله، فإذا ذكر اسم الله بهذا اللفظ: (باسم الله) حل أكل ذلك الذبيح، وأصبح من الطيب الحلال، فإن هو لم يذكر اسم الله عليه، سواء ذكر اسم غير الله كالأصنام والأحجار، أو الأنبياء والصالحين، أو لم يذكر اسم الله ولا اسم غيره؛ لم يحل الأكل؛ إذ هذه الذبيحة لولا إذنه تعالى بذلك ما جاز أن تذبح هذا الحيوان وتقطعه عن الحياة، فأنت تقول: باسم الله أذبحه.فمن هنا لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يذكي شاة أو بعيراً أو بقرة أو طائراً من الطير كالدجاج وسائر أصنافه حتى يقول: باسم الله، فإن نسي أن يقول: باسم الله وهو مؤمن موحد لا يشرك بالله جاز أكله؛ لأن الله رفع عن هذه الأمة الخطأ والنسيان، أما أن يقول: لا أقول اسم الله ولا أذكره؛ فلا يصح أكله أبداً ولا يجوز.
هنا بعض الشياطين من المجوس واليهود والمشركين قالوا: لماذا الذي يقتله الله جل جلاله ويميته تحرمونه ولا تأكلونه وتقولون: ميتة، والذي تقتله أنت يا آدمي تقول: هذا حلال؟ وهذه من وسوسة الشيطان وإملائه لأوليائه المتفق معهم على الإضلال والإفساد في الأرض.
إذاً: فمن هنا أزال الله تعالى من نفوس المؤمنين والمؤمنات هذا الوهم وقال: ( فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ )[الأنعام:118]، آمنا بالله وبلقائه وكتابه ورسوله. إذاً: فلا نصغي ولا نسمع إلى وساوس الشياطين، يقال: كيف الذي تقتلونه أنتم تقولون: هو حلال وتأكلونه، والذي يقتله الله ويميته تقولون: هو حرام؟ توجد نفوس صغيرة تصغي إلى مثل هذا، فأبطل الله هذا وانتزعه من ألسنتهم قبل أن يصل إلى قلوب المؤمنين، وهي آية محكمة إلى يوم القيامة، ( فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ )[الأنعام:118]، وآيات الله بينت لنا الحلال والحرام، في سورة النحل، في سورة المائدة، وإن كانت سورة المائدة ما نزلت بعد.
تفسير قوله تعالى: (وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم ...)
وقوله تعالى: ( وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ )[الأنعام:119]، جاء من سورة النحل بيان ذلك في آخر السورة، وفي سورة المائدة: ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ ... )[المائدة:3]، وفي قوله تعالى في سورة البقرة: ( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )[البقرة:173].إذاً: ( وَمَا لَكُمْ )[الأنعام:119]، أي شيء يمنعكم ( أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ )[الأنعام:119] ربكم وبين ( مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ )[الأنعام:119] في النحل -كما قلنا- وفي غيرها، ( إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ )[الأنعام:119]، فالذي يخاف على نفسه الموت له أن يأكل مما حرم الله القدر الذي يحفظ به حياته، لا أن يأكل ليشبع ويتلذذ بالميتة المحرمة أو لحم الخنزير أو الدم، وإنما يأكل بقدر الحاجة، إذا أكل ما يسد رمقه ويقيم صلبه يكتفي بذلك، لا يتلذذ ويشبع منه، ( إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ )[الأنعام:119].
معنى قوله تعالى: (وإن كثيراً ليضلون بأهوائهم بغير علم إن ربك هو أعلم بالمعتدين)
ثم قال تعالى لهم: ( وَإِنَّ كَثِيرًا )[الأنعام:119]، أي: من الشياطين من الإنس والجن، ( لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ )[الأنعام:119]، يفتون ويقولون: هذا حلال وهذا حرام، بدون علم عن الله ولا عن رسوله، فأكثر الناس هكذا، وخاصة أهل الكفر والشرك.(وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ )[الأنعام:119]، وسوف يجزيهم مقابل اعتدائهم؛ لأن التحريم والتحليل حق الله فقط، التحريم للمأكل، للمشرب، للملبس، للمسكن، للمركب، للمنكح، التحريم والتحليل من حق الله تعالى وحده، ولماذا؟ لأن العبيد عبيده، وهو القائم على حياتهم أولاً، وثانياً: هو الذي يعلم ما يضر بأنفسهم وما ينفع، وهل غير الله يعرف هذا؟
فهو تعالى -أولاً- الملك ملكه، يأذن في كذا ولا يأذن في كذا، فهل تعترض عليه؟
ثانياً: هو إذا أحل يعلم أن هذا الحلال ينفع الآكل، وإذا حرم يعلم أن هذا الحرام يضر الآكل؛ لأنه ولي المؤمنين ورب العالمين، فلهذا ندد بالذين يضلون الناس حيث يفتونهم بدون علم، وهم في ذلك معتدون، وسوف يلقون جزاءهم من الله، جزاء اعتداءهم، اعتدوا على ماذا؟ على الله، حيث أخذوا يشرعون لعباده، فأي اعتداء أعظم من هذا؟ فلهذا توعدهم بقوله: ( إِنَّ رَبَّكَ )[الأنعام:119] أيها المستمع ( هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ )[الأنعام:119]، وسوف يجزيهم مقابل اعتدائهم؛ إذ أحلوا ما حرم الله وحرموا ما أحل الله، فلنحذر هذا في كل شيء، لا نفتي إلا بعلم، وإلا نقع في العدوان.

يتبع

ابوالوليد المسلم
13-10-2021, 03:37 AM
تفسير قوله تعالى: (وذروا ظاهر الإثم وباطنه ...)
ثم قال تعالى: ( وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ )[الأنعام:120]، هذا الخطاب لنا، فاسمعوه: ( وَذَرُوا )[الأنعام:120]، أي: واتركوا أيها المؤمنون ( ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ )[الأنعام:120]، (الإِثْمِ): كل فاسد قبيح حرمه الله عز وجل، سواء كان قولاً أو اعتقاداً أو عملاً، كل فاسد قبيح ظاهر فهو إثم، وقد يكون الإثم ظاهراً علناً وقد يكون باطناً سرياً وخفياً، والكل ممنوع. كان العرب في الجاهلية يمنعون الزنا العلني ويبيحون الزنا السري وهو اتخاذ صديقة أو خليلة يزني بها، ولا يزني علنياً إلا العبيد، لكن الآية جاءت بأعم من هذا، فالآثام والذنوب منها ما هو ظاهر، ومنها ما هو باطن، فلا تقل: أنا لا أفعل ذنباً يراه الناس، وأما ما كان خفياً ولا يطلع عليه أحد إلا الله فهذا لا بأس به! فهذه الآية عامة في كل إثم.
(وَذَرُوا )[الأنعام:120]، أي: اتركوا. ( ظَاهِرَ الإِثْمِ )[الأنعام:120]، أي: ما ظهر من الإثم. ( وَبَاطِنَهُ )[الأنعام:120]، أي: ما خفي؛ لان الظاهر فوق والباطن أسفل، كثيابنا من فوق وفي الباطن، كذلك الكلمة الباطلة بالكذبة والغيبة والنميمة هذا إثم ظاهر، والغش والخداع والبغض في باطن نفسك هذا إثم باطن، فهذه الآية تحرم الإثم، وهو كل ما يضر من قبيح وفاسد، وكيف نعرف هذا؟ الجواب: كل ما حرم الله عز وجل من قول أو اعتقاد أو عمل فهو -والله- الإثم، وسواء كان ظاهراً أو باطناً، أمرنا بهذا من أجل أن تبقى أنفسنا طاهرة زكية نقية، فإذا جاء ملك الموت يسلبها وينتزعها كانت كأرواح الملائكة، فهذه الروح يعرج بها إلى الملكوت الأعلى، وتبقى في الجنة إلى قيام الساعة، فإن كانت خبيثة منتنة بالآثام والذنوب فإنها ترفع ولكن لا تفتح لها أبواب السماء، وهذا قطعي؛ لقول الله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ )[الأعراف:40]، هذا مستحيل، البعير لا يدخل في عين الإبرة، وصاحب النفس الخبيثة بأوضار الذنوب وفعلها روحه لا تفتح لها أبواب السماء، فلهذا أمرنا سيدنا ومولانا وولينا بأن نترك ما ظهر من الإثم وما بطن، ولا نستصغر إثماً أو نحتقر آخر.
معنى قوله تعالى: (إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون)
ثم قال تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ )[الأنعام:120] من الذنوب والآثام، لما حرم علينا إتيان الإثم ظاهراً أو باطناً وأوجب تركه قال: واعلموا إذاً: ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ )[الأنعام:120] يوم القيامة، وقد يجزوهم في الدنيا بما يشاء من البلايا والرزايا، ( بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ )[الأنعام:120]، أي: يأثمون ويكذبون ويقارفون من الذنوب والآثام، فلهذا المؤمنون العالمون لا يأتون إثماً أبداً، لا يقدرون عليه.(إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ )[الأنعام:120]، والكسب معروف بالجوارح، بالسمع، بالبصر، باللسان، باليد، بالفرج، بالرجل، هؤلاء يقول تعالى عنهم: ( سَيُجْزَوْنَ )[الأنعام:120]، من يجزيهم؟ الله جل جلاله، الملك الحق المبين، يجزيهم بماذا؟ ( بِمَا كَانُوا )[الأنعام:120] يفترون، ( بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ )[الأنعام:120]، والاقتراف: هو ارتكاب الذنوب والآثام.
تفسير قوله تعالى: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق...)
صور التسمية على الذبيحة وأحكامها
ثم قال تعالى مخاطباً المؤمنين: ( وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ )[الأنعام:121]، أي: من الذي لم يذكر اسم الله عليه، ( وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ )[الأنعام:121]، فلا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يأكل ذبيحة ذكر عليها اسم ولي أو نبي أو صنم أو حجر أو جان؛ لأنهم يذبحون للجان. ثانياً: لو قال هذه الذبيحة لسيدي فلان، وعند الذبح قال: باسم الله؛ فهي -والله- محرمة ولا تؤكل؛ لأنه ذبحها له، أما الاسم فشيء ثان، فهنا حالتان:
الأولى: أن يقول: باسم اللات، أو باسم روح الله، أو باسم كذا، فهل هذه يجوز أكلها؟ الجواب: والله ما يجوز بالإجماع، لماذا؟ لأنه تعبد بها غير الله، تقرب بها إلى كائن سوى الله، فهو -إذاً- يطلب مصلحته أو فائدته من هذا الذي ذبح له، فهو إذاً عبده حيث أقبل عليه بقلبه ووجهه وتقرب إليه وتزلف بهذه الذبيحة.
الثانية: أن يقول: هذه شاة سيدي فلان، أو هذه الشاة لكذا، ثم عند الذبح يقول: باسم الله، فكذلك لا يحل أكلها، وإن قلت: لم وقد سمى الله؟ قلنا: هل ذبح لله؟ هل تعبد الله بذلك وتملق إليه وتزلف؟ هو قال: هذه الشاة لفلان يتقرب إليه ويتزلف ويتوسل.
فمرة أخرى أقول: لا فرق بين أن يقول: باسم اللات، أو باسم روح الله، أو باسم مريم ويذبح، حتى وإن قال: أنا أردت الله.
الثانية: ألا يقول: باسم فلان، يقول: باسم الله، وهو ما ذبحها إلا ليتقرب إلى فلان، ولا تقل: يأتينا ضيف فنقول: يا ولدي! اذبح الشاة الفلانية لضيفنا؛ فهذا ليس من باب التعبد والتقرب، إكرام الضيف واجب، وقد نزل بنا، فباسم الله نذبح ونكرم ضيفنا إيماناً بالله ورسوله، وطاعة لله ورسوله، كذلك الشاة التي هي شاة لحم يذبحها الجزار لماذا؟ لتؤكل، في المجزرة يقول: باسم الله، ولكن هذه يذبحها ليأكلها الناس، فهل هذا يعتبر كالذي يذبح لغير الله؟
فتلخص من هذا أن مسائل الذبح ثلاث:
الأولى: لا يحل أكل ما ذكر اسم غير الله عليه قطعاً بلا خلاف.
الثانية: أن يذكر اسم الله وهو لا يريد بذلك وجه الله، يريد التقرب إلى نبي أو ولي أو جان كما يذبحون للجن، فهي لا تؤكل وإن ذكر اسم الله.
والثالثة: أن يذبح باسم الله ليكرم عبداً من عباد الله، أو ليكرم نفسه وأسرته، أو جزار يذبح الذبائح ويبيعها للمؤمنين ليأكلوها أو غير المؤمنين، هذه الذبائح أذن الله فيها لإطعام الناس، فما ذبحها تقرباً إلى فلان أو فلان ليشفي مرضه أو يدفع عنه الألم والخوف.
(وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ )[الأنعام:121]، أي: خروج عن طاعة الله عز وجل، الذي يأكل من شاة أو من لحم لم يذكر اسم الله عليه فسق، خرج عن طاعة الله عز وجل، وهو بذلك مشرك، ولفظ الفسق يعم كل خروج عن طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ( وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ )[الأنعام:121]، فيجب أن تتحاشى ولا تأكل مما لم يذكر اسم الله عليه.
وهنا صورة رابعة للذبيحة: أن تكون حراماً، كما إذا سرقت وسمى عليها السارق فقال: باسم الله، هل يجوز أن تأكل من السرقة؟ ما يجوز، هذه الرابعة، هو سرق شاة أو اختطفها وأخذها بالقوة، وذبحها وقال: باسم الله، هل يجوز لمن علم ذلك أن يأكل؟ لا يجوز لأنه لفسق.
معنى قوله تعالى: (وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون)
(وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ )[الأنعام:121]، هذا الذي ذكرناه أولاً هو سبب نزول الآية، كما قلت لكم: اليهود والمجوس كانوا يتكلمون مع العرب وقالوا لهم: هذا الذي يزعم أنه كذا انظروا إلى عجيب فعله: ما يقتله بنفسه حلال، وما يقتله ربه بسكين من ذهب يقول عنه: حرام! فتأثر بهذا بعض الضعفاء من المؤمنين، فنزلت الآية تبين هذه الحقيقة، فيقول تعالى: ( وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ )[الأنعام:121]، شياطين الجن يوحون إلى شياطين الإنس بالوسوسة، ويلقي في روعه كلمة ويقولها، هذا المعنى من أين أتى؟ لا بد أنه من الشيطان، يقول: كيف الذي يذبحه الله بسكين من ذهب نقول عنه: حرام، والذي يذبحه هو بحديدة يقول عنه: حلال؟! فالعوام يتأثرون بهذا.(وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ )[الأنعام:121]، والله! ( وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ )[الأنعام:121]، وحرمتم ما أحل الله فقد أشركتم؛ لأنكم أطعتم الشيطان وعبدتموه، وطاعة الشيطان عبادته، أليس الشيطان هو الذي زين هذا وأوحاه إلى أوليائه؟ فإذا استجبت أنت وحرمت ما أحل الله فمعنى هذا أنك عبدت الشيطان، ويكفي قول الله تعالى: ( إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ )[الأنعام:121]، وهكذا لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يذكي بغير اسم الله عز وجل، وكل لحم لم يذكر عليه اسم الله لا يحل أكله أبداً، وأسوأ من ذلك إذا ذبح لغير الله عز وجل، وتقرب به إلى المخلوقات من الجن والإنس، فإن ذلك شرك وأي شرك هو، والله يقول: ( وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ )[الأنعام:121].
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

معنى الآيات
اسمعوا الآيات في الشرح لتزدادوا علماً بإذن الله ويقيناً. يقول: [ مما أوحى به شياطين الجن إلى إخوانهم من شياطين الإنس أن قالوا للرسول والمؤمنين: كيف تأكلون ما تقتلونه أنتم وتمتنعون عن أكل ما يقتله الله؟ ] ويبدون هذا الكلام وكأنه معقول، وهذا من وحي الشيطان [ فأنزل الله تعالى قوله: ( فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ )[الأنعام:118]، فأمر المؤمنين بعدم الاستجابة لما يقوله المشركون، وقال: ( وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ )[الأنعام:119]، أي: أي شيء يمنعكم من الأكل مما ذكر اسم الله عليه؟ ( وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ )[الأنعام:119]، أي: بين لكم غاية التبيين، ( مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ )[الأنعام:119] من المطاعم، ( إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ )[الأنعام:119]، أي: ألجأتكم الضرورة إليه، كمن خاف على نفسه الهلاك من شدة الجوع فإنه يأكل مما حرم في حال الاختيار.
ثم أعلمهم أن كثيراً من الناس يضلون غيرهم بأهوائهم بغير علم فيحلون ويحرمون بدون علم، وهم في ذلك ظلمة معتدون؛ لأن التحريم والتحليل من حق الرب تعالى لا من حق أي أحد من الناس، وتوعدهم بما دل عليه قوله: ( إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ )[الأنعام:119]، ولازمه أنه سيجازيهم باعتدائهم وظلمهم بما يستحقون من العذاب على اعتدائهم على حق الله تعالى في التشريع بالتحليل والتحريم.
وقوله تعالى في الآية الثالثة: ( وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ )[الأنعام:120]، يأمر تعالى عباده المؤمنين بترك ظاهر الإثم كالزنا العلني وسائر المعاصي، وباطن الإثم كالزنا السري وسائر الذنوب الخفية، وهو شامل لأعمال القلوب وهي باطنة وأعمال الجوارح وهي ظاهرة، لأن الإثم كل ضار فاسد قبيح، كالشرك والزنا وغيرهما من سائر المحرمات.
ثم توعد الذين لا يمتثلون أمره تعالى بترك ظاهر الإثم وباطنه بقوله: ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ )[الأنعام:120]، أي: سيجزيهم يوم القيامة بما اكتسبوه من الذنوب والآثام، ولا ينجو إلا من تاب منهم وصحت توبته.
وفي الآية الأخيرة في هذا السياق يقول تعالى ناهياً عباده عن الأكل مما لم يذكر اسم الله تعالى عليه من ذبائح المشركين والمجوس فقال تعالى: ( وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ )[الأنعام:121]، وأخبر أن الأكل مما لم يذكر اسم الله تعالى عليه وذبائح المشركين والمجوس] هذا الأكل هو [فسق، أي: خروج عن طاعة الرب تعالى، وهو مقتضٍ للكفر لما فيه من الرضا بذكر اسم الآلهة التي تعبد من دون الله تعالى.
ثم أخبرهم تعالى بأن الشياطين -وهم المردة من الجن- يوحون إلى الأخباث من الإنس من أوليائهم الذين استجابوا لهم في عبادة الأوثان، يوحون إليهم بمثل قولهم: كيف تحرمون ما قتل الله وتحلون ما قتلتم أنتم؟ ليجادلوكم بذلك، ويحذر تعالى المؤمنين من طاعتهم وقبول وسواسهم فيقول: ( وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ )[الأنعام:121] فأكلتم ذبائحهم أو تركتم أكل ما ذبحتم أنتم وقد ذكرتم عليه اسم الله، ( إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ )[الأنعام:121]، لأنكم استبحتم لما تأمر به الشياطين تاركين ما يأمر به رب العالمين ]، وذلك هو الشرك والعياذ بالله تعالى.
هداية الآيات
لهذه الآيات هدايات، فتأملوا.[ أولاً: حل الأكل من ذبائح المسلمين ]، من أين أخذنا هذا؟ من قوله تعالى: ( فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ )[الأنعام:118].
[ ثانياً: وجوب ذكر اسم الله على بهيمة الأنعام عند تذكيتها ]، وليس هذا خاصاً بالبقر والغنم، كل ما أذن في أكله من الطير وأنواعه لا بد من ذكر اسم الله عز وجل، إلا في حال الصيد فإنك تقول: باسم الله وترمي سهمك.
[ ثالثاً: حرمة اتباع الأهواء ووجوب اتباع العلماء ]، (حرمة اتباع الأهواء) أي: أصحاب الأهواء، (ووجوب اتباع العلماء)، أي: العالمون بما أحل الله وبما حرم.
[ رابعاً: وجوب ترك الإثم ظاهراً كان أو باطناً، وسواء كان من أعمال القلوب أو أعمال الجوارح ]، ( وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ )[الأنعام:120].
[ خامساً: حرمة الأكل من ذبائح المشركين والمجوس والملاحدة البلاشفة الشيوعيين ]، بخلاف ذبائح اليهود والنصارى، فقد أباح الله لنا أن نأكل طعام أهل الكتاب، أما غير الكتابي من المشركين والمجوس والذين لا دين لهم من الملاحدة فلا تحل ذبائحهم أبداً، وإن ذبحوها على أحسن صورة.
[ سادساً: اعتقاد حل طاعة الشياطين شرك والعياذ بالله تعالى ]، من يعتقد أن الشياطين يطاعون، وهذا يتناول الذين يذبحون للجن، عبدوا الجن بالذبح لهم.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

ابوالوليد المسلم
13-10-2021, 03:38 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانعام
الحلقة (397)
تفسير سورة الأنعام (30)


الهداية إلى طريق الرشاد حياة ونجاة، والبعد والإعراض عنها موت وهلاك، وقد امتن الله عز وجل على عباده المؤمنين هدايته سبحانه لهم، وإنقاذهم من ظلام الكفر إلى نور الإيمان، وتفضله عليهم بأن لم يجعلهم كالمجرمين الذين ينشرون الباطل، وينفثون الشر والفساد، فيعرضون أنفسهم ومجتمعهم لسخط الله عز وجل، ويستحقون عقابه الذي توعد به أمثالهم.
تفسير قوله تعالى: (أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله، فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس إن شاء الله كتاب الله؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله -يعني: المساجد- يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن مع سورة الأنعام المكية المباركة الميمونة، تلكم السورة التي زفت بسبعين ألف ملك ولهم زجل وتسبيح، تلكم السورة التي تقرر المبادئ العظمى:
أولاً: توحيد الله عز وجل، فلا رب غيره ولا إله سواه.
ثانياً: تقرير النبوة المحمدية وإثبات الرسالة له صلى الله عليه وسلم.
ثالثاً: تقرير مبدأ البعث والنشور والجزاء على الكسب في هذه الدنيا، إما بجنات النعيم، وإما بالنار ذات العذاب الأليم.
هذه القواعد التي تقررها سورة الأنعام؛ فلهذا قلت منذ حوالي أربعين سنة: لو أن هذه السورة فرضت فرضاً حفظاً وفهماً ودراسة على طلاب العلم، سواء كانوا في مدارس صناعة، أو مدارس تقنية، أو مدارس سياسية، فضلاً عن مدارس العلم والكتاب والسنة؛ لأنها تؤكد هذا المعتقد العظيم الذي ما خلا منه قلب إلا ومات صاحبه، وما أصبح له معنى في الوجود، ولكن:
لقد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي.
هكذا قال الحكماء، ها نحن مع هذه الآيات الثلاث، هيا نسمع تلاوتها مجودة مرتلة من أحد الأبناء، ثم نأخذ إن شاء الله في شرحها وبيان ما فيها من هدى الله عز وجل، فتفضل أبا بكر .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ )[الأنعام:122-124].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: ( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا )[الأنعام:122]، من يسوي بينهما؟
المراد بالموت في الآية الكريمة
والمراد بالموت هنا أمران: الأول: موت الكفر. والثاني: موت الجهل. فالكافر ميت، والجاهل مثله، إلا أن من آمن حق الإيمان لم يصبح يسمي جاهلاً، وإن شئتم حلفت لكم من الآن أن من آمن الإيمان المطلوب لن يعيش جاهلاً أبداً، بل يتعلم في أسبوعه الذي دخل فيه في الإيمان أو في أكثر أو أقل وتزول موتة الجهل عنه، وإن رأيت مؤمناً جاهلاً فما هو بالمؤمن الحقيقي الكامل الإيمان، لو آمن حق الإيمان بالله وبعظمته وجلاله، وبقدرته التي بها كل شيء؛ والله لطلب محبته ولطلب معرفته، ولمشى شرقاً وغرباً يسأل: من يعرفني به حتى أعرفه؟ ما الذي يحبه ربي مني؟ ما الذي يكره مني؟ ليفعل المحبوب ويترك المكروه، وبذلك والله لا يبقى جاهلاً، هذه حقيقة يعيها أهل الوعي، فالميت هو الكافر والجاهل، الكافر ميت لا يسمع ولا يبصر ولا يعي ولا يفهم، والبرهنة التي نكررها لينقلها أهل البصائر: هل إذا كان تحت رايتنا ذميون من أهل الكتاب يعيشون معنا، هل نأمرهم بأن يصلوا؟ هل نأمرهم بأن يدفعوا الزكاة؟ هل نأمرهم بأن يصوموا معنا؟ بأن يحجوا معنا؟ بأن يجاهدوا معنا؟ الجواب: لا والله.. لا والله.. لا والله. لماذا؟ ( أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ )[النحل:21]، هذه برهنة كالشمس في وضوحها، والمؤمن بالتقليد والنسبة القبلية والوطنية وهو جاهل ويعيش السنين الطويلة ما هو بالمؤمن الحق، والله لو آمن حق الإيمان لطلب العلم وعرف الله عز وجل، وعرف ما يحب وما يكره من الاعتقادات، من الأقوال والأعمال، والصفات والذوات؛ ليعيش على محاب الله لا يفارقها أبداً، ويبتعد كل البعد عن مكاره الله ويجتنبها، ولا تلمه؛ لأنه عرف، آمن وأيقن، وهذا قول ربنا عز وجل: ( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا )[الأنعام:122]، وفرق بين الميّت والميت عند أهل العلم: الميّت: فيه الروح، والميْت مقطوع الروح نهائياً.
(أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ )[الأنعام:122]، كـعمر بن الخطاب رضي الله عنه، وبلال وياسر وعمار ، أما كانوا كفاراً مشركين ميتين؟ من أحياهم؟ الله جل جلاله، وانظر إلى ياسر وهو يعذب بأيدي الماكرين المجرمين، يعذب بأنواع العذاب في مكة، والرسول صلى الله عليه وسلم يمر به وهو لا يقدر على أن يزيل ذلك المنكر أو يغيره، فيقول: ( صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة ).
وبلال بن رباح ذاكم العبد الصالح ولي الله، مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه المدينة، يضرب بالسياط ويسحب على وجهه على الأرض الحارة أيام القيظ كهذه الأيام، ويقال له فقط: اذكر آلهتنا بخير نرفع العذاب عنك، اذكر محمداً بسوء. فلا يبرح أن يقول: أحد.. أحد.. أحد! هذا هو الإيمان، فهل أحياهم بعد ما كانوا أمواتاً؟ لا.
فعرفنا الآن يقيناً أن الكافر ميت، أن المجرم ميت، أن الفاسق ميت.
(أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ )[الأنعام:122]، ومن أحياه سوى الله؟ لا يقدر مخلوق على إحياء ميت أبداً، لو اجتعت البشرية كلها بكل أطبائهم على إيحاء ميت فهل سيحيونه؟
كذلك الجاهل، الكافر، المشرك، الهالك، لو تجتمع البشرية كلها على إحيائه بالإيمان ما قدرت ولن يحيا، كم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتجه صوب الوليد بن المغيرة وأبي جهل وفلان وفلان يدعوهم ويقول الكلم الطيب، والتوجيه السليم الرشيد، ولا يعونه ولا يفهمونه، ويقولون: لو كان هذا الدين حقاً لكان نزل علينا، لماذا ينزل على هذا الأمي الذي نحن أكبر منه سناً وأكثر منه مالاً؟ هكذا كان الوليد يقول.

يتبع

ابوالوليد المسلم
13-10-2021, 03:39 AM
نور العلم والمعرفة بالله تعالى وأثره في حياة المرء
(أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ )[الأنعام:122]، ما هذا النور؟ هل هو كهرباء؟ أو مصابيح وفوانيس؟ هذا النور نور العلم والإيمان، صاحب هذا النور يعيش خمسين سنة أو ستين سنة وقلما يقع في زلة ثم يمحوها الله عنه بإلهامه التوبة النصوح الصادقة ويبقى له نوره، أما الذي يتخبط كل يوم في المعاصي والذنوب فأين نوره؟ أو أن النور أصبح ليس له مفعول، ما يضيء الطريق، وما تعطلت سنن الله أبداً، ما زال النور هو النور.
إذاً: فذو النور يمشي -كما قلت لكم- ويعيش في القرية، في المدينة، في رأس الجبل، في السوق ولا تزل قدمه ولا يخرج عن طاعة ربه لا بأذية مؤمن ولا بتضليله ولا بغشه أو خداعه، ولا بارتكاب جريمة مما حرم الله على عباده، ما سبب ذلك؟ إنه النور.
وكثيراً ما أكرر القول وأقول: يا أهل قرية بني فلان! نسألكم بالله: من أتقاكم في القرية؟ والله لا يقولون إلا فلان الذي هو أعلمهم، من أفجركم في القرية؟ والله إنه لأجهلهم، أبعد هذا نشك في أن العلم نور؟ ولكن ما المراد من العلم؟ هل هو علم الأكل والشرب وغسل الثياب؟ العلم الذي يدور على معرفة الله عز وجل معرفة حقيقية يقينية تثمر له حبه في قلبه لمحابه كلها، وكرهه في قلبه لما يكرهه الله كله، هذا أولاً.
ثم تثمر له في قلبه أن يبحث عن تلك المحاب ويستقصي في السؤال، ويشرق ويغرب ليعرف ما يحب الله وما يكره، ولهذا مثل حي: من ذاك الفارسي الذي خرج من إيران وكان والده من عبدة النار وهو موقدها ومشعلها؟ من هذا الفارسي؟ إنه سلمان عليه الرضا والسلام، تنقل من بلد إلى بلد، وينظر في الأديان: في المسيحية، واليهودية، والمجوسية.. إلى أن انتهى إلى طيبة بهداية الله وتوفيقه وأسلم، إذاً: لما وقع في نفسه الإيمان أخذ يطلبه وسجن وعذب في طريقه مرات.
الإيمان روح لا حياة بدونها، فمن أراد أن يحيي أهل مدينة أو أهل قرية فليعلمهم الإيمان وليعلمهم محاب الله ومكارهه، فإذا تضلعوا في ذلك وتفقهوا فليبشر بأنهم أسلموا وآمنوا، وتهيئوا لسعادة الدنيا والآخرة، أما مع الجهل وضعف الإيمان فهيهات هيهات أن توجد أمة، حتى في القرية يصبحون كالأسرة الواحدة لا يكره بعضهم بعضاً ولا يؤذي بعضهم بعضاً، ويتقاسمون الخير، وذلك لجامعة الإيمان والعلم بالله عز وجل.
والضائعون يصيحون ويكتبون ويقولون، مع أن الطريق هذا هو، فادخل في قرية وعرفهم بالله، حببهم إليه حتى يهديهم ويصلحهم، وانظر إلى الكمال والنور الذي يتجلى لك في تلك القرية.
(أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ )[الأنعام:122]، أسألكم بالله: حين تنطفي المصابيح في الليل فتخرج فتجد الشوارع في ظلام دامس هل تكون كالذي يمشي قبل هذه الساعة في الأنوار؟ مستحيل، فأنت حينئذ قد تقع على حية، تقع في شوكة، تقع في كذا، وهو يمشي أمامه، فذو النور ذو العلم يعرف محاب الله ومكارهه، يعرف ما أحل الله وما حرم على بصيرة، فيأتي المحبوب ويترك المكروه فيسعد وينجو ويكمل، والآخر يتخبط.
معنى قوله تعالى: (كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون)
قال تعالى: ( كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )[الأنعام:122]، كهذا الذي سمعتم من الفرق بين العالم والجاهل، والحي والميت، فالعالم المؤمن في طريق الهداية والكمال والسعادة، والكافر والجاهل في طريق الضلال، يقول تعالى: هكذا زينا للكافرين ما كانوا يعملون، فالكفار الآن يشربون الخمور، يزنون، يكذبون، يفعلون الأعاجيب، هل يتألمون؟ يبكون؟ يتحسرون؟ يقع شيء من هذا؟ يتلذذون بالجريمة، يسخرون ويضحكون من المؤمنين، يستهزئون ويسخرون منهم، لم؟ لأنهم يمشون في الظلام، فمن جهة لا علم لهم، وهم من جهة أموات غير أحياء لكفرهم وظلمة جهلهم، هكذا زين للكافرين ما كانوا يعملون، فالكافر مزين له بوسائل سنن الله عز وجل، من أعرض عن الله تركه الله، وستهوته الشياطين، زينت له أفحش الفواحش وأقبح الأعمال وأسوأ السلوك، وهو يراه حسناً ويرفع رأسه إلى السماء، ومن أراد مثلاً قريباً فلينظر كيف كان الاشتراكيون بينكم -أيها العرب- يتبجحون! كيف كانت روسيا ترفع رأسها إلى السماء وتتحدى الله!
لكن ما أقبلنا على دراسة كتاب الله ولا اجتمعنا عليه في بيت الله ولا في بيوت عباد الله، فكيف نعلم، كيف نعرف، كيف نهتدي إذاً ونحن دائماً متأخرون إلى الوراء؟
(كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )[الأنعام:122]، لا تظن أن الكافر لما يسب أو يشتم أنه يتألم، إن المؤمن العالم لو وقع في زلة يبكي الدهر كاملاً، ويتأثر طول حياته؛ ولذلك لحياته ولنوره، أما الكافر فيغني بالكفر، ويتبجح به، هذه سنن الله عز وجل، فالحياة بيد من؟ بيد الله. والعلم بيد من؟ بيد الله. فمن أين نطلب الحياة والعلم؟ من الله، من صدق وطلب فاز وظفر، ومن كذب أو نافق وأعرض والله لا يؤمن ولا يعلم، ما هناك إلا باب الله عز وجل فقط.
(كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )[الأنعام:122]، زين للكافرين ما كانوا يعملونه من أقبح الأعمال وأسوئها، ماذا فعلوا بـعمار ؟ ماذا فعلوا بالمؤمنين؟ لو كانوا مؤمنين هل سيفعلون هكذا؟ والآن الجرائم التي ترتكب في الديار الجزائرية بالذبح والسلخ والقتل هل هذا يصدر عن إيمان أو عن علم؟ لا والذي لا إله غيره، لا يصدر إلا من أموات، هذه سنة الله، من تركها وأعرض عنها لن تخطئه، ولا بد أن يحل البلاء به، وتنزل المصائب بساحته، وييأس ويقنط ويصاب بالعذاب في الدنيا والآخرة، سنة الله لا تتبدل أبداً، الطعام يشبع، الماء يروي، النار تحرق، الحديد يقطع.. هل بطلت هذه السنن؟ وهل تعطلت فما أصبحت تعمل؟
كذلك الإعراض عن الله وعن معرفته ومحابه والطاعة له ولرسوله لن ينتج هذا الإعراض إلا الخسران الدائم في الدنيا والآخرة، ولن تملك قوة على الأرض أن تحفظ لك دينك وعقلك وكمالك بهذه الأباطيل والترهات.
تفسير قوله تعالى: (وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها...)
ثم يقول تعالى: ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ )[الأنعام:123] والمراد من القرية: المدينة، الحاضرة أو العاصمة، لا كما في اصطلاح الجغرافيين اليهود والنصارى، حيث يطلقون القرية على مجموعة من السكان على عكس القرآن والعربية، ونحن نتبجح أيضاً بكلامهم، من أعلمنا؟ من درس في باريس أو لندن أو موسكو وأصبح عالماً، وا مصيبتاه، آه! من يبلغ عنا هذا الكلام؟ إن الكلام الباطل ينتشر على الفور، يقولون: الشيخ الكلب الفلاني قال كذا وكذا، أما كلام الحق فيعجز حملته عن تبليغه.
إلى متى نشاهد أطفالنا بالبرانيط في شوارع المدينة؟ أما تتمزق قلوبكم؟ أحداثنا الأطهار نربيهم على برانيط اليهود والنصارى؟ حتى البنات يفعلن هذا ونحن زائرو المسجد النبوي وجئنا من بلاد الطائف وغيرها؟ كيف يتم هذا؟ وانتقلت من الأطفال الصغار إلى الشبيبة، كبار والبرانيط على رءوسهم! أيجوز هذا في دين الله؟ أنتزيا بزي الكافرين ونقول: نحن مسلمون؟
والله الذي لا إله غيره لو كنت مؤمناً فإنه لو قطع رأسك لا تقبل أن تضعها على رأسك، فإلى أين نذهب؟ إلى الهاوية، وصدق الله العظيم، ماذا يقول تعالى؟ ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا )[الأنعام:123]، سنة الله عز وجل، لا توجد مدينة إلا وفيها أكابر المجرمين، ينشرون الباطل وينفثون الشر بوسائط مكر وخداع، هذه سنة الله لا تتخلف أبداً، لكن كيف نمد أعناقنا ونمشي وراء أهل الباطل ونستجيب لهم ونحن ندعي الإيمان والإسلام؟
(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا )[الأنعام:123]، والله ليعملن بمكرهم، والمكر: هو تزيين الشيء الباطل وتقبيح الحسن بأساليب معينة معروفة؛ حتى يضللوا المجتمع ويبعدوه عما يريد من الخير والحق، يزينون لهم الباطل ويحسنون القبح والشر بأساليب مكر، وهم يعلمون أن هذه تهوي بهم في نار جهنم، ولكن تحقيقاً لمواقفهم، لأهدافهم، لما هم عليه، لقلوبهم الميتة لا يبالون، ولكن عاقبة المكر يخرجون منها وهم أول من يهلك.
(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا )[الأنعام:123]، ما المراد من المجرمين؟ السراق مجرمون، لكن المجرم ذاك الذي أجرم على نفسه فخبثها وأنتنها وعفنها بما صب عليها من أوضار الذنوب وكبائر الآثام، حتى اسودت وأنتنت وأصبحت كأرواح الشياطين، ذلك المجرم أجرم أولاً على نفسه بترك الواجبات التي أوجبها الله، وبغشيان محرمات حرمها الله، وبصفات حرمها الله واتصف بها، بمعان كرهها الله فأحبها وعمل بها، فأجرم على نفسه وعلى غيره فأصبح مجرماً.
(لِيَمْكُرُوا فِيهَا )[الأنعام:123] أي: في تلك الأمة، في تلك المدينة؛ ليحولوا الناس إلى ما يحبون وما يشتهون من الباطل والشر والفسق والفجور ليكونوا مثلهم، والله يقول: ( وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ )[الأنعام:123]، مكرهم ذلك وتزيينهم للباطل وتحسينه وتقبيح الحق والخير والتنفير منه عوائده عليهم هم: ( وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ) [الأنعام:123]،كيف يشعرون وهم أموات؟ كيف يحسون أو يشعرون؟ وسوف ينالهم الجزاء كما أعلم الله عز وجل.
ثم قال تعالى: ( وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ )[الأنعام:124].
نترك هذه الآية إلى غد إن شاء الله إن أحيانا الله عز وجل وأقدرنا على ذلك، ويكفي ما سمعنا.
إن شاء الله لا نرى برنيطة بعد اليوم حول المسجد وفي المسجد، وفي المدينة.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

ابوالوليد المسلم
13-10-2021, 03:40 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانعام
الحلقة (398)
تفسير سورة الأنعام (31)

ظلم الكافرين لأنفسهم حملهم على أن يجحدوا رسالة ربهم، ويكذبوا رسوله، ويردون ما جاءهم به من الهدى والرشاد، ويطالبون رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعجزات تشبه ما أوتيه أنبياء الله السابقين كموسى وعيسى عليهما السلام، وما ذاك إلا لفرط تعنتهم واستكبارهم، فتوعدهم الله عز وجل على ذلك بالصغار في الدنيا، والعذاب الأليم في الآخرة، جزاء ما كانوا يكسبون.
مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة الأنعام
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأربعاء من يوم الثلاثاء- ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن نصغي إلى تلاوة هذه الآيات التي سبق أن تلوناها بالأمس أيضاً، وبعد تلاوتها نعود إلى دراستها وبيان ما جاء فيها بإذن الله عز وجل.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ )[الأنعام:122-124].
تحقق وصف الموت في فاقد العلم والإيمان وتحقق الحياة في المتصف بهما
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: ( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ )[الأنعام:122]، بالأمس عرفنا من دلالة هذه الآية الكريمة: أن الإيمان والعلم روحان: الإيمان روح، وفاقد الروح ميت، والعلم نور، والعلم أيضاً روح وفاقد العلم كالميت، فنعوذ بالله من الكفر والجهل، لقوله عز وجل: ( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ )[الأنعام:122]، وهذا ينطبق على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعلى بلال ، وعلى أولئك الأصحاب الذي كانوا مشركين على دين آبائهم وأجدادهم، ثم شرح الله صدورهم ونور قلوبهم، فآمنوا فأصبحوا يعيشون على نور من ربهم.وضدهم الوليد بن المغيرة ، أبو جهل عمرو بن هشام ، العاص بن وائل .. وفلان وفلان من طغاة المشركين في مكة، والسورة مكية، والآيات نزلت فيها؛ فهي -إذاً- تدور حول أهل مكة.
فقال تعالى: ( كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا )[الأنعام:122] من يسوي بينهما؟ هل هناك عاقل يسوي بين حي وميت؟ أو بين عالم بالطريق يمشي في النور، وبين جاهل يمشي في الظلمات؟ من أين لك تفسيرها؟ هذا يصل إلى دار السعادة وهذا يصل إلى دار الشقاء والخسران والعياذ بالله.
تزيين الشيطان سوء العمل للكفرة ودلالة ذلك على وجوب المبادرة بالتوبة
وقوله تعالى: ( كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )[الأنعام:122]، فالكافرون أبيضهم وأسودهم، أولهم وآخرهم، الموجودون ومن سيوجدون ومن مضوا حالتهم واحدة، زينت لهم الشياطين الكفر فكفروا، زينت لهم الشياطين الكفر، والظلم، والفسق، والفجور، والباطل، والشر فوجدوا في أنفسهم رغبة في ذلك، ولو دعوتهم إلى الحق والخير والفضيلة لرفضوا؛ لأنهم يرون أنهم خير منك، وأعلى قدراً منك، وهذا واقعهم في كل زمان ومكان، لا يشعر الكافر بأنه منحط، وأنه في صغار، وأنه في هون أو دون، وأن سبب ذلك كفره أبداً، الشياطين لم تسمح لهم بهذا النظر.(كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )[الأنعام:122]، فالمزين من هو؟ الشيطان، ثم إن هناك سنة إلهية لا تتبدل، وهي: أن من توغل في الكفر، في الشر، في الخبث، في الظلم.. وسار مسارات بعيدة وقضى أياماً وأعواماً عديدة يتعذر عليه أيضاً العودة إلى الحق والرجوع إلى الصواب، يصبح ذلك الباطل زيناً في نفسه، ويرى خلافه شيناً، هذه سنة الله عز وجل.
فمن هنا أوجب الله على عباده المؤمنين وعلى أوليائه أن من زلت قدمه وغشي محرماً وارتكبه أن يتوب على الفور، ولا يؤخر التوبة ولا ساعة، وأجمعت هذه الأمة -أعني علماءها وأئمتها- على أن التوبة لا يصح تأخيرها أبداً، التوبة تجب على الفور بمجرد أن يرتكب العبد إثماً يحاول بسرعة محوه وإزالته من نفسه ببكائه واستغفاره وعزمه ألا يعود إلى الذنب ولو قُطّع وصُلب وحُرّق، صاحب هذه التوبة ما يبقى في نفسه أثر لذلك الذنب.
أما من استمر على المعصية يوماً بعد يوم، شهراً بعد آخر، عاماً بعد آخر فإنه يأتي زمن -وقد لا يعرف مداه إلا الله- لو قلت له: تب يضحك، لو قلت له: استغفر الله يسخر منك، ما سبب ذلك؟ طبع على قلبه بتزيين الشيطان، والشيطان هو الذي دفعه أولاً لذلك وحسنه له وزينه له.
مكر مجرمي القرى وعاقبته
وقوله تعالى: ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا )[الأنعام:123]، بالأمس عرفنا أن القرية بمعنى العاصمة والحاضرة والمدينة الكبرى، وفي اصطلاح الجغرافيين اليوم: القرية: البلد الصغير، والصواب: أنها البلد الجامع للأمة بحكومتها ورجالها، وكما جعل هذا في مكة يجعل في كل قرية أكابر مجرميها يمكرون فيها، ونبهنا بالأمس إلى أن هذا موجود في كل مكان وزمان، الذين شعروا بالغنى، وشعروا بالعز والرفعة ما يبغون ولا يريدون أن يتوبوا، فماذا يصنعون؟ يحاولون أن يزينوا القبيح للناس، ويهونوا من التوبة وآثارها، ويشجعوا على الاستمرار على المعصية والبقاء عليها، ليحفظ لهم مركزهم وما هم عليه، هذه سنة الله عز وجل؛ إذ قال عز من قائل: ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا )[الأنعام:123]، والمكر ما هو؟ أن يحسن لك القبيح وهو يعلم أنه قبيح وأنه يضرك، ويبغض لك الصالح والخير وهو يعلم أنه خير لك وصالح، وهذا هو المكر والعياذ بالله تعالى.والله يقول: ( وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ )[فاطر:43] ، كل الذين مكروا في مكة ومكروا في المدينة وفي غيرها ذاقوا جزاء مكرهم والعياذ بالله تعالى، وكان ذلاً وهوناً ودماراً وهلاكاً، وما زالت سنة الله عز وجل، إذا وجد الصالحون بحق ووجد من يمكر بهم، فإن الماكرين سوف يئول أمرهم إلى خسرانهم وهلاكهم؛ إذ مكرهم لا يعود إلا عليهم، وهم الذين يندمون ويتجرعون الغصص والآلام والأتعاب من مكرهم. هذا كله بينا مراد الله منه بالأمس.
تفسير قوله تعالى: (وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله ...)
والآن مع قول الله تعالى: ( وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نؤْمِنَ حَتَّى نؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسلُ اللَّهِ )[الأنعام:124].من هؤلاء؟ أكابر مجرمي مكة: الوليد بن المغيرة قال: لا أتابعه، ولا أؤمن بمحمد، أنا أكبر منه سناً وأنا أكثر منه مالاً وولداً، فكيف يصبح رسولاً؟ أنا أولى بهذه.
و أبو جهل قال مثل ذلك، وقال: لن نؤمن حتى يوحى إلينا كما يوحى إليه، أو يأتينا بآية كأن يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيطير كما فعل عيسى، أو يأتينا بآية كعصا موسى نشاهدها، وإلا فلن نؤمن. وأصروا على كفرهم وماتوا على كفرهم والعياذ بالله تعالى.
(وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ ) من آيات الله القرآنية حاملة للبيان تحمل الحجج والبراهين ما يقبلونها، ويقولون: لن نؤمن بهذه الآية حتى نؤتى مثل ما أوتي محمد صلى الله عليه وسلم، ( حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ ) يعنون موسى وعيسى ومن بلغتهم معجزاتهم.

يتبع

ابوالوليد المسلم
13-10-2021, 03:41 AM
معنى قوله تعالى: (الله أعلم حيث يجعل رسالته)
قال تعالى: ( اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ )[الأنعام:124] ولهذا فالنبوة والرسالة توهب ولا تكسب، الرسالة النبوة توهب، أي: يهبها الله من هيأه لها وهو في أصلاب آبائه وأرحام أمهاته، فلا تكسب أبداً لا بعلم ولا بجد ولا بشرف ولا بمركز أبداً، فهي هبة الله وعطيته، فلهذا لا يبالغ أحد في العبادة والانقطاع إلى الله والزهد في الدنيا وتظهر له كرامات فيقول: أنا سأصبح نبياً أو رسولاً، فالرسالة توهب ولا تكسب بالكسب، والله أعلم حيث يجعل الرسالة، فلا بد أن يهيأ لها مركزاً صالحاً لها، وهو أنه يجتبي ويختار من بني آدم من هو أهل لذلك، فكون أبي جهل يقول: لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله هذا كلام باطل، ( اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ )[الأنعام:124].
معنى قوله تعالى: (سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون)
ثم قال تعالى: ( سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ )[الأنعام:124]، بالأمس سمعنا معنى الإجرام، أجرم يجرم إذا أفسد، فكل مفسد مجرم، الذي يفسد في الأشجار فيقطعها مجرم، الذي يفسد في الطرقات فيخبثها ويلوثها مفسد، الذي يسب ويشتم الصالحين مفسد، الذي يرتكب كبائر الذنوب مفسد لنفسه، أول إجرامه يعود على نفسه، فالإجرام هو الإفساد، قد يكون في النفس ويكون خارجها، وما كان خارج النفس فهو عائد إليها.هؤلاء الذين أجرموا يقول تعالى وقوله الحق: سيصيبهم صغار عند الله، والصغار: الذل والخزي، الصغار من الصغر، الذل والخزي والعذاب المؤلم الأليم، هذا عند الله عز وجل، وجائز أن يصيبهم أيضاً الصغار في الدنيا، فكم ذل الكافرون وهبط المجرمون وأصبحوا أسوأ الناس حالاً، ولكن هذا موكول إلى الله عز وجل، ( سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ )[الأنعام:124]، ولا يستطيع أحد أن يتصور شدة عذاب يقول فيه الرب الذي يقبض الأرض والسماوات بيمينه: إنه شديد، كيف تتصور هذا العذاب الشديد!
وعلل لذلك فقال: ( بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ )[الأنعام:124]، أي: بسبب مكرهم والعياذ بالله تعالى، ( وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ )[فاطر:43].
هذا ثم نتلو معنى الآيات في الكتاب، ومنها ما سمعناه بالأمس.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

معنى الآيات
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم وسائر المؤمنين: [ معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في حرب العادلين بربهم الأصنام الذين يزين لهم الشيطان تحريم ما أحل الله وتحليل ما حرم الله؛ إذ قال تعالى: ( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا )[الأنعام:122]، أي: أَطاعةُ هذا العبد الذي كان ميتاً بالشرك والكفر فأحييناه بالإيمان والتوحيد -وهو عمر بن الخطاب أو عمار بن ياسر - كطاعة من مَثَلُه رجل في الظلمات -ظلمات الشرك والكفر والمعاصي- ليس بخارج من تلك الظلمات وهو أبو جهل ؟ والجواب: لا ] لا يسوى بين هذا وذاك.
قال: [ إذاً :كيف أطاع المشركون أبا جهل وعصوا عمر بن الخطاب ؟
والجواب: أن الكافرين لظلمة نفوسهم واتباع أهوائهم لا عقول لهم، زين لهم عملهم الباطل حسب سنة الله تعالى في أن من أحب شيئاً وغالى في حبه على غير هدى ولا بصيرة يصبح في نظره زيناً وهو شيْن، وحسناً وهو قبيح، فلذا قال تعالى: ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا )[الأنعام:123] أي: فيهلكوا أيضاً.
وقوله: ( وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ )[الأنعام:123] هو كما قال، قوله الحق وله الملك، فالماكر من أكابر المجرمين حيث أفسدوا عقائد الناس وأخلاقهم، وصرفوهم عن الهدى بزخرف القول والاحتيال والخداع، هم في الواقع يمكرون بأنفسهم؛ إذ سوف تحل بهم العقوبة في الدنيا وفي الآخرة، إذ لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، ولكنهم لا يشعرون، أي: لا يدرون ولا يعلمون أنهم يمكرون بأنفسهم.
وقوله تعالى في الآية الثالثة: ( وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ )[الأنعام:124] أي: حجة عقلية مما تحمله آيات القرآن تدعوهم إلى تصديق الرسول والإيمان بما جاء به ويدعو إليه من التوحيد؛ بدل أن يؤمنوا ( قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ )[الأنعام:124]، أي: من المعجزات كعصا موسى وطير عيسى الذي نفخ فيه فكان طائراً بإذن الله، فرد الله تعالى عليهم هذا الغلو والتكبر قائلاً: ( اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ )[الأنعام:124]، فإنه يجعلها في القلوب المشرقة والنفوس الزكية، لا في القلوب المظلمة والنفوس الخبيثة.
وقوله تعالى: ( سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا )[الأنعام:124] على أنفسهم بالشرك والمعاصي وعلى غيرهم حيث أفسدوا قلوبهم وعقولهم، ( صَغَارٌ )[الأنعام:124] أي: ذل وهوان، ( عِنْدَ اللَّهِ )[الأنعام:124] يوم يلقونه يوم القيامة، ( وَعَذَابٌ شَدِيدٌ )[الأنعام:124] قاس لا يطاق ( بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ )[الأنعام:124] أي: بالناس بتضليلهم وإفساد قلوبهم وعقولهم بالشرك والمعاصي التي كانوا يجرئونهم عليها ويغرونهم بها ].
هداية الآيات
والآن مع هداية هذه الآيات.
[ أولاً: الإيمان حياة ]، هكذا علمنا: الإيمان حياة، [ والكفر موت، المؤمن يعيش في نور والكافر في ظلمات ].
استنبط هذا من قوله تعالى: ( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا )[الأنعام:122].
[ ثانياً: بيان سنة الله تعالى في تزيين الأعمال القبيحة ].
وقد بينا أن الشياطين تزين، وسنة الله في أن المرء -ذكراً أو أنثى، أياً كان جنسه- إذا أقبل على المعاصي واستمر يفعلها ولم يرجع وطالت مدته تصبح تلك المساوئ حسنات في نظره، ولا أشك أن عاقلاً ينكر هذا، فالذي استدام المعصية زمناً ما يتصور أبداً كيف يتركها، لا يستقبحها أبداً.
وعلى سبيل المثال: هل هناك أبشع من أن ينزو ذكر على ذكر؟ والله لا أبشع من هذه الصورة قط، وهذا من تزيين الشيطان لقوم لوط، ومع هذا إذا ألفها الشخص يعتادها، فمن هنا فكل قبيح مما قبح الله من سائر الذنوب يجب على المؤمن أن يبتعد عنه كل بعد، خشية أن يصبح يراه حسناً ويأتيه.
وعلى سبيل المثال: هل بلغكم أن الدخان حرام أم لا؟ فالذين اعتادوه وألفوه زمناً طويلاً ما استطاعوا أن يتركوه، يعتذر إليك يقول: ما قدرت. ما سبب ذلك؟ هو الاستمرار في فعل هذه الجريمة، والذي ألف الكذب شأنه كذلك، والذي ألف أي باطل واعتاده يصعب عليه الخروج عنه، فلهذا يجب أن نتوب على الفور، ولا نؤخر التوبة يوماً ولا ساعة، زلت القدم ووقعت فقل: أستغفر الله وأتوب إليه.. أستغفر الله وأتوب إليه.. أستغفر الله وأتوب إليه، وكلك عزم وتصميم على ألا تعود إلى هذا الذنب، فإنه يمحى بإذن الله على الفور.
والحبيب صلى الله عليه وسلم في قول الله تعالى من سورة المطففين: ( بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ )[المطففين:14] شرحها أيما شرح، فأخبر أنه إذا أذنب العبد ذنباً وقع في قلبه نكتة سوداء، فإن تاب ورجع صقل ومسح ذلك الأثر، فإن لم يتب وزاد الذنب وقع نقطة أخرى إلى جنب الأولى، والثالثة إلى جنب الرابعة، وذلكم الران الذي قال الله فيه: ( بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ )[المطففين:14].
معاشر المستمعين والمستمعات! هذا باب الله، ما من مؤمن ولا مؤمنة تزل قدمه، فيقول كلمة سوء، يكذب كذبة، يقول باطلاً، ينظر نظرة محرمة، يأكل لقمة حرام ثم يعلن عن توبته في صدق؛ فإن هذا الأثر يزول بإذن الله تعالى، وإذا استمر فحاله حال الثوب، إذا تسخ وغسل تنظف، وإذا اتسخ وبقي الاتساخ يوماً بعد يوم يصبح غير قابل للنظافة والغسل أبداً، فيمزق ويرمى.
[ بيان سنة الله تعالى في تزيين الأعمال القبيحة]، يزينها الشيطان، والشياطين من الإنس والجن الماكرون يزينون أكاذيب المجرمين، يحسنون الباطل لأهله؛ لأنهم قارفوه وقائمون عليه، حتى لا يبقوا وحدهم في ميدان الباطل، فيزينونه لغيرهم حتى يقع فيه ويلازمهم ويكون معهم.
[ ثالثاً: قلما تخلو مدينة من مجرمين يمكرون فيها ].
قلما تخلو مدينة من مدن العالم من أكابر مجرمين يمكرون فيها، ويمنعون الحق والفضيلة والطهر والصفاء، هذه سنة الله عز وجل.
[ رابعاً: عاقبة المكر عائدة ] على من؟ [ على الماكر نفسه ].
لقول الله عز وجل: ( وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ )[فاطر:43]، هي ثلاث: المكر كما في الآية، والثانية: البغي، قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ )[يونس:23]، فمن بغى فإنما يبغي على نفسه، والثالثة: النكث: ( فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ )[الفتح:10]، ثلاث على أصحابها رواجع: النكث، والمكر، والبغي، ثلاث سيئات، قبائح، جرائم، على أصحابها تعود: المكر، والنكث، والبغي.
[ خامساً: بيان تعنت المشركين في مكة على عهد نزول القرآن ].
تعنت المشركين دلت عليه الآية، قال أبو جهل : لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله، حين يوحى إلينا سنؤمن، والوليد قال: أنا أكبر منه سناً وأكثر منه مالاً وولداً، كيف يكون هو رسول وأنا لا أكون رسولاً؟ كيف نمشي وراءه ونتبعه؟
[ سادساً: الرسالة توهب لا تكتسب ].
ما وجد على وجه الأرض من قال: لأعملن بطاعة الله ورسله حتى أصبح نبياً، ما كان ولن يكون أبداً، العباد الذين يضرب بهم المثل في الطهر والصفاء والإنابة إلى الله والرجوع والتقوى ما طمع منهم أحد أن يكون نبياً أبداً؛ من هنا علمنا أن الرسالة توهب، أي: يعطيها الله عز وجل ويهبها من يشاء، والذي يشاؤه الله هل هو صعلوك في السوق؟ لا بد أن يعده إعداداً خاصاً من صباه، بل في أرحام أمهاته وأصلاب آبائه، خيار من خيار من خيار؛ حتى يصبح أهلاً لأن يتكلم مع الله، فأمر النبوة عظيم.
[ سابعاً: بيان عقوبة أهل الإجرام في الأرض ].
هل عرفتم الإجرام ما هو؟ الإفساد للعقول، للنفوس، للأموال، للقلوب، للناس، كل فساد هو إجرام، وأكبر منه الذين يفسدون على الناس قلوبهم ينفخون فيها الشرك والكفر والشر والباطل والعياذ بالله.
والله تعالى أسأل أن يطهرنا ويجنبنا من هذا الإجرام ومن أهله.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
13-10-2021, 03:42 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانعام
الحلقة (399)
تفسير سورة الأنعام (32)


هداية الله عز وجل قريبة من عباده، وهو سبحانه المتفرد بتهيئتها لمن شاء من أولياءه، فمن أراد له الهداية سبحانه شرح صدره للإسلام، وهيأ قلبه لقبول الحق والتصديق به، حتى يستحق أن يكون من ورثة جنة النعيم، وساكني دار السلام مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً. تفسير قوله تعالى: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليالي الثلاث بعدها ندرس إن شاء الله كتاب الله، رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن نواصل دراسة سورة الأنعام المكية المباركة الميمونة، تلكم السورة التي زفت بسبعين ألف ملك ولهم زجل وتسبيح، هذه السورة التي تعالج القضايا العظمى في الإسلام:
أولاً: توحيد الله عز وجل في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، لا إله إلا الله.
ثانياً: إثبات النبوة المحمدية، وتقرير رسالته، وأنه حقاً رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والثالثة: عقيدة البعث الآخر، الحياة الثانية، قيام الساعة، النشور، أسماء متعددة وكلها تدور على مبدأ أننا سنعود أحياء في عالم آخر لنجزى على كسبنا وعملنا في هذه الحياة.
وها نحن مع هذه الآيات الثلاث من قوله تعالى: ( فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ )[الأنعام:125]، إلى قوله: ( لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ )[الأنعام:127]، فهيا نستمع إلى ترتيل الآيات الثلاث، ثم نأخذ في شرحها وبيان ما تحمله من الهدى والنور لأهل الإيمان.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ * وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ * لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )[الأنعام:125-127].
اختصاص الله تعالى بالهداية والإضلال وبيان طريق تحصيل الهداية
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: ( فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ )[الأنعام:125].في الآيات السابقة طالب المشركون بالآيات والمعجزات ليؤمنوا، والله يعلم أنهم لا يؤمنون، فما استجاب لهم فيما طلبوه، وها هو ذا تعالى يقرر هذه الحقيقة، وهي: أن الهداية بيد الله، والإضلال بيد الله، فمن فزع إلى الله ولجأ إليه واطرح بين يديه وذرف الدموع على خديه، سائلاً ضارعاً ليله ونهاره أن يهديه ويشرح صدره؛ استجاب الله تعالى له وشرح صدره ونور قلبه وزكى نفسه وهيأه لجواره في الملكوت الأعلى.
(فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ )[الأنعام:125] لهذا الطريق السوي المستقيم الموصل أولاً إلى رضا الله، ثم إلى جواره، فالله عز وجل لا يخيبه، فاطلب يا عبد الله، واطلببي يا أمة الله، لا بد من قرع الباب، لا بد من الضراعة والسؤال والدعاء والبكاء، هذه أنوار الله لا يهبها إلا لمن يطلبها في صدق، أما المعرض، أما المتكبر، أما اللاهي المشغول فكيف يفوز بهذا الرضوان الإلهي والله يقول: ( فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ )[الأنعام:125] إلى أين؟ إلى الإيمان بالله ولقائه، الإيمان برسول الله وما جاء به من شرائع الهدى، من يرد الله هدايته ( يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ )[الأنعام:125]، يشرحه: يوسعه، أصل الشرح للكلمة: بيان ما فيها، ومنه الشريحة للحم، يشرحها حتى تتسع، وشرح الصدر توسعته.
(يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ )[الأنعام:125] فيرضى به ويقبل عليه ويطلبه، ويرحل من بلد إلى بلد ليظفر به ويحصل عليه، هذا الذي هو أهل لأن يهديه الله عز وجل.
بعد ضيق الصدر بتكاليف الشريعة عن الهداية الإلهية
أما الذي يأتيه الإسلام إلى بيته فيعرض عنه ويغلق بابه، يعرض عليه صباح مساء وهو لاو رأسه متكبر لا يريده؛ فكيف يهديه الله؟ حاشاه تعالى أن يهديه.وهذا ظاهر قوله عز وجل: ( فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ )[الأنعام:125]، الصدر الضيق ما يتحمل أبداً أنوار الإيمان تدخل فيه، لا يستطيع أن يؤمن بوجود الله رباً وإلهاً، لا يستطيع أبداً أن يؤمن بأنه لا يعبد بحق إلا الله، لا يؤمن أبداً بأن محمداً رسول الله، لا يؤمن بأن البعث حق ولا بد من الجزاء على كسبه في هذه الدنيا، صدره ضيق عن هذا وحرج، والحرج: الضيق، ومثله كالذي يحاول أن يصعد إلى السماء، فليقم أحدنا وليقفز مرتين، أو سبعاً، أو عشرين.. فهل سيصعد إلى السماء؟ بل يهبط، كلما قفز هبط، هذا الذي يصعد في السماء.
ولهذا -معاشر المستمعين والمستمعات- يجب أن نقرع باب الله عز وجل في صدق، وأن نسأله الليل والنهار أن يشرح صدورنا وينور قلوبنا، وأن يقبلنا في عبيده وأوليائه الصالحين، ولا يكون فينا أبداً شيء اسمه غفلة أو إعراض أو تكالب على الدنيا وبعد عن الإنابة إلى الآخرة، هذه سنن الله عز وجل: الطعام يشبع، الماء يروي، النار تحرق، الحديد يقطع.. سنن لا تتبدل، كذلك من طلب الله وجده، من قرع باب الله فتح له، من أقبل على الله يطلب هدايته ونوره وحكمته ورحمته يظفر بها، أما المشغول اللاهي التائه الضائع فإنه لو يعرض عليه الإيمان لا يقبل، ضيق صدره، ما يطيق أبداً أن تستر امرأته وجهها وتمشي في الشارع، ما يقوى أبداً على فضيلة من فضائل الإسلام وعلى هداية من هدايات الرسول صلى الله عليه وسلم، لضيق صدره، فلهذا نكثر من الدعاء: اللهم اشرح صدورنا، ونور قلوبنا. اللهم اشرح صدورنا، ونور قلوبنا.
أعيد الآية الكريمة وتأملوا: ( فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ )[الأنعام:125] من أبيض وأسود، عربي وعجمي، في الأولين أو في الآخرين، من ذكر أو أنثى على حد سواء، ( يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ )[الأنعام:125] ويوسعه، فيفرح بالصلاة والزكاة، يفرح بالواجبات، لا ضيق أبداً ولا هم لا كرب ولا حزن، بل يفرح إذا جاءه الأمر بفعل كذا أو بترك كذا.
(وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ )[الأنعام:125] لإعراضه وتكبره واستكباره وعناده وحربه لرسول الله وأولياء الله ( يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ )[الأنعام:125].
معنى قوله تعالى: (كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون)
قال تعالى: ( كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ )[الأنعام:125]، هكذا يشرح ويضيق، وهكذا يجعل الرجس -وهو النجس والوسخ والدرن- في قلوب الذين لا يؤمنون، فيا ويل الكافرين، يا ويل الذين لا يؤمنون، قلوبهم وسخة نجسة، أنى لها أن تقبل نور الله أو تقبل هداية الله عز وجل؟ حين تعرض عليه الهداية يتكبر ويلوي رأسه، قد يسخر منك ويضحك؛ وذلك لهذا النجس وهذا الرجس الذي في قلبه، من جعل هذا؟ الله عز وجل، كيف جعله؟ هل ظلم العبد فجعل في قلبه الرجس؟ لا. بل العبد أعرض عن الله، أبى أن يؤمن، أقبل على الأوساخ والزبالات فحصلت في قلبه، ( كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ )[الأنعام:125]، لو آمنوا لنور قلوبهم وزكى أرواحهم وطهرها، لكن رضوا بالكفر والإلحاد والفسق والفجور والظلم والشر، إذاً: أصيبت قلوبهم بالنجس، أصبحت نجسة، هكذا يحصل للذين لا يؤمنون بالله، بلقاء الله، بشرع الله، برسول الله، بما أمر الله أن يؤمن به عبد الله وأمة الله، هذه سنته في خلقه: ( كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ ) [الأنعام:125] الوسخ والنجس، على من؟ ( عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ )[الأنعام:125]، من هم هؤلاء؟ هم الكفار، الملاحدة، المشركون.. قل ما شئت من أنواع الكفر، كل من لا يؤمن بالله ولقائه، بالله ورسوله، بالله وشرعه فهو كافر، لا يقال فيه: مؤمن.

يتبع

ابوالوليد المسلم
13-10-2021, 03:43 AM
تفسير قوله تعالى: (وهذا صراط ربك مستقيماً ...)
ثم قال تعالى: ( وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا )[الأنعام:126]، بين الآن فقال: هذا هو صراط ربك يا رسولنا مستقيماً، من سلكه نجا ومن أعرض عنه خسر وهلك، ( وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا )[الأنعام:126] لا اعوجاج فيه، ألا وهو الإسلام، وهو المراد من قوله تعالى من سورة الفاتحة: ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ )[الفاتحة:6] الذي لا اعوجاج فيه عن يمين ولا عن شمال.وقد بينا للصالحين والصالحات أنك إذا أردت سلوك هذا الطريق فآمن أولاً، آمن بأن هذا صراط الله المستقيم، أي: ادخل في الإسلام بشهادة أن لا إله إلا اله وأن محمداً رسول الله.
ثانياً: لا تنحرف يميناً ولا شمالاً وامش، أي: أد الفرائض والواجبات، انهض بها لا تترك واحدة منها وأنت قادر على القيام بها.
ثالثاً: دع الجهة اليسرى، لا تلتفت إلى معصية الله بارتكاب ما حرم أو فعل ما نهى عنه وكره، وواصل سيرك إلى باب الجنة دار السلام، ما إن يأتي ملك الموت وأعوانه حتى تبشر في نفس اللحظة بأنك من أهل دار السلام.
وكثيراً ما أكرر وأقول: يا أبنائي! الإسلام أن تسلم قلبك ووجهك لله، فلا يكن في قلبك حب ولا ميل ولا رغبة إلا لله، هو الذي ترهب وهو الذي تحب وهو الذي من أجله تحيا ومن أجله تموت، ثم وجهك لا تلتفت به أيضاً إلى غير دين الله، فإذا أسلمت قلبك ووجهك لله هداك الله، وشرح صدرك وزاد في نورك وهدايتك.
(وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا )[الأنعام:126]، الخطاب هنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صالح لنا ولكل مؤمن، ( وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا )[الأنعام:126] لا اعوجاج فيه ولا انحراف، لا في العقائد ولا في الآداب ولا في الأخلاق ولا في العبادات ولا في الأحكام، والله لا اعوجاج فيه؛ إذ كل عبادة من شأنها أنها تزكي النفس وتطهرها، وكل منهي عنه ومحرم من شأنه أن يخبث النفس ويلوثها، فمنع الله منه وحرمه، وأوجب هذا وأمر به، كل هذا لنصل إلى ربنا ونحن أطهار أصفياء، فيقبلنا ولا يردنا.
معنى قوله تعالى: (قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون)
قال تعالى: ( قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ )[الأنعام:126] إي والله، انظر فقط إلى هذه السورة من بدايتها، كل الآيات تفصيل عجب حتى تلوح أنوار الهداية لمن أراد الله هدايته، وحتى تلوح أيضاً ظلمات الشقاء لمن أراد الله شقاوته؛ إذ بينت كفر الكافرين ونفاق المنافقين، وشك الشاكين وترددهم، كما بينت أيضاً أنوار الهداية والإيمان لأهل الإيمان، من أولها إلى هذه الآية وإلى نهايتها. (وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ )[الأنعام:126] لمن؟ ( لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ )[الأنعام:126]، أما الأموات الذين لا يذكرون ولا يذّكرون، تذكره فما يذكر، تفكره فما يفكر، جئ إلى هابط وذكره بالله فهل يذكر؟ قل له: من أين أتيت أنت؟ أمك من أين أتت؟ هل تموت أم لا تموت؟ كيف أنت حي؟ كيف تنطق؟ كيف تسمع؟ من أنت؟ فهل سيذَّكر؟ لا يذكر، ولكن الآيات فصلها الله وبينها وشرحها لمن ينتفع بها وهم الذين يتذكرون فيذكرون، أما أهل الغفلة والإعراض والأضاحيك والباطل طول الحياة فأنى لهم أن يذكروا.
(قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ )[الأنعام:126] أي: هم الذين ينتفعون بها.
تفسير قوله تعالى: (لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون)
ثم قال تعالى: ( لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ )[الأنعام:127]، اللهم اجعلنا منهم، دار السلام: الجنة، ( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ )[يونس:26]، لهم دار السلام والنظر إلى وجه الله الكريم، والدار: هي الجنة، والسلام اسم من أسماء الله تعالى، ولك أن تقول لهم: دار السلامة من كل عاهة، من كل آفة، فلا كبر، ولا هرم، ولا مرض ولا سقم، ولا موت.. السلامة بكاملها، فهي دار السلامة من كل العيوب والنقائص، من كل العاهات والآفات والآلام، وهي أيضاً قبل ذلك دار الله، والقرآن حمال الوجوه، وكلا الوجهين -والله- صحيح، هي دار الله أم لا؟ والله من أسمائه الحسنى: السلام، ودار السلامة أليست هي الجنة؟ هل فيها الصداع أو ألم الضرس؟ هل فيها كبر؟ فيها موت؟ فيها مرض؟ لا والله أبداً، فأية سلامة أعظم من هذه؟(لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ )[الأنعام:127] أين ربنا؟ في السماء، كما في حديث الجارية حين سألها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أين الله؟ قالت: في السماء. قال: اعتقها فإنها مؤمنة )، وجاء الزنادقة وأصحاب الباطل بحيث لو أشرت إلى السماء قائلاً: الله قطعوا يدك؛ يقولون: لأنك حددت المكان! وهذه فلسفة كاذبة، ربنا فوق سماواته وفوق عرشه، والجنة سقفها عرش الرحمن. ‏
حاجتنا إلى الولاية وطريق تحقيقها
(لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ )[الأنعام:127]، ما معنى وليهم؟ وليهم: ناصرهم ومحبهم، أليس وليك ناصرك ومحبك؟ وهل يكون وليك وأنت عدوه؟ إذاً: والوه بالإيمان به وبتقواه، فوالاهم بنصرهم وأكرمهم، فهم أولياؤه وهو وليهم، هؤلاء أولياء الله لهم دار السلام عند ربهم والحال أنه وليهم، لو أنزلهم دار السلام وهو غضبان عليهم فهل سيسعدون؟ والله ما يسعدون، إذاً: وهو وليهم بسبب ماذا؟ بفعل المحاب وترك المكاره، وليهم بسبب ماذا؟ هل لأنهم أبناء أشراف؟ أبناء أنبياء؟ قال: ( بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )[الأنعام:127] الباء سببية، هل بما كانوا يعملونه من اللعب في المقاهي والمراقص؟ من الرقص والشطح والباطل؟ إنما بما كانوا يعملون من محاب الله، ما كان عقيدة عقدوه في قلوبهم، وما كان قولاً رددوه على ألسنتهم وعاشوا عليه، وما كان عملاً بجوارحهم اكتسبوا وكسبوا.. هذا الذي خولهم ولاية الله، وهذا الذي تدرسونه، ولاية الله عز وجل متوقفة على أن تحب ما يحب وتكره ما يكره، وتفعل المحبوب ما دمت قادراً على فعله، وتترك المكروه وأنت قادر دائماً على فعله، بذلك تظفر بولاية الله.
ومن هنا نقول: لا بد من معرفة ما يحب الله وما يكره من العقائد، والأقوال، والأفعال، والصفات والذوات أيضاً، والذي لا يسأل عن هذا والله لا يكون ولياً لله، الذي لا يسأل عن محاب الله ليفعلها كيف يكون ولياً لله؟ هل رأيتم جهالاً ضلالاً طول حياتهم ما يسألون عن الله ولا يعرفون ما يحب يصبحون أولياء الله؟ فهم شر الخلق في الخيانة والتلصص والإجرام والكذب والكفر، لا بد من أن نعرف.
أهمية تعليم الكتاب والسنة في المساجد لتحقيق الولاية
ومرات نكرر القول -والله يشهد- أنه لا بد لأهل القرية من أن يجتمعوا كل ليلة في مسجدهم الجامع بنسائهم وأطفالهم، حتى نخرج من هذه الظلمة وننجو من هذه المحنة والفتنة، لا بد من العودة الصادقة إلى الله إن كنا حقاً نريد ولاية الله، ويجلس لنا عالم بكتاب الله وهدي رسوله، فليلة آية وليلة حديثاً، يتعلمون ويطبقون ويعملون، ففي سنة واحدة تتحقق ولاية الله، ونصبح لو رفعنا أكفنا إلى الله على أن يزيل الجبال لأزالها، أما أن نعيش على هذه الصورة الضائعة الهابطة فكيف نتعلم؟ كيف نعرف ولاية الله؟ كيف نحققها؟ هل بالتخمين والحزر، أو بالظن والخرص؟ لا بد من التعلم، إنما العلم بالتعلم.وقررنا للحكام والمسلمين أجمعين وقلنا: انظروا نظرة صادقة: أعلم أهل القرية أتقاهم لله، أقلهم جريمة، أقلهم فسقاً، أقلهم ظلماً وشراً، أليس كذلك؟ كيف لا نفهم -إذاً- أنه لا بد أن نجمع الأمة على كتاب الله وسنة رسوله، كيف تنتهي الفرقة المذهبية والطائفية والعنصرية إذا لم نجتمع على كلام الله؟
وذكرنا ألف مرة وقلنا: لما بدأت الشيوعية تقرر مذهبها المادي الإلحادي كانوا يجمعون أهل القرى في أماكنهم العامة والخاصة، في عدن فقط كانوا يجلسون من العصر إلى نصف الليل وهم يغسلون أدمغتهم من الإيمان بالله، ونحن نريد أن نظفر ونفوز ونحن نائمون غافلون! كيف تزول قساوة القلوب وهذا الجمود، وهذا الشح وهذا البخل، وهذا الإسراف، وهذا وهذا كيف يعالج؟ هل يعالج بالحيلة؟ والله لا علاج إلا على نور الله:كتابه وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم.
من يقوم بهذا؟ هل المسئولون، ما قام به المسئولون، فأنتم أيها المؤمنون لماذا لا تفعلون؟ لنفرض أننا في ظل حكومة روسيا، هل نحن مؤمنون أم لا؟ هيا نجمع نساءنا وأطفالنا ونعرفهم بالله ليحبوه وليطيعوه، ولتفيض أنوار الهداية علينا، فما يصبح بيننا كئيب ولا حزين، ولا عار ولا مكشوف السوأة ولا فقير.. إنا لله وإنا إليه راجعون.
(لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )[الأنعام:127] ليلاً ونهاراً، طول العمر في عمل، ما هذا العمل؟ هل يبنون العمارات، هل يعبدون الطرق، هل يحفرون الآبار؟ هذا عمل خاص، العمل هذا أن يعملوا بطاعة الله ورسوله، بالنهوض بالتكاليف والواجبات، وتعبيد الطرق وبناء المنازل قضية تابعة، نطفة من بحر، لا أن نوقف الحياة كلها على الدنيا ونعرض عن الآخرة.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

ابوالوليد المسلم
13-10-2021, 03:45 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانعام
الحلقة (400)
تفسير سورة الأنعام (33)

القلوب الكافرة يلقى فيها كل ما لا خير فيه من الشهوات والشبهات، وتكون مقراً ومرتعاً للشياطين، تلقي فيها كل باطل وشر وفساد، وتتعاون هذه الشياطين مع أخباث الإنس على الشر والفساد، وعلى إضلال أصحاب القلوب السقيمة، حتى لا يروا نور الله عز وجل وهدايته، ولا تدركهم رحمة الله ومغفرته، فيكونون سواء في نار جهنم وبئس المهاد.
مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة الأنعام
الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة واللتين بعدها ندرس بإذن ربنا كتاب الله، رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
ما زلنا مع سورة الأنعام ومع هذه الآيات الأربع، فهيا نصغي ونستمع إلى ترتيلها وتجويدها، ثم نأخذ بإذن الله في شرحها وبيان ما تحمله من الهدى والنور لأهل الإيمان.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ * وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ * لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ )[الأنعام:125-128].
الإخبار عن إرادة الله تعالى في الهداية والإضلال وأثر ذلك في حياة المسلم
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: ( فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ )[الأنعام:125].نور هذه الآية وهدايتها: أن نلجأ في صدق إلى ربنا ليهدينا، أن نلازم بابه وأن نقرعه في كل وقت وحين، سائلين أن يهدينا إلى صراطه المستقيم، سائلين الله أن يشرح صدورنا ويوسعها للأنوار الإيمانية ولقبول العمل الصالح، وللإقبال والإنابة على الدار الآخرة، والبعد والتجافي عن الدار الأولى الفانية الزائلة.
هذا ما أخبر الله تعالى به: ( فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ )[الأنعام:125]، فما دام الأمر له وبيده يهدي من يشاء ويضل من يشاء؛ فإنا نأخذ من هذا ألا مطمع في غير ربنا، فلنفزع إليه ولنلجأ إليه في هدايتنا وفي إبعادنا عن الضلال والهلاك والعياذ بالله. وقد شرحنا هذه الآية بالأمس أكثر.
امتلاء قلوب الكفرة بالرجس والقذارة
وقوله تعالى: ( كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ )[الأنعام:125]، علمنا أن الكافرين بالله، برسوله، بلقائه، بوعده ووعيده، بشرعه، بحكمه، بوجوده، بجلاله وكماله.. هؤلاء الكافرون قلوبهم كالمراحيض، كبيوت القمامات والمزابل، الوسخ والدنس كله فيها، علتهم كفرهم، عدم إيمانهم، ولك أن تحلف بالله أنه ما من كافر إلا والنجس في قلبه، لا طهر ولا صفاء، ولو طهر القلب وصفا لاشتاق إلى ربه وطلبه، ومشى شرقاً وغرباً يسأل عن ربه كيف يتقرب إليه ويعبده؟ فهل سأل هذا الكافر ؟ وذلك لخبث نفسه، وقد علمنا أن لله سنناً لا تتبدل ولا تتغير، فالقلب الذي انطوى على الكفر من أين يدخله النور؟ من أين تأتيه الهداية؟ والقلب الذي تفتح وانشرح وقبل هداية الله يمتلئ، تزداد الأنوار في قلبه بكل عمل صالح يعمله ويقوم به.
الإشارة إلى صراط الله المستقيم وبيان حقيقته
الآية الثانية: قال تعالى: ( وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا )[الأنعام:126] يا عبد الله، يا رسول الله! هذا صراط ربك مستقيماً لا اعوجاج ولا انحراف فيه، أشار إليه وهو يريد الإيمان والكفر، والهداية والضلال، المؤمنون مهتدون والكافرون ضالون، صراط الله الموصل إلى رضاه عرفنا أنه الإيمان ثم الطاعة لله ورسوله بفعل ما أمرا بفعله وألزما به، وباجتناب وترك ما نهيا عنه وحرماه على المؤمنين، هذا صراط ربكم مستقيماً لا اعوجاج فيه. وقال تعالى: ( قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ )[الأنعام:126] هذا البيان، هذا التفصيل، هذا الشرح، هذه الأنوار من يستفيد منها؟ الأحياء الذين إذا ذُكروا ذكروا، وإذا ذكروا اتعظوا، وقبلوا دعوة الله ومشوا في طريقه، بخلاف الغافلين والناسين والمعرضين، لن يشاهدوا أنوار هذا الصراط المستقيم، وهو الواقع.
كرامة الله تعالى لأوليائه بإنزالهم دار السلام
هؤلاء أخبر تعالى أن لهم دار السلام عند ربهم، هذه هي كرامة الله لهم: ( لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ )[الأنعام:127]، دار السلام: الجنة، وسميت بدار السلام لأمرين: أولاً: لسلامة من دخلها، لا هرم ولا كبر ولا مرض ولا موت ولا فقر ولا ضعف أبداً، سلامة كاملة، وهي دار الله عز وجل، وهذه الإضافة للتشريف، كبيت الله عز وجل، والله بانيها وموجدها، فهي داره، يسكن فيها أولياءه، فدار السلام هي الجنة.(لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ )[الأنعام:127]، الله وليهم يحبهم ويحبونه، أمرهم فأطاعوه، نهاهم فأطاعوه، فتمت لهم الولاية، فأصبح وليهم وأصبحوا أولياؤه، وأولياء الله قال تعالى فيهم: ( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ )[يونس:62].
العمل الصالح طريق الولاية والنزول بدار السلام
وقوله: ( بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )[الأنعام:127]، كيف تحققت لهم الولاية وأصبحوا حقاً أولياء الله؟ أخبر تعالى عنهم أنهم أولياؤه وهو وليهم بسبب العمل، لا النوم والعبث، ولكن السهر الدائم والعبادة المتواصلة، ونحن -والحمد لله- على علم بأن ولاية الله تتحقق للعبد بعد الإيمان بحب ما يحب الله وكره ما يكره الله، وفعل المحبوب لله، والابتعاد عن المكروه لله، ذلكم طريق الوصول إلى ولاية الله، والكل عمل.فقال تعالى: ( لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )[الأنعام:127]، أي: بسبب أعمالهم الصالحة التي زكت نفوسهم، وطيبت أرواحهم، وطهرت قلوبهم، فلذلك والاهم الله وأحبهم ورضي بهم أولياء، فهو وليهم بالعمل لا باللهو واللعب: ( بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )[الأنعام:127].
وما سر هذا العمل؟ هذا العمل عبادات قنّنها وشرعها الله، وفائدتها وثمارها تزكية النفس البشرية وتطييبها وتطهيرها، فإذا زكت نفسك وطابت وطهرت وأصبحت كأرواح الملائكة أحبك الله ورضي عنك وقبلك في دار السلام، ليس هناك من تطيب نفسه بدون عمل، والله ما كان، هل هناك من يشبع بدون أكل؟ مستحيل، فكيف تطيب نفسه بدون أن يعمل أدوات التزكية والتطييب والتطهير؟! هل هناك ثوب يبقى معلقاً مائة سنة يطيب بدون أن يغسل وينظف؟ مستحيل.
(بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )[الأنعام:127] من الصالحات، من الصلاة إلى غير الصلاة من كل العبادات، مع اجتنابهم المخبثات والمدسّيات للنفس من سائر الذنوب والآثام.
تفسير قوله تعالى: (ويوم يحشرهم جميعاً يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس...)
ثم يقول تعالى: ( وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا )[الأنعام:128]، إنسهم وجنهم، برهم وفاجرهم، أولهم وآخرهم، يحشرهم جميعاً في ساحة واحدة تسمى ساحة فصل القضاء والحكم بين الناس، وذلكم يوم القيامة يوم البعث من القبور والنشور والاجتماع حول محكمة الله عز وجل.(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ )[الأنعام:128]، اذكر يا أيها السامع الكريم، اذكر يا رسولنا يوم يحشرهم جميعاً ويناديهم قائلاً: يا معشر الجن والإنس! ( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ )[الأنعام:128]، والمعشر: الجماعة المختلطون أمرهم واحد، معشر الجن: جماعة الجن، معشر الإنس: جماعة الإنس، معشر الرجال: جماعة الرجال، معشر النساء: جماعة النساء.

(يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ )[الأنعام:128]، والجن -كما علمتم- مأخوذ من الاجتنان الذي هو الستر والتغطية، فسموا بعالم الجن وبالجن؛ لأنهم لا يرون، هل فيكم من يراهم؟ وسمي الجنين في بطن أمه جنيناً لأنه لا يعرف أذكر أم أنثى.
عوالم المكلفين الأربعة
الجن عالم من عوالم أربعة، أولها: عالم الملائكة، تعرفون هذا العالم؟ هذا العالم لا يعرف عدد أفراده إلا الله خالقهم، وهم درجات، أفضلهم الملائكة المقربون حملة العرش، وأفضل الملائكة جبريل رسول رب العالمين إلى رسله وأنبيائه. وكل واحد منا معه عشرة ملائكة، ستة حراس وحفظة له، وأربعة يتناوبونه: اثنان بالليل واثنان بالنهار، وقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( أطت السماء وحق لها أن تئط؛ ما فيها موضع شبر إلا وفيه ملك راكع أو ساجد ).
هذا العالم كله نور وكله طهر وصفاء، طبعهم الله على هذا، لا يعرفون معصية لله، وأذكركم بخبر هاروت وماروت، لما تعجبا من معاصي بني آدم كيف يعصون ربهم، فغرز الله فيهم غرائز بني آدم وأنزلهم إلى الأرض، وإذا بهما يجترحان السيئات وندما وعرفا، فهما معلقان بين السماء والأرض.
عالم الجن عالم ثان قبل عالم بني آدم، عالم الملائكة مادة خلقه من النور، المادة التي خلق الله منها الملائكة هي النور، والمادة التي خلق الله منها عالم الجن هي النار المحرقة الملتهبة، والمادة التي خلق الله منها الإنس هي الطين، وهذا مبين في كتاب الله رب العالمين، وإنكاره كفر والعياذ بالله.
نريد أن نعرف العالم الرابع، وهم من فسقوا وفجروا وكفروا وتمردوا من عالم الإنس ومن عالم الجن، وهو عالم الشياطين، الذين فسقوا عن أمر الله وخرجوا عن طاعته وتمردوا، ومسخهم وطمس نور الخيرية فيهم وأصبحوا شياطين، هذا عالم الشياطين.

يتبع

ابوالوليد المسلم
13-10-2021, 03:45 AM
المراد بالجن في قوله تعالى: (يا معشر الجن)
والآن النداء لهم: ( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإِنسِ )[الأنعام:128]، ما المراد من الجن هنا؟ الشياطين، ومعلوم أن إبليس أو المكنى بأبي مرة كان من عالم الجن، ولكن لما تمرد وتكبر وأبى أن يطيع الله بالسجود لآدم سلبه الله كل النور وأصبح كله ظلمة وخبثاً، واقرءوا: ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ )[الكهف:50]، لا من الملائكة، ( فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ )[الكهف:50]، أي: خرج عن طاعته فأبلسه الله عز وجل وأيأسه، وذريته منه، وهم يتوالدون كالجراد كلهم ملة واحدة طابع واحد صورة واحدة، وهل تلد الحية سوى الحية؟ العقرب لا تلد إلا عقرباً.إذاً: فذرية إبليس شياطين، ومن فسق من الجن وخرج عن طاعة الرب وتمرد يدخل في ضمن الشياطين، والذين يخرجون منا عن طاعة ربنا ويفسقون عن أمره ويواصلون الغي والشر والفساد يمسخون شياطين من الإنس.
معنى قوله تعالى: (قد استكثرتم من الإنس)
واستمعوا إلى هذا النقاش: ( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإِنسِ )[الأنعام:128]، ما معنى استكثرتم؟ بمعنى: أخذتم منهم بلايين فحولتموهم من آدميين إلى شياطين، فالذين يفسقون ويواصلون الفسق، الزنا، اللواط، الربا، الفجور، قتل النفس، الكذب، الخيانة، خلف الوعد، الضحك، اللعب، الفرح بالكفر والباطل، هؤلاء من مسخهم هكذا؟ من حولهم إلى هذا؟ الشياطين استكثروا منهم أم لا؟ ولماذا يستكثرون؟ حتى لا يدخلوا النار وحدهم، يقولون: لماذا ندخل نحن النار وأنتم لا تدخلون؟ إذاً: فهم يعملون على تضليل بني آدم والجن أيضاً وتكفيرهم وتفسيقهم؛ حتى يشاركوهم في عالم الشقاء ويكونوا معهم في عالم العذاب والخلد الأبدي، فهل استكثروا منهم أم لا؟ ما هي نسبة الأطهار الأصفياء في العالم؟ (قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإِنسِ )[الأنعام:128]، أخذتم ما لا يحصى من أعداد لا حد لها.
معنى قوله تعالى: (وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا)
(وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الإِنسِ )[الأنعام:128] إذ الكل في ساحة واحدة، يسمع نطق أوليائهم من الإنس، أولياء الشياطين، كيف يوالونهم؟ بالحب والنصرة، أحبوهم ونصروهم فكانوا أولياءهم، ويدل على ذلك أن شياطين الإنس يعملون على إفساد الإنس أكثر مما يعمل الآخرون، وأكثر من ضل وفسق وفجر وأشرك وكفر بواسطة شياطين الإنس، بتضليلهم والتغرير بهم وحملهم على الضلال وصرفهم عن الحق كما هو مشاهد صباح مساء.(وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الإِنسِ رَبَّنَا )[الأنعام:128]، أي: يا ربنا! ( اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ )[الأنعام:128]، كالمعتذرين، يعني: انتفعنا بهم وانتفعوا بنا، أعانونا وأعناهم، خدمونا وخدمناهم، وهو الواقع أم لا؟
(اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا )[الأنعام:128]، ألا وهو الموت والبعث الآخر، والوقوف في ساحة فصل القضاء. ( وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا )[الأنعام:128]، الوقت المحدد لنا للقاء والوقوف بين يديك، كالمعتذرين التائبين، ولا ينفعهم اعتذار ولا تقبل منهم توبة.
(رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ )[الأنعام:128]، تذوقتم هذا أم لا؟ الشيطان حين يوسوس لك ويخرجك من المسجد لتسرق أو تفجر يتلذذ بذلك، يقول: كسبت الليلة كسباً. وشيطان الإنس حين يصرفك عن المسجد ويذهب بك إلى الحانة وإلى المزناة يفرح أيضاً لأنه جاء بك وفعل كذا، فهم يعملون كلهم على يد واحدة.
الحكم على كفرة الجن والإنس بالخلود في النار
(رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا )[الأنعام:128]. واسمعوا حكم الله عز وجل: ( قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا )[الأنعام:128]. (قَالَ النَّارُ )[الأنعام:128]، أي: عالم الشقاء ( مَثْوَاكُمْ )[الأنعام:128]، والمثوى: مكان الثواء، أي: الاستقرار والنزول، ثوى بالمكان يثوي إذا قام فيه بغير خروج ولا رحلة، والمأوى والمثوى بمعنى واحد.
(مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا )[الأنعام:128]، والخلود معروف: الإقامة الدائمة، والبقاء المستمر الدائم.
توجيه الاستثناء من الخلود في النار وبيان مدى دلالته على فنائها
وقوله: ( إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ )[الأنعام:128]، هنا مسألة علمية: هل دار السلام تفنى أو لا تفنى؟الجواب: اعتقد -يا عبد الله- أن الجنة لا تفنى وأهلها لا يفنون ولا يموتون، باقية أبداً بلا نهاية.
وعالم الشقاء النار دار البوار هل تفنى أو لا تفنى؟
الصحيح أننا نقول: لا تفنى، فقد يوجد من يقول بفناء النار بعد بلايين السنين والدهور حين يأتي عليها يوم تنتهي وتنطفئ، أحببت أن تفهموا هذا القول، أما معتقدكم فهو أن النار خالدة وأن الجنة خالدة، دار الفناء هي هذه المؤقتة المحدود بالزمن وتنتهي، وعالم البقاء والخلد لا يقبل الفناء ولا يفنى.
والذين قالوا بالفناء استدلوا بقوله تعالى: ( إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ )[الأنعام:128]، هذا الاستثناء، ( خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ )[الأنعام:128].
والجواب عن ذلك أن هذا لمطلق الإرادة؛ لنعرف أن الله لا يكره على شيء، ولا سلطان فوق سلطان الله، ولا قدرة فوق قدرة الله، فهو يقول: ( إِلَّا مَا شَاءَ )[الأنعام:128]؛ ليفهم البشر والإنس والجن أن مشيئة الله عز وجل ليس فوقها مشيئة، لو أراد أن لا يدخل أحد الجنة فعل أو يكره؟ لو أراد ألا يدخل أحداً النار فهل يكره على هذا؟ مشيئته مطلقة، حتى لا يفهم أن هناك سلطاناً فوق الله يلزمه بأن يبقى أهل الجنة في الجنة، أو يلزمه بأن يخرج أهل النار من النار، هذا كله يمحى بكلمة: ( إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ )[الأنعام:128]، فالمشيئة المطلقة له عز وجل.
ومع هذا نقول: أهل التوحيد أهل الإيمان يدخلون النار إذا فسقوا وفجروا وارتكبوا كبائر الذنوب، ويعذبون في النار ويمتحشون فيها ويحترقون، وأخبرنا رسول الله أن الله يخرجهم من النار، ما يخلدون فيها؛ لأن الله يقول: ( إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا )[النساء:40]، وبلغنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل لا إله إلا الله، أي: الموحدون الذين ما اعترفوا بألوهية مخلوق من المخلوقات ولا كائن من الكائنات، وترجموا ذلك بقولهم: لا إله إلا الله، ولم يعبدوا غير الله لا بكلمة ولا بإشارة ولا بأي عمل، ولكن فسقوا وماتوا على فسقهم وهم في النار، هؤلاء بشروهم بالخروج من النار ودخول الجنة والخلود فيها، ويتفاوتون في البقاء في النار، منهم من يلبث أحقاباً، ومنهم دون ذلك بحسب ذنوبهم وما ارتكبوه، أما غير الموحدين من أهل الشرك والكفر فهم لا يخرجون من النار أبداً ولا يدخلون الجنة أبداً، بأخبار الله تعالى وأحكامه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
معنى قوله تعالى: (إن ربك حكيم عليم)
(إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ )[الأنعام:128]، هذا تعليل للحكم، إن ربك حكيم يا رسول الله، عليم يا عبد الله، فحكمته هي التي اقتضت أن من مات على الشرك والكفر لا يرى النعيم ولا يدخله، وأن من عبد الله وغوت نفسه وأضلته ودخل النار وهو من أهل الإيمان فحكم الله يقتضي ألا يخلد في النار وقد عبد الله وآمن به.وقوله: ( عَلِيمٌ )[الأنعام:128] بخلقه وأحوالهم، عليم بالمطيعين بالعصاة بالكافرين بالمؤمنين بالموحدين بالمشركين، فلتمام علمه وكماله ينفذ حكمه، يدخل أهل الإيمان الجنة، وأهل الكفر النار، لو كان لا حكمة له فسيخلط، غذ وقد عرفنا الحكمة، فمن هو الحكيم؟
الذي يضع الشيء في موضعه، أين يضع الطبيب الدواء؟ إذا كان الجرح في كتفه هل يضعه في قمة رأسه؟ ما هو بحكيم أبداً، فالحكيم الذي يضع الشيء في موضعه.
الآن الذي يتزحزح بينكم وينام هل هو حكيم؟ أهذا موضع نوم؟ ما وضع النوم في موضعه، الذي يقف عند باب المسجد ويصهل كالحمار أو يبول هل هو حكيم؟
ولهذا نطلب من الله أن يهبنا الحكمة، وأن يجعلنا من أهلها، وهذه الحكمة لا بد لها من العلم والمعرفة، تعرف أين يقال كذا وأين يقال كذا، أين يؤكل في وقت كذا ويؤكل في وقت كذا.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

هداية الآيات
الآن مع هداية هذه الآيات؛ علكم تصلون إلى نتيجة، فتأملوا.[ أولاً: بيان سنة الله تعالى في الهداية والإضلال ]، بيان سنة الله المتخذة المسلوكة في الإضلال والهداية، من يرد الله هدايته يهده، ومن يرد إضلاله يضله، ولكن كيف يهدي الله وكيف يضل؟ من طلب الهداية هداه الله، ومن طلب الغواية أغواه الله وأضله، لا أن الناس كلهم في مستوى واحد والله يهدي هذا ويضل هذا، فلهذا يجب أن نطلب الهداية بقرع بابه والبكاء بين يديه طول حياتنا، ونتجنب طرق الضلال وكلام الضلال ومسالك الضلال حتى ننجو منه.
[ ثانياً: بيان صعوبة وشدة ما يعاني الكافر إذا عرض عليه الإيمان] لشره، انظر إلى كافر فرنسي بريطاني إيطالي ياباني هندوسي واعرض عليه الإيمان، فسيظهر عليه كرب وهم عظيم؛ لأن القلب -والعياذ بالله- مظلم، فلو تعرض الإيمان على مائة واحد لا يقبله إلا واحد أو اثنان، والذي يقبله أيضاً لا بد أن يعاني من شدة نفسه، من أين أخذنا هذا؟
من قوله تعالى: ( وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا )[الأنعام:125]، كأنما يريد أن يصعد إلى السماء، هل هناك أصعب من هذا؟ اطلع واهبط وحاول أن تطير، فلن تستطيع، فلهذا لا بد من اللجأ إلى الله عز وجل، ما هو بالذكاء ولا بالفطنة، إذ يوجد عالم بالذرة ما يقوى على أن يقول: لا إله إلا الله، ولا يقدر عليها أبداً، وصدق الله العظيم.
[ ثالثاً: القلوب الكافرة يلقى فيها كل ما لا خير فيه من الشهوات والشبهات، وتكون مقراً للشيطان ]، قلب الكافر كالمزبلة، تقذف الأقذار والأوساخ فيها، قلب الكافر كهذا كمزبلة يلقى فيه كل باطل وشر وفساد، والشياطين هي التي تلقي فيها، من أين أخذنا هذا؟
من قوله تعالى: ( كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ )[الأنعام:125].
[ رابعاً: فضيلة الذكر المنتج للتذكر الذي هو الاتعاظ فالعمل ]، لقوله تعالى: ( لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ )[الأنعام:126]، فإذا ذُكّر ذكر، فإذا ذكر اتعظ وقبل الطاعة وعمل بها، أما ذكر مع الغفلة فما ينفع إذا ما أنتج العظة.
[ خامساً: ثبوت التعاون بين أخباث الإنس والجن على الشر والفساد ]، قال تعالى: ( رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ )[الأنعام:128]، هذا اعترافهم بين يدي الله: ( رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ 9[الأنعام:128].
لو أن الإنس ما ساعدوا الجن والله لقل الفسق والفجور في الأرض، ولو أن الجن أيضاً ما أضلوا لما وقع ضلال، لكن التعاون بين الإنس والجن هو الذي أوجد الخبث والشر والفساد في الأرض، الجن يريدون أن يكون الإنس مثلهم في النار، والإنس كذلك عندما يفسقون يريدون أن يكون الناس كلهم مثلهم، وهذا مشاهد، أهل الفسق والفجور بودهم أن يكون الناس مثلهم، ولذا يعلمون على إضلالهم وإغوائهم ونشر الخبث بينهم؛ حتى لا يكونوا غرباء وحدهم.
[ سادساً: إرادة الله مطلقة يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، فلا يؤثر فيها شيء ].
أخذنا هذا من قوله تعالى: ( إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ )[الأنعام:128]، إرادة مطلقة لا يعجزها شيء ولا يقف في وجهها شيء، بخلاف إرادات غير الله تعالى.
والله تعالى أسأل أن يجعلنا من أهل دار السلام، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

ابوالوليد المسلم
26-10-2021, 04:50 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانعام
الحلقة (401)
تفسير سورة الأنعام (34)


إن إنكار رسالة البشر سنة عامة في كل الأمم، والاستهزاء بالرسل سنة بشرية لا تكاد تتخلف، ولذا وجب على الرسل وأتباعهم ومن جاء بعدهم من الدعاة الصبر على ذلك، أما طلب المكذبين والمعرضين بأن يكون الرسول ملكاً فما هو إلا إحدى ذرائعهم لعدم القبول والتصديق بما جاءهم من عند الله، وما جزاء من يفعل ذلك إلا الخزي وأن يصيبهم العذاب الذي كانوا ينكرونه ويستبعدونه.
تفسير قوله تعالى: (ولو نزلنا عليك كتاباً في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة واللتين بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن مع سورة الأنعام، وأعيد إلى أذهان المستمعين والمستمعات أن هذه السورة تقرر المبادئ الثلاثة العظمى: التوحيد، والبعث الآخر، والنبوة المحمدية، إذ هذه هي عناصر الإيمان القوية، من ظفر بها فآمن بأن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأن البعث حق؛ فهذا حي وأصبح قادراً على النهوض بكل ما يكلفه الله ورسوله من فعل أو ترك، ومن فقد هذه العناصر فهو ميت، ومن فقد بعضها فهو ميت، ومن أصابه ريب فيها أو في بعضها فهو هالك.
سورة الأنعام التي زفت بسبعين ألف ملك ولهم تسبيح وزجل هؤلاء نزلوا مع هذه السورة المكية قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، فمن أولها إلى آخرها وهي تقرر مبدأ لا إله إلا الله محمد رسول الله، لا بد من لقاء الله والجزاء على الكسب في هذه الدنيا، الخير بالخير والشر بالشر.
وها نحن مع هذه الآيات الثلاث أو الأربع، ولنستمع إليها من مجودها؛ لعل قلوبنا تخشع ولعل أسماعنا تضطرب وتسمع.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَقَالُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الأَمْرُ ثُمَّ لا يُنظَرُونَ * وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ * وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون )[الأنعام:7-10].
وها نحن قد استمعنا إلى هذه الآيات الأربع من كتاب الله عز وجل، واخترت أن نسمعها مجودة مرتلة من أهل التجويد لتزداد نفوسنا شوقاً إليها، ويزداد نور علمنا معرفة بها، ولا بأس؛ لأننا مشغولون عن سماع التجويد في إذاعة القرآن وغيرها لأعمالنا، فقلنا: نقتبس هذه الدقائق نسمع فيها كتاب الله مجوداً مرتلاً علينا.
قال عز وجل: ( وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ 9[الأنعام:7]، يخبر تعالى رسوله مصطفاه نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم بحقيقة علمها الله وهي واقعة: ( وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ 9[الأنعام:7] يا رسولنا ( كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ )[الأنعام:7] والقرطاس: الورق، وقد يكون من جلد، وقد يكون من عظم، لكن المعروف القرطاس من هذه الكراريس.
و(نزلناه) قد يدل هذا التضعيف على أن المراد أن ينزل في سلسلة من النور من السماء، ويتدلى حتى يصبح أهل مكة يلمسونه بأيديهم وهو معلق، وكذلك قد يكون المراد: نزلنا عليك كتاباً بواسطة الوحي، بواسطة ملك ينزل ويعطيك الكتاب مكتوباً، هؤلاء المتمردون المعاندون المشركون كانوا سيقولون ماذا؟ ( إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ )[الأنعام:7] كيف ينزل كتاب من السماء؟ كيف يتدلى من الملكوت الأعلى وتقولون: لمسناه بأيدينا؟ أنتم مسحورون، الرجل سحركم في أعينكم! لو نزل به ملك وقال: هذا كتاب الله إليك يا رسول الله، فعلم الناس وبلغهم؛ لقالوا كذلك: هذا سحر.
من أخبر بهذا؟ إنه خالق قلوبهم، وموجد غرائزهم وطبائعهم، والله لقالوا هذا القول، وقد قالوا، أما قالوا: ساحر؟ أما قالوا: شاعر؟ أما قالوا: مجنون؟
تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم والدعاة من بعده بذكر حال الكفرة مع الوحي
وفي هذا تسلية وتعزية لرسول الله ليصبر على دعوته، إنهم وراءه ينهشونه بألسنتهم، ويأكلونه بألسنتهم، ولا يقول قولاً إلا سخروا واستهزءوا، فلو لم يصبر لكان سيخرج من مكة ويتركهم، يونس عليه السلام ما استطاع، فر هرب، ولكن الحق عز وجل يحمله على الصبر والثبات بمثل هذه الآيات التي تسليه وتعزيه وتحمله على الصبر. وكان من حق الدعاة أن ينظروا إلى هذه الآيات أيضاً، ويصبروا على الضحك والاستهزاء والسخرية ورد الكلام وعدم قبوله، والانتقاد والطعن، ولا يزلزلهم ذلك أو يبعدهم عن دعوة الله، بل يسكتون عن ذلك متسلين متعزين بما عزى الله به رسوله صلى الله عليه وسلم وسلاه، إذ هذه الآيات خالدة وباقية، سر بقائها لينتفع بها المسلمون، ولو من باب الفرض: ( وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ )[الأنعام:7] الجواب: ( لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ )[الأنعام:7] واضح بين، وإلا فكيف ينزل كتاب من السماء ونشاهده؟ أو كيف ينزل ملك ويأتي بكتاب؟ ما سمعنا بهذا ولا رأيناه. فإن حصل ورأوه قالوا: هذا سحر، لقد سحركم! مثل هذا لا يقع أبداً، وفيه حقيقة السحر، وهو أن الإنسان إذا سحر تنقلب الحقائق عنده، فيصبح يرى الباطل حقاً، حتى زوجه التي يحبها يراها عدواً له، وهي كذلك.
ولهذا من لطائف هذا الدرس أن قلنا: لا يبعد أن يكون اليهود قد سحروا رؤساء العرب ومسئوليهم؛ لماذا؟ لأنهم يجتمعون معهم في الأمم المتحدة، ويسقونهم الشاهي أو الماء، أليس من الجائز أن يسحروهم؟ فيصبحون لا يسبونهم ولا يشتمونهم، ولا يعلنون الحرب عليهم! وهذا جائز جداً ومعقول؛ فاليهود هم أهل السحر، أول من عرف السحر اليهود، وهذا كتاب الله فاقرءوه، إذاً: فنستعيذ بالله من السحر، نعوذ بالله من السحر والسحرة.
تفسير قوله تعالى: (وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكاً لقضي الأمر ثم لا ينظرون)
( وَقَالُوا )[الأنعام:8] أي: هؤلاء الكافرون الجاحدون بحق الله تعالى بأن يعبد وحده في الأرض، وهم المشركون الكافرون بنبوة رسول الله، والمنكرون لها والجاحدون، المكذبون بوحي الله وشرعه، وما ينزل على رسوله من هذه القوانين المتعلقة بالقلوب والأبدان، هؤلاء في كل زمان ومكان يقفون هذا الموقف.(وَقَالُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ )[الأنعام:8] هلا أنزل عليه ملك فنشاهد الملك ونؤمن؟ أما بدون أن ينزل ملك فلا نصدق أن الله أرسله أو نبأه؛ إذ كل واحد يدعي فيقول: أنا رسول الله أرسلني الله! فلا بد من ملك نشاهده.
وهل يستطيعون أن يشاهدوا الملك؟ هل يقدرون؟ بل يذوبون ويتفتتون: ( وَقَالُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ )[الأنعام:8] قال تعالى: ( وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الأَمْرُ ثُمَّ لا يُنظَرُونَ )[الأنعام:8] سنتنا مضت في الأمم السابقة، أن الشعب أو الجماعة أو الأمة إذا طالبت بالملك فإن الملك إذا نزل يبيدهم وينهي وجودهم؛ لأنهم تحدوا الله عز وجل، فإذا تحدوه وطالبوا بالتحدي أهلكهم الله عز وجل، كما أهلك عاداً في الجنوب، وثمود في الشمال، وقوم لوط وفرعون وقومه في الغرب.
هذه سنته، إذا أنزل الله ملكاً متحدياً نسفهم وقضى على وجودهم، واسمعوا قوله تعالى: ( وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الأَمْرُ ثُمَّ لا يُنظَرُونَ )[الأنعام:8] ولا يمهلون ولا ساعة!
تفسير قوله تعالى: (ولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً وللبسنا عليهم ما يلبسون)
ثم قال تعالى: ( وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا )[الأنعام:9] لو نزلنا ملكاً من السماء فقال: أنا ملك، وقال الرسول: هذا ملك من عند ربنا، فهيا خذوا عنه؛ لقالوا: كيف نتفاهم مع الملائكة؟ ما نفهم لغتهم ولا يفهموننا ولا نتلاءم، ما نستطيع أن نجالس الملك من الملائكة، لِمَ لَمْ يجعله رجلاً نتفاهم معه ويفهم منا، هو منا ونحن منه، أما الملك فهذا لا يمكن أبداً ولا نؤمن بهذا.والله لو جعله ملكاً لقالوا هذا؛ لأنهم ما يريدون أن يتخلوا عن أباطيلهم وخرافاتهم وضلالاتهم ورقصهم وشطحهم وأكلهم وشربهم وباطلهم، ألفوا ذلك دهراً من الزمان، وتريد أنت أن تقلب وضعهم، فلا يقبلون، وهذا مجرب، فأين الآن الذين اعتادوا الباطل، أيستطيعون أن يستجيبوا لك بكلمة؟ كيف يتخلون عما هم عليه عشرات السنين؟! لا يقبلون.
(وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا )[الأنعام:9] إذ يقولون: ما فهمنا عنه، ولا يفهم عنا، استبدله برجل، ويبقى الأمر هكذا خبطاً وخبالاً والتباساً، فإن نزلنا ملكاً قالوا: ما فهمنا عنه، حوله إلى رجل، حولناه رجلاً فقالوا: نريد ملكاً، لماذا هذا؟ قولوا من أول مرة: لا نريد هذا الدين، لكنهم ورؤساؤهم يجادلون ويتبجحون ويقولون كذا وكذا، وإلا فالمفروض عقلاً أن يصرحوا ويقولوا: ما نريد ديناً، يكفينا دين آبائنا! حجاج عجيب هذا!
(وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ )[الأنعام:9] خلطنا عليهم ما يخلطون، فيا رسولنا! لا تكرب ولا تحزن ولا تأسف.
تفسير قوله تعالى: (ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون)
( وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ )[الأنعام:10] ما أنت بأول رسول استهزئ به، استهزءوا بنوح عليه السلام، ألف سنة إلا خمسين عاماً وهو بينهم يدعوهم، ويسخرون ويستهزئون ويكذبونه ويصفونه بصفات عجيبة، ويجعلون أصابعهم في آذانهم ويقولون: ما سمعنا. فكان يسر إليهم ويخفي كلامه ويجهر ويعلن فما استجابوا. وهود عليه السلام كم وقف بين عاد، أين عاد؟ في جنوب الجزيرة، ما بين الحيرة وحضرموت، هذه مناطقهم، حولها الله إلى جبال من الرمال.
وصالح عليه السلام نصح ثمود فتبختروا وتعالوا وصنعوا العجب في الجبال والقصور وتفننوا، وبعث الله إليهم صالحًا ليهديهم إلى الحق ولينقذهم من النار، لينقذهم من الخبث والباطل، فاستهزءوا وسخروا وقالوا: إن هذا إلا بشر مثلنا، وقالوا: ( أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ )[القمر:24] مجنونون نحن إذاً! كيف نتبع هذا؟
وأخيراً قالوا: إن كنت رسول الله كما تزعم فادع ربك يخرج لنا من هذا الجبل ناقة، فإن خرجت الناقة آمنا بك وكفى، ووالله ما آمنوا، ولو طالب المعاندون بكل حجة فإنه حين تأتي الحجة ينتكسون، فقام يصلي، وما زال يصلي ويدعو حتى تصدع الجبل وانشق، وخرجت منه ناقة عشراء يفزع المنظر إليها: ( هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )[الأعراف:73]، ( لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ )[الشعراء:155]، فالمورد الذي يسقون منه يخرج من الأرض، فلها هي يوم، ولكم أنتم يوم، فيوم الناقة تشرب فيه هي وفصيلها ذلك الماء كله، وفي اليوم الثاني هي صائمة وأهل البلاد يسقون، يملئون قربهم وآنيتهم.
فاحتالوا عليها وقتلوها، سلطوا عليها قدار بن سالف عليه لعائن الله فعقرها، فأخذتهم الصيحة، أعطاهم الله أجلاً ثلاثة أيام: الأربعاء والخميس والجمعة، وفي صباح السبت أخذوا بصيحة واحدة.
إذاً: هل نفعت الآية الآن؟ أما أعطاهم أعظم آية؟ ما نفعت، وهذا شاهد قوله تعالى: ( وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ )[الأنعام:10].

يتبع

ابوالوليد المسلم
26-10-2021, 04:51 AM
عدة الرسل
والرسل: جمع رسول، وعدد الرسل ثلاثمائة وأربعة عشر رسولاً، على عدة قوم طالوت، وذلك حين هزم بنو إسرائيل وانكسروا وتمزقوا في البلاد، فطالبوا أحد أنبيائهم -وهو حزقيل- بأن يبعث فيهم ملكاً يقاتلون معه ويستردون بلادهم؟ فأعطاهم الله طالوت ، فردوه وقالوا: فقير وما عنده مال وكذا، كيف يحكمنا هذا؟ وشاء الله أن يقودهم وهم أربعون ألفاً، وامتحنهم عند نهر الأردن فقال لهم: إننا سنصل إلى نهر ماء، الذي يشرب منه ليس مني، وليعد، إلا من اغترف غرفة بيده فقط، فلما وصلوا إلى النهر -وهم جيش ماش على أرجلهم أو خيولهم- أكبوا يشربون، وامتلأت بطونهم، فقال: عودوا لا نقاتل بكم، واحتفظ بالعهد ووفى بالوعد ثلاثمائة وأربعة عشر رجلاً، ومشى بهم ونصره الله، وبرز داود وقتل جالوت ، وانتصروا وعادت دولة بني إسرائيل على يد ثلاثمائة وأربعة عشر، وعلى عدة أهل بدر المؤمنين الذين قاتلوا المشركين فيها: ثلاثمائة وأربعة عشر، سبحان الله! توافقت العدة والعدد.
الفرق بين النبي والرسول
وما الفرق بين النبي والرسول؟ الرسول: من أوحى الله إليه بشرع وأمره بإبلاغه، فأرسل إلى قومه أو إلى قوم آخرين أو إلى حيث شاء الله، هذا الرسول.
والنبي: ينبئه الله ويخبره بالغيب وهو يعيش على رسالة من سبق، يعبد الله عز وجل بالشرع الذي أوحاه إلى رسول من رسل الله؛ فلهذا كل رسول نبي، وليس كل نبي رسولاً، قاعدة عامة: كل رسول نبي، إذ لا يرسل حتى ينبأ، ويخبر ويعلم، أليس كذلك؟ وليس كل نبي رسولاً.
من صور الاستهزاء بالمتدينين وعاقبة المستهزئين
(وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ )[الأنعام:10] ما معنى الاستهزاء؟ تعرفون صاحب الذقن واللحية، ما الذي يقولونه له؟ يقولون: يا مطوع.والأحسن ألا نحفظ كلمات الاستهزاء، حتى لا نقولها، والله ما استهزأنا بمخلوق قط، الاستهزاء والسخرية من أخلاق وطباع الهابطين اللاصقين في الأرض، أما أهل الأنوار الربانية فلا يستهزئون.
(وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون )[الأنعام:10] الذي كان يستهزئون به؛ لأنه كان يخوفهم من العذاب فيسخرون من العذاب، ويذكرهم ويخوفهم من الله فيسخرون من الله! ذاك الذي يسخرون به يكون سبب دمارهم وهلاكهم.
(فحاق): أحاط بهم من كل جانب، أي: الذي سخروا به وهو ما كانوا به يستهزئون، يستهزئون بالعذاب مستبعدين له كيف يقع؟! أو كيف يكون؟ فينزل بهم ويهلكهم الله به.
تفسير قوله تعالى: (قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين)
ثم قال تعالى لرسوله: ( قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ )[الأنعام:11] يا جماعة الشاكين المنكرين للوحي الإلهي والرسالة المحمدية! سيروا في الأرض شرقاً وغرباً ( ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ )[الأنعام:11]، وقد قلت: إن عاداً في الجنوب، وقد قال تعالى عنهم: ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ([الفجر:6-7] بدل منها ( إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ )[الفجر:7-8]، كان طول أحدهم ستين ذراعاً، كما كان آدم عليه السلام! ولا تسأل عن البناء، فإذا كان الرجل ثلاثين متراً فغرفته كم ستكون؟! ( لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ )[الفجر:8] ماذا حصل لهم؟ قال تعالى: ( وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا )[الحاقة:6-7]، وإلى الآن الفلاحون أهل البادية في المغرب وفي الحجاز في المشرق عندهم ليلة يسمونها قَرة العجوز، أو قِرة العجوز، عجوز من عاد هربت إلى مغارة في أقصى جبل، دخلت لتنجو، وكانت الريح في اليوم الثامن كاللولب تدور في داخل الغار حتى وصلت وسحبتها ورمت بها على صخور الغار، وهذه الريح في ليلة قرة العجوز هي أشد برد في الشتاء أو في أول الربيع.
ولما نجى الله هوداً عليه السلام والمؤمنين مشوا إلى الشمال، تركوا الجنوب بما فيه، ونزلوا بمدائن صالح هذه، ووجدوا أرضاً صالحة للزراعة والحياة فيها، فأنشئوا وعمروا وكثروا وأصبحوا أمة حضارية، وأخذوا يتملصون ويتخفون من العبادة، وظهر فيهم الشرك والخرافات كسائر الأمم، فبعث الله فيهم صالحاً، فنبأه وأرسله إليهم فقاوموا دعوته وسخروا: ( وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى )[فصلت:17]، هداهم الله بتلك المعجزة، ولكن استحبوا العمى على الهداية، والضلال على الصواب.
وأما قوم لوط فمكانهم تحول إلى بحيرة إلى اليوم، لا يوجد فيها سمك، ولا يعيش فيها أبداً، تحولت تلك المدن وتلك البيوت والمباني إلى أن أصبحت عبارة عن بحيرة، ونجى الله لوطاً وبنتيه عليهما السلام، وأهلك سائر قومه.
وأما في مصر فأين فرعون؟ وأين جيوشه الجرارة؟ أغرقهم الله في البحر، ومع هذا تجادلون بالباطل وتستهزئون؟ هكذا يقول تعالى لرسوله: ( قُلْ )[الأنعام:11] لهم: ( سِيرُوا فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ )[الأنعام:11] لعلكم تهتدون وتؤمنون.
وفي هذا مشروعية زيارة مثل هذه البلاد، لكن لا على أن يضحكوا ويلهوا ويلعبوا فيها كحال بعض إخواننا، بل يقفون يبكون أو يتباكون كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم، كزيارة القبور التي تذكر بالآخرة.
إذاً: مرة ثانية أسمعكم الآيات: ( وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَقَالُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الأَمْرُ ثُمَّ لا يُنظَرُونَ * وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا )[الأنعام:7-9] إذ قالوا: ما نفهم هذا الكلام، ( وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ * وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون * قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ ([الأنعام:9-11]، إذا شككتم ) سِيرُوا فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ )[الأنعام:11].
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

هداية الآيات
إليكم هداية هذه الآيات، وراجعوا ما سمعتم.قال: [ أولاً: الآيات بمعنى المعجزات والخوارق لا تستلزم الإيمان، بل قد تكون سبباً للكفر والعناد ]، فالآيات التي يطلبها الناس والمعجزات والخوارق لا تفهم أنها تكون سبباً للإيمان، قد تزيد في كفر الكافرين؛ [ ولذا لم يستجب الله لقريش، ولم يعط رسوله ما طلبوه من الآيات ]، وقدمنا معجزة انشقاق القمر، فهل هناك أكثر من هذه؟ هذا القمر ينفلق فلقتين على جبل أبي قبيس، والعالم يشاهد ومع ذلك قالوا: سحر!
[ ثانياً: إنكار رسالة البشر عام في كل الأمم، وقالوا: ( مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ )[المؤمنون:24] في آيات كثيرة، في حين أن إرسال الملائكة لا يتم معه هدف؛ لعدم قدرة الإنسان على التلقي عن الملائكة والتفاهم معهم، ولو أنزل الله ملكاً رسولاً لقالوا: نريده بشراً مثلنا، ولحصل الخلط واللبس بذلك.
ثالثاً: الاستهزاء بالرسل والدعاة سنة بشرية ] طريقة بشرية [ لا تكاد تتخلف؛ ولذا وجب على الرسل والدعاة الصبر على ذلك ].
لما وصل العقبي إلى الجزائر كانوا -والله- يستهزئون، يقولون: هذا عقبيس، وهابي خامسي. ومن أراد أن يسمع فسيجد آلاف أهل المدينة يسخرون من أهل التوحيد ودعوتهم، وهذه سنة في البشر إلا من عصمهم الله، لا يحل لمؤمن أن يستهزئ أو يسخر، اسأل أهل العلم عما سمعت، اسأل هذا الذي سمعت منه ما سرك ولا آذاك، اسأله واستنطقه واسمع منه الحق والهدى، فقط لأنك تحافظ على بدعتك أو ضلالك أو فسقك ترد الدعوة وتنكرها، وتتهم أصحابها بكذا وكذا، حتى لا تتبعهم وتنقاد لهم؟! هذه طبيعة البشر.
قلنا: [ الاستهزاء بالرسل والدعاة سنة بشرية لا تكاد تتخلف؛ ولذا وجب على الرسول وعلى الدعاة الصبر على ذلك ] وعدم الزعزعة، والثبات حتى يبلغوا دعوة الله، وينجي الله من أراد إنجاءه.
[ رابعاً: عاقبة التكذيب والاستهزاء ] ما هي؟ [ هلاك المكذبين والمستهزئين ] والعاقبة: النهاية، وهل نسيتم أن الله أذل المسلمين وسلط عليهم الشرق والغرب أم لا؟ ما سبب ذلك؟ لقد أعرضوا عن كتاب الله وهدي رسوله وتمسكوا بمذاهبهم وآرائهم، فانقسمت كلمتهم وتمزق شملهم، وتركوا دين الله وعبدوا الأهواء والشياطين؛ فأراهم الله عجائب قدرته فسلط عليهم بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وأسبانيا حتى هولندا العجوز! ثلاثة عشر مليوناً سادوا مائة مليون من المسلمين! وهذا التكذيب الآن والاستهزاء بين المسلمين في عالمهم حلفت البارحة أن له آثاراً، وأزيد فأقول: لن تخطئ سنة الله، إما أن يتوبوا إلى الله ويرجعوا إليه، وتصبح إمامتهم واحدة، ودولتهم واحدة، وشرعهم وقانونهم واحداً، وكلهم رجل واحد، لا شرك ولا باطل ولا شر ولا خبث، وإلا فسوف تمضي بهم سنة الله، ما هي قضية عام أو عشرة، لن تتخلف سنن الله عز وجل.
أوتظن الله يرضى بانقسامنا وسخريتنا بالإسلام؟ هل يرضيه تعالى هذا؟ من قال: أي نعم، قلنا له: لم لم يرضه لأجدادنا لما ملكهم الشرق والغرب وأذلوهم وأهانوهم؟
[ خامساً: مشروعية زيارة القبور، للوقوف على مصير الإنسان ومآل أمره، فإن في ذلك ما يخفف شهوة الدنيا والنهم فيها والتكالب عليها، وهو سبب الظلم والفساد ] في الأرض. من أين أخذنا هذا؟ دلت الآية عليه: ( قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ )[الأنعام:11].
هذا كتاب الله فهل أقبلنا عليه؟ متى نقبل؟ لقد قلت -والله يعلم ويشهد، وسوف تذكرون هذا في قبوركم إن متم قبل الأحداث أو يوم القيامة، أو ستذكرونه وأنتم أحياء-: إن لم نرجع في صدق إلى الله، والطريق الوحيد الذي كتبنا به إلى علمائنا وإلى حكامنا هو أن يرجع أهل القرية إلى ربهم، فيجتمعون في مسجدهم الجامع من صلاة المغرب إلى العشاء كل ليلة طول العمر، نساؤهم وراء الستارة، وأطفالهم صفوف كالملائكة، والفحول أمامهم، ويتلقون الكتاب والحكمة، وكل حي من أحياء المدينة يوسعون جامع الحي حتى يتسع لكل أفرادهم نساء ورجالاً وأطفالاً، فإذا دقت الساعة السادسة وقف العمل، لا مقهى ولا مصنع ولا دكان، ويتطهرون ويحملون أطفالهم ونساءهم إلى بيت ربهم ليبكوا بين يديه ويشكوا آلامهم إليه، ويتضرعوا له ليرفعهم وينقذهم.
من المغرب إلى العشاء يتعلمون الكتاب والحكمة، فهل تبقى فرقة؟ هل يبقى خلاف؟ هل يبقى زنا أو لواط أو فجور أو كذب؟ والله لا يبقى.
وها نحن نشاهد أبناءنا وشبيبتنا كيف تنتكس في كل مكان، والجرائم والموبقات في كل مكان، فما سبب هذا؟
إنهم ما عرفوا الله، ولا عرفوا كيف يؤمنون به، فمن ينقذنا؟ هل أمريكا أو روسيا؟ من ينقذنا سوى الله عز وجل؟ كيف ينقذنا الله؟ ما الطريق؟ إنه الطريق الذي سلكه رسول الله في أمته.
إن عمر وجاره رضي الله عنهما كانا يتقاسمان الزمن، ليلة يا عمر تكون أنت مع الرسول، وليلة أنا مع الرسول!
فما أصاب الناس من الفتن كل هذا والله لن يزول إلا بالإيمان الصحيح، والمعرفة الحقة بالله عز وجل ومحابه ومساخطه.
فأيما أسلوب، وأيما سلوك وأيما نظام لا يأتي من طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو باطل، وقد التحقنا باليهود والنصارى وتشبهنا بهم حتى في البرانيط على أطفالنا! وما زلنا هابطين، متى نرتفع؟ حين نعود إلى كتاب الله وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والطريقة الوحيدة ما هي بالكتب ولا الكليات ولا الجامعات، الصدق أن نتلقى الكتاب والحكمة في المسجد؛ لنطبق على الفور ونعمل، لا للوظيفة ولا لهدف غير أن يعبد الله وحده! ومدارسكم حولوها إلى ما شئتم، ثم ما يزكي النفس ويهذب القلب والروح هو قال الله وقال رسوله، من أجل أن يرضى الله عز وجل ويكرم أولياءه.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
26-10-2021, 04:52 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانعام
الحلقة (402)
تفسير سورة الأنعام (35)

من سنة الله عز وجل التي لا تتخلف ولا تتبدل أن الأعمال هي سبب الموالاة بين الإنس والجن، فذو العمل الصالح يوالي أهل الصلاح، وذو العمل الفاسد يوالي أهل الفساد، فيناصر كل فريق أهل ولايته، ويحارب أهل عداوته، ثم الله عز وجل يعطي كل فريق ما يستحقه، فالصالحون في رحمة ربهم هم داخلون، وفي جناته ساكنون، وأما الفاسدون فإلى جهنم يحشرون.
تفسير قوله تعالى: (وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس بإذن ربنا كتاب الله؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه ألفاً وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن مع سورة الأنعام المكية المباركة الميمونة، تلكم السورة التي زفت بسبعين ألف ملك ولهم زجل وتسبيح، هذه السورة تعالج ثلاث قضايا من أهم القضايا وأعظمها:
الأولى: التوحيد، قضية أنه لا يوجد في العوالم العلوية والسفلية من يعبد بحق سوى الله، لا إله إلا الله، أي: لا معبود يستحق العبادة إلا الله، وذلكم لربوبيته، لكونه الخالق الرازق المدبر للخلق والكون، فكيف يعبد معه غيره؟! فربوبيته استلزمت ألوهيته.
ثانياً: تقرير النبوة المحمدية وإثباتها، وأن محمد بن عبد الله رسول الله ونبي الله.
ثالثاً: مبدأ البعث الآخر، الحياة الثانية والجزاء فيها على الكسب في هذه الحياة.
السورة تدور على هذه القضايا وتقررها.
وها نحن مع هذه الآيات الأربع، فهيا بنا نصغي ونستمع لتلاوتها مرتلة مجودة ونحن نتدبر ونتفكر فيها، ثم نشرحها بإذن الله ونعلم ما فيها من هدى الله، اللهم حقق لنا ذلك.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ * ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ * وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ )[الأنعام:129-132].
المراد بتولية الله تعالى بعض الظالمين بعضاً
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: ( وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ )[الأنعام:129]، تأملوا هذه الآية الكريمة: ( وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ )[الأنعام:129].أولاً: تدل الآية دلالة واضحة قطعية على أن الظالمين -وهم الذين خرجوا عن صراط الله المستقيم، فكفروا وظلموا وفسقوا وخرجوا- هؤلاء من الإنس والجن يولي الله تعالى حسب سنته بعضهم بعضاً.
وتقدم بالأمس أنهم قالوا: ( اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا 9[الأنعام:128]، الإنس والجن عالمان، الشياطين منهم الظلمة الكفرة الفسقة هؤلاء يتولى بعضهم بعضاً، وينتفع بعضهم ببعض، وهذا اعترافهم: ( اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ )[الأنعام:128].
وهذا شأن الظالمين من الناس كذلك، يولي الله تعالى بعضهم بعضاً، الظالمون في أي مكان كلمتهم واحدة ويدهم واحدة، وسواء كانوا فجرة أو فسقة أو ظلمة، الفجار الخارجون عن حدود الله أمرهم واحد ونهجهم واحد، وهكذا تدل الآية دلالة واضحة على أنه من سنة الله تعالى أنه يولي الظالمين بعضهم بعضاً، فيتناصرون ويتعاونون على ظلمهم وباطلهم وشرهم وفسادهم، سواء كانوا أفراداً أو جماعات أو أمماً وشعوباً، أما تعاون الشيوعيون في العالم؟ أما تولى بعضهم بعضاً؟ إذاً: هذه سنة الله عز وجل.
وتدل الآية دلالة أخرى على أن الله يسلط الظالمين على الظالمين ويوليهم عليهم، وحصل هذا ويحصل.
والمهم أن نتبرأ من الظلم وأهله، أن نتبرأ من الظلم والظالمين، هذه سنة الله تعالى فيهم.
وتدل الآية دلالة أخرى أيضاً على أن أهل القرية أو الشعب أو الأمة إذا ظلموا يظلمهم حكامهم ويصبحون ظلمة لهم، أما قال: ( نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا )[الأنعام:129]، أهل إقليم لو استقاموا ولجئوا إلى ربهم في صدق وقالوا: آمنا بالله، واستقاموا على منهج الله كيف يحكمهم حاكم ظالم؟ من أين يأتي؟ من أبنائهم وإخوانهم يفسق ويظلم وهم صالحون؟! والله ما كان، ما عليه إلا أن ينسجم معهم فيصلي ويستقيم.
استقامة الناس وسيلة محققة لعدل الحاكم
أيما إقليم من أقاليمنا الإسلامية من إندونيسيا إلى موريتانيا لو أن أهله فزعوا إلى الله ولجئوا إليه لا بالضجيج والصياح والقتال والهيشات، لكن بالإنابة الصادقة إلى الله، وأسلموا قلوبهم ووجوههم لله عز وجل، وتراحموا وتعانوا حتى تنتهي مظاهر الفسق والظلم والخبث والشر والفساد، فكيف سيكون الحاكم؟ يكون مثلهم أو أكثر تقوى منهم.سنة الله لا تتبدل: الطعام يشبع، الماء يروي، النار تحرق، الحديد يقطع، سنن لا تتبدل، وكذلك الظلم والفسق والفجور والخروج عن منهج الله يسبب تسلط الظالمين المعتدين.
والاستقامة الربانية الصادقة كذلك، يولي الله تعالى المستقيمين على المستقيمين، كما ولى المعوجين على المعوجين، سنته لا تتبدل.
فالذين يريدون أن يصلحوا أقاليمنا الإسلامية وهي تعيش على هذا الباطل ماذا يصنعون؟ هل يأتون بـعمر بن الخطاب ؟ والله ما ينفع، أقسم بالله أنه لو جاء عمر فلن يقدر، بل لا بد أن تكون دعوة ربانية، أهل البلاد يؤمنون حق الإيمان ويسلمون الإسلام الحق ويستقيمون على منهج الله، ويعرفون الطريق إلى الله، ومن ثم فأيما حاكم يقودهم باسم الله.
فالنظرية التي تقول: طريق الحاكمية القتال حتى نقيم الدولة الإسلامية نظرية باطلة، ولن تنتج إلا الخراب والدمار، يا شيخ!كيف تقول هذا؟ لقد قلنا هذا منذ خمسين سنة، والإخوة المسلمون هائجون في كل مكان، فأثبتوا أن شيئاً تحقق؟ هل قامت دولة إسلامية في دولة من العالم؟
إن القضية ما هي بقضية نظرية، قضية علم وحقيقة شرعية، ائت إلى أهل البلاد وأصلحهم وأنت متخل عن السياسة تمدح الحاكم حتى لا يغضب، وانشر دعوة الله، فإذا استقام أهل البلاد وأصبحوا ربانيين حكمهم الإسلام.
أما أمة فيها الزاني واللوطي والمجرم والمرابي والجاهل والخرافي والمشرك وتريد أن تقيم فيها دولة إسلامية بالكلام أو بالحديد بالنار فلن يتم هذا، ها هي قد مضت السنون فهل حصل شيء؟ وعلة هذا البعد عن منهج الله المستقيم، أعرضنا عن كتاب الله وقرأناه على الموتى، وهجرنا آيه، وما تتبعنا نوره ولا هداه فنحن نتخبط في حيرتنا.
يقول تعالى: ( وَكَذَلِكَ نُوَلِّي )[الأنعام:129]، من الذي يولي؟ الرب جل جلاله، ( بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا )[الأنعام:129]، وقال معللاً: ( بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ )[الأنعام:129]، أي: بكسبهم لأنفسهم، ما هو بظلم الله لهم فولاهم فقط لجبروته وقدرته، ولكن بكسبهم، وهذا الكسب لو كان خيراً فلن يسميهم ظالمين، هذا كسب الشر والجرائم والموبقات، سلط الله بعضهم على بعض، أو ولى بعضهم بعضاً وتناصروا وهكذا.
معاشر المستمعين والمستمعات! هل فهمتم من هذه الآية ما قلت لكم؟
(وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ )[الأنعام:129]، قالوا في عرصات القيامة: ( رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ )[الأنعام:128]، خدمونا وخدمناهم، عاونونا وعاوناهم، وقفوا إلى جانبنا ووقفنا إلى جانبهم، هؤلاء عالم الإنس والجن باعترافهم، فهم الآن أيضاً ينصر بعضهم بعضاً، لا يوجد ظلم وظلمة إلا وأهله ينتصر بعضهم لبعض، ولكن قد تمضي فيهم سنة أيضاً أن يسلط الله بعضهم على بعض فيدمر بعضهم بعضاً، ووقع في التاريخ ويقع.

يتبع

ابوالوليد المسلم
26-10-2021, 04:53 AM
بيان سبب البلاء المسلط على أمة الإسلام في العصر الحاضر
واللطيفة التي لا ننساها: (كيفما تكونوا يولَّ عليكم)، لما فجرنا وفسقنا وأشركنا بربنا وعبدنا القبور، وظلم بعضنا بعضاً، وانتشر فينا الفساد سلط الله علينا أوروبا من هولندا إلى إيطاليا وأسبانيا فشردونا وحكمونا؛ لأننا انحرفنا وفسقنا وخرجنا عن طريق الله، ما أصبحنا أولياء لله، يوجد بيننا أولياء وصالحون رحمهم الله، فسلط أوروبا علينا حتى خف ذاك الضغط والتنكيل والتعذيب الذي كان بين المسلمين، وأنتم لا تعرفون هذا، كان الإنسان إذا أراد الانتقال من قرية إلى قرية لا يمر إذا لم يدفع جزية، اللصوص والمجرمون في الطرقات وفي كل مكان، في المدينة قالوا: كان المجرم يأخذ الباب ويبيعه، وإياك أن تقول: هذا بابي. هبطت هذه الأمة هبوطاً كاملاً.إذاً: فتدبير العلي العظيم الحليم الكريم أن سلط علينا من شاء أن يسلط، واقرءوا: ( وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ )[الأنعام:129]، ولما استقللنا وتحررنا من هولندا وإيطاليا وأسبانيا وبريطانيا؛ فبدل أن نشكر الله عز وجل ونقبل عليه بإنابة صادقة وإسلام صحيح حتى تنتصر دعوة الله وتعلو راية الإسلام، عملنا العكس: أقبلنا على الشهوات والمناصب والوظائف والتكالب على الدنيا وأوساخها حتى أصبحنا أسوأ مما كنا، ماذا نفعل؟ أسألكم بالله -يا عقلاء- أليس هذا هو الواقع؟
أما ينظر الله كيف نعمل بعدما نجانا من حكم الكافر، أما ينظر كيف نتصرف؟ ثم ينظر كيف تعملون، فبدل أن نشكر الله ونطبق شرعه ونستقيم على منهجه عكسنا القضية من جديد، وها نحن تحت النظارة، وسوف أموت وتذكرون، إما أن ينقذ الله العالم الإسلامي بتوبة صادقة وإما أن يسلط عليهم بلاء لا نظير له ما عرفوه.
والنجاة النجاة، كل بلد فيه مؤمن عليه أن يطلب النجاة لنفسه فيتبرأ من تلك التكتلات والأباطيل ويلزم باب الله عز وجل حتى يتوفاه الله مسلماً.
تفسير قوله تعالى: (يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا...)
ثم قال تعالى: ( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ )[الأنعام:130]، يناديهم الرب تبارك وتعالى سواء بنفسه أو بواسطة ملائكته، هذا النداء في عرصات القيامة في ساحة فصل القضاء والحكم الأخير: ( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا )[الأنعام:130]، هذا الاستفهام للتقريع والتقرير، ( أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ )[الأنعام:130].وهنا أنبه أنه لم يكن للجن أنبياء ورسل مصطفون، ولكن نذر يأخذون العلم من النبي والرسول الآدمي ويبلغونه.
(أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي )[الأنعام:130]، كيف يقصونها؟ لأنهم يتتبعونها آية بعد آية، هذه في الطلاق، هذه في الحلال، هذه في الحرام، هذه في العقيدة، وهكذا قص وتتبع، ما هي مجرد تلاوة، يقصون كما تقص العثرة في الطريق، يتتبعون كل مقومات حياتكم من آداب، وأخلاق، وشرائع، وعقائد.
(وَيُنذِرُونَكُمْ )[الأنعام:130] أي: عواقب ( لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا )[الأنعام:130]، أما كان الرسل والدعاة إلى اليوم ينذرون الناس من الفسق والفجور والظلم والشرك والباطل؛ لأن عواقب ذلك مرة مدمرة، ( وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا )[الأنعام:130]، ووقوفكم بين يدي الله للحساب والجزاء، هل كان هذا أم لا؟ بلى ورب الكعبة، تم هذا وحصل.
معنى قوله تعالى: (قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين)
فماذا يقولون؟ ( قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا )[الأنعام:130]، بعثت إلينا رسلك، وأتونا وقصوا علينا كل ما تريد أن نعلمه ونعمل به ونتقيك به يا رب العالمين، ولكن هذا الذي حصل، ( شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا )[الأنعام:130].قال تعالى: ( وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ )[الأنعام:130]، غرتهم الحياة الدنيا أيام كانوا فيها، وشهدوا أمام الله على أنفسهم أنهم كانوا كافرين، كافرين أولاً: بوحدانية الله عز وجل، ما كانوا يقولون: لا إله إلا الله.
ثانياً: كانوا كافرين برسلهم، ما آمنوا بهم ولا اتبعوهم.
ثالثاً: كانوا كافرين بلقاء ربهم هذا، كانوا كافرين بالشرائع والأحكام التي كانت تأتيهم ويؤمرون باتباعها والأخذ بها، كل هذا أعلنوا عنه أنهم كانوا جاحدين كافرين مكذبين.
مرة ثانية: في هذا الموقف العظيم في عرصات القيامة في ساحة فصل القضاء يقول الرب تعالى: ( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ )[الأنعام:130]، لماذا بدأ بالجن؟ لأنهم وجدوا قبل الإنس. ( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ )[الأنعام:130] عواقب ( لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا )[الأنعام:130]؟ فهل اعترفوا أم لا؟
(قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ )[الأنعام:130]، وهل الحياة الدنيا تغر وتخدع؟ أي نعم، لا تسأل، كل تارك صلاة كل مانع للزكاة كل متعاطي الربا كل متعاطي الحشيشة كل ظالم كل فاجر مغرور مخدوع، لو عرف الحياة الدنيا لبكى في موضعه وتاب إلى الله عز وجل، يظن أنه يعيش وما يزال العمر طويلاً وما إلى ذلك، لو فكر الظالم الفاسق المجرم الملازم للمعصية أنه قد يموت الآن ويلقى ربه لصرخ: أتوب إلى الله، أستغفر الله، ولخرج يجري في الشارع، لكن غرتهم الدنيا فلا تسمح لهم أن يفكروا هذا التفكير.
(وَشَهِدُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا )[الأنعام:130] في دنياهم ( كَافِرِينَ )[الأنعام:130]، غير مؤمنين.
تفسير قوله تعالى: (ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون)
قال تعالى: ( ذَلِكَ )[الأنعام:131] الذي سمعتم وعلمتم بسبب أنه ( لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ )[الأنعام:131] لم يكن الله ( مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ )[الأنعام:131]، ليس من شأن الله تعالى ولا من سنته في خلقه أن يهلك أهل قرية بظلم منه وهم مستقيمون عابدون صالحون، أو لم يكن من شأنه أن يهلكهم قبل أن يبعث الرسل إليهم والنذر ينذرونهم ويخوفونهم، لا هذا ولا ذاك.(ذَلِكَ )[الأنعام:131]، الذي سمعتم بسبب أنه ( لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ )[الأنعام:131] تعالى يا رسول الله ( مُهْلِكَ الْقُرَى )[الأنعام:131]، ما المراد من القرى؟ العواصم والحواضر والمدن، والمراد من القرى أهلها وسكانها، وفي القرآن إيجازات عجب والمعنى لا يختلف، فليست المدينة فقط التي يدمرها، المراد المدينة ومن فيها من السكان.
ذلك سببه ماذا؟ أنه لم يكن من شأن ربنا عز وجل أن يهلك أهل القرى بظلم منه وأهلها غافلون، لا بد أن يرسل الرسل ويبعث النذر فيعلمون، فإن رفضت البلاد وأهلها سلط عليهم العذاب.
تفسير قوله تعالى: (ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما تعملون)
ثم بعد ذلك ما الذي يتم؟ قال: ( وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا )[الأنعام:132]، ولكل من الإنس والجن من الظلمة والمعتدين، من الكافرين والمؤمنين، من الصالحين والفاسدين ( دَرَجَاتٌ )[الأنعام:132]، لماذا ما قال: دركات أيضاً؟ يكفي ذكر الدرجات، والدركات معروفة، وما الفرق بين الدرجة والدركة؟الدرجات درجة فوق درجة إلى أن يصل إلى المكان العالي السامي، والدركات دركة واحدة تحتها واحدة وتحتها واحدة إلى نهاية السفلى، الدرج للصعود، والدرك للهبوط.
(وَلِكُلٍّ )[الأنعام:132] من الإنس والجن ( دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا )[الأنعام:132]، أي: بسبب عملهم، فمن آمن وعمل صالحاً واتقى الشرك والمعاصي يرفعه درجات، وكيف نعبر عن هذه الدرجات؟ إنهم ليتراءون منازلهم كما نتراءى الكواكب في السماء؛ لتفاوت علوها، ينظرون إلى منازلهم متفاوتة في السمو والعلو تفاوت الكواكب، درجات، والدركات لا تسأل عنها في عالم الشقاء النازل الهابط.
(وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا )[الأنعام:132]، أي: من أعمالهم.
ثم قال تعالى: ( وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ )[الأنعام:132]، الإنس والجن، البررة والفجرة، المؤمنون والكافرون، الموحدون والمشركون، العالم كله بين يدي الله، وهو عليم بسلوكهم وأعمالهم، فلهذا يتم الجزاء وفق علم الله عز وجل، فآمنوا واطمئنوا.
اسمعوا تلاوة الآيات:
(وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ )[الأنعام:129]، فحسنوا كسبكم إذاً.
(يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا )[الأنعام:130]، إي والله بعثت وأرسلت، هذا محمد صلى الله عليه وسلم فينا.
(قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا )[الأنعام:130]، ونعوذ بالله أن نكون ممن غرتهم الحياة الدنيا، فاشتغلوا بالباطل والشر والفساد معرضين عن ذكر الله ولقائه وعبادته. ( وَشَهِدُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ )[الأنعام:130].
(ذَلِكَ )[الأنعام:131]، السبب: ( أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ )[الأنعام:131]، لا بد أن يرسل الرسل ويبعث النذر من الجن يعلمون ويقصون ويبلغون، ثم إذا أصر أهل البلاد على الكفر وعلى الشرك والباطل دمرهم، هذا في الدنيا.
(ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ 9[الأنعام:131] يا رسول الله ( مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ )[الأنعام:131].
وأخيراً: ( وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ )[الأنعام:132].
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

هداية الآيات
هيا نستنتج نتائج هداية هذه الآيات، فتفطنوا.يقول: [ أولاً: بيان سنة الله تعالى في أن الأعمال هي سبب الموالاة بين الإنس والجن، فذو العمل الصالح يوالي أهل الصلاح، وذو العمل الفاسد يوالي أهل الفساد ].
من أين أخذنا هذه؟ هذه حقيقة تحلف بالله وتقول: هي حق، سنة الله في أن الأعمال هي سبب الموالاة بين الإنس والجن، فذو العمل الصالح يوالي أهل الصلاح، وذو العمل الفاسد يوالي أهل العمل الفاسد، إلى الآن بين الإنس والجن، لن تتبدل سنة الله، فهذا دل عليه قوله تعالى: ( وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ )[الأنعام:129].
[ ثانياً: التحذير من الاغترار بالحياة الدنيا].
الآية فيها التحذير من الاغترار بالحياة الدنيا، فالذين تكالبوا عليها وأعرضوا عن الآخرة ونسوها يعملون الليل والنهار، يشفون صدورهم في شهواتهم ولا يذكرون الله والدار الآخرة؛ مغرورون مخدوعون، فما هي بدائمة ولا باقية ولا أنتم فيها خالدون.
[ ثالثاً: بيان العلة في إرسال الرسل، وهي إقامة الحجة على الناس، وعدم إهلاكهم قبل الإرسال إليهم ].
من أين أخذنا هذه؟ من قوله تعالى: ( ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ )[الأنعام:131]، أي: أنه لم يكن ربك ( مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ )[الأنعام:131]، لا بد من إرسال الرسل وإنذار النذر حتى يعرفوا ثم يهلكوا أو ينجوا.
[ رابعاً: الأعمال بحسبها يتم الجزاء، فالصالحات تكسب الدرجات] العلى [والظلمات] ظلمات الشرك والكفر [تكسب الدركات] السفلى، فالصاعدون بعملهم، والهابطون بعملهم، لكل نفس ما كسبت.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

ابوالوليد المسلم
26-10-2021, 04:55 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانعام
الحلقة (403)
تفسير سورة الأنعام (36)


إن الله عز وجل حينما أمر الناس بعبادته وإخلاص التوحيد له لم يكن لفقره إليهم، ولا لحاجته لهم، فهو سبحانه غني عنهم وعن كل الخلائق، ولكنه سبحانه أراد اختبارهم وامتحانهم؛ ليعلم من منهم يعمل بطاعته سبحانه فيما أمر، وينتهي عما نهى عنه وزجر، فتكون عاقبته إلى خير، ويدخل جنة ربه العزيز المتعال، أما من عصى الله وجحد الحق فإن عاقبته إلى بوار، ولن يجد له من دون عذاب الله من ملجأ ولا واق.
تفسير قوله تعالى: (وربك الغني ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء ...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأربعاء من يوم الثلاثاء- ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن مع سورة الأنعام المكية المباركة الميمونة، تلكم السورة التي زفت بسبعين ألف ملك من السماء ولهم زجل وتسبيح، تلكم السورة التي تقرر المبادئ العظمى: التوحيد، إثبات النبوة المحمدية، تقرير البعث الآخر والجزاء فيه، شرائع الله التي بها تسعد البشرية وتكمل عليها، وها نحن مع هذه الآيات الثلاث، فهيا نصغي ونستمع إليها مجودة مرتلة ثم نأخذ في شرحها وبيان مراد الله تعالى منها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ * إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ * قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ )[الأنعام:133-135].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! هذا خبر الله عز وجل عن نفسه وهو أعلم بنفسه، يقول جل جلاله: ( وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ )[الأنعام:133]، وربك يا رسول الله، وربك يا من يستمع إلى كلامه من المؤمنين والمؤمنات، ربك الغني الغنى المطلق، وهو غنىً ذاتي ليس كغنى المخلوقات يعطون ويوهب لهم، غناه ذاتي ليس لأحد له عليه منة؛ إذ هو خالق كل شيء وبيده ملكوت كل شيء، يحيي ويميت ويعز ويذل، يعطي ويمنع، فغناه مطلق.
عظم رحمة الله تعالى ووسعها وآثارها
(وَرَبُّكَ )[الأنعام:133] أيها المستمع ( الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ )[الأنعام:133]، صاحب الرحمة، فـ(ذو) بمعنى: صاحب.هذه الرحمة الإلهية أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها فقال: ( إن الله خلق يوم خلق السموات والأرض مائة رحمة، كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض، فجعل منها في الأرض رحمة فيها تعطف الوالدة على ولدها والوحش والطير بعضها على بعض، فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة ).
ومن أراد أن ينظر إلى ذلك بعين البصيرة والبصر فلينظر إلى الدجاجة كيف تزق أفراخها، كيف تشرح نفسها وتدخلهم تحتها، كيف تعلمهم نقر الحب.
وأظهر من ذلك أن الدم القاني الأحمر الخالص يتحول إلى لبن أبيض خالص في ضرع الأنثى من النساء أو في ضرع الحيوان من الحيوانات، أليست هذه هي رحمة الله؟
وقد قال تعالى: ( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ )[الأعراف:156]، والخليقة كلها تتراحم برحمة الله، هذا هو الله الذي يجب أن يحب، ويجب أن يعبد، ويجب أن يطاع، ويجب أن نتحاب فيه ونتوالى فيه، لا المخلوقات التي تموت وتفنى وهي أفقر ما تكون إلى الله عز وجل، فويل للمشركين، وويل للكافرين، المشركون يشركون غير الله في العبادة ظلماً وعدواناً، والكافرون يجحدون هذا الكمال الإلهي ويتنكرون له وهو موجود في أنفسهم، لولا الله ما نطقوا ولا سمعوا ولا قاموا ولا قعدوا، لولا الله ما وجدوا، فكيف يكفرونه ويجحدون؟!
(وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ )[الأنعام:133]، ومشيئته خاصة به لا سلطان لأحد عليها، ( إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ )[الأنعام:133] أيها البشر، وإن كان الخطاب للمشركين وللكافرين العادلين بربهم المعاندين الذين السياق فيهم، ( إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ )[الأنعام:133] نهاية، ( وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ )[الأنعام:133]، لو شاء الله لقال للبشرية كلها الآن: موتوا فوالله ما يبقى أحد، ثم تأكلها الحيوانات وتفنى ويأتي بخلق أعظم وأكمل وأحسن من هؤلاء، ( إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ )[إبراهيم:19].
قدرة الله تعالى على إذهاب الخلق والمجيء بآخرين
(إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ )[الأنعام:133]، وقد فعل ذلك بمشركي مكة وعتاتها وطغاتها، أما أهلكم وأتى بأحفادهم وأولادهم خيراً منهم؟إذاً: يجب أن يعبد وحده وأن يحب لجلاله وكماله، وأن يطاع لقدرته، وأن ترفع إليه الأكف لغناه وفقر العباد إليه، ( إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ )[الأنعام:133]، والدليل: ( كَمَا أَنشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ )[الأنعام:133]، نحن الآن أنشأنا الله من أين؟ من آبائنا وأجدادنا وهم ذرية لآبائهم وأجدادهم، وهكذا في كل مائة سنة تجيء بشرية جديدة، كل رأس مائة سنة تتغير، ( إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ )[إبراهيم:19]، وهنا يقول: ( وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنشَأَكُمْ )[الأنعام:133] وأوجدكم ( مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ )[الأنعام:133]، أبي من الذرية وجدي من الذرية، وجد جد جدي من الذرية، وكلهم ذرية، ذرأنا الله في الأرض وفرقنا فيها.
إذاً: لهذا يجب أن يعظم ويبجل ويكبر ويعبد ولا يلتفت إلى غيره، هذا العظيم الجليل، ( وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ )[الأنعام:133]، لا في العدد ولا في الهيئة ولا في الغنى ولا في الفقر ولا في العزة ولا في الذل، بل ما يشاء، ( كَمَا أَنشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ )[الأنعام:133] غيركم أنتم، فمن ينكر هذا الواقع؟

يتبع

ابوالوليد المسلم
26-10-2021, 04:55 AM
تفسير قوله تعالى: (إن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين)
ثم قال تعالى: ( إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ )[الأنعام:134]، (إن ما) والواعد والموعد واحد ألا وهو الله عز وجل، يوعد ويعد على لسان رسوله وفي كتابه وكتبه، إن ما توعدونه من البعث والجزاء والحساب ثم بالنعيم المقيم أو بالعذاب الأليم والله لآت كما تأتي الآن صلاة العشاء، فمن ينقض خبراً كهذا؟إن ما توعدونه في كتبنا وعلى ألسنة رسلنا من البعث الآخر والجزاء إما بالنعيم المقيم أو بالعذاب الأليم، إما بالخلد في دار السلام أو بالخلد في دار البوار لآت، ومن يقول: لا؟ الذي يقول: لا نقول له: قل لغدٍ لا يأتي! اضبط هذا الليل إلى الأبد، والغد يأتي رغم أنوف البشرية، إذاً: فما وعد الله به وأوعد آت لا محالة.
ويطلق الإيعاد على العذاب، والوعد على الخير، والكل صالح أيضاً، وعبر هنا بـ(ما توعدون)، وعدهم يعدهم بالخير وبالشر.
(إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ )[الأنعام:134]، والله ما نحن بمعجزين لله، أيعجز الله عن أن يميتنا؟ هل عجز عن أن يوجدنا؟ أوجدنا وقدر على إيجادنا، وسيميتنا وهو قادر على أن يميتنا، إذاً: من يمنع أن يميتنا رغم أنوفنا؟! هكذا نعقل ونفهم لنحاسب ونجزى، ( إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ )[الأنعام:134] والله ( بِمُعْجِزِينَ 9[الأنعام:134]، نعجز من يقول للشيء: كن فيكون؟! من رفع هذه السموات الطباق وبسط هذه الأرض؟ من كوكب هذه الكواكب؟ من أوجد الحياة والموت؟ أهذا يعجزه أن يردنا مرة ثانية؟ لا والله العظيم.
(وَمَا أَنْتُمْ )[الأنعام:134] يا بني البشر.. يا بني آدم ( بِمُعْجِزِينَ )[الأنعام:134]، لا سيما الكافرين من الناس والجاحدين والمشركين والظالمين، فلهم هذا التقرير: ( إِنَّ مَا تُوعَدُونَ )[الأنعام:134] من عذاب الله للأشقياء، ومن رحمة الله للسعداء ( لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ )[الأنعام:134] الله عز وجل على أن لا يأتي بما وعد وبما أوعد.
تفسير قوله تعالى: (قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل ...)
ثم قال تعالى: ( قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ )[الأنعام:135]، قل يا رسولنا والمبلغ عنا لأولئك العادلين بنا غيرنا، والمشركين بنا سوانا، للمنكرين الجزاء والبعث الآخر، قل لهم: ( اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ )[الأنعام:135]، على وجودكم على داركم مركزكم وحياتكم، اعملوا وأنا عامل، ( إِنِّي عَامِلٌ )[الأنعام:135]، هكذا يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: قل لهم: يا قومي! والنداء بلفظ (يا قوم) يرقق القوم، لو قال: قل: يا أعداء الله اعملوا، قل: يا أهل النار اعملوا، قل: يا أهل الشرك والباطل، فلن يجدوا في نفوسهم ما يستميلهم إلى أن يصغوا ويسمعوا، سيفرون ويهربون، لكن النداء بالقومية معقول ومقبول، ويؤثر على النفس. يقول: (يا قوم)! وهل يريد الرجل لقومه الهلاك؟ هل يريد لهم الأذى والشر؟ الجواب: لا والله، هذه فطرة البشر.
(يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ )[الأنعام:135]، مراكزكم وما أنتم عليه تدافعون عنه من الشرك والباطل، ( اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ )[الأنعام:135]، أي: إني أنا عامل أيضاً على نشر دعوة الحق والوقوف إلى جانبها ودعوة الناس إليها، وسوف ترون من ينتصر أنا أم أنتم، ومن انتصر؟ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن انكسر وانهزم؟ المشركون، وتاهوا في متاهات عذاب الله.
معنى قوله تعالى: (فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون)
ثم قال تعالى: ( فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ )[الأنعام:135]، ماذا؟ ( مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ )[الأنعام:135]، من هو الذي تكون له عاقبة الدار الآخرة بالجنة دار النعيم أو بالنار دار البوار والعذاب الأليم، قل لهم: ( يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ )[الأنعام:135] في يوم من الأيام من تكون له عاقبة الدار، أي: دار النعيم، الجنة عاقبة من؟ عاقبة المتقين، ليست عاقبة المشركين والفاجرين، وسوف يعلمون هذا -والله- كما نعلم الآن أننا موجودون في المسجد.ثم ختم الآية بقوله تعالى: ( إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ )[الأنعام:135]، إذاً: عرفنا أن عاقبة الدار تكون للموحدين المؤمنين العابدين، ولن تكون أبداً للمشركين والكافرين الظالمين؛ لأن مالك الدار يدخل فيها من يحب إدخالهم، ويبعد عنها من يكره إدخالهم فيها، إذاً: الملك ملكه، والجنة والنار هو بانيهما وموجدهما، إذاً: فسوف يدخل أولياءه الجنة دار النعيم ويدخل أعداءه النار دار البوار والجحيم.
(قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ )[الأنعام:135]، متى هذا؟ يوم القيامة. ( مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ 9[الأنعام:135]، من هم؟ المؤمنون الموحدون العابدون لربهم المطيعون أصحاب الأرواح الزكية والنفوس الطاهرة الصافية، هم الذين يدخلهم الجنة، وأما أهل الظلم والشر والشرك والفساد فمصيرهم دار الشقاء والبوار.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

معنى الآيات
نسمعكم الآيات من الكتاب:قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم:
[ معنى الآيات:
بعد تلك الدعوة إلى عبادة الله تعالى وتوحيده فيها، وبيان جزاء من قام بها ومن ضيعها في الدار الآخرة، بعد ذلك خاطب الرب تبارك وتعالى رسوله] أي: محمداً صلى الله عليه وسلم [قائلاً له: ( وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ )[الأنعام:133]، أي: ربك الذي أمر عباده بطاعته ونهاهم عن معصيته هو الغني عنهم وليس في حاجة إليهم، بل هم الفقراء إليه المحتاجون إلى فضله، ورحمته قد شملتهم أولهم وآخرهم ولم تضق عن أحد منهم؛ ليعلم أولئك العادلون بربهم الأصنام والأوثان، ليعلموا أنه تعالى قادر على إذهابهم بإهلاكهم بالمرة، والإتيان بقوم آخرين أطوع لله تعالى منهم، وأكثر استجابة له منهم: ( إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ )[الأنعام:133]، وليعلموا أن ما يوعدونه من البعث والحساب والجزاء لآت لا محالة، وما أنتم بمعجزين الله تعالى ولا فائتيه بحال، ولذا سوف يجزي كلاً بعمله خيراً كان أو شراً، وهو على ذلك قدير. هذا ما دلت عليه الآيتان الأولى والثانية.
أما الآية الثالثة فقد تضمنت أمر الله تعالى للرسول صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين من قومه -وهم كفار قريش بمكة: ( اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ )[الأنعام:135]، أي: ما دمتم مصرين على الكفر والشرك، ( إِنِّي عَامِلٌ 9[الأنعام:135] على مكانتي. ( فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ )[الأنعام:135] دار الدنيا -وهي الجنة دار السلام- أنا أم أنتم؟ مع العلم أن الظالمين لا يفلحون بالنجاة من النار ودخول الجنة، ولا شك أنكم أنتم الظالمون بكفركم بالله تعالى وشرككم به].
هداية الآيات
هداية الآيات المستنبطة منها:[ من هداية الآيات:
أولاً: تقرير غنى الله تعالى المطلق عن سائر خلقه]، ولا أظن أحداً يشك في هذا، غنى الله المطلق عن سائر خلقه لا الملائكة ولا الجن ولا الإنس ولا غيرهم، إذ كان الله ولم يكن شيء غيره، فغناه ذاتي، فالآية قررت هذا المعنى حيث قال تعالى: ( وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ )[الأنعام:133].
[ ثانياً: بيان قدرة الله تعالى على إذهاب الخلق كلهم والإتيان بآخرين غيرهم ].
والله إنه على ذلك لقادر، ودليل ذلك: كل مائة سنة تأتي بشرية أخرى، فأين تذهب الأخرى؟ كيف جاءت وكيف ذهبت؟
إذاً: [ بيان قدرة الله تعالى على إذهاب الخلق كلهم والإتيان بآخرين من غيرهم ]، دل على هذا قوله تعالى: ( إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ )[الأنعام:133].
[ ثالثاً: صدق وعد الله تعالى وعدم تخلفه ]؛ لأنه قال: ( إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ )[الأنعام:134]، كل ما وعدنا الله به من النعيم آت، كلما وعد الله به أهل الجحيم آت.
[ رابعاً: تهديد المشركين بالعذاب إن هم أصروا على الشرك والكفر، والذي دل عليه قوله تعالى: ( اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ )[الأنعام:135] ]، هذا السياق تهديد أم لا؟ اعملوا واصلوا كفركم وشرككم، وأنا عامل، وسوف تعلمون لمن النصر، والعاقبة لمن تكون، تكون لأولياء الله لا لأعدائه.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

ابوالوليد المسلم
26-10-2021, 04:58 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانعام
الحلقة (404)
تفسير سورة الأنعام (37)


وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (136) وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (137) وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (138) وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (139) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (140)
شرح الكلمات:
مما ذرأ: ما خلق.
من الحرث والأنعام: الحرث كل ما يحرث له الأرض من الزروع، والأنعام: الإبل والبقر والغنم.
نصيباً: حظاً وقدراً معيناً.
ساء ما يحكمون: قبح حكمهم في ذلك إذ آثروا أوثانهم على الله.
ليردوهم: اللام لام العاقبة ومعنى يردوهم: يهلكوهم.
وليلبسوا: ليخلطوا عليهم دينهم.
حجر: أي ممنوعة على غير من لم يأذنوا له في أكلها.
حرمت ظهورها: أي لا يركبونها ولا يحملون عليها.
افتراء على الله: أي كذباً على الله عز وجل.
على أزواجنا: أي إناثنا.
وإن يكن ميتة: أي إن ولد ما في بطن الحيوان ميتاً فهم فيه شركاء الذكور والإناث سواء.
سفهاً بغير علم: حمقاً وطيشاً وعدم رشد وذلك لجهلهم.
معنى الآيات:
مازال السياق في التنديد بأفعال العادلين بربهم أصنامهم وأوثانهم فأخبر تعالى عما كانوا يبتدعونه من البدع ويشرعون من الشرائع بدون علم ولا هدى ولا كتاب مبين فقال تعالى عنهم {وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيباً1} أي جعل أولئك العادلون بربهم لله تعالى مما خلق من الزرع والأنعام نصيباً أي قسماً كما جعلوا للآلهة التي يؤلهونها مع الله سبحانه وتعالى نصيباً، {فقالوا هذا لله بزعمهم2، وهذا لشركائنا} . وقوله تعالى: {بزعمهم} لأنه سبحانه وتعالى ما طلب منهم ذلك ولا شرعه لهم وإنما هم يكذبون على الله تعالى ثم إذا أنبت أو أنتج ما جعلوه لله، ولم ينبت أو ينتج ما جعلوه للشركاء حولوه إلى الشركاء بدعوى أنها فقيرة وأن الله غني، وإذا حصل العكس لم يحولوا ما جعلوه للآلهة لله بنفس الحجة وهي أن الشركاء فقراء، والله غني.
هذا معنى قوله تعالى: {فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله، وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم}
وهو تحيز ممقوت وتحكم فاسد فلذا قبح تعالى ذلك عليهم فقال {ساء ما يحكمون} أي بئس الحكم حكمهم هذا وقبح صنيعاً، صنيعهم هذا، وما جعلوه لله ينفقون على الضيفان والفقراء، وما جعلوه للشركاء ينفقونه على السدنة والمقيمين على الأصنام والأوثان.
هذا ما دلت عليه الآية الأولى أما الثانية (137) وهي

يتبع

ابوالوليد المسلم
26-10-2021, 04:58 AM
قوله تعالى {وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم}
يريد وكذلك التحكم الباطل والإدعاء الكاذب في جعل لله شيئاً مما ذرأ من الحرث والأنعام، ثم عدم العدل بين الله تعالى وبين شركائهم زين لكثير من المشركين شركاؤهم وهم شياطينهم من الجن والإنس قتل أولادهم كالمؤودة من البنات خوف العار، وكقتل الأولاد الصغار خوف الفقر، أو لنذرها للآلهة3، وفعل الشياطين ذلك من أجل أن يردوهم أي يهلكوهم، ويلبسوا عليهم دينهم4 الحق أن يخلطوه لهم بالشرك، وهو معنى قوله تعالى {ليردوهم5 وليلبسوا عليهم دينهم} وقوله تعالى: {ولو شاء الله ما فعلوه} هو كما قال إذ لو أراد تعالى منعهم من ذلك لمنعهم6 وهو على كل شيء قدير، إذاً فذرهم أيها الرسول وما يفترون من الكذب في هذا التشريع الجاهلي الباطل القبيح.
هذا ما دلت عليه الآية الثانية أما الثالثة (138) وهي
قوله تعالى: {وقالوا هذه أنعام وحرث حجر7 لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم، وأنعام حرمت ظهورها، وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها افتراء عليه} .
فقد تضمنت هذه الآية ثلاثة ضروب من تشريع الجاهلية وأباطيلهم:
الأول: تحريمهم بعض الأنعام والحرث وجعلها لله وللآلهة التي يعبدونها مع الله.
الثاني: أنعام أي إبل حرموا ركوبها كالسائبة والحام.
الثالث: إبلٌ لا يذكرون اسم الله عليها فلا يحجون عليها ولا يذكرون اسم الله عليها إن ركبوها بحال ولا إن حملوا عليها.
وقوله تعالى في ختام الآية {افتراء عليه} أي كذباً على الله تعالى لأنه تعالى ما حرم ذلك عليهم وإنما حرموه هم بأنفسهم وقالوا حرمه الله علينا، ولذا توعدهم الله تعالى على كذبهم هذا بقوله: {سيجزيهم بما كانوا يفترون} أي سيثيبهم الثواب الملائم لكذبهم وهو العذاب الأخروي.
هذا ما دلت عليه الآية الثالثة أما الآية الرابعة (139)
{وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا، وإن يكن ميتاً فهم فيه شركاء}
فقد تضمنت تشريعاً آخر باطلاً اختلقوه بأنفسهم وزعموا أن الله شرعه لهم وهو أنهم حرموا ما في بطون بعض الأنعام على الإناث، وجعلوها حلالاً للذكور خالصة لهم دون النساء فلا يشرب النساء من ألبانها ولا يأكلن لحوم أجنتها إن ذبحوها ولا ينتفعن بها بحال، اللهم إلا أن ولد الجنين ميتاً فإنهم لا يحرمونه على النساء ولا يخصون به الذكور فيحل أكله للنساء والرجال معاً، ولذا توعدهم تعالى بقوله {سيجزيهم وصفهم8 إنه حكيم عليم} أي سيثيبهم على هذا الكذب بما يستحقون من العذاب إنه حكيم في قضائه عليم9 بعباده.
هذا ما دلت عليه الآية الرابعة أما الخامسة (140) فقد أخبر تعالى بخسران أولئك المشرعين وضلالهم وعدم هدايتهم بقوله
{قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفهاً}
أي جهلاً {بغير10 علم، وحرموا ما رزقهم الله} مما سبق ذكره {افتراءً على الله} كذباً {قد ضلوا! وما كانوا مهتدين} .
هداية الآيات.
من هداية الآيات:
1- حرمة الابتداع في الدين والتشريع المنافي لشرع الله تعالى وإن لم ينسب إلى الله تعالى.
2- ما ينذره الجهال اليوم من نذور للأولياء وإعطائهم شيئاً من الأنعام والحرث والشجر هو من عمل المشركين زينه الشيطان لجهال المسلمين.
3- حرمة قتل النفس لأي سبب كان وتحديد النسل اليوم وإلزام الأمة به من بعض الحكام من عمل أهل الجاهلية الذين قتلوا أولادهم سفهاً بغير علم كقتل البنات خشية العار والأولاد خشية الفقر.
__________
1 في الكلام أيجاز إذ حذف منه المقابل وهو وجعلوا لآلهتهم نصيباً وحذفه كان لدلالة ما بعده عليه.
2 الزعم بفتح الزاي وقد تضم وتكسر أيضاً لغات والفتح أشهر والزعم الكذب قال شريح القاضي رحمه الله تعالى إن لكل شيء كنية وكنية الكذب زعموا وقد كذب المشركون فيما جعلوه لله تعالى حيث لم يشرع ذلك لهم وإنما هم مفتاتون.
3- كما نذر عبد المطلب ولده عبد الله للآلهة، ثم فداه بمائة من الإبل.
4- فإن قيل: وهل كان لهم دين حق؟ الجواب: نعم كان لهم دين حق وهو ما جاءهم به إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام وبطول الزمان وفتنة الشيطان فسد عليهم.
5- اللام هنا لام العاقبة والصيرورة.
6- في هذا رد على القدرية وفيه تسلية للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتخفيف عليه.
7- في لفظ حجر الفتح والضم والكسر ومعناه المنع وسمي العقل حجراً لأنه يمنع من قول وفعل القبيح وحجر القاضي على المفلس منعه من التصرف في المال وهو مشتق من الحرج بالكسر وهي لغة في الحرج الذي هو الضيق والإثم.
8- أي كذبهم وقيل في الوصف كذب لأنهم وصفوا بعض الأجنة بالحرمة وبعضاً آخر بالحلية وهو كقوله تعالى من سورة النحل {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم هذا حلال وهذا حرام} .
9- قال القرطبي في الآية دليل على أن العالم ينبغي له أن يتعلم قول مخالفه وإن لم يأخذ به حتى يعرف فساد قوله ويعلم كيف يرد عليه لأن الله تعالى علّم نبيه وأصحابه قول من خالفهم في زمانهم ليعرفوا فساد قولهم.
10- في الآية دليل واضح على حرمة القول بدون علم وكذا الاعتقاد والعمل فلا يحل لأحد أن يعتقد أو بقول أو يعمل بدون علم شرعي قد تمكن من معرفته.

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
26-10-2021, 05:00 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانعام
الحلقة (405)
تفسير سورة المائدة (38)


وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141) وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (142) ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (143) وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144)

شرح الكلمات:
أنشأ جنات: خلق جنات جمع جنة وهي البستان.
معروشات: ما يعمل له العريش من العنب، وما لا يعرش له من سائر الأشجار.
مختلفاً أكله: أي ثمره الذي يأكل منه.
متشابهاً: في الورق وغير متشابه في الحب والطعم.
حقه: ما وجب فيه من الزكاة.
يوم حصاده: يوم حصاده إن كان حباً وجذاذه إن كان نخلاً.
ولا تسرفوا: في إخراجه: أي بأن لا تبقوا لعيالكم منه شيئاً.
حمولة: الحمولة ما يحمل عليها من الإبل.
وفرشا: الفرش الصغار من الحيوان.
خطوات الشيطان: مسالكه في التحريم والتحليل للإضلال والغواية.
أم ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين: أنثى الضأن وأنثى الماعز ذكراً كان أو أنثى.
نبئوني بعلم: خبروني بأيهما حرم بعلم صحيح لا بوسواس الشياطين.
أم كنتم شهداء: أي حاضرين وقت تحريمه تعالى ذلك عليهم إن كان قد حرمه كما تزعمون.
معنى الآيات:
لما توعد الحق تبارك وتعالى المفترين عليه حيث حرموا وحللوا ما شاءوا ونسبوا ذلك إليه افتراء عليه تعالى، وما فعلوه ذلك إلا لجهلهم بالله تعالى وعدم معرفتهم بعلمه وقدرته وإلا لما اتخذوا له أنداداً من الأحجار وقالوا: شركاؤنا، وشفعاؤنا عند الله. ذكر تعالى في هذه الآيات الأربع ظاهر قدرته وعلمه وحكمته وأمره ونهيه وحجاجه في إبطال تحريم المشركين ما أحل الله لعباده فقال تعالى: {وهو الذي أنشأ جنات1} أي بساتين وحدائق من العنب
معروشات2 أي محمول شجرها على العروش التي توضع للعنب ليرتفع فوقها وغير معروشات أي غير معرش لها، وأنشأ النخل والزرع مختلفاً ثمره وطعمه، وأنشأ الزيتون والرمان متشابهاً في الورق، وغير متشابه في الحب والطعم أيضاً. وأذن تعالى في أكله وأباحه وهو مالكه وخالقه فقال: {كلوا من ثمره إذا أثمر} أي نضج بعض النضج وأمر بإخراج الواجب فيه وهو الزكاة فقال {وآتوا حقه يوم3 حصاده} أي بعد درسه وتصفيته إذ لا يعطى السنبل، ونهى عن الإسراف وهو تجاوز الحد في إخراج الزكاة غلوا حتى لا يبقوا لمن يعولون ما يكفيهم، فقال: {ولا تسرفوا إنه لا يحب4 المسرفين} وأنشأ من الأنعام: الإبل والبقر والغنم {حمولة} وهي ما يحمل عليها لكبرها {وفرشاً} وهي الصغار التي لا يحمل عليهما، وأذن مرة أخرى في الأكل مما رزقهم سبحانه وتعالى من الحبوب والثمار واللحوم وشرب الألبان، فقال: {كلوا مما رزقكم الله} ونهى عن اتباع مسالك الشيطان في تحريم ما أحل الله وتحليل ما حرم فقال: {ولا تتبعوا خطوات الشيطان} وعلل للنهي فقال: {إنه لكم عدو مبين} ومن عرف عدوه اتقاه ولو بالبعد عنه، وأنشأ {ثمانية أزواج من الضأن اثنين} .
وهما الكبش والنعجة، {ومن المعز اثنين} وهما التيس والعنزة، وأمر رسوله أن يحاج المفترين في التحريم والتحليل فقال له {قل} يا رسولنا لهم {آلذكرين5 حرم} الله عليكم {أم الأنثيين أم ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين} أي النعجة والعنزة {نبؤني بعلم إن كنتم صادقين} فإن قلتم حرم الذكرين فلازم ذلك جميع الذكور حرام، وإن قلتم حرم الأنثيين
فلازمه أن جميع الإناث حرام وإن قلتم حرم ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين فكل ما ولد منهما حرام ذكراً كان أو أنثى فكيف إذا حرمتم البعض وحللتم البعض فبأي علم أخذتم نبوئوني به إن كنتم صادقين وقوله تعالى {ومن الإبل اثنين} وهما الناقة والجمل، {ومن البقر اثنين} وهما الثور والبقرة {قل آلذكرين6 حرم أم الأنثيين أمّا اشتملت عليه أرحام 7
الأنثيين} ، فهل حرم الذكرين أو الأنثين هذه الأزواج الأربعة فإن حرم الذكرين فسائر الذكور محرمة، وإن حرم الأنثيين فسائر الإناث محرمة، أم ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين وحينئذ يكون كل مولود منهما محرماً ذكراً كان أو أنثى، وبهذا تبين أنكم كاذبون على الله مفترون فالله تعالى لم يحرم من هذه الأزواج الثمانية شيئاً، وإنما حرم الميتة، وما لم يذكر اسم الله عليه.
وقوله تعالى {أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله} بهذا التحريم فهو تبكيت لهم وتقريع، إذ لم يحرم الله تعالى هذا الذي حرموه، ولم يوصهم بذلك ولم يكونوا حال الوصية حضورا، وإنما هو الافتراء والكذب على الله تعالى.
وأخيراً سجل عليهم أنهم كذبة ظالمون مضلون وخيرهم بغير علم، وأنهم لا يستحقون الهداية فقال عز وجل: {فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً ليضل8 الناس بغير علم إن الله لا يهدي القوم الظالمين} .
يتبع

ابوالوليد المسلم
26-10-2021, 05:00 AM
هداية الآيات.
من هداية الآيات:
1- إباحة أكل التمر والعنب والرمان والزيتون.
2- وجوب الزكاة في الزيتون والتمر والحبوب إذا بلغت النصاب وهو خمسة أوسق والوسق ستون صاعاً، والصاع أربع حفنات.
3- جواز الأكل من الثمر قبل جذاذه وإخراج الزكاة9 منه.
4- حرمة الإسراف في المال بأن ينفقه فيما لا يعنى، أو ينفقه كله ولم يترك لأهله شيئاً.
5- إباحة أكل بهيمة الأنعام وهي ثمانية أزواج، ضأن10 وماعز، وإبل وبقر وكلها ذكر وأنثى.
6- إبطال تشريع الجاهلية في التحريم والتحليل، فالحلال ما أحله الله ورسول والحرام ما حرمه الله رسوله.
7- جواز الجدال والحجاج لإحقاق الحق أو إبطال الباطل.
8- لا أظلم ممن يكذب على الله تعالى، فيشرع لعباده ما لم يشرع لهم.
__________
1- الجنّات: جمع جنة وهي البستان وسمي البستان جنة لأنه لكثرة أشجاره يجن أي يستر الكائن فيه، وسمي الجنين في البطن جنيناً لاجتنانه واستتاره ببطن أمه.
2- وقيل المعروشات: ما يعني به من الشجر على اختلافه، وغير المعروشات وهو شجر البوادي والجبال وما في التفسير أولى لقوته ودلالة اللفظ عليه.
3- كان قبل فريضة الزكاة يتعين على عن حصد أو جد ثمره وأتاه المساكين أن يعطيهم شيئاً مما بين يديه قل أو كثر ولما فرضت الزكاة وحددت مقاديرها خصص هذا بها حيث بُين الحق المجمل هنا.
4- في الآية دليل حرمة الإسراف وهو محرم في كل شيء وهو الخروج عن حد الاعتدال والقصد.
5- الاستفهام للإنكار أي ينكر عليهم أن يكون الله حرم ذلك.
6- إبطال لما حرموا من البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي.
7- إبطال لقولهم: ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا.
8- يدخل في هذه الخطاب دخولاً أولياً عمرو بن لحىّ أذ هو أول من جلب الأصنام للحجاز ويدخل فيه كذلك أول من سيب السوائب الخ..
9- الضأن من ذوات الصوف والمعز من ذوات الشعر.
10- اختلف في زكاة التين والراجح أنه إذا بلغ خمسة أوسق بعد يبسه يزكى لأنه يدخر ويقتات واختلف في الخرص للثمر والعنب والجمهور على جوازه للحديث الوارد في ذلك وهو "وإنما كان أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالخرص لكي تحصى الزكاة قل أن تؤكل الثمار وتفرق". رواه الدارقطني.

ابوالوليد المسلم
10-11-2021, 03:42 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانعام
الحلقة (406)
تفسير سورة الأنعام (39)


قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (145) وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ (146) فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147)

شرح الكلمات:
محرماً على طاعم يطعمه: محظوراً ممنوعاً على آكل يأكله.
ميتة أو دماً مسفوحاً: الميتة: ما مات دون تزكية، والدم المسفوح؟ المصبوب صباً لا المختلط باللحم والعظام.
رجس: نجس وقذر قبيح محرم.
أو فسقا أهل لغير الله به: الفسق الخروج عن طاعة الله والمراد ما ذبح ولم يذكر اسم الله عليه وإنما ذكر عليه اسم الأصنام أو غيرها،
رفع الصوت باسم المذبوح له.
فمن اضطر غير باغٍ ولا عاد: اضطر: ألجأته الضرورة وهي خوف الهلاك، والباغ الظالم، والعادي: المعتدي المجاوز للحد.
هادوا: اليهود.
ذي ظفر: صاحب ظفر وهو الحيوان الذي لا يفرق1 أصابعه كالإبل والنعام.
ما حملت ظهورها أو الحوايا: أي الشحم العالق بالظهر، والحوايا2: المباعر والمصارين والأمعاء.
أو ما اختلط بعظم: أي عفى لهم عن الشحم المختلط بالعظم كما عفي عن الحوايا والعالق بالظهر.
ببغيهم: أي بسبب ظلمهم.
ولا يرد بأسه: بطشه وعذابه.
معنى الآيات:
مازال السياق في الحجاج مع أولئك المحرمين ما لم يحرم الله ففي أولى هذه الآيات يأمر الله تعالى رسوله أن يقول للذين يحرمون افتراءً على الله ما لم يحرم {لا أجد فيما أوحي إلي} - وأنا رسول الله- {محرماً} أي شيئاً محرماً {على طاعم يطعمه} أي آكل يأكله اللهم {إلا أن يكون ميتة} وهي ما مات من الحيوان حتف أنفه أي لم يذك الذكاة الشرعية، {أو دماً مسفوحاً} أي مصبوباً صباً لا الدم المختلط بالعظم واللحم كالكبد والطحال، {أو لحم خنزير فإنه} أي لحم الخنزير {رجس} أي نجس قذر حرام، (أو فسقاً3 أهل لغير الله به} أي ما ذبح ولم يذكر اسم الله عليه أو ذكر اسم الأصنام عليه فهو فسق أي خروج عن طاعة الرب الذي أمر من أراد ذبح بهيمة أن يذكر عليها اسمه ليحل له أكلها.
يتبع

ابوالوليد المسلم
10-11-2021, 03:42 AM
هذا معنى قوله تعالى: {قل لا أجد فيما أوحي4 إلي مجرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقاً أهل لغير الله به} .
وقوله تعالى {فمن اضطر غير باغ ولا عاد} أي غير ظالم بأكل الميتة وما ذكر معها وذلك بأن يأكلها تلذذاً بها لا دفعاً لغائلة الموت وهو كاره لأكلها {ولا عاد} أي غير متجاوز القدر الذي أبيح له وهو ما يدفع به غائلة الموت عن نفسه {فإن ربك غفور رحيم} ومن مظاهر مغفرته ورحمته أنه أذن للمضطر بالأكل مما هو حرام في الضرورة.
هذا ما دلت عليه الآية الأولى (145) أما الآية الثانية فبعد أن بين تعالى أنه لم يحرم على المؤمنين غير ما ذكر من الميتة وما ذكر بعدها أخبر أنه حرم على اليهود أكل كل ذي ظفر وهو ما ليس له أصابع مفرقة مثل الإبل والنعام والبط والإوز ومن البقر والغنم حرم عليهم شحومهما وهو الشحم اللاصق بالكرش والكلى، وأباح لهم من الشحوم ما حملته البقرة أو الشاة على ظهرها، وما كان لاصقاً بالماعز وهي الحوايا جمع حاوية وكذا الشحم المختلط بالعظام كشحم اللية، وشحم الجانب والأذن والعين وما إلى ذلك.
هذا ما تضمنه قوله تعالى من الآية الثانية {وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم} ثم أخبر تعالى بأن هذا التحريم عليهم كان عقوبة لهم بسبب ظلمهم وإجرامهم فقال {ذلك جزيناهم ببغيهم5} أي ذلك التحريم منا عليهم كان جزاء ظلمهم، وقوله {وإنا لصادقون} فيما أخبرنا به عنهم، وهم الكاذبون إذ قالوا إنما حرم هذا على إسرائيل ونحن أتباع له أما نحن فلم يحرم علينا شيء وإنهم لكاذبون. وقوله تعالى {فإن كذبوك} 6 أي اليهود فيما أخبرت به عنهم {فقل} لهم {ربكم ذو رحمة واسعة7} ولذا لم يعاجلكم بالعقوبة وقد كذبتموه وكذبتم رسوله وافتريتم على رسله، ولكن ليس معنى ذلك أنكم نجوتم من
العذاب فإن بأس الله لا يرد عن القوم المجرمين8 من أمثالكم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- حرمة الميتة وأنواعها في سورة المائدة وهي المنخنقة والموقوذة، والمتردية والنطيحة وما أكل السبع، وحرمة الدم المسفوح، ولحم الخنزير، وما أهل لغير الله به، وما ذبح على النصب وحرم بالسنة الحمر9 الأهلية والبغال، وكل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطيور.
2- قد يُحْرم العبد بالذنوب من كثير من الطيبات كما حصل لليهود.
3- إمهال الله تعالى المجرمين لا يدل على عدم عقوبتهم فإن بأس الله لا يرد عن القوم المجرمين
__________
1- في ذي الظفر تفاسير أرجحها ما في التفسير وهو ما ليس بمنفرج الأصابع وقيل الإبل خاصة، وقيل كل ذي حافر من الدواب.
2 -واحد الحوايا حاوية. وحويّة والمراد بها ما تَحوَّى من الأمعاء واستدار منها.
3 -تقدير الكلام أو أن يكون المراد أكل ما أهل لغير الله به فصار فسقاً لذلك إذ الذبح لغير الله شرك وخروج من الدين، والفسق يطلق على التفصي من طاعة الله تعالى وطاعة رسوله.
4- هل هذه الآية منسوخة بآية المائدة؟ اختلف في ذلك والراجح أنها غير منسوخة إذ هي خبر والأخبار لا تنسخ وآية المائدة ذكرت المنخنقة وما بعدها وهي داخلة في حكم الميتة، وما ذبح على النصب داخل في وما أهل به لغير الله إذاً فالآية محكمة.
5- من بغيهم قتلهم الأنبياء وأكل الربا وتبرج النساء واستحلال المحرمات بالحيل والفتاوى الفاسدة.
6- قيل إن المراد بالمكذبين المشركون، وقيل اليهود وكلاهما مكذب وكافر واللفظ يصدق عليهما معاً.
7- من مظاهر رحمته أنه يحلم على العصاة وينظرهم ويمهلهم لعلهم يتوبون فعدم تعجيله العقوبة هو دليل رحمته الواسعة.
8- في الآية وعيد وتهديد وهو صالح لأن ينزل في الدنيا وفي الآخرة إذ العلة هي الإجرام وهو قائم فهم متوكلون فيه ولذا لابد من العقوبة ما لم تحصل توبة صادقة.
9- ذكر القرطبي أن علة تحريم الحمار قد تكون حاجة الناس للحمل عليه والركوب وذكر علة أخرى وهي كونه نجساً وذكر عن الترمذي في نوادر الأصول أن الحمار أظهر جوهره الخبيث حيث نزا على ذكره وتلوّط فسمى لذلك رجساً وليس في الدواب من يعمل عمل قوم لوط إلا الحمار والخنزير.

ابوالوليد المسلم
10-11-2021, 03:46 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانعام
الحلقة (407)
تفسير سورة الأنعام (40)


سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148) قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (149) قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (150)

شرح الكلمات:
أشركوا: أي جعلوا لله شركاء له يعبدونهم معه.
ولا حرمنا من شيء: أي مما حرموه من البحائر والسوائب والوصائل والحامات.
ذاقوا بأسنا: أي عذابنا.
تخرصون: تكذبون.
الحجة البالغة: الدليل القاطع للدعاوي الباطلة.
هلم شهداءكم: أي أحضروهم.
يعدلون: أي به غيره من الأصنام وسائر المعبودات الباطلة.
معنى الآيات:
ما زال السياق في رد ترهات وأباطيل العادلين بربهم المشركين في ألوهيته سواه فذكر تعالى في الآيتين (148) و (149) شبهة للمشركين يتخذونها مبرراً لشركهم وباطلهم وهي قولهم: {لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا1 ولا حرمنا من شيء2} يريدون أن عدم مؤاخذة الله تعالى لنا ونحن نشرك به ونحرم ما نحرمه دليل على رضا الله بذلك3 وإلا لمنعنا منه وحال دون فعلنا له، فرد الله تعالى هذه الشبهة وأبطلها بقوله: {كذلك كذب الذين من قبلهم4 حتى ذاقوا بأسنا} أي مثل هذا التكذيب الصادر من هؤلاء العادلين بربهم من كفار قريش ومشركيها كذب الذين من قبلهم من الأمم، وما زالوا على تكذيبهم حتى أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر، فلو كان تعالى راضياً بشركهم وشرهم وباطلهم لما أخذهم فإمهال الله تعالى للناس لعلهم يتوبون ليس دليلاً على رضاه بالشرك والشر، والحجة أنه متى انتهت فترة الإمهال نزل بالمكذبين العذاب.
وقوله تعالى {قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا}
يأمر الله تعالى رسوله أن يقول للمذنبين العادلين بربهم {هل عندكم من علم فتخرجوه} أي ليس لديكم علم على ما تدعونه فتخرجوه لنا، {إن تتبعون5 إلا الظن} أي ما تتبعون في دعاويكم الباطلة إلا الظن، {وإن أنتم إلا تخرصون} أي وما أنتم إلا تخرصون أي تقولون بالحزر والخرص فتكذبون، وقوله تعالى {قل فلله6 الحجة البالغة} أي يعلم رسوله أن يقول لهم بعد أن دحض شبهتهم وأبطلها إن لم تكن لكم حجة فلله الحجة البالغة، ومع هذا {فلو شاء} هدايتكم {لهداكم أجمعين} وهو على ذلك قدير، وإنما حكمه في عباده وسنته فيهم أن يكلفهم اختباراً لهم ويوضح الطريق لهم ويقيم الحجة عليهم، فمن اهتدى فلنفسه، ومن ضل فعليها.
هذا ما دلت عليه الآيتان الأولى والثانية وأما الآية الثالثة (150) وهي
يتبع

ابوالوليد المسلم
10-11-2021, 03:46 AM
قوله تعالى: {قل هلم شهداءكم7 الذين يشهدون أن الله حرم هذا}
أي الذين حرمتموه فإنهم لا يستطيعون أن يأتوا بهم " {فإن شهدوا فلا نشهد معهم} " وإن فرضنا أنهم يأتون بشهداء باطل يشهدون8 فلا تقرهم أنت أبها الرسول على باطلهم بل بين لهم بطلان ما ادعوه، فإنهم لا يتبعون في دعاويهم إلا الأهواء، وعليه {لا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا، والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون} ، وقد جمع هؤلاء المشركون كل هذه العظائم من الذنوب التكذيب بآيات الله، وعدم الإيمان بالآخرة، والشرك بربهم فكيف يجوز اتباعهم وهم مجرمون ضالون.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- بطلان الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي والاستمرار فيها.
2- لا حجة إلا في قام على أساس العلم الصحيح.
3- الحكمة في عدم هداية الخلق كلهم مع قدرة الله تعالى على ذلك هو التكليف والابتلاء.
4 - مشروعية الشهادة وحضور الشهود.
5- عدم إقرار شهادة الباطل وحرمة السكوت عنها.
6 - حرمة اتباع أصحاب الأهواء الذين كذبوا بآيات الله.
__________
1 - إلى اليوم والغافلون من المسلمين يحتجون بما احتج به المشركون الأولون ويقولون لو شاء الله أن نصلي لصلينا ولو شاء الله أن نترك المحرم لتركناه وهو احتجاج باطل لا وزن له.
2 -أي من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام.
3 - قولهم هذا دال على جهل مركب منهم بالله تعالى وحكمته وتدبيره وهذا ناتج عن كفرهم وعدم إيمانهم بالله وكتابه ورسوله، فالله أوجد العبادة في هذه الحياة ليبتليهم يجزيهم لا أن يجبرهم على ما يحب نهم.
4 -في قوله كذلك كذب الذين من قبلهم دلالة على أن المشركين لم يريدوا من قولهم لو شاء الله ما أشركنا إلا رد قول الرسول وتكذيبه فيما جاء به ويدعوهم إليه حتى لكأن كلامهم هذا من باب كلمة حق أريد بها باطل.
5- إن في الموضعين نافيه بمعنى (ما) كما هي في التفسير.
6- فالله الفاء هنا هي الفاء الفصيحة إذ هي مفصحة عن كلام سابق ترتب عليه ما بعدها ترتب الجزاء على الشرط تقديره هنا فإن كان قولكم لمجرد إتباع الظن والخرص والحزر ولا علم لكم فلله تعالى الحجة البالغة التي تصل إلى الحقيقة وتؤكدها وتبطل ما عداها.
7- الأمر هنا للتعجيز والشهداء جمع شهيد بمعنى شاهد.
8- أي كذبهم واعلم بأنهم شهداء زور فقوله تعالى فلا تشهد معهم معناه كذبهم ولا تقرهم فإنهم شهداء زور لا غير.

ابوالوليد المسلم
10-11-2021, 03:49 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانعام
الحلقة (408)
تفسير سورة الأنعام (41)

قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)

شرح الكلمات:
اتل: اقرأ.
من إملاق: من فقر.
الفواحش: جمع فاحشة كل ما قبح واشتد قبحه كالزنى والبخل.
حرم الله: أي حرم قتلها وهي كل نفس إلا نفس الكافر المحارب.
إلا بالحق: وهو النفس بالنفس وزنى المحصن، والردة.
بالتي هي أحسن: أي بالخصلة التي هي أحسن.
أشده: الاحتلام مع سلامة العقل.
بالقسط: أي بالعدل.
إلا وسعها: طاقتها وما تتسع له.
تذكرون: تذكرون فتتعظون.
السبل: جمع سبيل وهي الطريق.
معنى الآيات:
ما زال السياق في إبطال باطل العادلين بربهم المتخذين له شركاء الذين يحرمون بأهوائهم ما لم يحرمه الله تعالى عليهم فقد أمر تعالى رسوله في هذه الآيات الثلاث أن يقول لهم: {1تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم} لا ما حرمتموه أنتم بأهوائكم وزينه لكم شركاؤكم. ففي الآية الأولى جاء تحريم خمسة أمور وهي: الشرك، وعقوق الوالدين، وقتل الأولاد، وارتكاب الفواحش، وقتل النفس فقال تعالى: {قل تعالوا أتل ما حرم2 ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئاً} فأن تفسيرية3، ولا ناهية وهذا أول محرم وهو الشرك بالله تعالى، {وبالوالدين إحسانا} ، وهذا أمر إذ التقدير وأحسنوا بالوالدين إحساناً، والأمر بالشيء نهي عن ضده فالأمر بالإحسان يقتضي تحريم الإساءة والإساءة إلى الوالدين هي عقوقهما، فكان عقوق الوالدين محرماً داخلاً ضمن المحرمات المذكورة في هذه الآيات الثلاث.
{ولا تقتلواأولادكم4 من إملاق نحن نرزقكم وإياهم}
فهذا المحرم الثالث وهو قتل الأولاد من الإملاق الذي هو الفقر وهذا السبب غير معتبر إذ لا يجوز قتل الأولاد بحال من الأحوال وإنما ذكر لأن المشركين كانوا يقتلون أطفالهم لأجله وقوله تعالى {نحن نرزقكم وإياهم} تعليل للنهي عن قتل الأولاد من الفقر إذ مادام الله تعالى يرزقكم أنتم أيها الآباء ويرزق ابناءكم فلم تقتلونهم؟ وفي الجملة بشارة للأب الفقر بأن الله تعالى سيرزقه هو وأطفاله فليصبر وليرج، ولا يقتل أطفاله. وقوله تعالى: {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن} .
هذا الأمر الرابع مما حرم الله تعالى، وهو فعل الفاحشة التي هي الزنى وسواء ما كان منه ظاهراً أو باطناً والتحريم شامل لكل خصلة قبيحة قد اشتد قبحها وفحش فأصبح فاحشة قولاً كانت أو فعلاً أو اعتقاداً،
وقوله: {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق5}
هذا هو المحرم الخامس وهو قتل النفس التي حرم الله قتلها وهي كل نفس ما عدا نفس المحارب فإنها مباحة للقتل، والحق الذي تقتل به النفس المحرمة واحد من ثلاثة وهي القود والقصاص فمن قتل نفساً متعمداً جاز قتله بها قصاصاً. والزنى بعد الإحصان فمن زنى وهو محصن وجب قتله رجماً بالحجارة كفارة له، والردة عن الإسلام، وقد بينت هذه الحقوق السنة فقد قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصحيح: "لا يحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث النفس بالنفس والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة" وقوله تعالى في ختام الآية {لعلكم تعقلون} أي ليعدكم بترك هذه المحرمات الخمس لأن تكونوا في عداد العقلاء، لأن من يشرك بربه صنماً أو يسيء إلى أبويه أو يقتل أولاده أو يفجر بنساء الناس أو يقتلهم، لا يعتبر عاقلاً أبداً إذ لو كان له عقل ما أقدم على هذه العظائم من الذنوب والآثام.
يتبع

ابوالوليد المسلم
10-11-2021, 03:49 AM
وفي الآية الثانية
وهي قوله تعالى {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده6، وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفساً إلا وسعها، وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى، وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون}
ففي هذه الآية جاء تحريم أربعة أمور هي: كل مال اليتيم، والتطفيف في الوزن، والجور في الأقوال والأحكام، ونكث العهد.
فقوله تعالى: {ولا تقربوا مال اليتيم}
أي بما ينقصه أو يفسده إلا بالحالة التي هي أحسن له نماءً وحفظاً وقوله {حتى يبلغ أشده} بيان لزمن اليتم وهو من ولادته وفوت والده إلى أن يبلغ زمن الأشد وهو البلوغ، والبلوغ يعرف بالاحتلام أو نبات شعر العانة، وفي الجارية بالحيض أو الحمل، وببلوغ الثامنة عشرة من العمر وعلى شرط أن يبلغ اليتيم7 عاقلاً فإن كان غير عاقل يبقى في كفالة كافله،
وقوله تعالى: {وأوفوا الكيل8 والميزان بالقسط لا نكلف نفساً إلا وسعها}
أمر بتوفية الكيل والوزن، والأمر بالشيء نهي عن ضده، وبذا حرم بخس الكيل والوزن والتطفيف فيهما وقوله {بالقسط} أي بالعدل بحيث لا يزيد ولا ينقص، وقوله {لا نكلف نفساً إلا وسعها} أي طاقتها رفعاً للحرج عن المسلم في الكيل والوزن إذا هو نقص أو زاد بغير عمد ولا تساهل.
وقوله تعالى {وإذا قلتم فاعدلوا9 ولو كان ذا قربى}
هذا المحرم الثالث وهو قول الزور وشهادة الزور، إذ الأمر بالعدل في القول ولو كان المقول له أو فيه قريباً نهى عن ضده وهو الجور في القول.
وقوله تعالى {وبعهد10 الله أوفوا}
متضمن للمحرم الرابع وهو نكث العهد وخلف الوعد، إذ الأمر بالوفاء بالعهود نهي عن نكثها وعدم الوفاء بها، وقوله تعالى {ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون} إشارة إلى ما تضمنته هذه الآية الثانية مما حرم تعالى على عباده، وقوله {لعلكم تذكرون} أي ليعدكم بذلك لأن تذكروا فتتعظوا فتجتنبوا ما حرم عليكم.
وقوله تعالى: {وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون}
هذه هي الآية الثالثة من آيات الوصايا العشر11 وقد تضمنت
الأمر بالتزام الإسلام عقائداً وعبادات وأحكاماً وأخلاقاً وآداباً، كما تضمنت النهي عن إتباع غيره من سائر الملل والنحل المعبر عنها بالسبل، ومادام الأمر بالتزام الإسلام يتضمن النهي عن ترك الإسلام فقد تضمنت الآية تحريماً ألا وهو ترك الإسلام وإتباع غيره هذا الذي حرم الله تعالى على عباده لا ما حرمه المشركون بأهوائهم وتزيين شركائهم وقوله تعالى: {ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون} إشارة إلى التزام الإسلام وترك ما عداه ليعدكم بذلك للتقوى وهي اتقاء غضب الرب تعالى وعذابه.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- هذه الوصايا العشر عليها مدار الإسلام وسعادة الإنسان في الدارين كان عبد الله بن مسعود يقول فيها "من سره أن ينظر إلى وصية رسول الله التي عليها خاتمه فليقرأ الآيات الثلاث من آخر سورة الأنعام: {قل تعالوا.... تتقون} .
2- حرمة الشرك وحقوق الوالدين وقتل الأولاد والزنى واللواط وكل قبيح من قول أو عمل أو اعتقاد وقتل النفس إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وبخس الكيل والوزن، وقول الزور وشهادة الزور، ونكث العهد وخلف الوعد. والردة عن الإسلام، وإتباع المذاهب الباطلة والطرق الضالة.
3- كمال المعقل باجتناب المحرمات الخمس الأولى.
4- الحصول على ملكة المراقبة باجتناب المحرمات الأربع الثانية.
5- النجاة من النار والخزي والعار في الدارين بالتزام الإسلام حتى الموت والبراءة من غيره من سائر المذاهب12 والملل والطرق.
ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُم بِلِقَاء رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ
__________
1 أي أقبلوا وتقدموا وما موصولة بمعنى الذي حرم ربكم عليكم وفي الآية دليل على وجوب بيان المحرمات للأمة حتى تتجنبها، والعلماء منوط بهم ذلك.
2 هذه الآيات الثلاثة: قل تعالوا أتل إلى قوله تتقون تضمنت عشراً من الوصايا قال ابن عباس هي محكمات وأجمعت الشرائع الإلهية على تقريرها والعمل بها.
3 أي فسرت المحرم وهو الشرك بالله تعالى، وهو أول المحرمات وقدم لأنه أخطرها وأضرها بالإنسان.

4- استدل بهذه الآية من قال بتحريم العزل ومثله اليوم استعمال الحبوب لمنع الحمل والجمهور على الجواز للضرورة فقط لقول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في العزل: "ذلك الوأد الخفي" فإنه ان لم يدل على التحريم دل على الكراهية.
5-قوله تعالى إلا بالحق يخرج به نفس الكافر المحارب فقط فهي التي تقتل بحق الحرب والكفر، وما عداها فكل نفس محرمة القتل ولذا حرم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نفس الكافر المعاهد والذمّي بقول من قتل معاهداً في غير كنهه أي في غير الحقيقة التي توجب قتله كنقضه المعاهدة مثلاً. حرم الله عليه الجنة، والحق الذي تقتل به النفس المحرمة القتل هو قتل النفس. وزنى المحصن والردة والخروج عن إمام المسلمين والمفارقة للجماعة.
6- قيل الأشد مفرد لا جمع له بمنزلة الآنك أي الرصاص. وقيل واحده شدّ نحو فلس وافلس، وهو مأخوذ من شد النهار إذا ارتفع.

7- لأن الرشد لا يكون إلا مع العقل والله يقول فإن آنستم منهم رشداً والرشد مقابل السفه وهو إساءة التصرف فيما اسند إليه من مال وغيره.
8- رد في التطفيف وعيد شديد قال تعالى ويل للمطففين، وقال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "ولا نقص قوم المكيال والميزان إلا قطع عنهم الرزق.
9- الأمر بالعدل في القول يتناول الأحكام والشهادات.
10- هذا الوفاء عام في كل ما عهد الله تعالى به إلى عباده من سائر الفرائض والواجبات وسائر التكاليف كما يتضمن العهود التي تكون بين الإنسان وأخيه الإنسان.
11- هذه الوصايا العشر موجودة في أول التوراة ومع الأسف أضاعها اليهود لشقائهم.
12- روى الدارمي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال خط لنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً خطاً ثم قال هذا سبيل الله ثم خط خطوطاً عن يمينه وخطوطا عن يساره ثم قال هذه سبلٌ على كل سبيل منها شيطان يدعو إليها. ثم قرأ هذه الآية قل هذه سبيلي.
وهذه صورة تقريبية.

ابوالوليد المسلم
10-11-2021, 03:51 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانعام
الحلقة (409)
تفسير سورة الانعام (42)


(ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (154) وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155) أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ (156) أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ (157)
شرح الكلمات:
الكتاب: التوراة.
وتفصيلاً لكل شيء: تحتاج إليه أمة بني إسرائيل في عقائدها وعباداتها وفضائلها وأحكامها.
وهذا كتاب أنزلناه: القرآن الكريم.
مبارك: خيريته ونفعه وبركته دائمة.
على طائفتين من قبلنا: اليهود والنصارى.
عن دراستهم: أي قراءتهم لكتبهم لأنها بلسانهم ونحن لا نفهم ذلك.
وصدف عنها: أعرض عنها ولم يلتفت إليها.
سوء العذاب: أي سيء العذاب وهو أشده.
معنى الآيات:
هذا الكلام متصل بما قبله، فثم1 حرف عطف والمعطوف عليه هو قل تعالوا أتل الآيات أي ثم قل يا رسولنا آتى ربي موسي الكتاب تماماً لنعمه {على الذي أحسن} طاعة ربه وهو موسى عليه السلام، {وتفصيلاً لكل شيء} مما تحتاج إليه أمة بني إسرائيل في عقائدها، وعباداتها وأحكامها العامة والخاصة {وهدي} يتبينون به الحق والصواب، {ورحمة} لهم في دنياهم لما يحمله من الدعوة إلى العدل والخير رجاء أن يوقنوا بلقاء ربهم.
هذا ما دلت عليه الآية الأولى وهي قوله تعالى:
{ثم آتينا موسى الكتاب تماماً على الذي أحسن وتفصيلاً لكل شيء وهدى ورحمة لعلهم بلقاء ربهم2}
أي بني إسرائيل {يؤمنون} فيعملون الصالحات ويتخلون عن المفاسد والشرور لما تجلبه لهم من غضب الله تعالى وعذابه.
أما الآية الثانية (155) فقد أشاد الله تعالى بالقرآن الكريم ممتناً بإنزاله وما أودع فيه من البركة التي ينالها كل من يؤمن به ويعمل به ويتلوه تعبداً وتقرباً وتعلماً.
هذا معنى قوله تعالى: {وهذا كتاب أنزلناه مبارك} وقوله {فاتبعوه3....} أمر للعباد بإتباع ما جاء في القرآن الكريم من عقائد وعبادات وشرائع وأحكام فإن من اتبعه قاده إلى السعادة والكمال في الحياتين، وقوله {واتقوا4 لعلكم ترحمون} أي اتقوا ترك العمل به ليعدكم ذلك الذي هو متابعة القرآن والتقوى للرحمة فترحمون في الدنيا والآخرة.
يتبع

ابوالوليد المسلم
10-11-2021, 03:51 AM
وأما الآية الثالثة وهي قوله تعالى:
{أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين}
فمعناها: إن الله تعالى أنزل الكتاب على رسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأمره بتلاوته وإبلاغه الناس لئلا يقول الكافرون من العرب إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا اليهود والنصارى والمراد بالكتاب التوراة والإنجيل، {وإن كنا عن دراستهم لغافلين} إذ لم نعرف لغتهم، ولم نعرف ما يقرأونه في كتابهم، فتقوم الحجة لكم علينا فقطعاً لهذه الحجة أنزلنا الكتاب.
وقوله تعالى في الآية الرابعة:
{أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة}
كما قطع تعالى عذرهم بإنزال كتابه الكريم لو قالوا يوم القيامة إنما أنزل الكتاب على اليهود والنصارى ونحن لم ينزل إلينا شيء فلذا ما عرفنا ربنا ولا عرفنا محابه ومكارهه فنطيعه بفعل محابه وترك مكارهه، قطع كذلك عذرهم لو قالوا لو أنا أنزل علينا الكتاب الهادي إلى الحق المعرف بالهدى لكنا أهدى من اليهود والنصارى الذين أوتوا الكتاب قبلنا، فقال تعالى {فقد جاءكم بينة من ربكم} وهو القرآن الكريم ورسوله المبلغ له {وهدى ورحمة} أي وجاءكم الهدى والرحمة يحملهما القرآن الكريم، فأي حجة بقيت لكم تحتجون بها عند الله يوم القيامة إنكم إن لم تقبلوا هذه البينة وما تحمله من هدى ورحمة فقد كذبتم بآيات الله وصدفتم عنها ولا أحد أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها، وسيجزيكم بما يجزي به المكذبين بآيات الله الصادفين عنها.
هذا ما دلت عليه الآية الرابعة (157) {أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم} أي كراهية أن تقولوا. (فقد جاءكم 5 بينة من ربكم وهدى 6ورحمة فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون} .
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- بيان منة الله تعالى على موسى عليه السلام والثناء عليه لإحسانه.
2- تقرير عقيدة البعث والجزاء يوم القيامة.
- الإشادة بالقرآن الكريم، وما أودع الله فيه من البركة والهدى والرحمة والخير.
4- قطع حجة المشركين بإنزال الله تعالى كتابه وإرسال رسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
5- التنديد7 بالظلم، وبيان جزاء الظالمين المكذبين بآيات الله المعرضين عنها.

__________
1) قال الزجاج: ثم ها هنا للعطف على معنى التلاوة، فالمعنى اتل ما حرم ربكم عليكم. ثم أتل عليكم ما آتى الله موسى الخ. فهي إذاً لعطف الجُمل وما كان لعطف الجمل فلا يراعى فيه تراخي الزمان.
2-) أي رجاء أن يؤمنوا بلقاء ربهم.
3)أي اعملوا بما فيه متتبعين ما فيه من أوامر ونوه تفعلون الأمر وتتركون النهي.
4) أي اتقوا تحريفه وتبديله كما فعلت اليهود.
5)أي بطل عذركم بمجيء النبي الأمي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لكم وهو البيّنة وسمي بينة لكماله الخلقي والخلقي ولما معه من العلوم والمعارف الإلهية وهو أميّ لا يقرأ ولا يكتب.
6)الهدى والرحمة المراد بهما ما في القرآن الكريم من هدى ورحمة للمؤمنين بقرينة. فمن أظلم ممن كذب بآيات الله.
7) وفي الحديث الصحيح: "اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة". وفي آخر الظلم يذر الديار بلا قع أي فقراً خالية.

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
10-11-2021, 03:52 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانعام
الحلقة (410)
تفسير سورة الانعام (43)

(هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (158) إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (159) مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (160)

شرح الكلمات:
بعض آيات ربك: أي علامات الساعة منها طلوع الشمس من مغربها.
كسبت في إيمانها خيراً: من الطاعات والقربات.
فرقوا دينهم.: جعلوه طرائق ومذاهب تتعادى.
وكانوا شيعاً: طوائف وأحزاباً.
من جاء بالحسنة: أي أتى يوم القيامة بالحسنة التي هي الإيمان بالله والإقرار بوحدانيته والعمل بطاعته وطاعة رسوله.
ومن جاء بالسيئة: أي بالشرك بالله ومعاصيه.
يتبع

ابوالوليد المسلم
10-11-2021, 03:53 AM
معنى الآيات:
بعد ذكر الحجج وإنزال الآيات التي هي أكبر بينة على صحة التوحيد وبطلان الشرك، والعادلون بربهم الأصنام مازالوا في موقفهم المعادي للحق ودعوته ورسوله فأنزل الله تعالى قوله: {هل ينظرون....} أي ما ينتظرون {إلا أن تأتيهم الملائكة} لقبض أرواحهم، {أو يأتي ربك} يوم القيامة لفضل القضاء، {أو يأتي بعض آيات ربك} الدالة على قرب الساعة كطلوع الشمس من مغربها، إن موقف الإصرار على التكذيب هو موقف المنتظر لما ذكر تعالى من الملائكة ومجيء الرب تعالى أو مجيء علامات الساعة للفناء.
وقوله تعالى {يوم يأتي بعض آيات1 ربك} الدالة على قرب الساعة وهي طلوع الشمس من مغربها إيذاناً بقرب ساعة الفناء في هذه الحال يخبر تعالى أن نفساً لم تكن آمنت قبل ظهوره هذه الآية لو آمنت بعد ظهورها لا يقبل منها إيمانها ولا تنتفع به لأنه أصبح إيماناً اضطرارياً لا اختيارياً، كما أن نفساً آمنت به قبل الآية، ولكن لم نكسب في إيمانها خيراً وأرادت أن تكسب الخير فإن ذلك لا ينفعها فلا تثاب عليه، لأن باب التوبة مفتوح إلى هذا اليوم وهو يوم2 طلوع الشمس من مغربها فإنه يغلق.
وقوله تعالى {قل انتظروا إنا منتظرون} يأمر الله رسوله أن يقول لأولئك العادلين بربهم المصرين على الشرك والتكذيب: مادمتم منتظرين انتظروا إنا منتظرون ساعة هلاككم فإنها آتية لا محالة.
هذا ما تضمنته الآية الأولى (158) أما الآيتان بعدها فإن الله تعالى أخبر رسوله بأن الذين فرقوا دينهم3 وكانوا شيعاً أي طوائف وأحزاباً وفرقاً مختلفة كاليهود والنصارى، ومن يبتدع من هذه الأمة بدعاً فيتابع عليها فيصبحون فرقاً وجماعات ومذاهب مختلفة متطاحنة متحاربة هؤلاء {لست منهم في شيء} أي أنت بريء منهم، وهم منك بريئون، وإنما أمرهم إلى الله تعالى هو الذي يتولى جزاءهم فإنه سيجمعهم يوم القيامة ثم ينبنهم بما كانوا يعملون من الشر والخير {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها، وهم لا يظلمون} من قبلنا فلا ننقص المحسن منهم حسنة من حسناته، ولا نضيف إلى سيئآته سيئة ما عملها، هذا حكم الله فيهم.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- إثبات صفة الإتيان في عرصات القيامة للرب تبارك وتعالى لفصل القضاء.
2- تقرير أشراط الساعة وإن طلوع الشمس منها وأنها متى ظهرت أغلق باب التوبة.
3- حرمة الفرقة في الدين وأن اليهود والنصارى فرقوا دينهم وأن أمة الإسلام أصابتها الفرقة كذلك بل وهي أكثر لحديث وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة.
4- براءة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ممن فرقوا دينهم وترك الأمر لله يحكم بينهم بحكمه العادل.
5- مضاعفة الحسنات، وعدم مضاعفة السيئات عدل من الله ورحمة.

__________
1 )الآيات بمعنى العلامات الدالة على قرب الساعة الكبرى منها عشر جاءت في حديث مسلم إذ روى عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال أشرف علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من غرفة ونحن نتذاكر الساعة فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات. طلوع الشمس من مغربها، والدخان، والدابة، وخروج يأجوج ومأجوج وخروج عيسى بن مريم، وخروج الدجال وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق وخسف بالمغرب. وخسف بجزيرة العرب، ونار تخرج من قعر عدن تسوق أو تحشر الناس تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا.
2)روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا رآها الناس آمن من عليها فذلك {حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل} .
3)قرىء فارقوا دينهم أي تركوه وتخلوا عنه وقراءة الجمهور فرقوا بالتضعيف حيث أصبح لكل فرقة اعتقاد وعمل خاص لها ومن فرَّق فقد فارق أحب أم كره.

ابوالوليد المسلم
22-11-2021, 02:25 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانعام
الحلقة (411)
تفسير سورة الانعام (44)


(قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (165)

شرح الكلمات:
قيماً1: أي مستقيماً.
ملة إبراهيم: أي دين إبراهيم وهو الإسلام.
حنيفاً: مائلاً عن الضلالة إلى الهدى.
ونسكي: ذبحي تقرباً إلى الله تعالى.
ومحياي: حياتي.
أبغي رباً: أطلب رباً إلهاً معبوداً أعبده.
ولا تزر وازرة: أي لا تحمل نفس وازرة أي آثمة.
وزر أخرى: أي إثم نفس أخرى.
خلائف الأرض: أي يخلف بعضكم بعضاً جيل يموت وآخر يحيا إلى نهاية الحياة.
ليبلوكم فيما آتاكم: أي ليختبركم فيما أعطاكم من الصحة والمرض والمال والفقر والعلم والجهل.
يتبع

ابوالوليد المسلم
22-11-2021, 02:25 AM
معنى الآيات:
في هذه الآيات وهي خاتمة هذه السورة التي بلغت آياتها بضعاً وستين ومائة آية وكانت كلها في الحجاج مع العادلين بربهم وبيان طريق الهدى لهم لعلهم يؤمنون فيوحدون ويسلمون. في هذه الآيات أمر الله رسوله أن يعلن عن مفاصلته لأولئك المشركين فقال له {قل إن صلاتي ونسكي2} أي ما أذبحه تقرباً إلى ربي، {ومحياي} أي ما آتيه في حياتي {ومماتي} أي ما أموت عليه من3الطاعات والصالحات {لله رب العالمين} وحده {لا شريك له وبذلك أمرت} أي أمرني ربي سبحانه وتعالى، {وأنا أول المسلمين} لا يسبقني أحد أبداً. كما أمره أن ينكر على المشركين دعوتهم إليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأن يعبد معهم آلهتهم، ليعبدوا معه إلهه وقال: {قل أغير الله أبغي رباً} أي أطلب إلهاً، {وهو رب كل شيء} أي ما من كائن في هذه الحياة إلا والله ربه أي خالقه ورازقه، وحافظه، وأعلمه أنه لا تكسب نفس
من خير إلا وهو لها، ولا تكسب من شر إلا عليها، وأنه {ولا تزر وازرة وزر أخرى} أي لا تحمل نفس مذنبة ذنب نفس مذنبة أخرى، وأن مرد الجميع إلى الله تعالى {ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون} أي ويقضي بينكم فينجو من ينجو ويهلك من يهلك، كما أخبره أن يقول: {وهو الذي جعلكم خلائف الأرض} أي يخلف بعضكم بعضاً هذا يموت فيورث، وهذا الوارث يموت فيورث، وقوله {ورفع بعضكم فوق بعض درجات} أي هذا غني وهذا فقير، هذا صحيح وهذا ضرير هذا عالم وذاك جاهل، ثم علل تعالى لتدبيره فينا بقوله {ليبلوكم} أي يختبركم فيما آتاكم ليرى الشاكر ويرى الكافر ولازم الابتلاء النجاح أو الخيبة فلذا قال {إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم} فيعذب الكافر ويغفر ويرحم الشاكر.
من هداية الآيات.
1- ملة إبراهيم عليه السلام هي الإسلام.
2- مشروعية قول {إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين} في القيام للصلاة4.
3- لا يصح طلب رب غير الله تعالى لأنه رب كل شيء.
4- عدالة الله تعالى تتجلى يوم القيامة.
5- عدالة الجزاء يوم القيامة.
6- تفاوت الناس في الغنى والفقر والصحة والمرض، والبر والفجور وفي كل شيء مظهر من مظاهر تدبير الله تعالى في خلقه. ينتفع به الذاكرون من غير أصحاب الغفلة والنسيان.
__________
1) قيماً مصدر على وزن شِبَع وصف به المنصوب وهو ديناً ومعناه مستقيماً لا عوج فيه وهو الإسلام.
2) قيل المراد من الصلاة هنا صلاة العيد لمناسبة النسك وهو الذبح تقرباً وقيل صلاة نافلة والعموم أولى. وكذا النسك يطلق على الذبح تقرباً وهو مراد ها ويطلق على سائر العبادات من الفرائض والنوافل لأن النسك هو التعبد.
3)وقال القرطبي في الآية وما أوصى به بعد وفاتي وهو حسن ويشهد له قوله تعالى ونكتب ما قدموا وآثارهم.
4)لحديث مسلم عن عليّ بن أبي طالب عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان إذا أقام الصلاة قال وجهت وجهي لله فاطر السموات ... الخ الآية وفيه دعاء ذكره القرطبي عند تفسير هذه الآية.

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
22-11-2021, 02:27 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الاعراف - (1)
الحلقة (412)
تفسير سورة الاعراف مكية

سورة الأعراف
مكية1
وآياتها خمس ومائتا آية
بسم الله الرحمن الرحيم
(المص (1) كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ (3) وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ (4) فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا إِلاَّ أَن قَالُواْ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (5)
شرح الكلمات:
المص: هذه أحد الحروف المقطعة ويقرأ هكذا: ألف لآم ميم صَادْ. والله أعلم بمراده بها.
كتاب: أي هذا كتاب.
حرج: ضيق.
وذكرى: تذكرة بها يذكرون الله وما عنده وما لديه فيقبلون على طاعته.
أولياء: رؤساؤهم في الشرك.
ما تذكرون: أي تتعظون فترجعون إلى الحق.
وكم من قرية: أي كثيراً من القرى.
بأسنا بياتا: عذابنا ليلاً وهم نائمون.
أو هم قائلون: أي نائمون بالقيلولة وهم مستريحون.
فما كان دعواهم: أي دعاؤهم إلا قولهم إنا كنا ظالمين.
معنى الآيات:
{المص} في هذه الحروف إشارة إلى أن هذا القرآن تألف من مثل هذه الحروف المقطعة وقد عجزتم عن تأليف مثله فظهر بذلك أنه كلام الله ووحيه إلى رسوله فآمنوا به وقوله {كتاب} أي هذا كتاب {أنزل إليك} 2 يا رسولنا {فلا يكن في صدرك حرج منه} أي ضيق منه {لتنذر به} قومك عواقب شركهم وضلالهم، وتذكر به المؤمنين منهم ذكرى وقل لهم {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم} من الهدى والنور، {ولا تتبعوا من دونه} أي من غيره {أولياء} 3 لا يأمرونهم إلا بالشرك والشر والفساد، وهم رؤساء الضلال في قريش {قليلاً ما يذكرون} أي تتعظون فترجعون إلى الحق الذي جانبتموه {وكم4 من قرية} أي وكثيرا من القرى أهلكنا أهلها لما جانبوا الحق ولازموا الباطل {فجاءها5 بأسنا6} أي عذابنا الشديد {بياتاً أو هم قائلون} أي ليلاً أو نهاراً، فما كان دعاءهم7 يومئذ إلا قولهم: يا ويلنا إنا كنا ظالمين فاعترفوا بذنبهم، ولكن هيهات إن ينفعهم الاعتراف بعد معاينة العذاب.
يتبع

ابوالوليد المسلم
22-11-2021, 02:27 AM
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- القرآن الكريم هو مصدر نذارة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبشارته بما حواه من الوعد والوعيد، والذكرى والبشرى.
2- وجوب إتباع الوحي، وحرمة إتباع ما يدعو إليه أصحاب الأهواء والمبتدعة.
3- الاعتبار بما حل بالأمم الظالمة من خراب ودمار.
4- لا تنفع التوبة عند معاينة الموت أو العذاب.

شرح الكلمات:
أرسل إليهم: هم الأمم والأقوام.
فلنقصن عليهم بعلم: فلنخبرنهم بأعمالهم متتبعين لها فلا نترك منها شيئاً.
وما كنا غائبين: أي عنهم أيام كانوا يعملون.
الوزن يومئذ الحق: أي العدل.
فمن ثقلت موازينه: أي بالحسنات فأولئك هم المفلحون بدخول الجنة.
خسروا أنفسهم: بدخولهم النار والاصطلاء بها أبداً.
معايش: جمع معيشة بمعنى العيش الذي يعيشه الإنسان.


__________
1) إلاّ قوله تعالى: {واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر} إلى قوله {وإذ نتقنا الجبل فوقهم.} . فإنها مدنيات.
2) جملة: {أنزل إليك} يصح إعرابها في محل نعت لكتاب ويصح إعرابها في محل نصب حالاً من هذا كتاب نحو: (هذا بعلي شيخا) وإن لم يقدر لفظ هذا تعرب جملة حينئذٍ في محل رفع خبر كتاب، ويكون التنكير في كتاب للتعظيم وهو كالوصف فيسوغ الابتداء به وان كان نكرة نحو قولهم: شرٌ أهو ذا ناب.
3) قالت العلماء: كل من رضي مذهبا فأهل ذلك المذهب أولياؤه، ومنع أولياء من الصرف لأنّ فيه ألف التأنيث.
4) كم: للتكثير كما أنّ ذلك للتقليل وهي في موضع رفع على الابتداء، والخبر جملة أهلكناها، والتقدير: وكثير من القرى أهلكناها.
5){فجاءها} في حرف الفاء هنا إشكال لأنّ الإهلاك قد تمّ فما معنى مجيء البأس حينئذ؟ وعليه فليكن تقدير الكلام: وكم من قرية أردنا إهلاكها فجاءها بأسنا.
6) البأس: العذاب الآتي على النفس.
))الدعاء والدعوى بمعنى واحد ومنه: وآخر دعواهم أي: دعائهم.

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
22-11-2021, 02:30 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الاعراف - (2)
الحلقة (413)
تفسير سورة الاعراف مكية


(فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7) وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9) وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (10)

قليلاً ما تشكرون: أي شكراً قليلاً والشكر ذكر النعمة للمنعم1 وطاعته بفعل محابه وترك مكارهه.
معنى الآيات:
قوله تعالى: {فلنسألن الذين أرسل2 إليهم ولنسألن المرسلين3 فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين} يخبر تعالى أنه إذا جمع الخلائق لفصل القضاء مؤكداً الخبر بالقسم أنه يسأل كل أمة أو جماعة أو فرد أرسل إليهم رسله يسألهم عن مدى إجابتهم دعوة رسله إليهم، فهل آمنوا بما جاءتهم به الرسل، وأطاعوهم فيما بلغوهم من التوحيد والعبادة والطاعة والانقياد، كما يسأل الرسل أيضاً هل بلغوا ما ائتمنهم عليه من رسالته المتضمنة أمر عباده بالإيمان به وتوحيده وطاعته في أمره ونهيه، ثم يقصُّ تعالى على الجميع بعلمه كل ما كان منهم من ظاهر الأعمال وباطنها، ولا يستطيعون إخفاء شيء أبداً، ولم يكن سؤاله لهم أولاً، إلا من باب إقامة الحجة وإظهار عدالته سبحانه وتعالى فيهم، ولتوبيخ من يستحق التوبيخ منهم، وهذا معنى قوله تعالى: {فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين} عنهم حينما كانوا في الدنيا يعملون فكل أعمالهم كانت مكشوفة ظاهرة له تعالى ولا يخفي عليه منها شيء وهو السميع البصير.
هذا ما دلت عليه الآية الأولى (6) والثانية (7) أما الآيتان الثالثة والرابعة فقد أخبر تعالى أنه بعد سؤالهم وتعريفهم بأعمالهم ينصب الميزان وتوزن4 لهم أعمالهم فمن ثقلت موازين حسناته أفلح بالنجاة من النار ودخول الجنة دار السلام ومن خفَّت لقلة حسناته وكثرة سيئاته5 خسر نفسه بإلقائه في جهنم ليخلد في عذاب أبدي، وعلل تعالى لهذا الخسران في جهنم بقوله {بما كانوا بآياتنا يظلمون} : أي يكذبون ويجحدون، وأطلق الظلم وأريد به التكذيب والجحود لأمرين هما:
أولاً: اكتفاء بحرف الجر الباء إذ لا تدخل على ظلم ولكن على كذب أو جحد يقال كذب به وجحد به ولا يقال ظلم به ولكن ظلمه وهذا من باب التضمين وهو سائغ في لغة العرب التي نزل بها القرآن.
وثانياً: أنهم بدل أن يؤمنوا بالآيات وهي واضحات كذبوا بها فكانوا كأنهم ظلموا الآيات ظلماً حيث لم يؤمنوا بها وهي بينات.
هذا ما دلت عليه الآيتان أما الآية الخامسة (10) فقد تضمنت امتنان الله تعالى على عباده، وكان المفروض أن يشكروا نعمه عليهم بالإيمان به وتوحيده وطاعته، ولكن الذي حصل هو عدم الشكر من أكثرهم قال تعالى {ولقد مكناكم في الأرض} حيث جعلهم متمكنين في الحياة عليها يتصرفون فيها ويمشون في مناكبها، وقوله {وجعلنا لكم فيها معايش} 6 هذه نعمة أخرى وهي أن جعل لهم فيها معايش وأرزاقاً يطلبونها فيها ويحصلون عليها وعليها قامت حياتهم، وقوله {قليلاً ما تشكرون} أي لا تشكرون إلا شكراً يسيراً لا يكاد يذكر.
يتبع

ابوالوليد المسلم
22-11-2021, 02:30 AM
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- تقرير عقيدة البعث والسؤال والحساب ووزن الأعمال يوم القيامة.
2- صعوبة الموقف حيث تسأل الأمم والرسل عليهم السلام كذلك.
3- الفلاح والخسران مبنيان على الكسب في الدنيا فمن كسب خيراً نجا، ومن كسب شراً هلك.
4- وجوب شكر النعم بالإيمان والطاعة لله ورسوله.

__________
1 وحده والثناء بها عليه.
2 في الآية دليل على أن الكفار يحاسبون وإن لم توزن أعمالهم لقوله تعالى {فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً} فمحاسبتهم لإظهار العدالة الإلهية لا لأن لهم أعمالاً صالحة يجزون بها والله أعلم.
3 ويشهد لهذه المساءلة قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصحيح: " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالإمام يسأل عن رعيته، والرجل يسأل عن أهله، والمرأة تسأل عن بيت زوجها، والعبد يسأل عن مال سيده".
4 هنا زلت أقدام المعتزلة فأوّلوا الوزن للأعمال والميزان وقالوا: الأعراض لا توزن ولو اتبعوا لأوّلوا الميزان بالصراط والجنة والنار على ما يرد على الأرواح دون الأجساد، والشياطين والجنّ على الأخلاق المذمومة، والملائكة على القوى المحمودة وهكذا حتى لا يبقى للدين حقيقة والعياذ بالله من فساد القلوب والعقول ومن الجري وراء فلسفة الإغريق واليونان.
5 ورد في السنة الصحيحة إن الأعراض تحوّل إلى أجسام وتوزن كما في حديث: أنّ البقرة وآل عمران يأتيان يوم القيامة وكأنهما غمامتان. الحديث، كما توزن صحائف الأعمال لحديث: "فطاشت السجلات وثقلت البطاقة" وحديث: "يؤتى بالرجل السمين فلا يزن عند الله جناح بعوضة" وبهذا تقرر أن الأعمال توزن وتوزن محالها وفاعلوها والله على ذلك قدير.
6 المعايش: جمع معيشة، والمعيشة: ما يتوصل به إلى العيش الذي هو الحياة من المطاعم والمشارب. والتمكين في الأرض: معناه جعلها قارة ممهدة لا تضطرب ولا تتحرك فيفسد ما عليها.

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
22-11-2021, 02:31 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الاعراف - (3)
الحلقة (414)
تفسير سورة الاعراف مكية
المجلد الثانى (صـــــــ 155الى صــــ 157)

وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11) قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12) قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13) قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15) قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17) قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18)

لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ (11) قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (12) قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13) قَالَ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ (15) قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17) قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُومًا مَّدْحُورًا لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ (18)
شرح الكلمات:
خلقناكم ثم صورناكم: أي خلقنا أباكم آدم أي قدرناه من الطين ثم صورناه على الصورة البشرية الكريمة التي ورثها بنوه من بعده إلى نهاية الوجود الإنساني.
فسجدوا: أي سجود تحية لآدم عليه السلام.
إبليس: أبو الشياطين من الجن وكنيته أبو مرة، وهو الشيطان الرجيم.
فاهبط منها: أي من الجنة.
من الصاغرين: جمع صاغر الذليل المهان.
فبما أغويتني: أي فبسبب إضلالك لي.
مذموماً مدحوراً: ممقوتاً مذموماً مطروداً.
معنى الآيات:
مازال السياق في تعداد أنعم الله تعالى على عباده تلك النعم الموجبة لشكره تعالى بالإيمان
به وطاعته فقال تعالى {ولقد خلقناكم ثم صورناكم1} أي خلقنا أباكم آدم من طين ثم صورناه بالصورة البشرية التي ورثها بنوه عنه، {ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم} وفي هذا إنعام آخر وهو تكريم أبيكم آدم بأمر الملائكة بالسجود له تحية له وتعظيما {فسجدوا إلا إبليس2 لم يكن من الساجدين} أي أبى وامتنع أن يسجد، فسأله ربه تعالى قائلاً: {ما منعك ألا تسجد3 إذ أمرتك} أي: أي شيء جعلك لا تسجد فأجاب إبليس قائلاً: {أنا خير منه خلقتني من نار، وخلقته من طين} فأنا أشرف منه فكيف أسجد له، ولم لكن إبليس مصيباً في هذه القياس4 الفاسد أولاً: ليست النار أشرف من الطين بل الطين أكثر نفعاً وأقل ضرراً، والنار كلها ضرر، وما فيها من نفع ليس بشيء إلى جانب الضرر وثانياً: إن الذي أمره بالسجود هو الرب الذي تجب طاعته سواء كان المسجود له فاضلاً أو مفضولاً، وهنا أمره الرب تعالى أن يهبط من الجنة فقال {اهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين} أي الذليلين الحقيرين، ولما وقع إبليس في ورطته، وعرف سبب هلكته وهو عدم سجوده لآدم قال للرب تبارك وتعالى {انظرني} أي أمهلني لا تمتني {إلى يوم يبعثون} فأجابه الرب بقوله {إلى يوم الوقت المعلوم} وهو فناء هذه الدنيا فقط وذلك قبل البعث، جاء هذا الجواب في سورة الحجر وهنا قال {إنك من المنظرين} ومراد إبليس في الإمهال التمكن من إفساد أكبر عدد من بني آدم انتقاماً منهم إذ كان آدم هو السبب في طرده من الرحمة، ولما أجابه الرب إلى طلبه قال: {فبما أغويتني} أي أضللتني {لأقعدن لهم صراطك المستقيم} يريد آدم وذريته، والمراد من الصراط الإسلام إذ هو الطريق المستقيم والموصل بالسالك له إلى رضوان الله تعالى {ثم لآتينهم من بين أيديهم5 ومن خلفهم وعن
__________
1 ويصح أن يقال: خلقناكم نطفاً ثم صورناكم، وما في التفسير أولى بالآية وأصح بدليل قوله: {ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم} .
2 استثناء من غير الجنس إذ إبليس من الجنّ ولم يكن من الملائكة.
3 {ما منعك} ما: في موضع رفع بالابتداء فهي اسم استفهام والتقدير أي شيء منعك من السجود، وأن المصدرية مدغمة في لا الزائدة بدليل عدم زيادتها في {ص} إذ قال: {ما منعك أن تسجد} أي: من السجود لآدم.
4 قال ابن عباس والحسن: أوّل من قاس إبليس فأخطأ القياس، فمن قاس الدين برأيه قرنه الله تعالى مع إبليس. قال العلماء: من جوهر الطين الرزانة والسكون والوقار والأناة ولهذا تاب آدم، ومن جوهر النار الخفة والحدة والطيش والارتفاع ولذا لم يتب إبليس.
5 معناه: لأصدنّهم عن الحق، وأرغبهم في الدنيا وأشككهم في الآخرة وهذا غاية الضلال، وقال بعضهم: المراد من قوله: {من بين أيديهم} من دنياهم {ومن خلفهم} من آخرتهم، {وعن أيمانهم} يعني حسناتهم {وعن شمائلهم} يعني سيئاتهم.
*************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
22-11-2021, 02:32 AM
أيمانهم وعن شمائلهم} يريد يحيط بهم فيمنعهم سلوك الصراط المستقيم حتى لا ينجوا ويهلكوا كما هلك هو زاده الله هلاكاً، وقوله {ولا تجد أكثرهم شاكرين} هذا قول إبليس للرب تعالى، ولا تجد أكثر أولاد آدم الذي أضللتني بسببه شاكرين لك بالإيمان والتوحيد والطاعات.
وهنا أعاد الله أمره بطرد اللعين فقال {اخرج منها} أي من الجنة {مذموماً مدحوراً} أي ممقوتاً مطروداً (لمن تبعك1 منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين} أي فبعزتي لأملأن جهنم منك وممن اتبعك منهم أجمعين.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- خطر الكبر على الإنسان.
2- ضرر القياس2 الفاسد.
3- خطر إبليس وذريته على بني آدم، والنجاة منهم بذكر الله تعالى وشكره.
4- الشكر هو الإيمان والطاعة لله ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
__________
1 اللام في {لمن} موطئة للقسم، واللام في {لأملأنّ} في جواب القسم والتقدير: وعزتي من تبعك منهم لأملأن جهنم منك ومنهم أجمعين.
2 القياس من الكتاب والسنة وإجماع علماء الأمة مشروع محمود لأنّه اعتصام بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، وإنّما المذموم المحرّم: القياس على غير أصل من هذه الأصول الثلاثة: الكتاب، السنة، الإجماع، وهذا علي ابن أبي طالب لما قال له أبو بكر رضي الله عنهما أقيلوني بيعتي فقال عليّ: والله لا نقيلك ولا نستقيلك رضيك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على دنيانا أفلا نرضاك لديننا فقاس الإمامة على الصلاة لله، وقاس أبو بكر الزكاة على الصلاة.

ابوالوليد المسلم
22-11-2021, 02:34 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الاعراف - (4)
الحلقة (415)
تفسير سورة الاعراف مكية
المجلد الثانى (صـــــــ 158الى صــــ 160)

وَيَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22)
شرح الكلمات:
وزوجك: هي حواء التي خلقها الله تعالى من ضلع آدم الأيسر.
الجنة: دار السلام التي دخلها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة الإسراء والمعراج.
في الظالمين: أي لأنفسهم.
فوسوس: الوسوسة: الصوت الخفي، وسوسة1 الشيطان لابن آدم إلقاء معانٍ فاسدة ضارة في صدره مزينة ليعتقدها أو يقول بها أو يعمل.
ليبدي2 لهما ما ووري: ليظهر لهما ما ستر عنهما من عوراتهما.
وقاسمهما: حلف لكل واحد منهما.
فدلاهما بغرور: أي أدناهما شيئاً فشيئاً بخداعه وتغريره حتى أكلا من الشجرة.
وطفقا يخصفان: وجعلا يشدان عليهما من ورق الجنة ليسترا عوراتهما.
معنى الآيات:
ولما طرد الرحمن إبليس من الجنة نادى آدم قائلاً له {يا آدم اسكن أنت وزوجك} أي حواء {الجنة فكلا من حيث شئتما} يعنى من ثمارها وخيراتها، {ولا تقربا هذه الشجرة} أشار لهما إلى شجرة من أشجار الجنة معينة، ونهاهما عن الأكل منها، وعلمهما أنهما إذا أكلا منها كانا من الظالمين المستوجبين للعقاب، واستغل إبليس هذه الفرصة التي أتيحت له فوسوس3 لهما مزيناً لهما الأكل من الشجرة قائلاً لهما {ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن
__________
1 الوسواس اسم للشيطان أيضاً قال تعالى: {من شر الوسواس الخناس} .
2 اللام: لام العاقبة والصيرورة.
3 ذهب الأولون مذاهب في تحديد كيفية اتصال إبليس بآدم وحوارهما في الجنة وهو خارج منها حتى وسوس لهما فأكلا من الشجرة التي لم يأذن الله تعالى لهما في الأكل منها إلا أن المخترعات الحديثة بيّنت لنا كيفية ذلك الاتصال وبيانه: ان الإنسان في نفسه قابلية لتلقي الوسواس أشبه ما تكون بجهاز اللاسلكي بواسطتها يتم الاتصال بين الإنسان وعدّوه إبليس وذريته.
*****************
تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين} {وقاسمهما} أي حلف لهما أنه ناصح1 لهما وليس بغاش لهما، {فدلاهما بغرور} وخداع حتى أكلا {فلما ذاقا الشجرة بدت ... } أي ظهرت لهما سوءاتهما2 حيث انحسر النور3 الذي كان يغطيهما، فجعلا يشدان من ورق الجنة على أنفسهما ليستر عوراتهما، وهو معنى قوله تعالى {وطفقا يخصفا عليهما من ورق الجنة} وعندئذ ناداهما ربهما سبحانه وتعالى، قائلاً: ألم أنهكما عن هذه الشجرة وهو استفهام تأديب وتأنيب، {وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين} فكيف قبلتما نصحه وهو عدوكما.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- سلاح إبليس الذي يحارب به ابن آدم هو الوسوسة والتزيين لا غير.
2- تقرير عداوة الشيطان للإنسان.
3- النهي يقتضي التحريم إلا أن توجد قرينة تصرف عنه إلى الكراهة.
4- وجوب ستر العورة من الرجال والنساء سواء.
5- جواز الاقسام بالله تعالى، ولكن لا يحلف إلا صادقاً.

__________
1 قال قتادة: حلف لهما بالله أنه خلق قبلهما وأنه أعلم منهما وحلف أنه ناصح لهما فانغرا به، على حد قول العلماء: مَنْ خدعنا بالله انخدعنا له.
2 سُمي الفرجان سوأتين وعورة لأن السوءة مشتقة مما يسيء إلى النفس بالألم والعورة هي كل ما استحيي من كشفه.
3 روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: تقلّص النور الذي كان لباسهما فصار أظفاراً في الأيدي والأرجل. والله أعلم.
*****************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
22-11-2021, 02:34 AM
قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24) قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (25)
شرح الكلمات:
ظلمنا أنفسنا: أي بأكلهما من الشجرة.
الخاسرين: الذين خسروا دخول الجنة والعيش فيها.
مستقر: مكان استقرار وإقامة..
متاع إلى حين: تمتع بالحياة إلى حين انقضاء آجالكم.
معنى الآيات:
مازال السياق في الحديث عن آدم عليه السلام، أنه لما ذاق آدم وحواء الشجرة وبدت لهما سؤاتهما وعاتبهما ربهما على ذلك قالا معلنين عن توبتهما: {ربنا ظلمنا أنفسنا1} أي بذوق الشجرة {وإن لم تغفر لنا} أي خطيئتنا هذه {لنكونن من الخاسرين} أي الهالكين، وتابا فتاب الله تعالى عليهما وقال لهم اهبطوا إلى الأرض إذ لم تعد الجنة في السماء داراً لهما بعد ارتكاب المعصية، إن إبليس عصا بامتناعه عن السجود لآدم، وآدم وحواء بأكلهما من الشجرة وقوله {بعضكم لبعض عدو} أي اهبطوا إلى الأرض2 حال كون بعضكم لبعض عدواً، إبليس وذريته عدو لآدم ونبيه، وآدم وبنوه عدو لإبليس وذريته، {ولكم في الأرض مستقر} ، أي مقام استقرار، {ومتاع إلى حين} أي تمتع بالحياة إلى حين انقضاء الآجال وقوله تعالى {فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون} 3 يريد من الأرض التي أهبطهم إليها وهي هذه الأرض التي يعيش عليها بنو آدم، والمراد من الخروج، الخروج من القبور إلى البعث والنشور.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- قول آدم وحواء: {ربنا ظلمنا أنفسنا..} الآية هو الكلمة التي ألقاها تعالى إلى آدم فتلقاها عنه فتاب عليه بها.
2- شرط التوبة الاعتراف بالذنب وذلك بالاستغفار أي طلب المغفرة.
3- شؤم الخطيئة كان سبب طرد إبليس من الرحمة، وإخراج آدم من الجنة.
4- لا تَتِمُّ حياةٌ للإنسان على غير الأرض، ولا يدفن بعد موته في غيرها لدلالة آية {فيها تَحْيَوْن وفيها تموتون ومنها تُخْرجون} .
__________
1 أي: يا ربنا، حذف حرف النداء لقربه منهما سبحانه وتعالى إذ يُنادى بحرف النداء البعيد.
2 قال ابن كثير: لو كان في تعيين الأماكن التي هبط فيها آدم وحواء وإبليس فائدة تعود على المكلّفين في دينهم أو دنياهم لذكرها الله تعالى.
3 أي: للحساب والجزاء على الكسب في الدنيا من خير وشرّ.

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
01-12-2021, 04:26 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الاعراف - (5)
الحلقة (416)
تفسير سورة الاعراف مكية
المجلد الثانى (صـــــــ 161الى صــــ 165)

يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) يَابَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27) وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (28)
شرح الكلمات:
وريشاً1: لباس الزينة والحاجة.
يواري سوءاتكم: يستر عوراتكم.
لباس التقوى.: خير في حفظ العورات والأجسام والعقول والأخلاق.
من آيات الله: دلائل قدرته.
لا يفتننكم: أي لا يصرفنكم عن طاعة الله الموجبة لرضاه ومجاورته في الملكوت الأعلى.
أبويكم: آدم وحواء.
قبيله: جنوده من الجن.
فاحشه: خصلة قبيحة شديدة القبح كالطواف بالبيت عراة.
__________
1 الريش للطائر ما يستر جسمه، وللإنسان اللّباس وجمعه رياش وهو ما كان فاخراً من أنواع الألبسة.
*****************
معنى الآيات:
قوله تعالى {يا بني1 آدم قد نزلنا2 عليكم لباساً يواري سوءاتكم وريشاً} هذا النداء الكريم المقصود منه تذكير للمشركين من قريش بنعم الله وقدرته عليهم لعلهم يذكرون فيؤمنون ويسلمون بترك الشرك والمعاصي، من نعمه عليهم أن أنزل عليهم لباساً يوارون به سوءاتهم، {وريشاً} لباساً يتجملون به، في أعيادهم ومناسباتهم، ثم أخبر تعالى أن لباس التقوى خير لصاحبه من لباس الثياب، لأن المتقي عبد ملتزم بطاعة الله ورسوله، والله ورسوله يأمران بستر العورات، ودفع الغائلات، والمحافظة على الكرامات، ويأمران بالحياء، والعفة وحسن السمت ونظافة الجسم والثياب فأين لباس الثياب مجردة عن التقوى3 من هذه؟؟.
وقوله تعالى {ذلك من آيات الله} أي من دلائل قدرته الموجبة للإيمان به وطاعته، وقوله {لعلهم يذكرون} أي رجاء أن يذكروا هذه النعم فيشكروا بالإيمان والطاعة.
هذا ما دلت عليه الآية الأولى (26) وفي الآية الثانية (27) ناداهم مرة ثانية فقال {يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما4 سوءاتهما} يحذرهم من إغواء الشيطان لهم مذكراً إياهم بما صنع مع أبويهما من إخراجهما5 من الجنة بعد نزعه لباسهما عنهما فانكشفت سوءاتهما الأمر الذي سبب إخراجهما من دار السلام، منبهاً لهم على خطورة العدو من حيث أنه يراهم هو وجنوده، وهم لا يرونهم. ثم أخبر تعالى أنه جعل الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون، وذلك حسب سنته في خلقه، فالشياطين يمثلون قمة الشر والخبث فالذين لا يؤمنون قلوبهم مظلمة لانعدام نور الإيمان فيها فهي متهيئة
__________
1 ابتداء الخطاب بالنداء الحكمة منه ليقع إقبال المنادين على ما بعد النداء بكل قلوبهم.
2 إنزال اللّباس من السماء يعود لأمور منها: أن آدم أوّل من ستر عورته بورق التين من شجر الجنة ومنها أنّ آدم نزل مكسواًّ وورث عنه أولاده ذلك، ومنها أن الماء الذي به النبات ومنه يتخذ اللباس كالقطن مثلاً نزل من السماء وحتى ذوات الصوف والوبر حياتها متوقفة على ماء السماء.
3 قال الشاعر في لباس التقوى ما يلي:
إذا المرء لم يلبس ثياباً من التقى ... تقلب عريانا وإن كان كاسيا
وخير لباس المرء طاعة ربه ... ولا خير فيمن كان لله عاصيا
4في هذه الآية دليل على حرص الشيطان على أن يكشف الآدمي عورته لما يسبق ذلك من الفسق والفجور الذين يرغب الشيطان في إيقاع الآدمي فيهما.
5 تكاد تكون هذه سنة بشرية لا تتخلّف إذ ما من أمّة تبرج نساؤها فكشفن محاسنهن وأبدين عوراتهن إلاّ أسرع إليها الهلاك بزوال الملك وذهاب السلطان.
***************************

لقبول الشياطين وقبول ما يوسوسون به ويوحونه من أنواع المفاسد والشرور كالشرك والمعاصي على اختلافها، وبذلك تتم الولاية بين الشياطين والكافرين، وكبرهان على هذا الولاء بينهم أن المشركين إذا فعلوا فاحشة خصلة ذميمة قبيحة شديدة القبح ونهوا عنها احتجوا على فعلهم بأنهم وجدوا آباءهم يفعلونها، وأن الله تعالى أمرهم بها وهي حجة باطلة لما يلي:
أولاً: فعل آبائهم ليس ديناً ولا شرعاً.
ثانياً: حاشا لله تعالى الحكيم العليم أن يأمر بالفواحش إنما يأمر بالفواحش الذين يأتونها وهم الشياطين وأولياؤهم من الإنس ولهذا رد الله تعالى عليهم بقوله: {إن الله لا يأمر بالفحشاء} ووبخهم معنفاً إياهم بقوله: {أتقولون على الله ما لا تعلمون} .
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- التذكير بنعم الله تعالى المقتضي للشكر عك ذلك بالإيمان والتقوى1.
2- التحذير من الشيطان وفتنته لاسيما وأنه يرى الإنسان والإنسان لا يراه.
3- القلوب الكافرة هي الآثمة، وكذلك تتم الولاية بين الشياطين والكافرين.
4- قبح الفواحش وحرمتها.
5- بطلان الاحتجاج بفعل الناس إذ لا حجة إلا في الوحي الإلهي.
6- تنزه الرب تعالى عن الرضا بالفواحش فضلاً عن الأمر بها.
__________
1 الإيمان والتقوى بهما تحصل ولاية الرب للعبد، قال تعالى: {ألا إنّ أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون} .
*************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
01-12-2021, 04:26 AM
قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30) يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)
شرح الكلمات:
القسط1: العدل في القول والحكمة والعمل.
أقيموا وجوهكم: أي أخلصوا العبادة لله واستقبلوا بيته.
كما بدأكم تعودون: كما بدأ خلقكم أول مرة يعيدكم بعد الموت أحياء.
أولياء من دون الله: يوالونهم محبة ونصرة وطاعة، من غير الله تعالى.
زينتكم: أي البسوا ثيابكم عند الدخول في الصلاة.
ولا تسرفوا: في أكل ولا شرب، والإسراف مجاوزة الحد المطلوب في كل شيء.
معنى الآيات:
مازال السياق قي بيان أخطاء مشركي قريش فقد قالوا في الآيات السابقة محتجين على فعلهم الفواحش بأنهم وجدوا آباءهم على ذلك وأن الله تعالى أمرهم بها وأكذبهم الله تعالى في ذلك وقال في هذه الآية (29) {قل} يا رسولنا {أمر ربي بالقسط} الذي هو العدل وهو الإيمان بالله ورسوله وتوحيد الله تعالى في عبادته، وليس هو الشرك بالله وفعل الفواحش، والكذب على الله تعالى بأنه حلل كذا وهو لم يحلل، وحرم كذا وهو لم يحرم، وقوله تعالى {وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد} أي وقل لهم يا رسولنا أقيموا وجوهكم عند كل مسجد2 أي أخلصوا لله العبادة، واستقبلوا بيته الحرام، {وادعوه} سبحانه وتعالى {مخلصين له الدين} أي ادعوه وحده ولا تدعوا معه أحداً قوله: {كما بدأكم تعودون} يذكرهم بالدار الآخرة والحياة الثانية، فإن من آمن بالحياة بعد الموت والجزاء على كسبه خيراً أو شراً أمكنه أن يستقيم على العدل والخير طوال الحياة وقوله {فريقاً3 هدى، وفريقاً حق عليهم الضلالة4} بيان لعدله وحكمته ومظاهر قدرته فهو المبديء والمعيد والهادي والمضل، له الملك المطلق والحكم
__________
1 القسط: العدل، وهو وسط بين الشرك والإلحاد. ولذا قال ابن عباس: القسط: لا إله إلاّ الله أي: بأن يعبد الله وحده.
2 أي: في كل موضع للصلاة من سائر بقاع الأرض إذ موضع السجود هو المسجد وإقامة الرجوه بالذات معناه أن لا يلتفت بقلبه ولا بوجهه إلى غير الله تعالى وهو إخلاص العبادة لله عز وجل.
3 {فريقاً} نصب على الحال من الضمير في تعودون أي: حال كونكم فريقين فريقاً مهدياً سعيداً، وفريقاً وجبت عليه الضلالة فجاء الموقف ضالاً شقياً، وقال القرطبي: من ابتدأ الله خلقه للضلالة صيّره للضلالة ومن ابتدأ الله خلقه على الهدى صيّره إلى الهدى، وشاهد قوله هذا آدم وإبليس فآدم مخلوق للهداية وإبليس للضلالة.
4 اخرج مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: كانت المرأة في الجاهلية تطوف بالبيت وهي عريانة وتقول:
من يعيرني تطوافأ تجعله على فرجها وتقول:
اليوم يبدو بعضه أو كله ...
وما بدا منه فلا أحله
*************************
الأوحد، فكيف يعدل به أصنام وأوثان هدى فريقاً من عباده فاهتدوا، وأضل آخرين فضلوا ولكن بسبب رغبتهم عن الهداية وموالاتهم لأهل الغواية، {إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله} فضلوا ضلالاً بعيداً {ويحسبون} لتوغلهم في الظلام والضلال {أنهم مهتدون} .
وقوله تعالى: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد} أي: البسوا ثيابكم عند الطواف1 بالبيت فلا تطوفوا عراة، وعند الصلاة فلا تصلوا وأنتم مكشوفوا العورات كما يفعل المشركون المتخذون الشياطين أولياء فأضلتهم حتى زينت لهم الفواحش قولاً وفعلاً واعتقاداً. وقوله: {كلوا واشربوا ولا تسرفوا2} أي كلوا مما أحل الله لكم واشربوا، ولا تسرفوا بتحريم ما أحل الله، وشرع ما لم يشرع لكم فالزموا العدل، فإنه تعالى لا يحب المسرفين فاطلبوا حبه بالعدل، واجتنبوا بغضه بطاعته وطاعة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
من هداية الآيات:
1- وجوب العدل في القول وفي الحكم.
2- وجوب إخلاص العبادة صلاةً كانت أو دعاءً لله تعالى.
3- ثبوت القدر.
4- وجوب ستر العورة في الصلاة.
5- حرمة الإسراف في الأكل والشرب وفي كل شيء.
__________
1 هذه الآية الكريمة أصل من أصول الدواء، إذ أمرت بالأكل والشرب وهما قوام الحياة وحرمت الإسراف فيهما وهو سبب كافة الأمراض إذ قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطنه بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفَسِهِ" وشاهد آخر أنه كان لهارون الرشيد طبيب نصراني قال لعلي بن الحسين: ليس في كتابكم من علم الطب شيء، والعلم علمان علم أديان وعلم أبدان فقال له علي: قد جمع الله الطب كلّه في نصف آية من كتابنا فقال له ما هي؟ قال: قوله عز وجل {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا} .
2 روي أن سمرة بن جندب رضي الله عنه سأل عن ابنه فقيل له: بشم البارحة؟ قال: بشم؟ قالوا: نعم قال: أما إنه لو مات ما صليت عليه، وقال العلماء: من الإسراف: الأكل بعد الشبع، وقال لقمان لابنه: يا بني لا تأكل شبعاً فوق شبع فإنك إن تنبذه للكلب خير من أن تأكله.

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
01-12-2021, 04:27 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الاعراف - (6)
الحلقة (417)
تفسير سورة الاعراف مكية
المجلد الثانى (صـــــــ 166الى صــــ 170)

قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34)
شرح الكلمات:
من حرم زينة الله: التحريم: المنع، والزينة. ما يتزين به من ثياب وغيرها.
والطيبات: جمع طيب وهو الحلال غير المستخبث.
خالصة: لا يشاركهم فيها الكفار لأنهم في النار.
الفواحش: جمع فاحشة والمراد بها هنا الزنى واللواط السري كالعلني.
والإثم: كل ضار قبيح من الخمر وغيرها من سائر الذنوب.
والبغي بغير الحق: الظلم بغير قصاص ومعاقبة بالمثل.
وأن تشركوا: أي الشرك بالله وهو عبادة غير الله تعالى.
السلطان: الحجة التي تثبت بها الحقوق المختلف فيها أو المتنازع عليها.
أجل: وقت محدد تنتهي إليه.
معنى الآيات:
لما حرم المشركون الطواف بالبيت بالثياب وطافوا بالبيت عراة بدعوى أنهم لا يطوفون بثياب عصوا الله تعالى فيها، أنكر تعالى ذلك عليهم بقوله: {قل من حرم1 زينة الله التي
__________
1 الزينة: هنا الملبس الحسن من غير ما حرّم كالذهب والحرير على الرجال ويطلق لفظ الزينة أيضاً على مطلق اللباس ولو لم يكن حسناً.
***********************
أخرج لعباده والطيبات من الرزق1} كلحوم ما حرموه من السوائب، فالاستفهام في قوله {قل من حرم زينة الله} للإنكار. ومعنى أخرجها: أنه أخرج النبات من الأرض كالقطن والكتان ومعادن الحديد لأن الدروع من الحديد، وقوله تعالى: {قل هي للذين2 آمنوا في الحياة الدنيا} بالأصالة، لأن المؤمنين علماء فيحسنون العمل والإنتاج والصناعة، والكفار تبع هم في ذلك لجهلهم وكسلهم وعدم بصيرتهم، {خالصة3 يوم القيامة} أي هي خالصة للمؤمنين يوم القيامة لا يشاركهم فيها الكفار ولأنهم في دار الشقاء النار والعياذ بالله تعالى وقوله تعالى {كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون} أي كهذا التفصيل والبيان الذي بيناه وفصلناه في هذه الآيات وما زلنا نفصل ونبين ما ننزل من آيات القرآن الكريم لقوم يعلمون أما غيرهم من أهل الجهل والضلال فإنهم لا ينتفعون بذلك لأنهم محجوبون بظلمة الكفر والشرك ودخان الأهواء والشهوات والشبهات.
هذا ما دلت عليه الآية الأولى (32) أما الآية الثانية (33) فقد تضمنت بيان أصول المحرمات وأمهات الذنوب وهي: الفواحش ما ظهر منها وما بطن، والإثم: وهو سائر المعاصي بترك الواجب أو فعل الحرام والبغي: وهو الاستطالة على الناس والاعتداء عليهم بهضم حقوقهم وأخذ أموالهم وضرب أجسامهم وذلك بغير حق أوجب ذلك الاعتداء وسوغه كأن يعتدي الشخص فيقتص منه ويعاقب بمثل ما جنى وظلم، والشرك بالله تعالى بعبادة غيره، والقول على الله تعالى بدون علم منه وذلك كشرع ما لم يشرع، بتحريم ما لم يحرم، وإيجاب ما لم يوجب.
هذا ما دلت عليه الآية الثانية أما الثالثة والأخيرة في هذا السياق (34) فقد أخبر تعالى فيها أن لكل أمة أجلاً محدداً أي وقتاً معيناً يتم هلاكها فيه لا تتقدمه بساعة ولا تتأخر عنه بأخرى. وفي هذا إشارة أفصح من عبارة وهي أن هلاك الأمم والجماعات والأفراد يتم بسبب
__________
1 الطيبات: اسم عام لكل ما طاب كسباً وطعماً وقد أكل الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللحم والعسل والحلوى والبطيخ والرطب، وإنما الذي يكره الإكثار منها والتكلف في شرائها وإعدادها، وعمر لم ينكر الطيبات وإنما أنكر الكثرة منها، فكاد يرى عدم الجمع بين الطيبات ويكتفي بنوع واحد.
2 في الآية دليل على التجمل بأحسن الثياب وخاصة في الأعياد والجمع وزيارة الإخوان ومقابلة الوفود، وليس من السنة لبس المرقعات والفوط وليس معنى: {ولباس التقوى} : أنه لباس الخشن والمرقعات أبداً وإنما هو تقوى الله بامتثال الأمر واجتناب النهي، وقد تقدم معناها، وفي الحديث الصحيح: "إن الله جميل يحب الجمال".
3 قرىء: {خالصةٌ} بالرفع خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هي خالصة، وقرىء {خالصة} بالنصب على الحال أي: ثابتة لهم في الدنيا حال كونها خالصة لهم يوم القيامة.
*****************************

انحرافهم عن منهج الحياة، كالمرء يهلك بشرب السم، وبإلقاء نفسه من شاهق، أو إشعال النار في جسمه كذلك ارتكاب أمهات الذنوب وأصول المفاسد التي ذكر تعالى في قوله {قل إنما حرم ربي الفواحش.....} من شأنها أن تودي بحياة مرتكبيها لا محالة ما لم يتوبوا منها وتصلح حالهم بالعودة إلى منهج الحياة الذي وضع الله في الإيمان والتوحيد والطاعة لله ورسوله بفعل كل أمر وترك كل نهي.
هداية الآيات
هن هداية الآيات:
1- الإنكار الشديد على من يحرم ما أحل الله من الطيبات كبعض المتنطعين1.
2- المستلذات من الطعام والشراب والمزينات من الثياب وغيرها المؤمنون أولى بها من غيرهم لأنهم يحسنون العمل، ويبذلون الجهد لاستخراجها والانتفاع بها. بخلاف أهل الجهالات فإنهم عمي لا يبصرون ومقعدون لا يتحركون. وإن قيل العكس هو الصحيح فإن أمم الكفر وأوربا وأمريكا هي التي تقدمت صناعياً وتمتعت بما يتمتع به المؤمنون؟ فالجواب: أن المؤمنين صرفوا عن العلم والعمل وأقعدوا عن الإنتاج والاختراع بإفساد أعدائهم لهم عقولهم وعقائدهم، فعوقوهم عن العمل مكراً بهم وخداعاً لهم. والدليل أن المؤمنين لما كانوا كاملين في إيمانهم كانوا أرقى الأمم وأكملها حضارة وطهارة وقوة وإنتاجاً مع أن الآية تقول { ... لقوم يعلمون} فإذا حل الجهل محل العلم فلا إنتاج ولا اختراع ولا حضارة.
3- بيان أصول المفاسد وهي الفواحش وما ذكر بعدها إلى {.....وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} .
4 - ذكرت هذه المفاسد بطريق التدلي آخرها أخطرها وهكذا أخفها أولها.
5- أجل2 الأمم كأجل الأفراد يتم الهلاك عند انتظام المرض كامل الأمة أو أكثر أفرادها كما يهلك الفرد عندما يستشري المرض في كامل جسمه.
__________
1 روى النسائي بسند صحيح قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا من غير مخيلة ولا سرف فإن الله يحب أن يرى نعمته على عبده" وقال البخاري عن ابن عباس: "كل ما شئت والبس ما شئت ما أخطأتك خصلتان، سرف، ومخيلة.
2 الأجل: هو الوقت الموقت، فأجل الموت هو: وقت الموت وأجل الدَّين هو وقت حلوله وكل شيء وقِّت به شيء فهو أجل له.
********************
يتبع

ابوالوليد المسلم
01-12-2021, 04:27 AM
يَابَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (35) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (36)
شرح الكلمات:
إما يأتينكم: أصل إما إن -الشرطية- وما زائدة لتقوية الكلام أدغمت فيها (إن) فصارت إما.
يقصون1 عليكم آياتي: يتلونها عليكم آية بعد آية مبينين لكم ما دلت عليه من أحكام الله وشرائعه، ووعده ووعيده.
فمن اتقى: أي الشرك فلم يشرك وأصلح نفسه بالأعمال الصالحة.
فلا خوف عليهم: في الدنيا والآخرة.
ولا يحزنون: على ما تركوا وراءهم أو فاتهم الحصول عليه من أمور الدنيا.
معنى الآيتين:
هذا النداء جائز أن يكون نداءً عاماً لكل بني آدم كما هو ظاهر اللفظ وأن البشرية كلها نوديت به على ألسنة رسلها، وجائز أن يكون خاصاً بمشركي العرب وأن يكون المراد من الرسل محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر بصيغة الجمع تعظيماً وتكريماً له، وما نوديت إليه البشرية أو مشركوا العرب هو إخبار الله تعالى لهم بأن من جاءه رسول من جنسه يتلو عليه آيات ربه وهي تحمل العلم بالله وصفاته وبيان محابه ومساخطه، فمن اتقى الله فترك الشرك به، وأصلح ما أفسده قبل العلم من نفسه وخلقه وعقله وذلك بالإيمان والعمل الصالح فهؤلاء في حكم الله أنه {لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} في الحياتين2 معاً، أما الذين كذبوا بآيات الله التي جاءت
__________
1 القصص: هو إتباع الحديث بعضه بعضا.
2 أمّا في البرزخ وفي يوم القيامة فالأمر ظاهر لا خلاف في أنهم لا يخافون ولا يحزنون ولكن في الحياة الدنيا يصيبهم الخوف والحزن، ولكن خوفهم وحزنهم لا يكاد يذكر مع خوف وحزن أهل الكفر والشرك.
***************************
الرسل بها وقصتها عليهم واستكبروا1 عن العمل بها كما استكبروا عن الإيمان بها، فأولئك البعداء من كل خير {أصحاب النار} أي أهلها {هم فيها خالدون} لا يخرجون منها بحال من الأحوال.
هداية الآيتين
من هداية الآيتين:
1- قطع حجة بني آدم بإرسال الرسل إليهم.
2- أول ما يبدأ به في باب التقوى الشرك بأن يتخلى عنه الإنسان المؤمنين أولاً.
3- الإصلاح يكون بالأعمال الصالحة التي شرعها الله مزكية للنفوس مطهرة لها.
4- التكذيب كالاستكبار كلاهما مانع من التقوى والعمل الصالح. ولذا أصحابهما هم أصحاب النار.
__________
1 الاستكبار: المبالغة في التكبّر وضمن مع الاستكبار الإعراض، والمعنى: واستكبروا فأعرضوا عنها.

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
01-12-2021, 04:29 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الاعراف - (7)
الحلقة (418)
تفسير سورة الاعراف مكية
المجلد الثانى (صـــــــ 171الى صــــ 175)


فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (37) قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ (38) وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (39) إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40) لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41)
شرح الكلمات:
فمن أظلم: الظلم وضع الشيء في غير موضعه، ولذا المشرك ظالم لأنه وضع العبادة في غير موضعها حيث عبد بها من لا يستحقها.
نصيبهم: ما قدر لهم في كتاب المقادير.
رسلنا: المراد بهم ملك الموت وأعوانه.
قالوا ضلوا عنا: غابوا عنا فلم نرهم ولم نجدهم.
في أمم: أي في جملة أمم.
اداركو: أي تداركوا ولحق بعضهم بعضا حتى دخلوها كلهم.
أخراهم لأولاهم: الأتباع قالوا للرؤساء في الضلالة وهم المتبوعون.
تكسبون: من الظلم والشر والفساد.
يلج الجمل في سم الخياط: أي يدخل الجمل في ثقب الإبرة.
المجرمين: الذين أجرموا على أنفسهم فأفسدوها بالشرك والمعاصي.
مهاد: فراش يمتهدونه من النار.
غواش: أغشية يتغطون بها من النار كذلك.
معنى الآيات:
يخبر تعالى بأنه لا أظلم ولا أجهل ولا أضل ممن يفترى على الله الكذب فيقول اتخذ ولداً أو أمر بالفواحش، أو حرم كذا وهو لم يحرم، أو كذب بآياته التي جاءت بها رسله فجحدها وعاند في ذلك وكابر، فهؤلاء المفترون المكذبون يخبر تعالى أنه {ينالهم نصيبهم من الكتاب}
أي ما كتب لهم في اللوح المحفوظ من خير وشر وسعادة أو شقاء1 {حتى2 إذا جاءتهم رسلنا} أي ملك الموت وأعوانه {يتوفونهم} يقولون لهم {أين ما كنتم تدعون من دون الله} أي تعبدون من أولياء؟ فيجيبون قائلين: {ضلوا عنا} أي غابوا فلم نرهم. قال تعالى: {وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين} ويوم القيامة يقال لهم {ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس} في النار، فيدخلون {كلما دخلت أمة لعنت أختها} فلعن المشركون بعضهم بعضاً، واليهود والنصارى كذلك، {حتى إذا اداركوا فيها جميعاً} أي تلاحقوا وتم دخولهم النار أخذوا يشتكون {قالت أخراهم لأولاهم ربنا} أي يا ربنا {هؤلاء أضلونا} عن صراطك فلم نعبدك {فأتهم عذاباً ضعفاً} أي مضاعفاً {من النار} ، فأجابهم الله تعالى بقوله {لكل ضعف} لكل واحدة منكم ضعف من العذاب {ولكن لا تعلمون} ، إذ الدار دار عذاب فهو يتضاعف على كل من فيها، وحينئذ {قالت أولاهم لأخراهم ما كان لكم علينا من3 فضل، فذوقوا4 العذاب بما كنتم تكسبون} أي من الشرك والافتراء على الله والتكذيب بآياته، ومجانبة طاعته وطاعة رسوله.
هذا ما دلت عليه الآيات الثلاث أما الآيتان الرابعة والخامسة فإن الرابعة قررت حكماً عظيماً وهو أن الذين كذبوا بآيات الله واستكبروا5 عنها فلم يؤمنوا ولم يعملوا الصالحات وعاشوا عاد الشرك والشر والفساد هؤلاء إذا مات أحدهم وعرجت الملائكة بروحه إلى السماء لا تفتح له أبوب السماء6، ويكون مآلهم النار كما قال تعالى {ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط} فعلق دخولهم الجنة على مستحيل وهو دخول الجمل في ثقب الإبرة، والمعلق عاد مستحيل مستحيل. قال تعالى: {وكذلك نجزي المجرمين} على أنفسهم حيث أفسدوها بالشرك والمعاصي. هذا ما تضمنته الآية الرابعة، وهي قوله تعالى: {إن الذين
__________
1 أي: في الدنيا لا في الآخرة فهم أصحاب النار هم فيها خالدون ولا سعادة مع دخول النار.
2 حتى هنا: ابتدائية وليست غائية إذ هي بداية خبر المكذبين المستكبرين المعرضين. قال سيبويه: حتى، وإمّا، وألاَّ لا يُمَلْن لأنهن حروف وكتبت حتى بالياء لأنها أشبهت سكرى وحبلى.
3 {مِنْ} زائدة لتأكيد نفي الفضل.
4 الذوق هنا: مستعمل للإهانة والتشفي والباء في {بما كنتم تكسبون} سببية.
5 جملة: {إنّ الدين} الخ مستأنفة استئنافاً ابتدائياً سيقت لتحقيق خلود الفريقين في النار معاً والفريقان هما أولاهما وأخراهما في الآية إذ كلا الفريقين كان مكذباً مستكبراً.
6 القول بأنّ قوله تعالى: {لا تفتح لهم أبواب السماء} : كلمة جامعة لمعنى الحرمان من الجزاءات الإلهية قول باطل لأنّه تأويل يبطل به ما أخبر تعالى به من أنّ للسماء أبواب إذ أيّ مانع إن يكون للسماء أبواب لا يدخل معها ملك ولا جني ولا إنسان إلا بإذن ولكل بناء أبواب بحسبه.
***********************
كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط1 وكذلك نجزي المجرم} 2.
أما الخامسة فقد تضمنت الخبر التالي: {لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش} أمم أغطية من النار وكما جزى تعالى هؤلاء المكذبين المستكبرين والمجرمين يجزي بعدله الظالمين لأنفسهم حيث لوثوها وخبثوها بأوضار الذنوب والآثام.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- شر الظلم ما كان كذباً على الله وتكذيباَ بشرائعه.
2- تقرير فتنة القبر3 وعذابه.
3- لعن أهل النار بعضهم بعضاً حنقاً على بعضهم بعضاً إذ كان كل واحد سبباً في عذاب الآخرة.
4- بيان جزاء المكذبين بآيات الله والمستكبرين عنها وهو الحرمان من دخول الجنة وكذلك المجرمون والظالمون.
__________
1 الخياط: أي المخيط.
2 الإجرام: فعل الجرم، وأجرم إذا فعل الجرم وهو: الذنب والذنب: هو ما يفسد الروح وينجسها، فأجرم معناه: أفسد.
3 أخرج ابن كثير في تفسيره عن أبي داود حديثاً طويلاً أشتمل على بيان قبض روح العبد والعروج بها إلى السماء ثم العودة بها إلى القبر وما يجري في القبر من فتنة وما يتم للعبد الصالح من سعادة وللكافر من شقاوة فليُرجع إليه.
***************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
01-12-2021, 04:30 AM
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (42) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43)
شرح الكلمات:
إلا وسعها: طاقتها وما تتحمله وتقدر عليه من العمل.
ونزعنا: أي أقلعنا وأخرجنا.
من غل: أي من حقد وعداوة.
هدانا لهذا: أي للعمل الصالح في الدنيا الذي هذا جزاؤه وهو الجنة.
بما كنتم تعملون: أي بسبب أعمالكم الصالحة من صلاة وصيام وصدقات وجهاد.
معنى الآيتين:
لما ذكر تعالى جزاء أهل التكذيب والاستكبار عن الإيمان والعمل الصالح وكان شقاءً وحرماناً ذكر جزاء أهل الإيمان والعمل الصالح فقال: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات} ، ولما كان العمل منه الشاق الذي لا يطاق ومنه السهل الذي يقدر عليه قال: {لا نكلف نفساً إلا وسعها} أي ما تقدر عليه من العمل ويكون في استطاعتها، ثم أخبر عن المؤمنين العاملين للصالحات فقال {أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون} . كما أخبر في الآية الثانية أنه طهرهم باطناً فنزع ما في صدورهم من غل1 على بعضهم بعضاً، وأن الأنهار تجري من تحت قصورهم، وأنهم قالوا شاكرين نعم الله عليهم: {الحمد لله الذي هدانا لهذا} أي لعمل صالح هذا جزاؤه أي الجنة وما فيها من نعيم مقيم، وقرروا حقيقة وهي أن هدايتهم التي كان جزاؤها الجنة لم يكونوا ليحصلوا عليها لولا أن الله تعالى هو الذي هداهم فقالوا: {وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله} 2 ثم قالوا والله {لقد جاءت رسل ربنا بالحق} فهاهم أهل الكفر والمعاصي في النار، وها نحن أهل الإيمان والطاعات في نعيم الجنة فصدقت الرسل فيما أخبرت به من وعد ووعيد، وناداهم ربهم سبحانه وتعالى: هو الذي هداهم فقالوا: {وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله} ، ثم قالوا والله {لقد جاءت رسل ربنا بالحق} فها هم أهل الكفر والمعاصي في النار، وها نحن أهل الإِيمان والطاعات في نعيم الجنة فصدقت الرسل فيما أخبرت به من وعد ووعيد، وناداهم ربهم سبحانه وتعالى: {أن تلكم الجنة أورثتموها3 بما كنتم تعملون} فيزداد بذلك نعيمهم وتعظم سعادتهم.
__________
1 الغل: الحقد الكامن في الصدر أي: أذهبنا- في الجنة- ما كان في قلوبهم من الغل في الدنيا ولذا فلا يكون لهم من تحاسد في الجنة على تفاوت درجاتهم في العلو والارتفاع. وقال علي رضي الله عنه: فينا والله أهل بدر نزلت: {ونزعنا ما في صدورهم من غل} .
2 روى النسائي عن أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "كل أهل الجنة يرى مقعده من النار فيقول لولا أن الله هداني فيكون له شكراً، وكل أهل النار يرى مقعده من الجنة فيقول لو أن الله هداني فيكون له حسرة".
3 روى مسلم أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لن يدخل أحداً منكم عمله الجنة، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل" وعليه فالباء في قوله: {بما كنتم تعملون} سببية وليست باء العرض إذ أعمال العبد لا تعادل موضع سوط في الجنة فالعمل مورث بفضل الله تعالى ورحمته.
****************************
هداية الآيتين
من هداية الآيتين:
1- الإيمان والعمل الصالح موجبان لدخول الجنة مقتض للكرامة في الدارين.
2- لا مشقة لا تحتمل في الدين الصحيح الذي جاءت به الرسل إلا ما كان عقوبة.
3- لا عداوة ولا حسد في الجنة.
4- الهداية هبة من الله فلا تطلب إلا منه، ولا يحصل عليها إلا بطلبها منه تعالى.
5- صدقت الرسل فيما أخْبَرَتْ به من شأن الغيب وغيره.

ابوالوليد المسلم
01-12-2021, 04:31 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الاعراف - (8)
الحلقة (419)
تفسير سورة الاعراف مكية
المجلد الثانى (صـــــــ 175الى صــــ 179)

وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ (45) وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46) وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47)
شرح الكلمات:
فأذن مؤذن: أي أعلن بأعلى صوته أن لعنة الله على الظالمين.
لعنة الله: أي أمره بطرد الظالمين من الرحمة إلى العذاب.
يصدون عن سبيل الله: سبيل الله هي الإسلام والصد: الصرف فهم صرفوا أنفسهم وصرفوا غيرهم.
ويبغونها عوجاً: يطلبون الشريعة أن تميل مع ميولهم وشهواتهم فتخدم أغراضهم.
وبينهما حجاب. أي باب أهل الجنة وأهل النار حاجز فاصل وهو سور الأعراف.
وعلى الأعراف: سور بين الجنة والنار قال تعالى من سورة الحديد {فضرب بينهم بسور} .
يعرفون كلاً بسيماهم: أي كل من أهل الجنة وأهل النار بعلاماتهم.
صرفت أبصارهم: أي نظروا إلى الجهة التي فيها أصحاب النار.
معنى الآيات:
مازال السياق في الحديث عن أصحاب الجنة وأصحاب النار فيخبر تعالى أن أصحاب الجنة نادوا أصحاب النار قائلين لهم إنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا به هن الجنة ونعيمها حقاً، فهل1 وجدتم أنتم ما وعدكم ربكم من النار وعذابها حقاً؟ فأجابوهم: نعم2 إنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً، وهنا أذن مؤذن قائلاً: لعنة3 الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله التي هي الإسلام الموصل إلى رضا الله تعالى والجنة، ويبغونها عوجاً أي يريدون سبيل الله معوجة تدور معهم حيث داروا في شرورهم ومفاسدهم، وشهواتهم وأهوائهم، وهم بالآخرة كافرون أيضاً فهؤلاء يلعنونهم: لعنة الله على الظالمين الذين تلك صفاتهم قال تعالى في الآية الثالثة: {وبينهما} أي بين أهل الجنة وأهل النار {حجاب} فاصل أي حاجز وهو مكان على مرتفع، وعليه رجال من بني آدم استوت سيئاتهم وحسناتهم فحبسوا هناك حتى يقضي بين أهل الموقف فيحكم فيهم بدخولهم الجنة إن شاء الله تعالى.
وقوله: {يعرفون كلاً بسيماهم} أي يعرفون أهل الجنة بسيماهم وهي بياض الوجوه ونضرة النعيم، ويعرفون أهل النار بسواد الوجوه وزرقة العيون.
{ونادوا أصحاب الجنة} أي نادى أصحاب الأعراف أصحاب الجنة قائلين: سلام عليكم يتطمعون بذلك كما قال تعالى {لم يدخلوها وهم يطمعون. وإذا صرفت أبصارهم تلقاء4 أصحاب النار} أي نظروا إلى جهة أهل النار فرأوا أهلها مسودة وجوههم زرق أعينهم يكتنفهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم، رفعوا أصواتهم قائلين: {ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين} أي أهل النار لأنهم دخلوها بظلمهم والعياذ بالله.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- وجود اتصال كامل بين أهل الجنة وأهل النار متى أراد أحدهم ذلك بحيث إذا أراد من في الجنة أن ينظر إلى من في النار ويخاطبه تم له ذلك.
2- يجوز إطلاق لفظ الوعد على الوعيد للمشاكلة أو التهكم كما في هذه الآيات.
3- التنديد بالصد عن سبيل الله، والظلم والكفر بالآخرة وهي أسباب الشقاء في الدار الآخرة.
4- تقرير مبدأ ثقل الحسنات ينجي وخفتها تردي، ومن استوت حسناته وسيئاته ينجو آخر من ينجو من دخول النار.
5- مشروعية الطمع إذا كان مقتضاه موجوداً.
__________
1 هذا سؤال توبيخ وتعيير لا استفهام واستخبار.
2 في نعم لغات: فتح النون والعين نعم وكسر العين للفرق بينها وبين النعم التي هي الإبل والبقر والغنم، وهي حرف إجابة وتكون للعدة والتصديق فمثال العدة نحو: أيقوم زيد؟ فتقول: نعم أي لله بقيامه ومثال التصديق قولك: هل جاء زيد؟ فتقول: نعم فتصدقه في مجيئه.
3 يروى أن طاووسا دخل على هشام بن عبد الملك فقال له: اتق الله واحذر يوم الأذان فقال: وما يوم الأذان؟ قال: قوله تعالى: {فأذّن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين} فصعق هشام فقال طاووس: هذا ذلٌ الصفة فكيف ذل المعاينة.
4 قال أهل اللغة: لم يأت مصدر على تِفعال سوى حرفين: تِلقاء وتبيان. وما عداهما فبالفتح نحو تَسيار وتَذكار وتَهمام، أما الأسماء فكثرة نحو تِمثال ومِفتاح ومِصباح ومِعراج.
*************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
01-12-2021, 04:31 AM
وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48) أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (49) وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50) الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (51)
شرح الكلمات:
بسيماهم: السيما العلامة الدالة على من هي فيه.
جمعكم: أي للمال وللرجال كالجيوش.
أهؤلاء: إشارة إلى ضعفاء المسلمين وهم في الجنة.
أو مما رزقكم الله: أي من الطعام والشراب.
حرمهما: منعهما.
معنى الآيات:
مازال السياق في الحديث عن أصحاب الجنة وأصحاب النار قال تعالى: {ونادى أصحاب الأعراف رجالاً} أي من أهل النار يعرفونهم بسيماهم التي هي سيما أصحاب النار من سواد الوجوه وزرقة العيون نادوهم قائلين: {ما أغنى عنكم جمعكم} أي للأموال والرجال للحروب والقتال، كما لم يغن عنكم استكباركم عن الحق وترفعكم عن قبوله وها أنتم في أشد ألوان العذاب، ثم يشيرون لهم إلى ضعفة المسلمين الذين يسخرون منهم في الدنيا ويضربونهم ويهينونهم1 {أهؤلاء الذين أقسمتم} أي حلفتم {لا ينالهم الله برحمة2} ثم يقال لأصحاب الأعراف {ادخلوا3 الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون} .
وفي الآية الثالثة يقول تعالى مخبراً عن أصحاب النار وأصحاب الجنة {ونادى أصحاب النار أصحاب4 الجنة أن أفيضوا علينا من الماء} 5 وذلك لشدة عطشهم {أو مما رزقكم الله} أي من الطعام وذلك لشدة جوعهم فيقال لهم: {إن الله حرمهما} أي شراب الجنة وطعامها {على الكافرين} فلا ينالوهما بحال من الأحوال.
ثم وصف الكافرين ليعرض جرائمهم التي اقتضت حرمانهم وعذابهم ليكون ذلك عظة وعبرة للكفار من قريش ومن سائر الناس فقال وهو ما تضمنته الآية الرابعة {الذين اتخذوا دينهم لهواً ولعباً وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون} أي نتركهم في عذابهم كما تركوا يومهم هذا فلم يعملوا له من الإيمان والصالحات، وبسبب جحودهم لآياتنا الداعية إلى الإيمان وصالح الأعمال.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- عدم إغناء المال والرجال أيَّ إغناء لمن مات كافراً مشركاً من أهل الظلم والفساد.
2- بشرى الضعفة من المسلمين بدخول الجنة وسعادتهم فيها.
3- تحريم اتخاذ شيء من الدين لهواً ولعباً.
4- التحذير من الاغترار بالدنيا حتى ينسى العبد آخرته فلم يعد لها ما ينفعه فيها من الإيمان وصالح الأعمال.
__________
1 كبلال وعمار وصهيب وخباب وغبرهم من سائر ضعفة المؤمنين في كل أمة من الأمم التي وجد فيها مؤمنون مستضعفون.
2 جعل إيواء الله تعالى إياهم بدار رحمته التي هي الجنة بمنزلة النيل الذي هو حصول الأمر المحبوب المطلوب.
3 اختلف في القائل. والراجح أنه الله تعالى، وذلك بعد استقرار أهل الجنة فيها وأهل النار في النار ولم يبق إلا أصحاب الأعراف فيقول لهم الرب تبارك وتعالى: {ادخلوا الجنة} .
4 روي عن ابن عباس أنه قال: لما صار أصحاب الأعراف إلى الجنة طمع أهل النار في الفرج بعد اليأس فقالوا: يا رب إنّ لنا قرابات من أهل الجنة فأذن لنا حتى نراهم ونكلمهم، فنظروا إليهم وإلى ما هم فيه من النعيم فعرفوهم.. فينادي الرجل أخاه أو قريبه قد احترقتُ فأغثني فيقول له إن الله حرّمهما على الكافرين.
5 في الآية دليل على أفضلية صدقة الماء، وفي الحديث: "أي الصدقة أعجب إليك؟ قال: الماء" وليس أدل من حديث الذي سقى كلباً عطشان فشكر الله له فغفر له.

ابوالوليد المسلم
01-12-2021, 04:33 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الاعراف - (9)
الحلقة (420)
تفسير سورة الاعراف مكية
المجلد الثانى (صـــــــ 179الى صــــ 183)


وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (53) إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)
شرح الكلمات:
ولقد جئناهم: أي أهل أولاً ثم سائر الناس.
بكتاب: القرآن العظيم.
فصلناه على علم: بيناه على علم منَّا فبيّنا حلاله وحرامه ووعده ووعيده وقصصه ومواعظه وأمثاله.
تأويله: تأويل ما جاء في الكتاب من وعد ووعيد أي عاقبة ما أنذروا به.
وضل عنهم: أي ذهب ولم يعثروا عليه.
في ستة أيام: هي الأحد إلى الجمعة.
يغشي الليل النهار: يغطي كل واحد منهما الآخر عند مجيئه.
حثيثاً: سريعاً بلا انقطاع.
مسخرات: مذللات.
ألا: أداة استفتاح وتنبيه (بمنزلة ألو للهاتف) .
له الخلق والأمر: أي له المخلوقات والتصرف فيها وحده لا شريك له.
تبارك: أي عظمت قدرته، وجلت عن الحصر خيراته وبركاته.
العالمين: كل ما سوى الله تعالى فهو عالم أي علامة على خالقه وإلهه الحق.
معنى الآيات:
بعد ذلك العرض لأحوال الناس يوم القيامة ومشاهد النعيم والجحيم أخبر تعالى أنه جاء قريشاً لأجل هدايتهم بكتاب عظيم هو القرآن الكريم وفصّله تفصيلاً فبين التوحيد ودلائله، والشرك وعوامله، والطاعة وآثارها الحسنة والمعصية وآثارها السيئة في الحال والمآل وجعل الكتاب هدى أي هادياً ورحمة يهتدي به المؤمنون وبه يرحمون.
هذا ما تضمنته الآية الأولى (52) وهي قوله تعالى: {ولقد جئناهم بكتاب فصَّلناه على علم1 هدىً2 ورحمةً لقوم يؤمنون} وأما الآية الثانية (53) فقد استبطأ الحق تعالى فيها إيمان أهل مكة الذين جاءهم بالكتاب المفصّل المبيَّن فقال: {هل يَنْظُرون} أي ما ينظرون {إلاّ تأويله} أي عاقبة ما أخبر به القرآن من القيامة وأهوالها، والنار وعذابها، وعندئذ يؤمنون، وهل ينفع يومئذ الإيمان؟ وهاهم أولاء يقولون {يوم يأتي تأويله} وينكشف الغطاء عما وعد به، {يقول الذين نسوه من قبل} أي قبل وقوعه، وذلك في الحياة الدنيا، نسوه فلم يعملوا بما ينجيهم فيه من العذاب يقولون: {قد جاءت رسل ربنا بالحق} اعترفوا بما
__________
1 أي: مناً به، فلم يقع فيه سهو ولا غلط وحاشاه تعالى أن يسهو أو يغلط.
2 {هدى ورحمة} منصوبان على الحال، ويصح فيهما الرفع والخفض فالرفع على الابتداء أي: هو هدى ورحمة، والخفض على النعت لكتاب أي: ذي هداية ورحمة، وخُص المؤمنون بالهدى والرحمة لأنهم أحياء، وأمّا الكافرون فهم أموات.
********************************
كانوا به يجحدون ويكذبون ثم يتمنون ما لا يتحقَّق لهم أبداً فيقولون: {فهل1 لنا من شفعاء فيشفعوا لنا؟ أو نردُّ} إلى الدنيا {فنعمل غير الذي كنا نعمل} من الشرك والشر والفساد. وتذهب تمنياتهم أدراج الرياح، ولم يرُعْهُمْ إلا الإعلان التالي: {قد خسروا2 أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون} ، خسروا أنفسهم في جهنم، وضاع منهم كلَّ أمل وغاب عنهم ما كانوا يفترون من أنَّ آلهتهم وأولياءهم يشفعون لهم فينجونهم من النار ويدخلونهم الجنة.
وفي الآية الأخيرة يقول تعالى لأولئك المتباطئين في إيمانهم {إنَّ ربَّكم} الذي يُحبُّ أن تعبدوه وتدعوه وتتقربوا إليه وتطيعوه {اللهُ الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يُغْشِي اللّيْلَ النَّهار يطلبه3 حثيثاً والشمس والقمرَ والنجّومَ مسخراتٍ بأمره} هذا هو ربكم الحق وإلهكم الذي لا إله لكم غيره، ولا ربَّ لكم سواه، أمّا الأصنام والأوثان فلن تكون ربّاً ولا إلهاً لأحد أبداً لأنّها مخلوقة غير خالقة وعاجزة عن نفع نفسها، ودفع الضّر عنها فكيف بغيرها؟ إنّ ربّكم ومعبودكم الحقّ الذي له4 الخلق كلّه ملكاً وتصرفاً وله الأمر وحده يتصرف كيف يشاء في الملكوت كله. علويّه وسفليّه فتبارك الله رب العالمين.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- لا ينفع الإيمان عند معاينة الموت والعذاب كما لا ينفع يوم القيامة.
2- يحسن التثبت في الأمر والتأني عند العمل وترك العجلة، فالله قادرٌ على خلق السمَّوات والأرض في ساعة ولكن خلقها في ستة5 أيام بمقدار أيام الدّنيا تعليماً وإرشاداً إلى التثبت في الأمور والتأني فيها.
3- صفة من صفات الرب تعالى التي يجب الإيمان بها ويحرم تأويلها أو تكييفها وهي استواؤه تعالى على عرشه. 6
4- انحصار الخلق كلّ الخلق فيه تعالى فلا خالق إلا هو، والأمر كذلك فلا آمر ولا ناهي غيره. هنا قال عمر: من بقي له شيء فليطلبه إذ لم يبق شيء ما دام الخلق والأمر كلاهما لله.
__________
1 {فهل لنا من شفعاء} ؟ الاستفهام مشوب بالتمني.
2 خسران النفس أكبر خسران إذ هو آخر ما يخسر، فإنّ مَنْ خسر نفسه فقد خسر كل شيء قال تعالى: {قل إنّ الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة} ومعنى: خسران المس: عدم الانتفاع بها.
3 أي: يطلبه طلباً حثيثاً أي سريعاً، إذ الحث: الإعجال والسرعة.
4 قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من لم يحمد الله على ما عمل من عمل صالح وحمد نفسه فقد كفر وحبط عمله" أخرجه ابن كثير نقلاً عن ابن جرير. وقال ابن عيينة: فرَّق الله بين الخلق والأمر فمن جمع بينهما لقد كفر إذ قال: {ألا له الخلق والأمر} فالخلق غير الأمر فمن قال: الأمر مخلوق فقد كفر.
5 أصل ستة: سدسة فأرادوا إدغام الدال في السين فالتقيا عند مخرج التاء فغلبت عليها فصارت ستة ولذا تصغر على سديسة وتجمع على أسداس، والجمع والتصغير يردّان الأسماء إلى أصولها، ويقال: جاء فلان سادس ستة.
6 من أحسن ما يؤثر في مسألة الاستواء قول مالك رحمه الله تعالى إذ قال: الاستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عن هذا بدعة، ويروى مثله عن أم سلمة رضي الله عنها.
**************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
01-12-2021, 04:33 AM
ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56)
شرح الكلمات:
ادعوا ربكم: سلوه حوائجكم الدنيوية والأخروية فإنّه ربّكم فلا تستحيوا من سؤاله.
تضرعاً وخفية: أي حال كونكم ضارعين متذللين مخفي الدعاء غير رافعين أصواتكم به.
المعتدين: أي في الدعاء وغيره والاعتداء في الدعاء أن يسأل الله ما لم تجر سنته بإعطائه أو إيجاده أو تغييره كأن يسأل أن يكون نبياً أو أن يرد طفلاً أو صغيراً، أو يرفع صوته بالدعاء.
ولا تفسدوا في الأرض: أي بالشرك والمعاصي بعد إصلاحها بالتوحيد والطاعات.
المحسنين: الذين يحسنون أعمالهم ونياتهم، بمراقبتهم الله تعالى في كل أحوالهم.
معنى الآيات:
ما عرّف تعالى عباده بنفسه وأنه ربهم الحق وإلههم، وأنه الخالق الآمر المتصرف بيده كل شيء أمرهم إرشاداً لهم أن يدعوه، وبين لهم الحال التي يدعونه عليها، ليستجيب لهم فقال: {ادعوا ربكم تضرعاً1} أي تذللاً وخشوعاً {وخفية} 2 أي سراً لا جهراً، ونهاهم عن الاعتداء في الدعاء حيث أعلمهم أنه لا يحب المعتدين، والاعتداء في الدعاء أي يُدْعَى غير الله تعالى أو يدعى معه غيره، ومنه طلب ذوات الأسباب بدون إعداد أسبابها، أو سؤال ما لم تجر سنة الله به كسؤال المرء أن يكون نبياً أو يرد من كهولته إلى شبابه أو من شبابه إلى طفولته.
ثم بعد هذا الإرشاد والتوجيه إلى ما يكملهم ويسعدهم نهاهم عن الفساد في الأرض بعد أن أصلحها تعالى والفساد في الأرض يكون بالشرك والمعاصي، والمعاصي تشمل سائر المحرمات كقتل الناس وغصب أموالهم وإفساد زروعهم وإفساد عقولهم بالسحر والمخدرات وأعراضهم بالزنى والموبقات. ومرة أخرى يحضهم على دعائه لأن الدعاء هو العبادة وفي الحديث الصحيح "الدعاء هو العبادة" فقال: ادعوا ربكم أي سلوه حاجاتكم حال كونكم في دعائكم خائفين من عذابه طامعين راجين رحمته وبين لهم أن رحمته قريب3 من المحسنين الذين يحسنون نيّاتهم وأعمالهم ومن ذلك الدعاء فمن أحسن الدعاء ظفر بالإجابة، فثواب المحسنين قريب الحصول بخلاف المسيئين فإنه لا يستجاب لهم.
هداية الآيتين
من هداية الآيتين:
1- وجوب دعاء الله تعالى فإن الدعاء هو العبادة.
2- بيان آداب الدعاء وهو: أن يكون الداعي ضارعاً متذللاً، وأن يخفي دعاءه فلا يجهر به، وأن يكون حال الدعاء خائفاً طامعاً4، وأن لا يعتدي في الدعاء بدعاء غير الله تعالى أو سؤال ما لم تجر سنة الله بإعطائه.
3- حرمة الإفساد في الأرض بالشرك والمعاصي بعد أن أصلحها الله تعالى بالإسلام.
4- الترغيب في الإحسان مطلقاً خاصاً وعاماً حيث أن الله تعالى يحب أهله.
__________
1 اختلف في رفع اليدين في الدعاء والأكثرون على استحبابه لفعله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
2 روي أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "خير الذكر الخفي وخير الرزق ما يكفي".
3 عدم تأنيث قريب مع أنه خبر عن مؤنث، تكلم فيه كثيراً وأحسن ما قيل في مثله أن لفظ قريب وبعيد إذا أطلق على النسب تعيّن التذكير والتأنيث بحسب المخبر عنه نحو: زيد قريب عمر، وعائشة قريبة بكر مثلا، وما كان لغير النسب جاز تذكيره وتأنيثه قال تعالى: {وما يدريك لعل الساعة تكون قريباً} وقال: {وما هي من الظالمين ببعيد} فذكّر في الموضعين مع أنّ الوصف عائد على مؤنث.
4 ويصح نصب خوفاً وطمعاً مفعولين لأجله أي ادعوه لأجل الخوف منه والطمع فيه، ونصبهما على الحال كما في التفسير حسن أيضاً.

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
05-12-2021, 03:56 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الاعراف - (10)
الحلقة (421)
تفسير سورة الاعراف مكية
المجلد الثانى (صـــــــ 184الى صــــ 189)


وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57) وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (58)
شرح الكلمات:
الرياح: جمع ريح وهو الهواء المتحرك.
بشيراً1: جمع بشير أي مبشرات بقرب نزول المطر، قرىء نشراً أي تنشر السحاب للأمطار.
رحمته: أي رحمة الله تعالى وهي المطر.
أقلت سحاباً ثقالاً: أي حملت سحاباً ثقالاً مشبعاً ببخار الماء.
ميت: لا نبات به ولا عب ولا كلأ.
كذلك نخرج الموتى: أي كذلك نحيي الموتى ونخرجهم من قبورهم أحياء.
تذكرون: تذكرون فتؤمنون بالبعث والجزاء.
الطيب: أي الطيب التربة.
خبث: أي خبثت تربته بأن كانت سبخة.
إلا نَكِداً: أي إلا عسراً.
نصرف الآيات: أي ننوعها ونخالف بين أساليبها ونذكر في بعضها ما لم نذكره في بعضها للهداية والتعليم.
لقوم يشكرون: لأنهم هم الذين ينتفعون بالنعم بشكرها بصرفها في محاب الله تعالى.
__________
1 كرسل جمع رسول، وسكّن بشراً للتخفيف كما تسكن السين في رُسُل فيقال: رُسْل على وزن فُعْل.
**********************
معنى الآيتين:
ما زال السياق الكريم في بيان مظاهر القدرة الربانية والرحمة الإلهية الموجبة لعبادته تعالى وحده دون سواه قال تعالى {وهو الذي يرسل الرياح بشراً} وهو أي ربكم الحق الذي لا إله إلا هو وبشراً أي مبشرات1 ونشراً أي تنشر الرياح تحمل السحب الثقال ليسقي الأرض الميتة فتحيا بالزروع والنباتات لتأكلوا وترعوا أنعامكم، وبمثل هذا التدبير ني إنزال المطر وإحياء الأرض بعد موتها يحييكم بعد موتكم فيخرجكم من قبوركم أحياء ليحاسبكم على كسبكم في هذه الدار ويجزيكم به الخير بالخير والشر بمثله جزاء عادلاً لا ظلم فيه وهذا الفعل الدال على القدرة والرحمة ولطف التدبير يُريكموه فترونه بأبصاركم لعلكم به تذكرون أن القادر على إحياء موات الأرض قادر على إحياء موات الأجسام فتؤمنوا بلقاء ربكم وتوقنوا به فتعملوا بمقتضى ما يسعدكم ولا يشقيكم فيه.
هذا ما تضمنته الآية الأولى (57) {وهو الذي يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته} أي المطر {حتى إذا أقلَّت} أي حملت {سحاباً ثقالاً} أي ببخار الماء {سقناه} بقدرتنا ولطف تدبيرنا {لبلد ميت2} لا حياة به لا نبات ولا زرع، ولا عشب {فأنزلنا به} أي بالسحاب {الماء} العذب الفرات، {فأخرجنا به من كل الثمرات} المختلفة الألوان والروائح والطعوم {كذلك نخرج الموتى} كهذا الإخراج للنبات من الأرض الميتة نخرج الموتى3 من قبورهم وعملنا هذا نسمعكم إياه ونريكموه بأبصاركم رجاء أن تذكروا فتذكروا أن القادر على إحياء الأرض قادر على إحياء الموتى رحمة منا بكم وإحساناً منا إليكم.
أما الآية الثانية (58) فقد تضمنت مثلاً ضربه الله تعالى للعبد المؤمن والكافر إثر بيان قدرته على إحياء الناس بعد موتهم فقال تعالى: {والبلد الطيب} أي طيب التربة {يخرج نباته بإذن ربه} وذلك بعد إنزال المطر به، وهذا مثل العبد المؤمن ذي القلب الحي الطيب إذا سمع ما ينزل من الآيات يزداد إيمانه وتكثر أعماله الصالحة {والذي خبث} أي والبلد الذي تربته خبيثة سبخة أو حمأة عندما ينزل به المطر لا يخرج نباته إلا نكداً4 عسراً قليلاً غير صالح وهذا مثل الكافر عندما يسمع الآيات القرآنية لا يقبل عليها ولا ينتفع بها في خُلقه ولا سلوكه فلا يعمل خيراً ولا يترك شراً.
وقوله تعالى: {كذلك نصرف الآيات} أي ببيان مظاهر قدرته تعالى وعلمه وحكمته ورحمته وضرب الأمثال وسوق الشواهد والعبر {لقوم يشكرون} إذ هم المنتفعون بها أما الكافرون الجاحدون فأنى لهم الانتفاع بها وهم لا يعرفون الخير ولا ينكرون الشر.
هداية الآيتين
من هداية الآيتين:
1- تقرير عقيدة البعث والحياة بعد الموت للحساب والجزاء إذ هي من أهم أركان الإيمان.
2- الاستدلال بالحاضر على الغائب وهو من العلوم النافعة.
3- حسن ضرب الأمثال لتقريب المعاني إلى الأذهان.
4- فضيلة الشكر وهو صرف النعمة فيما من أجله وهبها الله تعالى للعبد.
__________
1 قرىء {بُشرا} بضم الباء، وقرئ {نشرا} بالنون المضمومة، وهما قراءتان سبعيتان وفسرت الكلمتان بحسب ما تدلان عليه فتأمل، وفيهما قراءات أخرى من حيث الحركات كضم الباء مع الشين، وبشرى بالألف المقصورة.
2 البلد والبلدة بمعنى ويجمع على بلاد وبلدان.
3 روى مسلم قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثم يرسل الله أو قال: ينزل الله مطراً كأنّه الطلّ فتنبت منه أجساد الناس، ثم قال: أيها الناس هلموا إلى ربكم وقفوهم إنهم مسؤولون" الحديث.
4 النكد: العسر الممتنع من إعطاء الخير من الناس، وشبه به البلد الخبيث التربة كذات الحجارة أو السبخة.
********************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
05-12-2021, 03:57 AM
لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59) قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (60) قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (61) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (62) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (63) فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ (64)
شرح الكلمات:
نوحاً: هذا أول الرسل هذا العبد الشكور هو نوح بن لَمْك بن متوشلخ بن أخنوخ أي أدريس1 عليهما السلام، أحد أولى العزم الخمسة من الرسل عاش داعياً وهادياً ومعلماً ألفاً ومائتين وأربعين سنة، ومدة الدعوة ألف سنة إلاَّ خمسين عاماً، وما بعدها عاشها هادياً ومعلماً وللمؤمنين.
عذاب يوم عظيم: هو عذاب يوم القيامة.
الملأ: أشراف القوم ورؤساؤهم الذين يملأون العين والمجلس.
وأنصح لكم: أريد لكم الخير لا غير.
أوَ عجبتم: الاستفهام للإنكار، وعجبتم الواو عاطفة والمعطوف عليه جملة: هي كذبتم أي أكذبتم وعجبتم.
لينذركم: أي العذاب المترتب على الكفر والمعاصي.
ولتتقوا: أي الله تعالى بالإيمان به وتوحيده وطاعته فترحمون فلا تعذبون.
والذين معه في الفلك: هم المؤمنون من قومه والفلك هي السفينة التي صنعها بأمر الله تعالى وعونه.
عمين: جمع عمٍ2 وهو أعمى البصيرة أما أعمى العينين يقال فيه أعمى.
معنى الآيات:
هذا شروع في ذكر قصص ستة من الرسل وهم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وموسى عليهم السلام والمراد من ذكر هذا القصص هو تنويع أسلوب الدعوة ليشاهد المدعون من كفار قريش صوراً ناطقة ومشاهد حية لأمم سبقت وكيف كانت بدايتها وبم ختمت نهايتها، وهي لا تختلف إلا يسيراً عما هم يعيشونه من أحداث الدعوة والصراع الدائر بينهم وبين نبيهم لعلهم يتعظون.، ومع هذا فالقصص يقرر نبوة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ لو لم يكن رسولاً يوحى إليه لما تأتى له أن يقص من أخبار الماضين ما بهر العقول كما أن المؤمنين مع نبيهم يكتسبون من العبر ما يحملهم على الثبات والصبر، ويجنبهم القنوط واليأس من حسن العافية والظفر والنصر.
__________
1 الظاهر أن إدريس هنا ليس هو إدريس النبي الرسول عليه السلام- والله أعلم.
2 يقال: رجل عمٍ أي جاهل بكذا.
****************************
وهذا أول قصص بقوله تعالى فيه {ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه1} أي وعزتنا لقد أرسلنا نوحاً إلى قومه كما أرسلناك أنت يا رسولنا إلى قومك من العرب والعجم، فقال: أي نوح في دعوته: {يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره2} أي ليس لكم على الحقيقة إله غيره، إذ إلإله الحق من يخلق ويرزق ويدبر فيحيي ويميت ويعطي ويمنع، ويضر وينفع، ويسمع ويبصر فأين هذا من آلهة نحتموها بأيديكم، ووضعتموها في بيوتكم عمياء لا تبصر صماء لا تسمع بكماء لا تنطق فكيف يصح أن يطلق عليها اسم الإله وتعبد {إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم} أنذرهم عذاب يوم القيامة إن هم أصروا على الشرك والعصيان فأجابه الملأ3 منهم وهم أهل الحل والعقد في البلاد قائلين: {إنا لنراك في ضلال مبين} بسبب موقفك العدائي هذا لآلهتنا، ولعبادتنا إياها فأجاب عليه السلام قائلاً: {يا قوم ليس بي ضلالة} مجرد ضلالة فكيف بالضلال كله كما تقولون، {ولكني رسول من رب العالمين} أي إليكم {أبلغكم رسالات ربي وأنصح4 لكم} أي بما هو خير لكم في حالكم ومآلكم، واعلموا أني {وأعلم من الله ما لا تعلمون} فأنا على علم بما عليه ربي من عظمة وسلطان، وجلال، وجمال، وما عنده من رحمة وإحسان، وما لديه من نكال وعذاب، وأنتم لا تعلمون فاتقوا الله إذاً وأطيعوني يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى آجالكم، ولا يعجل بفنائكم وواصل حديثه معهم وقد دام ألف سنة إلا خمسين عاماً قائلاً: أكذبتم بما دعوتكم إليه وجئتكم به وعجبتم5 أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم، ولتتقوا الله بتوحيده وعبادته وطاعته رجاء أن ترحموا فلا تعذبوا أمن هذا يتعجب العقلاء؟ وكانت النتيجة لهذه الدعوة المباركة الخيّرة أن كذبوه فأنجاه ربه والمؤمنين معه، وأغرق الظالمين المكذبين، لأنهم كانوا قوماً عمين فلا يستحقون البقاء والنجاة قال تعالى {فكذبوه فأنجيناه والذين معه فيالفلك6، وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوماً عمين7} لا يبصرون الآيات ولا يرون النذر والشواهد.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- تقرير نبوة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كنبوة نوح عليه السلام.
2- تقرير وتأكيد التوحيد، وبيان معنى لا إله إلا الله.
3- التحذير من عذاب يوم القيامة بالتذكير به.
4- أصحاب المنافع من مراكز وغيرها هم الذين يردون دعوه الحق لمنافاتها للباطل.
5- تقرير مبدأ العاقبة للمتقين.
6- عمى القلوب أخطرهن عمى العيون على صاحبه.
__________
1 نوح: هو أوّل الرسل من حيث أنه حارب الشرك ودعا إلى التوحيد، وهل إدريس من ذريته أو من آبائه خلاف، أمّا شيت بن آدم فقطعاً هو من آبائه.
2 غيره: مرفوع على النعت لأنه المرفوع تقديراً، إذ الأصل رفعه، وجُرَّ بحرف الجرّ الزائد الذي هو مِنْ.
3 الملأ: هم أشراف القوم ورؤساؤهم الذين إذا نظر إليهم ملأوا العين وإذا جلسوا ملأوا المجلس، هذا أصل الكلمة.
4 النصح: إخلاص القول والعمل من شوائب الفساد، بمعنى تخليص القول أو العمل مما هو ضار أو غير نافع للمنصوح له، ويقال نصحه ونصح له والمعنى واحد، والاسم النصيحة، والناصح الخالص من العسل مثل الناصح الذي لا شائبة فيه.
5 قوله تعالى: {أو عجبتم} الهمزة للاستفهام، والواو عاطفة على جملة محذوفة كما هي في التفسير.
6 الفلك يكون واحداً وجمعاً ويذكر ويؤنث.
7 {عمين} أي: عن الحق وعن معرفة الله وقدرته ولطفه، وإحسانه يقال رجلٌ عَمٍ بكذا أي: جاهل به لا يعرفه.

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
05-12-2021, 03:58 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الاعراف - (11)
الحلقة (422)
تفسير سورة الاعراف مكية
المجلد الثانى (صـــــــ 190الى صــــ 193)

وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (65) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66) قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (67) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69)
شرح الكلمات:
وإلى عاد: أي ولقد أرسلنا إلى عاد وهم قبيلة عاد، وعاد أبو القبيلة وهو عاد بن عوص ابن إرم بن سام بن نوح عليه السلام.
أخاهم هوداً: أخاهم في النسب لا في الدين. وهود هو هود بن شالخ بن أرفخشد بن سام ابن نوح عليه السلام.
أفلا تتقون: أي أتصرّون على الشرك فلا تتَّقون عذاب الله بالإيمان به وتوحيده، والاستفهام إنكاري أي ينكر عليهم عدم تقواهم لله عز وجل.
في سفاهة: السفاهة كالسّفَه وهو خِفّة العقل، وقلّة الإدراك والحلم.
أمين: لا أخونكم ولا أغشكم ولا أكْذِبُكم، كما أني مأمون على رسالتي لا أفرط في إبلاغها.
بسطة: أي طولاً في الأجسام، إذ كانوا عمالق من عظم ص أجسادهم وطولها.
آلاء الله: نعمه واحدها أَلىً وإلىً واْليٌ وإلْوٌ والجمع آلاء.
تفلحون: بالنجاة من النار في الآخرة، والهلاك في الدنيا.
معنى الآيات:
هذا هو القصص الثاني، قَصَصُ هود عليه السلام مع قومه عاد الأولى التي أهلكها الله تعالى بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام. قوله تعالى {وإلى عاد1} أي وأرسلنا إلى قبيلة عاد أخاهم من النسب هوداً فماذا قال لهم {قال يا قوم اعبدوا الله} أي وحدوه في العبادة ولا تعبدوا معه آلهة أخرى. وقوله: {مالكم من إله غيره} أي ليس لكم أي إله غير الله، إذ الله هو الإله الحق وما عداه فآلهة باطلة، لأنه تعالى يخلق وهم لا يخلقون. ويرزق وهم لا يرزقون ويدبر الحياة بكل ما فيها وهم مدبَّرون لا يملكون نفعاً ولا ضراً، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً فكيف يكونون آلهة. ثم حضهم على التقوى وأنكر عليهم تركهم لها فقال عليه السلام لهم: {أفلا تتقون} أي الله ربّكم فتتركوا الشرك وتوحدوه؟ فأجاب الملأ الذين كفروا من قومه، بأسوأ إجابة وذلك لكبريائهم واغترارهم فقالوا: {إنا لنراك في
سفاهة} أي حمق وطيش وعدم بصيرة بالحياة وإلا كيف تخرج عن إجماع قومك، وتواجههم بعيب آلهتهم وتسفيه أحلامهم، {وإنا لنظنك من الكاذبين} فيما جئت به أي من الرسالة، ودعوت إليه من التوحيد ونبذ الآلهة غير الله تعالى، فأجاب هود عليه السلام راداً شبهتهم فقال: {يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين} أي أني لست كما تزعمون أن بي سفاهة ولكني أحمل رسالة أبلغكموها، وأنا في ذلك ناصح لكم مريد لكم الخير أمين2 على وحي الله تعالى إلي، أمين لا أغشكم ولا أخونكم فما أريد لكم إلا الخير. ثم واصل دعوته فقال {أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربَّكم} أي أكذبتم برسالاتي وعجبتم من مجيئكم ذكر من ربكم {على رجل منكم لينذركم} أي عواقب كفركم وشرككم، أمن مثل هذا يتعجب العقلاء أم أنتم لا تعقلون؟.
ثم ذكرهم بنعم الله تعالى عليهم لعلّها تُحدْثُ لهم ذكراً في نفوسهم فيتراجعون بعد عنادهم وإصرارهم فقال: {واذكروا إذ جعلكم خلفاء3 من بعد قوم نوح} أي بعد أن أهلكهم بالطوفان لإصرارهم على الشرك {وزادكم في الخلق بسطة4} أي جعل أجسامكم قوية وقاماتكم طويلة هذه نعم الله عليكم {فاذكروا آلاء5 الله لعلكم تفلحون} لأنكم إن ذكرتموها بقلوبكم شكرتموها بأقوالكم وأعمالكم، وبذلك يتم الفلاح لكم، وهو نجاتكم من المرهوب وظفركم بالمحبوب وذلك هو الفوز المطلوب.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- الدعوة إلى عبادة الله وترك عبادة ما سواه وهو معنى لا إله إلا الله.
2- مشروعية دفع الإتهام، وتبرئة الإنسان نفسه مما يتهم به من الباطل.
3- من وظائف الرسل عليهم السلام البلاغ لما أمروا بإبلاغه.
4- فضيلة النصح وخُلُق الأمانة.
5- استحسان التذكير بالنعم فإن ذلك موجب للشكر والطاعة.
__________
1 عاد: آمّة عظيمة كانوا أكثر من عشر قبائل، ومنازلهم كانت ببلاد العرب من حضرموت والشّحر إلى عُمان، وعاد اسم القبيلة وصرف لأنّه ثلاثي ساكن الوسط كهند ودعد.
2 الأمين: هو الموصوف بالأمانة، والأمانة أعز أوصاف البشر وفي الحديث "لا إيمان لمن لا أمانة له" ويروى: "لمن لا أمان له".
3 الخلفاء: جمع خليفة وهو الذي يخلف غيره في شيء أي: يتولى العمل الذي كان يقوم به الآخر، كما يجمع خليفة على خلائف.
4 ويجوز بصطة: بالصاد أي طولاً في الأجسام قيل كان أطولهم مائة ذراع وأقصرهم ستين ذراعاً، فالزيادة كانت على خلق من قبلهم، وذكر القرطبي أموراً عجباً لا يحسن ذكرها.
5 الآلاء: مفرده إلي ويعرف فيقال الإلي وهو: النعمة وهو على وزن عِنَب وأعناب ونظيره إن أي: الوقت والجمع آناء قال تعالى: {ومن آناء الليل فسبّح} الخ.
*************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
05-12-2021, 03:58 AM
قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70) قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (71) فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ (72)
شرح الكلمات:
ونذر: أي نترك.
بما تعدنا: أي من العذاب.
رجس: سخطٌ موجبٌ للعذاب.
أتجادلونني: أي أتخاصمونني.
من سلطان: أي من حجّة ولا برهان يثبت أنها تستحق العبادة.
دابر: دابر القوم آخرهم، لأنه إذا هلك آخر القوم هلك أولهم بلا ريب.
معنى الآيات:
ما زال السياق في قصص هود عليه السلام، فهاهم أولاء يردُّون على دعوة هود بقول الملأ منهم {أجئتنا2 لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا} وتهددنا إن نحن لم نترك عبادة آلهتنا، {فأتنا بما تعدنا} به من العذاب3 {إن كنت من الصَّادقين} في دعواك فرد هود عليه السلام على قولهم هذا قائلاً قد وقع4 عليكم رجس5 أي سخط وغضب من الله تعالى وأن عذابكم لذلك أصبح متوقعاً في كل يوم فاضطروا ما سَيَحِلٌّ بكم {إني معكم من المنتظرين} قال تعالى {فأنجيناه6 والذين معه برحمة منّا} أي بعد إنزال العذاب، ومن معه من المؤمنين برحمة منا خاصة لا تتم إلا لمثلهم، {وقطعنا دابر القوم الذين كذبوا بآياتنا، وما كانوا مؤمنين} أهلكناهم بخارقة ريح تدمر كل شيء بأمر بها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم، وكذلك جزاء الظالمين.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- احتجاج المشركين على صحَّة باطلهم بفعل آبائهم وأجدادهم يكاد يكون سنّةً مطَّردةً في الأمم والشعوب، وهو التقليد المذموم.
2- من حمق الكافرين استعجالهم بالعذاب، ومطالبتهم به.
3- آلهة الوثنيين مجرّد أسماء لا حقائق لها إذ إطلاق المرء اسم إله على حجر لا يجعله إلهاً ينفع ويضر، ويحيى ويميت.
4- قدرة الله تعالى ولطفه تتجلَّى في إهلاك عاد وإنجاء هود والمؤمنين.
__________
1 {أتجادلونني في أسماء} أي: في الأصنام التي أطلقوا عليها أسماء كاللاّت، والعزّى ومناة عند قريش ومشركي العرب، فأطلق الاسم وأريد به المسمَّى.
2 الاستفهام هنا إنكاري أنكروا على نبي الله هود دعوته إيّاهم إلى التوحيد وكان جوابهم هذا أقل جفوة من السابق الذي اتهموه فيه بالسفاهة والكذب.
3 ذكر العذاب في سورة الأحقاف إذ قال تعالى: {واذكر أخاً عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألاّ تعبدوا إلاّ الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم} .
4 {قد وقع} بمعنى: وجب، يقال: وقع الحكم أو القول إذا وجب.
5 وفسّر الرجس بالعذاب أو الرّين على القلوب بزيادة الكفر.
6 روي أنّ هوداً ومن معه من المؤمنين نزحوا إلى مكة وأقاموا بها بعد هلاك قومهم.

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
05-12-2021, 04:00 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الاعراف - (12)
الحلقة (423)
تفسير سورة الاعراف مكية
المجلد الثانى (صـــــــ 194الى صــــ 198)

وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (76)
شرح الكلمات:
وإلى ثمود: أي أرسلنا إلى ثمود، وثمود قبيلة سميت باسم جدها وهو ثمود1 بن عابر بن إرم بن سام بن نوح.
أخاهم صالحاً: أي في النسب وصالح هو صالح بن عبيد بن آسف كاشح بن عبيد بن حاذر بن ثمود.
آية: علامة على صدقي في أني رسول الله إليكم.
وبوأكم في الأرض: أنزلكم فيها منازل تحبون فيها.
وتنحتون: تنجرون الحجارة في الجبال لتتخذوا منازل لكم لتسكنوها.
آلاء الله: نعم الله تعالى وهي كثيرة.
ولا تعثوا: أي لا تفسدوا في الأرض مفسدين.
استكبروا: عتوا وطغوا وتكبروا فلم يقبلوا الحق ولم يعترفوا به.
معنى الآيات:
هذا القصص الثالث قصص نبي الله صالح عليه السلام قال تعالى {وإلى ثمود أخاهم صالحاً} أي وأرسلنا إلا قبيلة ثمود2 أخاهم صالحاً نبياً أرسلناه بما أرسلنا به رسلنا من قبله ومن بعده بكلمة التوحيد {قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره} وهذا مدلول كلمة الإخلاص التي جاء بها خاتم الأنبياء "لا إله إلا الله " {قد جاءتكم بينة من ربكم} تشهد بأنه لا إله إلا هو، وأني رسوله إليكم، هذه البينة3 ناقة تخرج من صخرة في جبل، {هذه ناقة4 الله لكم آية} علامة وأية علامة على صدقي في إرسال الله تعالى لي رسولاً إليكم لتعبدوه وحده ولا تشركوا به شيئاً، فذروا هذه الناقة تأكل في أرض5 الله {ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم} ، فكانت الناقة ترعى في المرج، وتأتي إلى ماء القوم فتشربه كله، ويتحول في بطنها إلى لبن خالص فيَحْلِبون ما شاءوا وقال لهم يوماً هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم، ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم، ووعظهم عليه السلام بقوله: {واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد} أي بعد هلاكهم، وكانت ديار عاد بحضرموت جنوب الجزيرة العربية وديار ثمود بالحجر شمال الجزيرة بين الحجاز والشام. وقوله {وبوأكم في الأرض} أرض الحِجْر تتخذون من سهولها قصوراً6 تسكنونها في الصيف، وتنحتون من الجبال بيوتاً تسكنونها في الشتاء، {فاذكروا آلاء الله} أي نعمه العظيمة لتشكروها بعبادته وحده دون ما أتخذتم من أصنام، وحذَّرهم من عاقبة الفساد فقال {ولا تَعْثَوْا في الأرض مفسدين} أي لا تنشروا الفساد في الأرض بالشرك وارتكاب المعاصي وإزاء هذه الدعوة
الصادقة الهادفة إلى هداية القوم وإصلاحهم لينجوا من عاقبة الشرك والشر والفساد {قال الملأ الذين استكبروا من قومه} أي قوم صالح، قالوا {للذين استضعفوا لمن آمن7 منهم} أي لمن آمن من ضعفاء القوم: {أتعلمون أن صالحاً مرسلٌ من ربه} ، وهو استفهام سخرية واستهزاء دال على صلف القوم وكبريائهم، فأجاب المؤمنون من ضعفة القوم قائلين {إنا بما أرسل به مؤمنون} قالوها واضحةً صريحةً مُعْلنةً عن إيمانهم بما جاء به رسول الله صالح غير خائفين، وهنا ردٌ المستكبرون قائلين: {إنا بالذي آمنتم به كافرون} وإمعاناً منهم في الجحود والتكبّر، لم يقولوا إنا بما أرسل به كافرون حتى لا يعترفوا بالرسالة ولو في جواب رد الكلام فقالوا {إنا بالذي آمنتم به كافرون} .
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- اتحاد دعوة الرسل في الإيمان بالله والكفر بالطاغوت أي في عبادة الله وحده.
2- تقرير إرسال الرسل بالآيات وهي المعجزات وآية صالح أعجب آية وهي الناقة.
3- وجوب التذكير بنعم الله إذ هو الباعث على الشكر، والشكر هو الطاعة.
4- النهي عن الفساد في الأرض والشرك وارتكاب المعاصي.
5- الضعفة هم غالباً أتباع الأنبياء: وذلك لخلوهم من الموانع كالمحافظة على المنصب أو الجاه أو المال، وعدم إنغماسهم في الملاذ والشهوات.
__________
1 ثمود: هو أخو جديس.
2 ثمود: يصرف ولا يصرف فمن صرفه: على أنه اسم للحي، ومن منعه: على أنه علم على القبيلة.
3 هذه الناقة هم الذين طالبوا بها لتكون آية على صدق نبوّة صالح، ولمّا جاءتهم كفروا بها.
4 إضافة الناقة إلى الله تعالى للتشريف والتخصيص إذ كل ما في الكون هو لله عزّ وجلّ.
5 أي: ليس عليكم رزقها ومؤونتها.
6 استدل بعضهم على جواز بناء القصور للسكن بهذه الآية وبحديث: "إنّ الله إذا أنعم علي عبد أحب أن يرى أثر النعمة عليه" وكره ذلك بعض، لحديث: "وما أنفق المؤمنين من نفقة فإنّ خلفها على الله عزّ وجلّ إلاّ ما كان في بنيان أو معصيّة" رواه الدارقطني.
7 {لمن آمن} بدل من (الذين استضعفوا) بدل بعضٍ من كلّ.
***********************
يتبع

ابوالوليد المسلم
05-12-2021, 04:00 AM
فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَاصَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَاقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79)
شرح الكلمات:
فعقروا الناقة: نحروها بعد أن عقروا قوائمها أي قطعوها، والناقة هي الآية.
وعتوا عن أمر ربهم: تمردوا عن الأمر وعصوا فلم يطيعوا.
الرجفة: المرة من رجف إذا اضطرب، وذلك لما سمعوا الصيحة أخذتهم الرجفة.
جاثمين1: باركين على الركب كما يجثم الطير أي هلكى على ركبهم.
فتولى عنهم: بعد أن هلكوا نظر إليهم صالح وهم جاثمون وقال راثياً لحالهم {يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي} إلى قوله {ولكن لا تحبون الناصحين} ثم أعرض عنهم وانصرف.
معنى الآيات:
مازال السياق في قصص صالح عليه السلام فإنه بعد تلك الدعوة الطويلة العريضة والمستكبرون يردونها بصلف وكبرياء، وطالبوا بالآية لتدل على صدقه وأنه من المرسلين وأوتوا الناقة آية مبصرة ولجوا في الجدال والعناد وأخيراً تمالؤوا على قتل الناقة وعقروها {فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها ولا يخاف عقباها} .
قوله تعالى في الآية الأولى (77) {فعقروا2 الناقة وعتوا عن أمر ربهم} يخبر تعالى أن قوم صالح عقروا الناقة قطعوا أرجلها ثم نحروها وهو العقر، وعتوا بذلك وتكبروا متمردين عن أمر الله تعالى حيث أمرهم أن يتركوها تأكل في أرض الله ولا يمسوها بسوء فإذا بهم يعقرونها تحدياً وعناداً، {وقالوا يا صالح} بدل أن يقولوا يا رسول الله أو يا نبي الله {ائتنا بما تعدنا} أي من العذاب إن مسسنا الناقة بسوء فقد نحرناها فأتنا بالعذاب إن كنت كما تزعم من المرسلين قال تعالى {فأخذتهم الرجفة} وهي هزة عنيفة اضطربت لها القلوب والنفوس نتيجة صيحة لملك عظيم صاح فيهم صباح السبت3 كما قال تعالى {فأخذتهم الصيحة مشرقين} ولما هلكوا وقف عليهم صالح كالمودع كما وقف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أهل القليب ببدرٍ فناداهم يا فلان يا فلان كذلك صالح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام وقف عليهم وهم خامدون وقال كالراثي المتحسر {يا قوم لقد أبلغتكم4 رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين} وتولى عنهم وانصرف.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- حلول نقمة الله تعالى بكل من عتا عن أمره سبحانه وتعالى.
2- مشروعية الرثاء لمن مات أو أصيب بمصاب عظيم.
3- علامة قرب ساعة الهلاك إذا أصبح الناس يكرهون النصح ولا يحبون الناصحين.
وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ (81) وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82) فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (83) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (84)
شرح الكلمات:
ولوطاً: أي وأرسلنا لوطاً ولوط هو لوط بن هاران ابن أخي إبراهيم عليه السلام. ولد في بابل العراق.
الفاحشة: هي الخصلة القبيحة وهي إتيان الرجال في أدبارهم.
__________
1 أصل الجثوم للأرانب وما شابهها وموضع الجثوم يقال لهم: مجثم. قال زهير:
بها العين والآرام يمشين خلفه ... وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم
2 العقر: الجرح أو قطع عضو يؤثر في النفس، يقال: عقر الفرس إذا ضرب قوائمه بالسيف، وقيل للنحر عقر: لأنّه بسبب النحر غالبا.
3 هو بداية اليوم الرابع، إذ قال لهم: {تمتعوا في داركم ثلاثة أيام} فكانت الأربعاء والخميس والجمعة والسبت أهلكهم الله تعالى.
4 من الجائز أن يكون قد قال هذا وهم أحياء قبل موتهم كالآيس منهم وكونه قاله بعد موتهم أقرب كما في التفسير.

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
05-12-2021, 04:03 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الاعراف - (13)
الحلقة (424)
تفسير سورة الاعراف مكية
المجلد الثانى (صـــــــ 199الى صــــ 203)


وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81) وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (83) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (84)

من العالمين: أي من الناس.
من الغابرين: الباقين في العذاب.
وأمطرنا. أنزلنا عليهم حجارة من السماء كالمطر فأهكتهم.
المجرمين: أي المفسدين للعقائد والأخلاق والأعراض.
معنى الآيات:
هذا هو القصص الرابع قصص نبي الله تعالى لوط بن هاران ابن أخي إبراهيم عليه السلام فقوله تعالى {ولوطاً1 ... } أي وأرسلنا لوطاً إلى قومه من أهل سذوم، ولم يكن لوط منهم لأنه من أرض بابل العراق هاجر مع عمه إبراهيم وأرسله الله تعالى إلى أهل سذوم2 وعمورة قرب3 بحيرة لُوطٍ بالأردن.
وقوله إذ قال لقومه الذين أرسل إليهم منكراً عليهم فعلتهم المنكرة: {أتأتون الفاحشة} وهي إتيان الرجال في أدبارهم {ما سبقكم بها من أحد من العالمين} أي لم يسبقكم إليها أحد من الناس قاطبة، وواصل إنكاره هذا المنكر موبخاً هؤلاء الذين هبطت أخلاقهم إلى درك لم يهبط إليه أحد غيرهم فقال: {إنكم لتأتون الرجال شهوة4 من دون النساء، بل أنتم قوم مسرفون} وإلا فالشهوة من النساء هي المفطور عليها الإنسان، لا أدبار الرجال، ولكنه الإجرام والتوغل في الشر والفساد والإسراف في ذلك، والإسراف صاحبه لا يقف عند حد.
وبعد هذا الوعظ والإرشاد إلى سبيل النجاة، والخروج من هذه الورطة التي وقع فيها هؤلاء القوم المسرفون ما كان ردهم {إلا أن قالوا أخرجوهم} أي لوطاً والمؤمنين معه {من قريتكم} أي مدينتكم سدوم، معللين الأمر بإخراجهم من البلاد بأنهم أناس يتطهرون من الخبث الذي هم منغمسون فيه قال تعالى بعد أن بلغ الوضع هذا الحد {فأنجيناه وأهله} من بناته وبعض نسائه {إلا امرأته كانت من الغابرين} حيث أمرهم بالخروج من البلاد ليلاً قبل حلول العذاب بالقوم فخرجوا، وما إن غادروا المنطقة حتى جعل الله تعالى عاليها سافلها وأمطر عليها حجارة من سجين فأهلكوا أجمعين.
وقوله تعالى في ختام هذا القصص {فانظر كيف كان عاقبة المجرمين} فإنه خطاب عام لكل من يسمع هذا القصص ليعتبر به حيث شاهد عاقبة المجرمين دماراً كاملاً وعذاباً أليماً.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- شدة قبح جريمة اللواط.
2- أول من عرف هذه الجريمة القذرة هم قوم لوط5 عليه السلام.
3- الإسراف وعدم الاعتدال في الأقوال والأفعال يتولد عنه كل شر وفساد.
4- الكفر والإجرام يحل رابطة الأخوة والقرابة بين أصحابه والبُراءة منه.
5- من أتى هذه الفاحشة من المحصنين يرجم6 بالحجارة حتى الموت.
__________
1 هذا العطف على إرسال نوح كما هو مع هود وصالح من قبل لوط، ولوط: اسم عجمي وليس مشتقاً من لطت الحوض أو من قولهم: هذا أليط بقلبي من هذا.
2 هذه الأرض هي أرضى الكنعانيين وسكانها خليط جلّهم كنعانيون.
3 هو المعروف بالبحر الميت ويقال له بحيرة لوط.
4 {شهوة} منصوب على أنّه مفعول لأجله.
5 روي أنّ إبليس هو الذي علّمهم إيّاها في نفسه بعد أن تشكّل بشكل إنسان.
6 الجمهور على أن من أتى هذه الفاحشة من الذكران البالغين أنه يقتل وغير البالغ يضرب، وخالف أبو حنيفة الجمهور وقال بعدم القتل واكتفى بالتعزير وهو محجوج بعمل الصحابة فقد أحرقوا مَنْ عَمِل عَمَل قوم لوط على عهد أبي بكر بإجماع رأي الصحابة على ذلك لحديث أبي داود والنسائي وابن ماجه والترمذي أي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به" وعند الترمذي "أحصنا أو لم يحصنا" واختلف في الفاعل في البهيمة هل يقتل أو يعزّر؟ فالراجح: القتل لحديث: "من وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة معه".
***************************

ابوالوليد المسلم
05-12-2021, 04:03 AM
وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (85) وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86) وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (87)

عَن سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86) وَإِن كَانَ طَآئِفَةٌ مِّنكُمْ آمَنُواْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَآئِفَةٌ لَّمْ يْؤْمِنُواْ فَاصْبِرُواْ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (87)
شرح الكلمات:
وإلى مدين آخاهم شعيباً: مدين أبو القبيلة وهو مدين بن إبراهيم الخليل وشعيب من أبناء القبيلة فهو أخوهم في النسب حقيقة إذ هو شعيب بن ميكائيل بن يشجر بن مدين.
ولا تبخسوا الناس أشياءهم: أي لا تنقصوا الناس قيم سلعهم وبضائعهم، إذ كانوا يفعلون ذلك.
صراط توعدون: طريق وتوعدون تخيفون المارة وتأخذون عليهم المكوس أو تسلبونهم أمتعتهم.
وتبغونها عوجاً: أي تريدون سبيل الله -وهي شريعته- معوجةً حتى توافق ميولكم.
المفسدين: هم الذين يعملون بالمعاصي في البلاد.
يحكم بيننا: يفصل بيننا فينجي المؤمنين ويهلك الكافرين.
معنى الآيات:
هذا هو القصص الخامس في سورة الأعراف وهو قصص نبي الله شعيب مع قومه أهل مدين، فقوله تعالى: {وإلى مدين أخاهم شعيباً1} أي وأرسلنا إلى أهل مدين أخاهم شعيباً. فماذا قال لهم لما أرسل إليهم؟ {قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره} أي قولوا لا إله إلا الله، ولازم ذلك أن يصدقوا برسول الله شعيب حتى يمكنهم أن يعبدوا الله بما
يحب أن يعبد به وبما من شأنه أن يكملهم ويسعدهم في الدارين وقوله {قد جاءتكم2 بينة من ربكم} أي آية واضحة تشهد لي بالرسالة وبما أن ما آمركم به وأنهاكم عنه هو من عند الله تعالى إذاً {فأوفوا الكيل والميزان} أي بالقسط الذي هو العدل، {ولا تبخسوا الناس أشياءهم} بل أعطوهم ما تستحقه بضائعهم من الثمن بحسب جودتها ورداءتها {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها} أي في البلاد بعد إصلاحها، وذلك بترك الشرك والذنوب ومن ذلك ترك التلصص وقطع الطرق، وترك التطفيف في الكيل والوزن وعدم بخس سلع الناس وبضائعهم ذلكم الذي دعوتكم إليه من الطاعة وترك المعصية خير لكم حالاً ومالاً إن كنتم مؤمنين وقوله: {ولا تقعدوا بكل صراط3 توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجاً4} ينهاهم عليه السلام عن أبشع الإجرام وهو أنهم يجلسون في مداخل البلاد، وعلى أفواه السكك، ويتوعدون5 المارة بالعذاب إن هم اتصلوا بالنبي شعيب وجلسوا إليه صرفاً للناس عن الإيمان والاستقامة، كما أنهم يقطعون الطرق ويسلبون الناس ثيابهم وأمتعتهم أو يدفعون إليهم ضريبة خاصة.
وقوله {واذكروا إذ كنتم قليلاً فكثركم} يذكرهم عليه السلام بنعمة الله تعالى عليهم وهي أنهم أصبحوا شعباً كبيراً بعدما كانوا شعباً صغيراً لا قيمة له ولا وزن بين الشعوب وقوله: {وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين} يعظهم ببيان مصير الظلمة المفسدين من الأمم المجاورة والشعوب حيث حلت بهم نقمة الله ونزل بهم عذابه فهلكوا يعظهم لعلهم يذكرون فيتركوا الشرك والمعاصي، ويعملوا بالتوحيد والطاعة.
وأخيراً يخوفهم بالله تعالى ويهددهم بأن حكماً عدلاً هو الله سيحكم بينهم وعندها يعلمون من هو المحق ومن هو المبطل فقال: {وإن كان طائفة منكم} أي جماعة {آمنوا بالذي أرسلت به} من التوحيد والطاعة وترك الشرك والمعاصي، {وطائفة} أخرى {لم يؤمنوا} وبهذا كنا متخاصمين نحتاج إلى من يحكم بيننا إذاً {فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير
الحاكمين} .
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- دعوة الرسل واحدة في باب العقيدة إذ كلها تقوم على أساس التوحيد والطاعة.
2- حرمة التطفيف في الكيل والميزان، وبخس الناس أشياءهم، ويدخل في ذلك الصناعات وحرف المهن وما إلى ذلك.
3- حرمة الفساد في الأرض بالمعاصي لاسيما البلاد التي طهرها الله بالإسلام وأصلحها بشرائعه.
4- حرمة التلصص وقطع6 الطرق وتخويف المارة.
5- حرمة الصد عن سبيل الله بمنع الناس من التدين والالتزام بالشريعة ظاهراً وباطناً.
__________
1 شعيب: تصغير شعب أو شِعب ويقال له خطيب الأنبياء لحسن مراجعته قومه.
2 من الجائز أن يكون الله تعالى قد أعطى نبيّه شعيباً آية ولم تذكر في القرآن، والراجح أنّها حجة قوية قهرهم بها ولم يتمكنوا من ردّها.
3 قال ابن عباس ومجاهد وقتادة: كانوا يقعدون على الطرقات المفضية إلى شعيب فيتوعّدون من أراد المجيىء إليه ويصدّونه عنه ويقولون: إنّه كذّاب فلا تذهب إليه، كما كانت قريش تفعله مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
4 قال أبو عبيدة والزجاج: كسر العين عوجاً في المعاني، والفتح عَوَجاً في الإجرام والذوات.
5 قال أبو هريرة رضي الله عنه هذا نهي عن قطع الطريق وأخذ السلب وكان ذلك من فعلهم.
6ومثله الضرائب الفادحة التي تضرب على المسلمين في بلادهم والمكوس التي في الأسواق وغيرها مما اقتدى فيه المسلمون بالكافرين.

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
05-12-2021, 04:04 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الاعراف - (14)
الحلقة (425)
تفسير سورة الاعراف مكية
المجلد الثانى (صـــــــ 203الى صــــ 207)


قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَاشُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (88) قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (89)

شرح الكلمات:
الملأ: أشراف القوم الذين يملؤون المجلس إذا جلسوا، والعين إذا نظر إليهم.
استكبروا: تكلفوا الكبر وهم حقيرون، حتى لا يقبلوا الحق.
من قريتنا: مدينتنا.
في ملتكم: في دينكم.
على الله توكلنا: أي فوضنا أمرنا واعتمدنا في حمايتنا عليه.
ربنا افتح بيننا: أي يا ربنا احكم بيننا.
وأنت خير الفاتحين: أي وأنت خير الحاكمين.
معنى الآيتين:
ما زال السياق الكريم في قصص شعيب مع قومه أهل مدين فبعد أن أمرهم ونهاهم وذكرهم ووعظهم {قال الملأ الذين استكبروا من قومه} مهددين موعدين مقسمين {لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا} . هكذا سنة الطغاة الظلمة إذا غلبوا بالحجج والبراهين يفزعون إلى القوة فلما أفحمهم شعيب خطيب الأنبياء عليهم السلام، وقطع الطريق عليهم شهروا السلاح في وجهه، وهو النفي والإخراج من البلاد أو العودة إلى دينهم الباطل: {لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن1 في ملتنا} ورد شعيب على هذا التهديد بقوله: {أو لو كنا كارهين2} أي أنعود في ملتكم ولو كنا كارهين لها {قد افترينا على الله كذباً إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها3} ووجه الكذب على الله إن عادوا إلى ملة الباطل هو أن شعيباً أخبرهم أن الله تعالى أمرهم بعبادته وحده وترك عبادة غيره، وأنه تعالى أرسله إليهم رسولاً وأمرهم بطاعته إنقاذاً لهم من الباطل الذي هم فيه فإذا أرتد وعاد هو ومن معه من المؤمنين إلى ملة الشرك كان موقفهم موقف من كذب على الله تعالى بأنه قال كذا وكذا والله عز وجل لم يقل. هذا ثم قال شعيب {وما يكون لنا أن نعود فيها} ليس من الممكن ولا من المتهيء لنا العودة في ملتكم أبداً، اللهم إلا أن يشاء4 ربنا شيئاً فإن مشيئته نافذة في خلقه، وقوله: {وسع ربنا كل شيء علما} فإذا كان قد علم أنا نرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله، فسوف يكون ما علمه كما علمه وهو الغالب على أمره.
ثم قال عليه السلام بعد أن أعلمهم أن العودة إلى دينهم غير واردة ولا ممكنة بحال من الأحوال إلاّ في حال مشيئة الله ذلك، وهذا مما لا يشاءه الله تعالى قال: {على الله توكلنا} في الثبات على دينه الحق، والبراءة من الباطل ثم سأل ربه قائلاً: {ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق} أي احكم بيننا وبينهم بالحق {وأنت خير5 الفاتحين} أي الحاكمين، وذلك بإحقاق الحق وإبطال الباطل.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- بيان سنة بشرية وهي أن الظلمة والمتكبرين يجادلون بالباطل حتى إذا أعياهم الجدال وأفحموا بالحجج بدل أن يسلموا بالحق ويعترفوا به ويقبلوه، فيستريحوا ويريحوا يفزعون إلى القوة بطرد أهل الحق ونفيهم أو إكراههم على قبول الباطل بالعذاب والنكال.
2- لا يصح من أهل الحق بعد أن عرفوه ودعوا إليه أن يتنكروا ويقبلوا الباطل بدله.
3- يستحب الاستثناء في كل ما عزم عليه المؤمن مستقبلاً وإن لم يرده أو حتى يفكر فيه.
4- وجوب التوكل على الله عند تهديد العدو وتخويفه، والمضي في سبيل الحق.
5- مشروعية الدعاء وسؤال الله تعالى الحكم بين أهل الحق وأهل الباطل، لأن الله تعالى يحكم بالحق وهو خير الحاكمين.

__________
1 {أو لتعودّنّ} : إمّا أن يراد به أتباع شعيب المؤمنون إذ كانوا قبل إيمانهم على دين قومهم وإمّا أن يراد بكلمة {لتعودّنّ} : لتصيرن إذ تكون عاد بمعنى: صار.
2 الاستفهام للتعجب والاستبعاد.
3 هذا أسلوب الإياس لهم من العودة إلى دينهم الباطل.
4 هذا الاستثناء كان من شعيب تأدباً مع الله تعالى بتفويض الأمر إلى مشيئته وعودة غيره من أمته ممكنة ولكن عودته هو مستحيلة.
5 {إلاّ أن يشاء الله ربنا} هذا الاستثناء منقطع بمعنى لكن أي: ما يقع منّا العودة إلى الكفر لكن إن شاء الله ذلك كان، والله لا يشاء ذلك فهو إذا كقولك: "لا أكلمك حتى يبيَض الغراب" أو {حتى يلج الجمل في سمّ الخياط} .
**********************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
05-12-2021, 04:04 AM
وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (90) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (91) الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ (92) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَاقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ (93)

شرح الكلمات:
لئن اتبعتم شعيباً: أي على ما جاء به من الدين والهدى.
الرجفة: الحركة العنيفة كالزلزلة.
جاثمين: باركين على ركبهم ميتين.
كأن لم يغنوا فيها: أي كأن لم يعمروها ويقيموا فيها زمناً طويلاً.
الخاسرين: إذ هلكوا في الدنيا وادخلوا النار في الآخرة.
آسى1: أي أحزن أو آسف شديد الأسف.
معنى الآيات:
ما زال السياق في قصص شعيب مع أهل مدين فإنه بعد أن هدد الظالمون شعيباً بالإبعاد من مدينتهم هو والمؤمنون معه أو أن يعودوا إلى ملتهم فرد شعيب على التهديد بما أيأسهم من العودة إلى دينهم، وفزع إلى الله يعلن توكله عليه ويطلب حكمه العادل بينه وبين قومه المشركين الظالمين كأن الناس اضطربوا وأن بعضاً قال اتركوا الرجل وما هو عليه، ولا تتعرضوا لما لا تطيقونه من البلاء. هنا قال الملأ الذين استكبروا من قومه مقسمين بآلهة الباطل: {لئن اتبعتم شعيباً} أي على دينه وما جاء به وما يدعو إليه من التوحيد والعدل ورفع الظلم {إنكم إذاً لخاسرون} قال تعالى: {فأخذتهم الرجفة} استجابة لدعوة شعيب فأصبحوا2 هلكى جاثمين على الركب. قال تعالى: {الذين كذبوا شعيباً كأن لم يغنوا فيها3}
أي كأن لم يعمروا تلك الديار ويقيموا بها زمناً طويلاً، وأكد هذا الخبر وهو حكمه في المكذبين الظالمين فقال: {الذين كذبوا شعيباً كانوا هم الخاسرين} أما الذين صدقوا شعيباً فهم المفلحون الفائزون وودعهم شعيب كما ودع صالح قومه قال تعالى: {فتولى عنهم} وهم جاثمون هلكى فقال {يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم} فأبيتم إلا تكذيبي ورد قولي والإصرار على الشرك والفساد حتى هلكتم {فكيف آسَى على قوم كافرين4} أي لا معنى للحزن والأسف على مثلكم.
هداية الآيات
هن هداية الآيات:
1- ثمرة الصبر والثبات النصر العاجل أو الآجل.
2- نهاية الظلم والطغيان والدمار والخسران.
3- لا أسىً ولا حزناً على من أهلكه الله تعالى بظلمه وفساده في الأرض.
4- مشروعية توبيخ الظالمين بعد هلاكهم كما فعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأهل القليب وكما فعل صالح وشعيب عليهما السلام.
__________
1 أسِيَ كرضي يأسى كيرضي يقال: أسيت على كذا أسىً فأنا آسٍ وآسى في الآية مضارع أسى دخلت عليه همزة المتكلم فصارت آسى بهمزتين.
2 في سورة هود: {فأخذتهم الصيحة} وفي سورة الشعراء: {أخذهم عذاب يوم الظّلة} وطريقة الجمع. أنهم لمّا اجتمعوا تحت الظلة وهي سحابة أظلتهم، فَزَعُوا إليها من شدّة الحر الذي أصابهم يومئذٍ فلمّا استقروا تحتها زُلزلوا من تحتهم وهي الرجفة ونزلت عليهم من الظلة صاعقة وهي الصيحة فأحرقتهم هذا إن قلنا إنّ مدين وأصحاب الأيكة هما أمة واحدة، وإلا فأصحاب الأيكة أُخذوا بعذاب الظلة وأصحاب مدين أُخذوا بالرجفة من تحتهم، والصيحة من فوفهم.
3 وفسّر القرطبي الغنى: بالمقام يقال: غنى القوم في دارهم أي: طال مقامهم، والمغني: المنزل والجمع المغاني، قال لبيد:
وغنيت ستَّا قبل مجرى داحسٍ ... لو كان للنفس اللجوج خلود
ومعنى غنيت: أقمت وهو الشاهد.
4 الاستفهام إنكاري وهو موجه في الظاهر إلى نفس شعيب، والمقصود نهي من معه من المؤمنين الناجين من العذاب برحمة الله تعالى نهيهم عن الحزن عن قومهم وأقاربهم كأنه لاحظ ذلك فيهم.

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
13-12-2021, 04:43 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الاعراف - (15)
الحلقة (426)
تفسير سورة الاعراف مكية
المجلد الثانى (صـــــــ 207الى صــــ 211)

وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94) ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (95)
شرح الكلمات:
في قرية: القرية: المدينة الجامعة لأعيان البلاد ورؤسائها وهي المدينة.
بالبأساء: بالشدة كالقحط والجوع والحروب.
والضراء: الحالة المضرة كالأمراض والغلاء وشدة المؤونة.
يضرعون: يدعون الله تعالى ويتضرعون إليه ليكشف عنهم السوء.
مكان السيئة الحسنة: أي بدل الغلاء الرخاء، وبدل الخوف الأمن، وبدل المرض الصحة.
حتى عفوا: كثرت خيراتهم ونمت أموالهم، وأصبحت حالهم كلها حسنة.
أخذناهم بغتة: أنزلنا بهم العقوبة فجأة.
معنى الآيتين:
على إثر بيان قصص خمسة أنبياء ذكر تعالى سنته في الأمم السابقة ليكون ذلك عظه لكفار قريش، وذكرى للمؤمنين فقال تعالى: {وما أرسلنا في قرية1} أي في أهل قرية والمراد بالقرية الحاضرة والعاصمة من كبريات المدن حيث الكبراء والرؤساء من نبي من الأنبياء والمرسلين فكذبوه قومه وردوا دعوته مصرين على الشرك والضلال إلا أخذ الله تعالى أهل تلك المدينة بألوان من العذاب التأديبي كالقحط والجوع وشظف العيش، والأمراض والحروب المعبر عنه بالبأساء والضراء. رجاء أن يرجعوا إلى الحق بعد النفور منه، وقبوله بعد الإعراض عنه ثم يغير تعالى ما بهم من بأساء وضراء إلى يسر ورخاء، وعافية وهناء فتكثر أموالهم وأولادهم ويعظم سلطانهم، ويقولون عندما يوعظون ويذكرون ليتوبوا فيؤمنوا ويتقوا: {قد مس آباءنا الضراء والسراء2} أي الخير والشر وما هناك ما تخوفوننا به إنما هي الأيام هكذا دول يوم عسر وآخر يسر وبذلك يحق عليهم العذاب فيأخذهم الجبار عز وجل فجأة 3 {وهم لا يشعرون} فيتم هلاكهم ويمسون حديث عبرة لمن بعدهم عذاب في الدنيا، وعذاب في الآخرة وعذاب الآخرة أشد وأبقى.
هداية الآيتين
من هداية الآيتين:
1- بيان سنة الله تعالى في الأمم السابقة.
2- تخويف كفار قريش بما دلت عليه هذه السنة من أخذ الله تعالى المصرين على الكفر المتمردين على الحق.
3- التذكير والوعظ بتاريخ الأمم السابقة المنبىء عن أسباب هلاكهم وخسرانهم ليتجنبها العقلاء، كما قال تعالى: {لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب} .
__________
1 في الجملة إضمار تقديره: وما أرسلنا في قرية من نبي فكذب أهلّها إلاّ أخذناهم وهو مبسوط في التفسير مبيّن غاية البيان والجملة معطوفة على جملة: {وإلى مدين آخاهم شعيباً} .
2 أي: فنحن مثلهم.
3 أي: بغتة ليكون أكثر حسرة.
******************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
13-12-2021, 04:43 AM
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99) أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (100)
شرح الكلمات:
آمنوا واتقوا: أي آمنوا بالله ورسوله ووعد الله ووعيده واتقوه تعالى بطاعته وعدم معصيته.
بركات من السماء والأرض: جمع بركة وهي دوام الخير وبقاؤه والعلم والإلهام والمطر من بركات السماء والنبات والخصب والرخاء والأمن والعافية من بركات الأرض.
يكسبون: من الشرك والمعاصي.
بياتاً: أي ليلاً وهم نائمون.
مكر الله: استدراجه تعالى لهم بإغداق النعم عليهم من صحة
الأبدان ورخاء العيش حتى إذا آمنوا مكره تعالى بهم أخذهم بغتة.
أولم يهد لهم: أي أولم يبين لهم بمعنى يتبين لهم.
بذنوبهم: أي بسبب ذنوبهم.
معنى الآيات:
بعدما بين تعالى سنته في الأمم السابقة، وهي أخذ الأمة بعد تكذيبها وعصيانها بالبأساء والضراء، ثم إذا هي لم تتب واستمرت على كفرها وعصيانها أغدق عليها الخيرات حتى عفت بكثرة ما لها وصلاح حالها أخذها بغتة فأهلكها، وتم خسرانها في الدارين، فتح تعالى باب التوبة والرجاء لعباده فقال: {ولو1 أن أهل القرى2} المكذبين ككفار مكة والطائف وغيرهما من المدن {آمنوا} أي بالله ورسوله وبلقاء الله ووعده ووعيده، {واتقوا} الله تعالى في الشرك وفي معصيته ومعصية رسوله لفتح عليهم أبواب السماء بالرحمات والبركات، وفتح عليهم كنوز الأرض ورزقهم من الطيبات ولكن أهل القرى الأولين كذبوا فأخذهم بالعذاب بما كانوا يكسبون، وأهل القرى اليوم وهم مكذبون فإما أن يعتبروا بما أصاب أهل القرى الأولين فيؤمنوا ويوحدوا ويطيعوا، وإما أن يصروا على الشرك والتكذيب فينزل بهم ما نزل بمن قبلهم من عذاب الإبادة والاستئصال، هذا ما دلت عليه الآية الأولى (96) وهي قوله تعالى {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات3 من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون} أما الآيات الثلاث بعدها فإن الله تعالى ينكر على أهل القرى غفلتهم موبخاً لهم على تماديهم وإصرارهم على الباطل معجباً من حالهم فيقول: {أفأمن4 أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاً وهم نائمون؟} أي أجهلوا ما نزل بمن قبلهم فأمنوا أن
يأتيهم عذابنا ليلاً وهم نائمون؟ {أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا} أي عذابنا {ضحى وهم يلعبون؟} أي أو غفل أهل القرى وأمنوا أن يأتيهم عذابنا ضحى وهم في أعمالهم التي لا تعود عليهم بخير كأنها لعب أطفال يلعبون بها {أفأمنوا مكر الله} ؟ أي أغرهم إمهالنا لهم واستدراجنا إياهم فأمنوا مكر الله؟ إنهم في ذلك خاسرون إذ لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون. وقوله تعالى في الآية الخامسة (100) {أو لم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون} أي عمى الذين يرثون الأرض من بعد أهلها ولم يتبين لهم بعد ولم يعلموا أنا لو نشاء أصبناهم بذنوبهم كما أصبنا الذين ورثوا ديارهم بذنوبهم {ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون} أي ونجعل على قلوبهم غشاوة حتى لا يعوا ما يقال لهم ولا يفهموا ما يراد بهم حتى يهلكوا كما هلك الذين من قبلهم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- عرض الرحمن تبارك وتعالى رحمته على عباده ولم يطلب منهم أكثر من الإيمان والتقوى.
2- حرّمة الغفلة ووجوب الذكر واليقظة.
3- حرمة الأمن من مكر الله تعالى.
4- إذا أمنت الأمة مكر الله تهيأت للخسران وحل بها لا محالة.
5- وجوب الاعتبار بما أصاب الأولين، وذلك بترك ما كان سبباً لهلاكهم.
__________
1 لو: حرف امتناع لا متناع، امتنع شرطها فامتنع جوابها، وشرطها هنا: الإيمان والتقوى وجوابها فتح البركات على أهل القرى.
2 يقال للمدينة: قرية لاجتماع الناس فيها مأخوذ من التقرّى الذي هو التجمع يقال: قريت الماء في الحوض: إذا جمعته، وسمي القرآن قرآنا لاجتماع الحروف والكلمات والجمل والآيات فيه.
3 البركات: جمع بركة، وهي الخير الدائم الصالح الذي لا تبعة فيه في الدنيا ولا في الآخرة. وتكون في العمر والمال وفي كل ما هو خير ونافع غير ضار للإنسان.
4 الاستفهام للإنكار والتعجب معاً، ومكر الله تعالى: إمهالهم وإغداق الخير عليهم مع شركهم وكفرهم، إذ المكر: أن يظهر المرء الإحسان لمن يمكر به ليأخذه فجأة. والأمن من مكر الله تعالى زيادة على أنه كبيرة من كبائر الذنوب فإنه يؤدي بالآمن إلى هلاكه دنياً وأخرى.

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
13-12-2021, 04:44 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الاعراف - (16)
الحلقة (427)
تفسير سورة الاعراف مكية
المجلد الثانى (صـــــــ 211الى صــــ 216)

تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ (101) وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ (102)

شرح الكلمات:
تلك القرى: الإشارة إلى قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب.
من أنبائها: أي من أخبارها.
بالبينات: بالحجج والبراهين الدالة عل توحيد الله وصدق رسله.
من قبل: أي من قبل خلقهم ووجودهم، إذ علم الله تعالى تكذيبهم عليهم في كتاب المقادير.
وما وجدنا لأكثرهم من عهد: أي لم نجد لأكثرهم وفاء بعهودهم التي أخذت عليهم يوم أخذ الميثاق.
معنى الآيتين:
يخاطب الرب تعالى1 رسوله محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائلاً {تلك القرى نقص عليك من أنبائها} أي من أخبارها مع أنبيائها كيف دعتهم رسلهم إلى الإيمان والتوحيد والطاعة، وكيف ردت تلك الأمم دعوة الله واستكبرت على عبادته، وكيف كان حكمنا فيهم لعل قومك يذكرون فيؤمنوا ويوحدوا. وقوله تعالى {ولقد جاءتهم رسلهم بالبنيات} أي بالحجج الواضحات على صدق دعوتهم، وما جاءتهم به رسلهم من أمر ونهي من ربهم. وقوله {فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من2 قبل} أي لم يكن أولئك الهالكون من أهل القرى ليؤمنوا بما كذبوا به في علم الله وقدره إذ علم الله أنهم لا يؤمنون فكتب ذلك عليهم فلذا هم لا يؤمنون. وقوله تعالى: {كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين} أي كما كتب على الهالكين من أهل القرى أنهم لا يؤمنون ولم يؤمنوا فعلاً فأهلكهم، يطبع كذلك على قلوب الكافرين فلا يؤمنون حتى يأخذهم العذاب وهم ظالمون بكفرهم. وهذا الحكم الإلهي قائم على مبدأ أن الله علم من كل إنسان قبل خلقه ما يرغب فيه وما يؤثره على غيره ويعمله باختياره وإرادته فكتب ذلك عليه فهو عند خروجه إلى الدنيا لا يعمل إلا به ليصل إلى ما كتب عليه، وقدر له أزلاً قبل خلق السموات والأرض، وقوله تعالى {وما وجدنا لأكثرهم من عهد3} أي لم نجد لتلك الأمم التي أهلكنا وهم قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب. لم نجد لأكثرهم وفاء بعهدهم الذي أخذناه عليهم قبل خلقهم من الإيمان بنا وعبادتنا وطاعتنا وطاعة رسلنا، وما وجدنا4 أكثرهم إلا فاسقين عن أمرنا خارجين عن طاعتنا وطاعة رسلنا، وكذلك أحللنا بهم نقمتنا وأنزلنا بهم عذابنا فأهلكناهم أجمعين.
هداية الآيتين
من هداية الآيتين:
1- تقرير الوحي الإلهي وإثبات نبوة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأنه ما قُصَّ من أنباء الأولين لا يُتَلَقَّى إلا بوحي إلهي ولا يتلقى عن الله تعالى إلا رسول أَعِدَّ لذلك.
2- وجود البينات مهما كانت قوية واضحة غير كاف في إيمان من لم يشأ الله هدايته.
3- المؤمن من آمن في الأزل، والكافر من كفر فيه.
4- الطبع على قلوب الكافرين سببه اختيارهم للكفر والشر والفساد وإصرارهم على ذلك كيفما كانت الحال.
__________
1 سرّ هذا الخطاب زيادة على التعليم لكمال الهداية فإنه تسلية للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مما يلاقى من صلف المشركين وعنادهم وجحودهم، وهو تسلية لكل مؤمن ومؤمنة يعاني من صلف المشركين وأذاهم.
2 اختلف في المضاف إليه المحذوف في قوله: {بما كذبوا من قبل} هل المراد: من قبل خروجهم للحياة الدنيا وهم في عالم الأرواح حيث أمروا بالإيمان فكذبَّوا فكتب الله عليهم ذلك فلن يكون إلا هو أو لو أحييناهم بعد إهلاكهم بذنوبهم لمّا آمنوا بما كذّبوا به فكان سبب هلاكهم، أو سألوا المعجزات ليؤمنوا فلمّا رأوها لم يؤمنوا بما كذّبوا من قبل رؤيتهم المعجزات، والراجح من هذه المقولات ما هو في التفسير إذ هو قول ابن جرير إمام المفسرين.
3 {من عهد} من زائدة لتقوية النفي والدلالة على الجنس أي: جنس العهد، والعهد من الجائز أن يكون ما أخذ عليهم في عالم الذرّ وهو صحيح قاله ابن عباس وأن يكون ما أخذ عليهم من قِبل الأنبياء أن يعبدوا الله وحده ويطيعوه ولا يعصوه.
4 الآية: {وإن وجدنا} وإن: بمعنى ما النافية فلذا اكتفينا في التفسير بما ولم نذكر إن اختصاراً وتقريباً للفهم.
****************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
13-12-2021, 04:44 AM
ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُواْ بِهَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (103) وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (104) حَقِيقٌ1 عَلَى أَن لاَّ أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُم بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (105) قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (106) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ (107) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ (108)
شرح الكلمات:
ثم بعثنا من بعدهم موسى: أي من بعد نوح وهود وصالح ولوط وشعيب.
موسى: هو موسى بن عمران من ذرية يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام.
بآياتنا: هي تسع آيات: العصا، واليد، والسنون المجدبة، والدم، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والطمس على أموال فرعون.
إلى فرعون: أي بعث موسى الرسول إلى فرعون وهو الوليد لق مصعب بن الريان، ملك مصر.
وملئه: أي أشراف قومه وأعيانهم من رؤساء وكبراء.
فظلموا بها: أي ظلموا أنفسهم بالآيات وما تحمله من هدى حيث كفروا بها.
بينة من ربكم: حجة قاطعة وبرهان ساطع على أني رسول الله إليكم.
ونزع يده: أخرجها بسرعة من جيبه.
معنى الآيات:
قوله تعالى {ثم بعثنا من بعدهم موسى} هذا شروع في ذكر القصص السادس مما اشتملت عليه سورة الأعراف، وهي قصص موسى عليه السلام مع فرعون وملئه. قال تعالى وهو يقص على نبيه ليثبت به فؤاده، ويقرر به نبوته، ويعظ أمته، ويذكر به قومه {ثم بعثنا من بعدهم} أي من بعد نوح وهود وصالح ولوط وشعيب موسى بن عمران إلى فرعون وملئه من رجالات ملكه ودولته، وقوله بآياتنا. هي تسع آيات لتكون حجة على صدق
رسالته وأحقية دعوته. وقوله تعالى {فظلموا2 بها} أي جحدوها ولم يعترفوا بها فكفروا بها وبذلك ظلموا أنفسهم بسبب كفرهم بها، واستمروا على كفرهم وفسادهم حتى أهلكهم الله تعالى بإغراقهم، ثم قال لرسوله {فانظر كيف كان عاقبة المفسدين} أي دماراً وهلاكاً وهى عاقبة كل مفسد في الأرض بالشرك والكفر والمعاصي. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (103) وأما الآيات بعدها فإنها في تفصيل أحداث هذا القصص العجيب. وأتى موسى فرعون وقال {يا فرعون3 إني رسول من رب العالمين، حقيق} أي جدير وخليق بي {أن لا أقول على الله إلا الحق، قد جئتكم ببينة من ربكم} دالة على صدقي شاهدة بصحة ما أقول {فأرسل4 معي بني إسرائيل} لأذهب بهم إلى أرض الشام التي كتب الله لهم وقد كانت دار آبائهم. وهنا تكلم فرعون وطالب موسى بالآية التي ذكر أنه جاء بها فقال {إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين} أي فيما تدعيه وتقول به وتدعوا إليه. وهنا ألقى موسى عصاه أي أمام فرعون المطالب بالآية {فإذا هي ثعبان مبين} أي حية عظيمة تهتز أمام فرعون وملئه كأنها جان5، هذه آية وزاده أخرى فأدخل يده في جيبه كما علمه ربه ونزعها {فإذا هي بيضاء للناظرين} بيضاء بياضاً غير معهود مثله في أيدي الناس. هذا ما تضمنته هذه الآيات الخمس في هذا السياق.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- بيان سوء عاقبة المفسدين بالشرك والمعاصي.
2- تذكير موسى فرعون بأسلوب لطيف بأنه ليس رباً بل هناك رب العالمين وهو الله رب موسى وهارون والناس أجمعين.
3- تقرير مبدأ الصدق لدى الرسل عليهم السلام.
4- ظهور آيتين لموسى العَصَا واليد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قرأ نافع: (حقيق عليّ) بياء الضمير المشدّدة وهي بمعنى: واجب علىّ خبر ثانٍ لأنّ في قوله: {إنّي رسول من ربِّ العالمين} وقرأ غيره (على) حرف جرّ أي: محقوق بأن لا أقول على الله إلاّ الحق، فحقيق: فعيل بمعنى مفعول كقتيل بمعنى مقتول.
2 {فظلموا بها} أي: ظلموا أنفسهم بالتكذيب بالآيات، وجائز أن يكون ظلموا بسببها غيرهم ممن منعوهم من الإيمان بها إذ هدّدوهم بالقتل وجائز أن يضمّن الظلم هنا معنى الكفر أي كفروا بها وهو صحيح المعنى.
3 فرعون: علم جنس لمن يملك مصر في القديم ككسرى: لكل من يملك فارساً وقيصر: لكل من يملك الروم ونمرود: لمن ملك الكنعانيين، والنجاشي: للأحباش، وتبع، لحمير ونداء موسى له بقوله يا فرعون: فيه نوع احترام، إذ ناداه بعنوان الملك والسلطان.
4 الفاء تفريعية أي: ما بعدها متفرّع عمّا قبلها.
5 الجانّ: هنا حية أكحل العينين تسكن البيوت لا تؤذى كثيرة التقلّب والاهتزاز.

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
13-12-2021, 04:46 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الاعراف - (17)
الحلقة (428)
تفسير سورة الاعراف مكية
المجلد الثانى (صـــــــ 216الى صــــ 219)

قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109) يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (110) قَالُواْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ (111) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (112)
شرح الكلمات
ساحر عليم: أي ذو علم بالسحر خبير به ليس مجرد مدّع.
من أرضكم: أي من بلادكم ليستولى عليها ويحكمكم.
فماذا تأمرون: أي أشيروا بما ترون الصواب في حل هذا المشكل.
أرجه: أي أمهله وأخاه لا تعجل عليهما قبل اتخاذ ما يلزم من الاحتياطات.
في المدائن: مدن المملكة الفرعونية.
حاشرين: رجالاً يجمعون السحرة الخبراء في فن السحر للمناظرة.
معنى الآيات:
ما زال السياق في تفصيل قصص موسى مع فرعون فبعد أن تقدم موسى بما طلب فرعون منه من الآية فأراه آية العصا، واليد، وشاهد الملأ من قوم فرعون الآيتين العظيمتين قالوا {إن هذا لساحر عليم} وذلك لما بهرتهم الآيتان تحول العصا إلى حية عظيمة واليد بيضاء من غير سوء كالبرص بل بياضها عجب1 حتى لكأنها فلقة قمر أي قطعة منه، واتهموا موسى فوراً بالسياسة وأنه يريد بهذا إخراجكم من بلادكم ليستولي عليها هو وقومه من بني إسرائيل، وهنا تكلم فرعون وقال: {فماذا تأمرون2} أي بم تشيرون عليّ أيها الملأ والحال كما ذكرتم؟ فأجابوه قائلين {أرجه3 وأخاه} أي أوقفهما عندك {وأرسل في المدائن حاشرين4}أي رجالاً من الشرط يحشرون أي يجمعون أهل الفن من السحرة من كافة أنحاء الإيالة أي الإقليم المصري، وأجر معه مناظرة فإذا انهزم انتهى أمره وأمنا من خطره على بلادنا وأوضاعنا. هذا ما دلت عليه الآيات الأربع في هذا السياق.
هداية الآيات
من هداية الآيات
1- جهل الملأ بالآيات أدى بهم إلى أن قالوا إن موسى ساحر عليم.
2- مكر الملأ وخبثهم إذ اتهموا موسى سياسياً بأنه يريد الملك وهو كذب بحت وإنما يريد إخراج بني إسرائيل من مصر حيث طال استعبادهم وامتهانهم من قبل الأقباط وهم أبناء الأنبياء وأحفاد إسرائيل واسحق وإبراهيم عليهم السلام.
3- فضيحة فرعون حيث نسي دعواه الربوبية، فاستشار الملأ في شأنه، إذ الرب الحق لا يستشير عباده فيما يريد فعله لأنه لا يجهل ما يحدث مستقبلاً.
__________
1 قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان ليد موسى نور ساطع يضيء ما بين السماء والأرض.
2 يرى بعضهم أنّ المستفهم غير فرعون، الصحيح أنه فرعون لانهزامه معنوياً.
3 قرأ ورش: {أرجه} بإشباع كسر الهاء، وقرأ الجمهور {أرجه} بإسكان الهاء، وقرأ بضّ بكسر الهاء بدون مدّ.
4 قيل هي صعيد مصر إذ هو مقرَّ العلماء بالسحر، والمدائن جمع مدينة وتجمع على مدن واصل اشتقاقها من مدن بالمكان إذا أقام به.
***********************
يتبع

ابوالوليد المسلم
13-12-2021, 04:47 AM
وَجَاء السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالْواْ إِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113) قَالَ نَعَمْ وَإَنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114) قَالُواْ يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115) قَالَ أَلْقُوْاْ فَلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116)
شرح الكلمات:
السحرة: جمع ساحر وهو من يتقن فن السحر ويؤثر في أعين الناس بسحره.
إن لنا لأجراً: أي ثواباً من عندك أي أجراً تعطيناه إن نحن غلبنا.
نحن الملقين: لعصيّنا.
سحروا أعين الناس: حيث صار النظارة في الميدان يشاهدون عصي السحر وحبالهم يشاهدونها حيات وثعابين تملأ الساحة.
واسترهبوهم: أي خلوا الرهب والرعب في قلوب الناس من قوة أثر السحر في عيونهم.
معنى الآيات:
ما زال السياق في الحوار الدائر بين موسى عليه السلام من جهة وبين فرعون وملئه من جهة أخرى، فقد جاء في الآيات السابقة أن الملأ أشاروا على فرعون بأن يحبس موسى وأخاه هارون ويرسل شرطة في المدن يأتون بالخبراء في فن السحر لمناظرة موسى عسى أن يغلبوه، وفعلاً أرسل فرعون في مدنه حاشرين يجمعون خبراء السحر، وها هم أولاء قد وصلوا قال تعالى {وجاء السحرة فرعون1} وعرفوا أن الموقف جد صعب على فرعون فطالبوه بالأجر العظيم إن هم غلبوا موسى وأخاه فوافق فرعون على طلبهم، وهو معنى قوله تعالى: {وجاء السحرة فرعون قالوا إن2 لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين؟ قال نعم} وزادهم أيضاً أن يجعلهم من خواصه ورجال قصره فقال {وإنكم لمن المقربين} أي لدينا. وهنا تقدموا لموسى وكأنهم على ثقة في قوتهم السحرية وأن الجولة ستكون لهم، تقدموا بإلقاء آلاتهم السحرية أو تقدم موسى عليهم فقالوا {يا موسى3 إما أن تلقي، وإما أن نكون نحن الملقين} أي ألق عصاك أو نلقي نحن عصينا فقال لهم موسى {ألقوا} 4 فألقوا فعلاً فسحروا أعين5 الناس وجاءوا بسحر عظيم كما أخبر تعالى الأمر الذي استرهب النظارة حتى إن موسى عليه السلام أوجس في نفسه خيفة فنهاه ربه تعالى عن ذلك وأعلمه أنه الغالب بإذن الله تعالى جاء هذا الخبر في سورة طه.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- مشروعية طلب الأجرة على العمل الذي يقوم به الإنسان خارجاً عن نطاق العبادة.
2- مشروعية الترقيات الحكومية لذي الخدمة الجُلى للدولة.
3- تأثير السحر على أعين الناس حقيقة بحيث يرون الشيء على خلاف ما هو عليه إذ العصي والحبال استحالت في أعين الناس إلى حيات وثعابين.
__________
1 لقد ذكر القرطبي في عدد السحرة أخباراً مثلها لا يصح، إذ جاء في بعضهم أن عددهم كان سبعين ألف ساحر، والأقرب إلى أن يكونوا سبعين رجلاً.
2 قرىء في السبع بهمزة الاستفهام {أئن لنا لأجراً} وقرىء بدونها {إنّ لنا لأجراً} .
3 قال القرطبي: تأدّبوا مع موسى إذ استشاروه فيمن يبدأ بالإلقاء فنفعهم الله بأدبهم مع نبيّه فأسلموا وسعدوا برضوان الله تعالى.
4 في إذنه لهم بالإلقاء توفيق ربّاني عظيم إذ معناه أنه احتفظ بالضربة الأخيرة وصاحبها يغلب بإذن الله دائماً.
5 أي: خيّلوا لهم وقلبوها عن صحة إدراكها بما يتخيل من التمويه الذي جرى مجرى الشعوذة وخفة اليد.

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
13-12-2021, 04:51 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الاعراف - (18)
الحلقة (429)
تفسير سورة الاعراف مكية
المجلد الثانى (صـــــــ 219الى صــــ 222)


وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَانقَلَبُواْ صَاغِرِينَ (119) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120) قَالُواْ آمَنَّا بِرِبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (122)
شرح الكلمات:
تلقف: تأخذ بسرعة فائقة وحذق عجيب.
ما يأفكون: ما يقلبون بسحرهم وتمويههم.
فوقع الحق: ثبت وظهر.
صاغرين: ذليلين.
ساجدين: ساقطين على وجوههم سجداً لربهم رب العالمين.
معنى الآيات:
ما زال السياق في المناظرة أو المباراة بين موسى عليه السلام وسحرة فرعون، فبعد أن ألقى السحرة حبالهم وعصيهم في الساحة وانقلبت بالتمويه السحري حيات وثعابين ورهب الناس من الموقف وظن فرعون وملأه أنهم غالبون أوحى الله تعالى إلى موسى أن يلقي عصاه فألقاها {فإذا هي تلقف1 ما يأفكون} أي تأخذه وتبتلعه وبذلك وقع الحق أي ظهر وثبت
واستقر {وبطل ما كانوا يعملون} أي السحر والتمويه وقوله تعالى {فغلبوا} أي فرعون وملأه وقومه {هنالك} أي في ساحة المباراة والمناظرة {وانقلبوا} إلى ديارهم {صاغرين} أي ذليلين مهزومين. وقوله تعالى {وألقي السحرة ساجدين} أي إنهم بعد أن شاهدوا الآية الكبرى بهرتهم فخروا ساجدين كأنما ألقاهم2 أحد على وجه الأرض لا حراك لهم وهم يقولون3 {آمنا برب العالمين رب موسى وهارون} وضمن ذلك فقد كفروا بربوبية فرعون الباطلة، لأن الإيمان بالله سيلزم الكفر بما عداه، ولذا قالوا {آمنا برب العالمين رب موسى وهارون} تلويحاً بكفرهم بفرعون الطاغية وبكل إله غير الله.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- بيان سنته تعالى في أن الحق والباطل إذا التقيا في أي ميدان فالغلبة للحق دائماً.
2- بطلان السحر وعدم فلاح أهله ولقوله تعالى من سورة طه {ولا يفلح الساحر حيث أتى} .
3- فضل العلم وأنه سبب الهداية فإيمان السحرة كان ثمرة العلم، إذ عرفوا أن ما جاء به موسى ليس سحراً وإنما هو آية له من الله فآمنوا.
4- مظهر من مظاهر القضاء والقدر فالسحرة أصبحوا كافرين وأمسوا مسلمين.
__________
1 قرىء (تَلْقَف) و (تلَقَّف) بتضعيف القاف، والأصل: تتلقف فحذف إحدى التاءين تخفيفاً، وقرىء في الشاذ: تلقّم بالميم بدل الفاء، ومعنى الكلّ تبتلع بسرعة وتزدرده، وصيغة المضارع في الفعلين لاستحضار الماضي كأنّه حاضر ليكون أوقع في النفس.
2 أي: ألقوا أنفسهم على الأرض، وبني الفعل للمجهول لظهور الفاعل وهو أنفسهم.
3 قالوا آمنّا بربّ العالمين حال هو يهم للسجود إعلاماً منهم إنهم ما سجدوا لفرعون كما يفعل الأقباط، وإنّما سجدوا لله رب العالمين ربِّ موسى وهارون.
************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
13-12-2021, 04:51 AM
قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124) قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (125) وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (126)

شرح الكلمات:
آمنتم به: أي صدقتموه فيما جاء به ودعا إليه.
مكر مكرتموه: أي حيلة احتلتموها وتواطأتم مع موسى على ذلك.
من خلاف: بأن يقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى أو العكس.
ثم لأصلبنكم: التصليب: الشد على خشبة حتى الموت.
منقلبون: أي راجعون.
وما تنقم منا: أي وما تكره منا وتنكر علينا إلا إيماننا بآيات ربنا لما جاءتنا.
أفرغ علينا صبراً: أي أفض علينا صبراً قوياً حتى نثبت على ما توعدنا فرعون من العذاب ولا نرتد بعد إيماننا.
معنى الآيات:
ما زال السياق في أحداث قصص موسى وفرعون ففي الآيات قبل هذه تمت المناظرة بين موسى والسحرة بنصر موسى عليه السلام وهزيمة فرعون النكراء حيث سحرته بعد ظهور الحق لهم واضحاً مكشوفاً آمنوا وأسلموا وسجدوا لله رب العالمين. وفي هذه الآيات يخبر تعالى عن محاكمة فرعون للسحرة فقال عز من قائل {قال فرعون} أي للسحرة {آمنتم1 به} أي بموسى {قبل أن آذن لكم} أي في الإيمان به، وهي عبارة فيها رائحة الهزيمة والحمق، وإلا فهل الإيمان يتأتي فيه الإذن وعدمه، الإيمان إذعان باطني لا علاقة له بالإذن إلا من الله تعالى، ثم قال لهم {إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها} أي إن هذا الذي قمتم به من ادعاء الغلب لموسى بعدما أظهرتم الحماس في بداية المباراة ما هو إلا مكرا وتدبير خفي تم بينكم وبين موسى في المدينة قبل الخروج إلى ساحة المباراة، والهدف منه إخراجكم الناس2 من المدينة واستيلائكم عليها. ثم تهددهم وتوعدهم بقوله {فسوف تعلمون} ما أنا صانع بكم. وذكر ما عزم عليه فقال مقسماً {لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف} يريد بقطع من كل واحد منهم يده اليمنى ورجله اليسرى، ثم يربطهم على أخشاب في ساحة معينة ليموتوا كذلك نكالاً وعبرة لغيرهم. هذا ما أعلنه فرعون وصرح به
للسحرة المؤمنين فما كان جواب السحرة {قالوا إنا إلى ربنا منقلبون} أي راجعون فقتلك إيانا لم يزد على أن قربنا من ربنا وردنا إليه ونحن في شوق إلى لقاء ربنا، وعليه فحكمك بقتلنا ما هو بضائرنا، وشيء آخر هو أنك {ما تنقم3 منا} يا فرعون أي ما تكره منا ولا تنكر علينا إجراماً أجرمناه أو فساداً في الأرض اشعناه إنما تنقم منا إيماننا بآيات ربنا لما جاءتنا وهذا شيء لا مذمة فيه علينا، ولا عاراً يلحقنا، فلذا {اقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا} ثم أقبلوا على الله ورفعوا أيديهم إليه وقالوا ضارعين سائلين {ربنا أفرغ علينا صبراً} حتى نتحمل العذاب في ذاتك {وتوفنا مسلمين4} ، ونفذ فرعون جريمته5 ولكن أحدث ذلك اضطراباً في البلاد ولم يكن فرعون ولا ملأه يتوقعون دل عليه الآيات التالية.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- القلوب المظلمة بالكفر ولجرائم أصحابها لا يتورعون عن الكذب واتهام الأبرياء.
2- فضيلة الاسترجاع أن يقول {إنا لله وإنا إليه راجعون} حيث فزع إليها السحرة لما هددهم فرعون إذ قالوا {إنا إلا ربنا منقلبون} أي راجعون فهان عديهم ما تهددوا به.
3- مشروعية سؤال الصبر على البلاء للثبات على الإيمان.
4- فضل الوفاة على الإسلام وأنه مطلب عال لأهل الإيمان.
__________
1 الاستفهام هنا للإنكار والتهديد أي: ينكر على السحرة إيمانهم ويهددهم بالبطش بهم والتنكيل.
2 قد يكون المراد بعض الناس وهم بنو إسرائيل إذ موسى جاء يطالب بهم ليخرج بهم إلى أرض القدس.
3 يقال: نقَم ينقم من باب ضرب، نقْما ونقَما على أنه من باب تعِب تعبا إذا أنكر الفعل وكره صدوره وحقد على فاعله، ويكون بالقول والفعل.
4 كلمة الإسلام معروفة في كل زمان ومكان بين المؤمنين ويعبر عنها كل قوم بلغتهم إذ معناها الانقياد لله مع حبّه تعالى وتعظيمه والشوق إليه.
5 لم يرد في القرآن ما يدل على أنّ فرعون نفّد وعيده في السحرة أو لم ينفذه، وعدم ذكر القرآن له لأنه خالٍ من الفائدة، وذكر القرطبي بصيغة التمريض فقال: قيل إنّ فرعون أخذ السحر وقطعهم على شاطىء النهر وأنّه آمن بموسى عند إيمان السحرة ستمائة ألف والله أعلم.
??

ابوالوليد المسلم
13-12-2021, 04:53 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الاعراف - (19)
الحلقة (430)
تفسير سورة الاعراف مكية
المجلد الثانى (صـــــــ 223الى صــــ 228)

وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127) قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129)
شرح الكلمات:
قال الملأ: أي لفرعون.
أتذر: أي أتترك.
وقومه: أي بني إسرائيل.
ليفسدوا في الأرض: أي في البلاد بالدعوة إلى مخالفتك، وترك طاعتك.
وآلهتك: أصناماً صغاراً وضعها ليعبدها الناس وقال أنا ربكم الأعلى وربها.
نستحيي نساءهم: نبقي على نسائهم لا تذبحهن كما تذبح الأطفال الذكور.
ويستخلفكم في الأرض: أي يجعلكم خلفاء فيها تخلفون الظالمين بعد هلاكهم.
معنى الآيات:
ما زال السياق في أحداث قصص موسى وفرعون أنه بعد انتصار موسى في المباراة وإيمان السحرة ظهر أمر موسى واتبعه ستمائة ألف من بني إسرائيل، وخاف قوم فرعون من إيمان الناس بموسى ولما جاء به من الحق قالوا لفرعون على وجه التحريض والتحريك له {أتذر موسى وقومه} يريدون بني إسرائيل {ليفسدوا في الأرض} أي أرض مصر بإفساد خدمك1 أو عبيدك {ويذرك وآلهتك2} أي ويتركك فلا يخدمك ولا يطيعك ويترك آلهتك فلا
يعبدها إذ كان لفرعون أصنام يدعو الناس لعبادتها لتقربهم إليه وهو الرب الأعلى للكل.
وبعد هذا التحريش والإغراء من رجال فرعون ليبطش بموسى وقومه قال فرعون {سنقتل3 أبناءهم ونستحيي نساءهم} كما كان يفعل قبل عندما أخبر بأن سقوط ملكه سيكون على يد بني إسرائيل {وإنا فوقهم قاهرون} هذه الكلمة من فرعون في هذا الظرف بالذات لا تعد وأن تكون تعويضاً عما فقد من جبروت ورهبوت كان له قبل هزيمته في المباراة وإيمان السحرة برب العالمين رب موسى وهارون. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (127) وهي قوله تعالى {وقال الملأ من قوم فرعون: أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض، ويذرك وآلهتك. قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم، وإنا فوقهم قاهرون} وكان رد موسى عليه السلام على هذا التهديد والوعيد الذي أرعب بني إسرائيل وأخافهم ما جاء في الآية الثانية (128) {وقال موسى لقومه} أي من بني إسرائيل {استعينوا بالله} على ما قد ينالكم من ظلم فرعون، وما قد يصيبكم من أذى انتقاماً لما فقد من علوه وكبريائه {واصبروا} على ذلك، واعلموا {ان الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين} فمتى صبرتم على ما يصيبكم فلم تجزعوا فترتدوا، واتقيتم الله ربكم فلم تتركوا طاعته وطاعة رسوله أهلك عدوكم وأورثكم أرضه ودياره، وسبحان الله هذا الذي ذكره موسى لبني إسرائيل قد تم حرفياً بعد فترة صبر فيها بنو إسرائيل واتقوا كما سيأتي في هذا السياق بعد كذا آية، وهنا قال بنو إسرائيل ما تضمنته الآية الأخيرة (129) {قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا} بما أتيتنا به من الدين والآيات، وذلك عندما كان فرعون يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم للخدمة {ومن بعدما جئتنا} وهذه منهم كلمة الآيس المهزوم نفسياً لطول ما عانوا من الاضطهاد والعذاب من فرعون وقومه الأقباط. فأجابهم موسى عليه السلام قائلاً: محيياً الأمل في نفوسهم وإيصالهم بقوة الله التي لا تقهر {عسى4 ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف5 تعملون} وهذا الذي رجاه موسى ورجاه بني إسرائيل قد تم كاملاً بلا نقصان والحمد لله الكريم المنان.
هداية الآيات.
من هداية الآيات:
1-خطر بطانة السوء على الملوك والرؤساء تجلت في إثارة فرعون ودفعه إلى البطش بقولهم {أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ... الخ} .
2- بيان فضيلة الصبر والتقوى وأنها مفتاح النصر وإكسير الكمال البشري.
3- النفوس المريضة علاجها عسير ولكن بالصبر والمثابرة تشفى إن شاء الله تعالى.
4- بيان صدق ما رجاه موسى من ربه حيث تحقق بحذافيره.
5- استحسان رفع معنويات المؤمنين بذكر حسن العاقبة والتبشير بوعد الله لأوليائه أهل الإيمان والتقوى.
__________
1 وإيقاع الفرقة وتشتيت الشمل أيضاً.
2 وقرىء {وإلهتك} أي: عبادتك وعلى هذا فإنه كان يَعْبُد ولا يُعبد والوجه الأوّل أظهر.
3 آنس قومه بهذه الجملة من الكلام وأذهب عنهم روح الهزيمة، ولم يقل سنقتل موسى لعلمه أنه لا يقدر عليه ولما أصابه من الرّعب منه حتى قيل: إنه كان إذا رآه يبول من شدّة الخوف منه وهي آية موسى عليه السلام.
4 عسى من الله واجب أي ليست للرجاء فقط بل ما يذكر جمعها يقع لا بدّ ولا يتخلّف، ولذا قد تحقق ما ذكر معها هنا كاملاً لا نقص فيه.
5 كيف: ليست للاستفهام هنا وإنّما هي دالة على مجرّد كيفية أعمالهم هل هي أعمال صالحة أو فاسدة أي: هل يشكرون؟
*******************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
13-12-2021, 04:54 AM
وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130) فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (131) وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (133)
شرح الكلمات:
أخذنا آل فرعون بالسنين1: أي عاقبناهم بِسِنِيى الجدب والقحط.
ونقص من الثمرات.: بالحوائج تصيبها، وبعدم صلاحيتها.
الحسنة: ما يحسن من خصب ورخاء وكثرة رزق وعافية.
سيئة: ضد الحسنة وهي الجدب والغلاء والمرض.
يطيروا بموسى2: أن يتشاءمون بموسى وقومه.
الطوفان والجراد والقمل والضفادع: الطوفان الفيضانات المغرقة، والجراد معروف بأكل الزرع والثمار، والقمل جائز أن يكون القمل المعروف وجائز أن يكون السوس في الحبوب، والضفادع جمع ضفدعة. حيوان يوجد في المياه والمستنقعات.
والدم: والدم معروف قد يكون دم رعاف أو نزيف، أو تحول الماء ماء الشرب إلى دم عبيط في أوانيهم وأفواههم آية لموسى عليه السلام.
فاستكبروا وكانوا قوماً مجرمين: حيث لم يؤمنوا بهذه الآيات. أي مفسدين حيث حكم بإهلاكهم.
معنى الآيات:
ما زال السياق في قصص موسى مع آل فرعون انه لما شاهد فرعون وآله آية العصا وانهزام السحر أمامهم وإيمان السحرة حملهم الكبر على مواصلة الكفر والعناد فأصابهم الرب تعالى بجفاف وقحط سنوات لعلهم يذكرون، ولم يذكروا فحول الله تعالى جدبهم إلى خصب، وبلاءهم إلى عافية فلم يرجعوا وقالوا في الرخاء هذه لنا نحن مستحقوها وجديرون بها، وقالوا في القحط والبلاء قالوا هذه من شؤم موسى وبنى إسرائيل، قال تعالى {ألا أنما طائرهم عند الله} وذلك لأنه مدبر الأمر وخالق كل شيء وجاعل للحسنة أسبابها وللسيئة أسبابها ولكن أكثرهم لا يعلمون فلذلك قالوا اطيرنا بموسى ومن معه وأصروا على الكفر ولجوا في المكابرة والعناد حتى قالوا لموسى {مهما3 تأتنا به من آية
لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين} ولو علموا ما أصروا على الكفر ولما قالوا ما قالوا فأسباب الحسنة الإيمان والتقوى، وأسباب السيئة الكفر والمعاصي، إذ المراد بالحسنة والسيئة هنا: الخير والشر. وهنا وبعد هذا الإصرار والعناد والمكابرة رفع موسى يديه إلى ربه يدعوه فقال: يا رب إن عبدك فرعون علا في الأرض وبغا وعتا، وأن قومه قد نقضوا العهد فخذهم بعقوبة تجعلها عليهم نقمة، ولقومي عظة، ولمن بعدهم آية، فاستجاب الله تعالى دعاءه فأرسل عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع4 والدم فأخذهم الطوفان أولاً فكادوا يهلكون بالغرق فجاءوا موسى وطلبوا منه أن يدعو ربه ليرفع عنهم هذا العذاب فإن رفعه عنهم آمنوا وأرسلوا معه بني إسرائيل فدعا ربه واستجاب الله تعالى فأخذوا شهراً في عافية فطلب منهم موسى ما وعدوه به فتنكروا لوعدهم وأصروا على كفرهم فأرسل الله تعالى عليهم الجراد5 فأكل زروعهم وأشجارهم وثمارهم حتى ضجوا وصاحوا وأتوا موسى وأعطوه وعودهم إن رفع الله عنهم هذا العذاب آمنوا وأرسلوا معه بني إسرائيل فرفع الله عنهم ذلك فلبثوا مدة آمنين من هذه العاهة وطالبهم موسى بوعدهم فتنكروا له، وهكذا حتى تمت الآيات الخمس مفصلات ما بين كل آية وأخرى مدة تقصر وتطول فاستكبروا عن الإيمان والطاعة وكانوا قوماً مجرمين مفسدين لا خير فيهم ولا عهد لهم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- من تدبير الله تعالى أخذه عباده بالشدائد لعلهم يذكرون فيتعظون ويتوبون.
2- بطلان التطير مطلقاً، وإنما الشؤم في المعاصي بمخالفة شرع الله فيترتب على الفسق والعصيان البلاء والعذاب.
3- الجهل سبب الكفر والمعاصي وسوء الأخلاق وفساد الأحوال.
4- عدم إيمان آل فرعون مع توارد الآيات عليهم دال على أن إيمانهم لم يسبق به القدر. كما هو دال على أن الآيات المعجزات لا تستلزم الإيمان بالضرورة.
5- التنديد بالإجرام وهو إفساد النفس بالشرك والمعاصي.
__________
1 يقال: أصابتهم سنة أي: جدب وتقديره: جدب سنة وفي الحديث: "اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف" دعاء على قريش.
2 أصل الكلمة: يتطيّروا فأدغمت التاء في الطاء لأنّ مخرجهما واحد، والطير والتطير مأخوذ من زجر الطير. إذ كانوا إذا أرادوا عملا ما سفراً ونحوه يزجرون الطير فإن تيامن في طيرانه أقدموا على العمل، وإن تشاءم تركوا فهذا أصل اليمن والشؤم كان في الجاهلية وأبطله الإسلام. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الطيرة شرك ثلاثاً" وما منا إلا، ولكن الله يذهبه بالتوكل وعلمهم أن يقولوا: "اللهم لا طير إلاّ طيرك ولا خير إلا خيرك ولا إله غيرك".
3 أصل مهما: ما. ما الأولى شرطية والثانية زائدة توكيداً للجزاء فكرهوا حرفين من جنس واحد متجاورين فأبدلوا الألف هاء ففصلت بين الميمين.
4 صح النهي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "عن قتل الصُّرد والضفدع والنملة والهدهد" من رواية أبي داود وأحمد وابن ماجه.
5 اختلف في قتل الجراد، وأجمعوا أنه إذا أفسد جاز قتله. وأجمعوا على جواز أكله بأكل الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منه هو وأصحابه في بعض الغزوات.

ابوالوليد المسلم
05-01-2022, 04:55 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الاعراف - (20)
الحلقة (431)
تفسير سورة الاعراف مكية
المجلد الثانى (صـــــــ 229الى صــــ 233)


وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُواْ يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ (134) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ (135) فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ (136) وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ (137)
شرح الكلمات:
الرجز: العذاب وهو الخمسة المذكورة في آية (133) الآنفة الذكر.
إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون: المراد من الأجل أنهم كانوا إذا سألوا موسى أن يدعو ربه ليرفع عنهم العذاب ويعدونه بالإيمان وإرسال بني إسرائيل معه فيرفع الله عنهم العذاب فيمكثون زمنا ثم يطالبهم موسى بالإيمان وإرسال بني إسرائيل فيأبون عليه ذلك وينكثون عهدهم.
فانتقمنا منهم: أي أنزلنا بهم نقمتنا فأغرقناهم في اليم الذي هو البحر.
الذين كانوا يستضعفون.: هم بنو إسرائيل.
مشارق الأرض ومغاربها: هي أرض مصر والشام.
وتمت كلمة ربك الحسنى: هي وعده تعالى لهم في قوله {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين} من سورة القصص.
وما كانوا يعرشون1: أي يرفعون من مباني الدور والقصور العالية.
معنى الآيات:
ما زال السياق في قصص موسى مع فرعون وقومه، وهذه هي الآيات الأخيرة في هذا القصص إنه لما وقع عليهم الرجز وهو العذاب المفصل2 الطوفان فالجراد، فالقمل، فالضفادع، فالدم {قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك} 3 أي من كشف العذاب عنا إن نحن آمنا بك وبما جئت به وبما تطالب به من إرسال بني إسرائيل معك وحلفوا وقالوا {لئن كشفت عنا الرجز} {لنؤمن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل} قال تعالى: {فلما كشف عنهم الرجز} أي العذاب {إلى أجل هم بالغوه} إلى وقت ينتهون إليه {إذ هم ينكثون4} عهودهم ولم يؤمنوا ولم يرسلوا بني إسرائيل وكان هذا ما بين كل آية وآية حتى كانت الخمس الآيات، ودقت ساعة هلاكهم قال تعالى {فأغرقناهم في اليم} وهو البحر الملح أي أغرق فرعون وجنده ورجال دولته وأشراف بلاده، ثم ذكر تعالى علة هذا الهلاك الذي حاق بهم ليكون عبرة لغيرهم وخاصة قريش التي ما زالت مصرة على الشرك والتكذيب، فقال تعالى {بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين} كما هي الحال في
قريش ومشركي العرب وكفارهم. وختم تعالى هذا القصص قصص موسى مع فرعون بقوله {وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون} وهم بنو إسرائيل حيث استعبدهم فرعون الظالم وآله زمناً غير قصير {مشارق الأرض ومغاربها5} وهي أرض مصر والشام إذ الكل مما بارك الله تعالى فيه إلا أن أرض الشام أولاً ثم أرض مصر ثانياً، إذ دخل بنو إسرائيل أرض فلسطين بعد وفاة موسى وهارون حيث غزا بهم يوشع بن نون العمالقة في أرض فلسطين وفتح البلاد وسكنها بنو إسرائيل وقوله تعالى {وتمت كلمة ربك الحسني على بنى إسرائيل بما صبروا} والمراد من كلمة الله قوله في سورة القصص {ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين، ونمكن لهم في الأرض، ونرى فرعون وهامان وجنودهما ما كانوا يحذرون} وقوله تعالى {ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه} من سلاح وعتاد ومبان شداد، وقصور رفيعة البنيان، {وما كانوا يعرشون} ويرفعون ويعلون من صروح عالية، وحدائق أعناب زاهية زاهرة وأورث أرضهم وديارهم وأموالهم قوماً آخرين غيرهم، والله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. إلى هنا انتهى قصص موسى عليه السلام مع فرعون وملائه وكانت العاقبة له والحمد لله.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- ضعف الإنسان يظهر عند نزول البلاء به حيث يفزع إلى الله تعالى يدعوه ويضرع إليه وعند رفعه حيث ينسى ما نزل به ويعود إلى عاداته وما كان عليه من الشرك والمعاصي إلا من آمن وعمل صالحاً فأنه يخرج من دائرة الضعف حيث يصبر عند البلاء ويشكر عند النعماء.
2- سبب العذاب في الدنيا والآخرة التكذيب بآيات الله بعدم الإيمان والعمل بها، والغفلة عنها حيث لا يتدبّر ولا يفكر فيها وفي ما نزلت لأجله.
3- مظاهر قدرة الله، وصادق وعده، وعظيم منته على خلقه، وحسن تدبيره فيهم فسبحانه من إله عليم حكيم رؤوف رحيم.
__________
1 {ما عهد عندك} الباء لتعدية فعل الدعاء، وما موصولة مبهم أي: ادعه بما علمك ربك من وسائل إجابة دعائك عنده ليكشف عنا الرّجز.
2 أصل النكث: هو نقض المقول من حبل وغزل واستعير لعدم الوفاء بالعهد.
3 شبّه البناء العالي الرفيع بالعرش يقال: عرش يعرش عرشا: إذا رفع البناء أو السرير والعنب والدوالي يعرش لها بناء من خشب ليرفعها عليه.
4 وقيل إنه طاعون قتل منهم سبعين ألف نسمة إذ لفظ الرجز دالّ على مرض الطاعون لقوله تعالى: {فأنزلنا على الذين ظلموا رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون} .
5 كما يصدق هذا على أرض الشام إذلها مشارق ومغارب، ومن بينها الأرض المقدّسة أرض فلسطين يصدق أيضاً على أرض مصر وغيرها إذ مملكة بني إسرائيل على عهد سليمان كانت قد انتظمت المعمورة كلّها.
**************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
05-01-2022, 04:55 AM
وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَامُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138) إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (139) قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (140) وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (141)
شرح الكلمات:
وجاوزنا ببني إسرائيل البحر: أي قطعنا بهم فاجتازوه إلى ساحله.
يعكفون على أصنام لهم: يجلسون إلى تماثيل بقر منحوتة من حجر.
اجعل لنا إلهاً: أي معبوداً يريدون تمثالاً كالذي شاهدوا.
تجهلون: أي أنَّ العبادة لا تكون إلا لله تعالى.
متبرما هم فيه: هالك خاسر لا يكسبهم خيراً ولا يدفع عنهم شراً.
وإذ نجيناكم: أي واذكروا نعم الله عليكم بإنجائه إياكم من آل فرعون.
يسومونكم سوء العذاب: يوردونكم موارد الردى والهلاك بما يصيبونكم به من عذاب.
بلاء من ربكم: أي اختبار وامتحان قاسٍ شديد.
معنى الآيات:
هذا بداية قصص جديد لنبي الله تعالى موسى مع قومه من بني إسرائيل إنه بعد هلاك فرعون وجنوده في اليم، انتهى الكلام على دعوة موسى لفرعون وملئه، وبذلك استقبل موسى وأخوه هارون مشاكل جديدة مع قومهما أنه بعد أن جاوز تعالى ببني إسرائيل البحر
ونزلوا على شاطئه سالمين مرّوا بأناس يعكفون1 على تماثيل لهم وهي عبارة عن أبقار حجرية منحوتة نحتاً يعبدونها وهم عاكفون عليها وما إن رأى بنو إسرائيل هؤلاء العاكفين على الأصنام حتى قالوا لموسى يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهؤلاء آلهة، وهي كلمة دالة على جهلٍ بالله تعالى وآياته، فما كان من موسى عليه السلام حتى جابههم بقوله: {إنكم قوم تجهلون} وواصل تأنيبه لهم وإنكاره الشديد عليهم فقال {إن هؤلاء} أي العاكفين على الأصنام والذين غرتكم حالهم {متبر2 ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون} أي إنهم وما هم عليه من حال في هلاك وخسار، ثم قال لهم منكراً متعجباً {أغير الله أبغيكم إلهاً} أي غير ربي عز وجل أطلب لكم إلهاً تعبدونه دون الله ما لكم أين يذهب بعقولكم، وهو سبحانه وتعالى فضلكم على العالمين وشرفكم على سائر سكان المعمورة3 أهكذا يكون شكركم له بطلب إلى غيره، وهل هناك من يستحق العبادة غيره؟ وقوله تعالى في الآية الأخيرة (141) {وإذ أنجيناكم4 من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب} أي واذكروا يا من قلتم اجعل لنا إلهاً كما للمشركين آلهة اذكروا فضل الله عليكم بإنجائه إياكم من فرعون وآله وهم الذين كانوا على منهجه في الظلم والكفر من رجال حكمه وأفراد شرطه وجيوشه {يسومونكم سوء العذاب: يقتلون أبناءكم} حتى لا تكثروا، {ويستحيون نساءكم} للامتهان والخدمة، وفي هذا التعذيب والإنجاء منه {بلاء من ربكم عظيم} يتطلب شكركم لا كفركم، فكيف تريدون أن تعبدوا غيره، وتشركوا به أصناماً لا تنفع ولا تضر، إن أمركم لجد مستغرب وعجب فاتقوا الله وتوبوا إليه.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- طلب بني إسرائيل من موسى عليه السلام أن يجعل لهم إلهاً يعبدونه دال على جهل تام في بني إسرائيل ولذا قال لهم موسى {إنكم قوم تجهلون} فالعلة في هذا الطلب العجيب هي الجهل بالله تعالى وأسمائه وصفاته، يشهد لهذا أن مسلمة الفتح لما خرج بهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى حنين مروا بسدرة قالوا للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجعلها لنا ذات أنواط ننيط بها أسلحتنا، كما للمشركين نظيرها ينيطون بها أسلحتهم لينتصروا في القتال على أعدائهم فعجب الرسول من قولهم وقال "سبحان الله ما زدتم أن قلتم كما قال بنو إسرائيل لموسى: اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة" فجهل القائلين هو الذي سهل عليهم أن يقولوا مثل هذا القول، ويشهد لذلك أن آلاف الأشجار والمزارات في بلاد المسلمين تزار ويتبرك بها وتقدم لها القرابين ولا علة لذلك سوى جهل المسلمين بربهم عز وجل.
2- إنكار المنكر عند وجوده والعثور عليه بالأسلوب الذي يغيره.
3- استحباب التذكير بأيام الله خيرها وشرها لاستجلاب الموعظة للناس لعلهم يتوبون.
4- الرب تعالى يبتلى بالخير والغير، وفي كل ذلك خير لمن صبر وشكر.
__________
1 قرىء {يعكُفون} بكسر الكاف وضمها سبعيتان، والعكوف: الإقامة على الشيء وملازمته، ومنه العكوف في المساجد وهو الإقامة بها وملازمتها مدّه للعبادة.
2 متبّر: مهلك، والتبار: الهلاك، وكل إناء منكسر فهو متبّر.
3 هذا التفضيل خاص بزمانهم الذي كانوا فيه مع أنبيائهم وهم صالحون.
4 بعد أن أنكر عليهم طلبهم إلهاً غير الله في قوله {أغير الله أبغيكم إلهاً} ذكرهم بنعمة الله عليهم وهي: إنجاؤهم من آل فرعون فهل يليق بمن ينعم الله عليه بنعمة عظيمة أن ينساه ويطلب إلهاً غيره يعبده بدله أو معه؟

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
05-01-2022, 04:56 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الاعراف - (21)
الحلقة (432)
تفسير سورة الاعراف مكية
المجلد الثانى (صـــــــ 234الى صــــ 238)

وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142) وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143) قَالَ يَامُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (144) وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145)
شرح الكلمات:
ميقات: الميقات الوقت المعين.
أخلفني في قومي: أي كن خليفتي فيهم.
المفسدين: الذين يعملون بالمعاصي.
استقر مكانه: ثبت ولم يتحول.
خرّ: سقط على الأرض.
أفاق: ذهب عنه الإغماء وعاد إليه1 وعيه.
اصطفيتك: أخترتك.
معنى الآيات:
ما زال السياق في ذكر أحداث موسى مع بني إسرائيل انه لما نجى الله تعالى بني إسرائيل من فرعون وملئه، وحدثت حادثة طلب بني إسرائيل من موسى أن يجعل لهم إلهاً كما للمشركين إلهاً وقد أنبأهم موسى وأدبهم عن قولهم الباطل واعد الله تعالى موسى أن يناجيه بجبل الطور وجعل له الموعد الذي يلقاه فيه شهراً ثلاثين يوماً وكانت شهر القعدة وزادها عشراً من أول الحجة فتم الميقات أربعين2 ليلة. وعند خروجه عليه السلام استخلف في بني إسرائيل أخاه هارون3 وأوصاه بالإصلاح، ونهاه عن إتباع آراء المفسدين هذا معنى قوله تعالى {وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين} وكان
ذلك من أجل أن يأتي بني إسرائيل بكتاب من ربهم يتضمن شريعة كاملة يساسون بها وتحكمهم ليكملوا وشحعدوا عليها.
وقوله تعالى {ولما جاء موسى لميقاتنا4} أي في الموعد الذي واعدنا والوقت الذي حددنا وكلمه ربه بلا واسطة بينهما بل كان يسمع كلامه ولا يرى ذاته، تاقت نفس موسى لرؤية ربه تعالى، فطلب ذلك فقال {رب أرني أنظر إليك} فأجابه ربه تعالى بقوله إنك لن تراني أي رؤيتك لي غير ممكنة لك، ولكن إذا أردت أن تتأكد من أن رؤيتك لي في هذه الحياة غير ممكنة فانظر إلى الجبل "جبل الطور"فإن استقر مكانه بعد أن أتجلى له، فسوف لراني {فلما تجلى5 للجبل جعله دكا وخر موسى} عند رؤية الجبل {صعقا} أي مغشيا عليه {فلما أفاق} مما اعتراه من الصعق {قال سبحانك} أي تنزيهاً لك وتقديساً {تبت إليك6} فلم أسألك بعد مثل هذا السؤال {وأنا أول المؤمنين} بك وبجلالك وعظيم سلطانك وأنا عبدك عاجز عن رؤيتك في هذه الدار دار التكليف والعمل.
وهنا أجابه ربه تعالى قائلا {يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك} من هذا الكمال7 والخير العظيم {وكن من الشاكرين} أي على إنعامي لأزيدك وذلك بطاعتي والتقرب إلى بفعل محابي وترك مكارهي. وقوله تعالى {وكتبنا له في الألواح8 من كل شيء موعظة وتفصيلاً لكل شيء} أي كتبت له في ألواحه من كل شيء
من أمور الدين والدنيا موعظة لقومه من أمر ونهي وترغيب وترهيب، وتفصيلاً لكل شيء يحتاجون إلى بيانه وتفصيله. وقوله {فخذها بقوة} أي وقلنا له خذها بقوة أي بعزم وجد وذلك بالعمل بحلالها وحرامها فعلاً وتركاً، {وأمر قومك} أيضاً {يأخذوا بأحسنها} أي بما هو عزائم فيها وليس برخص تربية لهم وتعويداً لهم على تحمل العظائم لما لازمهم من الضعف والخور دهراً طويلاً. وقوله تعالى {سأريكم دار الفاسقين9} يتضمن النهي لبني إسرائيل عن ترك ما جاء في الألواح من الشرائع والأحكام فإنهم متى تركوا ذلك أو شيئاً منه يعتبرون فاسقين، وللفاسقين نار جهنم هي جزاؤهم يوم يلقون ربهم، وسيريهم إياها، فهذه الجملة تحمل غاية الوعيد والتهديد للذين يفسقون عن شرائع الله تعالى بإهمالها وعدم العمل بها، فليحذر المؤمنون هذا فإنه أمر عظيم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- المحافظة على المواعيد أمر محبوب للشارع مرغب فيه وهو من سمات الصادقين.
2- جواز الاستخلاف في الأرض في مهام الأمور فضلاً عما هو دون ذلك.
3- مشروعية الوصية للخلفاء بما هو خير.
4- امكان رؤية الله تعالى وهي ثابتة في الآخرة لأهل الجنة.
5- استحالة رؤية الله تعالى في الدنيا لضعف الإنسان على ذلك.
6- وجود الأمة القابلة لأحكام الله قبل وجود الشرع الذي يحكمها.
__________
1 في الحديث الصحيح أنّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تخيروا بين الأنبياء فإنَّ الناس يصعقون يوم القيامة فأرفع رأسي فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أصعق فيمن صعق فأفاق قبلي أو جوزي بصعقة الطور".
2 ذكر ابن عباس ومجاهد ومسروق في سبب زيادة العشرة أيام: أن موسى لمّا أكمل صيام الثلاثين يوماً أنكر خلوف فمه فاستاك. فقالت له الملائكة: "إنّا كّنا نستنشق من فيك رائحة المسك فأفسدته بالسواك فزيد فيه عشر ليال فتم له بذلك أربعون يوماً. في الحديث الصحيح " خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك".
3 في الآية دليل على استخلاف المرء أخاه لينوب عنه في حفظ ورعاية ما كلّفه به، ومن العجب أن الروافض استدلوا بقول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعلي وقد استخلفه في إحدى غزواته "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي" إنّ الأصحاب كفروا لتركهم النّص في خلافة علي واجتهدوا واستخلفوا أبا بكر، ومنهم من كفّر علياً لأنه لم يطالب بالخلافة وما دروا أنّ الرسول استخلف غير واحد ومنهم ابن أمّ مكتوم فهل دلّ ذلك على استخلافه على أمته بعد موته؟ فما أضل القوم وأعظم جهلهم!
4 في الآية دليل على مشروعية الموادعة والتوقيت وأن التاريخ يكون باللّيالي لا بالأيام، قال ابن العربي: حساب الشمس للمنافع وحساب القمر للمناسك.
5تجلّى معناه ظهر، واندكاك الجبل على قوة بنيته وعظيم جسمه كان لعجزه عن رؤية الربّ تبارك وتعالى وهذا كقوله تعالى: {ولو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله} .
6 الإجماع على أنّ توبة موسى هذه لم تكن من ذنب وإنما هي بمعنى الإنابة إلى الله تعالى وعدم طلب مثل هذا الذي طلب.
7 فيه الدعوة إلى القناعة وهي خير ما يؤتى المرء في الحياة.
8 اختلف في أيهما كان أوّلا الألواح أو التوراة، والظاهر أن الألواح كانت أوّلاً ثم أوحيت التوراة عليها فصارت كتاباً واحداً هو التوراة.
9 وجائز أن يُراد بدار الفاسقين: بلاد القدس والشام إذ سكانها كانوا فاسقين فواعد الله بني إسرائيل بدخول تلك البلاد والانتصار على أهلها الفاسقين.
*********************
يتبع

ابوالوليد المسلم
05-01-2022, 04:56 AM
سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (146) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (147)
شرح الكلمات:
سأصرف: سأبعد.
يتكبرون: يعلون ويترفعون فيمنعون الحقوق ويحتقرون الناس.
سبيل الرشد: طريق الحق القائم على الإيمان والتقوى.
سبيل الغي: طريق الضلال القائم على الشرك والمعاصي.
وكانوا عنها غافلين: لا يلتفتون إليها ولا ينظرون فيها ولا يتفكرون فيما تدل عليه وتهدي إليه.
حبطت أعمالهم: فسدت فلا ينتفعون بها لأنها أعمال مشرك والشرك محبط للعمل.
معنى الآيتين الكريمتين:
هاتان الآيتان تحملان تعليلاً صحيحاً صائباً لكل انحراف وفساد وظلم وشر وقع في الأرض ويقع إلى نهاية هذه الحياة وهذا التعليل الصحيح هو التكذيب بآيات الله والغفلة عنها، وسواء كان الحامل على التكذيب الكبر أو الظلم، أو التقليد أو العناد، إلا أن الكبر أقوى عوامل الصرف عن آيات الله تعالى لقوله عز وجل في مطلع الآية الأولى (146) {سأصرف1 عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق} ومن صرفه الله حسب سنته في صرف العباد لا يقبل ولا يرجع أبداًً، وقوله {وإن يروا سبيل الرشد2 لا يتخذوه سبيلاً، وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلاً} هذا بيان لعامل من عوامل الصرف عن آيات الله. وهو أن يعرض على العبد سبيل الرشد فيرفضه، ويرى سبيل الغي فيتبعه ويتخذه سبيلاً،
وقوله تعالى {ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا} التي جاءت بها رسلنا {وكانوا عنها غافلين} غير مبالين بها ولا ملتفتين3 إليها هذا هو التعليل الصحيح الذي نبهنا إليه فليتأمل، وقوله تعالى في الآية الثانية (147) {والذين كذبوا بآياتنا4 ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم} تقرير المراد به تأكيد سران أولئك المصروفين عن آيات الله تعالى، إذ أعمالهم لم تقم على أساس العدل والحق بل قامت على أساس الظلم والباطل فلذا هي باطلة من جهة فلا تكسبهم خيراً، ومن جهة أخرى فهي أعمال سوء سوف يجزون بها سوءاً في دار الجزاء وهو عذاب الجحيم، ولذا قال تعالى {هل يجزون إلا ما كانوا يعملون} أي ما يجزون إلا ما كانوا يعملون من السوء، وعدالة الله تعالى أن من جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- بيان سنة الله تعالى في صرف العباد عن آيات الله حتى يهلكوا كما هلك فرعون وآله.
2- من أقوى عوامل الصرف عن آيات الله الكبر.
3- التكذيب بآيات الله والغفلة عنها هما سبب كل ضلال وشر وظلم وفساد.
4- بطلان كل عمل لم يسلك فيه صاحبه سبيل الرشد التي هي سبيل الله التي تحدد الآيات القرآنية وتبين معالمها، وترفع أعلامها.
__________
1 قال قتادة: سأمنعهم فهم كتابي وقال سفيان: سأصرفهم عن الإيمان بها وذلك مجازاة لهم على تكبّرهم. وما ذكرناه في التفسير لا يتنافى مع هذا.
2 الرشد: ضد السفه والخيبة وقرىء بالضم وقرىء بفتح الراء والشين الرَّشد، وقرىء يُروا بضم الياء.
3 مع ما تحمله من الوعد والوعيد، وبيان الهدى والضلال، والخير والشر والحق والباطل فغفلتهم الناشئة عن مرض قلوبهم بسبب الكبر والتكذيب هي التي حالت دون تذكرهم وتدبرّهم.
4 الآيات في الآية السابقة عامة في المعجزات الكونية في الأنفس والأفاق، والتنزيلة القرآنية، وفي هذه الآية المراد بها: القرآنية بقرينة التكذيب بها ويوم القيامة.

ابوالوليد المسلم
05-01-2022, 04:58 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الاعراف - (22)
الحلقة (433)
تفسير سورة الاعراف مكية
المجلد الثانى (صـــــــ 239الى صــــ 244)

وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ (148) وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (149)
شرح الكلمات:
من حليهم: جمع حلى 1 وهو ما تتحلى به المرأة لزوجها من أساور ونحوها من ذهب.
عجلاً جسداً: العجل ولد البقرة والجسد أي ذاتا لا مجرد صورة على ورق أو جدار.
له خوار: الخوار صوت البقر كالرغاء2 صوت الإبل.
ولما سقط في أيديهم: أي ندموا على عبادته لأنها عبادة باطلة.
معنى الآيات:
هذا عود إلى قصص موسى عليه السلام مع قومه من بني إسرائيل، فقد كان السياق مع موسى في جبل الطور وطلبه الرؤية وتوبته من ذلك ثم اعترض السياق ببيان القاعدة العظيمة في تعليل هلاك العباد وبيان سببه وهو التكذيب بآيات الله المنزلة والغفلة عنها، ثم عاد السياق لقصص موسى مع بني إسرائيل فقال تعالى {واتخذ قوم موسى من بعده} أي من بعد غيبته في جبل الطور لمناجاة ربه وليأتي بالكتاب الحاوي للشريعة التي سيسوسهم بها موسى ويحكمهم بموجبها ومقتضى قوانينها اتخذوا {من حليهم} أي حلي نسائهم {عجلاً جسداً له خوار3} وذلك أن السامري4 طلب من نسائهم حليهم بحجة واهية: أن هذا الحلي مستعار من نساء الأقباط ولا يحل تملكه فاحتال عليهم وكان صائغاً فصهره وأخرج لهم منه {عجلاً5 جسداً} أي ذاتاً {له خوار} أي صوت كصوت البقر، وقال لهم هذا إلهكم وإله موسى فاعبدوه ولم يقل وإله هارون لأن هارون كان معهم خليفة
فخاف أن يكذبه هارون فلم ينسبه إليه، وقوله تعالى {ألم يروا أنه لا يكلمهم6 ولا يهديهم سبيلاً} توبيخ لهم وتقريع على غباوتهم وجهلهم، وإلا كيف يعتقدون إلهاً وهو لا يتكلم فيكلمهم ولا يُعقل فيهديهم سبيل الرشد إن ضلوا وقد ضلوا بالفعل ثم قال تعالى {اتخذوه} أي إلهاً {وكانوا ظالمين} في ذلك، لأن الله رب موسى وهارون والعالمين لم يكن عجلاً ولا مخلوقاً كائناً من كان فما أجهل القوم وما أسوأ فهمهم وحالهم. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (148) وأما الآية الثانية (149) فقد أخبر تعالى عن حالهم بعد انكشاف الأمر لهم، وبيان خطئهم فقال تعالى {ولما سقط7 في أيديهم} أي ندموا ندماً شديداً ورأوا أنهم بشركهم هذا قد ضلوا الطريق الحق والرشد، صاحوا معلنين توبتهم {لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر8 لنا} أي هذا الذنب العظيم {لنكونن من الخاسرين} في الدار الآخرة فنكون من أصحاب الجحيم.
هداية الآيتين
من هداية الآيتين:
1- بيان سنة من سنن الكون وهي أن المرء يتأثر بما يرى ويسمع، والرؤية أكثر تأثيراً في النفس من السماع فإن بني إسرائيل رؤيتهم للأبقار الآلهة التي مروا بأهل قرية يعكفون عليها وطلبوا من موسى أن يجعل لهم إلهاً مثلها هو الذي جعلهم يقبلون عجل السامري الذي صنعه لهم، ومن هذا كان منظر الأشياء في التلفاز وشاشات الفيديو مؤثراً جداً وكم أفسد من عقول ولوث من نفوس، وأفسد من أخلاق.
2- تقبيح الغباء والجمود في الفكر، وذلك لقول الله تعالى {ألم يروا أنه لا يكلمهم} .
3- إذا أراد الله بعبده خيراً ألهمه التوبة بعد المعصية فندم واستغفر.
__________
1 الحلي: يجمع على حُليّ وَحِلي كثدي يجمع على ثُدي بضم الياء وثِدي بكسرها.
2 والثغاء. صوت الشاة، والمواء: صوت القط، والعراء: صوت الذئب، واليعار: صوت المعز.
3 الخوار: صوت العجل، والجؤار: مثله، وفعل الخوار خار يخور خواراً، وفعل الجؤار جأر يجأر جؤراً، وأما خور يخور خوراً فمعناه: جبن وضعف.
4 نسبة إلى قرية نسمى: سامرة، واسمه: موسى بن ظفر، ولد عام قتل الأبناء كموسى عليه السلام.
5 العجل ولد البقرة كالحوار: ولدُ الناقة والمهر: ولدُ الفرس، والجحش: ولد الأتان والحمل: ولدُ الشاة، والجسد: الجثة.
6 إذ الربّ وهو المربي والمصلح والمعبود المشرّع للعبادات يجب أن يكون متكلّماً يهديهم سبل كمالهم وسعادتهم.
7 سُقط بضم السين، وأسقط بضم الهمزة بالبناء للمفعول، يقال للنادم المتحيّر: سقط في يده وأسقط في يده، وقرىء: سقط بالبناء للفاعل، أي: سقط الندم في يده، والندم يكون في القلب، وإنما ذكروا اليد هنا تشبيهاً بمن سقط شيء في يده وهو مثل: عض يده من الندم.
8 أي: عادوا إلى الحق فتضرعوا إلى الله تعالى ودعوه معترفين بخطئهم مستنفرين ربّهم رجاء أن ينجيهم من الخسران.
*******************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
05-01-2022, 04:58 AM
وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151) إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152) وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153) وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154)
شرح الكلمات:
ولما رجع موسى: أي من جبل الطور بعد مرور أكثر من أربعين يوما.
أسفاً: أي حزيناً شديد الحزن والغضب.
أعجلتم أمر ربكم: أي استعجلتم.
برأس أخيه: أي هارون شقيقه.
قال ابن أم: أصلها يا ابن أمي فقلبت الياء ألفاً نحو يا غلاماً، ثم حذفت وهارون شقيق موسى وإنما ناداه بأمه لأنه أكثر عطفاً وحناناً.
فلا تشمت بي الأعداء: أي لا تجعل الأعداء يفرحون بإهانتك أو ضربك لي.
اتخذوا العجل.: أي إلهاً عبدوه.
المفترين: الكاذبين على الله تعالى بالشرك به أي يجعل شريك له.
ولما سكت عن موسى الغضب: زال غضبه وسكنت نفسه من القلق والاضطراب.
أخذ الألواح: أي من الأرض بعد أن طرحها فتكسرت.
وفي نسختها: أي وفي ما نسخه منها بعد تكسرها نسخة فيها هدى ورحمة.
يرهبون: يخافون ربهم ويخشون عقابه فلا يعصونه.
معنى الآيات:
مازال السياق في أحداث قصص موسى مع بني إسرائيل ففي هذا السياق الكريم يخبر تعالى أن موسى عليه السلام لما رجع إلى قومه من مناجاته وقد أخبره ربه تعالى أنه قد فتن قومه من بعده وأن السامري قد أضلهم فلذا رجع {غضبان أسفاً1} أي شديد الغضب2 والحزن، وما إن واجههم حتى قال {بئسما خلفتموني من بعدي، أعجلتم أمر ربكم؟} أي استعجلتم فلم تتموا ميعاد ربكم أربعين يوماً فقلتم مات موسى وبدلتم دينه فعبدتم العجل {وألقى الألواح} أي طرحها فتكسرت {وأخذ بلحية} هارون ورأسه يؤنبه على تفريطه في مهام الخلافة فاعتذر هارون فقال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي، إني خشيث أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي هذا وارد في سورة طه وأما السياق هنا فقد قال {يا ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني3 فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين} وهم الذين ظلموا بعبادة العجل، ومعنى {لا تشمت بي الأعداء} لا تؤذني بضرب ولا بغيره إذ ذاك يفرح أعدانا من هؤلاء الجهلة الظالمين، وهنا رق له موسى وعطف عليه فقال {رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين} توسل إلى الله تعالى في قبول دعائه بقوله {وأنت أرحم الراحمين} هذا ما تضمنته الآيتان الأولى (150) والثانية (151) أما الآية الثالثة فقد أخبر تعالى بأن الذين اتخذوا العجل أي إلهاً {سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا} وكما جزاهم بالغضب المستوجب للعذاب والذلة المستلزمة للإهانة يجزي تعالى المفترين عليه الكاذبين باتخاذ الشريك له وهو بريء من الشركاء والمشركين، هذا ما دلت عليه الآية الثالثة (151) أما الآية الرابعة فقد تضمنت فتح باب الله تعالى لمن أراد أن يتوب إليه إذ قال تعالى {والذين عملوا السيئات} جمع سيئة وهي هنا سيئة الشرك {ثم تابوا من بعدها} أي تركوا عبادة غير الله تعالى وآمنوا إيماناً صادقاً فإن الله تعالى يقبل توبتهم ويغفر لهم ذنوبهم ويرحمهم فيدخلهم جنته مع الصالحين من عباده، هذا ما دلت عليه الآية الرابعة (153) أما الآية الخامسة (154) فقد تضمنت الأخبار عن موسى عليه السلام
وانه لما سكت عنه الغضب أي ذهب أخذ الألواح التي ألقاها من شدة الغضب وأخبر تعالى أن في نسخة4 تلك الألواح {هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون} وهم المؤمنون المتقون وخصوا بالذكر لأنهم الذين يجدون الهدى والرحمة في نسخة الألواح، لأنهم يقرأون ويفهمون ويعلمون وذلك لإيمانهم وتقواهم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- الغضب من طباع البشر فلا يلام عليه المرء ومهما بلغ من الكمال كالأنبياء، ولكن أهل الكمال لا يخرج بهم الغضب إلى حد أن يقولوا أو يعملوا ما ليس بخير وصلاح.
2- مشروعية الاعتذار وقبول العذر من أهل المروءات.
3- مشروعية التوسل بأسماء الله وصفاته.
4- كل وعيد لله تعالى توعد به عبداً من عباده مقيد بعدم توبة المتوعد.
5- كل رحمة وهدى ونور في كتاب الله لا ينتفع به إلا أهل الإيمان والتقوى.
__________
1 غضبان شديد الغضب ومؤنثه غضبى غير مصروف لزيادة الألف والنون، وأسفاً: معناه شديد الغضب قال أبو الدرداء، الأسف منزلة وراء الغضب أشدّ منه والأسيف: الحزين.
2 الغضب من طباع البشر وقد أرشد الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من غضب وهو قائم أن يجلس فإن ذهب عنه الغضب وإلاّ اضطجع فقد روى أبو داود أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "وإنّ الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من نار وإنّما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ".
3 في الآية دليل على أن من خاف على نفسه القتل أن يسكت عن المنكر ولا يغيره بيده ولا بلسانه ولكن بقلبه.
4 النسخة: بمعنى المنوسخ، والنسخ: النقل للمكتوب في لوح أو غيره، ويسمى المنوسخ نسخة.

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
05-01-2022, 05:00 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الاعراف - (23)
الحلقة (434)
تفسير سورة الاعراف مكية
المجلد الثانى (صـــــــ 244الى صــــ 252)

وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155) وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)
شرح الكلمات:
واختار موسى قومه سبعين رجلاً: أي أخذ خيار قومه وهم سبعون رجلاً.
لميقاتنا: أي للوقت الذي حددناه له ليأتينا مع سبعين رجلاً.
أخذتهم الرجفة: الصاعقة التي رجفت لها القلوب.
السفهاء: جمع سفيه: وهو الذي لا رشد له في سائر تصرفاته.
إن هي إلا فتنتك: أي ما هي إلا فتنتك أي اختبارك لأهل الطاعة من عبادك.
أنت ولينا: أي المتولي أمرنا وليس لنا من ولي سواك.
هدنا إليك: أي رجعنا إليك وتبنا.
الأمي: الذي لا يقرأ ولا يكتب.
المعروف، والمنكر: ما عرفه الشرع والمنكر: ما أنكره الشرع.
ويحرم عليهم الخبائث: أي بإذن الله والخبائث جمع خبيثة: كالميتة مثلاً.
ويضع عنهم إصرهم والأغلال: الإصر: العهد والأغلال: الشدائد في الدين.
عزروه: أي وقروه وعظموه.
واتبعوا النور الذي أنزل معه: القرآن الكريم.
هم المفلحون: الفائزون أي الناجون من النار الداخلون الجنة.
معنى الآيات:
ما زال السياق في أحداث موسى مع بني إسرائيل فإنه بعد الحدث الجلل الذي حصل في غيبة موسى وذلك هو عبادة جل بني إسرائيل العجل واتخاذهم له إلهاً فإن الله تعالى وقت لموسى وقتاً يأتيه فيه مع خيار بني إسرائيل يطلب لهم التوبة من الله سبحانه وتعالى.
قال تعالى {واختار1 موسى قومه سبعين رجلاً} ولما انتهى بهم إلى جبل الطور وغشيت الجبل غمامة وأخذ موسى يناجي ربه تعالى وهم يسمعون قالوا لموسى لن نؤمن لك بأن
الذي كان يكلمك الرب تعالى حتى نرى الله جهرة أي عياناً وهنا غضب الله تعالى عليهم فأخذتهم صيحة رجفت لها قلوبهم والأرض من تحتهم فماتوا كلهم، وهو معنى قوله تعالى {فأخذتهم الرجفة} وهنا أسف موسى عليه السلام لموت السبعين رجلاً وقد اختارهم الخير فالخير فإذا بهم يموتون أجمعون فخاطب ربه قائلاً {رب لو شئت أهلكتهم من قبل} أي من قبل مجيئنا إليك {وإياي} وذلك في منزل بني إسرائيل حيث عبدوا العجل {أتهلكنا بما فعل السفهاء منا2} أي بسبب فعل السفهاء الذين لا رشد لهم، وهم من عبدوا العجل كمن سألوا رؤية الله تعالى، وقوله عليه السلام {إن هي إلا فتنتك} أي إلا اختبارك وبليتك {تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء، أنت ولينا} فليس لنا سواك {فاغفر لنا} أي ذنوبنا {وارحمنا} برفع العذاب عنا {وأنت خير الغافرين} {واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة} بأن توفقنا لعمل الصالحات وتتقبلها منا، {وفي الآخرة} تغفر ذنوبنا وتدخلنا جنتك مع سائر عبادك الصالحين، وقوله {إنا هدنا إليك} أي إنا قد تبنا إليك فأجابه الرب تعالى بقوله {عذابي أصيب به من أشاء} أي من عبادي وهم الذين يفسقون عن أمري ويخرجون عن طاعتي {ورحمتي وسعت3 كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون} وبهذا القيد الوصفي، وبما بعده خرج إبليس واليهود وسائر أهل الملل ودخلت أمة الإسلام وحدها إلا من آمن من أهل الكتاب واستقام على دين الله وهو الإسلام. وقوله {الذين يتبعون الرسول النبي الأمي} هو محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {الذي يجدونه4 مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل} وذلك بذكر صفاته والثناء عليه وعلى أمته، وقوله {يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات} أي التي كانت قد حرمت عليهم بظلمهم {ويحرم عليهم الخبائث} الخمر ولحم الخنزير والربا وسائر المحرمات في الإسلام، وقوله {ويضع عنهم إصرهم} أي ويحط عنهم تبعة العهد الذي أخذ عليهم بالعمل فيما في التوراة والإنجيل بأن يعملوا بكل ما جاء في
التوراة والإنجيل، وقوله {والأغلال5 التي كانت عليهم} أي الشدائد المفروض عليهم القيام بها وذلك كقتل النفس بالنفس إذ لا عفو ولا دية وكقطع الثوب للنجاسة تصيبه وغير ذلك من التكاليف الشاقة كل هذا يوضع عليهم إذا أسلموا بدخولهم في الإسلام وقوله تعالى {فالذين آمنوا به} أي بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وعزروه6} أي وقروه وعظموه {ونصروه} على أعدائه من المشركين والكافرين والمنافقين {واتبعوا النور الذي أنزل معه} وهو القرآن الكريم {أولئك هم المفلحون} أي وحدهم دون سواهم الفائزون بالنجاة من النار ودخول الجنة.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- وجوب التوبة من كل ذنب، ومشروعية صلاة ركعتين وسؤال الله تعالى عقبها أن يقبل توبة التائب ويغفر ذنبه.
2- كل سلوك ينافي الشرع فهو من السفه المذموم، وصاحبه قد يوصف بأنه سقيه.
3- الهداية والإضلال كلاهما بيد الله تعالى فعلى العبد أن يطلب الهداية من الله تعالى ويسأله أن لا يضله.
4- رحمة الله تعالى بأمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا تنال اليهود ولا النصارى ولا غيرهم.
5- بيان شرف النبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأمته.
6- بيان فضل تزكية النفس بعمل الصالحات وإبعادها عن المدسيات من الذنوب.
7- بيان فضل التقوى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
8- وجوب توقير النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتعظيمه ونصرته وإتباع الكتاب الذي جاء به والسنن التي سنها لأمته.
__________
1 اختار مزيد من خار: إذا طلب ما هو خير من غيره، وقومه منصوب على نزع الخافض إذ الأصل من قومه، ومنه قول الشاعر:
اخترتك الناس إذ رثت خلائقهم ... واختل من كان يُرجى عنده السُّولُ
السُّول بمعنى السؤل أي الطلب
2 الاستفهام هنا للتحجج والجحد إي إنك لا تفعل ذلك، وهو كما قال الشاعر:
ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح
3 أي لم تضق عن مخلوق من المخلوقات التيّ أراد الله رحمتها. يحكى أن إبليس عليه لعائن الله لمّا سمع هذه الآية قال: أنا شيء فقال الله تعالى: سأكتبها للذين يتقون فقالت اليهود والنصارى نحن: متقون فقال تعالى: الذين يتبعون الرسول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فخرجوا وبقيت لهذه الأمة وحدها.
4 قال كعب في ذكر صفاته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في التوراة: مولده مكة وهجرته بطابة وملكه بالشام، وأمته الحمّادون يحمدون الله على كل حال.. إلى أن قال: يصلّون حيثما أدركتهم الصلاة، صفهم في الصلاة كصفهم في القتال.
5 تقدّم لفظ الإصر وهو دال على جمع لأته مصدر يقع على الواحد والجمع ولذا عطف عليه الأغلال، وجمع الإصر: آصار، ومعناه الثقل الذي يصعب معه التحرك والأغلال جمع غلّ، وهو إطار من حديد يجعل في عنق الأسير، والمراد من الآصار والأغلال التكاليف الشرعية الشاقة التي اشتملت عليها التوراة منها: ترك العمل يوم السبت قيل: ومن أشدّها عدم مشروعية التوبة من الذنوب، وعدم استتابة المجرم.
6 عزّروه: أيّدوه مع توقيره وتعظيمه.
*************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
05-01-2022, 05:00 AM
قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158) وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (159) وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (160) وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (161) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ (162)
شرح الكلمات:
لا إله إلا هو: أي لا معبود بحق إلا الله.
النبي الأمي: المنبئ عن الله والمنبأ من قبل الله تعالى، والأمي الذي لم يقرأ ولم يكتب. نسبة إلى الأم كأنه ما زال لم يفارق أمه فلم يتعلم بعد.
يؤمن بالله وكلماته: الذي يؤمن بالله رباً وإلهاً، وبكلماته التشريعية والكونية القدريه.
تهتدون: ترشدون إلى طريق كمالكم وسعادتكم في الحياتين.
أمة يهدون بالحق: أي جماعة يهدون أنفسهم وغيرهم بالدين الحق وبه يعدلون في قضائهم وحكمهم على أنفسهم وعلى غيرهم إنصافاً وعدلاً لا جور ولا ظلم.
أسباطاً: جمع سبط: وهو بمعنى القبيلة عند العرب.
استسقاه قومه: أي طلبوا منه الماء لعطشهم.
فانبجست: فانفجرت.
المن والسلوى: المن: حلوى كالعسل تنزل على أوراق الأشجار، والسلوى: طائر لذيذ لحمه.
اسكنوا هذه القرية: هي حاضرة فلسطين.
وقولوا حطة":: أي احطط عنا خطايانا بمعنى الإعلان عن توبتهم.
رجزاً من السماء: أي عذاباً من عند الله تعالى.
معنى الآيات:
بعد الإشادة بالنبي الأمي وبأمته، وقصر الفلاح في الدارين على الذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه قد يظن ظان أن هذا النبي شأنه شأن سائر الأنبياء قبله هو نبي قومه خاصة وما ذكر من الكمال لا يتعدى قومه فرفع هذا الوهم بهذه الآية (158) حيث أمر الله تعالى رسوله أن يعلن عن عموم رسالته بما لا مجال للشك فيه فقال
{قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً} وقوله {الذي له ملك السموات والأرض} وصف لله تعالى وقوله {لا إله إلا هو} تقرير لألوهية الله تعالى بعد ذكر قدرته وسلطانه وملكه وتدبيره لذا وجب أن لا يكون معبود إلا هو وهو كذلك إذ كل معبود غيره هو معبود عن جهل وعناد وظلم. وقوله {فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي} أمر الإله الحق إلى الناس كافة بالإيمان به تعالى رباً وإلهاً، وبرسوله النبي الأمي نبياً ورسولاً، وقوله {الذي يؤمن بالله وكلماته} صفة للنبي الأمي إذ من صفات النبي الأمي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه يؤمن بالله حق الإيمان وأوفاه ويؤمن بكلماته أي بكلمات الرب التشريعية1 وهي آيات القرآن الكريم، والكونية التي يُكوّن الله بها ما شاء من الأكوان إذ بها يقول للشيء كن فيكون كما قال لعيسى بتلك الكلمة كن فكان عيسى عليه السلام وقوله {واتبعوه لعلكم تهتدون} هذا أمر الله إلى الناس كافة بعد الأمر بالإيمان به وبرسوله النبي الأمي أمر بإتباع نبيه محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجاء هداية2 من يتبعه فيما جاء به فيهتدي إلى سبيل الفوز في الدارين هذا ما تضمنته الآية الأولى (158) أما الآية الثانية (159) فقد تضمنت الإخبار الإلهي بأن قوم موسى وإن ضلوا أو أجرموا وفسقوا ليس معنى ذلك أنه لم يكن فيهم أو بينهم من هم على هدى الله فهذه الآية كانت كالاحتراس من مثل هذا الفهم، إذ أخبر تعالى أن {من قوم موسى أمة} أي جماعة تكثر أو تقل {يهدون بالحق3} أي يعملون بالحق في عقائدهم وعباداتهم ويدعون إلى ذلك وبالحق يعدلون فيما بينهم وبين غيرهم فهم يعيشون على الإنصاف والعدل، ولم يذكر تعالى أين هم ولا متى كانوا هم؟ فلا يبحث ذلك، إذ لا فائدة فيه، ثم عاد السياق إلى قوم موسي يذكر أحداثهم للعظة والاعتبار وتقرير الحق في توحيد الله تعالى وإثبات نبوة رسوله وتقرير عقيدة البعث والجزاء أو اليوم الآخر.
فقال تعالى في الآية الثالثة (160) {وقطعناهم4} أي بني إسرائيل {اثنتى عشرة أسباطاً أمماً} 5 أصل السبط ابن البنت وأريد به هنا أولاد كل سبط من أولاد يعقوب عليه السلام. فالأسباط في بني إسرائيل كالقبائل في العرب كل قبيلة تنتسب إلى أبيها الأول، وأتت لفظ اثنتي عشرة لأن معنى الأسباط الفرق والفرقة مؤنثة، وقوله: {وأوحينا إلى موسى إذا استسقاه قومه} أعلمناه بطريق الوحي وهو الإعلام الخفي السريع، ومعنى {استسقاه} طلبوا منه السقيا لأنهم عطشوا لقلة الماء في صحراء سينا. {أن اضرب بعصاك الحجر} هذا الموحى به، فضرب {فانبجست6} أي انفجرت {منه اثنتا عشرة عيناً} ليشرب كل سبط من عينه الخاصة حتى لا يقع اصطدام أو تدافع فينجم عنه الأذى وقوله تعالى {قد علم كل أناس مشربهم} يريد عرف كل جماعة ماءهم الخاص بهم وقوله تعالى {وظللنا عليهم الغمام وأنزلنا عليهم المن والسلوى} هذا ذكر لإنعامه تعالى على بني إسرائيل وهم في معية موسى وهارون في حادثة التيه، حيث أرسل تعالى الغمام وهو سحاب أبيض بارد يظلهم من الشمس حتى لا تلفحهم، وأنزل عليهم المن7 وهي حلوى كالعسل سقط ليلاً كالطل على الأشجار، وسخر لهم طائراً لذيذ اللحم يقال له السلوى وهو طائر السمانى المعروف وقلنا لهم {كلوا من طيبات ما رزقناكم} وقوله تعالى {وما ظلمونا} بتمردهم على أنبيائهم وعدم طاعتهم8 لربهم حتى نزل بهم ما نزل من البلاء، {ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} 9 هذا ما دلت عليه الآية الثانية أما الآية الثالثة (161) فقد تضمنت حادثة بعد أحداث التيه في صحراء سيناء وذلك أن يوشع بن نون بعد أن تولى قيادة بني إسرائيل بعد وفاة موسى وهارون وانقضاء مدة التيه وكانت أربعين سنة غزا يوشع ببني إسرائيل العمالقة في أرض القدس وفتح الله تعالى عليه فقال لبني إسرائيل ادخلوا باب المدينة ساجدين أي منحنين خضوعاً لله وشكراً على نعمة الفتح بعد النصر والنجاة من
التيه، وقوله إثناء دخولكم الباب كلمة {حطة} الدالة على توبتكم واستغفاركم ربكم لذنوبكم فإن الله تعالى يغفر لكم خطئياتكم، وسيزيد الله المحسنين منكم الإنعام والخير الكثير مع رضاه عنكم وإدخالكم الجنة، هذا معنى قوله تعالى {وإذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية} أي مدينة فلسطين10 {وكلوا منها حيث شئتم} لما فيها من الخيرات {وقولوا حطة وادخلوا الباب سجداً نغفر لكم خطيئاتكم سنزيد المحسنين} . أما الآية الرابعة (162) فهي قد تضمنت الإخبار عن الذين ظلموا من بني إسرائيل الذين أمروا بدخول القرية ودخول الباب سجداً. حيث بدلوا {قولاً غير الذي قيل لهم} فبدل حطة قالوا حنطة، وبدل الدخول منحنين ساجدين دخلوا يزحفون على أستاههم، فلما رأى تعالى ذلك التمرد والعصيان وعدم الشكران أنزل عليهم وباء من السماء كاد يقضي على آخرهم هذا معنى قوله تعالى {فبدل الذين ظلموا منهم قولاً غير الذي قيل لهم فأرسلنا عليهم رجزاً من السماء بما كانوا يظلمون} .
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- عموم رسالة النبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لكافه الناس عربهم وعجمهم أبيضهم وأصفرهم11.
2- هداية الإنسان فرداً أو جماعة أو أمة إلى الكمال والإسعاد متوقفة على إتباع النبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
3- إنصاف القرآن للأمم والجماعات فقد صرح أن في بني إسرائيل أمة قائمة على الحق، وذلك بعد فساد بني إسرائيل، وقبل مبعث النبي الخاتم أما بعد البعثة المحمدية فلم يبق أحد على الحق، إلا من آمن به واتبعه لنسخ سائر الشرائع بشريعته.
4 إذا أنعم الله على عبد أو أمة نعمة ثم لم يشكرها تسلب منه أحب أم كره وكائناً من كان.
__________
1 وبكلماته التنزيلية كالتوراة والإنجيل والزبور.
2 هذا الرجاء بالنسبة إلى المأمورين بالإتباع لا إلى الله تعالى، لأنه بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير.
3 يهدون إلى الله تعالى عباده بواسطة ما شرع لهم وهداهم به من الوحي الذي أنزل على رسله وأنزل به كتبه.
4 التقطيع: الشدة في القطع والمراد به التقسيم إلى اثنتى عشرة فرقة كل فرقة بمنزلة القبيلة العربية حيث تنتسب إلى أبيها الأعلى أي الأوّل.
5 {أمما} بدل من {أسباطاً} وفائدته: الأخبار بأنهم باركهم الله تعالى فأصبح أهل كل سط أمة كاملة والسبط أصله شجر يقال له السبط تعلفه الإبل.
6 أصل الفعل بجس يقال: بجسته أي: شققته فانبجس مطاوع بجس الشيء إذا شقّة.
7 المنّ: مادة بيضاء تنزل من السماء كالطل حلوة الطعم تشبه العسل، وإذ جفّت كانت الصمغ، والسلوى: طائر معروف يقال له السُمَانى بضم السين وفتح النون على وزن حُبَارى.
8 وبعدم شكرهم لهذه النعم أيضاً إذا كفران النعم يسبب زوالها بعقوية تنزل بمن لم يشكر نعم الله تعالى عليه.
9 أي ظلموا أنفسهم فعرضوها للبلاء، أمّا الله تعالى فمحال أن يبلغ العبد ظلمه أو ضرّه. روى مسلم عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوله: " إنّ الله تعالى قال: يا عبادي إني حرّمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا.. يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني.
10 اسم القرية: أريحا، وكلمة فلسطين عامة في القطر كلّه.
11 عموم الرسالة المحمدية يستوجب القيام بها ودعوة الناس إليها، والمسلمون هم المطالبون بذلك وإلاّ فهم آثمون بتفريطهم وتقصيرهم.

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
05-01-2022, 05:02 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الاعراف - (24)
الحلقة (435)
تفسير سورة الاعراف مكية
المجلد الثانى (صـــــــ 252الى صــــ 259)


وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163) وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166)
شرح الكلمات:
حاضرة البحر: أي على شاطئه وهي مدينة من مدن أرض القدس.
يعدون في السبت: أي يعتدون وذلك بالصيد المحرم عليهم فيه.
يوم سبتهم: أي يوم راحتهم من أعمال الدنيا وهو يوم السبت.
شرعاً: جمع شارع أي ظاهرة بارزة تغريهم بنفسها.
كذلك نبلوهم: أي نمتحنهم ونختبرهم.
بما كانوا يفسقون: أي بسبب ما أعلنوه من الفسق وهو العصيان.
م عذرة إلى ربكم: أي ننهاهم فإن انتهوا فذاك وإلا فنهينا يكون عذراً لنا عند ربنا.
فلما نسوا ما ذكروا به: أي أهملوه وتركوه فلم يمتثلوا ما أمروا به ولا ما نهوا عنه.
عن السوء: السوء هو كل ما يسيء إلى النفس من سائر الذنوب والآثام.
بعذاب بئيس: أي ذا بأس شديد.
فلما عتوا عما نهوا عنه: أي ترفعوا وطغوا فلم يبالوا بالنهي.
قردة خاسئين: القردة جمع قرد معروف وخاسئين ذليلين حقيرين اخساء.
معنى الآيات:
ما زال السياق في بني إسرائيل إلا أنه هنا مع رسول الله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويهود المدينة فالله تعالى يقول لنبيه محمد عليه الصلاة والسلام أسألهم1 أي اليهود {عن القرية2 التي كانت حاضرة البحر} أي قريبة منه على شاطئه وهي مدينة من مدن أرض القدس والشام3، أي أسألهم عن أهلها كيف كان عاقبة أمرهم، أنهم مسخوا قردة وخنازير جزاء فسقهم عن أمر ربهم، وفصل له الحادث تفصيلاً للعبرة والاتعاظ فقال {إذ يعدون في السبت4} أي يعتدون ما أذن لهم فيه إلى ما حرم عليهم، أذن لهم أن يصيدوا ما شاءوا إلا يوم السبت فإنه يوم عبادة ليس يوم لهو وصيد وطرب، {إذ تأتيهم حيتانهم} أي أسماكهم {يوم سبتهم شرعاً} ظاهرة على سطح الماء تغريهم بنفسها {ويوم لا يسبتون} أي في باقي أيام الأسبوع {لا تأتيهم} إذاً هم مبتلون، قال تعالى {كذلك} أي كهذا الابتلاء والاختبار {نبلوهم بما كانوا يفسقون} أي بسبب فسقهم عن طاعة ربهم ورسله، إذ ما من معصية إلا بذنب هكذا سنة الله تعالى في الناس. هذا ما تضمنته الآية الأولى (163) وهي قوله تعالى {وأسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم5 حيتانهم يوم سبتهم شرعاً ويوم لا يسبتون لا تأتيهم، كذلك نبلوهم6 بما كانوا يفسقون} .
وأما الآية الثانية (164) فالله تعالى يقول لرسوله اذكر لهم أيضاً إذ قالت طائفة منهم أي من أهل القرية لطائفة أخرى كانت تعظ المعتدين في السبت أي تنهاهم عنه لأنه
معصية وتحذرهم من مغبة الاعتداء على شرع الله تعالى قالت {لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً} وهذا القول من هذه الطائفة دال على يأسهم من رجوع إخوانهم عن فسقهم وباطلهم، فأجابتهم الطائفة الواعظة {معذرة7 إلى ربكم ولعلهم يتقون} أي وعظنا لهم هو معذرة لنا عند الله تعالى من جهة ومن جهة أخرى {لعلهم يتقون} فيتوبوا ويتركوا هذا الاعتداء، قال تعالى {فلما نسوا ما ذكروا به} وخوفوا منه وهو تحريم الله تعالى عليهم الصيد يوم السبت، ومعنى نسوا تركوا ولم يلتفتوا إلى وعظ إخوانهم لهم وواصلوا اعتداءهم وفسقهم، قال تعالى {أنجينا الذين ينهون عن السوء} وهم الواعظون لهم من ملّوا ويئسوا فتركوا وعظهم، وممن واصلوا نهيهم ووعظهم {وأخذنا الذين ظلموا8 بعذاب بئيس} أي شديد البأس {بما كانوا يفسقون} عن طاعة الله ربهم، إذ قال تعالى لهم {كونوا قردة خاسئين9} فكانوا قردة خاسئين ذليلين صاغرين حقيرين، ثم لم يلبثوا (مسخاً) 10 إلا ثلاثة أيام وماتوا.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- تقرير الوحي والنبوة لرسول الله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ مثل هذا القصص الذي يذكر لبني إسرائيل لن يتم إلا عن طريق الوحي، وإلا فكيف علمه وذكر به اليهود أصحابه وأهله، وقد مضى عليه زمن طويل.
2- إذا أنعم الله على أمة نعمة ثم أعرضت عن شكرها تعرضت للبلاء أولاً ثم العذاب ثانياً.
3- جدوى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقد نجى الله تعالى الناهين عن المنكر وأهلك الذين باشروه ولم ينتهوا منه دون غيرهم.
4 - إطلاق لفظ السوء على المعصية مؤذن بأن المعصية مهما كانت صغيرة تحدث السوء في نفس فاعلها.
__________
1 هذا سؤال توبيخ وتقرير، إذ كانوا يتبخحون بأنهم أبناء الله وأحباؤه وأنهم من سبط خليل الرحمن إبراهيم، ومن سبط إسرائيل، فالسؤال عن القرية السؤال عن أهلها.
2 هذه القرية هي أيلة، والمسماة اليوم بالعقبة وهي مدينة على ساحل البحر الأحمر.
3 وهي مبدأ أرض الشام من جهة مصر.
4 السبت: اليوم الذي بين الجمعة والأحد، ويجمع السبت على أسبت وسبوت وأسبات.
5 قيل للحسين بن الفضل: هل تجد في كتاب الله تعالى أن الحلال لا يأتيك إلا قوتاً إن الحرام يأتيك جزفاً جزفاً يعنى: بكثرة كاثرة قال: نعم في قصة داود وأيلة {إذ تأتيهم حيتانهم....} الآية.
6 {نبلوهم} : أي بالتشديد عليهم فبما يشرع لهم عقوبة لهم.
7 المعذرة: مصدر ميمي فعله اعتذر على غير قياس، والعذر: السبب الذي تبطل به المؤاخذة بسبب ذنب أو تقصير.
8 اختلف في هل الفرقة القائلة: لم تعظونا قوماً.. الخ نجت من العذاب أولاً؟ وقد روي أن ابن عباس كان يرى أنها لم ننج حتى أقنعه تلميذه عكرمة فقال بنجاتها مع الفرقة الناهية، لأنّ ترك النهي من الفرقة التي لم تنه كان ليأسهم من استجابة الظالمين.
9 يقال: خسأته فخسا أي، باعدته وطردته، وفي هذا دليل على أنّ المعاصي سبب النقم كما أن الطاعات سبب النعم.
10 أي لم يلبثوا ممسوخين حتى هلكوا والعياذ بالله.
***************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
05-01-2022, 05:02 AM
وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (167) وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَمًا مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168) فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مُّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (169) وَالَّذِينَ يُمَسَّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170)
شرح الكلمات:
تأذن 1: أعلم وأعلن.
ليبعثن: أي ليسلطن.
من يسومهم سوء العذاب: أي يذيقهم ويوليهم سوء العذاب كالذلة والمسكنة.
وقطعناهم: أي فرقناهم جماعات جماعات.
بلوناهم بالحسنات والسيئات: اختبرناهم بالخير والشر أو النعم والنقم.
فخلف من بعدهم خلف: الخلف بإسكان اللام خلف سوء وبالتحريك خلف خير.
ورثوا الكتاب: أي التوراة.
عرض هذا الأدنى: أي حطام الدنيا الفاني وهو المال.
يمسكون بالكتاب: أي يتمسكون بما في التوراة فيحلون ما أحل الله فيها ويحرمون ما حرم.
معنى الآيات:
ما زال السياق في شأن اليهود فقد أمر تعالى رسوله أن يذكر إعلامه تعالى بأنه سيبعث بكل تأكيد على اليهود إلى يوم القيامة من يذلهم ويضطهدهم عقوبة منه تعالى لهم على خبث طواياهم وسوء أفعالهم، وهذا الإطلاق في هذا الوعيد الشديد يقيد بأحد أمرين الأول بتوبة من تاب منهم ويدل على هذا القيد قوله تعالى في آخر هذه الآية {إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم} أي لمن تاب والثاني بجوار دولة قوية لهم وحمايتها وهذا مفهوم قوله تعالى من سورة آل عمران {ضربت عليهم الذلة والمسكنة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله} وهو الإسلام {وحبل من الناس} ، وهو ما ذكرناه آنفاً. هذا ما دلت عليه الآية الأولى في هذا السياق (167) وهي قوله تعالى {وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم2 سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم} وأما الآية الثانية (168) فقد تضمنت بيان فضل الله تعالى على اليهود وهو أن الله تعالى قد فرقهم في الأرض جماعات جماعات، وأن منهم الصالحين، وأن منهم دون ذلك وأنه اختبرهم بالحسنات وهي النعم، والسيئات وهي النقم تهيئة لهم وإعداداً للتوبة إن آثروا التوبة على الاستمرار في الإجرام والشر والفساد. هذا ما تضمنته الآية الثانية وهي قوله تعالى {وقطعناهم في الأرض أمما منهم الصالحون3 ومن دون ذلك، وبلوناهم بالحسنات
والسيئات لعلهم يرجعون} وأما الآية الثالثة (169) فقد أخبر تعالى أنه فد خلف من بعد تلك الأمة خلف سوء4 ورثوا الكتاب الذي هو التوراة ورثوه عن أسلافهم ولم يتلزموا بما أخذ عليهم فيه من عهود على الرغم من قراءتهم له فقد آثروا الدنيا على الآخرة فاستباحوا الربا والرشا وسائر المحرمات، ويدعون أنهم سيغفر لهم، وكلما أتاهم مال حرام أخذوه ومنوا أنفسهم بالمغفرة5 كذباً على الله تعالى قال تعالى موبخاً لهم {ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق} وقد قرأوا هذا في الكتاب وفهموه ومع هذا يجترئون على الله ويكذبون عليه بأنه سيغفر لهم، ثم يواجههم تعالى بالخطاب مذكراً لهم واعظاً فيقول {والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون؟} ويفتح الله تعالى باب الرجاء لهم في الآية الرابعة في هذا السياق فيقول {والذين يمسكون بالكتاب6} أي يعملون بحرص وشدة بما فيه من الأحكام والشرائع ولا يفرطون في شيء من ذلك {وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين} ، ومعنى هذا أنهم مصلحون إن تمسكوا بالكتاب وأقاموا الصلاة، وان الله تعالى سيجزيهم على إصلاحهم لأنفسهم ولغيرهم أعظم الجزاء وأوفره، لأنه تعالى لا يضيع أجر المصلحين.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- بيان موجز لتوبيخ اليهود في هذه الآيات الأربع.
2- من أهل الكتاب الصالحون، ومنهم دون ذلك.
3- التنديد بإيثار الدنيا على الآخرة، وبتمني المغفرة مع الإصرار على الإجرام.
4- تفضيل الآخرة على الدنيا بالنسبة للمتقين.
5- الحث على التمسك بالكتاب قراءة وتعلماً وعملاً بإحلال حلاله وتحريم حرامه.
6- فضل اقام الصلاة.
__________
1 آذن وأذن بمعنى واحد، وهو أَعلم ومنه قول الشاعر:
فقلت تعلّم إنّ للصيد غرّة ...
فَإلاَّ تضيّعها فإنك قاتله
2 يسومهم سوء العذاب: يجعل أسوأ العذاب وأشدّه كالقيمة لهم إذ هو حظهم المفروض عليهم، أوّل من تسلط عليهم فسامهم سوء العذاب بختنصر البابلي.
3 أي شتتناهم في البلاد بعد تسلط البابليين عليهم وتمزيق ملكهم فعاشوا مشتتين فلم ينتظم ملكهم مدّة طويلة وهم إذ ذاك ما بين صالح وفاسد وانتظم أمرهم مرة أخرى ثمّ فسقوا فسلّط عليهم أطيطوس الروماني فتفرقوا مرّة أخرى وما زالوا مفرقين إلى هذه الأيام، باجتماعهم في فلسطين وتكوينهم دولة إسرائيل وعمّا قريب تزول.
4 الخلف بسكون اللاّم: الأولاد، الواحد والجمع فيه سواء والخلَف: لفتح اللام الْبَدَل ولداً كان أو غيره، وقيل الخلف بالفتح: الصالح وبالجزم: الطالح قال لبيد:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... وبقيت في خلف كجلد الأجرب
5 روى الدارمي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه الرواية التالية وهي منطبقة على واقعنا اليوم ومن قبل اليوم قال: سيبلى القرآن في صدور أقوام كما يبلى الثوب فيتهافت يقرأونه لا يجدون له شهوة ولا لذة يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب أعمالهم طمع لا يخالطه خوف، إن قصّروا قالوا سنبلغ وإن أساءوا قالوا: سيغفر لنا إنّا لا نشرك بالله شيئاً.
6 مسك وتمسّك بمعنى واحد.

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
05-01-2022, 05:04 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الاعراف - (25)
الحلقة (436)
تفسير سورة الاعراف مكية
المجلد الثانى (صـــــــ 259الى صــــ 264)

وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171) وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174)
شرح الكلمات:
وإذ نتقنا الجبل: أي رفعناه من أصله فوق رؤوسهم.
واقع بهم: أي ساقط عليهم.
خذوا ما آتيناكم بقوة: أي التزموا بالقيام بما عهد إليكم من أحكام التوراة بقوة.
واذكروا ما فيه: أي لا تنسوا ما التزمتم به من النهوض بأحكام التوراة.
من ظهورهم ذريتهم: أي أخذهم من ظهر آدم عليه السلام بأرض نعمان1 من عرفات.
أشهدهم على أنفسهم: أي بالله تعالى ربهم وإلاههم ولا رب لهم غيره ولا إله لهم سوأه.
المبطلون: العاملون بالشرك والمعاصي إذ كلها باطل لا حق فيه.
نفصل الآيات: نبينها ونوضحها بتنويع الأساليب وتكرار الحجج وضرب الأمثال وذكر القصص
معنى الآيات:
الآية الأولى في هذا السياق هي خاتمة الحديث على اليهود إذ قال تعالى لرسوله {وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة2} أي اذكر لهم أيها الرسول إذ نتقنا أي رفعنا فوقهم جبل الطور من أصله وصار فوقهم كأنه ظلة {وظنوا أنه واقع بهم} أي ساقط عليهم وقلنا لهم {خذوا ما آتيناكم بقوة3} والمراد مما آتاهم أحكام التوراة وما تحمل من الشرائع وأخذها العمل بها والالتزام بكل ما أمرت به ونهت عنه وقوله تعالى {واذكروا ما فيه} أي في الذي آتيناكم من الأوامر والنواهي، ولا تنسوه فإن ذكره من شأنه أن يعدكم للعمل به فتحصل لكم بذلك تقوى الله عز وجل، هذا ما دلت عليه الآية الأولى وهي خاتمة سياق الحديث عن اليهود.
أما الآية الثانية (172) وهي قوله تعالى {وإذ أخذ ربك من بني4 آدم من ظهورهم ذريتهم} 5 فإنها حادثة جديرة بالذكر والاهتمام لما فيها من الاعتبار، إن الله تعالى أخرج من صلب آدم ذريته فأنطقها بقدرته التي لا يعجزها شيء فنطقت وعقلت الخطاب واستشهدها فشهدت، وخاطبها ففهمت وأمرها فالتزمت وهذا العهد العام الذي أخذ على بني آدم، وسوف يطالبون به يوم القيامة، وهو معنى قوله تعالى {وأشهدهم على أنفسهم: ألست بربكم؟ قالوا بلى شهدنا} أي أنك ربنا {أن تقولوا} يوم القيامة {إنا كنا عن هذا غافلين، أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم6، أفتهلكنا بما فعل المبطلون} والعبرة من هذا أن الإنسان سرعان ما ينسى، ويعاهد ولا يفي، وما وجد من بني إسرائيل من عدم الوفاء هو عائد إلى أصل الإنسان، وهناك عبرة أعظم وهى أن التوحيد أخذ به العهد على كل آدمي، ومع الأسف أكثر بني آدم ينكرونه، ويشركون بربهم وقوله تعالى {وكذلك نفصل الآيات لعلهم يرجعون} وكهذا التفصيل الوارد في هذه السورة وهذا
السياق وهو تفصيل عجيب نفصل الآيات تذكيراً للناس وتعليماً ولعلهم يرجعون إلى الحق بعد إعراضهم عنه، والى الإيمان والتوحيد بعد انصرافهم عنهما تقليداً وإتباعاً لشياطين الجن والإنس.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- بيان نفسيات اليهود وأنها نفسية غريبة وإلا كيف وهم بين يدي الله يتمردون عليه ويعصونه برفضهم الالتزام بما عهد إليهم من أحكام حتى يرفع فوقهم الطور تهديداً لهم، وعندئذ التزموا ولم يلبثوا إلا قليلاً حتى نقضوا عهدهم وعصوا ربهم.
2- عجيب تدبير الله تعالى في خلقه.
3- الكافر كفر مرتين كفر بالعهد الذي أخذ عليه وهو في عالم الذّر7 وكفر بالله وهو في عالم الشهادة، والمؤمن آمن مرتين، فلذا يضاعف للأول العذاب ويضاعف للثاني الثواب.
4- تقرير مبدأ الخليقة، ومبدأ المعاد الآخر.
__________
1 قال ابن عباس: ببطن نعمان واد إلى جنب عرفة.
2 أي: كأنّه لارتفاعه سحابة تظلّ.
3 أي: بجدّ وعزم.
4 الآثار والأحاديث المثبتة لاستخراج الرب تعالى الذريّة من ظهر آدم كثيرة منها في الموطأ والسنن ونكتفي برواية الشيخين الآتية: قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة: أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفدياً؟ فيقول: نعم، فيقول: قد أردتُ منك أهون من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر آدم أن لا نشرك بي شيئاً فأبيت إلاّ أن تشرك".
5 وُجّه نظم الآية هكذا: وإذا أخذ ربك من ظهور بني آدم ذريتهم ولم يذكر ظهر آدم عليه السلام لأنه من المعلوم أن كل بني آدم منه وأخرجوا يوم الميثاق من ظهره. وقوله: ظهورهم: بدل اشتمال من بين آدم.
6 في الآية دليل على أنه لا عذر لأحد في تقليده آباءه وأجداده وآهل بلاده في الشرك والمعاصي كما لا عذر بالجهل أيضاً.
7 لقد حاول كثيرون التخلص من قضية أخذ الرب تعالى من ظهر آدم ذريته وإشهادهم على أنفسهم، ونطق الأرواح وشهادتها، ولا داعي لهذا أبداً ما دامت الأحاديث والآثار كثيرة وقدرة الله صالحة لكل شيء ولا يعجزها شيء ما هي النملة؟ وقد أنطقها الله فنطقت وأفصحت. إن الحيوان المنوي الذي منه تكون الذرية قال العلماء لو جمعت الحيوانات المنوية كلها من آدم إلى اليوم ووضعت في فنجان ما ملأته. أمع هذا يحاول إبطال الأحاديث وتأويل الآية على غير ظاهرها رجل من أهل العلم؟
*****************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
05-01-2022, 05:05 AM
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177) مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (178)
شرح الكلمات
واتل عليهم نبأ: إقرأ عليهم.
فانسلخ منها: كفر بها وتركها وراء ظهره مبتعداً عنها.
فأتبعه الشيطان: لحقه وأدركه.
من الغاوين: من الضالين غير المهتدين الهالكين غير الناجين.
أخلد إلى الأرض: مال إلى الدنيا وركن إليها وأصبح لا هم له إلا الدنيا.
يلهث: اللهث: التنفس الشديد مع إخراج اللسان من التعب والإعياء.
ساء: قبح.
مثلاً: أي صفة.
معنى الآيات:
يقول تعالى لرسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {واتل عليهم} أي اقرأ على قومك وعلى كل من يبلغه هذا الكتاب من سائر الناس {نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها} أي خبر الرجل1 الذي أعطيناه آيتنا تحمل الأدلة والحجج والشرائع والأحكام والآداب فتركها وابتعد عنها فلم يَتْلُهَا ولم يفكر فيها ولم يعمل بها لا استدلالا ولا تطبيقا {فأتبعه الشيطان} أي لحقه وأدركه وتمكن منه إبليس، لأنه بتخليه عن الآيات وجد الشيطان له طريقاً إليه {فكان من الغاوين} أي الضالين الفاسدين الهالكين {ولو شئنا لرفعناه بها2} أي بالآيات إلى قمم
المجد والكمال، وإلى الدرجات العلا في الدار الآخرة، {ولكنه أخلد إلى الأرض} أي مال إليها وركن فأكب على الشهوات والسرف في الملذات، وأصبح لا هم له إلا تحصيل ذلك {واتبع هواه} وترك عقله ووحي ربه عنده، فصار مثله أي صفته الملائمة له {كمثل الكلب} أي في اللهث والإعياء، والتبعية وعدم الاستقلال الذاتي {إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث} فحيرته وتعبه لا ينقطعان أبداً. وقوله تعالى {ذلك مثل القوم الذي كذبوا بآياتنا} أي هذا المثل الذي ضربناه لذلك الرجل الذي آتيناه آيتنا فانسلخ منها وكان من أمره ما قصصنا عليك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا في كل زمان ومكان، وعليه {فاقصص} يا رسولنا {القصص لعلهم يتفكرون} أي لعل قريشاً تتفكر فتعتبر وترجع إلى الحق فتكمل وتسعد، وقوله تعالى {ساء مثلاً القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون} أي قبح مثلاً مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فجحدوا بها حتى لا يوحدوا الله تعالى ولا يسلموا إليه، {وأنفسهم كانوا يظلمون} بتدنيسها بآثار الشرك والمعاصي وقوله تعالى {من يهد الله فهو المهتدي} أي من وفقه الله تعالى للهداية3 فآمن وأسلم واستقام على منهاج الحق فهو المهتدي بحق ومن خذله الله لشدة إعراضه عن الحق وتكبره عنه فضل بإضلال الله تعالى له فأولئك هم الخاسرون الخسران الحق المبين.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- خطر شأن هذا الخبر الذي أمر تعالى رسوله أن يتلوه على الناس.
2- ترك القرآن الكريم بعدم تلاوته والتدبر فيه، وترك العمل به مفض بالعبد إلى أن يكون هو صاحب المثل في هذه الآية، فأولاً يتمكن منه الشيطان فيصبح من الغواة وثانيا يخلد إلى الأرض كما هو حال الكثيرين فلا يكون لأحدهم هم إلا الدنيا. ثم يتبع هواه لا عقله ولا شرع الله، فإذا به صورة لكلب يلهث لا تنقطع حيرته وإتباعه لغيره كالكلب سواء بسواءء وهذه حال من أعرضوا عن كتاب الله تعالى في هذه الآية فليتأملها العاقل.
3- لا رفعةَ ولا سعادة ولا كمال إلا بالعمل بالقرآن فهي الآية الرافعة لقوله تعالى {ولو شئنا لرفعناه بها} أي بالآيات 4 التي انسلخ منها والعياذ بالله.
4- الهداية بيد الله ألا فليطلبها من أرادها من الله بصدق القلب وإخلاص النية فإن الله تعالى لا يحرمه منها، ومن أعرض عن الله أعرض الله عنه.

__________
1 ذكر أهل التفسير ثلاثة رجال قيل إنها نزلت في واحد منهم وهم: بلعم بن باعوراء الكنعاني وكان على زمن موسى، وقيل إنها نزلت في أميّة بن أبي الصلت الثقفي، وقيل في أبي عامر بن صيفي، وأقرب الأقوال إنها نزلت في أميّة بن أبي الصلت إذ هو الذي قال فيه الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "آمن شِعْرُهُ وكفر قلبه" إذ شعره كان يفيض بالإيمانيات من عقيدة البعث والجزاء، والتوحيد، والعدل والرحمة ومن شعره قوله:
كل دين يوم القيامة عند الله ... إلا دين الحنيفية زور
2 أي أنّ تلك الآيات التي أعطاه الله إياها من شأنها أن تكون سبباً للهداية، وهذا شأن آيات الله فإنها ترفع كل من يؤمن بها ويعمل بما فيها ترفعه في الدنيا والآخرة فهي آلة الرفع الحقيقية لا المذاهب والنظريات المادية.
3 الهداية: هي إبانة الطريق الموصل إلى السعادة والكمال.
4 لقد جرب أتباع أتاتورك العثماني العلمانية وجرّب العرب القومية ثم جربوا الاشتراكية حتى قال قائلهم: اشتراكيتنا نوالي، من يواليها ونعادي من يعاديها، وجرّب بعضهم الشيوعية فهل غنوا هل عزّوا هل كملوا هل شبعوا؟ اللهم لا، لا، لا فلم إذن لا يعملون بالقرآن.

ابوالوليد المسلم
05-01-2022, 05:06 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الاعراف - (26)
الحلقة (437)
تفسير سورة الاعراف مكية
المجلد الثانى (صـــــــ 264الى صــــ 269)

وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179) وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (180) وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181)
شرح الكلمات:
ذرأنا لجهنم: خلقنا لجهنم أي للتعذيب بها والاستقرار فيها.
لا يفقهون بها: كلام الله ولا كلام رسوله.
لا يبصرون بها: آيات الله في الكون.
لا يسمعون بها: الحق والمعروف.
كالأنعام: البهائم في عدم الانتفاع بقلوبهم وأبصارهم وأسماعهم.
الغافلون: أي عن آيات الله، وما خُلقوا له وما يراد لهم وبهم.
ولله الأسماء الحسنى: الأسماء جمع اسم والحسنى مؤنث الأحسن، والأسماء الحسنى لله خاصة دون غيره فلا يشاركه فيها أحد من مخلوقاته.
وذروا: اتركوا.
يلحدون: يميلون بها إلى الباطل.
وممن خلقنا: أي من الناس.
معنى الآيات:
على إثر ذكر الهدى والضلال وإن المهتدى من هداه الله، والضال من أضله الله أخبر تعالى أنه قد خلق لجهنم كثيراً من الجن والإنس، علماً منه تعالى بأنهم يرفضون هدايته ويتكبرون عن عبادته، ويحاربون أنبياءه ورسله، وإن رفضهم للهداية وتكبرهم عن العبادة عطل حواسهم فلا القلب يفقه ما يقال له، ولا العين تبصر ما تراه، ولا الأذن تسمع ما تخبر به وتحدث عنه فأصبحوا كالأنعام1 بل هم أضل لأن الأنعام ما خرجت عن الطريق الذي سيقت له وخلقت لأجله2، وأما أولئك فقد خرجوا عن الطريق الذي امروا بسلوكه، وخلقوا له ألا وهو عبادة الله تعالى وحده لا شريك له لينجوا من العذاب ويسعدوا في دار النعيم، وقوله تعالى {أولئك هم الغافلون} تقرير لحقيقة وهي أن استمرارهم في الضلال كان نتيجة غفلتهم عن آيات الله الكونية فلا يتأملوها فيعرفوا أن المعبود الحق هو الله وحده ويعبدوه وعن آيات الله التنزيلية فلا يتدبروها فيعلموا أن الله هو الحق المبين فيعبدوه وحده بما شرع لهم في كتابه وسنة نبيه. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (179) وأما الآية الثانية في هذا السياق (180) وهي قوله تعالى {ولله الأسماء الحنسى فادعوه3 بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون} فقد أخبر تعالى فيها بأن الأسماء الحسنى له تعالى خاصة لا يشاركه فيها أحد من خلقه، وقد أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنها مائة اسم4 إلا اسما أي تسعة وتسعون إسما ًووردت مفرقة في القرآن الكريم، وأمر تعالى عباده أن
يدعوه5 بها يا الله، يا رحمن يا رحيم يا رب، يا حي يا قيوم، وذلك عند سؤالهم إياه وطلبهم منه ما لا يقدرون عليه6، كما أمرهم أن يتركوا أهل الزيغ والضلال الذين يلحدون في أسماء الله فيؤلونها، أو يعطلونها، أو يشبهونها، أمر عباده المؤمنين به أن يتركوا هؤلاء له ليجزيهم الجزاء العادل على ما كانوا يقولون ويعملون. لأن جدالهم غير نافع فيهم ولا مجد للمؤمنين ولا لهم.
هذا ما دلت عليه الآية الثانية أما الثالثة (181) وهي قوله تعالى {وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون} إنه لما ذكر أنه خلق لجهنم كثيراً من الجن والإنس ذكر هنا أنه خلق للجنة خلقاً آخر من الإنس والجن فذكر صفاتهم التي يستوجبون بها الجنة كما ذكر صفات أهل جهنم التي استوجبوا بها جهنم، فقال {وممن خلقنا} من الناس {أمة} كبيرة {يهدون} أنفسهم وغيرهم {بالحق} الذي هو هدى الله ورسوله وبالحق يعدلون في قضائهم وأحكامهم فينصفون ويعدلون ولا يجورون، ومن هذه الأمة كل صالح في أمة الإسلام يعيش على الكتاب والسنة اعتقاداً وقولاً وعملاً وحكماً وقضاءً وأدباً وخلقاً جعلنا الذي منهم وحشرنا في زمرتهم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- تقرير مبدأ أن السعادة والشقاء سبق بها قلم القضاء والقدر فكل ميسر لما خلق له.
2- هبوط الآدمي إلى درك أهبط من درك الحيوان، وذلك عندما يكفر بربه ويعطل حواسه عن الانتفاع بها، ويقصر همه على الحياة الدنيا.
3- بيان أن البلاء كامن في الغفلة عن آيات الله والإعراض عنها.
4- الأمر بدعاء الله تعالى بأسمائه الحسنى نحو يا رب يا رحمن، يا عزيز يا جبار.
5- حرمة تأويل أسماء الله وصفاته وتحريفها كما قال المشركون في الله، اللات، وفي العزيز العزى سموا بها آلهتهم الباطلة، وهو الإلحاد7 الذي توعد الله أهله بالجزاء عليه.
6- أهل الجنة الذين خلقوا لها هم الذين يهدون بالكتاب والسنة ويقضون بهما.
__________
1 قال عطاء: الأنعام تعرف الله والكافر لا يعرفه، وقيل: الأنعام مطيعة لله، والكافر غير مطيع.
2 أي: لا همّة لهم إلا الأكل والشرب واللباس والنكاح، وهم أضل من الأنعام لأن الأنعام تبصر مضارها ومنافعها وتتبع مالكها وهم على خلاف ذلك.
3 روى أحمد رحمه الله عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "ما أصاب أحداٌ قط همٌ ولا حزم فقال: اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماضٍ فيّ حكمك، عدل فيّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك أو علّمته أحداً من خلقِّك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همّي إلاّ أذهب الله حزنه وهمّه وأبدل مكانه فرحاً".
4 روى الشيخان عن أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة وهو وتر يحبّ الوتر".
5 ذكر أهل العلم كيفية الدعاء بها وهي؛: أن يسأل باسم الله ما يناسب حاجته فيقول مثلا: يا رحمن ارحمني، يا رزاق ارزقني، يا حكيم احكم لي، يا قوي يا قدير. قوّني واقدرني على كذا.. يا لطيف ألطف بي، يا عليم علّمني وانفعني بما تعلمني وهكذا.
6 قال مقاتل وغيره في سبب نزول هذه الآية {ولله الأسماء الحسنى} الخ أنً مشركاً سمع مسلماً يدعو: يا رحمن يا رحيم فقال: أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم يعبدون رباً واحداً؟ فما بال هذا يدعو ربين اثنين، فأنزل الله تعالى {ولله الأسماء الحسنى} الخ.
7 الإلحاد لغة: الميل عن وسط الشيء إلى جانبه والإلحاد للميت دفنه في جانب القبر وكان من إلحاد العرب في أسماء الله تعالى أن اشتقوا العزّى من العزيز واللات من الله، ومناة من المنان فألحدوا في أسماء الله تعالى، ومن الإلحاد في أسماء الله تعالى ما يفعله جهال المتصوّفة من وضع أسماء لله تعالى لا توجد في كتاب ولا سنة.
************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
05-01-2022, 05:06 AM
وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (184) أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185) مَن يُضْلِلِ اللهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (186)
شرح الكلمات:
كذبوا بآياتنا:: أي بآيات القرآن الكريم.
سنستدرجهم1:: أي نستميلهم وهم هابطون إلى هوة العذاب درجة بعد درجة حتى ينتهوا إلى العذاب، وذلك بإدرار النعم عليهم مع تماديهم في التكذيب والعصيان حتى يبلغوا الأجل المحدد لهم ثم يؤخذوا أخذة واحدة.
وأملي لهم إن كيدي متين: أي أمهلهم فلا أعجل بعقوبتهم حتى ينتهوا إليها بأعمالهم الباطلة وهذا هو الكيد لهم وهو كيد متين شديد.
ما بصاحبهم من جنة: صاحبهم هو محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والجنة الجنون والمتحدث عنهم كفار قريش.
ملكوت السموات: أي ملك السموات إلا أن لفظ الملكوت أعظم من لفظة الملك.
فبأي حديث بعده: أي بعد القرآن العظيم.
ونذرهم في طغيانهم: أي نتركهم في كفرهم وظلمهم.
يعمهون: حيارى يترددون لا يعرفون مخرجاً ولا سبيلاً للنجاة.
معنى الآيات:
يخبر تعالى أن الذين كذبوا بآياته التي أرسل بها رسوله محمدا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يؤمنوا بها وأصروا على الشرك والضلال معرضين عن التوحيد والهدى يخبر تعالى أنه سيستدرجهم بالأخذ شيئاً فشيئاً ودرجة بعد درجة حتى يحق عليهم العذاب فينزله بهم فيهلكون ويخبر أنه يملى لهم أيضاً كيداً بهم ومكراً، أي يزيدهم في الوقت ويطول لهم زمن كفرهم وضلالهم فلا يعاجلهم بالعقوبة بل إنه يزيد في إرزاقهم وأموالهم حتى يفقدوا الاستعداد للتوبة ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر، ولذا قال {وأملي2 لهم إن كيدي متين3} أي قوي شديد. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (183) أما الثانية فإنه تعالى يوبخهم على إعراضهم عن التفكير والتعقل فيقول {أو لم يتفكروا} في سلوك الرسول4 صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتصرفاته الرشيدة الحكيمة فيعلموا أنه ما به من جنة وجنون كما يزعمون، وإنما هو نذير لهم من عذاب يوم أليم إن هم استمروا على سلوك درب الباطل والشر من الشرك والمعاصي، ونذارته بينه لا لبس فيها ولا غموض لو كانوا يتفكرون. وفي الآية الثالثة (185) يوبخهم
على عدم نظرهم5 في ملكوت السموات والأرض وفي ما خلق الله من شيء وفي أن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم، إذ لو نظروا في ملكوت السموات والأرض وما في ذلك من مظاهر القدرة والعلم والحكمة لعلموا أن المستحق للعبادة هو خالق هذا الملكوت، لا الأصنام والتماثيل، كما أنهم لو نظروا فيما خلق الله من شيء من النملة إلى النخلة ومن الحبة إلى القبة لأدركوا أن الله هو الحق وأن ما يدعون هو الباطل كما أنه حرى بهم أن ينظروا في ما مضى من أعمارهم فيدركوا أنه من الجائز أن يكون قد اقترب أجلهم، وقد اقترب فعلا فليعجلوا بالتوبة حتى لا يؤخذوا وهم كفار أشرار فيهلكون ويخسرون خسرانا ًكاملاً. ثم قال تعالى في ختام الآية {فبأي حديث6} بعد القرآن يؤمنون فالذي لا يؤمن بالقرآن وكله حجج وشواهد وبراهين وأدلة واضحة على وجوب توحيد الله والإيمان بكتابه ورسوله ولقائه ووعده ووعيده فبأي كلام يؤمن، اللهم لا شيء، فالقوم إذاً أضلهم الله، ومن أضله الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون حيارى يترددون لا يدرون ما يقولون، ولا أين يتجهون حتى يهلكوا كما هلك من قبلهم. وما ربك بظلام للعبيد.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- عظم خطر التكذيب بالقرآن الكريم حتى أن المكذب ليستدرج حتى يهلك وهو لا يعلم.
2- أكبر موعظة وهي أن على الإنسان أن يذكر دائماً أن أجله قد يكون قريباً وهو لا يدري فيأخذ بالحذر والحيطة حتى لا يؤخذ على غير توبة فيخسر.
3- من لا يتعظ بالقرآن وبما فيه من الزواجر، والعظات والعبر، لا يتعظ بغيره.
4- من أعرض عن كتاب الله مكذباً بما فيه من الهدى فضل، لا ترجى له هداية أبداً.
__________
1 الاستدراج: هو الأخذ بالتدريج منزلة بعد منزلة، والدُرْج: لف الشيء ومنه إدراج الميت في كفنه أي: لفه فيه. واستدراج الله تعالى لأهل الغواية كلّما جددوا لله معصية جدد لهم نعمة حتى يأخذهم بذنوبهم وهم لا يشعرون وأحسن من أنشد:
أحسنت ظنك بالأيام إذ حَسُنت ... ولم تخف سوء ما يأتي به القدر
وسالمتك الليالي فاغتررت بها ...
وعند صفر الليالي يحدث الكدر
2 قيل نزلت هذه الآية: {سنستدرجهم} إلى قوله: {متين} نزلت في المستهزئين من قريش وقد أخذوا بعد الإملاء لهم زمناً زاد على العشر سنين، أخذهم في بدر وألقوا في القليب ووبخهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما هم أهله من الخزي والهوان.
3 المتين: مأخوذ من المتن وهو اللحم الغليظ الذي عن جانب الصلب أي: الظهر.
4 هو المراد بالصاحب في قوله: {ما بصاحبكم من جنّة} وهي الجنون، دعا الله تعالى قريشاً للتفكر.
5 استدل العلماء بهذه الآية: {أو لم ينظروا في ملكوت السموات والأرض} ونظائر هذه الآية وهي كثيرة على وجوب النظر في الآيات والاعتبار بالمخلوقات وهو كذلك، واختلف العلماء في: هل الإيمان يثبت بالتقليد أو لابد من النظر حتى يؤمن، والصحيح: أنّ الإيمان يصح بالتقليد المفيد لليقين كإيمان عوام المسلمين، وأفضل منه ما كان عن نظر واستدلال وهو إيمان العالمين.
6 قوله: {فبأي حديث} الخ: الاستفهام لتوقيفهم على ما يجب أن يفكروا فيه وينظروا إليه وتوبيخهم على ترك ذلك.

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
05-01-2022, 05:08 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الاعراف - (27)
الحلقة (438)
تفسير سورة الاعراف مكية
المجلد الثانى (صـــــــ 270الى صــــ 274)


يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (187) قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)
شرح الكلمات:
الساعة: أي الساعة بمعنى الوقت الذي تنتهي فيه الحياة الدنيا بالفناء التام.
أيان مرساها 2: أي متى وقت قيامها.
لا يجلها لوقتها: أي لا يظهرها في وقتها المحدد لها إلا هو سبحانه وتعالى.
بغتة: أي فجأة بدون توقع أو انتظار.
حفي عنها: أي ملحف مبالغ في السؤال عنها حتى أصبحت تعرف وقت مجيئها.
الغيب: الغيب ما غاب عن حواسنا وعن عقولنا فلم يدرك بحاسة ولا بعقل. والمراد به هنا ما سيحدث في المستقبل القريب أو البعيد.
السوء: كل ما يسوء العبد في روحه أو بدنه.
إن أنا إلا نذير: أي ما أنا إلا نذير وبشير فلست بإله يدبر الأمر ويعلم الغيب.
معنى الآيات:
لا شك أن أفراداً من قريش أو من غيرهم سألوا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الساعة متى قيامها فأخبره تعالى بسؤالهم وعلمه الجواب فقال عز وجل وهو يخاطب رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {يسألونك عن الساعة أيان مرساها3} أي متى وقت وقعوها وقيامها؟ قل لهم {إنما علمها عند ربى} أي علم وقت قيامها عند ربي خاصة {لا يجليها لوقتها} أي لا يظهرها لأول وقتها إلا هو {ثقلت في السموات والأرض} أي ثقل أمر علمها عند أهل السموات والأرض {لا تأتيكم إلا بغتة} أي فجأة، ثم قال له يسألونك هؤلاء الجهال عن الساعة {كأنك حفي عنها} أي كأنك ملحف في السؤال مبالغ في طلب معرفتها حتى عرفتها، قل لهم {إنما علمها4 عند الله} خاصة، {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} ، ولذا هم يسألونه، إذ إخفاؤه لحكم عالية لو عرفها الناس ما سألوا ولن يسألوا ولكن الجهل هو الذي ورطهم في مثل هذه الأسئلة وهذا ما دلت عليه الآية الأولى (187) أما الآية الثانية (188) فقد أمر تعالى رسوله أن يقول لأولئك السائلين عن الساعة متى وقت مجيئها {لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً} خيراً ولا شراً {إلا ما شاء الله} شيئاً من ذلك فإنه يُعينني على جلبه أو على دفعه فكيف إذاً أعلم وقت مجيء الساعة حتى تسألوني عنها {ولو كنت أعلم الغيب5} كما تظنون لاستكثرت من الخيرات وما مسني السوء. وذلك أني إذا عرفت متى الخصب ومتى الجدب، ومتى الغلاء ومتى الرخاء يمكنني بسهولة أن استكثر من الخير عند وجوده، وأتوقى الشر وأدفعه قبل حصوله، يا قوم إنما أنا نذير بعواقب الشرك والمعاصي بشير بنتائج الإيمان والتوحيد والعمل الصالح فلست بإله أعلم الغيب، ووظيفتي هذه صراحة هي البشارة والنذارة ينتفع بها المؤمنون خاصة وهو معنى قوله تعالى {إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون} .
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- مرد علم الساعة إلى الله وحده فكل مسؤول عنها غير الله ليس أعلم من السائل6.
2- للساعة أشراط بعضها في الكتاب وبعضها في السنة وليس معنى ذلك أنه تحديد لوقتها وإنما هي مقدمات تدل على قربها فقط.
3- استأثر الله بعلم الغيب فلا يعلم الغيب إلا الله، ومَنْ علَّمه الله شيئاً منه علم كما علم نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعض المغيبات، والمعلم بالشيء لا يقال فيه يعلم الغيب وإنما يقال علَّمه ربه غيب كذا وكذا فعلمه:
4- إذا كان الرسول لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً فكيف يطلب منه ذلك وإذ كان الرسول لا يملك فهل من دونه من العباد يملك؟
__________
1 السائلون النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الساعة كثيرون بعضهم مشركون يسألون للتعجيز وبعضهم يهود يسألون اختباراً وامتحاناً.
2 اسم يسأل به عن الزمان لا غير، قال الراجز:
أيّان تقضي حاجتي أيّان ...
3 {أيان مرساها} : مرساها مبتدأ، والخبر أيّان، وقدّم لأنه اسم استفهام له الصدارة ومعنى مرساها: مثبتها، من قولهم أرسى كذا إذا أثبته، أي: متى وقوعها.
4 أي علم الساعة إذ إخفاء علم الساعة كان لحكم عالية لو عرفها السائلون عن الساعة ما سألوا ولكنهم لجهلهم يسألون.
5 الغيب: قسمان، حقيقي: وهو ما استأثر الله تعالى به ومن علّمه تعالى منه شيئاً علمه. وإضافي: يعلمه بعض ويخفي عن بعض، ومن ادعى علم الغيب فقد كذّب الله ونازعه فيما استأثر به فهو بذلك كافر.
6 لحديث مسلم: فقد سأله جبريل عن الإسلام والإيمان والإحسان فبيّن له ذلك فصدقه جبريل وسأله عن الساعة فقال له: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل.
**********************
يتبع

ابوالوليد المسلم
05-01-2022, 05:08 AM
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189) فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190) أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (192) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ (193)
شرح الكلمات:
من نفس واحدة: هي نفس آدم عليه السلام.
وجعل منها زوجها: أي خلق منها زوجها وهي حواء خلقها من ضلع آدم الأيسر.
ليسكن إليها: أي ليألفها ويأنس بها لكونها من جنسه.
فلما تغشاها: أي وطئها.
فمرت به: أي ذاهبة جائية تقضى حوائجها لخفت الحمل في الأشهر الأولى.
فلما أثقلت 1: أي أصبح الحمل ثقيلاً في بطنها.
لئن أتيتنا صالحاً: أي ولداً صالحاً ليس حيواناً بل إنساناً.
جعلا له شركاء: أي سموه عبد الحارث وهو عبد الله جل جلاله.
فتعالى الله عما يشركون: أي أهل مكة حيث أشركوا في عبادة الله أصناماً.
وإن تدعوهم إلى الهدى: أي الأصنام لا يتبعوكم.
معنى الآيات:
يقول تعالى لأولئك السائلين عن الساعة عناداً ومكابرة من أهل الشرك هو أي الله {الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها} الإله المستحق للعبادة لا الأصنام والأوثان، فالخالق لكم من نفس واحدة وهي آدم وخلق منها زوجها حواء هو المستحق للتأليه والعبادة. دون غيره من سائر خلقه. وقوله {ليسكن إليها} : علة لخلقه زوجها منها، إذ لو كانت من جنس آخر لما حصلت الألفة والأنس بينهما وقوله {فلما تغشاها} أي للوطء ووطئها {حملت2 حملاً خفيفاً فمرت3 به} لخفته {فلما أثقلت} أي أثقلها الحمل
{دعوا الله} أي آدم4 وحواء ربهما تعالى أي سألاه قائلين {لئن آتيتنا صالحاً} أي غلاماً صالحاً {لنكونن من الشاكرين} أي لك. واستجاب الرب تعالى لهما وآتاهما صالحاً. وقوله تعالى {فلما آتاهما صالحاً جعلا له شركاء فيما آتاهما} حيث سمته حواء عبد الحارث بتغرير من إبليس، إذ اقترح عليهما هذه التسمية، وهي من الشرك الخفي المعفو عنه نحو لولا الطبيب هلك فلان، وقوله {فتعالى الله عما يشركون} عائد إلى كفار قريش الذين يشركون في عبادة الله أصنامهم وأوثانهم، بدليل قوله بعد {أيشركون ما لا يخلق شيئاً} أي من المخلوقات {وهم} أي الأوثان وعبادها {يخلقون، ولا يستطيعون لهم نصراً} إذا طلبوا منهم ذلك. {ولا أنفسهم ينصرون} لأنهم جمادات لا حياة بها ولا قدرة لها وقوله {وإن تدعوهم} أي وإن تدعوا أولئك الأصنام {إلى الهدى} وقد ضلوا الطريق {لا يتبعوكم5} لأنهم لا يعقلون الرشد من الضلال ولذا فسواء عليكم {أدعوتموهم أم أنتم صامتون} أي لم تدعوهم فإنهم لا يتبعونكم ومن هذه حاله وهذا واقعه فهل يصح أن يعبد فتقرب له القرابين ويحلف به، ويعكف عنده، وينادى ويستغاث به؟؟ اللهم لا، ولكن المشركين لا يعقلون.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- بيان أصل خلق البشر وهو آدم وحواء عليهما السلام.
2- بيان السر في كون الزوج من جنس الزوج وهو الألفة والأنس والتعاون.
3- بيان خداع إبليس وتضليله للإنسان حيث زين لحواء تسمية ولدها بعبد الحارث وهو عبد الله.
4- الشرك في التسمية6 شرك خفي معفو عنه وتركه أولى.
5- التنديد بالشرك والمشركين، وبيان جهل المشركين وسفههم إذ يعبدون ما لا يسمع ولا يبصر ولا يجيب ولا يتبع.
__________
1 قال الفقهاء كمالك: إذا بلغ الحمل ستة أشهر أصبحت الحامل مريضة فلا يصح لها أن تهب من مالها أكثر من الثلث، ومثلها من دخل معركة القتال، وكذا المريض الشديد المرض، والمحبوس للقتل ليس لهم من هبة إلاّ ما كان الثلث فأقل.
2 كل ما كان في البطن أو على رأس النخلة أو الشجرة فهو حمل بفتح الحاء وكل ما كان على رأس أو ظهر إنسان أو حيوان فهو حمل بكسر الحاء.
3 فمرت به لخفَّته فلم نتفطَّن له ولم تفكر في شأنه ومعنى أثقلت أي صارت ذات ثقل من أثقل المريض فهو مثقل فأثقلت صارت مثقلة.
4 ما ذهبت إليه في التفسير هو ماذا إليه إمام المفسرين ابن جرير الطبري وهو مؤيد بقراءة تشركون بالتاء وبحديث خدعهما مرتين خدعهما في الجنة وخدعهما في الأرض وذهب آخرون إلى أن الكلام على جنس الآدميين تبيناً لحال المشركين من ذرية آدم ودل على قولهم قراءة يشركون بالياء والله أعلم.
5 يقول بعضهم: اتبعه: إذا شيء وراءه ولم يدركه، واتّبعه مشددا إذا مشى وراءه وأدركه.
6 نحو: عبد النبي، وعبد الرسول، وعبد الضيف كما قال حاتم الطائي:
وإني لعبد الضيف ما دام ثاويا ...
وما في إلا تيك من شيمة العبد

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
05-01-2022, 05:09 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الاعراف - (28)
الحلقة (439)
تفسير سورة الاعراف مكية
المجلد الثانى (صـــــــ 275الى صــــ 279)


إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (194) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ (195) إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (198)
شرح الكلمات:
عباد أمثالكم: أي مملوكون مخلوقون أمثالكم لمالك واحد هو الله رب العالمين.
شركاءكم: أصنامكم التي تشركون بها.
ثم كيدون: بما استطعتم من أنواع الكيد.
فلا تنظرون: أي فلا تمهلون لأني لا أبالي بكم.
إن وليي الله: أي المتولي أموري وحمايتي ونصرتي الله الذي نزل القرآن.
وتراهم ينظرون: أي وترى الأصنام المنحوتة على شكل رجال ينظرون إليك وهم لا يبصرون.
معنى الآيات:
هذه الآيات الخمس في سياق ما قبلها جاءت مقررة لمبدأ التوحيد مؤكدة له منددة
بالشرك مقبحة له، ولأهله فقوله تعالى {إن الذين تدعون1} أي دعاء عبادة أيها المشركين هم {عباد أمثالكم2} أي مملوكون لله، الله مالكهم كما أنتم مملوكون لله مربوبون. فكيف يصح منكم عبادتهم وهم مملكون مثلكم لا يملكون لكم ولا لأنفسهم نفعاً ولا ضراً، وإن شككتم في صحة هذا فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين في زعمكم أنهم آلهة يستحقون العبادة. إنكم لو دعوتموهم ما استجابوا، وكيف يستجيبون وهم جماد ولا حياة لهم {ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد3 يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها، أم لهم آذان يسمعون بها} إنه لا شيء لهم من ذلك فكيف إذا يستجيبون، وبأي حق يعبدون فيدعون ويرجون وهم فاقدوا آثار القدرة والحياة بالمرة.
ثم أمر الله تعالى رسوله أن يعلن لهم أنه لا يخافهم ولا يعدهم شيئاً إذا كانوا هم يعبدونهم ويخافونهم فقال له قل لهؤلاء المشركين {ادعوا شركاءكم ثم كيدون4} أنتم وإياهم {فلا تنظرون} أي لا تمهلوني ساعة، وذلك لأن {وليى5 الله الذي نزل الكتاب} أي القرآن {وهو يتولى الصالحين} فهو ينصرني منكم ويحميني من كيدكم إنه ولي ووليُّ المؤمنين. أما أنتم {والذين تدعون من دونه} أي من دون الله من هذه الأوثان {لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون} وشيء آخر وهو أنكم {إن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا} فضلاً عن إن تدعوهم إلى الضلال فكيف تصح عبادة من لا يجيب داعية في الرخاء ولا في الشدة. وأخيراً يقول تعالى لرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، {وتراهم} أي ترى أولئك الآلهة وهي تماثيل من حجارة {ينظرون إليك6} إذا قابلتهم لأن أعينهم مفتوحة دائماً، والحال أنهم لا يبصرون، وهل تبصر الصور والتماثيل؟.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- إقامة الحجة على المشركين بالكشف عن حقيقة ما يدعون أنها آلهة فإذا بها أصنام لا تسمع ولا تجيب لا أيد لها ولا أرجل ولا آذان ولا أعين.
2- وجوب التوكل على الله تعالى، وطرد الخوف من النفس والوقوف أمام الباطل وأهله في شجاعة وصبر وثبات اعتماداً على الله تعالى وولايته إذ هو يتولى الصالحين.
3- جواز المبلاغة في التنفير من الباطل والشر بذكر العيوب والنقائص.
__________
1 تدعون: بمعنى تعبدون لأن الدعاء هو العبادة أو تدعون: بمعنى تدعونها عبادة فحذف المفعول ليشمل التعبير المعنيين وهو من بلاغة القرآن.
2 أطلق لفظ عباد على الأوثان لأنها مملوكة لله تعالى كعابديها مخلوقة كما هم مخلوقون، ولما اعتقد المشركون أنّ أصنامهم تنفع وتضر عاملها معاملة المقلاء فقال: عباد أمثالكم وقال: {فادعوهم} بدل فادعوهن.
3 اليد والرجل والأذن مؤنثات ولذا يصغّرن بالهاء ويقال: يُدية ورُجلية وأذينة وشدّدت الهاء من: يدية لأنّ الياء المحذوفة من يد، ردّت في التصغير.
4 أصل كيدون: كيدوني بالياء فحذفت تخفيفاً، والكيد:. المكر، والحرب أيضاً يقال: غزا فلم يلق كيداً أي: حرباً.
5 وليّ الشيء: هو الذي يحفظه ويمنع الضرر عنه وفي صحيح مسلم عن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "ألا إن آل فلان ليسوا لي بأولياء إنما وليي الله وصالح المؤمنين".
6 النظر: فتح العينين إلى المنظور إليه، وجملة وتراهم مستأنفة وينظرون في محل نصب على الحال وجائز أن يكون المراد بـ تراهم ينظرون إليك المشركون أنفسهم وكونهم لا يبصرون لأنهم لم ينتفعوا بأبصارهم.
************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
05-01-2022, 05:10 AM
خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199) وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ (201) وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ (202)
شرح الكلمات:
العفو: ما كان سهلاً لا كلفة فيه وهو ما يأتي بدون تكلف.
بالعرف: أي المعروف في الشرع بالأمر به أو الندب إليه.
وأعرض عن الجاهلين: الجاهلون: هم الذين لم تستنر قلوبهم بنور العلم والتقوى، والإعراض عنهم بعدم مؤاخذتهم على سوء قولهم أو فعلهم.
نزغ الشيطان: أي وسوسته بالشر.
فاستعذ بالله: أي قل أعوذ بالله يدفعه عنك إنه أي الله سميع عليم.
اتقوا: أي الشرك والمعاصي.
طائف من الشيطان: أي ألم بهم شيء من وسوسته.
وإخوانهم يمدونهم في الغي: أي إخوان الشياطين من أهل الشرك والمعاصي يمدونهم في الغي.
ثم لا يقصرون: أي لا يكفون عن الغي الذي هو الضلال والشر والفساد.
معنى الآيات:
لما علّم تعالى رسوله كيف يحاج المشركين لإبطال باطلهم في عبادة غير الله تعالى والإشراك به عز وجل علمه في هذه الآية أسمى الآداب وأرفعها، وأفضل الأخلاق وأكملها فقال له: {خذ العفو1 وأمر بالعرف2 وأعرض عن الجاهلين} أي خذ من أخلاق الناس ما سهل عليهم قوله وتيسر لهم فعله، ولا تطالبهم بما لا يملكون أو بما لا يعلمون وأمرهم بالمعروف، وأعرض3 عن الجاهلين منهم فلا تعنفهم ولا تغلظ القول لهم فقد سأل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن معنى هذه الآية جبريل عليه السلام فقال له: "تعفو عمن ظلمك وتصل من قطعك وتعطي من حرمك4" وقوله {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ5} أي أثار غضبك حتى لا تلتزم بهذا الأدب الذي أمرت به {فاستعذ بالله} بدفعه عنك إنه سميع لأقوالك عليم بأحوالك. ثم قال تعالى مقرراً حكم الاستعاذة مبيناً جدواها ونفعها لمن يأخذ بها. {إن الذين اتقوا} أي ربهم فلم يشركوا به أحداً ولم يفرطوا في الواجبات ولم يغشوا المحرمات هؤلاء {إذا مسهم طائف6 من الشيطان} بأن نزغهم بإثارة الغضب أو الشهوة فيهم تذكروا أمر الله ونهيه ووعده ووعيده {فإذا هم مبصرون} يرون قبح المعصية وسوء عاقبة فاعلها فكفوا عنها ولم يرتكبوها. وقوله تعالى: {وإخوانهم} أي إخوان الشياطين من أهل الشرك والمعاصي {يمدونهم} أي الشياطين {في الغي} أي في المعاصي والضلالات ويزيدونهم في تزيينها لهم وحملهم عليها، {ثم لا يقصرون} عن فعلها ويكفون عن ارتكابها.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- الأمر بالتزام الآداب والتحلي بأكمل7 الأخلاق ومن أرقاها العفو عمن ظلم وإعطاء من حرم، وصلة من قطع.
2- وجوب الاستعاذة بالله عند8 الشعور بالوسوسة أو الغضب أو تزيين الباطل9.
3- فضيلة التقوى وهي فعل الفرائض وترك المحرمات.
4- شؤم أخوة الشياطين حيث لا يقصر صاحبها بمد الشياطين له عن الغي الذي هو الشر والفساد.
__________
1 قال ابن الزبير هذه الآية: {خذ العفو..} الخ ما أنزلها الله تعالى إلاّ في أخلاق الناس، وقال جعفر الصادق أمر الله رسوله بمكارم الأخلاق في هذه الآية، وليس في القرآن أجمع لمكارم الأخلاق من هذه الآية.
2 العرف: المعروف وقرىء العرف: العُرُف بضم العين والراء مثل: الحُلُم والعرف: كل خصلة حسنة ترتضيها العقول وتطمئن إليها النفوس: قال الشاعر:
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه ... لا يذهب العُرف بين الله والناس
3الإعراض عن الجاهلين يكون بعد دعوتهم إلى الحق وإقامة الحجة عليهم فان لم يستجيبوا يعرض عنهم آذوه أو لم يؤذوه.
4 من أحاديث مكارم الأخلاق قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إنكم لا تسعون الناس بأموالكم ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق".
5 النزغ، والنغز والهمز والوسوسة بمعنى واحد، والنزغ: الإفساد والإغراء والإغراء وعلاج الوسوسة، الاستعاذة بالله تعالى.
6 الطيف، والطائف، بمعنى، وقيل: الطيف: الخيال، والطائف: الشيطان. وهو صحيح أيضاً.
7 روي أنّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "أمرني ربي بتسع: الإخلاص في السر والعلانية والعدل في الرضا والغضب، والقصد في الغنى والفقر، وأن أعفو عمّن ظلمني وأصل من قطعني، وأعطي من حرمني وأن يكون نطقي ذكراً وصمتي فكراً ونظري عبرة".
8 روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يأتي الشيطان أحدكم فيقول له من خلق كذا وكذا حتى يقول له: من خلق ربّك؟ فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته" فقوله: فليستعذ: الأمر للوجوب إذ لا يدفع الشيطان إلا الله تعالى فهو الذي ينجي منه ويجير.
9 روي أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما نزلت آية {خذ العفو} الآية قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كيف يا رب والغضب" فنزلت: {وإمّا ينزغنك ... } الخ.

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
05-01-2022, 05:12 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الاعراف - (29)
الحلقة (440)
تفسير سورة الاعراف مكية
المجلد الثانى (صـــــــ 279الى صــــ 282)


وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203) وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204) وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ (205) إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206)
شرح الكلمات:
قالوا لولا اجتبيتها: أي اخترعتها واختلقتها من نفسك وأتيتنا بها.
هذا بصائر من ربكم: أي هذا القرآن حجج وبراهين وأدلة على ما جئت به وادعوكم إليه فهو أقوى حجة من الآية التي تطالبون بها.
فاستمعوا له وانصتوا: أي اطلبوا سماعه وتكلفوا له، وانصتوا عند ذلك أي اسكتوا حتى تسمعوا سماعاً ينفعكم.
وخيفة: أي خوفاً.
بالغدو والآصال: الغدو: أول النهار، والآصال: أواخره.
من الغافلين: أي عن ذكر الله تعالى.
إن الذين عند ربك: أي الملائكة.
يسبحونه: ينزهونه بألسنهم بنحو سبحان الله وبحمده.
معنى الآيات:
ما زال السياق في توجيه الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتعليمه الرد على المشركين خصومه فقال تعالى عن المشركين من أهل مكة {وإذا لم تأتيهم} يا رسولنا {بآية} 1 كما طلبوا {قالوا} لك {لولا} أي هلا {اجتبيتها} أي اخترعتها وأنشأتها من نفسك ما دام ربك لم يعطها قل لهم إنما أنا عبد الله ورسوله لا أفتات عليه {وإنما اتبع ما يوحى إليّ من ربي} وهذا القرآن الذي يوحى إلي بصائر2 من حجج وبراهين على صدق دعواي وإثبات رسالتي،
وصحة ما أدعوكم إليه من الإيمان والتوحيد وترك الشرك والمعاصي، فهلا آمنتم واتبعتم أم الآية الواحدة تؤمنون عليها والآيات الكثيرة لا تؤمنون عليها أين يذهب بعقولكم؟ وعلى ذكر بيان حجج القرآن وأنواره أمر الله تعالى عباده المؤمنين إذا قرىء عليهم القرآن أن يستمعوا وينصتوا وسواء كان يوم الجمعة على المنبر أو كان في غير ذلك3 فقال تعالى {فإذا قرىء القرآن فاستمعوا له} أي تكلفوا السماع وتعمدوه {وانصتوا} بترك الكلام {لعلكم ترحمون} أي رجاء أن ينالكم من هدى القرآن رحمته فتهتدوا وترحموا لأن القرآن هدى ورحمة للمؤمنين.
ثم أمر تعالى رسوله وأمته تابعة له في هذا الكمال فقال تعالى {واذكر ربك في نفسك} أي سراً {تضرعاً} أي تذللاً وخشوعاً، {وخيفة4} أي وخوفاً وخشية {ودون الجهر من القول} وهو السر بأن يسمع نفسه فقط أو من يليه لا غير وقوله {بالغدو والآصال} أي أوائل النهار وأواخره، ونهاه عن ترك الذكر وهو الغفلة فقال {ولا تكن من الغافلين} وذكر له تسبيح5 الملائكة وعبادتهم ليتأسى بهم، فيواصل العبادة والذكر ليل نهار فقال {إن الذين عند ربك} وهم الملائكة في الملكوت الأعلى {لا يستكبرون عن عبادته} أي طاعته بما كلفهم به ووظفهم فيه {ويسبحونه وله يسجدون6} فتأس بهم ولا تكن من الغافلين.
يتبع

ابوالوليد المسلم
05-01-2022, 05:13 AM
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- القرآن أكبر آية بل هو أعظم من كل الآيات التي أعطيها الرسل عليهم السلام.
2- وجوب الإنصات عند تلاوة القرآن وخاصة في خطبة الجمعة على المنبر وعند قراءة الإمام في الصلاة الجهرية.
3- وجوب ذكر الله بالغدو والآصال.
4- بيان آداب الذكر وهي:
1-السرية.
2- التضرع والتذلل.
3- الخوف والخشية.
4- الإسرار به وعدم رفع الصوت به، لا كما يفعل المتصوفة.
5- مشروعية الأئتساء بالصالحين والإقتداء بهم في فعل الخيرات وترك المنكرات.
6- عزيمة السجود عند قوله {وله يسجدون7} وهذه أول سجدات القرآن ويسجد القارىء والمستمع له، أما السامع فليس عليه سجود، ويستقبل بها القبلة ويكبر عند السجود وعند الرفع منه ولا يسلم وكونه متوضأً أفضل.
__________
1 وجائز أن يكون المراد من الآية: آية قرآنية يمدحهم فيها ويمدح أصنامهم ولولا هنا أداة تحضيض مثل هلاّ ولا يليها إلا الفعل ظاهراً أو مضمراً.
2 البصائر: جمع بصيرة وهي ما به يتضح الحق، وفي هذا تنويه بشأن القرآن العظيم وأنه: أعظم من الآيات أي: الخوارق التي يطالبون بها في الدلالة على الحق الذي ضلّوا عنه.
3 أي: كيومي العيدين مثلا، وهذا الأمر بالاستماع والانصات للقرآن عام يشمل المشركين إذ كانوا يأمرون بعدم الاستماع إليه كما قال تعالى: {وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن ... } كما يشمل المؤمنين، إذ سماع القرآن سبيل الهداية، والإنصات: سماع مع عدم التكلم حال الاستماع.
4 الخيفة: أصلها خوفة فقلبت الواو ياءُ لانكسار ما قبلها، وهي مصدر خاف المرء يخاف خوفاً وخيفة ومخافة فهو خائف.
5 تسبيح الملائكة معناه: تعظيمهم لله تعالى وتنزيههم له عزَّ وجلّ عن الشريك والولد.
6 صيغة المضارع في {يسبحون} و {يسجدون} لحصر السجود في الله تعالى وعدم جوازه لغيره عز وجل.
7 ولو سلم منها في غير الصلاة جاز فقد روي عن بعض السلف، ويستحب لمن سجد أن يقول: "اللهم احطط عني بها وزراً واكتب لي بها أجراً واجعلها لي عندك ذخراً" رواه ابن ماجه عن ابن عباس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
*******************************

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
08-01-2022, 09:35 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانفال - (1)
الحلقة (441)
تفسير سورة الانفال مدنية
المجلد الثانى (صـــــــ 283الى صــــ 288)


سورة الأنفال
مدنية
وآياتها خمس وسبعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)
شرح الكلمات:
الأنفال: جمع نفل1 بتحريك الفاء: ما يعطيه الإمام لأفراد الجيش تشجيعاً لهم.
ذات بينكم: أي حقيقة بينكم، والبين الوصلة والرابطة التي تربط بعضكم ببعض من المودة والإخاء.
إنما المؤمنون: أي الكاملون في إيمانهم.
وجلت قلوبهم: أي خافت إذ الوجل2: هو الخوف لاسيما عند ذكر وعيده ووعده.
وعلى ربهم يتوكلون: على الله وحده يعتمدون وله أمرهم يفوضون.
ومما رزقناهم: أي أعطيناهم.
أولئك: أي الموصوفون بالصفات الخمس السابقة.
لهم درجات: منازل عالية في الجنة.
ورزق كريم: أي عطاء عظيم من سائر وجوه النعيم في الجنة.
معنى الآيات:
هذه الآيات نزلت في غزوة بدر وكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد نفل3 بعض المجاهدين لبلائهم
وتخلف آخرون فحصلت تساؤلات بين المجاهدين لم يعطي هذا ولم لا يعطي ذاك فسألوا الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأنزل الله تعالى {يسألونك4 عن الأنفال؟} 5 فأخبرهم أنها {لله والرسول} فالله يحكم فيها بما يشاء والرسول يقسمها بينكم كما يأمره ربه6 وعليه فاتقوا الله تعالى بترك النزاع والشقاق، {وأصلحوا} ذات بينكم بتوثيق عرى المحبة بينكم وتصفية قلوبكم من كل ضغن أو حقد نشأ من جراء هذه الأنفال واختلافكم في قسمتها، {وأطيعوا الله ورسوله} في كل ما يأمرانكم به وينهيانكم عنه {إن كنتم مؤمنين} حقاً فامتثلوا الأمر واجتنبوا النهي. وقوله تعالى {إنما المؤمنون} أي الكاملون في إيمانهم الذين يستحقون هذا الوصف وصف المؤمنين هم {الذين إذا ذكر الله} أي اسمه أو وعده أو وعيده {وجلت قلوبهم7} أي خافت فأقلعت عن المعصية، وأسرعت إلى الطاعة، {وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً} أي قوي إيمانهم وعظم يقينهم، {وعلى ربهم} لا على غيره {يتوكلون} وفيه تعالى يثقون. وإليه تعالى أمورهم يفوضون، {الذين يقيمون الصلاة} بأدائها بكامل شروطها وكافة أركانها وسائر سننها وآدابها، {ومما رزقناهم} أي أعطيناهم {ينفقون} من مال وعلم، وجاه وصحة بدن من كل هذا ينفقون في سبيل الله {أولئك} الموصوفون بهذه الصفات الخمس {هم المؤمنون حقاُ} وصدقاً، {لهم درجات عند ربهم} أي منازل عالية متفاوتة العلو والارتفاع في الجنة، ولهم قبل ذلك {مغفرة} كاملة لذنوبهم، {ورزق كريم} 8 طيب واسع لا تنقيص فيه ولا تكدير، وذلك في الجنة دار المتقين.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- الأمر بتقوى الله عز وجل وإصلاح ذات البين.
2- الإيمان يزيد9 بالطاعة وينقص بالعصيان.
3- من المؤمنين من هو كامل الإيمان، ومنهم من هو ناقصه.
4- من صفات أهل الإيمان الكامل ما ورد في الآية الثانية من هذه السورة10 وما بعدها.
__________
1 النفل: بسكون الفاء: اليمين وفي الحديث: "فتبرئكم يهود بنفل خمسين منهم" وهو أيضاً الانتفاء من الشيء وفي الحديث: "فانتفل من ولدها" والنفل: نبت معروف، والنفل: الزيادة على الفرائض في الصلاة.
2 قيل لبعضهم: متى تعرف أنه استجيب دعاؤك؟ قال: إذا اقشعرّ جلدي ووجل قلبي، وفاضت عيناي بالدموع، وقالت عائشة رضي الله عنها: ما الوجل في القلب إلا كضَرَمَة السَعفَة، فإذا وجل أحدكم فليدع عند ذلك.
3 هذا ما ذهب إليه ابن جرير ورجحه محتجاً عليه بشواهد اللغة والتاريخ والجمهور على أن المراد بالأنفال هنا غنائم بدر، والكل محتمل إذ حصل النفل، وحصلت الغنيمة، ولما اختلفوا ردت إلى الله ورسوله ثم حكم الله تعالى فيها بقوله: {واعلموا أنما غنمتم من شيء ... } الآية.
4 السؤال معناه: الطلب فإن عدي بعن: كان لطلب معرفة شيء نحو: {يسألونك عن الأنفال} وإن عدي بنفسه نحو: "سأله مالا فهو: لطلب إعطاء الشيء المطلوب".
5 الأنفال: جمع نفلٌ بفتح النون والفاء معاً كعَمَلٌ وهو مشتق من النافلة التي هي الزيادة في العطاء، وقد أطلق العرب لفظ النفل على الغنائم في الحرب اعتباراً منهم لها على أنها زيادة عن المقصود الأهم الذي هو إبادة العدو، ولذا كان بعض صناديدهم لا يأخذونها وهذا عنترة يقول:
يخبرك من شهد الوقيعة أنني ... أغشى الوغى وأعفّ عند المغنم
6 اختلف في النفل هل يكون من الخمس أو هو خمس الخمس من الغنيمة؟ والصحيح أنه ما يعطيه الإمام من شاء من المقاتلين لبلائه من الخمس.
7 وجل: كضرب، يوجل كيضرب ويجل كيلد بإسقاط فاء الكلمة والمصدر: الوجل كالعسل، وموجل كموعد.
8 لفظ (الكريم) يصف به العرب كل شيء حسن في بابه لا قبح فيه ولا شكوى منه.
9سئل الحسن البصري فقيل له: يا أبا سعيد أمؤمن أنت؟ فقال: الإيمان إيمانان، فإن كنت تسألني عن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الأخر والقدر فأنا به مؤمن، وإن كنت تسألني عن قول الله تعالى: {إنما المؤمنون الذين ذكر الله وجلت قلوبهم} إلى قوله: {أولئك هم المؤمنون حقاً} فوالله ما أدري أنا منهم أم لا؟
10 وهما الآية الثالثة والرابعة.
*************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
08-01-2022, 09:35 PM
كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ1 وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ (6) وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8)
شرح الكلمات:
من بيتك: أي المدينة المنورة.
لكارهون: أي الخروج للقتال.
إحدى الطائفتين: العير "القافلة" أو النفير: نفير قريش وجيشها.
الشوكة 2: السلاح في الحرب.
يبطل الباطل: أي يظهر بطلانه بقمع أهله وكسر شوكتهم وهزيمتهم.
ولو كره المجرمون: كفار قريش المشركون.
معنى الآيات:
قوله تعالى {كما أخرجك ربك} أيها الرسول {من بيتك} بالمدينة {بالحق} متلبساً به حيث خرجت بإذن الله {وان فريقاً3 من المؤمنين لكارهون} لما علموا بخروج قريش لقتالهم، وكانت العاقبة خيراً عظيماً، هذه الحال مثل حالهم لما كرهوا نزع الغنائم من أيديهم وتوليك قسمتها بإذننا، على أعدل قسمة وأصحها وأنفعها فهذا الكلام في هذه الآية (5) تضمنت تشبيه حال حاضرة بحال ماضيه حصلت في كل واحدة كراهة بعض المؤمنين، وكانت العاقبة في كل منهما خيراً والحمد لله، وقوله تعالى {يجادلونك في الحق بعدما تبين} أي يجادلونك في القتال بعدما أتضح لهم أن العير4 نجت وأنه لم يبق إلا النفير5 ولا بد من قتالها. وقوله تعالى {كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون} أي إلى الموت عياناً يشاهدونه أمامهم وذلك من شدة كراهيتهم لقتال لم يستعدوا له ولم يوطنوا أنفسهم لخوض معاركه. وقوله تعالى {وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين} أي اذكر يا رسولنا لهم الوقت الذي يعدكم الله تعالى فيه إحدى الطائفتين العير والنفير، وهذا في المدينة وعند السير أيضاً {أنها لكم} أي تظفرون بها، {وتودون} أي تحبون أن تكون {غير ذات الشوكة} وهي عير أبي سفيان {تكون لكم} ، وذلك لأنها مغنم بلا مغرم لقلة عددها وعددها، والله يريد {أن يحق الحق} أي يظهره بنصر أوليائه وهزيمة أعدائه، وقوله {بكلماته} أي التي تتضمن أمره تعالى إياكم بقتال الكافرين، وأمره الملائكة بالقتال معكم، وقوله {ويقطع دابر الكافرين} أي بتسليطكم عليهم فتقتلوهم حتى لا
تبقوا منهم غير من فر وهرب، وقوله {ليحق الحق} أي لينصره ويقرره وهو الإسلام {ويبطل الباطل} وهو الشرك {ولو كره} ذلك {المجرمون} أي المشركون الذين أجرموا على أنفسهم فأفسدوها بالشرك، وعلى غيرهم أيضاً حيث منعوهم من قبول الإسلام وصرفوهم عنه بشتى الوسائل.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- تقرير قاعدة {عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم} وذكر نبذة عن غزوة بدر الكبرى وبيان ذلك أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلغه أن عيراً لقريش تحمل تجارة قادمة من الشام في طريقها إلى مكة وعلى رأسها أبو سفيان بن حرب فانتدب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعض أصحابه للخروج إليها عسى الله تعالى أن يغنمهم إياها، لأن قريشاً صادرت أموال بعضهم وبعضهم ترك ماله بمكة وهاجر. فلما خرج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأثناء مسيره أخبرهم أن الله تعالى وعدهم إحدى الطائفتين، لا على التعيين جائز أن تكون العير، وجائز أن تكون النفير الذي خرج من مكة للذب عن العير ودفع الرسول وأصحابه عنها حتى لا يستولوا عليها، فلما بلغ الرسول نبأ نجاة العير6 وقدوم النفير استشار أصحابه فوافقوا على قتال المشركين ببدر وكره بعضهم ذلك، وقالوا: إنا لم نستعد للقتال فأنزل الله تعالى هذه الآيات {يجادلونك في الحق بعد ما تبين} إلى قوله { ... ولو كره المجرمون} .
2- بيان ضعف الإنسان في رغبته في كل مالا كلفة فيه ولا مشقة.
3- إنجاز الله تعالى وعده للمؤمنين إذ أغنمهم طائفة النفير وأعزهم بنصر لم يكونوا مستعدين له.
4- ذكر نبذة عن وقعة بدر وهي من أشهر الوقائع وأفضلها وأهلها من أفضل الصحابة وخيارهم إذ كانت في حال ضعف المسلمين حيث وقعت في السنة الثانية من الهجرة وهم أقلية والعرب كلهم أعداء لهم وخصوم.
__________
1 الباء للمصاحبة أي: أخرجه إخراجاً مصاحباً للحق ليس فيه من الباطل شيء قط.
2 وكلّ نبت له حدّ يقال له: شرك واحده: شوكة.
3 هذه الجملة حالية: والعامل فيها: أخرجك ربّك.
4 هي قافلة أبي سفيان التجارية التي يصحبها زهاء ثلاثين رجلاً من قريش.
5 النفير: جيش قوى الذي استنفرت فيه قرابة ألف مقاتل.
6 لأنّ أبا سفيان لما بلغه بواسطة بعض الركبان أنّ محمداً قد خرج برجاله يطلب عيره استأجر ضمضم الغفاري فبعثه إلى أهل مكة يخبرهم بخروج الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمرهم أن ينفروا لإنقاذ قافلتهم، وأما الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه فإنهم لما بلغوا في مسيرهم وادي ذفران وخرجوا منه أتاهم نبأ خروج قريش ليمنعوا قافلتهم فاستشار النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه فقام أبو بكر وقال فأحسن ثم قال عمر فقال فأحسن، ثم قام المقداد بن عمرو فقال يا رسول الله: امض لما أمرك الله به فنحن معك، والله لا نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى: {اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون} ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دون حتى نبلغه فقال له الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيراً ودعا له بخير ثم قال: أشيروا عليّ أيها الناس، وهو يريد الأنصار فقال له سعد بن معاذ: كأنك تعنينا يا رسول الله قال: أجل، فقال سعد كلمة سرت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعندها قال: سيروا على بركة الله وأبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين.

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
08-01-2022, 09:37 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانفال - (2)
الحلقة (442)
تفسير سورة الانفال مدنية
المجلد الثانى (صـــــــ 289الى صــــ 294)

إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (11) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (13) ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ (14)
شرح الكلمات:
تستغيثون1: أي تطلبون الغوث من الله تعالى وهو النصر على
أعدائكم
مردفين: أي متتابعين بعضهم ردف بعض أي متلاحقين.
وما جعله الله إلا بشرى: أي الإمداد بالملائكة إلا بشرى لكم بالنصر.
إذ يغشيكم النعاس: أي يغطيكم به والنعاس: نوم خفيف جداً.
أمنة.: أي أمناً من الخوف الذي أصابكم لقلتكم وكثرة عدوكم.
منه: أي من الله تعالى.
رجز الشيطان: وسواسه لكم بما يؤلمكم ويحزنكم.
وليربط على قلوبكم: أي يشد عليها بالصبر واليقين.
ويثبت به الأقدام: أي بالمطر أقدامكم حتى لا تسوخ في الرمال.
الرعب: الخوف والفزع.
فاضربوا كل بنان: أي أطراف اليدين والرجلين حتى يعوقهم عن الضرب والمشي.
شاقوا الله ورسوله: أي خالفوه في مراده منهم فلم يطيعوه وخالفوا رسوله.
ذلكم فذوقوه: أي العذاب فذوقوه.
عذاب النار: أي في الآخرة.
معنى الآيات:
ما زال السياق في أحداث غزوة بدر، وبيان منن الله تعالى على رسوله والمؤمنين إذ يقول تعالى لرسوله {إذ تستغيثون ربكم} أي اذكر يا رسولنا حالكم لما كنتم خائفين لقلتكم وكثرة عدوكم فاستغثتم ربكم قائلين: اللهم نصرك، اللهم أنجز لي ما وعدتني {فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين} أي متتالين يتبع بعضهم بعضا {وما جعله الله إلا بشرى} أي لم يجعل ذلك الإمداد إلا مجرد بشرى لكم بالنصر على عدوكم {ولتطمئن به قلوبكم} أي تسكن ويذهب منها القلق والاضطراب، أما النصر فمن عند الله، {إن الله عزيز حكيم} عزيز غالب لا يحال بينه وبين ما يريده، حكيم بنصر من هو أهل للنصر، هذه نعمة، وثانية: اذكروا {إذ يغشيكم} ربكم
{النعاس أمنة منه2} أي أماناً منه تعالى لكم فإن العبد إذا خامره النعاس هدأ وسكن وذهب الخوف محنه، وثبت في ميدان المعركة لا يفر ولا يرهب ولا يهرب، {وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان} وهذه نعمة أخرى، فقد كانت الأرض رملية تسوح فيها أقدامهم لا يستطيعون عليها كراً ولا فراً، وقل ماؤهم فصاروا ظماءً عطاشاً، محدثين، لا يجدون ما يشربون ولا ما يتطهرون به من أحداثهم ووسوس الشيطان لبعضهم بمثل قوله: تقاتلون محدثين كيف تنصرون، تقاتلون وأنتم عطاش وعدوكم ريان إلى أمثال هذه الوسوسة، فأنزل الله تعالى على معسكرهم خاصة مطراً غزيراً شربوا وتطهروا وتلبدت به التربة فأصبحت صالحة للقتال عليها، هذا معنى قوله تعالى {وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان} أي وسواسه {وليربط على قلوبكم} أي يشد عليها بما أفرغ عليها من الصبر وما جعل فيها من اليقين لها {ويثبت3به الأقدام} ونعمة أخرى واذكر {إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم} بتأييدي ونصري {فثبتوا الذين آمنوا} أي قولوا لهم من الكلام تشجيعاً لهم ما يجعلهم يثبتون في المعركة {سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب} أي الخوف أيها المؤمنون {فاضربوا فوق4 الأعناق} أي اضربوا المذابح {واضربوا منهم كل بنان5} أي أطراف اليدين والرجلين حتى لا يستطيعوا ضرباً بالسيف، ولا فراراً بالأرجل وقوله تعالى {ذلك 6بأنهم شاقوا الله ورسوله} أي عادوهما وحاربوهما {ومن يشاقق الله ورسوله} ينتقم منه ويبطش به {فإن الله شديد العقاب} ، وقوله تعالى {ذلكم فذوقوه} أي ذلكم العذاب القتل والهزيمة فذوقوه في الدنيا وأما الآخرة فلكم فيها عذاب النار.
هداية الآيات.
من هداية الآيات:
1- مشروعية الاستغاثة بالله تعالى وهي عبادة فلا يصح أن يستغاث بغير الله تعالى.
2- تقرير عقيدة أن الملائكة عباد لله يسخرهم في فعل ما يشاء، وقد سخرهم للقتال مع المؤمنين فقاتلوا، ونصروا وثبتوا وذلك بأمر الله تعالى لهم بذلك.
3- تعداد نعم الله تعالى على المؤمنين في غزوة بدر وهي كثيرة.
4-مشاقة7 الله ورسوله كفر يستوجب صاحبها عذاب الدنيا وعذاب الآخرة.
5- تعليم الله تعالى عباده كيف يقاتلون ويضربون أعداءهم، وهذا شرف كبير للمؤمنين.
__________
1 روى مسلم عن عمر رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يوم بدر نظر إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وبضعة عشر، فاستقبل القبلة ثم مدّ يديه فجعل يهتف بربه: "اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم ائتني ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض" فما زال يهتف بربّه مادّاً يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه وقال يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك فأنزل الله تعالى: {إذ تستغيثون ربكم ... } الآية.
2 أمنة: مصدر أمن أمنة وأمناً وأماناً وهو منصوب على الحال، أو المصدرية.
3 هذا عائد على الماء الذي شدّ دهس أرض الوادي، ويصح أن يكون عائداً إلى ربط القلوب، فيكون تثبيت الأقدام عبارة عن النصر والمعونة في الحرب.
4 هذا الأمر إرشادي للملائكة وللمؤمنين معاً.
5 واحد البنان: بنانة، والمراد بها هتا الأصابع الممسكة بالسيف والرمح حتى تعجز عن قتال المسلمين وضربهم.
6 ذلك: مبتدأ والخبر محذوف تقدير الكلام: الأمر ذلك، والجملة تعليلية لأنّ الباء في قوله: {بأنهم} سببية.
7 أصل المشاقة: العداوة بعصيان وعناد، مشتقة من الشق بكسر السين الذي هو الجانب، فالمشاق يقف عن مشاقه موقف العداء والعصيان، والتمرد في جانب لا يلتقي معه.
***************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
08-01-2022, 09:37 PM
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ (15) وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16) فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَناً إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17) ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ (18) إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ الْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19)
شرح الكلمات:
زحفاً1: أي زاحفين لكثرتهم ولبطىء سيرهم كأنهم يزحفون على
الأرض.
فلا تولوهم الأدبار: أي لا تنهزموا فتفروا أمامهم فتولونهم أدباركم.
متحرفاً لقتال: أي مائلاً من جهة إلى أخرى ليتمكن من ضرب العدو وقتاله.
أو متحيزاً إلى فئة: أي يريد الانحياز إلى جماعة من المؤمنين تقاتل.
فقد باء بغضب: أي رجع من المعركة مصحوباً بغضب من الله تعالى لمعصيته إياه.
وليبلي: أي لينعم عليهم بنعمة النصر والظفر على قلة عددهم فيشكروا.
فئتكم: مقاتلتكم من رجالكم الكثيرين.
معنى الآيات:
ما زال السياق في الحديث عن غزوة بدر وما فيها من جلائل النعم وخفى الحكم ففي أولى هذه الآيات ينادي الرب تبارك وتعالى عباده المؤمنين فيقول {يا أيها الذين آمنوا إذا2 لقيتم الذين كفروا زحفاً} أي وأنتم وإياهم زاحفون إلى بعضكم البعض {فلا تولوهم الأدبار3} أي لا تنهزموا أمامهم فتعطوهم أدباركم فتمكنوهم من قتلكم، إنكم أحق بالنصر منهم، وأولى بالظفر والغلب إنكم مؤمنون وهم كافرون فلا يصح منكم انهزام أبداً {ومن يولهم يومئذ دبره} اللهم {إلا متحرفاً لقتال} أي مائلاً من جهة إلى أخرى ليكون ذلك أمكن له في القتال {أو متحيزاً إلى فئة} أي منحازاً إلى جماعة من المؤمنين تقاتل فيقاتل معها ليقويها أو يقوى بها، من ولى الكافرين دبره في غير هاتين الحالتين {فقد باء بغضب من الله} أي رجع من جهاده مصحوباً بغضب من الله {ومأواه جهنم وبئس المصير} 4
وذلك بعد موته وانتقاله إلى الآخرة، وقوله تعالى {فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم} يخبر تعالى عباده المؤمنين الذين حرم عليهم التولي ساعة الزحف وتوعدهم بالغضب وعذاب النار يوم القيامة أنهم لم يقتلوا المشركين على الحقيقة وإنما الذي قتلهم هو الله فهو الذي أمرهم وقدرهم وأعانهم، ولولاه ما قتل أحد ولا مات فليعرفوا هذا حتى لا يخطر ببالهم أنهم هم المقاتلون وحدهم. وحتى رمي رسوله المشركين بتلك التي وصلت إلى جل أعين المشركين في المعركة فأذهلتهم وحيرتهم بل وعوقتهم عن القتال وسببت هزيمتهم كان الله تعالى هو الرامي الذي أوصل التراب إلى أعين المشركين، إذ لو ترك الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا لقوته لما وصلت حثية التراب إلى أعين الصف الأول من المقاتلين المشركين، ولذا قال تعالى {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى5} وقوله تعالى {وليبلي المؤمنين منه بلاء حسناً} أي فعل تعالى ذلك القتل بالمشركين والرمي بإيصال التراب إلى أعينهم ليذل الكافرين ويكسر شوكتهم {وليبلي6 المؤمنين} أي ولينعم عليهم الأنعام الحسن بنصرهم وتأييدهم في الدنيا وإدخالهم الجنة في الآخرة. وقوله تعالى {إن الله سميع عليم} بمقتضى هاتين الصفتين كان الإبلاء الحسن، فقد سمع تعالى أقوال المؤمنين واستغاثتهم به، وعلم ضعفهم وحاجتهم فأيدهم ونصرهم فكان ذلك منه إبلاء حسناً، وقوله تعالى {ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين} أي ذلكم القتل والرمي والإبلاء كله حق واقع بقدرة الله تعالى {وأن الله موهن} أي مضعف {كيد الكافرين} فكلما كادوا كيداً بأوليائه وأهل طاعته أضعفه وأبطل مفعوله، وله الحمد والمنة. وقوله تعالى {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح، وإن تنتهوا فهو خير لكم} هذا خطاب للمشركين حيث قال أبو جهل وغيره من رؤساء المشركين7 "اللهم أينا كان أفجر لك واقطع للرحم فأحنه اليوم، اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا نعرف فأحنه الغداة" أي أهلكه الغداة يوم بدر فأنزل الله تعالى {إن
تستفتحوا} أي تطلبوا الفتح وهو القضاء بينكم وبين نبينا محمد {فقد جاءكم الفتح} وهي هزيمتهم في بدر {وإن تنتهوا} تكفوا عن الحرب والقتال وتنقادوا لحكم الله تعالى فتسلموا {فهو خير لكم وإن تعودوا} للحرب والكفر {نعد} فنسلط عليكم رسولنا والمؤمنين لنذيقكم على أيديهم الذل والهزيمة {ولن تغني عنكم فئتكم شيئاً ولو كثرت} وبلغ تعداد المقاتلين منكم عشرات الآلاف، هذا وأن الله دوماً مع المؤمنين فلن يتخلى عن تأييدهم ونصرتهم ما استقاموا على طاعة ربهم ظاهراً وباطناً.
هداية الآيات
هن هداية الآيات:
1- حرمة الفرار من العدو الكافر عند8 اللقاء لما توعد الله تعالى عليه من الغضب والعذاب ولعد الرسول له من الموبقات السبع في حديث مسلم "والتولي يوم الزحف".
2- تقرير مبدأ أن الله تعالى خالق كل شيء وأنه خلق العبد وخلق فعله، إذ لما كان العبد مخلوقاً وقدرته مخلوقة، ومأموراً ومنهياً ولا يصدر منه فعل ولا قول إلا بإقدار الله تعالى له كان الفاعل الحقيقي هو الله، وما للعبد إلا الكسب بجوارحه9 وبذلك يجزى الخير بالخير والشر بمثله. عدل الله ورحمته.
3-آية وصول حثية التراب من كف الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أغلب عيون المشركين في المعركة.
4- إكرام الله تعالى وإبلاؤه لأولياءه البلاء الحسن فله الحمد وله المنة.
5- ولاية الله للمؤمنين الصادقين هي أسباب نصرهم وكمالهم وإسعادهم
__________
1 الزّحف: الدنوّ قليلاً قليلاً، وأصله، الاندفاع على الإلية، ثم سمي كل ماشٍ إلى حرب آخر زاحفاً، وازدحف القوم: إذا مشى بعضهم إلى بعض والزحاف: من علل الشعر وهو: أن يسقط من الحرفين حرف فيزحف أحدهما إلى الآخر.
2 هذه الجملة اعتراضية بين قوله تعالى: {إذ يوحي ربك} وبين قوله: {فلم تقتلوهم} ومن فوائدها تدريب المؤمنين على الشجاعة، والإقدام والثبات عند اللقاء، وهي خطة محمودة عند العرب فزادها الإسلام تقوية، قال شاعرهم وهو الحصين بن الحمام:
تأخرت أستبقي الحياة فلم ... أجد لنفسي حياة مثل أن أتقدما
3 {فلا تولوهم الأدبار} فيه استبشاع الهزيمة بذكر لفظ الدبر، وهو كذلك.
4 الحمد لله أنه لم يقل خالداً فيها بل قال: {مأواه جهنم} ولذا ورد أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من قال: استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفر له وإن كان قد فرّ من الزحف".
5 حصل الرمي من الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عدّة مرات منها يوم حنين ومنها يوم أحد ومنها يوم خيبر إذ رمى سهما في حصن فسقط السهم على ابن أبي الحقيق فقتله وهو نائم في فراشه، ومنها يوم بدر، وهو المراد هنا إذ السورة مدنية ولم يسبق هذا الرمي إلاّ الذي رمى به الواقفين على بابه في مكة يريدون انفاذ القتل الذي حكمت به قريش عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد روي أنه رماهم بحثية من تراب، فاشتغلوا بمسح أعينهم من التراب حتى نجا منهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
6 {وليبلي} ، الجملة متعلقة بمحذوف تقديره: فعل ذلك أي النصر، والهزيمة للكفار ليبلي المؤمنين ... الخ.
7 قالوا هذا وهم يتجهّزون للقتال في مكة، وقالوه في ساحة بدر قبل القتال.
8 هذا التحريم مقيّد بما في آخر السورة من أنّ ما زاد على المثلين يجوز الفرار معه كالواحد مع أكثر من اثنين، والمائة مع أكثر من مائتين، وألفين مع أكثر من أربعة آلاف.
9 مع ما وهبه الله من حرية الإرادة والقدرة على الاختيار ومع هذا فإنه لا يريد إلا ما أراده الله ولا يقع اختياره إلا على ما كتبه الله له أو عليه وقضى به أزلا وهنا تتجلى عظمة الرب تبارك وتعالى.

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
08-01-2022, 09:39 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانفال - (3)
الحلقة (443)
تفسير سورة الانفال مدنية
المجلد الثانى (صـــــــ 295الى صــــ 299)


يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23)
شرح الكلمات:
ولا تولوا عنه: أي لا تعرضوا عن طاعته إذا أمركم أو نهاكم كأنكم لا تسمعون.
إن شر الدواب: أي شر ما يدب على الأرض الكافرون.
لأسمعهم: لجعلهم يسمعون أو لرفع المانع عنهم فسمعوا واستجابوا.
معنى الآيات:
ينادي الله تعالى عباده المؤمنين1 الذين آمنوا به وبرسوله وصدقوا بوعده ووعيده يوم لقائه فيأمرهم بطاعته وطاعة رسوله، وينهاهم عن الإعراض عنه وهم يسمعون الآيات تتلى والعظات تتوالى في كتاب الله وعلى لسان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأن نصركم وتأييدكم كان ثمرة لإيمانكم وطاعتكم فإن أنتم أعرضتم وعصيتم فتركتم كل ولاية لله تعالى لكم أصبحتم كغيركم من أهل الكفر والعصيان هذا معنى قوله {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله، ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون} وقوله {ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون} ينهاهم عز وجل أن يسلكوا مسلك الكافرين المشركين2 في التصامم عن سماع الآيات الحاملة للحق والداعية إليه، والتعامي عن رؤية آيات الله الدالة على توحيده الذين قالوا إنا عما يقوله محمد في صمم، وفيما يذكر ويشير إليه في عمى، فهم يقولون سمعنا بآذاننا وهم لا يسمعون بقلوبهم لأنهم لا يتدبرون ولا يفكرون فلذا هم في سماعهم كمن لم يسمع إذ العبرة بالسماع الانتفاع3 به لا مجرد سماع صوت وقوله تعالى {إن شرّ4 الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون} يعني بهم المشركين وكانوا شر الدواب لأنهم كفروا بربهم وأشركوا به فعبدوا غيره، وضلوا عن سبيله ففسقوا وظلموا وأجرموا الأمر الذي جعلهم حقاً شر الدواب في الأرض فهذا تنديد بالمشركين، وفي نفس الوقت هو تحذير للمؤمنين من معصية الله ورسوله والإعراض عن كتابه وهدي نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقوله تعالى {ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم} أي لجعلهم يسمعون آيات الله وما تحمله من بشارة ونذارة وهذا من باب الفرض لقوله تعالى {ولو أسمعهم لتولوا عنه وهم معرضون} هؤلاء طائفة من المشركين5؟ توغلوا في الشر والفساد والظلم والكبر والعناد فحرموا لذلك هداية الله تعالى فقد هلك بعضهم في بدر وبعض في أحد ولم يؤمنوا لعلم الله تعالى أنه لا خير فيهم وكيف لا وهو خالقهم وخالق طباعهم، {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} .
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- وجوب طاعة الله ورسوله في أمرهما ونهيهما، وحرمة معصيتهما.
2- حرمة التشبه بالمشركين والكافرين وسائر أهل الضلال وفي كل شيء من سلوكهم.
3- بيان أن من الناس من هو شر من الكلاب والخنازير فضلاً عن الإبل والبقر والغنم أولئك البعض كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلاً.
__________
1 لا يجب الالتفات لمن قال: هذا الخطاب هو للمنافقين كأنما قال: يا من آمنتم بألسنتكم ولم تؤمن قلوبكم، إذ الآية في المؤمنين الصادقين بلا شك ولا ريب.
2 واليهود والمنافقين أيضاً، إذ الكل كان هذا موقفهم مما يدعوهم إليه الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
3 في الآية دليل على أن المؤمن إذ أمر أو نهي فقال سمعاً وطاعةً أي: سمعت وأطعت ولم يفعل ولم يترك لا وزن ولا عبرة بقوله بل لابد من الفعل والترك.
4 شرّ أصلها: أشر اسم تفضيل، ولكثرة الاستعمال اكتفوا بلفظ شّر لأنه أخف على اللسان بنقص حرف الهمزة.
5 في البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: {إنَّ شرّ الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون} قال: هم نفر من بني عبد الدار، والآية عامة في مَنْ تلك حالهم.
***********************
يتبع

ابوالوليد المسلم
08-01-2022, 09:40 PM
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25) وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26)
شرح الكلمات:
استجيبوا 1: اسمعوا وأطيعوا.
لما يحييكم2: أي لما فيه حياتكم ولما هو سبب في حياتكم كالإيمان والعمل الصالح والجهاد.
فتنة: أي عذاباً تفتنون به كالقحط أو المرض أو تسلط عدو.
مستضعفون: أي ضعفاء أمام أعدائكم يرونكم ضعفاء فينالون منكم.
ورزقكم من الطيبات: جمع طيب من سائر المحللات من المطاعم والمشارب وغيرها.
لعلكم تشكرون: رجاء أن تشكروه تعالى بصرف النعمة في مرضاته.
معنى الآيات:
هذا هو النداء الثالث بالكرامة للمؤمنين الرب تعالى يشرفهم بندائه ليكرمهم بما يأمرهم به أو ينهاهم عنه تربية لهم وإعداداً لهم لسعادة الدارين وكرامتهما فيقول {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم} وهو بمعنى النداء الأول أطيعوا الله ورسوله. وقوله {لما يحييكم} إشعار بأن أوامر الله تعالى ورسوله كنواهيهما لا تخلوا أبداً مما يحيي المؤمنين3 أو يزيد في حياتهم أو يحفظها عليهم، ولذا وجب أن يطاع الله ورسوله ما أمكنت طاعتهما. وقوله {واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه} تنبيه عظيم للمؤمنين إذا سنحت لهم فرصة للخير ينبغي أن يفترصوها قبل الفوات لاسيما إذا كانت دعوة من الله أو رسوله، لأن الله تعالى قادر على أن يحول بين المرء وما يشتهي وبين المرء وقلبه4 فيقلب القلب ويوجهه إلى وجهة أخرى فيكره فيها الخير ويرغب في الشر قوله {وأنه إليه
تحشرون} فالذي يعلم أنه سيحشر رغم أنفه إلى الله تعالى كيف يسرع له عقله أن يسمع نداءه بأمره فيه أو ينهاه فيعرض عنه، وقوله {واتقوا فتنة5 لا تصيبن6 الذين ظلموا منكم خاصة} تحذير آخر عظيم للمؤمنين من أن يتركوا طاعة الله ورسوله، ويتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فينتشر الشر ويعم الفساد، وينزل البلاء فيعم الصالح والطالح، والبار والفاجر7، والظالم والعادل، وقوله {واعلموا أن الله شديد العقاب} . وهو تأكيد للتحذير بكونه تعالى إذا عاقب بالذنب والمعصية فعقابه قاس شديد لا يطاق فليحذر المؤمنون ذلك بلزوم طاعة الله ورسوله. وقوله تعالى: {واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون} هذه موعظة ربانية لأولئك المؤمنين الذين عايشوا الدعوة الإسلامية من أيامها الأولى بذكرهم ربهم بما كانوا عليه من قلة وضعف يخافون أن يتخطفهم الناس لقلتهم وضعفهم، فآواهم عز وجل إلى مدينة نبيه المنورة ونصرهم بجنده فعزوا بعد ذلة واستغنوا بعد عيلة وفاقة، ورزقهم من الطيبات من مطعم ومشرب وملبس ومركب، ورزقهم من الطيبات إكراماً لهم، ليعدهم بذلك للشكر إذ يشكر النعمة من عاشها ولابسها، والشكر حمد المنعم والثناء عليه وطاعته ومحبته وصرف النعمة في سبيل مرضاته، والله يعلم أنهم قد شكروا فرضي الله عنهم وأرضاهم وألحقنا بهم صابرين شاكرين.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- وجب الاستجابة. لنداء الله ورسوله8 بفعل الأمر وترك النهي لما في ذلك من حياة الفرد المسلم.
2- تعين اغتنام فرصة الخير قبل فواتها فمتى سنحت للمؤمن تعين عليه اغتنامها.
3- وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اتقاء للفتن العامة التي يهلك فيها العادل والظالم.
4- وجوب ذكر النعم لشكرها بطاعة الله ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
5- وجوب شكر النعم بحمد الله تعالى والثناء عليه والاعتراف بالنعمة له والتصرف فيها حسب مرضاته.
__________
1 هذا بمعنى أجيبوا: الإجابة معناها: إعطاء المطلوب، وإن كانت أمراً ونهياً فهو الطاعة بفعل الأمر وترك النهي، ويعبر عنهما بالسمع والطاعة، وفعل استجاب: يُعدّى باللاّم يقال: استجاب له، وفعل أجاب: يتعدى بنفسه، يقال: أجابه، إلاّ أنّ استجاب قد يتعدى بنفسه ولكن بقلة ومنه قول الشاعر:
وداع دعا يا من يجيب إلى الندى ... فلم يستجبه عند ذاك مجيب
2 {يحييكم} أصلها يحييُكم بضم الياء الثانية إلاّ أن حركتها حذفت فسكنت تخفيفاً.
3 في الآية دليل على أن الكفر والجهل موت معنوي للإنسان، إذ بالإيمان والعلم تكون الحياة وبضدهما تكون الممات.
4 روى غير واحد عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوله: "اللهم يا مقلّب القلوب ثبت قلبي على دينك" وروى مسلم عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوله: " اللهم مصرف القلوب صرّف قلوبنا إلى طاعتك".
5 قال ابن عباس في هذه الآية أمر الله تعالى المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمّهم العذاب، وفي صحيح مسلم عن زينب بنت جحش أنها سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: يا رسول الله: أنهلك وفينا الصالحون قال: نعم إذا كثر الخبث".
6 إعراب هذه الجملة مشكل نكتفي بعرض صورتين: الأولى أنها كقوله: {ادخلوا مساكنكم لا يحطمنّكم} أي: إن تدخلوا لا يحطمنّكم فيكون معنى الآية: إن تتقوا ... لا تصيبنّ فدخلت نون التوكيد لما في التركيب من معنى الجزاء، والثانية: تكون على حذف القول أي: اتقوا فتنة مقول فيها: لا تصيبنّ الذين ظلموا ... كقول الشاعر:
حتى إذا جنّ الظلام واختلط ... جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قط
أي مقول فيه: هل رأيت.. الخ فقوله فتنة موصوف بجملة مقول فيها: لا تصيبنّ.
7 روى أحمد عن أم سلمة قالت سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إذا ظهرت المعاصي في أمتي عمهم الله بعذاب من عنده قالت. قلت: يا رسول الله أما فيهم أناس صالحون؟ قال بلى. قالت: كيف يصنع أولئك؟ قال: يصيبهم ما أصاب الناس ثم يصيرون إلى مغفرة من الله ورضوان".
8 روى البخاري عن أبي سعيد بن المعلى قال: كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم أجبه ثم أتيته فقلت يا رسول الله إني كنت أصلي فقال ألم يقل الله عز وجل {استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم} ؟ وذكر الحديث. قال العلماء. في هذا دليل على أن الفعل الفرض أو القول الفرض إذا أتى به في الصلاة لا تبطل.

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
08-01-2022, 09:40 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانفال - (4)
الحلقة (444)
تفسير سورة الانفال مدنية
المجلد الثانى (صـــــــ 300الى صــــ 303)


يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28) يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)
شرح الكلمات:
لا تخونوا الله والرسول: أي بإظهار الإيمان والطاعة ومخالفتهما في الباطن.
وتخونوا أماناتكم: أي ولا تخونوا أماناتكم التي يأتمن عليها بعضكم بعضاً.
إنما أموالكم وأولادكم فتنة: أي الاشتغال بذلك يفتنكم عن طاعة الله ورسوله.
إن تتقوا الله: أي بامتثال أمره واجتناب نهيه في المعتقد والقول والعمل.
يجعل لكم فرقاناً: نوراً في بصائركم تفرقون به بين النافع والضار والصالح والفاسد.
ويكفر عنكم سيآتكم: أي يمحوا عنكم ما سلف من ذنوبكم التي بينكم وبينه.
ويغفر لكم ذنوبكم: أي يغطيها فيسترها عليكم فلا يفضحكم بها ولا يؤاخذكم عليها.
معنى الآيات:
هذا نداء رباني آخر يوجه إلى المؤمنين {يا أيها الذين آمنوا} أي يا من آمنتم بالله رباً وبمحمد رسولاً وبالإسلام ديناً. {لا تخونوا الله والرسول} بأن يظهر أحدكم الطاعة لله ورسوله، ويستسر المعصية، ولا تخونوا أماناتكم التي يأتمن بعضكم بعضاً عليها {وأنتم تعلمون} عظيم جريمة الخيانة وآثارها السيئة على النفس والمجتمع، هذا ما دلت عليه الآية الأولى في هذا السياق {يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا1 الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون} وقوله تعالى {واعلموا إنما2 أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم} فيه إشارة إلى السبب الحامل على الخيانة غالباً وهو المال والأولاد فأخبرهم تعالى أن أموالهم وأولادهم فتنة تصرفهم عن الأمانة والطاعة، وأن ما يرجوه من مال أو ولد ليس بشيء بالنسبة إلى ما عند الله تعالى إن الله تعالى عنده أجر عظيم لمن أطاعه واتقاه وحافظ على أمانته مع الله ورسوله ومع عباد الله وقوله تعالى في الآية الثالثة {يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله3 يجعل لكم فرقاناً ويكفر عنكم سيئآتكم ويغفر لكم} هذا حض على التقوى وترغيب فيها بذكر أعظم النتائج لها وهي أولاً إعطاء الفرقان وهو النصر والفصل بين كل مشتبه، والتمييز بين الحق والباطل والضار والنافع، والصحيح والفاسد، وثانياً تكفير السيئآت، وثالثاً مغفرة الذنوب ورابعاً الأجر العظيم الذي هو الجنة ونعيمها إذ قال تعالى في ختام الآية {والله ذو الفضل العظيم} إشارة إلى ما يعطيه الله تعالى أهل التقوى في الآخرة وهو الجنة ورضوانه على أهلها، ولنعم الأجر الذي من أجله يعمل العاملون.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- تحريم الخيانة مطلقاً وأسوأها ما كان خيانة لله ورسوله.
2- في المال والأولاد فتنة قد تحمل على خيانة الله ورسوله، فيلحذرها المؤمن.
3- من ثمرات التقوى تكفير السيآت وغفران الذنوب، والفرقان وهو نور في القلب يفرق به المتقى بين الأمور المتشابهات والتي خفي فيها وجه الحق والخير.
__________
1 لفظ الآية عام في كل ذنب صغير وكبير، وما روي أنها نزلت في أبي لبابة حيث بعثه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى بني قريظة لينزلوا على حكم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاستشاروه في ذلك فأشار عليهم بذلك وأشار بيده إلى حلقه أي إنه الذبح لا ينافيه.
2 وهذه الآية عامّة أيضاً وإن قيل إنها نزلت في أبي لبابة إذ كان له مال وولد في بني قريظة فلا يُتهم لأجل ذلك.
3 قال بعضهم واصفاً للتقوى المورثة للفرقان فقال: هي امتثال الأوامر واجتناب المناهي، وترك الشبهات مخافة الوقوع في المحرمات وشحن القلب بالنية الخالصة، والجوارح بالأعمال الصالحة، والتحفظ من شوائب الشرك الخفي والظاهر.
*****************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
08-01-2022, 09:42 PM
وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ (31)
شرح الكلمات:
وإذ يمكر بك: أي يبيتون لك ما يضرك.
ليثبتوك: أي ليحبسوك مثبتاً بوثاق حتى لا تفر من الحبس.
أو يخرجوك: أي ينفوك بعيداً عن ديارهم.
ويمكرون ويمكر الله: أي يدبرون لك السوء ويبيتون لك المكروه، والله تعالى يدبر لهم ما يضرهم أيضاً ويبيت لهم ما يسوءهم.
آياتنا: آيات القرآن الكريم.
أساطير الأولين: الأساطير جمع أسطورة ما يدرن ويسطر من أخبار الأولين.
معنى الآيات:
يذكر تعالى رسوله والمؤمنين بنعمة من نعمه تعالى عليهم فيقول لرسوله واذكر إذ يمكر بك الذين كفروا {ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك} إذا اجتمعت قريش في دار الندوة وأتمرت في شأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفكرت ومكرت فأصدروا1 حكماً بقتله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبعثوا من ينفذ جريمة القتل فطوقوا منزلة فخرج النبي 2 صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد أن رماهم بحثية من تراب قائلاً شاهت الوجوه، فلم يره أحد ونفذ وهاجر إلى المدينة وهذا معنى {ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين} فكان في نجاته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من يد قريش نعمة عظمى على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى سائر المؤمنين والحمد لله رب العالمين.
وقوله تعالى في الآية الثانية {وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا3 مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين} هذا الخبر تنديد بموقف المشركين ذكر بعد ذكر مؤامراتهم الدنية ومكرهم الخبيث حيث قرروا قتله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخبر تعالى أنهم إذا قرأ عليهم الرسول آيات الله المبينة للحق والمقررة للإيمان به ورسالته بذكر قصص الأولين قالوا {سمعنا} ما تقرأ علينا، {ولو شئنا لقلنا مثل هذا} أي الذي تقول {إن هذا إلا أساطير الأولين} أي أخبار السابقين من الأمم سطرت وكتبت فهي تملى عليك فتحفظها وتقرأها علينا وكان قائل هذه المقالة الكاذبة النضر بن الحارث عليه لعائن الله إذ مات كافراً.
هداية الآيتين
من هداية الآيتين:
1- التذكير بنعم الله تعالى على البعد ليجد العبد في نفسه داعية الشكر فيشكر.
2- بيان مدى ما قاومت به قريش دعوة الإسلام حتى إنها أصدرت حكمها بقتل الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
3- بيان موقف المشركين من الدعوة الإسلامية، وأنهم بذلوا كل جهد في سبيل إنهائها والقضاء عليها.
__________
1 كان حكم القتل باقتراح إبليس إذ جاءهم وهم يتشاورون في أمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأشار عليهم وهو في صورة شيخ نجدي فقبلوا ما أشار به عليهم من القتل فأخذوا برأيه وتركوا ما أشار به بعضهم من النفي والحبس.
2 بعد أن ترك علياً نائماً على فراشه مسجىً ببرد أخضر للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
3 من بين القائلين: النضر بن الحارث إذ كان قد خرج إلى الحيرة في تجارة فاشترى أحاديث كليلة ودمنة وكسرى، وقيصر، وأخذ يقصّ تلك الأخبار ويقول: هذه مثل الذي يقصّ محمد من أخبار الماضين. وكذب فأين ما يقصه القرآن وما يوسوس به الشيطان.

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
08-01-2022, 09:43 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانفال - (5)
الحلقة (445)
تفسير سورة الانفال مدنية
المجلد الثانى (صـــــــ 303الى صــــ 306)


وَإِذْ قَالُواْ اللهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32) وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (34) وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ (35)
شرح الكلمات:
اللهم: أي يا الله حذفت ياء النداء من أوله وعوض عنها الميم من آخره.
إن كان هذا: أي الذي جاء به محمد ويخبر به.
فأمطر: أنزل علينا حجارة.
يصدون عن المسجد الحرام: يمنعون الناس من الدخول إليه للاعتمار.
مكاء وتصدية: المكاء: التصفير، والتصدية: التصفيق.
معنى الآيات:
ما زال السياق في التنديد ببعض أقوال المشركين وأفعالهم فهذا النضر1 بن الحارث القائل في الآيات السابقة {لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين} يخبر تعالى عنه أنه قال {اللهم إن كان هذا} أي القرآن {هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من
السماء} فنهلك بها، ولا نرى محمداً ينتصر2 دينه بيننا. {أو ائتنا بعذاب أليم} حتى نتخلص من وجودنا. فقال تعالى {وما كان الله ليعذبهم3 وأنت فيهم4} فوجودك بينهم أمان لهم {وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} إذ كانوا إذا طافوا يقول بعضهم غفرانك ربنا غفرانك، ثم قال تعالى {وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام} أي أيُّ شيء يصرف العذاب عنهم وهم يرتكبون أبشع جريمة وهي صدهم الناس عن دخول المسجد الحرام للطواف بالبيت الحرام، فقد كانوا يمنعون المؤمنين من الطواف بالبيت والصلاة في المسجد الحرام5. وقوله تعالى {وما كانوا أولياءه} رد على مزاعمهم بأنهم ولاة الحرم والقائمون عليه فلذا لهم أن يمنعوا من شاءوا ويأذنوا لمن شاءوا فقال تعالى رداً عليهم {وما كانوا أولياءه} أي أولياء المسجد الحرام، كما لم يكونوا أيضاً أولياء الله إنّما أولياء الله والمسجد الحرام المتقون الذين يتقون الشرك والمعاصي {ولكن أكثرهم لا يعلمون} هذا لجهل بعضهم وعناد آخرين. وقوله {وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية} إذ كان بعضهم إذا طافوا يصفقون ويصفرون كما يفعل بعض دعاة التصوف حيث يرقصون وهم يصفقون ويصفرون ويعدون هذا حضرة أولياء الله، والعياذ بالله من الجهل والضلال وقوله تعالى {فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون} أذاقهموه يوم بدر إذ أذلهم فيه وأخزاهم وقتل رؤساءهم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- بيان ما كان عليه المشركون في مكة من بغض للحق وكراهية له حتى سألوا العذاب العام ولا يرون راية الحق تظهر ودين الله ينتصر.
2- النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمان أمته من العذاب فلم تُصب هذه الأمة بعذاب الاستئصال والإبادة الشاملة.
3- فضيلة الاستغفار وأنه ينجى من عذاب الدنيا والآخرة.
4- بيان عظم جرم من يصد عن المسجد الحرام للعبادة الشرعية فيه.
5- بيان أولياء الله تعالى والذين يحق لهم أن يلوا المسجد الحرام وهو المتقون.
6- كراهية الصفير6 والتصفيق، وبطلان الرقص في التعبد.
__________
1 وقاله أيضاً أبو جهل وهو دال على مدى عناد المشركين في مكة ومكابرتهم وحسدهم أيضاً.
2 ذكر القرطبي الحكاية التالية قال: حكي أن ابن عباس لقيه يهودي فقال له من أنت؟ قال: من قريش. فقال أنت من القوم الذين قالوا: {اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء ... } الآية فهلاَّ عليهم أن يقولوا: إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا له إنّ هؤلاء قوم يجهلون قال ابن عباس: وأنت يا إسرائيلي من القوم الذين لم تجف أرجلهم من بلل البحر الذي أغرق فيه فرعون وقومه، وانجى موسى وقومه حتى قالوا: {اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة فقال لهم موسى أنكم قوم تجهلون} فأطرق اليهودي ملجماً.
3 روى مسلم انه لما قال أبو جهل. اللهم إن كان هذا هو الحق.. الآية نزلت هذه الآية: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم} .
4 دليله إنهم لما خرج من بينهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عذبهم الله بالقتل في بدر وسني القحط الجدب.
5 أي أنهم مستحقون العذاب ولكن لكل أجل كتاب فإذا حان أوانه عذّبوا.
6 الصفير: تفسير للمكاء في الآية وهو مأخوذ من صوت طائر يسمى المكاء قال الشاعر:
إذا غرّد المكاء في غير روضة ...
فويل لأهل الشاء والحُمُرات
******************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
08-01-2022, 09:43 PM
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36) لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (37)
شرح الكلمات:
إن الذين كفروا: أي كذبوا بآيات الله ورسالة رسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قريش
ثم تكون عليهم حسرة: أي شدة ندامة.
ثم يغلبون: أي يهزمون.
ليميز: أي ليميز كل صنف من الصنف الأخر.
الخبيث: هم أهل الشرك والمعاصي.
من الطيب: هم أهل التوحيد والأعمال الصالحة.
فيركمه: أي يجعل بعضه فوق بعض في جهنم.
معنى الآية الكريمة:
ما زال السياق في التنديد بالمشركين وأعمالهم الخاسرة يخبر تعالى {إن الذين كفروا} وهم أهل مكة من زعماء قريش {ينفقون أموالهم} في1 حرب رسول الله والمؤمنين للصد عن الإسلام المعبر عنه بسبيل الله يقول تعالى (فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة2} أي ندامة شديدة لسوء العاقبة التي كانت لهم في بدر وأحد والخندق إذ أنفقوا على هذه الحملات الثلاث من الأموال ما الله به عليم، ثم خابوا فيها وخسروا وبالتالي غلبوا وانتهى سلطانهم الكافر وفتح الله على رسوله والمؤمنين مكة وقوله تعالى {والذين كفروا} أي من مات منهم على الكفر {إلى جهنم يحشرون} أي يجمعون، وعلة هذا الجمع أن يميز الله تعالى الخبيث من الطيب فالطيبون وهم المؤمنون الصالحون يعبرون الصراط إلى الجنة دار النعيم، وأما الخبيث وهم فريق المشركين فيجعل بعضه إلى بعض فيركمه جميعاً كوماً واحداً فيجعله في جهنم. وقوله تعالى {أولئك هم الخاسرون} إشارة إلى الذين أنفقوا أموالهم للصد عن سبيل الله وماتوا على الكفر فحشروا إلى جهنم وجعل بعضهم إلى بعض ثم صيروا كوماً واحداً ثم جعلوا في نار جهنم هم الخاسرون بحق حيث خسروا أنفسهم وأموالهم وأهليهم وكل شيء وأمسوا في قعر جهنم مبلسين والعياذ بالله من الخسران المبين.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- كل نفقة ينفقها العبد للصد عن سبيل الله بأي وجه من الوجوه تكون عليه حسرة عظيمة يوم القيامة.
2- كل كافر خبيث وكل مؤمن طيب.
3- صدق وعد الله تعالى لرسوله والمؤمنين بهزيمة المشركين وغلبتهم وحسرتهم على ما أنفقوا في حرب الإسلام وضياع ذلك كله وخيبتهم فيه.
__________
1 لمّا هزمت قريش في بدر قام أبو سفيان بحملة جمع فيها الأموال لحرب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والانتقام لمن مات من صناديد قريش فجمع المال وشنّ حرب أحد إلاّ أنه خاب وخسر كما أخبر تعالى: ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون.
2 والآية يدخل فيها المطعمون ببدر إذ كانوا اثني عشر رجلاً فكان الواحد منهم يطعم جيش قريش عشرة من الإبل يومياً طيلة ما هم في بدر، فخابوا في نفقاتهم وهلكوا.

ابوالوليد المسلم
10-02-2022, 07:01 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانفال - (6)
الحلقة (446)
تفسير سورة الانفال مدنية
المجلد الثانى (صـــــــ 306الى صــــ 312)


قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40)
شرح الكلمات:
إن ينتهوا: عن الكفر بالله ورسوله وحرب الرسول والمؤمنين.
ما قد سلف: أي مضى من ذنوبهم من الشرك وحرب الرسول والمؤمنين.
مضت سنة الأولين: في إهلاك الظالمين.
لا تكون فتنة: أي شرك بالله واضطهاد وتعذيب في سبيل الله.
ويكون الدين كله لله: أي حتى لا يعبد غير الله.
مولاكم: متولي أمركم بالنصر والتأييد.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في بيان الإجراءات الواجب اتخاذها إزاء الكافرين فيقول تعالى لرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {قل للذين كفروا} 1 مبلغاً عنا {إن ينتهوا} أي عن الشرك والكفر والعصيان وترك حرب الإسلام وأهله {يغفر لهم ما قد سلف} يغفر الله لهم ما قد مضى2 من ذنوبهم العظام وهي الشرك والظلم، وهذا وعد صدق ممن لا يخلف الوعد سبحانه وتعالى. {وإن يعودوا} إلى الظلم والاضطهاد والحرب فسوف يحل بهم ما حل بالأمم السابقة قبلهم لما ظلموا فكذبوا الرسل وآذوا المؤمنين وهو معنى قوله تعالى {فقد مضت سنة
الأولين} أي سنة الله والطريقة المتبعة فيهم وهي أخذهم3 بعد الإنذار والإعذار. ثم في الآية الثانية من هذا السياق يأمر الله تعالى رسوله والمؤمنين بقتال المشركين قتالاً يتواصل بلا انقطاع إلى غاية هي: أن لا تبقى فتنة أي شرك ولا اضطهاد لمؤمن4 أو مؤمنة من أجل دينه، وحتى يكون الدين كله لله فلا يعبد5 مع الله أحد سواه {فإن انتهوا} أي عن الشرك والظلم فكفوا عنهم وإن انتهوا في الظاهر ولم ينتهوا في الباطل فلا يضركم ذلك {فإن الله بما يعملون بصير} وسيظهرهم لكم ويسلطكم عليهم. وقوله في ختام السياق {وإن تولوا} أي نكثوا العهد وعادوا إلى حربكم بعد الكف عنهم فقاتلوهم ينصركم الله عليهم واعلموا أن الله مولاكم فلا يسلطهم عليكم، بل ينصركم عليهم إنه {نعم المولى} لمن يتولى {ونعم النصير} لمن ينصر.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- بيان سعة فضل الله ورحمته.
2- الإسلام يجبّ أي يقطع ما قبله، فيغفر لمن أسلم كل ذنب قارفه من الكفر وغيره.
3- بيان سنة الله في الظالمين وهي إهلاكهم وإن طالت مدة الإملاء والإِنظار.
4- وجوب قتال المشركين على المسلمين ما بقي في الأرض مشرك.
5- نعم المولى الله جل جلاله لمن تولاه، ونعم النصير لمن نصره.
__________
1 نزلت في أبي سفيان ورجاله المشركين في مكة قبل الفتح.
2 في الصحيح: "الإسلام يجبّ ما قبله، والتوبة تجبّ ما قبلها".
3 أخذهم: أي بالعذاب العاجل والعقوبة الشديدة.
4 الاضطهاد: هو فتنة قريش للمؤمنين حيث فتنوهم حتى هاجروا إلى الحبشة وفتنوهم حتى هاجروا إلى المدينة ومعنى: فتنوهم. عذّبوهم ليردّوهم إلى الشرك والكفر.
5 يشهد له قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله إلاّ الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلاّ بحقّها، وحسابهم على الله عز وجل" في الصحيحين.
************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
10-02-2022, 07:01 AM
الجزء العاشر
وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41) إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتَّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِن لِّيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42) إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَكِنَّ اللهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (43) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الأمُورُ (44)
شرح الكلمات:
أنما غنمتم من شيء: أي ما أخذتموه من مال الكافر قهراً لهم وغلبة قليلاً كان أو كثيراً.
فأن لله خمسه: أي خمس الخمسة أقسام، يكون لله والرسول ومن ذكر بعدهما.
ولذى القربى: هم قرابة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بني هاشم وبني المطلب.
وما أنزلنا على عبدنا: أي من الملائكة والآيات.
يوم الفرقان: أي يوم بدر وهو السابع عشر من رمضان، إذ فرق الله فيه بين الحق والباطل.
التقى الجمعان.: جمع المؤمنين وجمع الكافرين ببدر.
العدوة الدنيا: العدوة حافة الوادي، وجانبه والدنيا أي القريبة إلى المدينة.
بالعدوة القصوى: أي البعيد من المدينة إذ هي حافة الوادي من الجهة الأخرى.
والركب أسفل منكم: أي ركب أبى سفيان وهي العير التي خرجوا من أجلها. أسفل منكم مما يلي البحر.
عن بينة: أي حجة ظاهرة.
لتنازعتم في الأمر: أي اختلفتم.
ويقللكم في أعينهم: هذا قبل الالتحام أما بعد فقد رأوهم مثليهم حتى تتم الهزيمة لهم.
معنى الآيات:
هذه الآيات لا شك أنها نزلت في بيان قسمة الغنائم بعدما حصل فيها من نزاع فافتكها الله تعالى منهم ثم قسمها عليهم فقال الأنفال لله وللرسول في أول الآية ثم قال هنا {واعلموا} أيها المسلمون {أنما غنمتم1 من شيء2} حتى الخيط والمخيط، ومعنى غنمتم أخذتموه من المال من أيدي الكفار المحاربين لكم غلبة وقهراً لهم فقسمته هي أن {لله خمسه وللرسول ولذي القربى3 واليتامى والمساكين وابن السبيل} والأربعة أخماس4 الباقية هي لكم أيها المجاهدون للراجل قسمة وللفارس قسمان لما له من تأثير
في الحرب، ولأن فرسه يحتاج إلى نفقة علف. والمراد من قسمة الله أنها تنفق في المصالح العامة ولو أنفقت على بيوته لكان أولى وهي الكعبة وسائر المساجد، وما للرسول فإنه ينفقه على عائلته، وما لذي القربى فإنه ينفق على قرابة الرسول الذين يحرم عليهم أخذ الزكاة لشرفهم وهم بنو هاشم وبنو المطلب، وما لليتامى ينفق على فقراء المسلمين، وما لابن السبيل ينفق على المسافرين المنقطعين عن بلادهم إذا كانوا محتاجين إلى ذلك في سفرهم وقوله تعالى {إن كنتم آمنتم بالله} أي رباً {وما أنزلنا على عبدنا} أي محمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {يوم الفرقان يوم التقى الجمعان} وهو يوم بدر حيث التقى المسلمون بالمشركين، والمراد بما أنزل تعالى على عبده ورسوله الملائكة والآيات منها الرمية التي رمى بها المشركين فوصلت إلى أكثرهم فسببت هزيمتهم. وقوله {والله على كل شيء قدير} أي كما قدر على نصركم على قلتكم وقدر على هزيمة عدوكم على كثرتهم هو قادر على كل شيء يريده وقوله تعالى {إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب5 أسفل منكم} تذكير لهم بساحة المعركة التي تجلت فيها آيات الله وظهر فيها إنعامه عليهم ليتهيئوا للشكر. وقوله تعالى {ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد} أي لو تواعدتم أنتم والمشركون على اللقاء في بدر للقتال لاختلفتم لأسباب تقتضي ذلك منها أنكم قلة وهم كثرة {ولكن ليقضي الله أمراً كان مفعولاً} أي محكوماً به في قضاء الله وقدره، وهو نصركم وهزيمة عدوكم. وجمعكم من غير تواعد ولا اتفاق سابق. وقوله تعالى {ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حَيَّ عن بينة} هذا تعليل لفعل الله تعالى يجمعكم في وادي بدر للقتال وهو فعل ذلك ليحيا بالإيمان من حيى على بينة وعلم أن الله حق والإسلام حق والرسول حق والدار الآخرة حق حيث أراهم الله الآيات الدالة على ذلك، ويهلك من هلك بالكفر على بينة إذ أتضح له أن ما عليه المشركون كفر وباطل وضلال ثم رضي به واستمر عليه. وقوله تعالى {وإن الله لسميع عليم} تقرير لما سبق وتأكيد له حيث أخبر تعالى أنه سميع لأقوال عباده عليم بأفعالهم فما أخبر به وقرره هو كما أخبر وقرر. وقوله تعالى {وإذ يريكهم الله في منامك قليلاً} أي فأخبرت أصحابك ففرحوا بذلك
وسرُّوا ووطنوا أنفسهم للقتال، وقوله: {ولو أراكهم كثيراً} أي في منامك وأخبرت به أصحابك لفشلتم أي جبنتم عن قتالهم، ولتنازعتم في أمر قتالهم {ولكن الله سلَّم} من ذلك فلم يريكهم كثيراً إنه تعالى عليم بذات الصدور ففعل ذلك لعلمه بما يترتب عليه من خير وشر. وقوله تعالى {وإذ يريكموهم} أي اذكروا أيها المؤمنون إذ يريكم الله الكافرين عند التقائكم بهم قليلاً في أعينكم كأنهم سبعون رجلاً أو مائة مثلاً ويقللكم سبحانه وتعالى في أعينهم حتى6 لا يهابوكم. وهذا كان عند المواجهة وقبل الالتحام أما بعد الالتحام فقد أرى الله تعالى الكافرين أراهم المؤمنين ضعفيهم في الكثرة وبذلك انهزموا كما جاء ذلك في سورة آل عمران في قوله {يرونهم مثليهم} وقوله تعالى {ليقضي الله أمراً كان مفعولاً} تعليل لتلك التدابير الإلهية لأوليائه لنصرتهم وإعزازهم وهزيمة أعدائهم وإذلالهم وقوله تعالى {إلى الله ترجع الأمور} إخبار منه تعالى بأن الأمور كلها تصير إليه فما شاء منها كان وما لم يشأ لم يكن خبراً كان أو غيراً.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- بيان قسمة الغنائم على الوجه الذي رضيه الله تعالى.
2- التذكير بالإيمان، إذ هو الطاقة الموجهة باعتبار أن المؤمن حي بإيمانه يقدر على الفعل والترك، والكافر ميت فلا يكلف.
3- فضيلة غزوة بدر وفضل أهلها.
4- بيان تدبير الله تعالى في نصر أوليائه وهزيمة أعدائه.
5- بيان أن مرد الأمور نجاحاً وخيبة لله تعالى ليس لأحد فيها تأثير إلا بإذنه.
__________
1 الغنيمة: ما يناله الرجل أو الجماعة بسعي وهو قتال الكافرين لغرض هدايتهم إلى الإسلام ليكملوا ويسعدوا، قال الشاعر:
وقد طوّفت في الآفاق حتى ... رضيت من الغنيمة بالإياب
2الإجماع على أن هذا الحكم ليس على عمومه بل هو مخصص بقول الإمام: مَن قتل قتيلاً فله سَلَبه، وكذا الرقاب، فالإمام مخيّر فيها بين القتل والفداء والمنّ وليس هذا للغانمين، وكذا السلب فإن من سلب مقاتلاً شيئا كسلاحه وفرسه فهو له أيضاً.
3 المراد بذي القربى: قرابة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهم بنو هاشم، وهو مذهب مالك، وزاد الشافعي وأحمد: بني المطلب لأن بني هاشم وبني المطلب شيء واحد، ولأن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما قسم سهم ذي القربى بين بني هاشم وبين عبد المطلب قال: "إنهم لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام، إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد وشبّك بين أصابعه" رواه البخاري.
4 من باب الإطلاع لا غير أذكر أنّ بعضاً قال: الغنيمة خمسها لله والأربعة أخماس للإمام إن شاء حبسها وإن شاء قسمها على الغانمين وهو قول مخالف لما عليه جمهور الفقهاء.
5 ركب أبي سفيان، ولفظ الركب لا يطلق إلاّ على الراكبين، والركب مبتدأ، والخبر متعلّق أسفل الظرف أي: كائن أسفل منكم.
6 قال أبو جهل: إنهم أكلة جزور خذوهم أخذاً واربطوهم بالحبال فلمّا أخذوا في القتال عظم المسلمون في أعين الكفار وكثروا حتى أنهم يرونهم مثليهم.

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
10-02-2022, 07:03 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانفال - (7)
الحلقة (447)
تفسير سورة الانفال مدنية
المجلد الثانى (صـــــــ 312الى صــــ 319)

يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47) وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48) إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49)
شرح الكلمات:
فئة: طائفة مقاتلة.
فاثبتوا: لقتالها واصمدوا.
واذكروا لله كثيراً: مهللين مكبرين راجين النصر طامعين فيه سائلين الله تعالى ذلك.
تفلحون: تفوزون بالنصر في الدنيا والجنة في الآخرة بعد النجاة من الهزيمة في الدنيا والنار في الآخرة.
ولا تنازعوا.: أي لا تختلفوا وأنتم في مواجهة العدو أبداً.
وتذهب ريحكم1: أي قوتكم بسبب الخلاف.
خرجوا من ديارهم بطراً: أي للبطر الذي هو دفع الحق ومنعه.
وقال إني جار لكم: أي مجير لكم ومعين على عدوكم.
تراءت الفئتان: أي التقتا ورأت كل منهما عدوها.
نكص على عقبيه: أي رجع إلى الوراء هارباً، لأنه جاءهم في صورة سراقة بن مالك.
إني أرى ما لا ترون: من الملائكة.
والذين في قلوبهم مرض: أي ضعف في إيمانهم وخلل في اعتقادهم.
معنى الآيات:
هذا النداء الكريم موجه إلى المؤمنين وقد أذن لهم في قتال الكافرين، وبدأ بسرية عبد الله بن جحش رضي الله عنه وثنى بهذه الغزوة غزوة بدر الكبرى فلذا هم في حاجة إلى تعليم رباني وهداية إلهية يعرفون بموجبها كيف يخوضون المعارك وينتصرون فيها وفي هذه الآيات الأربع تعليم عال جداً لخوض المعارك والانتصار فيها وهذا بيانها:
1- الثبات في وجه العدو والصمود في القتال حتى لكان المجاهدين جبل شامخ لا يتحرك {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة} أي جماعة مقاتلة {فاثبتوا} .
2- ذكر الله تعالى تهليلاً وتكبيراً وتسبيحاً ودعاء2 وضراعة ووعداً ووعيداً. {واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون} أي تفوزون بالنصر في الدنيا والجنة في الآخرة بعد النجاة من الهزيمة والمذلة في الدنيا، والنار والعذاب في الآخرة.
3- طاعة الله ورسوله في أمرهما ونهيهما ومنه طاعة قائد المعركة ومديرها وهذا من أكبر عوامل النصر حسب سنة الله تعالى في الكون {وأطيعوا الله ورسوله} .
4- عدم التنازع والخلاف عند التدبير للمعركة وعند دخولها وأثناء خوضها.
5- بيان نتائج التنازع والخلاف وإنها: الفشل الذريع، وذهاب القوة المعبر عنها بالريح
{ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم} 3.
6- الصبر على مواصلة القتال والإعداد له وتوطين النفس وإعدادها لذلك. {واصبروا إن الله مع الصابرين} .
7- الإخلاص في القتال والخروج له لله تعالى فلا ينبغي أن يكون لأي اعتبار سرى مرضاة الله تعالى {ولا تكونوا كالذين4 خرجوا من ديارهم بطراً ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط} .
هذه عوامل النصر وشروط الجهاد في سبيل الله تضمنتها ثلاث آيات من هذه الآيات الخمس وقوله تعالى في الآية الرابعة (48) {وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال: لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب} يذكِّر تعالى المؤمنين بحادثة حدثت يوم بدر من أغرب الحوادث لتكون عبرة وموعظة للمؤمنين فيقول عز وجل واذكروا إذ زين الشيطان للمشركين الذين نهيتكم أن تتشبهوا بهم في سيرهم وقتالهم وفي كل حياتهم، فقال لهم: أقدموا على قتال محمد والمؤمنين، ولا ترهبوا ولا تخافوا إنه لا غالب لكم اليوم من الناس، وإني جار لكم أي مجير لكم وناصر ومعين. وكان الشيطان في هذه الساعة في صورة رجل من أشراف قبيلته يقال له سراقة بن مالك5 فلما تراءت الفئتان لبعضهما البعض وتقدموا للقتال رأى الشيطان جبريل في صفوف الملائكة، فنكص على عقبيه، وكان آخذاً بيد الحارث بن هشام يحدثه يعده ويمنيه بعد ما زين لهم خوض المعركة وشجعهم على ذلك، وولى هارباً فقال له الحارث: ما بك ما أصابك تعال فقال وهو هارب {إني أرى ما لا ترون} يعني الملائكة {إني أخاف6 الله والله شديد العقاب}
وصدق وهو كذوب وقوله تعالى في نهاية الآية (49) {إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم} أي واذكروا أيها المؤمنون للعبرة والاتعاظ إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم7 مرض أي ضعف في الإيمان وتخلخل في العقيدة: غر هؤلاء دينهم وإلا لما خرجوا لقتال قريش وهي تفوقهم عدداً وعدة، ومثل هذا الكلام يعتبر عادياً من ضعاف الإيمان والمنافقين المستترين بزيف إيمانهم، فاذكروا هذا، ولا يفت في اعضادكم مثل هذا الكلام، وتوكلوا على الله واثقين في نصره فإنه ينصركم لأنه عزيز لا يغالب ولا يمانع في ما يريده أبداً. حكيم يضع النصر في المتأهلين له بالإيمان والصبر والطاعة له ولرسوله، والإخلاص له في العمل والطاعة.
هداية الآيات.
من هداية الآيات:
1- بيان أسباب النصر وعوامله ووجوب الأخذ بها في كل معركة وهي: الثبات وذكر الله تعالى، وطاعة الله ورسوله وطاعة القيادة وترك النزاع والخلاف والصبر والإخلاص.
2- بيان عوامل الفشل والخيبة وهي النزاع والاختلاف والبطر والرياء والاغترار.
3- بيان عمل الشيطان في نفوس الكافرين بتزيينه لهم الحرب ووعده وتمنيته لهم.
4- بيان حال المنافقين وضعفة الإيمان عند وجود8 القتال ونشوب الحروب.
5- وجوب التوكل على الله والاعتماد عليه مهما كانت دعاوى المبطلين والمثبطين والمنهزمين.
__________
1 يرى بعضهم أن الريح ريح الصبا التي قال فيها الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "نصرت بالصبا، واهلكت عاد بالدبور" يريد أنهم بعدم طاعتهم يحرمون الريح التي بها نصرهم وهو معنى لا بأس به.
2 الذكر المطلوب هو: ما كان باللسان والقلب معاً، في الآية دليل على أنّ ذكر الله تعالى لا يترك في حال إلاّ في حال التغوّط، قال محمد القرطبي: لو رخّص لأحد في ترك الذكر لرخّص لزكريا إذ قال له تعالى: {ألاّ تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزاً واذكر ربك كثيراً} ولرخص لرجل في الحرب لقوله تعالى: {إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً} وحكم هذا الذكر أن يكون خفياً إلا أن يكون في بداية الحملة بصوت واحد: الله أكبر فإن ذلك محمود لأنه يرعب العدو ويفتّ في أعضاده.
3 المراد بالريح هنا: القوة والنصر، كما يقال. الريح لفلان إذا كان غالبا في أمره ومنه قول الشاعر:
إذا هبّت رياحك فاغتنمها ... فإنّ لكل خافتة سكون
جملة: لكل خافتة سكون: خبر إن واسمها: ضمير شأن.
4 هم أبو جهل وأصحابه الخارجون يوم بدر لنصرة العير حيث خرجوا بالقينات والمغنيات والمعازف.
5 هو سراقة بن مالك بن جعشم من بني بكر بن كنانة، وكانت قريش تخاف س بني بكر أن يأتوهم من ورائهم لأنهم قتلوا رجلاً منهم فلّما تمثل لهم الشيطان في صورة سراقة سكنوا لذلك.
6 قيل: إن الشيطان خاف أن يكون يوم بدر هو اليوم الذي انظر إليه، وقيل: كذب وهو كذوب.
7 لقد اختلف في المراد بالمنافقين هنا، وكذا الذين في قلوبهم مرض إذ يبعد أن يكون في المشركين منافقون، كما يبعد أن يكون في أهل بدر منافقون، والذي يدو أنّه الراجح: أنّ القائلين هذه المقالة هم منافقون وضعفة إيمان بالمدينة لما رأوا خروج الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه إلى بدر قالوا هذه القولة القبيحة ويكون الظرف "إذ" متعلّق بشديد العقاب لا بزين".
8 لا يتعارض هذا القول مع ما رجحناه من أن القائلين هذه المقولة هم منافقون وضعاف إيمان بالمدينة، إذ هذه الحال تنطبق عليهم.
******************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
10-02-2022, 07:03 AM
وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (51) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (52) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (53) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ (54)
شرح الكلمات:
إذ يتوفى.: أي يقبض أرواحهم لإماتتهم.
وجوههم وأدبارهم: أي يضربونهم من أمامهم ومن خلفهم.
بظلام للعبيد: أي ليس بذي ظلم للعبيد كقوله {ولا يظلم ربك أحداً} .
كدأب آل فرعون: أي دأب كفار قريش كدأب آل فرعون في الكفر والتكذيب والدأب العادة.
لم يك مغيراً نعمة: تغيير النعمة تبديلها بنقمة بالسلب لها أو تعذيب أهلها.
آل فرعون: هم كل من كان على دينه من الأقباط مشاركاً له في ظلمه وكفره.
معنى الآيات:
ما زال السياق مع كفار قريش الذين خرجوا من ديارهم بطراً ورئاء الناس فيقول تعالى لرسوله {ولو ترى إذ يتوفى الذين1 كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم2} وهم يقولون لهم {وذوقوا عذاب3 الحريق} وجواب لولا محذوف تقديره (لرأيت أمراً فظيعاً) وقوله تعالى
{ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد} هو قول الملائكة لمن يتوفونهم من الذين كفروا. أي ذلكم الضرب والتعذيب بسبب ما قدمت أيديكم من الكفر والظلم والشر والفساد وأن الله تعالى ليس بظالم لكم فإنه تعالى لا يظلم أحداً وقوله تعالى {كدأب آل فرعون4 والذين من قبلهم} أي دأب هؤلاء المشركين من كفار قريش في كفرهم وتكذيبهم كدأب آل فرعون والذين هن قبلهم {كفروا بآيات الله فأخذهم الله بذنوبهم} وكفر هؤلاء فأخذهم الله بذنوبهم، وقوله {إن الله قوي شديد العقاب} يشهد له فعله بآل فرعون والذين من قبلهم عاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مدين والمؤتفكات وأخيراً أخذه تعالى كفار قريش في بدر أخذ العزيز المقتدر، وقوله تعالى {ذلك بأن الله5 لم يك6 مغيراً نعمة أنعهما على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} إشارة إلى ما أنزله من عذاب على الأمم المكذبة الكافرة الظالمة، وإلى بيان سنته في عباده وهي أنه تعالى لم يكن من شأنه أن يغير نعمة أنعمها على قوم كالأمن والرخاء، أو الطهر والصفاء حتى يغيروا هم ما بأنفسهم بأن يكفروا ويكذبوا، ويظلموا أو يفسقوا ويفجروا، وعندئذ يغير تلك النعم بنقم فيحل محل الأمن والرخاء الخوف والغلاء ومحل الطهر والصفاء الخبث والشر والفساد. هذا إن لم يأخذهم بالإبادة الشاملة والاستئصال التام. وقوله تعالى {وأن الله سميع عليم} أي لأقوال عباده وأفعالهم فلذا بتم الجزاء عادلاً لا ظلم فيه. وقوله تعالى {كدأب آل7 فرعون والذين من قبلهم كذبوا8 بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون وكل كانوا ظالمين} هذه الآية تشبه الآية السابقة إلا أنها تخالفها فيما يلي: في الأولى الذنب الذي أخذ به الهالكون كان الكفر، وفي هذه: كان التكذيب، في الأولى: لم يذكر نوع العذاب، وفي الثانية انه الإغراق، في الأولى لم يسجل عليهم سوى الكفر فهو ذنبهم لا غير وفي الثانية سجل على الكل ذنباًَ آخر وهو الظلم إذ قال {وكل كانوا ظالمين} أي بكفرهم وتكذيبهم، وصدهم عن سبيل الله وفسقهم عن طاعة الله ورسوله مع زيادة التأكيد والتقرير.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- تقرير عذاب القبر بتقرير العذاب عند النزع.
2- هذه الآية نظيرها آية الأنعام {ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم} أي بالضرب.
3- تنزه الخالق عز وجل عن الظلم لأحد9.
4- سنة الله تعالى في أخذ الظالمين وإبدال النعم بالنقم.
5- لم يكن من سنة الله تعالى في الخلق تغيير ما عليه الناس من خير أو شر حتى يكونوا هم البادئين.
6- التنديد بالظلم وأهله، وأنه الذنب الذي يطلق على سائر الذنوب.
__________
1 جائز أن يكون المراد من هؤلاء قتلى بدر المشركين وجائز أن يكونوا ممن لم يقتلوا ببدر، وماتوا بمكة وغيرها.
2 قال الحس البصري: المراد من أدبارهم: ظهورهم وقال: "إن رجلاً قال لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا رسول الله: إني رأيت بظهر أبي جهل مثل الشراك "أي: سير النعل"؟ قال: ذلك ضرب الملائكة".
3 يقال لهم عند قبض أرواحهم، إذ بمجرد أن تقبض الروح يلقى بها في جهنم، كما يقال لهم يوم القيامة ذلك من قبل الملائكة.
4 الباء في قوله: {ذلك بأنّ الله} سببية والجملة مسوقة للتعليل.
5 {لم يك} أي: لم ينبغ له، ولم يصحّ منه لبالغ حكمته وعدله ورحمته.
6 {كدأب} خبر لمبتدأ محذوف تقديره: دأب هؤلاء كدأب آل فرعون، والدأب: العادة المستمرة.
7 {كذبوا} الخ.. تفسير دأبهم الذي فعلوه من تغييرهم لحالهم.
8 وجائز أن يكون المراد: كدأب آل فرعون أي: في تعذيبهم عند قبض أرواحهم، وفي قبورهم ويوم القيامة.
9 شاهده حديث مسلم عن أبي ذر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الله تعالى يقول: "يا عبادي إني حرّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه".

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
10-02-2022, 07:06 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانفال - (8)
الحلقة (448)
تفسير سورة الانفال مدنية
المجلد الثانى (صـــــــ 319الى صــــ 325)


إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (55) الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ (56) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57) وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ (58) وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُواْ إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ (59)
شرح الكلمات:
شر الدواب1: من إنسان أو حيوان الذين ذكر الله وصفهم وهم بنو قريظة.
فهم لا يؤمنون: لما علم الله تعالى من حالهم أخبر أنهم يموتون على الكفر.
ينقضون عهدهم: أي يحلونه ويخرجون منه فلا يلتزموا بما فيه.
في كل مرة: أي عاهدوا فيها.
فإما تثقفنّهم: أي أن تجدنّهم، وما مزيدة أدغمت في إن الشرطية.
فشرد: أي فرق وشتت.
يذكرون: أي يتعظون.
فانبذ إليهم: أي اطرح عهدهم.
على سواء 2: أي على حال من العلم تكون أنت وإياهم فيها سواء، أي كل منكم عالم بنقض المعاهدة.
الخائنين: الغادرين بعهودهم.
سبقوا: أي فاتوا الله ولم يتمكن منهم.
معنى الآيات:
بمناسبة ذكر خصوم الدعوة الإسلامية والقائم عليها وهو النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر تعالى خصوماً لها آخرين غير المشركين من كفار قريش وهم بنو3 قريظة من اليهود. فأخبر تعالى عنهم أنهم شر الدواب من الإنسان والحيوان ووصفهم محدداً لهم ليعرفوا، وأخبر أنهم لا يؤمنون لتوغلهم في الشر والفساد، فقال: {إن شر الدواب عند الله} أي في حكمه وعلمه. {الذين كفروا فهم لا يؤمنون} وخصصهم بوصف آخر خاص بهم فقال: {الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون} وذلك أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عاهدهم أول مرة على أن لا يحاربوه ولا يعينوا أحداً على حربه فإذا بهم يعينون قريشاً بالسلاح، ولما انكشف أمرهم اعتذروا معترفين بخطإهم، وعاهدوا مرة أخرى على أن لا يحاربوا الرسول ولا يعينوا من يحاربه فإذا بهم ينقضون عهدهم مرة أخرى ويدخلون في حرب ضده حيث انضموا إلى الأحزاب في غزوة الخندق هذا ما دل عليه قوله تعالى {إن شر
الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل4 مرة} أي يعاهدون فيها. {وهم لا يتقون} أي لا يخافون عاقبة نقض المعاهدات والتلاعب بها حسب أهوائهم. وقوله تعالى. {فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم5 من خلفهم لعلهم يذكرون} يرشد رسوله آمراً إياه بما يجب أن يتخذه إزاء هؤلاء الناكثين للعهود المنغمسين في الكفر. بحيث لا يخرجون منه بحال من الأحوال، ويشهد لهذه الحقيقة أنهم لما حوصروا في حصونهم ونزلوا منها مستسلمين كان يعرض على أحدهم الإسلام حتى لا يقتل فيؤثر باختياره القتل على الإسلام وماتوا كافرين وصدق الله إذ قال {فهم لا يؤمنون} فهؤلاء إن ثقفتهم في حرب أي وجدتهم متمكناً منهم فاضربهم بعنف وشدة وبلا هوادة حتى تشرد أي تفرق بهم من خلفهم من أعداء الإسلام المتربصين بك الدوائر من كفار قريش وغيرهم لعلهم يذكرون أي يتعظون فلا يفكروا في حربك وقتالك بعد، وقوله {وإما تخافن من قوم خيانة فأنبذ6 إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين} هذا إرشاد آخر للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتعلق بالخطط الحربية الناجحة وهو أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن خاف من قوم معاهدين له خيانة ظهرت أماراتها وتأكد لديك علاماتها فاطرح تلك المعاهدة ملغياً لها معلناً ذلك لتكون وإياهم على علم تام بإلغائها، وذلك حتى لا يتهموك بالغدر والخيانة، والله لا يحب الخائنين. وقاتلهم مستعيناً بالله عليهم وستكون الدائرة على الناكث الخائن، وهذا ضرب من الحزم وصحة العزم إذ ما دام قد عزم العدو على النقض فقد نقص فليبادر لافتكاك عنصر المباغتة من يده، وهو عنصر مهم في الحروب. وقوله تعالى {ولا يحسبن الذين كفروا} وهم من هرب من بدر من كفار قريش {سبقوا7} أي فاتوا فلم يقدر الله تعالى عليهم {إنهم لا يعجزون} أي إنهم لا يعجزون الله بحال فإنه
تعالى لا يفوته هارب، ولا يغلبه غالب.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- بيان أن شر الدواب هم الكفار من أهل الكتاب والمشركين بل هم شر البرية.
2- سنة الله فيمن توغل في الظلم والشر والفساد يُحرم التوبة فلا يموت إلا كافراً.
3- من السياسة الحربية النافعة أن يضرب القائد عدوه بعنف وشدة ليكون نكالاً لغيره من الأعداء.
4- حرمة الغدر والخيانة.
5- جواز إعلان إلغاء المعاهدة وضرب العدو فوراً إن بدرت منه بوادر واضحة بأنه عازم على نقض المعاهدة8 وذلك لتفويت عنصر المباغتة عليه.
__________
1 الدواب: كل ما يدب على وجه الأرض من حيوان، و {عند الله} : أي: في علمه وحكمه.
2 أي: جهراً لا سراً حتى يكونوا وأنتم بالعلم بنبذ المعاهدة على حد سواء.
3 وبنو النضير كذلك إذ أعانوا قريشاً بالسلاح ثم لمّا انكشف أمرهم اعتذروا، وأما قريظة، فقد نقضوا عهدهم مرتين إذ انضموا إلى الأحزاب في حربهم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمؤمنين.
4 سبحان الله، هذا الوصف الخسيس ما زال ملازما لليهود إلى اليوم فلا يوفون بعهد ولا ذمّة أبداً، وصدق الله العظيم إذ قال عنهم. {كلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم} .
5 يقال: شرد البعير أو الدابة إن فارقت صاحبها، وشرّده إذا عمل على تشريده بسبب، وشردت بني فلان: إذا حملتهم على مفارقة منازلهم قال الشاعر:
أطوّف ني الأباطح كل يوم ... مخافة أن يُشرّد بي حكيم
6غشا ونقضاً للعهد والآية عامة، فهي مبدأ حربي يأخذ به المسلمون إلى يوم القيامة، ولا وجه لذكر الخلاف هل هي في بني قريظة أو بني النضير؟ وخوف الخيانة ها معناه: الظن الغالب وذلك بظهور علامات خيانة العدو واضحة.
7 أي: من أفلت من وقعة بدر سبق إلى الحياة، وقوله تعالى: {إنهم لا يعجزون} أي: في الدنيا حتى يظفرك الله بهم.
8 روى مسلم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لكل غادر لواء يوم القيامة يرفع له بقدر غدرته ألا ولا غادر أعظم غدراً من أمير عامة" وروى أبو داود والترمذي أن معاوية رضي الله عنه كان بينه وبين الروم عهد، فلما قارب تاريخ العهد الانقضاء سار إليهم بجيشه فجاء عمرو بن عنبسة فقال له سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشدّ عقدة ولا يحلها حتى ينقضي أمدها أو ينبذ إليهم على سواء" فرجع معاوية بالناس.
******************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
10-02-2022, 07:06 AM
وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60) وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63)
شرح الكلمات:
أعدوا: هيئوا وأحضروا.
ما استطعتم: ما قدرتم عليه.
من قوة: أي حربية من سلاح على اختلاف أنواعه.
يوفَّ إليكم: أي أجره وثوابه.
وإن جنحوا للسلم: أي مالوا إلى عدم الحرب ورغبوا في ذلك.
فإن حسبك الله: أي يكفيك شرهم، وينصرك عليهم.
ألف بين قلوبهم: أي جمع بين قلوب الأنصار بعدما كانت متنافرة مختلفة.
إنه عزيز حكيم: أي غالب على أمره، حكيم في فعله وتدبير أمور خلقه.
معنى الآيات:
بمناسبة انتهاء معركة بدر وهزيمة المشركين فيها، وعودتهم إلى مكة وكلهم تغيظ على المؤمنين وفعلاً أخذ أبو سفيان يعد العدة للانتقام. وما كانت غزوة أحد إلا نتيجة لذلك هنا أمر الله تعالى رسوله والمؤمنين بإعداد القوة وبذل ما في الوسع والطاقة لذلك فقال تعالى {واعدوا لهم1 ما استطعتم من قوة} وقد فسر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القوة بالرمي بقوله "ألا إن القوة2 الرمي" قالها ثلاثاً وقوله تعالى {ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم} يخبر تعالى عباده المؤمنين بعد أن أمرهم بإعداد القوة على اختلافها بأن رباطهم للخيل وحبسها أمام دورهم معدة للغزو والجهاد عليها يرهب أعداء الله من الكافرين والمنافقين أي يخوفهم حتى لا يفكروا في غزو المسلمين وقتالهم، وهذا ما يعرف بالسلم المسلح، وهو أن الأمة إذا كانت مسلحة قادرة على القتال يرهبها أعداؤها فلا يحاربونها، وإن رأوها لا عدة لها ولا عتاد ولا قدرة على رد أعدائها أغراهم ذلك بقتالها فقاتلوها. وقوله تعالى {وآخرين من دونهم} أي من دون كفار
قريش، وقوله {لا تعلمونهم الله يعلهم} من الجائز أن يكونوا اليهود أو المجوس أو المنافقين، وأن يكونوا الجن أيضاً، وما دام الله عز وجل لم يُسمهم فلا يجوز أن يقال هم كذا.. بصيغة الجزم، غير أنا نعلم أن أعداء المسلمين كل أهل الأرض من أهل الشرك والكفر من الإنس والجن، وقوله تعالى {وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوفّ إليكم وأنتم لا تظلمون} إخبار منه تعالى أن ما ينفقه المسلمون من نفقة قلت أو كثرت في سبيل الله التي هي الجهاد يوفّيهم الله تعالى إياها كاملة ولا ينقصهم منها شيئاً فجملة {وأنتم لا تظلمون} جملة خالية ومعناها لا يظلمكم الله تعالى بنقص ثواب نفقاتكم في سبيله هذا ما دلت عليه الآية الأولى (60) أما الآية الثانية وهي قوله تعالى {وإن جنحوا3 للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم} فإن الله تعالى يأمر رسوله وهو قائد الجهاد يومئذ بقبول السلم متى طلبها4 أعداؤه ومالوا إليها ورغبوا بصدق فيها، لأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رسول رحمة لا رسول عذاب، وأمره أن يتوكل على الله في ذلك أي يطيعه في قبول السلم ويفوض أمره إليه ويعتمد عليه فإنه تعالى يكفيه شرّ أعدائه لأنه سميع لأقوالهم عليم بأفعالهم وأحوالهم لا يخفى عليه من أمرهم شيء فلذا سوف يكفي رسوله شر خداعهم إن أرادوا خداعه بطلب السلم والمسالمة، وهذا معنى توله تعالى في الآيتين (62) و (63) {وإن يريدوا أن يخدعوك} أي بالميل إلى السلم والجنوح5 إليها {فإن حسبك الله} أي كافيك إنه {هو الذي أيدك بنصره} أي في بدر {وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم} أي جمع بين تلك القلوب المتنافرة المنطوية على الإحن والعداوات ولأقل الأسباب وأتفهها، لقد كان الأنصار يعيشون على عداوة عظيمة فيما بينهم حتى إن حرباً وقعت بينهم مائة وعشرين سنة فلما دخلوا في الإسلام اصطلحوا وزالت كل آثار العداوة والبغضاء وأصبحوا جسماً واحداً مَنْ فعل هذا سوى الله تعالى؟ اللهم لا أحد، ولذا قال تعالى لرسوله {لو أنفقت ما في الأرض جميعا} أي من مال
صامت وناطق {ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم} .
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- وجوب إعداد القوة وهي في كل زمان بحسبه إن كانت في الماضي الرمح والسيف ورباط الخيل فهي اليوم النفاثة المقاتلة والصاروخ، والهدروجين والدبابة والغواصة، والبارجة.
2- تقرير مبدأ: السلم المسلح، إرجع إلى شرح الآيات.
3- لا يخلو المسلمون من أعداء ما داموا بحق مسلمين، لأن قوى الشر من إنس وجن كلها عدو لهم.
4- نفقة الجهاد خير نفقة وهي مضمونة التضعيف.
5- جواز قبول6 السلم في ظروف معينه، وعدم قبوله في أخرى وذلك بحسب حال المسلمين قوة وضعفاً.
__________
1 روى مسلم عن عقبة بن عامر قال سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو على المنبر يقول: "واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي" وعن عقبة أيضاً قال سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "ستفتح عليكم أرضون ويكفيكم الله فلا يعجزه أحدكم آن يلهو بأسهمه" وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كل شيء يلهو به الرجل باطل إلا رميه بقوسه وتأديبه فرسه.. وملاعبته أهله فإنه من الحق".
2 ومما يدل على فضل الرمي في سبيل الله قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث أبي داود والترمذي والنسائي: "إن الله يدخل ثلاثة نفر الجنة بسهم واحد صانعه يحتسب في صنعته الخير والرامي ومُنبْلُه".
3 {جنحوا} : مالوا، والجنوح: الميل أي: إذا مالوا إلى المسالمة التي هي الصلح فمِل إليها، اختلف هل هذه الآية منسوخة بآية: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} والصحيح، والذي به العمل أن الآية محكمة غير منسوخة، وأن المسلمين إذا كانوا في حالة ضعف يحتاجون فيها إلى تقوية بعقد هدنة أو مصالحة لدفع ضرر أو تحصيل نفع ظاهر وهم في حاجة إلى ذلك فإن لهم أن يجنحوا للسلم وإن كانوا أقوياء قادرين فلا يحلّ لهم إلاّ إنفاذ أمر الله تعالى بقتال العدو حتى يسلم أو يستسلم لحكم الإسلام.
4 السلم: مؤنثه ولذا عاد الضمير إليها مؤنثاً في قوله: {فاجنح لها} .
5 وهم يضمرون في نفوسهم نية الغدر بك والمكر ليخدعوك بذلك فامض في صلحك والله حسبك.
6 المراد بالسلم: المهادنة، والموادعة، والصلح المؤقت، وقد تقدم بيانه، والإمام الشافعي يرى أن لا تزيد مدّة المسالمة على عشر سنين قياساً على صلح الحديبية إذ كانت المدة عشر سنين لا غير.

ابوالوليد المسلم
10-02-2022, 07:09 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانفال - (9)
الحلقة (449)
تفسير سورة الانفال مدنية
المجلد الثانى (صـــــــ 326الى صــــ 330)


يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64) يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (65) الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66)
شرح الكلمات:
حسبك الله1: أي كافيك الله كل ما يهمك من شأن أعدائك وغيرهم.
ومن اتبعك من المؤمنين: أي الله حسبهم كذلك أي كافيهم ما يهمهم من أمر أعدائهم.
حرض المؤمنين على القتال: أي حثهم على القتال مرغباً لهم مرهباً.
صابرون: أي على القتال فلا يضعفون ولا ينهزمون بل يثبتون ويقاتلون.
لا يفقهون.: أي لا يعرفون أسرار القتال ونتائجه بعد فنونه وحذق أساليبه.
معنى الآيات:
ينادي الرب تبارك وتعالى رسوله بعنوان النبوة التي شرفه الله بها على سائر الناس فيقول {يا أيها النبي} ويخبره بنعم الخبر مطمئناً إياه وأتباعه من المؤمنين بأنه كافيهم أمر أعدائهم فما عليهم إلا أن يقاتلوهم ما دام الله تعالى ناصرهم ومؤيدهم عليهم، فيقول: {حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين} ثم يُنَاديه ثانية قائلاً {يا أيها النبي} ليأمره بالأخذ بالأسباب الموجبة للنصر بإذن الله تعالى وهي تحريض المؤمنين على القتال وحثهم عليه وترغيبهم فيه فيقول {حرض2 المؤمنين على القتال} ويخبره آمراً له ولأتباعه المؤمنين بأنه {إن يكن} أي يوجد منهم في المعركة {عشرون3 صابرون يغلبوا مائتين} ، وإن يكن منهم مائة صابرة يغلبوا ألفاً من الكافرين، ويعلل لذلك فيقول {بأنهم قوم لا يفقهون} أي لا يفقهون أسرار القتال وهي أن يعبد الله تعالى ويرفع الظلم من الأرض ويتخذ الله من المؤمنين شهداء فينزلهم منازل الشهداء عنده، فالكافرون لا يفقهون هذا فلذا
هم لا يصبرون على القتال لأنهم يقاتلون لأجل حياتهم فقط فإذا خافوا عنها تركوا القتال طلباً للحياة زيادة على ذلك أنهم جهال لا يعرفون أساليب الحرب ولا وسائلها الناجعة بخلاف المؤمنين فإنهم علماء، علماء بكل شيء هذا هو المفروض، وإن ضَعُفِ الإيمان ضعف تبعاً له الفقه والعلم وحل الجهل والضعف كما هو مشاهد اليوم في المسلمين وقوله تعالى {الآن خفف4 الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً5 فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين، وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين} الآن بعد علمه تعالى بضعفكم حيث لا يقوى الواحد على قتال عشرة، ولا العشرة على قتال مائة ولا المائة على قتال الألف خفف تعالى رحمة بكم ومنة عليكم، فنسخ6 الحكم الأول بالثاني الذي هو قتال الواحد للإثنين، والعشرة للعشرين والمائة للمائتين، والألف للألفين، ومفاده أن المؤمن لا يجوز له أن يفر من وجه اثنين ولكن يجوز له أن يفر إذا كانوا أكثر من اثنين وهكذا سائر النِسب فالعشرة يحرم عليهم أن يفروا من عشرين ولكن يجوز لهم أن يفروا من ثلاثين أو أربعين مثلاً. وهذا من باب رفع الحرج فقط وإلا فإنه يجوز للمؤمن أن يقاتل عشرة أو أكثر، فقد قاتل ثلاثة آلاف صحابي يوم مؤتة مائة وخمسين ألفاً من الروم والعرب المتنصرة وقوله تعالى {بإذن الله} أي بمعونته وتأييده إذ لا نصر بدون عون من الله تعالى وإذن، وقوله {والله مع الصابرين} أي بالتأييد والنصر والصبر شرط في تأييد الله وعونه فمن لم يصبر على القتال فليس له على الله وعد في نصره وتأييده.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- لا كافي إلا الله تعالى، ومن زعم أن هناك من يكفي سوى الله تعالى فقد أشرك.
2- وجوب تحريض. المؤمنين على الجهاد وحثهم عليه في كل زمان ومكان.
3- حرمة هزيمة الواحد من الواحد والواحد من الاثنين، ويجوز ما فوق ذلك.
4- وجوب تثقيف المجاهدين عقلاً وروحاً وصناعة.
5- وجوب الصبر في ساحة المعارك ويحرم الهزيمة إذا كان عدد المؤمنين اثنى عشر ألف مقاتل أو أكثر إذ هذا العدد لا يغلب7 من قلة بإذن الله تعالى.
6- معية الله بالعلم والتأييد والنصر للصابرين دون الجزعين.
__________
1 {حسبك} خبر مقدم ولفظ الجلالة مبتدأ أي: الله حسبك بمعنى كافيك: {ومن اتبعك} يصح أن يكون في موضع نصب عطفاً على الكاف في (حسبك) ، والصواب أنها في موضع رفع علّى الابتداء والخبر محذوف والتقدير: ومن اتبعك من المؤمنين حسبهم الله أيضاً.
2 يقال: حرّضه على كذا: حثه وحضّه وحارض على الأمر وواظب وواصب وأكب بمعنى، والحارض: الذي أشرف على الهلاك ومنه: (حتى تكون حرضاً) أي: تذوب عمّا فتقارب الهلاك فتكون من الهالكين.
3 {إن يكن منكم عشرون صابرون ... } الخ لفظ مضمّن وعداً إلهياً مشروط بشرط الصبر، إذ تقدير الكلام: إن يصبر منكم عشرون صابرون الخ.
4 لما شق على المؤمنين ثبات العشرة للمائة والعشرين للمائتين وثبات المائة للألف، خفّف الله تعالى عنهم وأنزل قوله: {الآن حففّ الله عنكم..} فرخّص للواحد أن يفر من أكثر من اثنين وهكذا إن شاء فإنّه لا حرج.
5 قرىء ضعفاً بفتح الضاد وضمها، وقيل إن الفتح في ضعف العقول والضم في ضعف الأجسام، والصحيح أنهما لغتان فصيحتان.
6 لا بأس أن يسمى هذا نسخاً لأنه حكم جديد غاير الأوّل ويسمى تخفيفاً وهو حسن أيضاً.
7 روى احمد وأبو داود والترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لن يغلب اثنا عشر ألفاً من قلة" والمراد أن يغلب إن حصل لن يكون سببه قلة العدد وإنما يكون لأمر آخر كعدم الصبر أو عدم الأخذ بأسباب النصر التي يتم بها النصر حسب سنّة الله.
****************************** *
يتبع

ابوالوليد المسلم
10-02-2022, 07:09 AM
مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68) فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّبًا وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (69)
شرح الكلمات:
أسرى: جمع أسير وهو من أخذ في الحرب يشد عادة بإسار وهو قيد من جلد فأطلق لفظ الأسير1 على كل من أخذ في الحرب.
حتى يثخن في الأرض: أي تكون له قوة وشدة يرهب بها العدو.
عرض الدنيا: أي المال لأنه عارض ويزول فلا يبقى.
لولا كتاب من الله سبق: وهو كتاب المقادير بأن الله تعالى أحل لنبّي هذه الأمة الغنائم.
فيما أخذتم: أي بسبب ما أخذتم من فداء أسرى بدر.
حلالاً طيباً.: الحلال هو الطيب فكلمة طيباً تأكيد لحليّة اقتضاها المقام.
واتقوا الله: أي بطاعته وطاعة رسوله في الأمر والنهي.
معنى الآيات:
ما زال السياق في أحداث غزوة بدر من ذلك أن أصحاب الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا عمر وسعد
بن معاذ رضي الله عنهما رغبوا في مفاداة الأسرى بالمال للظروف المعاشية القاسية التي كانوا يعيشونها، وكانت رغبتهم في الفداء بدون علم من الله تعالى بإحلالها أو تحريمها أما عمر فكان لا يعثر على أسير إلا قتله وأما سعد فقد قال (الاثخان في القتال أولى من استبقاء الرجال) ولما تم الفداء نزلت هذه الآية الكريمة تعاتبهم أشد العتاب فيقول تعالى {ما كان لنبّي2} أي ما صح منه ولا كان ينبغي له أن يكون له أسرى حرب يبقيهم ليفاديهم أو يمن عليهم مجاناً {حتى يثخن3 في الأرض} أرض العدو قتلاً وتشريداً فإذا عرف بالبأس والشدة وهابه الأعداء جاز له الأسر أي الإبقاء على الأسرى أحياء ليمن عليهم بلا مقابل أو ليفاديهم بالمال، وقوله تعالى {تريدون عرض الدنيا} هذا من4 عتابه تعالى لهم، إذ ما فادوا الأسرى إلا لأنهم يريدون حطام الدنيا وهو المال، وقوله {والله يريد الآخرة} فشتان ما بين مرادكم ومراد ربكم لكم تريدون العرض الفاني والله يريد لكم النعيم الباقي، وقوله تعالى {والله عزيز حكيم} أي غالب على أمره ينصر من توكل عليه وفوّض أمره إليه، حكيم في تصرفاته فلا يخذل أولياءه وينصر أعداءه فعليكم أيها المؤمنون بطلب مرضاته بترك ما تريدون لما يريد هو سبحانه وتعالى، وقوله تعالى {لولا كتاب5 من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم} أي لولا أنه مضى علم الله تعالى بحلية الغنائم لهذه الأمة وكتب ذلك في اللوح المحفوظ لكان ينالكم جزاء رضاكم بالمفاداة وأخذ الفدية عذاب عظيم.
وقوله تعالى {فكلو مما غنمتم6 حلالاً طيباً} إذن منه تعالى لأهل بدر أن يأكلوا مماغنموا، وحتى ما فادوا به الأسرى وهي منة منه سبحانه وتعالى، وقوله تعالى {واتقوا الله} أمر منه عز وجل لهم بتقواه بفعل أوامره وأوامر رسوله وترك نواهيهما، وقوله {إن الله غفور رحيم} إخبار منه تعالى أنه غفور لمن تاب من عباده رحيم بالمؤمنين منهم، وتجلى ذلك في رفع العذاب عنهم حيث غفر لهم وأباح لهم ما رغبوا فيه وأرادوه. وفي الحديث: "لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفر لكم".
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- إرشاد الله تعالى لقادة الأمة الإسلامية في الجهاد أن لا يفادوا الأسرى وأن لا يمنوا عليهما بإطلاقهم إلا بعد أن يخنثوا في أرض العدو قتلاً وتشريداً فإذا خافهم العدو ورهبهم عندئذ يمكنهم أن يفادوا الأسرى أو يمنوا عليهم.
2- التزهيد في الرغبة في الدنيا لحقارتها، والترغيب في الآخرة لعظم أجرها.
3- إباحة الغنائم.
4 وجوب تقوى الله تعالى بطاعته وطاعة رسوله في الأمر والنهي.
__________
1 أسير: كقتيل وجريح، ويجمع على أسرى كقتلى وجرحى، وعلى أُسارى بضم الهمزة وفتحها، والضم أشهر.
2 هذه الآية دلت يوم بدر عتاباً من الله تعالى لأصحاب نبيّه محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ لم يثخنوا في قتل المشركين حتى يوجد منهم أسرى رغبوا في مفاداتهم منا بالمال.
3 الإثخان في الشيء: المبالغة فيه والإكثار منه والمراد به هنا: المبالغة في قتل المشركين حتى لا يبقى منهم أسير في ساحة المعركة.
4 روى مسلم أن الني صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لبعض أصحابه ومن بينهم أبو بكر وعمر (ما ترون في هؤلاء الأسرى؟ فقال أبو بكر يا رسول الله هم بنو العم والعشيرة أرى أن يؤخذ منهم فدية فنكون لنا قوة على الكفار فعسى الله أن يهديهم للإسلام فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما ترى يا ابن الخطاب؟ قال. لا والله يا رسول الله ما أرى الذي رأى أبو بكر ولكني أرى أن تمكنا فنضرب أعناقهم، فتمكّن عليا من عقيل فيضرب عنقه وتمكني من فلان فأضرب عنقه فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديده فهوى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت فلما كان من الغد جئت وإذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر قاعدين يبكيان.. إلى أن قال: وأنزل الله عزّ وجلّ: {ما كان لنبي} إلى قوله: {حلالاً طيياً} .
5 من ذلك أن الله تعالى لا يعذب قوماً حتى يبين لهم ما يتقون.
6 هذا الإذن واقع بعد تخميس الغنيمة لا على إطلاقه.

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
10-02-2022, 07:11 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانفال - (10)
الحلقة (450)
تفسير سورة الانفال مدنية
المجلد الثانى (صـــــــ 330الى صــــ 335)


يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (70) وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (71)
شرح الكلمات:
من الأسرى: أسرى بدر الذين أخذ منهم الفداء كالعباس بن عبد المطلب رضي الله عنه.
إن يعلم الله في قلوبكم خيراً: أي إيماناً صادقاً وإخلاصاً تاماً.
مما أخذ منكم: من مال الفداء.
وإن يريدوا خيانتك.: أي الأسرى.
فقد خانوا الله من قبل: أي من قبل وقوعهم في الأسر وذلك بكفرهم في مكة.
فأمكن منهم: أي أمكنكم أنتم أيها المؤمنون منهم فقتلتموهم وأسرتموهم.
والله عليم حكيم: عليم بخلقه حكيم في صنعه وتدبيره.
معنى الآيتين:
هذه الآية الكريمة نزلت في العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه إذ كان يقول هذه الآية نزلت في وذلك أنه بعد أن وقع في الأسر1 أسلم وأظهر إسلامه وطلب من الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يرد عليه ما أخذ منه من فدية فأبى عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك فأنزل الله تعالى قوله {يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيراً} أي إسلاماً حقيقياً {يؤتكم خيراً} أي مالاً خيراً {مما أخذ منكم2، ويغفر لكم} ذنوبكم التي كانت كفراً بالله ورسوله، ثم حرباً على الله ورسوله، {والله غفور} يغفر ذنوب عباده التائبين {رحيم} بعباده المؤمنين فلا يؤاخذهم بعد التوبة عليها بل يرحمهم برحمته في الدنيا والآخرة. وقوله تعالى {وإن يريدوا3 خيانتك} أي وإن يُرد هؤلاء الأسرى الذين أخذ منهم الفداء ونطقوا بالشهادتين مظهرين إسلامهم خيانتك والغدر بك بإظهار إسلامهم ثم إذا عادوا إلى ديارهم عادوا إلى كفرهم، فلا تبال4 بهم ولا ترهب جانبهم فإنهم قد خانوا الله من قبل بكفرهم وشركهم {فأمكن منهم} المؤمنين وجعلهم في قبضتهم وتحت إمْرَتِهم، ولو عادوا لعاد الله تعالى فسلطكم عليهم وأمكنكم منهم وقوله تعالى {والله عليم حكيم} أي عليم بنيات القوم وتحركاتهم حكيم فيما يحكم به عليهم ألا فليتقوه عزّ وجل وليحسنوا
إسلامهم ويصدقوا في إيمانهم فذلك خير لهم.
هداية الآيتين
من هداية الآيتين:
1- فضل العباس عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لنزول الآية في حقه وشأنه.
2- فضل إضمار الخير والنيات الصالحة.
3- إطلاق لفظ الخير على الإسلام والقرآن وحقاً هما الخير والخير كله.
4- ماترك عبدٌ شيئاً لله إلا عوضه خيراً منه.
5- الله جل جلاله: لا يغلبه غالب ولا يفوته هارب ألا فليتق وليتوكل عليه.
__________
1 أسره رضي الله عنه أبو اليسر كعب بن عمرو أخر بني سلمة، وكان رجلاً قصيرا والعباس رضي الله عنه ضخما طويلا فلما جاء به إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: "لقد أعانك عليه ملك" وقال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للعباس: "افد نفسك فقال: لقد كنت مسلماً يا رسول الله فقال له الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "والله أعلم بإسلامك فإن تكن كما تقول فالله يجزيك بذلك، فأمّا ظاهر أمرك فكان علينا فافد نفسك وابني أخويك نوفل وعقيل" ففعل وفيه نزلت هذه الآية {يا أيها النبي قل ... " الخ.
2 روى مسلم أنه لما قدم على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مال من البحرين قال له العباس إني فاديت نفسي وفاديت عقيلا فقال له الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "خذ فبسط ثوبه وأخذ ما استطاع أن يحمله، وقال: هذا خير مما أخذ مني وأنا أرجو أن يغفر الله لي".
3 في هذه الآية تطمين لنفس الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وليبلغ مضمونه إلى الأسرى فيعلموا أنهم لا يغلبون الله ورسوله. والخيانة: نقض العهد، وما في معنى العهد كالأمانة ونحوها.
4 هذا هو جواب إن الشرطية المحذوف، وقد دلّ عليه؟ : {فقد خانوا الله من قبل} .
****************************** ********
يتبع

ابوالوليد المسلم
10-02-2022, 07:12 AM
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُم ْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (73) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74) وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75)
شرح الكلمات:
آمنوا: صدقوا الله ورسوله وآمنوا بلقاء الله وصدقوا بوعده ووعيده.
وهاجروا: أي تركوا ديارهم والتحقوا برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة المنورة.
في سبيل الله: أي من أجل أن يعبد الله ولا يعبد معه غيره وهو الإسلام.
آووا: أي آووا المهاجرين فضموهم إلى ديارهم ونصروهم على أعدائهم.
وإن استنصروكم: أي طلبوا منكم نصرتهم على أعدائهم.
ميثاق: عهد أي معاهدة سلم وعدم اعتداء.
إلاَّ تفعلوه: أي إن لم توالوا المسلمين، وتقاطعوا الكافرين تكن فتنة1.
أولوا الأرحام: أي الأقارب من ذوي النسب.
بعضهم أولى ببعض: في التوارث أي يرث بعضهم بعضاً.
معنى الآيات:
بمناسبة انتهاء الحديث عن أحداث غزوة بدر الكبرى ذكر تعالى حال المؤمنين في تلك الفترة من الزمن وأنهم مختلفون في الكمال، فقال وقوله الحق {إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم} فهذا صنف: جمع أهله بين الإيمان والهجرة والجهاد بالمال والنفس، والصنف الثاني في قوله تعالى {والذين آووا ونصروا2} أي آووا الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمهاجرين في ديارهم ونصروهم. فهذان صنفا المهاجرين والأنصار وهما أكمل المؤمنين وأعلاهم درجة، وسيذكرون في آخر السياق مرة أخرى ليذكر لهم جزاؤهم عند ربهم، وقوله تعالى فيهم {أولئك بعضهم أولياء بعض} أي في النصرة والموالاة والتوارث إلا أن التوارث نسخ بقوله تعالى في آخر آية من هذا السياق {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض} والصنف الثالث من أصناف المؤمنين المذكور في قوله تعالى {والذين آمنوا ولم يهاجروا} أي آمنوا بالله ورسوله والدار الآخرة ثم رضوا بالبقاء بين ظهراني الكافرين فلم يهجروا ديارهم وأموالهم ويلتحقوا بدار الهجرة بالمدينة النبوية، فهؤلاء الناقصون في إيمانهم بتركهم الهجرة، يقول تعالى فيهم لرسوله والمؤمنين {مالكم من ولايتهم من شيء} 3 فلا توارث ولا موالاة تقتضي النصرة والمحبة حتى يهاجروا إليكم ويلتحقوا بكم، ويستثني تعالى حالة خاصة لهم وهي أنهم إذا طلبوا نصرة المؤمنين في دينهم فإن على المؤمنين أن ينصروهم وبشرط أن لا يكون الذي اعتدى عليهم وآذاهم فطلبوا النصرة لأجله أن لا يكون بينه وبين المؤمنين معاهدة سلم وترك الحرب ففي هذه الحال على المؤمنين أن يوفوا بعهدهم ولا يغدروا فينصروا أولئك القاعدين عن الهجرة هذا ما دل عليه قوله تعالى {وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير} ذيل الكلام بهذه الجملة لإعلام المؤمنين الكاملين كالناقصين بأن الله مطلع على سلوكهم خبير بأعمالهم وأحوالهم فليراقبوه في ذلك حتى لا يخرجوا عن طاعته وقوله تعالى في الآية (73) {والذين كفروا بعضهم أولياء بعض} 4 يتناصرون ويتوارثون. وبناء على هذا يقول تعالى {إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير} أي إن لا تفعلوا ما أمرتم به من مولاة المؤمنين محبة ونصرة وولاء، ومن معاداة الكافرين بغضا وخذلاناً لهم وحرباً عليهم تكن فتنة عظيمة لا يقادر قدرها وفساد كبير لا يعرف مداه، والفتنة الشرك والفساد المعاصي وقوله تعالي في الآية (74) {والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقاً} هذا هو الصنف الأول أعيد ذكره ليذكر له جزاؤه عند ربه بعد تقرير إيمانهم وتأكيده فقال تعالى فيهم {أولئك هم المؤمنون حقاً لهم مغفرة} أي لذنوبهم بسترها وعدم المؤاخذة عليها {ورزق كريم} ألا وهو نعيم الجنة في جوار ربهم سبحانه وتعالى والصنف الرابع من أصناف المؤمنين ذكره تعالى بقوله {والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم} فهذا الصنف أكمل من الصنف الثالث ودون الأول والثاني، إذ الأول والثاني فازوا بالسبق، وهؤلاء جاءوا من بعدهم ولكن لإيمانهم وهجرتهم وجهادهم ألحقهم الله تعالى
بالسابقين فقال {فأولئك منكم} وقوله تعالى {وأولوا5 الأرحام بعضهم أولى ببعض} أي في الارث وبها نسخ التوارث بالهجرة والمعاقدة، واستقر الإرث بالمصاهرة والولاء، والنسب إلى يوم القيامة، وقوله تعالى {في كتاب الله} أي في حكمه وقضائه المدون في اللوح المحفوظ، وقوله {إن الله بكل شيء عليم} هذه الجملة تحمل الوعد والوعيد الوعد لأهل الإيمان والطاعة، والوعيد لأهل الشرك والمعاصي.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- بيان تفاوت المؤمنين في كمالاتهم وعلو درجاتهم عند ربهم.
2- أكمل المؤمنين الذين جمعوا بين الإيمان والهجرة والجهاد وسبقوا لذلك وهم المهاجرون الأولون والذين جمعوا بين الإيمان والإيواء والنصرة والجهاد وهم الأنصار.
3- دون ذلك من آمنوا وهاجروا وجاهدوا ولكن بعد صلح الحدبيبة.
4- وأدنى أصناف المؤمنين من آمنوا ولم يهاجروا وهؤلاء على خطر عظيم.
5- وجوب نصرة المؤمنين بموالاتهم ومحبتهم ووجوب معاداة الكافرين وخذلانهم وبغضهم.
6- نسخ التوارث بغير المصاهرة والنسب والولاء.
__________
1 محنة الحرب وما يتبع ذلك من الغارات والجلاء والأسر، وما إلى ذلك من ويلات الحروب، والفساد الكبير: هو ظهور الشرك.
2 قوله: {والذين آووا ونصروا} معطوف على اسم إنّ والخبر: جملة {أولئك بعضهم أولياء بعض} .
3 الولاية: بكسر الواو وفتحها لغتان، وقرىء بهما معاً وهي هنا بمعنى النسب والنصرة، وتكون الولاية بالكسرة والفتح أيضاً بمعنى الإمارة وفي الآية دليل على أن المسلم لا يلي عقد نكاح أخته الكافرة لانعدام الموالاة بينهما، والكافر لا يلي عقد نكاح أخته المسلمة.
4 روى الترمذي أنّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلاّ تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير قالها ثلاثاً) وقال الترمذي هو حديث غريب.
5 أولوا: واحدها ذو، والرحم مؤنثة والجمع أرحام وهي مقر الولد في البطن والمراد بأولي الأرحام هنا: العصبات كالآباء والأبناء والإخوة والأعمام وأصحاب الفروض وهم الجد والأب والأم والبنت والأخت والزوجة يشهد لهذا قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولي رجل ذكر" أما أولوا الأرحام المختلف في إرثهم فهم: أولاد البنات وأولاد الاخوات وبنات الأخ، والعمة والخالة والعم أخو الأب لأم والجد أبر الأم والجدة أم الأم. هذا ومن أهل العلم كابن كثير وغيره من أبقى اللفظ على ظاهره فجعل المراد من أولي الأرحام: القرابة الناشئة عن الأمومة على خلاف ما قدّمناه عن القرطبي من أنّ المراد بأولي الأرحام العصبات دون المولودين بالرحم، وعلى رأي ابن كثير أن الآية ليست واردة في التوارث كما هو رأي مالك وإنما هي في الموالاة والنصرة.

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
10-02-2022, 07:14 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة التوبة - (1)
الحلقة (451)
تفسير سورة التوبة مدنية
المجلد الثانى (صـــــــ 335الى صــــ 342)

سورة التوبة
مدنية
وآياتها مائة وثلاثون آية
بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (2) وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3) إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4)
شرح الكلمات:
براءة 1: أي هذه براءة بمعنى تبرؤ وتباعد وتخلص.
عاهدتم: أي جعلتم بينكم وبينهم عهداً وميثاقاً.
فسيحوا في الأرض2: أي سيروا في الأرض طالبين لكم الخلاص.
مخزي الكافرين: مذل الكافرين ومهينهم.
وأذان من الله: إعلام منه تعالى.
يوم الحج الأكبر: أي يوم عيد النحر.
لم ينقصوكم شيئاً: أي من شروط المعاهدة وبنود الاتفاقية.
ولم يظاهروا عليكم أحداً: أي لم يعينوا عليكم أحداً.
معنى الآيات.:
هذه السورة القرآنية الوحيدة التي خلت3 من البسملة لأنها مفتتحة بآيات عذاب فتنافى معها ذكر الرحمة، وهذه السورة من آخر ما نزل من سور القرآن الكريم وقد بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علياً وبعض الصحابة في حج سنة تسع يقرأون هذه الآيات في الموسم، وهي تعلم المشركين أن من كان له عهد مطلق بلا حد شهر أو سنة مثلاً أو كان له عهد دون أربعة أشهر، أو كان له عهد فوق أربعة أشهر ونقضه تُعْلِمُهُم بأن عليهم أن يسيحوا في الأرض بأمان كامل مدة أربعة أشهر فإن أسلموا فهو خير لهم وإن خرجوا من الجزيرة فإن لهم ذلك وإن بقوا كافرين فسوف يؤخذون ويقتلون حيثما وجدوا في ديار الجزيرة التي أصبحت دار إسلام بفتح مكة ودخول أهل الطائف في الإسلام هذا معنى قوله تعالى {براءة من الله ورسوله} أي واصلة {إلى الذين عاهدتم4 من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر} تبدأ من يوم الإعلان عن ذلك وهو يوم العيد عيد الأضحى. وقوله تعالى (واعلموا أنكم غير معجزي الله} أي غير فائتيه ولا هاربين من قهره وسلطانه عليكم هذا أولاً، وثانياً (وأن الله مخزي الكافرين} أي مذلهم وقوله تعالى {وأذان من الله ورسوله} أي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والأذان الإعلان والإعلام، {إلى الناس} وهم المشركون {يوم الحج5 الأكبر6} أي يوم عيد الأضحى حيث تفرّغ الحجاج للإقامة بمنى للراحة والاستجمام قبل العودة إلى ديارهم، وصورة الإعلان عن تلك البراءة هي قوله تعالى، {أن الله بريء7 من المشركين ورسوله} أي كذلك بريء من المشركين وعليه {فإن تبتم} أيها المشركون إلى الله تعالى بتوحيده والإيمان برسوله وطاعته وطاعة رسوله {فهو خير لكم} من الإصرار على الشرك
والكفر والعصيان، {وإن توليتم} أي أعرضتم عن الإيمان والطاعة {فاعلموا أنكم غير معجزي الله} بحال من الأحوال فلن تفوتوه ولن تهربوا من سلطانه فإن الله تعالى لا يغلبه غالب، ولا يفوته هارب ثم قال تعالى لرسوله {وبشر الذين كفروا بعذاب أليم} أي أخبرهم به فإنه واقع بهم لا محالة إلا أن يتوبوا وقوله تعالى في الآية الرابعة (4) {إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم} من شروط المعاهدة {شيئاً ولم يظاهروا} أي لم يعاونوا {عليكم أحداً} لا برجال ولا بسلاح ولا حتى بمشورة ورأي فهؤلاء لم يبرأ الله تعالى منهم ولا رسوله، وعليه {فأتموا إليهم عهدهم8 إلى مدتهم} أي مدة أجلهم المحدد بزمن معين فوفوا لهم ولا تنقضوا لهم عهداً إلى أن ينقضوه هم بأنفسهم، أو تنتهي مدتهم وحينئذ إما الإسلام وإما السيف إذ لم يبق مجال لبقاء الشرك في دار الإسلام وقبته.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- جواز عقد المعاهدات بين المسلمين والكافرين إذا كان ذلك لدفع ضرر محقق عن المسلمين، أو جلب نفع للإسلام والمسلمين محققاً كذلك.
2- تحريم الغدر والخيانة، ولذا كان إلغاء المعاهدات علنياً وإمداد أصحابها بمدة ثلث سنة يفكرون في أمرهم ويطلبون الأصلح لهم.
3- وجوب الوفاء بالمعاهدات ذات الآجال إلى أجلها إلا أن ينقضها المعاهدون.
4- فضل التقوى وأهلها وهو اتقاء سخط الله بفعل المحبوب له تعالى وترك المكروه.
__________
1 يقال: برئت من الشيء ابرأ براءة فأنا بريء منه إذا أزلته عن نفسي وقطعت سبب ما بيني وبينه. وبراءة هنا: مبتدأ، وجوّز الابتداء به وهو نكرة: الوصف. والخبر {إلى الذين} ويصح أن تكون براءة خبر، والمبتدأ محذوف تقديره: هذه براءة.
2 أي قل لهم: سيحوا في الأرض أي: سيروا في الأرض آمنين غير خائفين، يقال: ساح يسيح سياحة، وسيوحاً وسيحاناً ومنه السّيح في الماء الجاري المنبسط.
3 روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سألت علياً رضي الله عنه: لِمَ لَمْ يكتب في براءة بسم الله الرحمن الرحيم قال: لأن بسم الله الرحمن الرحيم أمان، وبراءة نزلت بالسيف ليس فيها أمان. هذا أحد خمسة أوجه في عدم كتابة البسملة في براءة وهو أوجهها، وهو ما ذكرناه في التفسير.
4 نسبت المعاهدة إلى المؤمنين كافة، والمعاهد هو الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأنه المتولي لها ولسائر العقود. وكان رضاهم لها واجباً عليهم فلذا نسبت إليهم.
5 وقيل إنه يوم عرفة، والصحيح ما ذكرناه في التفسير وأنه يوم النحر لحديث ابن عمر عن أبي داود إذ قال: "وقف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم النحر في الحجة التي حجّ فيها فقال: أي يوم هذا؟ فقالوا: يوم النحر فقال: هذا يوم الحج الأكبر".
6 اختلف في العلة في تسمية الحج بالأكبر، وأحسن الأقوال أنه قيل فيه الأكبر: لأنه حج حضره الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحضرت فيه أمة الإسلام التي وجدت في تلك السنة فحجّ أكبر عدد في ذلك العام.
7 قالت العلماء: في الآية بيان جواز تطع المعاهدة بين المسلمين والكافرين لأحد أمرين: الأول: أن تنقضي المدة المعاهد عليها فنعلمهم بانقضائها وبالحرب عليهم. والثاني: أن نخاف غدرهم لظهور علامات تدلّ عليه.
8 في الآية إشارة أن هناك من خاس بعهده أي: نقضه، ومنهم من ثبت عليه.
****************************** **********
يتبع

ابوالوليد المسلم
10-02-2022, 07:16 AM
فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6) كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8)
شرح الكلمات:
فإذا انسلخ الأشهر1 الحرم: انقضت وخرجت الأشهر الأربعة التي أمنتم فيها المشركين.
حيث وجدتموهم: أي في أي مكان لقيتموهم في الحل أو الحرم.
وخذوهم: أي أسرى.
وأحصروهم: أي حاصروهم حتى يسلموا أنفسهم.
واقعدوا لهم كل مرصد2: أي اقعدوا لهم في طرقاتهم وارصدوا تحركاتهم.
فإن تابوا: أي آمنوا بالله ورسوله.
فخلوا سبيلهم: أي اتركوهم فلا حصار ولا مطاردة ولا قتال.
استجارك: أي طلب جوارك أي حمايتك.
مأمنه: أي المكان الذي يأمن فيه.
فما استقاموا لكم: أي لم ينقضوا عهدهم ولم يخلوا بالاتفاقية.
وإن يظهروا عليكم: أي يغلبوكم.
لا يرقبوا فيكم: أي لا يراعوا فيكم ولا يحترموا.
إلاّ ولا ذمة: أي لا قرابة، ولا عهداً فالإلّ: القرابة والذمة: العهد.
معنى الآيات:
ما زال السياق في إعلان الحرب العامة على المشركين تطهيراً لأرض الجزيرة التي هي دار الإسلام وحوزته من بقايا الشرك والمشركين، فقال تعالى لرسوله والمؤمنين {فإذا انسلخ الأشهر الحرم3} أي إذا انقضت وخرجت الأشهر الحرم التي أمنتم فيها المشركين الذين لا عهد لهم أو لهم عهد ولكن دون أربعة أشهر أو فوقها وبدون حد محدود {فاقتلوا المشركين4 حيث وجدتموهم} في الحل والحرم سواء {وخذوهم} أسرى {واحصروهم} حتى يستسلموا، {واقعدوا لهم كل مرصد} أي سدوا عليهم الطرق حتى يقدموا أنفسهم مسلمين أو مستسلمين وقوله تعالى {فإن تابوا} أي من الشرك وحربكم {وأقاموا الصلاة5 وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم6} إذ أصبحوا مسلمين مثلكم. وقوله {إن الله غفور رحيم} أي أن الله سيغفر لهم ويرحمهم بعد إسلامهم، لأنه تعالى غفور رحيم، هذا ما دلت عليه الآية الأولى (5) أما الآية الثانية (6) فقد أمر تعالى رسوله أن يجير من طلب جواره من المشركين حتى يسمع كلام الله منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويتفهم دعوة الإسلام ثم هو بالخيار إن شاء أسلم وذلك خير له وإن لم يسلم رده7 رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى مكان يأمن فيه من المسلمين أن يقتلوه.
وهو معنى قوله تعالى {وإن أحد من8 المشركين استجارك فأجره حتى يسمع9 كلام الله، ثم أبلغه مأمنه، ذلك بأنهم قوم لا يعلمون} فلذا قبل منهم ما طلبوه من الجوار حتى يسمعوا كلام الله تعالى إذ لو علموا ما رغبوا عن التوحيد إلى الشرك. وقوله تعالى في الآية الثالثة (7) {كيف10 يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله} هذا الاستفهام للنفي مع التعجب أي ليس لهم عهد أبداً وهم كافرون غادرون، وقوله تعالى {إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين} هؤلاء بعض بني بكر بن كنانة عاهدهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام صلح الحديبية وهم عند الحرم فهؤلاء لهم عهد وذمة ما استقاموا على عهدهم فلم ينقضوه. فإن استقاموا استقام لهم المسلمون ولم يقتلوهم وفاء بعهدهم وتقوى لله تعالى لأنه تعالى يكره الغدر ويحب المتقين لذلك. وقوله تعالى {كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلاَّ ولا ذمة} الاستفهام للتعجب أي كيف يكون للمشركين عهد يفون به لكم وهم إن يظهروا عليكم يغلبوكم في معركة، {لا يرقبوا فيكم} أي لا يراعوا الله تعالى ولا القرابة ولا الذمة بل يقتلوكم قتلاً ذريعاً، وقوله تعالى {يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم} إخبار من الله تعالى عن أولئك المشركين الناكثين للعهد الغادرين بأنهم يحاولون إرضاء المؤمنين بالكذب بأفواههم، وقلوبهم الكافرة تأبى ذلك الذي يقولون بألسنتهم أي فلا تعتقده ولا تقره، {وأكثرهم فاسقون} لا يعرفون الطاعة ولا الالتزام لا بعهد ولا دين، والجملة فيها تهييج للمسلمين على قتال المشركين ومحاصرتهم وأخذهم تطهيراً لأرض الجزيرة منهم قبل وفاة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- وجوب الوفاء بالعهود ما لم ينقضها المعاهدون.
2- تقرير مبدأ الحزم في القتال والضرب بشدة.
3- وجوب تطهير الجزيرة من كل شرك وكفر لأنها دار الإسلام.
4- إقام الصلاة شرط في صحة الإيمان فمن تركها فهو كافر غير مؤمن.
5- احترام الجوار، والإقرار به، وتأمين السفراء والممثلين لدولة كافرة.
6- قبول طلب كل من طلب من الكافرين الإذن له بدخول بلاد الإسلام ليتعلم الدين الإسلامي.
7- القرآن كلام الله تعالى حقاً بحروفه ومعانيه لقوله {حتى يسمع كلام الله} الذي يتلوه عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
8- وجوب مراقبة الله تعالى ومراعاة القرابة واحترام العهود.
__________
1 انسلخ: مطاوع سلخ، وهو مأخوذ من سلخ الجلد: إذا أزاله عن لحم الحيوان.
2 المرصد: مكان الرصد والرصد: المراقبة وتتبع النظر، قال الشاعر:
ولقد علمت وما إخالك ناسيا ...
أن المنيّة للفتى بالمرصد
3 ليس المراد بالأشهر الحرم الثلاثة السرد، والواحد الفرد التي هي القعدة والحجة والمحرم ورجب بل المراد منها ما هو مبين في التفسير ومعنى كونها حرما أنه يحرم قتال المشركين فيها والتعرض لهم بالسوء والأذى.
4 لفظ المشركين عام في كل مشرك وهو مخصوص بالسنة إذ نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن قتل المرأة والصبي والراهب.
5 شاهده حديث الصحاح: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله" وقال أبو بكر: "والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال".
6 مالك والشافعي وأحمد على أن تارك الصلاة استحلالاً لها أو غير استحلال يؤخر إلى أن يبقى من الوقت الضروري قدر ما يصلي ركعة قبل خروج الوقت ويقتل، وأبو حنيفة والظاهرية يقولون: يسجن ويضرب حتى يصلي ولا يقتل.
7 إمام المسلمين هو الذي يتولى أمر التأمين لمن طلب ذلك من المشركين إذ هو نائب عن سائر المسلمين، ويجوز للمسلم ذكراً كان أو أنثى أن يؤمن شخصاً ما لما له من حرمة لقول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "المسلمون تتكافؤ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد واحدة على من سواهم". وخالف بعضهم في المرأة فقالوا: لابد من موافقة الإمام لها على تأمينها وخالف أبو حنيفة في العبد.
8 أحد، مرفوع بفعل محذوف يفسره ما بعده والتقدير: وإن استجارك أحد المشركين فأجره.
9 الآية دليل على أن ما يسمع من صوت القارىء للقرآن هو كلام الله تعالى فيقول العبد: سمعت كلام الله حقاً وصدقاً.
10 {كيف يكون} الخ كيف: للتعجب نحو قولك: كيف يسبقني فلان؟! في الآية إضمار كلمة غدر أي كيف يكون لهم عهد مع إضمارهم الغدر بكم.

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
10-02-2022, 07:17 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة التوبة - (2)
الحلقة (452)
تفسير سورة التوبة مدنية
المجلد الثانى (صـــــــ 342الى صــــ 347)

اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (9) لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10) فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ (12)
شرح الكلمات:
اشتروا بآيات الله1: أي باعوا آيات الله وأخذوا بدلها الكفر.
فصدوا عن سبيله: أي أعرضوا عن سبيل الله التي هي الإسلام كما صدوا غيرهم أيضاً.
ساء: أي قبح.
لا يرقبون: أي لا يراعون.
إلاً: الإل: الله، والقرابة والعهد وكلها صالحة هنا.
فإن تابوا: أي من الشرك والمحاربة.
نكثوا: أي نقضوا وغدروا.
وطعنوا في دينكم 2: أي انتقدوا الإسلام في عقائده أو عاداته ومعاملاته.
أئمة الكفر: أي رؤساء الكفر المتبعين والمقلدين في الشرك والشر والفساد.
معنى الآيات:
ما زال السياق في الحديث عن المشركين، وبيان ما يلزم اتخاذه حيالهم فأخبر تعالى عنهم بقوله في الآية (9) {اشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً} أي باعوا الإيمان بالكفر فصدوا أنفسهم كما صدوا غيرهم من أتباعهم عن الإسلام الذي هو منهج حياتهم وطريق سعادتهم وكمالهم. فلذا قال تعالى مُقبحاً سلوكهم {إنهم ساء ما كانوا يعملون} كما أخبر تعالى عنهم بأنهم لا يراعون في أي مؤمن يتمكنون منه الله عز وجل ولا قرابة بينه وبينهم، ولا معاهدة تربطهم مع قومه، فقال تعالى {لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة، وأولئك هم المعتدون} ووصفه تعالى إياهم بالاعتداء دال على أنهم لا يحترمون عهوداً ولا يتقون الله تعالى في شيء، وذلك لظلمة نفوسهم من جراء الكفر والعصيان، فلذا على المسلمين قتلهم حيث وجدوهم وأخذهم أسرى وحصارهم وسد الطرق عنهم حتى يلقوا السلاح ويسلموا لله، أو يستسلموا للمؤمنين اللهم إلا أن يتوبوا بالإيمان والدخول في الإسلام كما قال تعالى {فإن3 تابوا وأقاموا الصلاة وأتوا الزكاة فإخوانكم في الدين} وقوله تعالى
{ونفصل الآيات لقوم يعلمون} أي نبين الآيات القرآنية المشتملة على الحجج والبراهين على توحيد الله تعالى وتقرير نبوة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعلى الأحكام الشرعية في الحرب والسلم كما في هذا السياق وقوله {لقوم يعلمون} لأن الذين لا يعلمون من أهل الجهالات لا ينتفعون بها لظلمة نفوسهم وفساد عقولهم بضلال الشرك والأهواء وقوله تعالى في الآية الرابعة (12) {وإن نكثوا أيمانهم4 من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم} يريد تعالى أولئك المعاهدين من المشركين إذ هم نكثوا أيمانهم التي أكدوا بها عهودهم فحلوا ما أبرموا ونقضوا ما أحكموا من عهد وميثاق وعابوا الإسلام وطعنوا فيه فهم إذاً أئمة الكفر ورؤساء الكافرين فقاتلوهم بلا هوادة، ولا تراعوا لهم أيماناً حلفوها لكم فإنهم لا أيمان لهم. قاتلوهم رجاء أن ينتهوا من الكفر والخيانة والغدر فيوحدوا ويسلموا ويصبحوا5 مثلكم أولياء الله لا أعداءه.
هداية الآيات.
من هداية الآيات:
1- ذم سلوك الكافرين وتصرفاتهم في الحياة وحسبهم أن باعوا الحق س بالباطل، واشتروا الضلالة بالهدى.
2- من كان الاعتداء وصفاً له لا يُؤمن على شيء، ولا يوثق فيه في شيء، لفساد ملكته النفسية.
3- أخوة الإسلام تثبت بثلاثة أمور التوحيد وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة6.
4- الطعن في الدين ردة وكفر موجب للقتل والقتال.
__________
1 روي أنهم نقضوا عهدهم من أجل أكلة أطعمهم إيّاها أبو سفيان ومالٍ صرفه لهم ليقفوا معه ضد الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمسلمين.
2 الطعن في الدين هو: استنقاصه، وأصل الطعن: الضرب في الجسم بالرمح لإفساده، واستعمل في الانتقاص للشخص والدين لإفساده. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما طُعن في إمارة أسامة لصغر سنه: "إن تطعنوا في إمارته فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبل، وأيم الله إن كان لخليقاً للإمارة" في الصحيح والطاعنون: المنافقون، واستدل بهذه الآية على كفر من طعن في الدين، ووجوب قتله وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد، وأنّ الذمي إذا طعن في الدين انتقضَ عهده ووجب قتله هذا مذهب الجمهور، وأبو حنيفة يرى استتابته فإن تاب وإلاّ قُتل.
3 من فرّق بين ثلاثة فرّق الله بينه وبين رحمته يوم القيامة. من قال أطيع الله ولا أطيع الرسول فإن الله تعالى قال: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول} ومن قال: أقيم الصلاة ولا أوتي الزكاة والله يقول: {أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} ومن قال: أشكر الله ولا أشكر لوالدي فإن الله قال: {أن اشكر لي ولوالديك} .
4 النكث: النقض وأصله في كل ما فتل أو أبرم ثم حل، واستعملت في الأيمان والعهود، قال الشاعر:
وإن حلفت لا ينقض النأي عهدها
فليس لمخضوب البنان يمين
5 نعم ما مات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى لم يبق منهم إلاّ ثلاثة، ولم يبق من المنافقين إلا أربعة: روى البخاري عن زيد بن وهب قال: كنا عند حذيفة فقال: ما بقي من أصحاب هذه الآية يعني: {فقاتلوا أئمة الكفر..} إلا ثلاثة ولا يبقى من االمناقفين إلا أربعة فقال أعرابي: إنكم أصحاب محمد تخبرون أخباراً لا ندري ما هي؟ تزعمون إلاّ منافق إلاّ أربعة، فما بال هؤلاء الذين يبقرون بيوتنا ويسرقون أعلافنا- نفائس أموالنا- قال حذيفة رضي الله عنه: أولائك الفساق، أجل لم يبق منهم إلا أربعة أحدهم شيخ كبير لو شرب الماء البارد لما وجد برده، أي: لذهاب شهوته وفساد معدته.
6 قال ابن عباس رضي الله عنهما هذه الآية حرّمت دماء أهل القبلة يعني قوله تعالى {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين} .
****************************** **
يتبع

ابوالوليد المسلم
10-02-2022, 07:18 AM
أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُم ْ فَاللهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ (13) قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَن يَشَاء وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15) أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (16)
شرح الكلمات:
ألا:: أداة تحضيض.
نكثوا أيمانهم: نقضوها وحلوها فلم يلتزموا بها.
هموا بإخراج الرسول: من دار الندوة إذ عزموا على واحدة من ثلاث الحبس أو النفي أو القتل.
أول مرة: أي في بدر أو في ماء الهجير1 حيث أعانت قريش بني بكر على خزاعة.
ويخزهم: أي يذلهم ويهينهم.
ويشف صدور: أي يذهب الغيظ الذي كان بها على المشركين الظالمين.
ان تتركوا: أي بدون امتحان بالتكاليف كالجهاد.
وليجه: أي دخيله وهي الرجل يدخل في القوم وهو ليس منهم ويطلعونه على أسرارهم وبواطن أمورهم.
معنى الآيات:
ما زال السياق في الحديث عن المشركين وما يلزم إزاءهم من إجراءات فإنه بعد أن أعطاهم المدة المذكورة وأمنهم فيها وهى أربعة أشهر، وقد انسلخت فلم يبق إلا قتالهم وأخذهم وإنهاء عصبة المشركين وآثارها في ديار الله فقال تعالى حاضاً المؤمنين مهيجاً لهم {ألا تقاتلون قوماً نكثوا أيمانهم} وهذه خطيئة كافية في وجوب قتالهم، وثانية همهم بإخراج الرسول من بين أظهرهم من مكة وثالثة بدؤهم إياكم بالقتال في بدر، إذ عيرهم نجت وأبوا إلا أن يقاتلوكم، إذاً فلم لا تقاتلونهم؟ أتتركون قتالهم خشية منهم وخوفاً إن كان هذا {فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين} ، لأن ما لدى الله تعالى من العذاب ليس لدى المشركين فالله أحق أن يخشى، هذا ما تضمنته الآية الأولى (13) وهي قوله تعالى {ألا تقاتلون قوماً نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج2 الرسول وهم بدؤوكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين} وفي الآية الثانية (14) يقول تعالى: {قاتلوهم} وهو أمر صريح بالقتال، وبذكر الجزاء المترتب على قتالهم فيقول {يعذّبهم الله بأيدكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين} وهم خزاعة تشفى صدورهم من الغيظ على بني بكر الذين قاتلوهم وأعانتهم قريش عليهم بعد صلح الحديبية3، وقوله تعالى: {ويتوب الله على من يشاء} هذه وإن لم تكن جزاء للأمر بالقتال كالأربعة التي قبلها. ولكن سنة الله تعالى أن الناس إذا رأوا انتصار أعدائهم عليهم في كل معركة يميلون إليهم ويقبلون دينهم وما هم عليه من صفات فقتال المؤمنين للكافرين وانتصارهم عليهم يتيح الفرصة لكثير من الكافرين فيسلمون وهو معنى قوله تعالى {ويتوب الله على من يشاء} ، وقوله {والله عليم حكيم} تقرير للأمر بالقتال والنتائج الطيبة المترتبة عليه آخرها أن يتوب الله عدى من يشاء. وقوله تعالى في الآية (16) الأخيرة {أم
حسبتم1 أن تتركوا} أي بدون امتحان. وأنتم خليط منكم المؤمن الصادق ومنكم المنافق الكاذب، من جملة ما كان يوحى به المنافقون التثبيط عن القتال بحجة ان مكة فتحت وأن الإسلام عز فما هناك حاجة إلى مطاردة فلول المشركين، وهم يعلمون أن تكتلات يقودها الساخطون على الإسلام حتى من رجالات قريش يريدون الانقضاض على المسلمين وإهدار كل نصر تحقق لهم، وهذا المعنى ظاهر من سياق الآية {أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة} 5 إذ هناك من اتخذوا من دون الله ورسوله والمؤمنين وليجة يطلعونها على أمور المسلمين، ويسترون عليهم وهي بينهم دخلية، ويقرر هذه الجملة التي ختمت بها الآية وهي قوله تعالى {والله خبير بما تعملون} .
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- مشروعية استعمال أسلوب التهييج والإثارة للجهاد.
2- وجوب خشية الله تعالى بطاعته وترك معصيته.
3- لازم الإيمان الشجاعة فمن ضعفت شجاعته ضعف إيمانه.
4- من ثمرات القتال دخول الناس في دين الله تعالى.
5- الجهاد عملية تصفية وتطهير لصفوف المؤمنين وقلوبهم أيضاً.
__________
1 حوض من ماء واسع كبير يسقون منه تقاتلت عنده خزاعة حلفاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبنو بكر حلفاء قريش وأعانت قريش حلفاءها بني بكر وبذلك نقضت عهدها مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفي هذا يقول الخزاعي وافد الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
إن قريشاً أخلفوك الموعدا ... ونقضوا ميثاقك المؤكدا
هم بيّتونا بالهجيرهجّدا ...
وقتلونا ركعاً وسجدا
2 إذ كانوا السبب في خروجه من مكة مهاجراً كما أخرجوه من المدينة لقتالهم في بدر ولفتح مكة كما همّوا بإخراجه من المدينة هو وأصحابه في أحد والخندق وغير ذلك.
3 إذ قريش أعانت بني بكر على خزاعة التي هي حلفاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذلك أنّ رجلا من بني بكر أنشد شعراً في هجاء الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له بعض رجال خزاعة لئن أعدته لأكسرنّ فمك فأعاده فكسم فمه، واندلعت الحرب بينهم فأعانت قريش بني بكر فجاء عمرو بن سالم الخزاعي إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يطلب النصرة فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برجاله وكان فتح مكة.
4 {أم حسبتم} أم: هي المنقطعة بمعنى بل إضرابا عما سبق من الكلام وانتقالا إلى آخر، والاستفهام للإِنكار، والحسبان بمعنى الظن والمعنى كيف تظنون أنكم تتركون بعد فتح مكة دون جهاد لأعداء الله ورسوله، وهم ما زالوا يتآمرون ويتجمعون لقتالكم.
5الوليجة: البطانة من الولوج في الشيء وهو الدخول فيه، والمراد من هذا الرجل يتخذ من أعداء الإسلام صديقاً يدخل عليه ويدخله عليه فيطلعه على أسرار المسلمين للنكاية بهم والتسلط عليهم لإضرارهم وإفسادهم وهلاكهم.

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
10-02-2022, 07:21 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة التوبة - (3)
الحلقة (453)
تفسير سورة التوبة مدنية
المجلد الثانى (صـــــــ 347الى صــــ 351)


مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17) إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18)
شرح الكلمات:
ما كان للمشركين: أي ليس من شأنهم أو مما يتأتى لهم.
حبطت أعمالهم: أي بطلت فلا يثابون عليها ولا ينجحون فيها.
يعمروا مساجد الله: أي بالعبادة فيها، وصيانتها وتطهيرها.
ولم يخش إلا الله: أي لم يخف أحداً غير الله تعالى.
فعسى: عسى من الله تعالى كما هي هنا تفيد التحقيق أي هدايتهم محققة.
المهتدين: أي إلى سبيل النجاة من الخسران والظفر بالجنان.
معنى الآيتين:
لا شك أن هناك من المشركين من ادعى أنه يعمر المسجد الحرام بالسدانة والحجابة والسقاية وسواء كان المدعى هذا العباس يوم بدر أو كان غيره فإن الله تعالى أبطل هذا الادعاء وقال {ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله} 1 أي لا ينبغي لهم ذلك ولا يصح منهم، وكيف وهم كفار شاهدون2 على أنفسهم بالكفر، وهل الكافر بالله يعمر بيته وبماذا يعمره؟ وإذا سألت اليهودي ما أنت؟ يقول يهودي، وإذا سألت النصراني، ما أنت؟ يقول نصراني، وإذا سألت الوثني ما أنت؟ يقول مشرك فهذه شهادتهم على أنفسهم3 بالكفر، وقوله تعالى {أولئك} أي البعداء في الكفر والضلال {حبطت أعمالهم} ، أي بطلت وضاعت لفقدها الإخلاص فيها لله تعالى {وفي النار هم خالدون} لا يخرجون منها متى دخولها أبداً، إذ ليس لهم من العمل ما يشفع لهم بالخروج منها. ثم قرر تعالى الحقيقة وهي أن الذين يعمرون 4 مساجد الله حقاً وصدقاً هم المؤمنون الموحدون الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويخشون الله تعالى ولا يخشون سواه هؤلاء هم الجديرون بعمارة المساجد بالصلاة والذكر والتعلم للعلم الشرعي فيها زيادة على بنائها وتطهيرها وصيانتها هؤلاء جديرون بالهداية لكل كمال وخير يشهد لهذا قوله تعالى {فعسى 5 أولئك أن يكونوا من المهتدين} إلى ما هو الحق والصواب، وإلى سبيل النجاة من النار والفوز بالجنة.
هداية الآيتين
من هداية الآيتين:
1- حرمة دخول الكافر المساجد إلا لحاجة وبإذن من المسلمين.
2- فضيلة عمارة المساجد بالعبادة فيها وتطهيرها وصيانتها.
3- فضيلة المسلم وشرفه، إذ كل من يسأل عن دينه يجيب بجواب هو الكفر إلا المسلم فإنه يقول: مسلم أي لله تعالى فهو إذاً المؤمن وغيره الكافر.
4- وجوب الإيمان بالله واليوم الآخر وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والخشية من 6 الله تعالى.
5- أهل الأمن والنجاة من النار هم أصحاب الصفات الأربع المذكورة في الآية.
__________
1 قيل: إنّ العباس لما أسر في بدر عُيّر بالكفر وقطيعة الرحم قال لمن عيّره، تذكرون مساوئنا ولا تذكرون محاسننا! فقال علي: ألكم محاسن؟ قال: نعم إنا لنعمر المسجد الحرام ونحجب الكعبة ونسقي الحاج ونفك العاني فنزلت هذه الآية ردّاً عليه. فوجب على المسلمين تولي أحكام المساجد.
2 قيل الأصل: وهم شاهدون فحذف {وهم} فنصب {شاهدين} على الحال.
3 قال ابن عباس: شهادتهم بالكفر هي: سجودهم للأصنام مع إقرارهم بأنها مخلوقة والله خالقها.
4 وردت أحاديث في فضل عمارة المساجد منها القوي ومنها الضعيف مجموعها يدل على المراد منها وهو حسن الظن بمن يعمر مساجد الله وأظهر حديث "إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان".
5 قالت العلماء: "عسى من الله واجبة أي: ما يرجى بها واجب الوقوع، وقيل: هي هنا بمعنى: خليق أي: فخليق أن يكونوا من المهتدين.
6 تساءل البعض وقالوا: قوله تعالى: {ولم يخش إلاّ الله} دال على أن المؤمن الكامل الإيمان لا يخشى إلا الله وإذا بالواقع أن الأنبياء يخشون الأعداء فضلا عن غيرهم فقال بعضهم معناه: أنهم لا يخشون إلاَّ الله مما يُعبد، وقال بعضهم:
أي لم يخف إلا الله في باب الدين. والجواب الصحيح أنّ الإنسان نبيا كان أو غيره من المؤمنين العاملين لا يخشون إلا الله تعالى فإذا خافوا عدواً، ليس معناه أنهم خافوه لذاته وإنما خافوا من الله أن يكون سلطة عليهم فخوفهم عائد في الحقيقة إلى الله تعالى فهو الذي بيده الأمر، والخوف منه لا من غيره.
***************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
10-02-2022, 07:22 AM
أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22)
شرح الكلمات:
سقاية الحاج: مكان يوضع فيه الماء في المسجد الحرام ويسقى منه الحجاج مجاناً.
وعمارة المسجد الحرام: هنا عبارة عن بنائه وصيانته وسدانة البيت فيه.
لا يستوون عند الله: إذ عمارة المسجد الحرام مع الشرك والكفر لا تساوى شيئاً.
والله لا يهدي القوم الظالمين: أي المشركين لا يهديهم لما فيه كمالهم وسعادتهم.
ورضوان: أي رضا الله عز وجل عنهم.
نعيم مقيم: أي دائم لا يزول ولا ينقطع.
معاني الآيات:
ما زال السياق في الرد على من رأى تفضيل عمارة المسجد1 الحرام بالسقاية والحجابة
والسدانة على الإيمان والفجرة والجهاد فقال تعالى موبخاً لهم {أجعلتم2 سقاية الحاج 3 وعمارة 4 المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون} في حكم الله وقضائه بحال من الأحوال، والمشركون ظالمون كيف يكون لعمارتهم للمسجد الحرام وزن أو قيمة تذكر {والله لا يهدي القوم الظالمين} بعد هذا التوبيخ والبيان للحال أخبر تعالى أن {الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم} هم {أعظم درجة} ممن آمنوا ولم يستكملوا هذه الصفات الأربع، وأخبر تعالى أنهم هم الفائزون بالنجاة من النار ودخول الجنة، وأعظم من هذا، جاء في قوله {يبشرهم ربهم برحمة منه} وهي الجنة {ورضوان} منه تعالى وهو أكبر نعيم {وجنات} أي بساتين في الملكوت الأعلى {لهم فيها نعيم مقيم} لا يحول ولا يزول وأنهم خالدون فيها لا يخرجون منها أبداً، {وإن الله عنده أجر عظيم} لا يقادر قدره جعلنا الله تعالى منهم وحشرنا في زمرتهم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- أكمل المؤمنين وأعلاهم درجة، لح وأقربهم من الله منزلة من جمع الصفات الثلاث المذكورة في الآية (20) وهي الإيمان والهجرة والجهاد في سبيل الله بالمال والنفس.
2- فضل الهجرة والجهاد.
3- تفاوت أهل الجنة في علو درجاتهم.
4- حرمان الظالمين المتوغلين في الظلم من هداية الله تعالى.
__________
1 روي عن السدي أنه قال: افتخر العباس بالسقاية وشيبة بالعمارة وعلي بالإسلام والجهاد فصدق الله علياً وكذبهما أي بهذه الآية: {أجعلتم سقاية الحاج ... } الخ فأخبر أن العمارة لا تكون بالكفر وإنما تكون بالإيمان والعبادة وأداء الطاعة.
وقيل أيضاً: إن المشركين سألوا اليهود وقالوا: نحن سقاة الحاج وعمار المسجد الحرام أفنحن أفضل أم محمد وأصحابه؟
فقالت لهم اليهود مكراً وعناداً: أنتم أفضل وروى مسلم عن النعمان بن بشير قال: كنت عند منبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال رجل: ما أبالي ألا أعمل بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج، وقال آخر ما أبالي ألا أعمل بعد الإسلام إلا أن أعمر المسجد الحرام وقال آخر: الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم فزجرهم عمر وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولكن إذا صليت الجمعة دخلت واستفتيته عما اختلفتم فيه. فأنزل الله عز وجل: {أجعلتم..} الآية. وحل الإشكال في هذه الأخبار: أن الآية تذكر دليلاً لا أنها نزلت في ذلك الوقت.
2 أي: أجعلتم أهل سقاية الحاج، أو أصحاب سقاية الحاج، إذ حذف المضاف وهو: أهل أو أصحاب وبقي المضاف إليه وهو: سقاية فنصب انتصابه.
3 الحاج: اسم جنس ناب مناب الحجاج جمع حاج.
4 وقرىء: سُقاة بضم السين جمع ساقٍ وعمرة: جمع عامر ككتبة جمع كاتب.

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
10-02-2022, 07:24 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة التوبة - (4)
الحلقة (454)
تفسير سورة التوبة مدنية
المجلد الثانى (صـــــــ 352الى صــــ 357)


يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23) قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)
شرح الكلمات:
أولياء: جمع وليّ وهو من تتولاه بالمحبة والنصرة ويتولاك بمثل ذلك.
استحبوا: أي أحبوا الكفر على الإيمان.
الظالمون: الظلم وضع الشيء في غير موضعه، ومن أحب من لا تجوز محبته فقد وضع شيئاً في غير موضعه فهو ظالم.
وعشيرتكم: أي قرابتكم من النسب كالأعمام الأباعد وأبنائهم.
اقترفتموها: أي اكتسبتموها.
كسادها: بوارها وعدم رواجها.
فتربصوا: أي انتظروا.
حتى يأتي الله بأمره: أي بعقوبة هذه المعصية يوم فتح مكة.
معنى الآيتين:
هذا إنذار الله تعالى للمؤمنين ينهاهم فيه عن اتخاذ من كفر من آبائهم وإخوانهم أولياء لهم يوادونهم ويناصرونهم ويطلعونهم على أسرار المسلمين وبواطن أمورهم. فيقول تعالى: {يا أيها الذين امنوا} أي بالله ورسوله ولقاء الله ووعده ووعيده {لا تتخذوا آباءكم1 وإخوانكم2 أولياء إن استحبوا3 الكفر على الإيمان} أي اثروا الكفر والإصرار عليه على الإيمان بالله ورسوله ثم يهددهم إن لم يمتثلوا أمره ويفاصلوا آباءهم وإخوانهم المستحبين للكفر على الإيمان فيقول {ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون4} ووجه الظلم ظاهر وهو أنهم وضعوا المحبة موضع البغضاء، والنصرة موضع الخذلان. والظلم هو وضع الشيء في غير موضعه. ثم أمر تعالى رسوله أن يقول لهم، وفي هذا العدول عن خطابهم مباشرة إلى الواسطة ما يشعر بالغضب وعدم الرضى، والتهديد والوعيد {قل إن كان5 آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله} فتركتم الهجرة والجهاد لذلك {فتربصوا حتى يأتي الله بأمره} أي انتظروا أمر الله وهو فتح مكة عليكم وإنزال العقوبة بكم، {والله لا لهدي القوم الفاسقين} أي لا يوفقهم لسبل نجاتهم وسعادتهم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- حرمة اتخاذ الكافرين أولياء يُوادون ولو كانوا من أقرب الأقرباء كالأب والابن والأخ.
2- من الظلم الفظيع موالاة من عادى الله ورسوله والمؤمنين.
3- فرضية محبة الله ورسوله والجهاد في سبيله، ومحبة سائر محاب الله تعالى وكره سائر مكاره الله تعالى من العقائد والأحوال والأعمال والذوات والصفات.
4- حرمان أهل الفسق المتوغلين فيه من هداية الله تعالى إلى ما يكملهم ويسعدهم.
__________
1 هذه الآية ما تضمنته من حكم حرمة موالاة الكافرين ولو كانوا من اقرب الأقرباء وهو عام في الأمة إلى يوم القيامة؟ وإن فهم منها بعضهم أنها للمؤمنين الذين كانوا بمكة وغيرها يدعوهم إلى الهجرة والتخلي عن بلاد الكفر.
2 لم يذكر الأبناء لأنّ العادة أنّ الأبناء تبع لآبائهم وذكر الآباء والإخوان ذكر لأقوى القرابة.
3 استحبوا: بمعنى أحبوا نحو: استجاب بمعنى: أجاب.
4 قال ابن عباس: من تولاهم هو مشرك مثلهم لأنّ الرضا بالشرك شرك ويستثنى من هذه المقاطعة الإحسان والهبة للأقارب الكفرة لحديث أسماء إذ قالت: يا رسول الله إنّ أمي قدمت عليّ راغبة وهي شركة أفأصلها؟ قال: صلي أمك. رواه البخاري.
5 هذه الآية نزلت في الذين تخلفوا عن الهجرة إلى المدينة إيثاراً لما ذكر تعالى على حب الله ورسوله والجهاد في سبيل الله تعالى إذ توعدهم تعالى بقوله: {فتربصوا} أي انتظروا ما سيحل بكم إن لم تتوبوا فتهاجروا وتجاهدوا.
**************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
10-02-2022, 07:24 AM
لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (26) ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (27) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28)
شرح الكلمات:
في مواطن: المواطن جمع موطن بمعنى الوطن وهو محل إقامة الإنسان.
حنين: وادٍ على بعد أميال يسيرة من الطائف.
إذ أعجبتكم كثرتكم: أي كثرة عددكم حتى قال من قال: لن نغلب اليوم من قلة.
فلم تغن عنكم شيئاً: أي لم تجز عنكم شيئاً من الإجزاء إذ انهزمتم في أول اللقاء.
وضاقت عليكم الأرض: أي لم تعرفوا أين تذهبون، وكيف تتصرفون كأنكم محصورون في مكان ضيق.
بما رحبت: أي على رحابتها وسعتها.
أنزل الله سكينته: أي الطمأنينة في نفوسهم، فذهب القلق والاضطراب.
وأنزل جنوداً.: أي من الملائكة.
نجس: أي ذوو نجس وذلك لخبث أرواحهم بالشرك.
بعد عامهم هذا: عام تسعة من الهجرة.
عيلة: أي فقراً وفاقه وحاجة.
معنى الآيات:
لما حرم الله على المؤمنين موالاة الكافرين ولو كانوا أقرباءهم وحذرهم من القعود عن الهجرة والجهاد، وكان الغالب فيمن يقعد عن ذلك إنما كان لجبنه وخوفه أخبرهم تعالى في هذه الآيات الثلاث أنه ناصرهم ومؤيدهم فلا يقعد بهم الجبن والخوف عن أداء الواجب من الهجرة والجهاد فقال تعالى {لقد نصركم الله في مواطن كثيرة1} كبْدَر والنضير وقريظة والفتح وغيرها {ويوم حنين} 2 حين قاتلوا قبيلة هوازن مذكراً إياهم بهزيمة أصابت المؤمنين نتيجة خطأ من بعضهم وهو الاغترار بكثرة العدد إذ قال من قال منهم: لن نغلب اليوم عن قلة إذ كانوا اثني عشر3 ألفاً وكان عدوهم أربعة آلاف فقط، إنهم ما إن توغلوا بين جنبتي الوادي حتى رماهم العدو بوابل من النبل والسهام فلم يعرفوا كيف يتصرفون حتى ضاقت عليهم الأرض على سعتها وولوا مدبرين هاربين ولم يثبت إلا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكان على بغلته البيضاء المسماة (بالدُلْدُل) والعباس إلى جنبه وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ابن عمه، ثم نادى منادي رسول الله: أن يا أصحاب سورة البقرة هلموا أصحاب السمرة (شجره بيعة الرضوان) هلموا. فتراجعوا إلى المعركة ودارت رحاها و {أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنوداً} تلامس القلوب وتنفخ فيها روح الشجاعة والصبر والثبات، فصبروا وقاتلوا وما هي إلا ساعة وإذا بالعدو سبي بين أيديهم ولم يحصل لهم أن غنموا يوماً مثل ما غنموا هذا اليوم إذ بلغ عدد الإبل اثني عشر ألف بعير، ومن الغنم مالا يحصى ولا يعد. بهذا جاء قوله تعالى: {ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين4} أي هاربين من العدو {ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنوداً} أي من الملائكة {لم تروها} {وعذب الذين كفروا} أي هوازن {وذلك} أي القتل والسبي {جزاء الكافرين} بالله ورسوله.
وقوله تعالى {ثم يتوب الله على من يشاء} 5 أي بعد قتالكم للكافرين وقتلكم من تقتلون يتوب الله على من يشاء ممن بقوا أحياء بعد الحرب {والله غفور رحيم} فيغفر لمن يتوب عليه من المشركين ماضي ذنوبه من الشرك وسائر الذنوب ويرحمه بأن يدخله الجنة مع من يشاء من المؤمنين الصادقين في إيمانهم هذا ما دلت عليه الآيات الثلاث. أما الآية الرابعة {يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس6 فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} 7 فإنه تعالى أمر المؤمنين بأن يمنعوا من دخول المسجد الحرم كل مشرك ومشركة لأن المشرك نجس الظاهر والباطن فلا يحل دخولهم إلى المسجد الحرام كل مشرك ومشركة لأن المشرك نجس الظاهر والباطن فلا يحل دخولهم إلى المسجد الحرام وهو مكة والحرم حولها، ومن يومئذ لم يدخل مكة مشرك، وقوله تعالى {وإن خفتم علية8} أي فقراً لأجل انقطاع9 المشركين عن الموسم حيث كانوا يحلبون التجارة يبيعون ويشترون فيحصل نفع للمسلمين {فسوف يغنيكم الله من فضله} فامنعوا المشركين ولا تخافوا الفقر وقوله تعالى {إن شاء إن الله عليم حكيم} استثناء منه تعالى حتى تبقى قلوب المؤمنين متعلقة به سبحانه وتعالى راجية خائفة غير مطمئنة غافلة، وكونه تعالى عليماً حكيماً يرشح المعنى المذكور فإن ذا العلم والحكمة لا يضع شيئاً إلا في موضعه فلا بد لمن أراد رحمة الله أو فضل الله أن يجتهد أن يكون أهلاً لذلك، بالإيمان والطاعة العامة والخاصة.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- حرمة العجب بالنفس والعمل إذ هو أي العجب من العوائق الكبيرة عن النجاح.
2- بيان إفضال الله تعالى وإكرامه لعباده المؤمنين.
3- بيان الحكمة من القتال في سبيل الله تعالى.
4- تقرير نجاسة الكافر المعنوية.
5- منع دخول المشرك الحرم المكي كائناً من كان بخلاف باقي المساجد فقد يؤذن للكافر لمصلحة أن يدخل بإذن المسلمين.
6- لا يمنع المؤمن من امتثال أمر ربّه الخوف من الفاقة والفقر فإن الله تعالى تعهد بالإغناء إن شاء.
__________
1 المواطن: جمع موطن وهو مكان التوطّن أي: الإقامة ويطلق على موضع الحرب وموقعها.
2 خص يوم حنين بالذكر لما وقع فيه من الهزيمة في أول المعركة.
3 عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار وألفان من مسلمة الفتح وهم الطلقاء وهزموا من أجل قول بعضهم: لن نغلب اليوم عن قلة وهو ما يسمى بالعجب وهو محبط للعمل.
4 روى مسلم عن ابن اسحق قال: جاء رجل إلى البراء فقال: أكنتم وليتم يوم حنين يا أبا عمارة؟ فقال: أشهد على نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما ولى ولكنه انطلق أخفّاء من الناس وحسّر إلى هذا الحي من هوازن وهم قوم رماة فرموهم برشق من نبل كأنها رجل من جراد فانكشفوا فأقبل القوم إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو سفيان يقود به بغلته فنزل ودعا واستنصر وهو يقول: "أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب اللهم نزل نصرك" قال البراء: كنا والله إذا احمّر البأس نتقي به.
5 كمالك بن عوف النصري رئيس حنين ومن أسلم معه من قومه.
6 قيل: وصف المشرك بالنجس: لأنه جنب لا يغتسل من جنابة غسلاً شرعياً فهو لذلك نجس، وقيل: الشرك هو الذي جعله نجساً إذ لو أسلم زال عنه الوصف.
7 هو عام حجة الوداع وليس عام تسعة كما قال بعضهم.
8 قال الشاعر:
وما يدري الفقير متى غناه ... وما يدري الغني متى يعيل
يقال: عال يعيل عيلة: إذا افتقر.
9 في الآية على مشروعية الأخذ بالأسباب إذ قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اعقلها وتوكل" قال بعضهم: الأسباب التي يطلب بها الرزق هي الجهاد وأكل الرجل من عمل يده التجارة، الحرث، والغرس، التعليم للعلوم بالأجرة، الاستدانة بنيّة رد الدين.

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
10-02-2022, 07:26 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة التوبة - (5)
الحلقة (455)
تفسير سورة التوبة مدنية
المجلد الثانى (صـــــــ 358الى صــــ 362)

قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)
شرح الكلمات:
لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر: أي إيماناً صحيحاً يرضاه الله تعالى لموافقة الحق والواقع.
ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله: أي كالخمر والربا وسائر المحرمات.
ولا يدينون دين الحق: أي الإسلام إذ هو الدين الذي لا يقبل ديناً سواه.
من الذين أوتوا الكتاب: أي اليهود والنصارى.
الجزية: أي الخراج المعلوم الذي يدفعه الذمي كل سنة.
عن يد وهم صاغرون1: أي يقدمونه بأيديهم لا ينيبون فيه غيرهم، وهم صاغرون: أي أذلاء منقادون لحكم الإسلام هذا.
معنى الآية الكريمة:
لما أمر الله تعالى رسوله والمؤمنين بقتال المشركين حتى يتوبوا من الشرك ويوحدوا ويعبدوا الله تعالى بما شرع أمر رسوله في هذه الآية والمؤمنين بقتال أهل الكتاب وهم
اليهود والنصارى إلى أن يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، وجعل إعطاء الجزية غايةً لنهاية القتال، لا الإسلام، لأن الإسلام يعرض أولاً على أهل الكتاب فإن قبلوه فذاك وإن رفضوه يطلب منهم الدخول في ذمة المسلمين وحمايتهم تحت شعار الجزية وهي رمز دال على قبولهم حماية المسلمين وحكمهم بشرع الله تعالى فإذا أعطوها حقنوا دماءهم وحافظوا أموالهم، وأمنوا في حياتهم المادية والروحية، هذا ما تضمنته الآية الكريمة: {قاتلوا الذين لا يؤمنون2 بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب3 حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} وإن قيل اليهود والنصارى يؤمنون بالله وباليوم الآخر فكيف نفت الآية عنهم ذلك؟ والجواب أن اليهود في إيمانهم بالله مشبهة مجسمة يصفون الله تعالى بصفات تعالى الله عنها علواً كبيراً، والنصارى يعتقدون أن الله حلّ في المسيح، وإن الله ثالث ثلاثة والله ليس كذلك فهم إذاً لا يؤمنون بالله تعالى كما هو الله الإله الحق، فلذا إيمانهم باطل وليس بإيمان يضاف إلى ذلك أنهم لو آمنوا بالله لآمنوا برسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولو آمنوا باليوم الآخر لأطاعوا الله ورسوله لينجوا من عذاب اليوم الآخر وليسعدوا فيه بدخول الجنة فلما لم يؤمنوا ولم يعملوا كانوا حقاً كافرين غير مؤمنين، وصدق الله العظيم حيث نفى عنهم الإيمان به وباليوم الآخر، والله أعلم بخلقه من أنفسهم.
هداية الآية الكريمة
من هداية الآية الكريمة:
1-وجوب قتال أهل الكتاب حتى يسلموا أو يدخلوا في حكم الإسلام وذلك من أجل إعدادهم للإسلام ليكملوا عليه ويسعدوا به.
2- الإيمان غير الصحيح لا يعتبر إيماناً منجياً ولا مسعداً.
3- استباحة ما حرم الله من المطاعم والمشارب والمناكح كفر صريح.
4- مشروعية أخذ الجزية من أهل الكتاب وهي مقدّرة4 في كتب الفقه مبينة وهي بحسب غنى المرء وفقره وسعته وضيقه.
__________
1 وفسّر قوله: {عن يد} بالقوة على دفع الجزية بأن يكون المطالب بها قادراً على أدائها لغناه وعدم فقره. وهو تفسير حق لأنّ الفقير منهم لا يطالب بالجزية في حال فقره، وما في التفسير أصحّ.
2 الآية صريحة في عدم اعتبار إيمان اليهود والنصارى بالله واليوم الآخر إيماناً صحيحاً يزكى النفس ويؤهل لدخول الجنة، وهذا لأمرين: الأول: لما داخل إيمانهم من التحريف والتغيير فلم يكن إيمانهم بركني الإيمان العظيمين الإيمان بالله واليوم الآخر إيماناً صحيحاً مقبولاً شرعاً فلذا عُد كلا إيمان. والثاني: لأنهم لو آمنوا بالله ولقائه حق الإيمان لآمنوا برسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبما جاء به من الهدى، ولاستقاموا على شرع الله فأحلوا ما أحل وحرموا ما حرم.
3 المجوس والصابئة لم يذكرا في الآية، والذي به العمل عند عامة الفقهاء أنهم يسنّ بهم سنة أهل الكتاب في قبول الجزية منهم وإدخالهم في ذمة المسلمين.
4 تقدَّر بدينار من الذهب، وإن صالحهم الإمام عن أكثر فهم على ما صالحهم عليه.
**************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
10-02-2022, 07:26 AM
وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)
شرح الكلمات:
عُزير: هو الذي أماته الله مائة عام ثم بعتثه، واليهود يسمونه: عِزْرا.
المسيح: هو عيسى بن مريم عليهما السلام.
يضاهئون: أي يشابهون.
قول الذين كفروا: أي من آبائهم وأجدادهم الماضين.
قاتلهم الله: أي لعنهم الله لأجل كفرهم.
أنى يؤفكون.: أي كيف يصرفون عن الحق.
أحبارهم ورهبانهم: الأحبار جمع حبر: علماء واليهود، والرهبان جمع راهب عابد النصارى.
أرباباً من دون الله: أي آلهة يشرعون لهم فيعملون بشرائعهم من حلال وحرام.
نور الله: أي الإسلام لأنه هاد إلى الإسعاد والكمال في الدارين.
بأفواههم: أي بالكذب عليه والطعن فيه وصرف الناس عنه.
رسوله: محمداً صلى الله علمه وسلم.
معنى الآيات:
لما أمر تعالى بقتال أهل الكتاب لكفرهم وعدم إيمانهم الإيمان الحق المنجي من النار ذكر في هذه الآيات الثلاث ما هو مقرر لكفرهم ومؤكد له فقال {وقالت اليهود عزير1 ابن الله} ونسبة الولد إلى الله تعالى كفر بجلاله وكماله {وقالت النصارى المسيح ابن2 الله} ونسبه الولد إليه تعالى كفر به عز وجل وبماله من جلال وكمال وقوله تعالى: {ذلك قولهم بأفواههم} أي ليس له من الواقع شيء إذ ليس لله تعالى ولد، وكيف يكون له ولد ولم تكن له زوجة، وإنما ذلك قولهم بأفواههم فقط {يضاهئون به3} أي يشابهون به {قول الذين كفروا من قبل} 4 وهم اليهود الأولون وغيرهم وقوله تعالى {قاتلهم الله أنى يؤفكون} دعاء عليهم باللعن والطرد من رحمة الله تعالى وقوله {أنى يؤفكون} أي كيف يصرفون عن الحق ويبعدون عنه بهذه الصورة العجيبة وقوله {اتخذوا أحبارهم5 ورهبانهم أرباباً من دون الله} 6 هذا دليل آخر على كفرهم وشركهم إذ قبولهم قول علمائهم وعبادهم والإذعان
له والتسليم به حتى أنهم ليحلون لهم الحرام فيحلونه ويحرمون عليهم الحلال فيحرمونه، شرك وكفر والعياذ بالله. وقوله {والمسيح7 ابن مريم} أي اتخذه النصارى رباً وإلهاً، وقوله تعالى {وما أمروا إلا ليبعدوا إلهاً واحداً} أي لم يأمرهم أنبياؤهم كموسى وعيسى وغيرهما إلا بعبادة الله تعالى وحده لا إله إلا هو ولا رب سواه وقوله {سبحانه عما يشركون} نزه تعالى نفسه عن شركهم. وقوله تعالى {يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم} أي يريد اليهود والنصارى أن يطفئوا نور الله الذي هو الإسلام بأفواههم بالكذب والافتراء، والعيب والانتقاص، {ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون} 8، وقد فعل فله الحمد وله المنة، وأصبح الإسلام الظاهر على الأديان كلها، هذا ما دلت عليه الآيات الثلاث أما الآية الرابعة (33) فقد أخبر تعالى أنه {هو الذي أرسل رسوله} أي محمداً {بالهدى} وهو القرآن {ودين الحق} الذي هو الإسلام. وقوله {ليظهره} أي الدين الحق الذي هو الإسلام {على الدين كله ولو كره المشركون} 9 وقد فعل فالإسلام ظاهر في الأرض كلها سمع به أهل الشرق والغرب ودان به أهل الشرق والغرب وسيأتي يوم يسود فيه المسلمون أهل الدنيا قاطبة بإذن الله تعالى
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- تقرير كفر اليهود والنصارى بذكر عقائدهم الكفرية.
2- طاعة العلماء ورجال الدين طاعة عمياء حتى يحلوا ويحرموا فيتبعوا شرك.
3- بيان عداء اليهود والنصارى للإسلام وتعاونهم على إفساده وإفساد أهله.
4- بشرى المسلمين بأنهم سيسودون العالم في يوم من الأيام ويصبح الإسلام هو الدين الذي يعبد الله به في الأرض لا غيره، ويشهد لهذا آية {ويكون الدين كله لله} فلو لم يعلم الله أن ذلك كائن لم يجعله غاية وطالب بالوصول إليها.
__________
1 قرأ عاصم {عزير} بالتنوين، وقرأ نافع بغير تنوين، وقوله تعالى {وقالت اليهود} هو كقوله تعالى: {الذين قال لهم الناس..} فهو لفظ عام، والمراد به الخصوص إذ ما كلٌ اليهود قالوا بهذه القولة ولا كل الناس وإنما بعضهم.
2 في الآية دليل على أن حاكي الكفر، وهو منكر له بقلبه ولسانه لا يكفر.
3 يقال: امرأة ضهياً: للتي لا تحيض ولا ثدي لها كأنها أشبهت الرجل.
4 أي: شابه قولهم قول الكافرين من قبلهم وهم أسلافهم الذين قلدوهم أو قول العرب الذين قالوا: الملائكة بنات الله. تعالى الله عن البنت والولد علواً كبيراً.
5 الحِبر بكسر الحاء. المداد، وبفتحها العالم، والرهبان: جمع راهب مأخوذ من الرهبة، والراهب الحق. هو من حمله خوف الله على أن يخلص له النية في القول والعمل ويجعل زمانه له وعمله له وأنسه به.
6 روى الترمذي عن عدي بن حاتم قال: أتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفي عنقي صليب من ذهب فقال: "ما هذا يا عديّ أطرح عنك هذا الوثن" وسمعته يقرأ {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح بن مريم} وسئل حذيفة رضي الله عنه عن قول الله تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهباناهم أرباباً مر دون الله} هل عبدوهم؟ قال: لا ولكن أحلّوا لهم الحرام فاستحلوه وحرموا عليهم الحلال فحرموه.
7 يطلق لفظ المسيح على العرق لأنه إذا سال يُمسح من الجبين قال أحدهم شعراً:
افرح فسوف تألف الأحزانا ... إذا شهدت الحشر والميزانا
وسال من جبينك المسيح ... كأنّه جداول تسيح
8 صحّ دخول "إلاّ" على الإثبات هنا لأنّ أبى يحذف معها الكلام فيقال: يأبي فلان كل شيء إلا أن يطاع مثلا. فمعنى الآية: يأبى الله كل شيء إلا أن يتم نوره.
9 شاهده: رواية أحمد: عن المقداد بن الأسود قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر ولا وبر إلا دخلته كلمة الإسلام بعزّ عزيز أو بذل ذليل إمّا يعزّهم الله فيجعلهم من أهلها وإمّا يذلهم فيدينون لها".

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
22-02-2022, 10:24 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة التوبة - (6)
الحلقة (456)
تفسير سورة التوبة مدنية
المجلد الثانى (صـــــــ 362الى صــــ 368)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ (35)
شرح الكلمات:
بالباطل: أي بدون حق أباح لهم أكلها.
ويصدون عن سبيل الله: أي يصرفون أنفسهم وغيرهم عن الإسلام الذي هو السبيل؟ المفضي بالعبد إلى رضوان الله تعالى.
يكنزون: يجمعون المال ويدفنونه حفاظاً عليه ولا يؤدون حقه.
الذهب والفضة: هما النقدان المعروفان.
في سبيل الله: أي حيث رضا الله كالجهاد وإطعام الفقراء والمساكين.
فبشرهم: أي أخبرهم بعذاب أليم: أي موجع.
يحمى عليها: لأنها تحول إلى صفائح ويحمى عليها ثم تكوى بها جباههم.
هذا ما كنزتم: أي يقال لهم عند كيهم بها: هذا ما كنزتم لأنفسكم توبيخاً لهم وتقريعاً.
معنى الآيتين:
بمناسبة ذكر عداء اليهود والنصارى للإسلام والمسلمين، وأنهم يريدون دوماً وأبداً
إطفاء نور الله بأفواههم، ذكر تعالى ما هو إشارة واضحة إلى أنهم ماديون لا همّ لهم إلا المال والرئاسة فأخبر المسلمين فقال {يا أيها الذين آمنوا إن كثيراً من الأحبار} 1 وهم علماء اليهود {والرهبان} وهم رجال الكنائس من النصارى {ليأكلون أموال الناس بالباطل} كالرشوة، وكتابة صكوك الغفران يبيعونها للسفلة منهم، إلى غير ذلك من الحيل باسم2 الدين، وقوله تعالى عنهم {ويصدون عن3 سبيل الله} دليل واضح على أنهم يحاربون الإسلام باستمرار للإبقاء على مناصبهم الدينية يعيشون عليها يترأسون بها على السفلة والعوام من اليهود والنصارى، وقوله تعالى {والذين يكنزون الذهب والفضة} 4 لفظ5 عام يشمل الأحبار والرهبان وغيرهم من سائر الناس من المسلمين ومن أهل الكتاب إلا أن الرهبان والأحبار يتناولهم اللفظ أولاً، لأن من يأكل أموال الناس بالباطل ويصد عن سبيل الله أقرب إلى أن يكنز الذهب والفضة ولا ينفقها في سبيل الله، وقوله تعالى لرسوله {فبشرهم بعذاب أليم} أي أخبرهم معجلاً لهم الخبر في صورة بشارة، وبين نوع العذاب الأليم بقوله {يوم يحمى عليها} أي صفائح الذهب والفضة بعد تحويلها إلى صفائح {في نار جهنم} فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم} أي من كل الجهات الأربع من أمام ومن خلف وعن يمين وعن شمال ويقال لهم تهكماً بهم وازدراء لهم وهو نوع عذاب أشد على النفس من عذاب الجسم (هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون} .
هداية الآيتين
من هداية الآيتين:
1- بيان حقيقة علماء اليهود والنصارى، وهي أنهم ماديون باعوا آخرتهم بدنياهم يحاربون الإسلام ويصدون عنه للمحافظة على الرئاسة وللأكل على حساب الإسلام.
2- حرمة أكل أموال الناس بالباطل.
3- حرمة جمع المال وكنزه وعدم الإنفاق منه.
4- المال الذي تؤدى زكاته كل حول لا يقال له كنز ولو دفن تحت الأرض.
5- بيان عقوبة من يكنز المال ولا ينفق منه في سبيل الله وهي عقوبة شديدة.
__________
1 الآية نزلت في أهل الكتاب كشفاً عن عوراتهم المادية، وأما قوله تعالى {والذين يكنزون الذهب والفضة..} الخ فهو حكم عام يشمل المسلمين وأهل الكتاب.
2 قيل كانوا يأخذون من غلات أتباعهم ومن أموالهم ضرائب باسم حماية الدين والقيام بالشرع، وقلدهم الروافض، فإن أئمتهم يأخذون منهم ضرائب هي خمس دخل كل فرد من أي جهة كان هذا الدخل أخبرني بهذا أحد رجالهم في الكويت.
3 من صدّهم عن سبيل الله إنهم كانوا يمنعون أتباعهم من الدخول في الإسلام ومن أتباع محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
4 دلت الآية على زكاة العين: الذهب والفضة وهي تجب بأربعة شروط الحرية، والإسلام، والحول، والنصاب السليم من الدين، والنصاب مائتا درهم فضة أو عشرون ديناراً من الذهب، ويكمل أحدهما من الآخر، ومن السنة قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول" رواه أبو داود. وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ليس في أقل من مائتي درهم زكاة، وليس في أقل من عشرين ديناراً زكاة" في الصحيح.
5 روى أبو داود عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية {والذين يكنزون الذهب والفضة} قال كبر ذلك على المسلمين فقال عمر: أنا أفرج عنكم فانطلق قال: يا نبي الله إنه كبُر على أصحابك هذه الآية، فقال: "إن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيّب ما بقى من أموالكم وإنما فرض المواريث في أموالكم لتكون لمن بعدكم فكبّر عمر فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء: المرأة الصالحة: إذا نظر إليها سرته وإذا أمرها أطاعته وإذا غاب عنها حفظته".
**************************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
22-02-2022, 10:25 PM
إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36) إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلِّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (37)
شرح الكلمات:
عدة: أي عدد.
الشهور1: جمع شهر والشهر تسعة وعشرون يوماً، أو ثلاثون يوماً
في كتاب الله: أي كتاب المقادير: اللوح المحفوظ.
أربعة حرم: هي رجب، والقعدة، والحجة، ومحرم، الواحد منها حرام والجمع حرم.
الدين القيم 2: أي الشرع المستقيم الذي لا اعوجاج فيه.
فلا تظلموا فيهن أنفسكم: أي لا ترتكبوا في الأشهر الحرم المعاصي فإنها أشد حرمة.
كافة: أي جميعاً وفي كل الشهور حلالها وحرامها.
مع المتقين: أي بالتأييد والنصّر، والمتقون هم الذين لا يعصون الله تعالى.
إنما النسيء: أي تأخير حرمة شهر المحرم إلى صفر.
يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً: أي النسيء عاماً يحلونه وعاماً يحرمونه.
ليواطئوا عدة ما حرم الله: أي ليوافقوا عدد الشهور المحرمة وهي أربعة.
زين لهم سوء عملهم: أي زين لهم الشيطان هذا التأخير للشهر الحرام وهو عمل سيء لأنه إفتيات على الشارع واحتيال على تحليل الحرام.
معنى الآيتين:
عاد السياق للحديث على المشركين بعد ذلك الاعتراض الذي كان للحديث عن أهل الكتاب فقال تعالى {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً} لا تزيد ولا تنقص، وأنها هكذا في اللوح المحفوظ {يوم خلق السموات والأرض} 3. وأن منها أربعة أشهر حرم أي محرمات وهي رجب، والقعدة والحجة ومحرم، وحرمها الله تعالى أي حرم القتال فيها لتكون هدنة يتمكن العرب معها من السفر للتجارة وللحج والعمرة ولا يخافون أحداً، ولما
جاء الإسلام وأعز الله أهله، نسخ حرمة القتال فيها. وقوله تعالى (ذلك الدين القيّم} أي تحريم هذه الأشهر واحترامها بعدم القتال فيها هو الشرع المستقيم وقوله تعالى {فلا تظلموا فيهن أنفسكم} أي لا ترتكبوا الذنوب والمعاصي في الأشهر الحرم فإن ذلك يوجب غضب الله تعالى وسخطه عليكم فلا تعرضوا أنفسكم له، وقوله تعالى {وقاتلوا المشركين} هذا خطاب للمؤمنين يأمرهم تعالى بقتال المشركين بعد انتهاء المدة التي جعلت لهم وهي أربعة أشهر وقوله {كافة} 4 أي جميعاً لا يتأخر منكم أحد كما هم يقاتلونكم مجتمعين على قتالكم فاجتعموا أنتم على قتالهم، وقوله {واعلموا أن الله مع المتقين} وهم الذين اتقوا الشرك والمعاصي ومعناه أن الله معكم بنصره وتأييده على المشركين العصاة وقوله عز وجل {إنما النسيء5 زيادة في الكفر} أي إنما تأخير حرمة محرم إلى صفر كما يفعل أهل الجاهلية ليستبيحوا القتال في الشهر الحرام بهذه الفُتيا الشيطانية هذا التأخير زيادة في كفر الكافرين6، لأنه محاربة لشرع الله وهي كفر قطعاً لقوله تعالى {يضل به الذين كفروا} آي بالنسيء يزدادون ضلالاً فوق ضلالهم. وقوله {يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً} يعني النسيء وهو الشهر الذي أخروه أي أخروا حرمته إلى الشهر الذي بعده ليتمكنوا من القتال في الشهر الحرام، فعاماً يحلون وعاماً يحرمون حتى يوافقوا عدة الأشهر الحُرُم، بلا زيادة ولا نقصان، ظناً منهم أنهم ما عصوا مستترين بهذه الفتيا الإبليسية كما قال تعالى {زين لهم سوء أعمالهم} والمزين للباطل قطعاً هو الشيطان. وقوله تعالى {والله لا يهدى القوم الكافرين} يخبر تعالى أنه عز وجل لا يهدي القوم الكافرين لما هو الحق والخير وذلك عقوبة لهم على كفرهم به وبرسوله، وإصرارهم على ذلك.
هداية الآيتين
من هداية الآيتين:
1- بيان أن شهور السنة الهجرية اثنا عشر شهراً7 وأيامها ثلثمائة8 وخمسة وخمسون يوماً.
2- بيان أن الأشهر الحرم أربعة وقد بينها الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهي رجب، والقعدة والحجة ومحرم.
3- حرمة الأشهر االحرم، ومضاعفة السيآت فيها أي قبح الذنوب فيها.
4- صفة المعيّة لله تعالى وهي معية خاصة بالنصر والتأييد لأهل تقواه.
5- حرمة الاحتيال على9 الشرع بالفتاوى الباطلة لإحلال الحرام، وأن هذا الاحتيال ما هو إلا زيادة في الإثم.
6- تزيين الباطل وتحسين المنكر من الشيطان.
7- حرمان أهل الكفر والفسق من هداية الله تعالى وتوفيقه لما هو حق وخير حالاً ومآلاً.
__________
1 المراد بالشهور: ما تتألف منه السنة القمرية، واحدها: شهر، مشتق من الشهرة سميت به الأيام من أوّل ظهور الهلال إلى سراره.
2 أي: الصحيح، والإشارة في قوله: {ذاك الدين القيّم} إلى عدة الشهور، وتقسيمها إلى حُرم وغيرها وإلى عدم ارتكاب الذنوب فيها.
3 قوله: {يوم خلق السموات والأرض..} قاله ليبيّن أن قضاء وقدره كان قبل ذلك وأنه سبحانه وتعالى وضع هذه الشهور وسمّاها بأسمائها يوم خلق السماوات والأرض.
4 كافة: معناه جميعاً، وهو مصدر في موضع الحال أي: محيطين بهم ومجتمعين. قالوا: نظير كافة: في كونه لا يبني ولا يجمع: عاقبة وعامة وخاصة.
5 قرأ الجمهور: {النسيء} مهموزاً وقرأ ورش: {النسيّ} بالياء المشددة، وهو فعيل بمعنى مفعول في قولك: نسأت الشيء أنسأه إذا أخّرته، فنقل من منسوء إلى نسيء كما نقل مفتول إلى فتيل لأنّه أخف، وأصل هذا التشريع الجاهلي: أنّ العرب قبل الإسلام كانوا أهل حروب فإذا احتاجوا إلى القتال في الشهر الحرام طلبوا من زعيمهم أن ينسيء المحرّم أي: يؤخره إلى صفر حتى يمكنهم الحرب في المحرم بعد الحج وما زالوا يؤخرون ويقدمون حتى اختلطت الشهور وأصبح رجب جمادى ورمضان شوال وهكذا، ودارت الشهور دورتها، وفي عام حجة الوداع أعلن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك بقوله: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض" يريد أن الشهور قد رجعت إلى مواضعها، وأصبح كل شهر في موضعه فوقع حجّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في موضعه.
6 إذ كفروا بالشرك وإنكار المعاد وتكذيب الرسل، ونسبة الولد لله تعالى ثم بالنسيء ازدادوا كفراً.
7 وهي: محرم ويجمع على محرمات ومحارم ومحاريم، وصفر ويجمع على أصفار وربيع الأول ويجمع على أربعاء وأربعة وربيع الثاني وجمادى الأولى ويجمع على جُماديات وتذكر وتؤنث فيقال: الأولى والأول، وجمادى الآخرة والآخر، ورجب ويجمع على أرجاب ورجاب، وشعبان ويجمع على شعابين وشعبانات، ورمضان ويجمع على رمضانات، ورماضين وأرمضة وشوال ويجمع على شواول وشواويل وشوالات، القعدة ويجمع على ذوات القعدة والحِجة بكسر الحاء وفتحها ويجمع على ذوات الحجة.
8 وهي: الأحد ويجمع على آحاد وأوحاد ووحود، والاثنين ويجمع على أثانين، والثلاثاء يذكر ويؤنث ويجمع على ثلاثاوات وأثالث والأربعاء ويجمع على أربعاوات وأرابيع، والخميس ويجمع على أخمسة وأخامس، والجمعة بضم الميم وإسكانها وفتحها ويجمع على جمع وجمعات، والسبت ويجمع على سبوت كفتح وفتوح وأسبات كقمع وأقماع.
9 اختلف فيمن كان أوّل من نسأ فقيل عمرو بن لحي، وقيل: رجل من كنانة يقال له القلمّس قال شاعرهم:
ومنا ناسىء الشهر القلمّس
وقال الكميت:
ألسنا الناسئين على معد ...
شهور الحل نجعلها حراما

ابوالوليد المسلم
22-02-2022, 10:26 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة التوبة - (7)
الحلقة (457)
تفسير سورة التوبة مدنية
المجلد الثانى (صـــــــ 368الى صــــ 372)


يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39) إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)
شرح الكلمات:
مالكم؟ 1: أي أي شيء ثبت لكم من الأعذار.
انفروا: أي اخرجوا مستعجلين مندفعين.
اثاقلتم: أي تباطأتم كأنكم تحملون أثقالاً.
إلا تنصروه.: أي الرسول محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ثاني اثنين: أي هو وأبو بكر رضي الله عنه.
في الغار: غار ثور أي في جبل يقال له ثور بمكة.
لصاحبه: هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
سكينتهُ: أي طمأنينته.
كلمة الذين كفروا: هي الدعوة إلى الشرك.
السفلى: أي مغلوبة هابطة لا يسمع لها صوت.
وكلمة الله هي العليا: أي دعوة التوحيد "لا إله إلا الله محمد رسول الله" هي العليا الغالبة الظاهرة.
معنى الآيات:
هذه الآيات نزلت في غزوة تبوك فقد بلغ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن هرقل ملك الروم قد جمع جموعه لحرب الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأعلن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التعبئة العامة، وكان الزمن صيفاً حاراً وبالبلاد جدب ومجاعة، وكان ذلك في شوال من سنة تسع، وسميت هذه الغزوة بغزوة العسرة فاستحثَّ الربّ تبارك وتعالى المؤمنين ليخرجوا مع نبيهم لقتال أعدائه الذين عزموا على غزوه في عقر داره فأنزل تعالى قوله {يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله} والقائل هو رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {انفروا في سبيل الله} أي اخرجوا للجهاد {في سبيل الله} أي لأجل رضاه سبحانه وتعالى وما عنده من نعيم مقيم. وقوله {مالكم} أي أي شيء يجعلكم لا تنفرون؟ وأنتم المؤمنون طلاب الكمال والإسعاد في الدارين. وقوله {اثاقلتم إلى الأرض} 2 أي تباطأتم عن الخروج راضين ببقائكم في دوركم وبلادكم. {أرضيتم بالحياة الدنيا من3 الآخرة؟} ينكر تعالى على من هذه حاله منهم، ثم يقول لهم {فما متاع الحياة الدنيا} أي ما كل ما يوجد فيها من متع على اختلافها بالنسبة إلى ما في الآخرة من نعيم مقيم في جوار رب العالمين {إلا قليل} تافه لا قيمة له؛ فكيف تؤثرون القليل على الكثير والفاني على الباقي. ثم قال لهم {إلاّ تنفروا} أي إن تخليتم عن نصرته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتركتموه يخرج إلى قتال الروم وحده {يعذبكم عذاباً أليماً ويستبدل قوماً غيركم4 ولا تضروه شيئاً والله على كل شيء قدير} . وفي هذا الخبر وعيد شديد اهتزت له قلوب المؤمنين.
وقوله تعالى {إلا تنصروه} 5 أي إن خذلتموه ولم تخرجوا معه في هذا الظرف الصعب فقد نصره الله تعالى في ظرف أصعب منه نصره في الوقت الذي أخرجه الذين كفروا {ثاني اثنين} 6 أي هو وأبو بكر لا غير، {إذ هما في الغار} أي غار ثور، {إذ يقول لصاحبه} : لما قال لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا يا رسول الله، {لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه} فسكنت نفسه واطمأن وذهب الخوف من قلبه7، {وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا} وهي دعوتهم إلى الشرك جعلها {السفلى} مغلوبة هابطة {وكلمة الله} كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله {هي العليا} الغالبة الظاهرة {والله عزيز} غالب8 لا يغالب {حكيم} في تصرفه وتدبيره، ينصر من أراد نصره بلا ممانع ويهزم من أراد هزيمته بلا مغالب.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- وجوب الخروج إلى الجهاد إذا دعا الإمام بالدعوة العامة وهو ما يعرف بالتعبئة العامة أو النفير العام.
2- يجب أن يكون النفير في سبيل الله لا في سبيلٍ غير سبيله تعالى.
3- بيان حقارة الدنيا وضآلتها أمام الآخرة.
4- وجوب نصرة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في دينه في أمته في سنته.
5- شرف أبي بكر الصديق وبيان فضله.
6- الإسلام يعلو ولا يعلى عليه.
__________
1(ما) : حرف استفهام ومعناه التقرير والتوبيخ.
2 أصل {اثاقلتم} : تثاقلتم فأدغمت التاء في الثاء لقرب مخرجهما وزيدت همزة الوصل للتوصل إلى النطق بالساكن ومثله: اداركوا وادّارأتم، واطيرنا، وازينت.
3 أي: أرضيتم بنعيم الدنيا وراحتها بدلاً من نعيم الآخرة وسعادتها.
4 أي: لا يقعدون عند استنفارهم للجهاد والخروج معه، وأنتم بتخلفكم لا تضرونه شيئاً، في الآية دليل على حرمة التثاقل عن الجهاد إذا كان مع كراهته ولا حرمة مع عدم الكراهة إلاّ أن يعيّنه الإمام فيجب.
5 أصلها إن الشرطية أدغمت فيها لا النافية، والآية تحمل عتاباً شديداً، ومعنى الآية: إن تركتم نصرته فقد تكفل الله بها.
6 أي: أحد اثنين كثالث ثلاثة ورابع أربعة.
7 أي: قلب أبي بكر رضي الله عنه.
8 إذ أحبط تعالى أعمال قريش في طلبها الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لتقتله حيث جعلت مائة ناقة لمن يأتيها برأسه وأنجى الله رسوله منهم وانتهى إلى المدينة ونصره عليهم.
****************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
22-02-2022, 10:27 PM
انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41) لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42) عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43)
شرح الكلمات:
خفافاً وثقالاً: الخفاف جمع خفيف: وهو الشاب القوي البدن ذا الجدة من زاد ومركوب. والثقال جمع ثقيل: وهو الشيخ الكبير والمريض والفقير الذي لا جدة عنده.
ذلكم: أي الجهاد بالمال والنفس خير من التثاقل إلى الأرض وترك الجهاد حالاً ومآلاً.
عرضاً قريباً: غنيمة في مكان قريب غير بعيد.
أو سفراً قاصداً: أيما معتدلاً لا مشقة فيه.
الشقة: الطريق الطويل الذي لا يقطع إلا بمشقة وعناء.
عفا الله عنك: لم يؤاخذك.
معنى الآيات:
ما زال السياق في الحث على الخروج إلى قتال الروم بالشام ففي هذه الآيات يأمر تعالى المؤمنين بالخروج إلى الجهاد على أي حال كان الخروج من قوة وضعف فليخرج الشاب القوي كالكبير العاجز الضعيف والغني كالفقير فقال تعالى {انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا1 بأموالكم وأنفسكم} أعداء الله الكافرين به وبرسوله حتى يدخلوا في الإسلام أو يعطوا الجزية ويقبلوا أحكام الإسلام {ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون} أي نفوركم للجهاد وقتالكم الكافرين إلى الانتهاء بهم إلى إحدى الغايتين خير لكم من الخلود إلى الأرض والرضا بالحياة الدنيا وهي متاع قليل، إن كنتم تعلمون ذلك، وقوله تعالى {لو كان عرضاً2 قريباً وسفراً قاصداً لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة} 3 يقول تعالى لرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لو كان
أولئك المتخلفون عن الجهاد من المنافقين وضعفة الإيمان قد دعوتهم إلى عرض قريب أي غنيمة حاضرة أو إلى سفر سهل قاصد معتدل لاتبعوك وخرجوا معك، ولكن دعوتهم إلى تبوك وفي زمن الحر والحاجة فبعدت عليهم الشقة فانتحلوا الأعذار إليك وتخلفوا. وقوله تعالى {وسيحلفون بالله} أي لكم قائلين: لو استطعنا أي الخروج لخرجنا معكم.
قال تعالى {يهلكون أنفسهم} حيث يجلبون لها سخط4 الله وعقابه {والله يعلم إنهم لكاذبون} في كل ما اعتذروا به. هذا ما دلت عليه الآيتان الأولى والثانية (41- 42) وأما الآية الثالثة فقد تضمنت عتاب الله تعالى لنبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيث أذن لمن طلب منه التخلف عن النفور والنهوض إلى تبوك وكان من السياسة الرشيدة عدم الإذن لأحد حتى يتميز بذلك الصادق من الكاذب قال تعالى {عفا الله عنك} 5 أي تجاوز عنك ولم يؤاخذك وقدم هذا اللفظ على العتاب الذي تضمنه الاستفهام {لم أذنت لهم} تعجيلاً للمسرة للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ لو أخر عن جملة العتاب لأوجد خوفاً وحزناً، وقوله تعالى {حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين} علة للعتاب على الإذن للمنافقين6 بالتخلف عن الخروج إلى تبوك.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- إذا أعلن الإمام التعبئة العامة يحرم التخلف عن الجهاد ولا يقعد أحد، إلا بإذن لأجل علة قامت به فاستأذن فأذن له.
2- الجهاد كما يكون بالنفس يكون بالمال وهو خيرٌ من تركه حالاً ومآلاً.
3- الأيمان الكاذبة لإبطال حق أو إحقاق باطل توجب سخط الله تعالى وعذابه.
4- مشروعية العتاب للمحب.
5- جواز مخالفة الأولى على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعدم علمه ما لم يعلِّمه الله تعالى.
__________
1 الآية محكمة ولم تنسخ، والمراد منها: أن الإمام إذا أعلن عن النفير العام، وجب الإسراع إلى الخروج معه على أي حال من كبر وصغر وغنى وفقر.
2 العرض: ما يعرض من منافع الدنيا، والمراد به هنا: الغنيمة أي: لو كان الذي دعوا إليه عرضا قريبا أو كان الذي دعوا إليه سفراً قاصداً أي: سهلا معلوم الطرق لاتبعوك.
3 الشقة: بالضم: السفر إلى أرض بعيدة وهي هنا تبوك، نظير هذه الآية من السنة قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لو يعلم أحدهم أنه يحد عظماً سميناً أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء.." المرماة: ظلف الشاة.
4 بسبب كذبهم ونفاقهم وأيمانهم الكاذبة.
5 أخبره بالعفو قبل العتاب رحمة به وإكراماً له، إذ لو قال له لِمَ أذنت لهم أوّلا لكان يطير قلبه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الفرق أي: الخوف.
6 هؤلاء قوم منافقون قالوا نستأذنه في القعود فإن أذن لنا قعدنا، وان لم يأذن لنا قعدنا. أمّا غير هؤلاء فقد رخّص له في الإذن لمن شاء في قوله: {فأذن لمن شئت منهم} من سورة النور.

ابوالوليد المسلم
22-02-2022, 10:28 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة التوبة - (8)
الحلقة (458)
تفسير سورة التوبة مدنية
المجلد الثانى (صـــــــ 373الى صــــ 379)


لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45) وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (46)
شرح الكلمات:
لا يستأذنك: أي لا يطلبون منك إذناً بالتخلف عن الجهاد.
وارتابت قلوبهم: أي شكت في صحة ما تدعو إليه من الدين الحق.
في ريبهم: أي في شكهم.
يترددون: حيارى لا يثبتون على شيء.
لأعدّوا له عدّة: لهيأوا له ما يلزم من سلاح وزاد ومركوب.
انبعاثهم: أي خروجهم معكم.
فثبطهم: ألقي في نفوسهم الرغبة في التخلف وحببه إليهم فكسلوا ولم يخرجوا
معنى الآيات:
ما زال السياق في الحديث عن غزوة تبوك وأحوال المأمورين بالنفير فيها فبعد أن عاتب الله تعالى رسوله في إذنه للمتخلفين أخبره أنه لا يستأذنه1 المؤمنون الصادقون في أن يتخلفوا عن الجهاد بأموالهم وأنفسهم وإنما يستأذنه {الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم} في الإيمان بالله ورسوله ووعده ووعيده، فهم حيارى مترددون لا يدرون أين يتجهون وهي حالة المزعزع العقيدة كسائر المنافقين، وأخبره تعالى أنهم كاذبون في اعتذارا تهم إذ لو أرادوا الخروج لأعدوا له عدته أي احضروا له أهبته من سلاح وزاد وراحلة ولكنهم كانوا عازمين على عدم الخروج بحال من الأحوال، ولو لم تأذن لهم بالتخلف لتخلفوا مخالفين قصدك متحدين أمرك. وهذا عائد إلى أن الله تعالى كره خروجهم لما فيه من الضرر والخطر فثبطهم بما ألقى في قلوبهم من الفشل رفي أجسامهم من الكسل كأنما قيل لهم اقعدوا مع القاعدين هذا ما دلت عليه الآية (44) {ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدته ولكن كره الله انبعاثهم2 فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين 3} وقوله تعالى في ختام الآية الأولى (44) {والله عليم بالمتقين} 4 فيه تقرير لعلمه تعالى بأحوال ونفوس عباده فما أخبر به هو الحق والواقع، فالمؤمنون الصادقون لا يطلبون التخلف عن الجهاد لإيمانهم وتقواهم، والمنافقون هم الذين يطلبون التخلف لشكهم وفجورهم والله أعلم بهم، ولا ينبئك مثل خبير.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- فضيلة الإيمان والتقوى إذ صاحبهما لا يمكنه أن يتخلف عن الجهاد بالنفس والمال.
2- خطر الشك في العقيدة وأنه سبب الحيرة والتردد، وصاحبه لا يقدر على أن يجاهد بمال ولا نفس.
3- سوابق الشر تحول بين صاحبها وبين فعل الخير.
__________
1 لا يستأذنه المؤمنون لا في القعود ولا في الخروج وإنما هم مع مراده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإذا أمر بأمر ابتدروه طاعة ومحبة ورغبة في رضا الله ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
2 {انبعاثهم} : أي: خروجهم معك، ومعنى ثبَطهم: حبسهم عنك وخذلهم لأنهم قالوا: إن لم يأذن لنا في القعود أفسدنا بين صفوف المؤمنين.
3 القاعدون: هم أولو الضرر، والعميان والزمنى، والنساء والأطفال. والقائل لهم اقعدوا هو الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما طلبوا منه الإذن بالقعود وجائز أن يكون قاله بعضهم لبعض أو قاله الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حال غضبه عليهم، أو هو تمثيل لخلق الله تعالى داعية القعود في قلوبهم حتى لا يخرجوا فيفسدوا.
4 فيه شهادة للمؤمنين الصادقين بالتقوى وهي دعامة الولاية الحقة لله تعالى، فالإيمان والتقوى بهما تثبت ولاية الله للعبد ومن والاه الله فلا خوف عليه ولا حزن.
******************************
لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47) لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ (48)
شرح الكلمات:
لو خرجوا فيكم: أي مندسين بين رجالكم.
إلا خبالاً: الفساد في الرأي والتدبير.
ولأوضعوا خلالكم: أي لأسرعوا بينكم بالنميمة والتحريش والإثارة لإبقائكم في الفتنة.
وفيكم سماعون لهم: أي بينكم من يكثر السماع لهم والتأثر بأقوالهم المثيرة الفاسدة.
من قبل: أي عند مجئيك المدينة مهاجراً.
وقلّبوا لك الأمور: بالكيد والمكر والاتصال باليهود والمشركين والتعاون معهم.
وظهر أمر الله: بأن فتحت مكة ودخل الناس في دين الله أفواجاً.
وهم كارهون: أي لمجيء الحق وظهور أمر الله بانتصار دينه.
معنى الآيتين:
ما زال السياق الكريم في فضح نوايا المنافقين وكشف الستار عنهم فقال تعالى {لو خرجوا فيكم} 1 أيها الرسول والمؤمنون أي إلى غزوة تبوك {ما زادوكم إلا خبالاً} 2 أي ضرراً وفساداً وبلبلة لأفكار المؤمنين بما ينفثونه من سموم القول للتخذيل والتفشيل،{ولأوضعوا} 3 أي أسرعوا ركائبهم {خلالكم} أي بين صفوفكم بكلمات التخذيل والتثبيط {يبغونكم} بذلك {الفتنة} وهي تفريق جمعكم وإثارة العداوة بينكم بما يحسنه المنافقون في كل زمان ومكان من خبيث القول وفاسده وقوله تعالى {وفيكم سماعون لهم} أي وبينكم أيها المؤمنون ضعاف الإيمان يسمعون منكم وينقلون لهم أخبار أسراركم كما أن منكم من يسمع لهم ويطيعهم ولذا وغيره كره الله انبعاثهم وثبطهم فقعدوا مع القاعدين من النساء والأطفال والعجز والمرضى، وقوله تعالى {والله عليم بالظالمين} الذين يعملون على إبطال دينه وهزيمة أوليائه. فلذا صرفهم عن الخروج معكم إلى قتال أعدائكم من الروم والعرب المتنصرة بالشام. وقوله تعالى في الآية الثانية (48) {لقد ابتغوا الفتنة من قبل} بل من يوم هاجرت إلى المدينة ووجد بها الإسلام وهم يثيرون الفتن بين أصحابك للإيقاع بهم، وفي أحد رجع ابن أبي بثلث الجيش وهم بنو سلمة وبنو حارثة بالرجوع عن القتال لولا أن الله سلم {وقلبوا لك الأمور} 4 وصرفوها في وجوه شتى بقصد القضاء على دعوتك فظاهروا المشركين واليهود في مواطن كثيرة وكان هذا دأبهم {حتى جاء الحق} بفتح مكة {وظهر أمر الله} بدخول أكثر العرب في دين الله {وهم كارهون} لذلك بل أسفون حزنون، ولذا فلا تأسفوا على عدم خروجهم معكم، ولا تحفلوا به أو تهتموا له، فإن الله رحمة بكم ونصراً لكم صرفهم عن الخروج معكم. فاحمدوا الله وأثنوا عليه بما هو أهله، ولله الحمد والمنة.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- وجود منافقين في صفوف المؤمنين خطر عليهم وضرر كبير لهم فلذا ينبغي أن لا يُشركوا في أمر، وأن لا يعول عليهم في مهمة.
2- وجوب الأخذ بالحيطة في الأمور ذات البال والأثر على حياة الإسلام والمسلمين.
3- المنافق يسوءه عزة الإسلام والمسلمين ويحزن لذلك.
4- تدبير الله تعالى لأوليائه خير تدبير فلذا وجب الرضا بقضاء الله وقدره والتسليم به.
__________
1 في هذا الإخبار الإلهي تسلية للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمؤمنين من أجل تخلف المنافقين عنهم.
2 الاستثناء منقطع أي: ما زادوكم قوة ولكن طلبوا الخبال لكم. والعادة: أن الاستثناء المنقطع يكون: بمعنى لكن إذ ليس هو جزء من المستثنى منه.
3 الإيضاع: سرعة السير، يقال: أوضع يوضع إيضاعاً إذا أسرع في سيره. قال دريد بن الصمة:
يا ليتني فيها جذع ... أخبّ فيها وأضع
4 الأمور: جمع أمر وهو اسم مبهم كشيء، قال الشاعر:
*ولكن مقادير جرت وأمور*
والألف واللام للجنس: أي: أمور تعرفونها وأمور تنكرونها، وحتى: غائية لتقليبهم الأمور.
**********************
يتبع

ابوالوليد المسلم
22-02-2022, 10:28 PM
وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (49) إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ (50) قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51) قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُواْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ (52)
شرح الكلمات:
ومنهم: أي من المنافقين وهو الجد بن قيس.
إئذن لي: أي في التخلف عن الجهاد.
ولا تفتني: أي لا توقعني في الفتنة بدعوى أنه إذا رأي نساء الروم لا يملك نفسه.
حسنة تسؤهم: الحسنة كل ما يحسن من نصر وغنيمة وعافية ومعنى تسؤهم أي يكربون لها ويحزنون.
قد أخذنا أمرنا من قبل: أي احتطنا للأمر ولذا لم نخرج معهم.
إحدى الحسنين: الأولى الظفر بالعدو والانتصار عليه والثانية الشهادة المورثة للجنة.
فتربصوا: أي انتظروا فإنا معكم من المنتظرين.
معنى الآيات:
ما زال السياق في الحديث عن المنافقين المتخلفين عن غزوة تبوك فيقول تعالى {ومنهم من يقول ائذن لي} أي في التخلف عن الجهاد، {ولا تفتني} بإلزامك لي بالخروج أي لا توقعني في الفتنة، فقد روى أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له. هل لك في1 بلاد بني الأصفر؟ فقال إني مغرم بالنساء وأخشى إن رأيت نساء بني الأصفر2 (وهم الروم) لا أصبر عنهن فأفتن، والقائل هذا هو الجد بن قيس أحد زعماء المنافقين في المدينة فقال تعالى دعاء عليه ورداً لباطله: {ألا في الفتنة سقطوا} وأي فتنة أعظم من الشرك والنفاق؟ {وإن جهنم لمحيطة بالكافرين} به وبأمثاله من أهل الكفر والنفاق، هذا ما دلت عليه الآية الأولى أما الآية الثانية (50) فقد تضمنت الكشف عما يقوله المنافقون في أنفسهم أنه إن تصب الرسول والمؤمنين حسنة من نصر أو غنيمة وكل حال حسنة يسؤهم ذلك أي يكربهم ويحزنهم، وإن تصبهم سيئة من هزيمة أو قتل وموت يقولوا فيما بينهم {قد أخذنا أمرنا} أي احتطنا للأمر فلم نخرج معهم {ويتولوا} راجعين إلى بيوتهم وأهليهم {وهم فرحون} . هذا ما تضمنته الآية التي هي قوله تعالى {إن تصبك حسنة3 تسؤهم، وان تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولوا وهم فرحون} 4 أما الآيتان الثالثة والرابعة (51- 52) فقد علم الله سبحانه وتعالى رسوله ما يقوله إغاظة لأولئك المنافقين وإخباراً لهم بما يسؤهم فقال {قل لن يصيبنا} أي من حسنة أو سيئة إلا ما كتب الله5 لنا وما يكتبه ربنا لنا لن يكون إلا خيراً لأنه مولانا {وعلى الله فيلتوكل المؤمنون} ونحن مؤمنون وعلى
ربنا متوكلون، وقال له: {قل هل تربصون بنا} 6 أي هل تنتظرون بنا إلا إحدى الحسنيين: 7 النصر والظهور على أهل الشرك والكفر والنفاق أو الاستشهاد في سبيل الله، ثم النعيم المقيم في جوار رب العالمين وعليه {فتربصوا إنا معكم متربصون} 8، وسوف لا نشاهد إلا ما يسرنا ويسوءكم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- فضيحة الجد بن قيس وتسجيل اللعنة عليه وتبشيره بجهنم.
2- بيان فرح المنافقين والكافرين بما يسوء المسلمين، وبيان استيائهم لما يفرح المسلمين وهي علامة النفاق البارزة في كل منافق.
3- وجوب التوكل على الله وعدم الاهتمام بأقوال المنافقين.
4- بيان أن المؤمنين بين خيارين في جهادهم: النصر أو الشهادة.
5- مشروعية القول الذي يغيط العدو ويحزنه.
__________
1 في رواية ياجَدُّ هل لك في جلاد بني الأصفر لتتخذ منهم سراري ووصفاء فقال الجد الخ.
2 قيل: سمي الروم بني الأصفر: لأن الحبشة غزتهم وسبتهم فنشأ جيل أصفر اللون بين البياض والسواد، وهو اللون الأصفر.
3 {إن تصبك حسنة} جملة شرطية وجملة {تسؤهم} جواب وجزاء لها كما أن جملة {وإن تصبهم} شرط، والجزاء {يقولوا} الخ.
4 {ويتولوا} أي: راجعين إلى بيوتهم ومجالسهم وهم كافرون، فهم متولون في الحقيقة عن الإيمان {فرحون} أي: معجبون بنجاحهم المؤقت.
5 أي: في اللوح المحفوظ الذي هو كتاب المقادير، أو هو ما أخبرنا به كتابه القرآن الكريم مِن أنّا إمّا نظفر فيكون الظفر حسنى لنا وإمّا أن نقتل فتكون الشهادة حسنى لنا.
6 التربص: الانتظار، والاستفهام للتوبيخ.
7 الحسنيان: هما الغنيمة والشهادة.
8 {فتربصوا} هذا الأمر للتهديد والوعيد، كأنما يقول لهم: انتظروا مواعد الشيطان فإنا مُنتظرون مواعد الرحمن، وشتان بين ما ننتظر وما تنتظرون!!

ابوالوليد المسلم
22-02-2022, 10:29 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة التوبة - (9)
الحلقة (459)
تفسير سورة التوبة مدنية
المجلد الثانى (صـــــــ 379الى صــــ 384)


قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ (53) وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ (54) فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55)
شرح الكلمات:
طوعاً أو كرهاً.: أي وأنتم طائعون أو أنتم مكرهون على الإنفاق.
إنكم كنتم قوماً فاسقين: الجملة علة لعدم قبول نفقاتهم.
كسالى: متثاقلون لعدم إيمانهم في الباطن بفائدة الصلاة.
فلا تعجبك أموالهم: أي لا تستحسنوا أيها المسلمون ما عند المنافقين من مال وولد.
وتزهق أنفسهم: أي تفيض وتخرج من أجسامهم.
معنى الآيات:
ما زال السياق في تعليم الله تعالى رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كيف يرد على المنافقين فقال له قل لهم أيها الرسول {انفقوا} 1 حال كونكم طائعين أو مكرهين {لن يتقبل منكم} ، أي أخبرهم أن ما ينفقونه في هذا الخروج إلى تبوك وفي غيره سواء أنفقوه باختيارهم أو كانوا مكرهين عليه لن يتقبله الله منهم لأنهم2 كانوا قوماً فاسقين بكفرهم بالله وبرسوله وخروجهم عن طاعتهما. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (53) أما الآية الثانية (54) فقد أخبر تعالى عن الأسباب الرئيسية التي حالت دون قبول نفقاتهم وهى أولاً الكفر بالله وبرسوله، وثانياً إتيانهم الصلاة وهم كسالى كارهون، وثالثاً كراهيتهم الشديدة لما ينفقونه قال تعالى {وما منعهم3 أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى4 ولا ينفقون إلا وهم كارهون} 5 هذا ما تضمنته الآية الثانية أما الآية الثالثة (55) فإن الله تعالى ينهى رسوله والمؤمنين عن أن تعجبهم أموالهم وأولادهم مهما بلغت في الكثرة والحسن فيقول {فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم} أي لا تستحسنوها ولا تخبروهم بذلك. وبين تعالى لرسوله علة إعطائهم ذلك وتكثيره لهم فقال {إنما يريد الله ليعذبهم6 بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون} ووجه تعذيبهم بها في الحياة الدنيا أن ما ينفقونه من المال في الزكاة والجهاد يشعرون معه بألم لا نظير له لأنه إنفاق يعتبرونه ضدهم وليس في صالحهم إذ لا يريدون نصر الإسلام ولا ظهوره، وأما أولادهم فالتعذيب بهم هو أنهم يشاهدونهم يدخلون في الإسلام ويعملون به ولا يستطيعون أن يردوهم عن ذلك، أيّ ألَمٌ نفسي أكبر من أن يكفر ولد الرجل بدينه ويدين بآخر من شروطه أن يبغض الكافر به ولو كان أباً أو أماً أو أخاً أو أختاً أو أقرب قريب؟ وزيادة على هذا يموتون وهم كافرون فينتقلون من عذاب إلى عذاب أشد، وبهذا سلى الرب تعالى رسوله والمؤمنين بيان علة ما أعطى المنافقين من مال وولد ليعذبهم بذلك لا ليسعدهم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- تقرير مبدأ أن الرياء مبطلة للعمل كالشرك محبط للعمل7.
2- إطلاق الفسق على الكفر فكل كافر فاسق على الإطلاق.
3- حرمة التكاسل في الصلاة وأن ذلك من صفات المنافقين.
4- وجوب رضا النفس بما ينفق العبد في سبيل الله زكاة أو غيرها.
5- كراهية استحسان المسلم لِمَا عند أهل الفسق والنفاق من مال ومتاع.
__________
1 روي أن هذه الآية نزلت في الجد بن قيس إذ هو الذي قال للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إئذن لي في القعود عن الخروج إلى قتال الروم وهذا مالي أعينك به والأمر في قوله: {انفقوا} للتسوية أي: انفقوا أولا تنفقوا فكلا الأمرين سواء، في عدم قبول ما تنفقون.
2 الجملة تعليلية أي: قوله: {لن يتقبل منكم} الخ ذكرت تعليلاً لعدم قبول ما ينفقون.
3 هذا بيان للتعليل السابق في عدم قبول نفقاتهم مع ذكر أسباب أخرى حالت دون قبول ما ينفقون.
4 قال ابن عباس رضي الله عنهما: إذا كان في جماعة صلى وإذا انفرد لم يصل. أي: المنافق لأنه لا يرجو على الصلاة ثواباً، ولا يخشى على تركها عقاباً وهذا منشأ الكسل في الصلاة وغيرها من سائر العبادات.
5 هنا مسألتان: الأولى: أنّ من مات على الكفر لا ينفعه ما عمله في الدنيا من خير إلاّ انه يخفف عنه العذاب لحديث أبي طالب، وأنه في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه. كما أنه قد يكون سبباً في سعة رزقه في الدنيا للحديث، وأما الكافر فيطعم. الثانية أن من أسلم منهم يثاب على ما عمله من الخير أيام كفره.
6 فعل الإرادة يعني بنفسه تقول: أردت خيراً، وعدي هنا بللام لأجل التعليل كقول الشاعر:
أريد لأنسي حبها فكأنما ... تمثل لي ليلي بكل مكان
7 لقوله تعالى: {لئن أشركت ليحبطن عملك} الآية، وقول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عبد الله بن جدعان وقد قالت له عائشة رضي الله عنها يا رسول الله أن ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذلك نافعه؟ قال: "لا ينفعه لأنه لم يقل يوماً رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين" رواه مسلم.
****************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
22-02-2022, 10:29 PM
وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57) وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58) وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ (59)
شرح الكلمات:
وما هم منكم: أي في باطن الأمر لأنهم كافرون ووجوههم وقلوبهم مع الكافرين.
يفرقون: أي يخافون خوفاً شديداً منكم.
ملجأ: أي مكانا ًحصيناً يلجأون إليه.
أو مغارات: جمع مغارة وهي الغار في الجبل.
أو مدخلاً: أي سرباً في الأرض يستتر فيه الخائف الهارب.
يجمحون: يسرعون سرعة تتعذر مقاومتها وإيقافها.
يلمزك: أي يعيبك في شأن توزيعها ويطعن فيك.
إذا هم يسخطون: أي غير راضين.
حسبنا الله: أي كافينا الله كل ما يهمنا.
إلى الله راغبون: إلى الله وحده راغبون أي طامعون راجون.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في هتك أستار المنافقين وإظهار عيوبهم وكشف عوراتهم ليتوب منهم من أكرمه الله بالتوبة فقال تعالى عنهم {ويحلفون بالله إنهم لمنكم} 1 أي من أهل ملتكم ودينكم، {وما هم منكم} أي في واقع الأمر إذ هم كفار منافقون {ولكنهم قوم يفرقون} أي يخافون منكم خوفاً شديداً فلذا يحلفون لكم إنهم منكم لتؤمنوهم على أرواحهم وأموالهم، ولبيان شدة فرقهم منكم وخوفهم من سيوفكم قال تعالى: {لو يجدون ملجأ} 2 أي حصناً {أو مغارات} أي غيراناً في جبال {أو مدخلاً} 3 أي سرباً في الأرض {لولوا} أي أدبروا إليها {وهم يجمحون} 4 أي مسرعين ليتمنعوا منكم. هذا ما دلت عليه الآية الأولى والثانية أما الآية الثالثة والرابعة (58- 59) فقد أخبر تعالى أن من المنافقين من يلمز الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أي يطعن فيه ويعيبه في شأن قسمة الصادقات وتوزيعها فيتهم الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنه لا يعدل في القسمة فقال تعالى {ومنهم من يلمزك5 في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا} أي عن الرسول وقسمته {وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون} هذا ما تضمنته الآية (58) وأما الآية الأخيرة (59) فقد أرشدهم الله تعالى إلى ما كان ينبغي أن يكونوا عليه فقال عز وجل {ولو أنهم رضوا6 ما أتاهم الله ورسوله} ، أي من الصدقات {وقالوا حسبنا الله} أي كافينا الله {سيؤتينا الله من فضله} الواسع العظيم ورسوله بما يقسم علينا ويوزعه بيننا {إنا إلى الله} وحده {راغبون} طامعون راجعون أي لكان خيراً لهم وأدْرَكَ لحاجتهم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:.
1- الأَيمان الكاذب شعار المنافقين وفي الحديث آية المنافق ثلاث: (إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أتمن خان) .
2- الجبن والخور والضعف والخوف من لوازم الكفر والنفاق.
3- عيب الصالحين والطعن فيهم ظاهرة دالة على فساد قلوب ونيات من يفعل ذلك.
4- مظاهر الرحمة الإلهية تتجلى في إرشاد المنافقين إلى أحسن ما يكونوا عليه ليكملوا ويسعدوا في الدارين.
5- لا كافي إلا الله، ووجوب انحصار الرغبة فيه تعالى وحده دون سواه.
__________
1 لأنهم يتخذون أيمانهم الكاذبة وقاية يتقون بها ما يخافونه من بطش المؤمنين بهم إذا عرفوا أنهم كافرون كما قال تعالى من سورتهم {اتخذوا أيمانهم جنّة} .
2 الملجأ مكان اللجأ يقال لجأت إلى كذا: إذا أويت إليه واعتصمت به وألجأت أمري إليه أي: أسندته.
3 المدخل: مفتعل اسم كان للإدّخال الذي هو افتعال من الدخول قلبت فيه تاء الافتعال دالاً لوقوعها بعد الدال فصارت مدخلاً بدل متدخل، ونظيره. إدّان أصلها إتدان، وقرأها يعقوب وحده أو مدخلاً بفتح الميم وإسكان الدال اسم مكان هي دخل.
4 الجموح: نفور في إسراع.
5 روي أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطى بعض رعاة الغنم شيئاً لفقرهم فطعن أبو الحواظ المنافق فقال: ما هو بالعدل كيف يضع صدقاتكم في رعاء الغنم إعانة لهم. كما أنّ ذا الخويصرة التميمي واسمه حرفوص بن زهير وهو أصل الخوارج قال للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اعدل يا رسول الله فقال له: "ويلك ومَن يعدل إذا لم اعدل" فنزلت الآية وقال عمر دعني أضرب عنقه يا رسول الله فقال رسول الله: "معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي".
6 جواب لو محذوف تقديره: لكان خيراً لهم، وهو مذكور في التسفير في آخر الحديث.

ابوالوليد المسلم
22-02-2022, 10:30 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة التوبة - (10)
الحلقة (460)
تفسير سورة التوبة مدنية
المجلد الثانى (صـــــــ 384الى صــــ 389)


إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)
شرح الكلمات:
الصدقات: جمع صدقة وهي هنا الزكاة المفروضة في الأموال.
للفقراء: جمع فقير وهو من ليس له ما يكفيه من القوت ولا يسأل الناس.
والمساكين: جمع مسكين وهو فقير ليس له ما يكفيه ويسأل الناس ويذل نفسه السؤال.
والعاملين عليها: أي على جمعها وجابتها وهم الموظفون لها.
والمؤلفة قلوبهم: هم أناس يرجى إسلامهم أو بقاؤهم عليه إن كانوا قد أسلموا وهم ذوو شأن وخطر ينفع الله بهم إن أسلموا وحسن إسلامهم.
وفي الرقاب: أي في فك الرقاب أي تحريرها من الرق، فيعطى المكاتبون ما يسددون به نجوم أو أقساط كتابتهم.
وفي سبيل الله: أي الجهاد لإعداد العدة وتزويد المجاهدين بما يلزمهم من نفقة.
وابن السبيل: أي المسافر المنقطع عن بلاده ولو كان غنياً ببلاده.
فريضة من الله: أي فرضها أدته تعالى فريضة على عباده المؤمنين.
معنى الآية الكريمة:
بمناسبة لمز المنافقين الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والطعن في قسمته الصدقات بين تعالى في هذه الآية الكريمة أهل الصدقات المختصين بها والمراد بالصدقات الزكوات وصدقة التطوع
فقال عز وجل {إنما الصدقات} محصورة في الأصناف الثمانية التي تذكر وهم:
(1) الفقراء1 وهم المؤمنون الذين لا يجدون ما يسد حاجتهم الضرورية من طعام وشراب وكساء ومأوى.
(2) المساكين2 وهم الفقراء الذين لا يجدون ما يسد حاجتهم ولم يتعففوا3 فكانوا يسألون الناس ويظهرون المسكنة4 لهم والحاجة.
(3) الموظفين فيها من سعاة جباة وأمناء وكتاب وموزعين يعطون على عملهم فيها أجرة أمثالهم في العمل الحكومي.
(4) المؤلفة قلوبهم وهم من يرجى نفعهم للإسلام والمسلمين لمناصبهم وشوكتهم في أقوامهم، فيعطون من الزكاة تأليفاً أي جمعاً لقلوبهم على الإسلام ومحبته ونصرته ونصرة أهله، وقد يكون أحدهم يسلم بعد فيعطى ترغيباً له في الإسلام، وقد يكون مسلماً لكنه ضعيف الإسلام فيعطى تثبيتاً له وتقوية على الإسلام.
(5) في الرقاب وهو مساعدة المكاتبين على تسديد أقساطهم ليتحرروا أما شراء عبد بالزكاة وتحريره فلا يجوز لأنه يعود بالنفع على دافع الزكاة لأن ولاء المعتوق له.
(6) الغارمين جمع غارم وهو من ترتبت عليه ديون بسبب ما أنفقه في طاعة الله تعالى على نفسه وعائلته، ولم يكن لديه مال لا نقد ولا عرض يسدد به ديونه.
(7) في سبيل الله وهو تجهيز الغزاة والإنفاق عليهم تسليحاً وإركاباً وطعاماً ولباساً.
(8) ابن السبيل وهم المسافرون ينزلون ببلد وتنتهي نفقتهم فيحتاجون فيعطون من الزكاة ولو كانوا أغنياء ببلادهم.
وقوله تعالى {فريضة من الله} 5 أي هذه الصدقات وقسمتها على هذا النحو جعله الله تعالى فريضة لازمة على عباده المؤمنين. وقوله {والله عليم} أي بخلقه وأحوالهم {حكيم} في شرعه وقسمته، فلذا لا يجوز أبداً مخالفة هذه القسمة فلا يدخل أحد فيعطى من الزكاة وهو غير مذكور في هذه الآية وليس شرطاً أن يعطى كل الأصناف فقد يعطى المرء زكاته كلها في الجهاد أو في الفقراء والمساكين، أو في الغارمين أو المكاتبين وتجزئة وإن كان الأولى أن يقسمها بين الأصناف المذكورة من وجد منها، إذ قد لا توجد كلها في وقت واحد.
هداية الآية
من هداية الآية.:
1- تقرير فرضية الزكاة.
2- بيان مصارف الزكاة.
3- وجوب التسليم لله تعالى في قسمته بعدم محاولة الخروج عنها.
4- إثبات صفات الله تعالى وهي هنا: العلم والحكمة، ومتى كان الله تعالى عليماً بخلقه وحاجاتهم حكيماً في تصرفه وشرعه وجب التسليم لأمره والخضوع له بالطاعة والانقياد.
__________
1 قيل: الفقير هو صفة مشبهة من الفقر أي المتصف بالفقر وهو: عدم امتلاك ما به الكفافة لحاجته المعاشية وضده الغنى، والمسكين: ذو المسكنة وهي المذلة التي تحصل بسبب الفقر، والفقير والمسكين يغني ذكر أحدهما عن الآخر، أمّا إذا ذكراً معاً فلكلّ واحد حقيقة كما تقدم، وفي أيّهما أشدّ فقراً خلاف، وأحسن ما قيل هو أن الفقير هو الذي له بعض ما يكفيه ويقيمه، والمسكين: الذي لا شيء له.
2 قال القرطبي: فائدة الخلاف في الفقراء والمساكين تظهر فيمن أوصى بثلث ماله لفلان وللفقراء والمساكين فمن قال هما صنف واحد يكون الثلث الموصى به نصفه لفلان ونصفه الآخر للفقراء، ومن قال: هما صنفان يقسم الثلث الموصى به بينهم أثلاثاً.
3 اختلف في حالة الفقر التي يصح للفقير أن يأخذ معها الزكاة، فمن قائل إن لم يكن له مائتا درهم جاز له أخذ الزكاة، ومن قائل: خمسون درهماً ومن قائل: أربعون درهماً. ومن قائل: من كان قوياً على الكسب لقوة بدنه فلا يعطى الزكاة لحديث: "لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرّة سوي".
4 ورد الوعيد الشديد فيمن يطلب الصدقة وهو غني عنها من ذلك قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من النار" رواه أبو داود. قالت العلماء: إن الذي له شبع يوم وليلة لا يحل له أن يسأل. اختلف في نقل الزكاة من بلد إلى بلد، والراجح: الجواز لضرورة الفقر وشدته.
5 {فريضة} منصوب على المصدر المؤكد إذ تقدير الكلام: إنما فرض الله الصدقات للفقراء والمساكين الخ.. فريضة منه تعالى وهو العليم بخلقه الحكيم في تدبيره وصنعه.
*************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
22-02-2022, 10:31 PM
وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61) يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63)
شرح الكلمات.
يؤذون النبي: أي الرسول محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والأذى المكروه يصيب الإنسان كثيراً أو يسيراً.
هو أذن: أي يسمع من كل من يقول له ويحدثه وهذا من الأذى.
قل أذن خير لكم: أي هو يسمع من كل من يقول له لا يتكبر ولكن لا يقر إلا الحق ولا يقبل إلا الخير والمعروف فهو إذن خير لكم لا إذن شر مثلكم أيها المنافقون.
ويؤمن للمؤمنين: أي يصدق المؤمنين الصادقين من المهاجرين والأنصار أما غيرهم فإنه وإن يسمع منهم لا يصدقهم لأنهم كذبة فجرة.
والله.: أحق أن يرضوه ورسوله أحق أن يرضوه.
من يُحادد الله ورسوله: أي يعاديهما، ويقف دائماً في حدّ وهما في حد فلا ولاء ولا موالاة أي لا محبة ولا نصرة.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في هتك أستار المنافقين وبيان فضائحهم قال تعالى: {ومنهم 1 الذين يؤذون النبي} أي من المنافقين أفراد يؤذون النبي بالطعن فيه وعيبه بما هو براء منه، ويبين تعالى بعض ذلك الأذى فقال {ويقولون هو أذن} أي يسمع كل ما يقال له، وحاشاه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقر سماع الباطل أو الشر أو الفساد، وإنما يسمع ما كان خيراً ولو كان من منافق يكذب ويحسن القول. وأمر الله تعالى رسوله أن يرد عليهم بقوله {قل أذن خير2 لكم} يسمع ما فيه خير لكم، ولا يسمع ما هو شر لكم. إنه لما كان لا يواجههم بسوء صنيعهم، وقبح أعمالهم حملهم هذا الجميل والإحسان على أن قالوا: {هو أذن} طعناً فيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعيباً له. وقوله تعالى {يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين} هذا من جملة ما أمر الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقول للمنافقين رداً على باطلهم. أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يؤمن بالله رباً وإلهاً، {ويؤمن للمؤمنين} أي بصدقهم فيما يقولون وهذا من خيريّته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقوله {ورحمة3 للذين آمنوا منكم} أيضاً من خيريّته فهو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رحمة لمن آمن به واتبع النور الذي جاء به فكمل عليه وسعد به في حياتيه. وقوله تعالى {والذين يؤذون رسول الله} أي بأي نوع من الأذى قل أو كثر توعدهم الله تعالى بقوله {لهم عذاب أليم} وهو لا محالة نازل بهم وهم ذائقوه حتماً هذا ما دلت عليه الآية الأولى (61) أما الآية الثانية (62) فقد أخبر تعالى عن المنافقين أنهم يحلفون للمؤمنين بأنهم ما طعنوا في الرسول ولا قالوا فيه شيئاً يريدون بذلك إرضاء المؤمنين حتى لا يبطشوا بهم انتقاماً لكرامة نبيهم قال تعالى {يحلفون بالله4 لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق5 أن يرضوه إن كانوا مؤمنين} أي فبدل أن يرضوا المؤمنين كان الواجب أن يرضوا الله تعالى بالتوبة إليه ويرضوا الرسول بالإيمان ومتابعته إن كانوا كما يزعمون أنهم مؤمنون.
وقوله في الآية الثالثة (63) {ألم يعلموا6 أنه من يحادد الله ورسوله} أي يشاقهما ويعاديهما فإن له جزاء عدائه ومحاربته نار جهنم خالداً فيها {ذلك الخزي العظيم} أي كونه في نار جهنم خالداً فيها لا يخرج منها هو الخزي العظيم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- حرمة أذية رسول الله بأي وجه من الوجوه.
2- كون النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رحمة للمؤمنين دعوة للإيمان والإسلام.
3- توعد الله تعالى من يؤذى رسوله بالعذاب الأليم دليل على كفر من يؤذي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
4- بيان كذب المنافقين وجبنهم حيث يحلفون7 للمؤمنين أنهم ما طعنوا في الرسول وقد طعنوا بالفعل، وإنما حلفهم الكاذب يدفعون به غضب المؤمنين والانتقام منهم.
5- وجوب طلب رضا الله تعالى بفعل محابه وترك مساخطه.
6- ترعد من يحادد الله ورسوله بالعذاب الأليم.
__________
1 قيل هذه الآية نزلت في عتاب بن قشير إذ قال: إنما محمد أذن يقبل كل ما قيل له. وقيل: نزلت في نبتل بن الحارث الذي قال فيه الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من أراد أن ينظر إلى الشيطان فلينظر إلى نبتل بن الحارث" وكان ماكراً خبيثاً مشوّه الخلقة.
2 قرىء بالرفع والتنوين {أذنٌ خيرٌ لكم} قرأ الجمهور بالإضافة {أذن خيرٍ} .
3 أي: وهو رحمة. على أنّ رحمة: خبر لمبتدأ محذوف وقرىء: ورحمةٍ بالجر عطفا على {خيرٍ لكم} وفيه بُعدٌ كبير.
4 روي أنّ نفراً من المنافقين منهم الجلاس بين سويد ووديعة بن ثابت فقالوا: إن كان ما يقول محمد حقاً لنحن شرّ من الحمير وبينهم غلام فغضب لقولهم هذا وأخبر به الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكذبوه في قوله فأنزل الله تعالى هذه الآية: {سيحلفون بالله لكم..} الخ.
5 قال سيبويه: تقدير الكلام، والله أحق أن يرضوه ورسوله أحق أن يرضوه ثم حذف طلباً للإيجاز كما قال الشاعر:
نحن بما عندنا وأنت بما ... عندك راض والرأي مختلف
والحامل على هذا التقدير لأن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يرض بقول الرجل: ما شاء الله وشئت فقال له: "قل ما شاء الله وحده" لأنّ العطف بالواو لا يقتضي الترتيب.
6 الاستفهام للإنكار والتوبيخ والمعنى: ألم يعلموا شأناً عظيماً هو من يجادل الله ورسوله له نار جهنم، والسحادة، المعاداة والمشاقة كأنّ كل واحد واقف في حدّ لا يتصل بالآخر، والفاء في {فأن له} لربط جواب شرط {من} وأعيدت أنّ في الجواب لتوكيد أنّ المذكورة قبل الشرط توكيداً لفظياً.
7 في الآية دليل جواز الحلف بالله وعدم جواز الحلف بغيره لقول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "من حلف فليحلف بالله أو ليصمت ومن حلف له فليصدق".

ابوالوليد المسلم
22-02-2022, 10:32 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة التوبة - (11)
الحلقة (461)
تفسير سورة التوبة مدنية
المجلد الثانى (صـــــــ 389الى صــــ 395)


يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِؤُواْ إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ (65) لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ (66)
شرح الكلمات:
يحذر المنافقون: أي يخافون ويحترسون.
تنزَّل عليهم سورة: أي في شأنهم فتفضحهم بإظهار عيبهم.
تنبّئهم بما في قلوبهم: أي تخبرهم بما يضمرونه في نفوسهم.
قل استهزئوا: الأمر هنا للتهديد.
مخرج ما تحذرون: أي مخرجه من نفوسكم مظهره للناس أجمعين.
نخوض ونلعب: أي نخوض في الحديث على عادتنا ونلعب لا نريد سباً ولا طعناً.
تستهزئون: أي تسخرون وتحتقرون.
معنى الآيات:
ما زال السياق في الحديث عن المنافقين لكشف الستار عنهم وإظهارهم على حقيقتهم ليتوب منهم من تاب الله عليه قال تعالى مخبراً عنهم {يحذر1 المنافقون أن تنزّل عليهم2 سورة تنبئّهم بما في قلوبهم} أي يخشى المنافقون أن تنزل في شأنهم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {سورة تنبئههم} أي تخبرهم بما في قلوبهم فتفضحهم، ولذا سميت هذه السورة بالفاضحة3 وقوله تعالى لرسوله {قل استهزئوا إن الله مخرج ما تحذرون} يهددهم تعالى بأن الله مخرج ما يحذرون إخراجه وظهوره مما يقولونه في خلواتهم من الطعن في الإسلام وأهله. وقوله تعالى {ولئن سألتهم} أي عما قالوا من الباطل. لقالوا {إنما كنا نخوض ونلعب4} لا غير. قل لهم يا رسولنا {أبا لله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون} وذلك أن نفراً من المنافقين في غزوة تبوك قالوا في مجلس لهم: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أحذب ألسناً، ولا أجبن عند اللقاء! فبلغ ذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونزلت هذه الآيات: وجاءوا يعتذرون لرسوله الله فأنزل الله {لا تعتذروا5 قد كفرتم بعد إيمانكم} أي الذي كنتم تدعونه، لأن الاستهزاء بالله والرسول والكتاب كفر مخرج من الملة، وقوله تعالى {إن
نعف عن طائفة منكم} لأنهم يتوبون كمخشي بن حمير6، {نعذب طائفة} أخرى لأنهم لا يتوبون وقوله تعالى {بأنهم كانوا مجرمين} علة للحكم بعذابهم وهو إجرامهم بالكفر والاستهزاء بالمؤمنين إذ من جملة ما قالوه: قولهم في الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يظن هذا يشيرون إلى النبي وهم سائرون يفتح قصور الشام وحصونها فأطلع الله نبيه عليهم فدعاهم فجاءوا واعتذروا بقولهم إنا كنا نخوض7 أي في الحديث ونلعب تقصيراً للوقت، ودفعاً للملل عنا والسآمة فأنزل تعالى {قل أبالله} الآية.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- الكشف عن مدى ما كان يعيش عليه المنافقون من الحذر والخوف.
2- كفر من استهزأ بالله أو آياته أو رسوله.
3- لا يقبل اعتذار 8من كفر بأي وجه وإنما التوبة أو السيف فيقتل كفراً.
4- مصداق ما أخبر به تعالى من أنه سيعذب طائفة فقد هلك عشرة بداء الدبيلة "خراج يخرج من الظهر وينفذ ألمه إلى الصدر فيهلك صاحبه حتماً".
__________
1 يروى أن أحد المنافقين قال: والله وددت لو أني قُدّمت فجُلدت مائة ولا ينزل فينا شيء يفضحنا فنزلت الآية: {يحذر المنافقون..} وهي خبر وإن قال بعضهم هي إنشاء بمعنى: ليحذر المنافقون.
2 معلوم أن القرآن ينزل على الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقوله: {عليهم} بمعنى المؤمنين لأنهم والرسول في جانب والمنافقون في آخر، فصحّ أن يقال: تنزل على المؤمنين، والرسول معهم، وهو المختص بالوحي.
3 وسميت أيضاً: المثيرة، والمبعثرة، والحفارة لأنها أثارت كامن المنافقين وبعثرته وحفرت ما في قلوبهم وأخرجته.
4 ذكر الطبري أنّ قائل هذه المقالة: وديعة بن ثابت قال ابن عمر: رأيته معلقاً بحقب ناقة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يماشيها والحجارة تنكبه وهو يقول: إنّما كنّا نخوض ونلعب والرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون.
5 {لا تعتذروا} نهاهم عن الاعتذار لأنه غير نافع لهم ولا مجدٍ واعتذر بمعنى: أعذر أي صار ذا عذر، والاعتذار محو أثر الموجدة أو هو القطع، أي قطع ما في القلب من الموجدة، ومنه قيل: عدرة الغلام: وهو ما يقطع منه عند الختان.
6 هو مخشي بن حمير الأشجعي وقد تاب عند سماعه هذه الآية وحسن إسلامه.
7 الخوص: الدخول في الماء، نم استعمل في كل دخول فيه تلويث وأذى.
8 اختلف العلماء في الهزل في سائر الأحكام كالبيع والنكاح والطلاق على ثلاثة أقوال لا يلزم مطلقاً، يلزم مطلقاً، التفرقة بين البيع وغيره، وهدا الراجح، لأنّ النكاح والطلاق والعتاق ورد فيها النص من السنة لحديث الترمذي وحسنه مع وصفه بالغرابة وبه العمل عد جماهير الصحابة والتابعين والفقهاء وهو: "ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة" وحديث الموطأ: "ثلاث ليس فيهن لعب: النكاح والطلاق والعتق".
******************************

يتبع

ابوالوليد المسلم
22-02-2022, 10:32 PM
الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67) وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68) كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (69) أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70)
شرح الكلمات:
المنافقون: أي الذين يظهرون للمؤمنين الإيمان بألسنتهم ويسترون الكفر في قلوبهم.
بعضهم هن بعض1: أي متشابهون في اعتقادهم وقولهم وعملهم فأمرهم واحد.
بالمنكر: أي ما ينكره الشرع لضرره أو قبحه وهو الكفر بالله ورسوله.
عن المعروف: أي ما عرفه الشرع نافعاً فأمر به من الإيمان والعمل الصالح.
يقبضون أيديهم: أي يمسكونها عن الإنفاق في سبيل الله.
نسوا الله فنسيهم: أي تركوا الله فلم يؤمنوا به وبرسوله فتركهم وحرمهم من توفيقه وهدايته.
عذاب مقيم: أي دائم لا يزول ولا يبيد.
بخلاقهم: أي بنصيبهم وحظهم من الدنيا.
وخضتم: أي في الكذب والباطل.
والمؤتفكات: أي المنقلبات حيث صار عاليها سافلها وهي ثلاث مدن1.
بالبينات: الآيات الدالة على صدقهم في رسالاتهم إليهم.
معنى الآيات:
ما زال السياق في هتك استار المنافقين وبيان فضائحهم لعلهم يتوبون. قال تعالى {المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض} أي كأبعاض الشيء الواحد وذلك لأن أمرهم واحد لا يختلف بعضهم عن بعض في المعتقد والقول والعمل بيّن تعالى حالهم بقوله {يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف} وهذا دليل على انتكاسهم وفساد قلوبهم وعقولهم، إذ هذا عكس ما يأمر به العقلاء، والمراد من المنكر الذي يأمرون به هو الكفر والعصيان، والمعروف الذي ينهون عنه هو الإيمان بالله ورسوله وطاعتهما. وقوله تعالى {ويقبضون أيديهم} كناية عن الإمساك وعدم البذل في الإنفاق في سبيل الله 2. وقوله {نسوا الله} فلم يؤمنوا به ولم يؤمنوا برسوله ولم يطيعوا الله ورسوله {فنسيهم} الله بأن تركهم محرومين من كل هداية ورحمة ولطف. وقوله {إن المنافقين هم الفاسقون} نقرير لمعنى {نسوا الله فنسيهم} ، إذ كفرهم بالله وبرسوله هو الذي حرمهم هداية الله تعالى ففسقوا سائر أنواع الفسق فكانوا هم الفاسقين الجديرين بهذا الوصف وهو الفسق والتوغل فيه. وقوله تعالى في الآية (68) {وعد3 الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم} 4 أي كافيهم {ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم} أي دائم لا يزول ولا يبيد ولا يفنى فقد حملت هذه الآية أشد وعيد لأهل النفاق والكفر إذ توعدهم الرب تعالى بنار جهنم خالدين فيها وبالعذاب المقيم الذي لا يبارحهم ولا يتركهم لحظة أبد الأبد وذلك بعد أن لعنهم الله فأبعدهم وأسحقهم من كل رحمة وخير. وفي الآية الثالثة (69) يأمر تعالى رسوله أن يقول للمنافقين المستهزئين بالله وآياته ورسوله؟ أنتم أيها المنافقون كأولئك الذين كانوا من قبلكم في الاغترار بالمال والولد والكفر بالله والتكذيب لرسله حتى نزل بهم عذاب الله ومضت فيهم سنته في إهلاكهم هذا ما تضمنته الآية الكريمة إذ قال تعالى {كالذين من قبلكم6 كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالاً وأولاداً فاستمتعوا بخلاقهم} أي بنصيبهم الذي كتب لهم في الدنيا {فأستمتعتم بخلاقكم} أي بما كتب لكم في هذه الحياة الدنيا {كما استمتع الذين من قبلكم} أي سواء بسواء {وخضتم} في الباطل والشر وبالكفر والتكذيب {كالذي خاضوا7} أي كخوضهم سواء بسواء أولئك الهالكون {حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة} أي تلاشت وذهبت ولم ينتفعوا منها بشيء، {وأولئك هم الخاسرون} . وبما أنكم أيها المنافقون تسيرون على منهجهم في الكفر والتكذيب والاغترار بالمال والولد فسوف يكون مصيركم كمصيرهم وهو الخسران المبين. وقوله تعالى في الآية الرابعة (70) {ألم يأتهم8 نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مدين والمؤتفكات أتتهم9 رسلهم بالبينات} أي الآيات الدالة على توحيد الله وصدق رسوله وسلامة دعوتهم كما جاءكم أيها المنافقون رسولنا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالبينات فكذبتم كما كذب الذين من قبلكم فنزل بهم عذاب الله فهلك قوم نوح بالطوفان وعاد بالريح العاتية، وثمود بالصاعقة، وقوم إبراهيم10 بسلب النعم وحلول النقم، وأصحاب مدين بالرجفة وعذاب الظلمة، والمؤتفكات11 بالمطر والإئتفاك أي القلب بأن أصبح أعالي مدنهم الثلاث12 أسافلها، وأسافلها أعاليها، وما ظلمهم الله تعالى بما أنزل عليهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون، وأنتم أيها المنافقون إن لم تتوبوا إلى ربكم سيحل بكم ما حل بمن قبلكم أو أشد لأنكم لم تعتبروا بما سبق.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- إن المنافقين لما كان مرضهم واحد وهو الكفر الباطني كان سلوكهم متشابها.
2- الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف علامة النفاق وظاهرة الكفر وانتكاس الفطرة.
3- الاغترار بالمال والولد من عوامل عدم قبول الحق والإذعان له والتسليم به.
4- تشابه حال البشر وإتباع بعضهم لبعض في الباطل والفساد والشر.
5- حبوط الأعمال بالباطل وهلاك أهلها أمر مقضى به لا يتخلف.
6- وجوب الاعتبار بأحوال السابقين والاتعاظ بما لاقاه أهل الكفر منهم من عذاب.
__________
1 {بعضهم من بعض} : أي: هم كالشيء الواحد في الخروج عن الدين، أو هم متشابهون في الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف.
2 هي: سدوم، وعمورة، وأرمة، وكانت مدناً متتاخمة بعضها قريب من بعض.
3 أي: وصفهم بالبخل والشح كما قال تعالى: {أشحة على الخير} كما أن امتناعهم عن الخروج إلى الجهاد يعتبر قبضاً لأيديهم.
4 الأصل أن الوعد يكون في الخير والإيعاد يكون في الشر، وإطلاق الوعد على الوعيد كما هو هنا تهكم بهم.
5 {هي حسبهم} مبتدأ وخبر ومعناه: أنها كافية ووفاء لجزاء أعمالهم.
6 الكاف: في محل نصب أي: وعدكم الله أيها المنافقون والمنافقات كما وعد الذين من قبلكم نار جهنم تخلدون فيها.
7 الكاف: في محل نصب نعت لمصدر محذوف أي: وخضتم خوضاً كالذي خاضوا أي: في الباطل والشر والفساد. والذي بمعنى الجمع، ويحوز أن يكون الذين محذوف النون على لغةٍ هذيل قال شاعرهم:
وإن الذي حانت بفلج دماؤهم ... هم القوم كل القوم يا أم خالد
8 الاستفهام للتقرير، والتحذير بمعنى: ألم يسمعوا بإهلاكنا الكفار من قبلهم؟
9 أي بدلائل الحق والصدق، والجملة تعليلية.
10 هم نمرود بن كنعان وقومه.
11 قوم لوط عليه السلام.
12 تقدمت أسماء هذه المدن قريباً.

ابوالوليد المسلم
22-02-2022, 10:33 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة التوبة - (12)
الحلقة (462)
تفسير سورة التوبة مدنية
المجلد الثانى (صـــــــ 395الى صــــ 400)


وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)
شرح الكلمات:
والمؤمنون: أي الصادقون في إيمانهم بالله ورسوله ووعد الله ووعيده.
أولياء بعض: أيما يتولىّ بعضهم بعضاً في النّضرة والحماية والمحبة والتأييد.
ويقيمون الصلاة". أي يؤدونها في خشوع وافية الشروط والأركان والسنن والآداب.
ويؤتون الزكاة: أي يخرجون زكاة أموالهم الصامتة كالدراهم والدنانير والمعشرات، والناطقة كالأنعام: الإبل والبقر والغنم.
في جنات عدن: أي إقامة دائمة لا يخرجون منها ولا يتحولون1 عنها.
ورضوان من الله أكبر: أي رضوان الله الذي يحله عليهم أكبر من كل نعيم في الجنة.
معنى الآيتين:
بمناسبة ذكر المنافقين وبيان سلوكهم ونهاية أمرهم ذكر تعالى المؤمنين وسلوكهم الحسن ومصيرهم السعيد فقال {والمؤمنون والمؤمنات} أي المؤمنون بالله ورسوله ووعده ووعيده والمؤمنات بذلك {بعضهم أولياء بعض} أي يوالي بعضهم بعضاً محبة2 ونصرة وتعاوناً وتأييداً {يأمرون بالمعروف} وهو ما عرفه الشرع حقاً وخيراً من الإيمان وصالح الأعمال، {وينهون عن المنكر} وهو ما عرفه الشرع باطلاً ضاراً فاسداً من الشرك وسائر الجرائم فالمؤمنون والمؤمنات على عكس المنافقين والمنافقات في هذا الأمر وقوله تعالى {ويقيمون3 الصلاة ويؤتون الزكاة} والمنافقون لا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى فهم مضيعون لها غير مقيمين لها، ويقبضون أيديهم فلا ينفقون، والمؤمنون يطيعون الله ورسوله4، والمنافقون يعصون الله ورسوله، المؤمنون سيرحمهم الله 5، والمنافقون سيعذبهم الله، {إن الله عزيز} غالب سينجز وعده ووعيده {حكيم} يضع كل شيء في موضعه اللائق به فلا يعذب المؤمنين وينعّم المنافقين بل ينعّم المؤمنين ويعذب المنافقين.
وقوله تعالى في الآية الثانية (72) {وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجرى من تحتها الأنهار} أي من خلال قصورها وأشجارها {خالدين فيها ومساكن} أي قصوراً طيبة في غاية النظافة وطيب الرائحة {في جنات عدن6} أي إقامة، وقوله {ورضوان من الله}أي يحله عليهم أكبر من الجنات والقصور وسائر أنواع النعيم. وقوله {ذلك هو الفوز العظيم} ذلك المذكور من الجنة ونعيمها ورضوان الله فيها هو الفوز العظيم. والفوز هو السلامة من المرهوب والظفر بالمرغوب. هذا الوعد الإلهي الصادق للمؤمنين والمؤمنات يقابله وعيد الله تعالى للمنافقين والكفار في الآيات السابقة، ونصه {وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم} .
هداية الآيتين
من هداية الآيتين:
1- بيان صفات المؤمنين والمؤمنات والتي هي مظاهر إيمانهم وأدلته.
2- أهمية صفات أهل الإيمان وهي الولاء لبعضهم بعضاً، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إقامة الصلاة، إيتاء الزكاة، طاعة الله ورسوله.
3- بيان جزاء أهل الإيمان في الدار الآخرة وهو النعيم المقيم في دار الإسلام.
4- أفضلية رضا7 الله تعالى على سائر النعيم.
5- بيان معنى الفوز وهو النجاة من النار، ودخول الجنة.
__________
1 قال تعالى من سورة الكهف: {لا يبغون عنها حولاً} أي: تحولاً لأنّ نعيمها لا يُمل ولا تثشوق النفس لغيره أبداً.
2 شاهده من السنة قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً" وشبّك بين أصابعه وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصحيح: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر".
3 يشمل اللفظ: الصلوات الخمس والنوافل كما شمل الزكوات المفروضة والصدقات إذ المدح يحصل بهما معاً فرضا ونفلا.
4 أي: يؤدون الفرائض والسنن فعلا ويجتنبون المنهيات والمكروهات تركاً.
5 السين في {سيرحمهم} للتأكيد وتحمل معنى الخوف والرجاء وهما جناحا المؤمنين لا يطيرون في سماء الكمالات إلا بهما.
6 شاهدهُ في الصحيح قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلاّ رداء الكبر على وجهه في جنة عدن" وقوله أيضاً في الصحيح: "إنّ للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلا في السماء، للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهن لا يرى بعضهم بعضاً".
7 أخرج الشيخان البخاري ومسلم، ومالك في الموطأ عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنّ الله عزّ وجلّ يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة فيقولون لبيك ربنا وسعديك والخير بين يديك فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا ربنا وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون يا رب وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً"
**************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
22-02-2022, 10:33 PM
يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73) يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (74)
شرح الكلمات:
جاهد الكفار: ابذل غاية جهدك في قتال الكفار والمنافقين.
واغلظ عليهم: أي في القول والفعل أي شدد عليهم ولا تلن لهم.
كلمة الكفر: أي كلمة يكفر بها من قالها وهي قول الجلاس بن سويد: إن كان ما جاء به محمد حقاً لنحن شرّ من الحمير.
وهموا بما لم ينالوا: أي هموا بقتل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مؤامرة دنيئة1 وهم عائدون من تبوك.
وما نقموا إلا أن أغناهم: أي ما أنكروا أو كرهوا من الإسلام ورسوله إلا أن أغناهم الله بعد فقر أعلى مثل هذا يهمون بقتل رسول الله؟
معنى الآيتين:
يأمر تعالى رسوله محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بجهاد الكفار والمنافقين فيقول {يا أيها النبي2 جاهد الكفار والمنافقين} وجهاد الكفار يكون بالسلاح وجهاد المنافقين يكون باللسان، 3 وقوله تعالى {واغلظ عليهم4} أي شدد عملك وقولك، فلا هوادة مع من كفر بالله ورسوله، ومع من نافق الرسول والمؤمنين فأظهر الإيمان وأسر الكفر وقوله تعالى {ومأواهم جهنم وبئس المصير} أي جهنم يريد ابذل ما في وسعك في جهادهم قتلاً وتأديياً هذا لهم في الدنيا، وفي الآخرة مأواهم جهنم وبئس المصير، وقوله تعالى في الآية الثانية (74) {يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا} هذا الكلام علّة للأمر بجهادهم والإغلاظ عليهم لقول الجلاس بن سويد المنافق: لئن كان ما جاء به محمد حقاً لنحن شر من الحمير سمعه منه أحد المؤمنين فبلغه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجاء
الجلاس يعتذر ويحلف بالله ما قال الذي قال فأكذبه الله تعالى في قوله في هذه الآية {يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم} والسياق دال على تكرر مثل هذا القول الخبيث وهو كذلك. وقوله تعالى {وهموا بما لم ينالوا5} يعني المنافقين الذين تآمروا على قتل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند عودته من تبوك في عقبة في الطريق إلا أن الله فضحهم وخيّب مسعاهم ونجى رسوله منهم حيث بعث عمار بن ياسر يضرب وجوه الرواحل لما غشوه فردوا وتفرقوا بعد أن عزموا على أن لزاحموا رسول الله وهو على ناقته بنوقهم حتى يسقط منها فيهلك أهلكهم الله. وقوله تعالى {وما نقموا} 6 أي وما كرهوا من رسول الله ولا من الإسلام شيئاً إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله وهل الغنى بعد الفقر مما ينقم منه، والجواب لا ولكنه الكفر والنفاق يفسد الذوق والفطرة والعقل أيضاً.
ومع هذا الذي قاموا به من الكفر والشر والفساد يفتح الرب الرحيم تبارك وتعالى باب التوبة في وجوههم ويقول {فإن يتوبوا} 7 من هذا الكفر والنفاق والشر والفساد8 يك ذلك {خيراً لهم} حالاً ومآلاً أي في الدنيا والآخرة، {وإن يتولوا} عن هذا العرض ويرفضوه فيصرون على الكفر والنفاق {يعذبهم الله عذاباً أليماً} أي موجعاً في الدنيا بالقتل والخزي، وفي الآخرة بعذاب النار، {ومالهم في الأرض من ولي} 9 يتولاهم ولا ناصر ينصرهم، أي وليس لهم في الدنيا من ولي يدفع عنهم ما أراد الله أن ينزله بهم من الخزي والعذاب وما لهم من ناصر ينصرهم بعد أن يخذلهم الله سبحانه وتعالى.
هداية الآيتين.
من هداية الآيتين:
1- بيان آية السيف10 وهي {يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين} .
2- تقرير مبدأ الردة وهي أن يقول المسلم كلمة الكفر فيكفر بها وذلك كالطعن في الإسلام أو سب الله أو رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو التكذيب بما أمر الله تعالى بالإيمان به والتصديق بضده أي بما أمر الله بتكذيبه.
3- تقرير مبدأ التوبة من كل الذنوب، وأن من تاب تقبل توبته.
4- الوعيد الشديد لمن يصر على الكفر ويموت عليه.
__________
1 اقرأ نصها في التفسير فإنها واضحة ومختصرة.
2 يدخل في هذا الخطاب أمته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
3 بأن يقول لهم الكدمة الغليظة الشديدة ويكفهر في وجوههم أي: يعبس ولا يبسط وجهه فيهم.
4 هذه الآية نسخت كل شيء من العفو، والصفح الذين كان الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يؤمر بهما إزاء المشركين والمنافقين.
5 أخرج مسلم عن حذيفة: "أن اثني عشر رجلاً سمّاهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعدهم حذيفة واحدا واحدا قال قلت: يا رسول الله ألا تبعث إليهم فتقتلهم؟ فقال: أكره أن يقول العرب لما ظفر بأصحابه أقبل يقتلهم، بل يكفيهم الله بالدّبلة" وهي خراج يظهر في الظهر وينصب على الصدر يقتل صاحبه فوراً.
6 أي: ليس بنقمون شيئا إلا أنهم كانوا فقراء فأغناهم الله بما كان الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعطيهم من الغنائم، قيل لأحدهم: هل تجد في القرآن نظير قولهم اتق شر من أحسنت إليه؟ قال: نعم هو قوله تعالى: {وما نقموا إلاّ أن أغناهم الله ورسوله من فضله} .
7 هذه الجملة متفرعة عن الكلام السابق وهي باب ذكر الوعد بعد الوعيد والترغيب بعد الترهيب، وهو أسلوب القرآن الكريم.
8 حذفت نون {يك} تخفيفاً إذ الأصل يكن.
9 هذه الجملة معطوفة على جملة: {يعذلهم الله} وهي وإن كانت اسمية لا يمتنع أن تكون جواباً ثانياً معطوفاً على جملة الجزاء، لأنه يغتفر في التابع مالا يغتفر في المتبوع، فالجزاء جزاءان، الأول: تعذيبهم والثاني: انعدام الولي والنصير لهم في الأرض كلها.
10 يروى عن علي رضي الله عنه أنه قال: سيوف الله أربعة: واحد على المشركين قال تعالى: {فاقتلوا المشركين..} وثان على الكافرين قال تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر..} وثالث على المنافقين: قال تعالى: {يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين..} ورابع على البغاة. قال تعالى: {فقاتلوا التي تبغي حتى تفيىء إلى أمر الله} .

ابوالوليد المسلم
22-02-2022, 10:34 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة التوبة - (13)
الحلقة (463)
تفسير سورة التوبة مدنية
المجلد الثانى (صـــــــ 400الى صــــ 404)

وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ (77) أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (78)
شرح الكلمات:
ومنهم: أي من المنافقين.
لئن آتانا من فضله: أي مالاً كثيراً.
بخلوا به: أي منعوه فلم يؤدوا حقه من زكاة وغيرها.
فأعقبهم نفاقاً: أي فأورثهم البخل نفاقاً ملازماً لقلوبهم لا يفارقها إلى يوم يلقون
الله تعالى.
بما أخلفوا الله.: أي بسبب إخلافهم ما وعدوا الله تعالى به.
سرهم ونجواهم: أي ما يسرونه في نفوسهم ويخفونه، وما يتناجون به فيما بينهم.
علام الغيوب: يعلم كل غيب في الأرض أو في السماء.
معنى الآيات:
ما زال السياق في المنافقين وهم أصناف وهذا صنف1 آخر منهم قد عاهد الله تعالى لئن أغناهم من فضله وأصبحوا ذوي ثروة ومال كثير ليصدقن منه ولينفقنّه في طريق البر والخير، فلما أعطاهم الله ما سألوا وكثر مالهم شحوا به وبخلوا، وتولوا عما تعهدوا به وما كانوا عليه من تقوى وصلاح، وهم معرضون. فأورثهم هذا البخل وخلف الوعد والكذب {نفاقاً في قلوبهم2} لا يفارقهم حتى يلقوا ربهم. هذا ما دل عليه قوله تعالى {ومنهم من3 عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم4 من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون} . أما الآية الأخيرة (78) وهي قوله تعالى {ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب؟؟} فإنها تضمنت توبيخ الله تعالى للمنافقين الذين عاهدوا الله وأخلفوه بموقفهم الشائن كأنهم لا يعلمون أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأنه تعالى علام الغيوب، وإلا كيف يعدونه ويحلفون له أم يحسبون أن الله لا يسمع سرهم ونجواهم فموقفهم هذا موقف مخز لهم شائن، وويل لهم حيث لازمهم ثمرته وهو النفاق حتى الموت وبهذا أغلق باب التوبة في وجوههم وهلكوا مع الهالكين.
هداية الآيات.
من هداية الآيات:
1- وجوب الوفاء بالعهود وخاصة عهود5 الله تعالى.
2- ذم البخل وأهله.
3- تقرير مبدأ أن السيئة يتولد عنها سيئة.
4- جواز تقريع وتأنيب أهل الباطل.
5- وجوب مراقبة الله تعالى إذ لو راقب هؤلاء المنافقون6 الله تعالى لما خرجوا عن طاعته.
__________
1 قال قتادة: هذا رجل من الأنصار قال: لئن رزقني الله شيئاً لأدين فيه حقه ولأتصدقن فلما آتاه الله ذلك فعل ما قُصّ عليكم فاحذروا الكذب فإنه يؤدي إلى الفجور.
2 {نفاقاً} نكرة أي: نفاقاً ما من نوع من أنواع النفاق وليس هو نفاق الكفر إنما هو نفاق العمل.
3 الآية صريحة ودلالتها واضحة في أن أحد أفراد المؤمنين سأل الله المال سواء بواسطة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كأن قال له ادع الله لي، أو سأل بنفسه وقطع عهداً لربه بما ذكر في الآية، ولما أخلف ما عاهد الله عليه أصيب بمرض النفاق في قلبه- والعياذ بالله تعالى- وهل هو ثعلبة بن حاطب أو غيره أما ثعلبة فقد شهد بدراً، وأهل بدر ذُكر لهم وعد عظيم، فلا يصح أن يكون أحدهم وتع في هذه الفتة وان كان غيره فهو حق، وجائز أن يكون هذا الغير اسمه ثعلبة فتشابه الاسم بالاسم فطُن أنه البدري وليس هو والله اعلم. هذا والله إني لخائف من هذه الآية أن تنطبق عليّ فاللهم عفوك وغفرانك لي.
4 صيغة الجمع تدل على أن من عاهد الله لم يكن فرداً واحداً بل كان جماعة ولذا قال الضحاك: إنّ الآية نزلت في رجال من المنافقين: نبتل بن الحارث والجد بن قيس ومتعب بن قشير إلاّ أن قوله تعالى: {فأعقبهم نفاقاً} يتنافى مع كونهم منافقين، إلاّ أن يقال: زادهم نفاقاً خُلْفهم هذا على نفاقهم الأول. والله أعلم.
5 اختلف في نية الطلاق أو الصدقة بدون أن يلفظ هل يلزمه ما نواه بقلبه أو لا يلزمه، الراجح: أنه لا يلزمه ما لم يتلفظ به والدليل في قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إنّ الله تجاوز لأمتى عمّا حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به" رواه الترمذي وقال فيه حسن صحيح، والشاهد في قوله: "أو تتكلم به" والعمل بهذا عند أهل العلم.
6 جاء في الصحيح قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان" ولي حديث آخر: "أربع من كنّ فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا اؤتمن خان، وإذا حدّث كذب، وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر" واختلف العلماء في تأويل هذين الحديثين، وقسموا النفاق إلى اعتقادي وعملي، فالاعتقادي: ما كان صاحبه كافراً بالله ورسوله مكذباً لهما، والعملي: ما كان صاحبه مؤمناً مصدقاً ولكن يأتي منه المحظورات جهلاً وفسقاً. وهذا صحيح. ولكن يتأتى لعبد يؤمن بالله ورسوله أن يتعمد الكذب على المسلمين وإخلاف الوعد لهم، والغدر بهم، وخيانتهم في أماناتهم والفجور في التخاصم معهم، ومن هنا كان المطلوب اجراء الخبر على ظاهره ما دام العبد يتعمد هذه المحظورات نكاية بالمسلمين وبغضا لهم وعدم اعتراف بحقوقهم وظلماً واعتداء عليهم، إذ مثل هذا لا يكون معه إيمان بالله ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
******************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
22-02-2022, 10:35 PM
الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79) اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80)
شرح الكلمات:
يلمزون: أي يعيبون ويطعنون
المطوّعين: أي المتصدقين بأموالهم زيادة على الفريضة.
إلا جهدهم: إلا طاقتهم وما يقدرون عليه فيأتون به.
فيسخرون منهم: أي يستهزئون بهم احتقاراً لهم.
استغفر لهم: أي اطلب لهم المغفرة أو لا تطلب.
لا يهدي القوم الفاسقين: أي إلى ما فيه خيرهم وسعادتهم وذلك لتوغلهم في العصيان.
معنى الآيتين:
ما زال السياق في التنديد بالمنافقين وكشف عوراتهم فقد أخبر تعالى أن {الذين يلمزون1 المطوعين2 من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم3 فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم} . أخبر تعالى أنه سخر منهم جزاء سخريتهم بالمتصدقين وتوعدهم بالعذاب الأليم. وكيفية لمزهم المتطوعين أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا إلى الصدقة فإذا جاء الرجل بمال كثير لمزوه وقالوا مراء، وإذا جاء الرجل بالقليل لمزوه وقالوا: الله غني عن صاعك هذا فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية ففضحهم وسخر منهم وتوعدهم بأليم العذاب وأخبر نبيه أن استغفاره لهم وعدمه سواء فقال {استغفر لهم4 أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم} وبين علة ذلك بقوله {ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله} ، وهذه العلة كافية في عدم المغفرة لهم لأنها الكفر والكافر مخلد في النار. وأخبر تعالى أنه حرمهم الهداية فلا يتوبوا فقال {والله لا يهدي القوم الفاسقين} لأن الفسق قد أصبح وصفاً لازماً لهم فلذا هم لا يتوبون، وبذلك حرموا هداية الله تعالى.
هداية الآيتين
من هداية الآيتين:
1- حرمة لمز المؤمن والطعن فيه.
2- حرمة السخرية بالمؤمن.
3- غيرة الله على أوليائه حيث سخر الله ممن سخر من المطوعين.
4- من مات على الكفر لا ينفعه الاستغفار له، بل ولا يجوز الاستغفار له.
5- التوغل في الفسق أو الكفر أو الظلم يحرم صاحبه الهداية.
__________
1 أخرج مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: أمرنا بالصدقة فكنا نحامل على ظهورنا فتصدق أبو عقيل بنصف صاع، قال: وجاء إنسان بشيء أكبر منه فقال المنافقون إنّ الله لغني عن صدقة هؤلاء وما فعل هذا الآخر إلاّ رياء فنزلت: {الذين يلمزون المطوّعين..} الآية.
2 أصل المطوعين: المتطوعين أدغمت التاء في الطاء لقرب مخرجيهما وهم: الذين يفعلون الشيء تبرعاً من غير أن يجب عليهم.
3 الجهد: شيء قليل يعيش به المقل والجهد والجهد بالفتح أيضاً: الطاقة والسخرية: الاستهزاء، وعاملهم الله تعالى بالمثل فسخر منهم وهم لا يشعرون.
4 بيد أنه لما نزلت الآيات الفاضحة للمنافقين جاء بعضهم يعتذرون ويطلبون من الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يستغفر لهم فاستغفر لهم رحمة بهم فأعلمه ربّه تعالى أنّ استغفاره لهؤلاء المنافقين مهما بلغ من الكثرة لا ينفعهم وذلك لكفرهم ونفاقهم وفسقهم.

ابوالوليد المسلم
22-02-2022, 10:36 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة التوبة - (14)
الحلقة (464)
تفسير سورة التوبة مدنية
المجلد الثانى (صـــــــ 404الى صــــ 407)


فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللهِ وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81) فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيرًا جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ (82) فَإِن رَّجَعَكَ اللهُ إِلَى طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَدًا وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُواْ مَعَ الْخَالِفِينَ (83)
شرح الكلمات:
فرح المخلفون: أي سرّ الذين تخلفوا عن الجهاد مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقالوا: لا تنفروا في الحر: أي قال المنافقون لبعضهم بعضاً لا تخرجوا للغزو في الحر.
لو كانوا يفقهون: أي لو كانوا يفقهون أسرار الأمور وعواقبها ونتائجها لما قالوا: لا تنفروا في الحر ولكنهم لا يفقهون.
فليضحكوا قليلاً وليبكوا: أي في الدنيا، وليبكوا كثيراً في الدار الآخرة.
فإن رجعك الله إلى طائفة منهم: أي من المنافقين.
فاقعدوا مع الخالفين: أي المتخلفين عن تبوك من النساء والأطفال وأصحاب الأعذار.
معنى الآيات:.
ما زال السياق في الحديث عن المنافقين فقال تعالى مخبراً عنهم {فرح المخلفون1} أي سر المتخلفون {بمقعدهم خلاف2 رسول الله} أي بقعودهم بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المدينة {وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم} في سبيله، وكرههم هذا للجهاد هو ثمرة نفاقهم وكفرهم وقولهم {لا تنفروا في الحر} لأن غزوة تبوك كانت في شدة الحر، قالوا هذا لبعضهم بعضاً وهنا أمر الله تعالى رسوله أن يرد عليهم قولهم هذا فقال {قل نار جهنم أشد حراً} فلماذا لا يتَّقونها بالخروج في سبيل الله كما يتقون الحر بعدم الخروج، وقوله تعالى {لو كانوا يفقهون} أي لما تخلفوا عن الجهاد لأن نار جهنم أشد حراً، ولكنهم لا يفقهون وقوله تعالى {فليضحكوا قليلاً} أي3 في هذه الحياة الدنيا بما يحصل لهم من المسرات {وليبكوا كثيراً} أي يوم القيامة لما ينالهم من الحرمان والعذاب، وذلك كان {جزاء بما كانوا يكسبون} من الشر والفساد، وقوله تعالى لرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {فإن رجعك الله إلى طائفة منهم4} أي فإن ردك الله سالماً من تبوك إلى المدينة إلى طائفة من المنافقين {فاستأذنوك للخروج} معك لغزو وجهاد {فقل لن تخرجوا معي أبداً، ولن تقاتلوا معي عدواً} وعلة ذلك {أنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين} 5 أي من النساء
والأطفال فإن هذا يزيد في همهم ويعظم حسرتهم جزاء تخلفهم عن رسول الله وكراهيتهم الجهاد بالمال والنفس في سبيل الله.
هداية الآلات
من هداية الآيات:
1- من علامات النفاق الفرح بترك طاعة الله ورسوله.
2- من علامات النفاق كراهية طاعة الله ورسوله.
3- كراهية الضحك والإكثار منه6.
4- تعمد ترك الطاعة قد يسبب الحرمان منها.
__________
1 {المخلفون} هم المتركون في المدينة تركهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمؤمنون لأنهم غير أهل لصحبة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلذاكره الله انبعاثهم فثبطهم أما هم فإنهم فرحوا بتخلفهم عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لنفاقهم وفسقهم.
2 {خلاف} لغة في خلف، واختير لفظ خلاف إشارة إلى أن المنافقين يحبّون مخالفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمؤمنين، وقعودهم وإن كان بإذن فإنه مخالف لإرادة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بالنفير العام وجاءوا هم يستأذنون في القعود.
3 {فليضحكوا} أمر، ومعناه التهديد أي: فليضحكوا في الدنيا قليلاً وليبكوا في الآخرة كثيراً، أو هو أمر بمعنى الخير وهو صحيح إذ هذا هو حالهم ومنتهى أمرهم.
4 قوله: {إلى طائفة} دليل على أن من المتخلفين ما كانوا منافقون ككعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع العامري.
5 {الخالفين} جمع خالف، كأنهم خلفوا الخارجين في ديارهم، واختيار لفظ الخالفين يحمل سباً لهم وعيباً، إذ الخالفون النساء، وخلف الشيء إذا فسد، ومنه خلوف فم الصائم، ومنه خلف اللبن: إذا قد بطول المكث في الإناء، وفي هذا دليل على أن استصحاب المخذل الفاسد في الغزوات لا يليق.
6 صح عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً ولخرجتم إلى الصُّعُدات تجأرون إلى الله تعالى" وورد أن كثرة الضحك تميت القلب وكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جل ضحكه الابتسام.
***************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
22-02-2022, 10:36 PM
وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ (84) وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (85)
شرح الكلمات:
ولا تصل على أحد: أي صلاة الجنازة.
ولا تقم على قبره: أي لا تتول دفنه والدعاء له كما تفعل مع المؤمنين.
وماتوا وهم فاسقون.: أي خارجون عن طاعة الله ورسوله.
وتزهق أنفسهم: أي تخرج أرواحهم بالموت وهم كافرون.
معنى الآيتين:
ما زال السياق في شأن المنافقين المتخلفين عن غزوة تبوك، وإن كانت هذه الآية
نزلت في1 شأن عبد الله بن أبي بن سلول كبير المنافقين وذلك أنه لما مات طلب ولده الحباب الذي سماه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبد الله وقال له الحباب اسم الشيطان وسماه عبد الله جاءه فقال يا رسول الله إن أبي قد مات فأعطني قميصك2 أكفنه فيه، "رجاء بركته" وصل عليه واستغفر له يا رسول الله فأعطاه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القميص وقال له إذا فرغتم فآذنوني فلما أراد أن يصلي عليه جذبه عمر وقال له: أليس قد نهاك الله أن تصلي على المنافقين فقال بل خيرني فقالوا استغفر لهم أو لا تستغفر لهم. فصلى عليه فأنزل الله تعالى هذه الآية {ولا تصل على أحد منهم3 فات أبداً، ولا تقم على قبره} أي لا تتول دفنه والدعاء له بالتثبيت عند المسألة. وعلل تعالى لهذا الحكم بقوله {إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون} ، وقوله {ولا تعجبك أموالهم وأولادهم} أي لا تصل4 على أحد منهم مات يا رسول الله {ولا تعجبك أموالهم وأولادهم} فتصلي عليهم. إني إنما أعطيتهم ذلك لا كرامة لهم وإنما لأعذبهم بها في الدنيا بالغموم والهموم {وتزهق أنفسهم} أي ويموتوا {وهم كافرون} فسينقلون إلى عذاب أبدي لا يخرجون منه، وذلك جزاء من كفر بالله ورسوله.
هداية الآيتين
من هداية الآيتين:
1- حرمة الصلاة على الكافر مطلقاً.
2- حرمة غسل الكافر والقيام على دفنه والدعاء له.
3- كراهة الصلاة على أهل الفسق دون الكفر.
4- حرمة الإعجاب بأحوال الكافرين المادية.
__________
1 روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "فصلى عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم انصرف فلم يمكث إلا يسيراً حتى نزلت الآيتان من براءة: {ولا تصل على أحد منهم مات أبداً} وما في التفسير من خبر ابن أبيّ رواه مسلم.
2 فإن قيل: كيف يعطي الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قميصه ليكفن فيه رئيس المنافقين وكيف صلى عليه واستغفر له وهو يعلم أنّه منافق؟ والجواب: أما اعطاؤه ثوبه ليكفن فيه فقد سبق أن أعطى عبد الله بن أبي ثوباً للعباس عم الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحفظ له هذه اليد فأعطاه ثوبه وأما الصلاة عليه فقد كانت قبل نهي الله تعالى عنها، وأما الاستغفار فقد خير فيه بقوله {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم} فرأى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في استغفاره استئلافا للقلوب ففعل.
3 في الآية دليل على فرضية الصلاة على أموات المسلمين، ولا خلاف في هذا بين أهل العلم، وفي الآية إحدى موافقات عمر رضي الله عنه إذ أنزل الله تعالى هذا الحكم وهر ترك الصلاة على المنافقين بعد أن قال عمر: أليس قد نهاك الله أن تصلي على المنافقين، فالصلاة هنا هي الدعاء والاستغفار فلما صلى عليه نزلت الآية {ولا تصل على أحد..} الخ فترك الصلاة على المنافقين.
4 صلاة الجنازة هي: أن يكبر ثم يقرأ الفاتحة ثم يكبر ويصلي على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم يكبر ويدعو للميت، ثم يكبر الرابعة ويسلم لفعل الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا وقوله: " إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء" رواه أبو داود، ويستحب أن يقف الإمام عند رأس الرجل، وعجيزة المرأة، لورود الحديث بذلك في مسلم وأبي داود.

ابوالوليد المسلم
22-02-2022, 10:37 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة التوبة - (15)
الحلقة (465)
تفسير سورة التوبة مدنية
المجلد الثانى (صـــــــ 407الى صــــ 413)


وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (86) رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (87) لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89) وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (90)
شرح الكلمات:
استأذنك: أي طلبوا إذنك لهم بالتخلف.
أولوا الطول منهم: أي أولو الثروة والغنى.
ذرنا نكن مع القاعدين: أي اتركنا مع المتخلفين من العجزة والمرضى والأطفال والنساء.
مع الخوالف: أي مع النساء جمع خالفة المرأة تخلف الرجل في البيت إذا غاب.
طبع على قلوبهم: أي توالت ذنوبهم على قلوبهم فأصبحت طابعاً عليها فحجبتها المعرفة.
لهم الخيرات: أي في الدنيا بالنصر والغنيمة. وفي الآخرة بالجنة والكرامة فيها.
وأولئك هم المفلحون: أي الفائزون بالسلامة من المخوف والظفر بالمحبوب.
المعذرون: أي المعتذرون.
وقعد الذين كذبوا الله: أي ولم يأت إلى طلب الإذن بالقعود عن الجهاد منافقوا الأعراب.
معنى الآيات:.
ما زال السياق في كشف عورات المنافقين وبيان أحوالهم فقال تعالى {وإذا أنزلت1 سورة} أي قطعة من القرآن آية أو آيات {أن آمنوا بالله وجاهدوا مع2 رسوله} أي تأمر بالإيمان بالله والجهاد مع رسوله {استأذنك أولوا الطول منهم3} أي من المنافقين {وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين} أي المتخلفين عن الجهاد للعجز كالمرضى والنساء والأطفال قال تعالى: في عيبهم وتأنيبهم {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف} أي مع النساء وذلك لجبنهم وهزيمتهم النفسية وقوله تعالى {وطبع على قلوبهم} أي طبع الله على قلوبهم بآثار ذنوبهم التي رانت على قلوبهم فلذ اهم لا يفقهون معنى الكلام وإلا لما رضوا بوصمة العار وهي أن يكونوا في البيوت مع النساء هذه حال المنافقين وتلك فضائحهم إذا أنزلت سورة تأمر بالإيمان والجهاد يأتون في غير حياء ولا كرامة يستأذنون في البقاء مع النساء (لكن4 الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم} ولم يستأذنوا ففازوا بكرامة الدنيا
والآخرة قال تعالى {وأولئك لهم الخيرات} 5 أي في الدنيا بالانتصارات والغنائم وفي الآخرة بالجنة ونعيمها ورضوان الله فيها. وقال {وأولئك هم المفلحون} أي الفائزون بالسلامة من كل مرهوب وبالظفر بكل مرغوب وفسر تعالى تلك الخيرات وذلك الفلاح بقوله في الآية (89) فقال {أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها} وأخبر عما أعد لهم من ذلك النعيم المقيم بأنه الفوز فقال {ذلك الفوز العظيم} . هذا ما دلت عليه الآيات الأربع أما الآية الخامسة (90) فقد تضمنت إخبار الله تعالى عن منافقي الأعراب أي البادية، فقال تعالى {وجاء المعذرون6} أي المعتذرون أدغمت التاء في الذال فصارت المعذرون من الأعراب أي من سكان البادية كأسد وغطفان ورهط عامر بن الطفيل جاءوا يطلبون الإذن من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالتخلف بدعوى الجهد والمخمصة، وقد يكونون معذورين حقاً وقد لا يكونون كذلك. وقوله {وقعد الذين كذبوا الله ورسوله} في دعوى الإيمان بالله ورسوله وما هم بمؤمنين بل هم كافرون منافقون، فلذا مال تعالى فيهم {سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم} في الدنيا وفي الآخرة، إن ماتوا على كفرهم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- القرآن هو مصدر التشريع الإلهي الأول والسنة الثاني.
2- مشروعية الاستئذان للحاجة الملحة.
3- حرمة الاستئذان للتخلف عن الجهاد مع القدرة عليه.
4- حرمة التخلف عن الجهاد بدون إذن من الإمام.
5- فضل الجهاد بالمال والنفس في سبيل الله.
6- بيان عظم الأجر وعظيم الجزاء لأهل الإيمان والجهاد.
__________
1 السورة. طائفة من آيات القران لها مبدأ ومختم، والمراد بالسورة هنا: هذه السورة (التوبة) أو بعض آياتها الآمرة بالجهاد والإيمان.
2 {أن آمنوا} أن: تفسيرية فسرت مضمون السورة وهو الإيمان والجهاد.
3 أي: في القعود والتخلف عن الجهاد وهم أصحاب القدرة على الجهاد لصحة أجسامهم وكثرة أموالهم أما العجزة فإنهم غير مأمورين بالجهاد، والطول معنا: الغنى والقدرة المالية.
4 قوله: {لكن} الخ استدراك بيّن فيه تعالى حال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمؤمنين وأنها أكمل الأحوال بعد ذكر حال المنافقين وما هم عليه من صفات النقص آذ أخبر أنهم لجبنهم يطلبون القعود عن الجهاد وأنهم لما ران على قلوبهم من أوضار الكفر والفسق لا يفقهون الكلام ولا يعرفون ما يضرهم ولا ما ينفعهم بخلاف الرسول والمؤمنين فقد ذكر صفاتهم الكمالية، وهي الجهاد بالمال والنفس وما فازوا به من عظيم الخيرات، وما آلوا إليه من الفلاح وهو النجاة من المرهوب والظفر بالمحبوب.
5 الخيرات: جمع خير على غير قياس كسرادقات، وحمامات جمع سرادق وحمام.
6 {المعذرون} هذا اللفظ صالح لأن يكون المراد به المعتذرون لعلل قامت بهم وصالح لأن يكون المراد به المعذرون وهم الذين لا عذر لهم ويعتذرون بغير حق موجب للعذر يقال: عذر فلان: إدا قصّر في الواجب واعتذر بدون عذر قام به. وهذا من بلاغة القرآن، اللفظ الواحد منه يحتمل وجهين وكلاهما حق ومراد.
******************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
22-02-2022, 10:37 PM
لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (92)
شرح الكلمات:
على الضعفاء: أي كالشيوخ.
ولا على المرضى: كالعمى والزَمْنَى.
حرج: أي إثم على التخلف.
إذا نصحوا لله ورسوله: أي لا حرج عليهم في التخلف إذا نصحوا لله ورسوله وذلك بطاعتهم لله ورسوله مع تركهم الإرجاف والتثبيط.
ما على المحسنين من سبيل: أي من طريق إلى مؤاخذتهم.
لتحملهم.: أي على رواحل يركبونها.
تولوا ": أي رجعوا إلى بيوتهم.
تفيض من الدمع: أي تسيل بالدموع الغزيرة حزناً على عدم الخروج.
معنى الآيتين:
لما ندد تعالى بالمتخلفين وتوعد بالعذاب الأليم الذين لم يعتذروا منهم ذكر في هذه الآيات أنه لا حرج على أصحاب الأعذار وهم الضعفاء، كالشيوخ والمرضى والعميان وذوو العرج1 والفقراء الذين لا يجدون ما ينفقون ولكن بشرط نصحهم لله ورسوله فقال عز
وجل {ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج} أي إثم {إذا نصحوا لله ورسوله} 2 ومعنى النصح لله ورسوله طاعتهما في الأمر والنهي وترك الإرجاف والتثبيط والدعاية المضادة لله ورسوله والمؤمنين والجهاد في سبيل الله وقوله تعالى {ما على المحسنين من سبيل} أي ليس على من أحسنوا في تخلفهم لأنه أولاً بعذر شرعي3 وثانياً هم مطيعون لله ورسوله وثالثاً قلوبهم ووجوههم مع الله ورسوله وإن تخلفوا بأجسادهم للعذر فهؤلاء ما عليهم من طريق إلى انتقاصهم أو أذيتهم بحال من الأحوال، كما ليس من سبيل {على الذين إذا ما أتوك لتحملهم} إلى الجهاد معك في سيرك {قلت} معتذراً إليهم {لا أجد ما أحملكم عليه تولوا} أي رجعوا إلى منازلهم وهم يبكون والدموع تفيض من أعينهم4 حزناً {ألا يجدوا ما ينفقون} في سيرهم معكم وهم نفر منهم العرباص بن سارية وبنو مقرن وهم بطن من مزينة رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
هداية الآيتين
من هداية الآيتين:
1- لا حرج على أصحاب الأعذار الذين ذكر الله تعالى في قوله {ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج} وفي هذه الآية {ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون} حرج وبشرط طاعة الله والرسول فيما يستطيعون والنصح5 لله والرسول بالقول والعمل وترك التثبيط والتخذيل والإرجاف من الإشاعات المضادة للإسلام والمسلمين.
2- مظاهر الكمال المحمدي في تواضعه ورحمته وبره وإحسانه إلى المؤمنين.
3- بيان ما كان عليه أصحاب الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المهاجرين والأنصار من الإيمان واليقين والسمع والطاعة والمحبة والولاء ورقة القلوب وصفاء الأرواح.
اللهم إنا نحبهم بحبك فأحببنا كما أحببتهم واجمعنا معهم في دار كرامتك.
__________
1 شاهده في سورة الفتح: {ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج} وقوله تعالى: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} .
2 قال القرطبي: {نصحوا الله ورسوله} إذا عرفوا الحق وأحبّوا أولياءه وأبغضوا أعداءه، ومع قبول أعذار أصحاب الأعذار فقد خرج ابن أم مكتوم إلى أحد وهو رجل أعمى، وطلب أن يعطى الراية ليحملها، وخرج عمرو بن الجموح وهو أعرج خرج إلى أحد فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنّ الله قد عذرك" فقال: والله لأحفرنّ بعرجتي هذه في الجنة.
3 روى أبو داود عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لقد تركتم بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً ولا أنفقتم من نفقة ولا قطعتم من وادٍ إلاّ وهم معكم فيه، قالوا: يا رسول الله وكيف يكونون معنا وهم بالمدينة؟ قال: حبسهم العذر؟ "
4 {حزناً} منصوب على أنه مفعول لأجله، وجملة: {وأعينهم} : حال من {تولوا} .
5 النصح: إخلاص العمل من الغش يقال: نصح الشيء: إذا خلص، ونصح له القول: أي أخلصه له. وفي صحيح مسلم عن تميم الداري رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "الدين النصحية- ثلاثا- قلنا لمن يا رسول الله قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" ذكر القرطبي معاني هذه النصائح بالتفصيل عند تفسير هذه الآية فليرجع إليها من طلب ذلك.

ابوالوليد المسلم
16-03-2022, 04:24 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة التوبة - (16)
الحلقة (466)
تفسير سورة التوبة مدنية
المجلد الثانى (صـــــــ 414الى صــــ 418)


الجزء الحادي عشر
إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاء رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (93) يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (94) سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ (95) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِنَّ اللهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (96)
شرح الكلمات:
إنما السبيل: أي الطريق إلى المعاقبة.
أغنياء: واجدون لأهبة الجهاد مع سلامة أبدانهم.
الخوالف: أي النساء والأطفال والعجزة.
إذا رجعتم إليهم: أي إذا عدتم إليهم من تبوك، وكانوا بضعاً وثمانين رجلاً.
لن نؤمن لكم: أي لن نصدقكم فيما تقولون.
ثم تُرَدّون: أي يوم القيامة.
إذا انقلبتم: أي رجعتم من تبوك.
لتُعرِضوا عنهم: أي لا تعاقبوهم.
رجس: أي نَجَس لخُبْث بواطنهم.
معنى الآيات:.
ما زال السياق الكريم في المُخَلَّفين من المنافقين وغير المنافقين فقال تعالى {إنما1 السبيل} أي الطريق إلى عقاب المخلَّفين على الذين يستأذنونك في التخلُّف عن الغزو وهم أغنياء أي ذوو قُدرة2 على النفقة والسير {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف} أي النساء {وطبع الله على قلوبهم} بسبب ذنوبهم فهم لذلك لا يعلمون أن تخلفهم عن رسول الله لا يُجديهم نفعاً وأنه يجرُّ عليهم البلاء الذي لا يطيقونه. هؤلاء هُم الذين لكم سبيل على عقابهم ومؤاخذتهم، لا على الذين لا يجدون ما ينفقون، وطلبوا منك حملاناً فلم تجد ما تحملهم عليه فرجعوا إلى منازلهم وهم يبكون حزناً. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (93) أما الآيات الثلاث بعدها فهي في المخلَّفين من المنافقين يخبر تعالى عنهم فيقول {يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم} يطلبون العذر منكم إذا رجعتم إلى المدينة من غزوكم. قل لهم يا رسولنا لا تعتذروا لأننا لا نؤمن لكم أي لا نصدقكم فيما تقولونه، لأن الله تعالى قد نَبَّأنَا من أخباركم3 وسيرى الله عملكم4 ورسوله. إن أنتم تبتم فأخلصتم دينكم لله، أو أصررتم على كفركم ونفاقكم، وستُردُّون بعد موتكم إلى عالم الغيب والشهادة وهو الله تعالى فينبئكم يوم القيامة بعد بعثكم بما كنتم تعملون من حسنات أو سيئآت ويجزيكم بذلك الجزاء العادل. وقوله تعالى {سيحلفون5 بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم} يخبر تعالى رسوله والمؤمنين فيقول سيحلف لكم هؤلاء المخلَّفون إذا رجعتم إليهم أي إلى المدينة من أجل أن تعرضوا عنهم فأعرضوا6 عنهم أي لا تؤاخذوهم ولا تلتفوا إليهم إنهم رجْس أي نَجَس، ومأواهم جهنم جزاء لهم بما كانوا يكسبونه من
الكفر والنفاق والمعاصي.. وقوله تعالى {يحلفون لكم} 7 معتذرين بأنواع من المعاذير لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فلن ينفعهم رضاكم شيئاً لأنهم فاسقون والله لا يرضى عن القوم الفاسقين وما دام لا يرضى عنهم فهو ساخط عليهم، ومن سخط الله عليه أهلكه وعذبه فلذا رضاكم عنهم وعدمه سواء.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- لا سبيل إلى أذِيَّة المؤمنين الصادقين إذا تخلَّفوا فإنهم ما تخلفوا إلا لعذر. وإنما السبيل على الأغنياء القادرين على السير إلى الجهاد وقعدوا عنه لنفاقهم.
2- مشروعية الاعتذار على شرط أن يكون المؤمن صادقاً في اعتذاره.
3- المنافقون كالمشركين رجْس أي نَجَس لأن بواطنهم خبيثة بالشرك والكفر وأعمالهم الباطنة خبيثة أيضاً إذْ كلها تآمر على المسلمين ومكر بهم وكيد لهم.
4- حرمة الرضا على الفاسق المجاهر بفسقه، إذ يجب بُغْضه فكيف يُرضى عنه ويُحب؟
__________
1 أي: العقوبة والإثم.
2 هؤلاء هم المنافقون تردد ذكرهم تنديداً بهم وكشفاً لحالهّم وتحذيراً من سلوكهم.
3 أي: أطلعنا على سرائركم وما تخفي نفوسكم.
4 أي: ما تستأنفونه من أعمال بعد اليوم صالحة أو طالحة.
5 أي: بأنهم ما قدروا على الخروج لأعذار لهم يدّعونها كذباً لتصفحوا عنهم، وتتركوا لومهم وعتابهم.
6 الفاء تفريعية أي: إذا كانوا يريدون الإعراض عنكم فأعرضوا عنهم وجملة: {إنهم رجس} : تعليلية أي علة للإذن لهم بالإعراض عنهم يريد: إنهم ذوو رجس.
7 المراد به: عبد الله بن أبيّ إذ حلف أن لا يتخلَّف بعد اليوم عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وطلب أن يرضى عنه.
*****************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
16-03-2022, 04:25 PM
الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97) وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السَّوْءِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98) وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (99)
شرح الكلمات:
الأعراب1: جمع أعرابي وهو من سكن البادية.
أشد كفراً ونفاقاً: أي من كفار ومنافقي الحاضرة.
وأجدر2: أي أحق وأولى.
حدود ما أنزل الله: أي بشرائع الإسلام.
مغرماً: أي غرامة وخسراناً.
ويتربص: أي ينتظر.
الدوائر: جمع دائرة: ما يحيط بالإنسان من مصيبة أو نكبة.
دائرة السوء: أي المصيبة التي تسوءهم ولا تسرهم وهي الهلاك.
قربات: جمع قربة وهي المنزلة المحمودة.
وصلوات الرسول: أي دعاؤه لهم بالخير.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في الكشف عن المنافقين وإعدادهم للتوبة أو للقضاء عليهم ففي الآية الأولى (97) يخبر تعالى أن الأعراب3 وهم سكان البادية من العرب أشد كفراً ونفاقاً من كفار الحَضَر ومنافقيهم. وإنهم أجدر أي أخلق وأحق أي بأن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله أي من الأحكام4 والسنن وذلك لبعدهم عن الاتصال بأهل الحاضرة وقوله تعالى {والله عليم حكيم} أي عليم بخلقه حكيم في شرعه فما أخبر به هو الحق الواقع، وما قضى به هو العدل الواجب. وقوله تعالى في الآية الثانية (98) {ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرماً} 5 أي من بعض الأعراب من يجعل ما ينفقه في الجهاد غرامة لزمَتْه وخسارة لحقَتْه في ماله وذلك لأنه لا يؤمن بالثواب والعقاب الأخروي
لأنه كافر بالله ولقاء الله تعالى. وقوله عز وجل {ويتربص بكم الدوائر} أي وينتظر بكم أيها المسلمون الدوائر متى تنزل بكم فيتخلص منكم ومن الإنفاق لكم والدوائر جمع دائرة المصيبة والنازلة من الأحداث وقوله تعالى {عليهم دائرة السوء} 6 هذه الجملة دعاء عليهم. جزاء ما يتربصون بالمؤمنين. وقوله {والله سميع عليم} أي سميع لأقوالهم عليم بنيانهم فلذا دعا عليهم بما يستحقون. وقوله تعالى في الآية الثالثة (99) {ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر7 ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول} 8 إخبار منه تعالى بأن الأعراب ليسوا سواء بل منهم من يؤمن بالله واليوم الأخر، فلذا هو يتخذ ما ينفق من نفقة في الجهاد قربات عند الله أي قرباً يتقرب بها إلى الله تعالى، ووسيلة للحصول على دعاء الرسول له، لأن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا أتاه المؤمن بزكاته أو صدقته يدعو له بخير، كقوله لعبد الله بن أبي أوفى: اللهم صل على آل أبي أوفى، وقوله تعالى {ألا إنها قربة لهم} إخبار منه تعالى بأنه تقبلها منهم صارت قربة9 لهم عنده تعالى، وقوله تعالى {سيدخلهم الله في رحمته} بشرى لهم بدخول الجنة، وقوله {إن الله غفور رحيم} يؤكد وعد الله تعالى لهم بإدخالهم في رحمته التي هي الجنة فإنه يغفر ذنوبهم أولاً، ويدخلهم الجنة ثانياً هذه سنته تعالى في أوليائه، يطهرهم ثم ينعم عليهم بجواره.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- بيان أن سكان البادية يُحرمون من كثير عن الآداب والمعارف فلذا سكن البادية غير محمود إلا إذا كان فراراً من الفتن.
2- من الأعراب المؤمن والكافر والبر والتقي والعاصي والفاجر كسكان المدن إلا أن كفار البادية ومنافقيها أشد كفراً ونفاقاً لتأثير البيئة.
3- فضل النفقة في سبيل الله والإخلاص فيها لله تعالى.
__________
1 والعرب: جيل من الناس واحدهم عربي وهم أهل الأمصار، والعرب العاربة: هم الخلص، والمستعربة هم الذين ليسوا بخلّص كأولاد إسماعيل عليه السلام، ويعرب بن قحطان هو أوّل من تكلَّم بالعربية وهو أبو اليمن كلها.
2 {أجدر} مأخوذ من جدر الحائط وهو رفعه بالبناء.
3 لمَّا ذكر تعالى حال منافقي الحضر ذكر هنا حال منافقي البادية ليُعرف الجميع.
4 وكذلك لا يعلمون حجج الله تعالى في ألوهيته وبعثة رسوله لقلَّة نظرهم وسوء فهمهم، ولذا لا حق لهم في الفيء، والغنيمة إلا أن يجاهدوا أو يتحولوا إلى الحواضر ويتركوا البادية لحديث مسلم. واختلف في صحة شهادة البادي على الحاضر، والراجح أنها تصح إذا كان عدلاً. وتكره إمامتهم لأهل الحضر عند مالك، وذلك لجهلهم بالشريعة وتركهم الجمعة.
5 أي غرما وخسرانا، وأصله لزوم الشيء، ومنه {إن عذابها كان غراما} أي: لازما.
6 قرىء {السوء} بالفتح والضم إلا قوله: {وما كان أبوك امرأ سوء} ، فإنه بالفتح لا غير، إذ السُوء بالضم: المكروه، والسوء بالفتح: الفساد. امرؤ سوء: أي: فاسد.
7 قيل: هم بنو مُقَرِّن من مزينة.
8 صلوات الرسول هي استغفاره ودعاؤه لهم بالخير والبركة.
9 أي: تقرّبهم من الله تعالى.

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
16-03-2022, 04:26 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة التوبة - (17)
الحلقة (467)
تفسير سورة التوبة مدنية
المجلد الثانى (صـــــــ 419الى صــــ 424)


وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102)
شرح الكلمات:
والسابقون: أي إلى الإيمان والهجرة والنصرة والجهاد.
اتبعوهم بإحسان: أي في أعمالهم الصالحة.
رضي الله عنهم: بسبب طاعتهم له وإنابتهم إليه وخشيتهم منه ورغبتهم فيما لديه.
ورضوا عنه: بما أنعم عليهم من جلائل النعم وعظائم المِنَنْ.
وممن حولكم: أي حول المدينة من قبائل العرب.
مردوا: مرقوا وحذقوه وعتوْا فيه.
سنعذبهم مرتين: الأولى قد تكون فضيحتهم بين المسلمين والثانية عذاب القبر.
معنى الآيات:
قوله تعالى: {والسابقون1 الأولون من المهاجرين والأنصار} 2 وهم الذين سبقوا غيرهم.
إلى الإيمان والهجرة والنصرة والجهاد، والذين اتبعوهم3 في ذلك وأحسنوا أعمالهم فكانت موافقة لما شرع الله وبين رسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجميع رضي الله عنهم بإيمانهم وصالح أعمالهم، ورضوا عنه بما أنالهم من إنعام وتكريم، وأعد لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً أي وبشرهم بما أعد لهم من جنات وقوله {ذلك الفوز العظيم} أي ذلك المذكور من رضاه تعالى عنهم ورضاهم عنه وإعداد الجنة لهم هو الفوز العظيم، والفوز السلامة من المرهوب والظفر بالمرغوب فالنجاة من النار ودخول الجنة هو الفوز العظيم، هذا ما دلت عليه الآية الأولى (100) وأما الآية الثانية فقد تضمنت الإخبار بوجود منافقين في الأعراب4 حول المدينة، ومنافقين في داخل المدينة، إلا أنهم لتمرسهم وتمردهم في النفاق أصبحوا لا يُعرفون، لكن الله تعالى يعلمهم هذا معنى قوله تعالى {وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا5 على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم} ، وقوله تعالى {سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم} وعيد لهم نافذ فيهم لا محالة وهو أنه تعالى سيعذبهم في الدنيا مرتين مرة بفضحهم أو بما شاء من عذاب ومرة في قبورهم، ثم بعد البعث يردهم إلى عذاب النار وهو العذاب العظيم، وقوله تعالى في الآية الثالثة (102) {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً} 6 هؤلاء أُناس آخرون تخلفوا عن الجهاد بغير عذر وهم أبو لبابة ونفر معه ستة أو سبعة أنفار ربطوا أنفسهم في سواري المسجد لما سمعوا ما نزل في المتخلفين وقالوا لن نحل أنفسنا حتى يحلنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلطوا عملاً صالحاً وهو إيمانهم وجهادهم وإسلامهم وعملاً سيئاً وهو تخلفهم عن غزوة تبوك بغير عذر، فقوله تعالى {عسى الله أن يتوب عليهم} إعلامهم بتوبة الله تعالى عليهم فجاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحل رباطهم وقالوا لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذه أموالنا التي خلفتنا عنك خذها فتصدق بها واستغفر لنا فقال ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئاً.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- فضل السبق للخير والفوز بالأولية فيه.
2- فضل أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على غيرهم ممن جاء بعدهم.
3- فضل التابعين لأصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن أحسنوا المتابعة.
4- علْم ما في القلوب إلى الله تعالى فلا يعلم أحد من الغيب إلا ما علَّمه الله عز وجل.
5- الرجاء لأهل التوحيد الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً بأن يغفر الله لهم ويرحمهم.
__________
1 {السابقون} هم الذين صلّوا إلى القبلتين وأفضلهم الخلفاء الأربعة ثم الستة الباقون من المبشرين بالجنة نم أهل بدر ثم أصحاب أحد ثم أهل بيعة الرضوات بالحدييية، وأفضلهم أبو بكر على الإطلاق.
2 {الأنصار} : هم من أسلم من الأوس والخزرج بالمدينة ولم يعرفوا في الجاهلية بهذا الاسم وإنما سماهم الله تعالى به في الإسلام.
3 التابعون: جمع تابع أو تابعي، وهم الذين صحبوا الصحابة، وأكبر التابعين: الفقهاء السبعة وهم: سعيد بن المسيب، والقاسم بن محمد وعروة بن الزبير، وخارجة بن زيد، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعبد الله بن عتبة بن مسعود، وسليمان بن يسار. وكلهم من المدينة النبوية وأفضل نساء التابعين حفصة بنت سيرين وعمرة بنت عبد الرحمن وأم الدرداء.
4 الأحياء الذين كانوا حول المدينة هم: مزينة وجهينة وأسلم، وغفار وأشجع ولحيان وعصيّة وكان منهم منافقون.
5 يقال: مرد على الأمر: إذا مرن عليه ودرب به، ومنه الشيطان المارد سئل حذيفة عن المنافقين فأخبر أنهم اثنا عشر، ستة ماتوا بالدبيلة وأربعة ماتوا موتاً عادياً.
6 {خلطوا} يريد خلطوا حسنات أعمالهم الصالحة بسيئات التخلف عن الغزو والإنفاق في الجهاد والسير مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى تبوك. وعسى: فعل رجاء وهي في كلام الله تعالى كناية عن وقوع المرجو لا محالة.
******************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
16-03-2022, 04:26 PM
خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104) وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (105) وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (106)
شرح الكلمات:
صدقة: مالاً يتقرب به إلى الله تعالى.
تطهرهم وتزكيهم بها: أي تطهرهم من ذنوبهم، وتزكيهم أنت أيها الرسول بها بدعائك لهم وثنائك عليهم.
وصل عليهم: أي ادع لهم بالخير.
إن صلاتك سكن لهم: أي دعاءك رحمة.
ويأخذ الصدقات: يتقبلها.
خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104) وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105) وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (106)
مرجون لأمر الله: مؤخرون لحكم الله وقضائه.
عليم حكيم: أي بخلقه نيات وأموالاً وأعمالاً حكيم في قضائه وشرعه.
معنى الآيات:
لقد تقدم في الآية قبل هذه أن المتخلفين التائبين قالوا للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذه أموالنا1 التي تخلفنا بسببها صدقة فخذها يا رسول الله فقال لهم إني لم أُؤْمر بذلك فأنزل الله تعالى هذه الآية {خذ2 من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم، والله سميع عليم} فأمر تعالى رسوله أن يأخذ صدقة هؤلاء التائبين لأنها تطهرهم من ذنوبهم ومن أوضار الشُّح في نفوسهم وتزكيهم أيها الرسول بها بقبولك لها وصل عليهم أي ادع لهم بخير، إن صلاتك سكن3 لهم أي رحمة وطمأنينة في نفوسهم والله سميع لأقوالهم لمَّا قدموا صدقتهم وقالوا خذها يا رسول الله عليم بنياتهم وبواعث نفوسهم فهم تائبون توبة صدق وحق. وقوله تعالى {ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده} الاستفهام للتقرير أي هم يعلمون ذلك قطعاً، ويأخذ الصدقات4 أي يقبلها، وأن الله هو التواب أي كثير قبول التوبة من التائبين الرحيم بعباده المؤمنين ثم أمر الله تعالى رسوله أن يقول لهم حاضاً لهم على العمل الصالح تطهيراً لهم وتزكية لنفوسهم {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون} 5 فيشكر لكم ويثني به عليكم {وستردون إلى عالم الغيب والشهادة} وهو الله عز وجل {فينبئكم بما كنتم تعملون} ويجزيكم به الحسن بالحسن والسيء بمثله. وقوله تعالى {وآخرون مرجون لأمر الله. إما يعذبهم وإما يتوب عليهم} هذا هو الصنف الثالث من أصناف المتخلفين فالأول هم المنافقون والثاني هم التائبون والثالث هو المقصود بهذه الآية وهم ثلاثة أنفار كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية فهؤلاء لم يأتوا الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليعتذروا إليه كما فعل التائبون المتصدقون بأموالهم منهم أبو لبابة حيث ربطوا أنفسهم في سواري المسجد فأمر الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمقاطعتهم6 حتى يحكم الله فيهم، وهو معنى قوله تعالى {مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم والله عليم حكيم} فإن عذبهم أو تاب عليهم فذلك لعلمه وحكمته. وبقوا كذلك حتى ضاقت بهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم ثم تاب الله تعالى عليهم كما جاء ذلك بعد كذا آية من آخر هذه السورة {إن الله هو التواب الرحيم} .
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- الصدقة تكفر الذنوب ونطهر الأرواح من رذيلة الشح والبخل..
2- يستحب لمن يأخذ صدقة امرئ مسلم أن يدعو له بمثل: آجرك الله7 على ما أعطيت وبارك لك فيما أبقيت.
3- ينبغي للتائب من الذنب الكبير أن يكثر بعده من الصالحات كالصدقات والصلوات ونحوها.
4- فضيلة الخوف والرجاء فالخوف يحمل على ترك المعاصي والرجاء يعمل على الإكثار من الصالحات.
__________
1 المال في فصيح اللغة: هو كل ما تموّل وتملك فهو مال. والمراد من قولهم هذه أموالنا يعنون ما لديهم من سائر أنواع المال. وأما في الزكوات فإنها خاصة بالعين المواشي والثمار والحبوب بشروطها التي هي النصاب والحول في العين والحصاد في الحبوب والتمر بلوغ خمسة أوسق، والوسق ستون صاعاً والصاع أربعة أمداد.
2 هذه الآية وإن نزلت في الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً فإنها عامة في الأمة فعلى ولاة أمور المسلمين أن يجبوا الزكوات ويأخذوها من الأمة فريضة الله تعالى على المسلمين للقيام بمصالح المسلمين، والذين قدّموا أموالهم كلها أخذ منها الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثلث، وردّ عليهم الباقي. فقال مالك من تصدق بجميع ماله يجزئه منه الثلث أخذاً من هذه الحادثة.
3 معناه أنه إذا دعا لهم سكنت قلوبهم وفرحوا، واختلف هل هذه الصلاة على المتصدق باقية أو انتهت بوفاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والصحيح أنها باقية. فمن أخذ صدقة متصدق يصلي عليه اقتداء برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
4 أخرج مسلم: "لا يتصدق أحد بصدقة من كسب طيب إلا أخذها الله بيمينه فتربو في كفّ الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل".
5 روى أبو داود وأحمد أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات فإن كان خيراً استبشروا به وإن كان غير ذلك قالوا: اللهم لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا".
6 هؤلاء هم: كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع.
7 هو معنى: {وصلِّ عليهم} إذ الصلاة الدعاء لغة.

ابوالوليد المسلم
16-03-2022, 04:30 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة التوبة - (18)
الحلقة (468)
تفسير سورة التوبة مدنية
المجلد الثانى (صـــــــ 425الى صــــ 431)


وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110)
شرح الكلمات:
ضراراً: أي لأجل الإضرار.
وإرصاداً: اانتظاراً وترقباً.
إلا الحسنى: أي إلا الخير والحال الأحسن.
لا تقم فيه أبداً: أي لا تقم فيه للصلاة أبداً.
أسس على التقوى: أي بني على التقوى وهو مسجد قبا.
فيه رجال: هم بنو عَمرو بن عوف.
على تقوى من الله: أي على خوف.
ورضوان: أي رجاء رضوان الله تعالى.
على شفا جرف هار: أي على طرف جرف مشرف على السقوط، وهو مسجد الضرار.
ريبة في قلوبهم: أي شكاً في نفوسهم.
إلا أن تقطع قلوبهم: أي تُفْصَل من صدورهم فيموتوا.
معنى الآيات:
ما زال السياق في فضح المنافقين وإغلاق أبواب النفاق في وجوههم حتى يتوبوا إلى الله تعالى أو يهلكوا وهم كافرون فقال تعالى ذاكراً فريقاً منهم {والذين اتخذوا مسجداً 1ضراراً وكفراً وتفريقاً 2 بين المؤمنين وإرصاداً لمن3 حارب الله ورسوله من قبل} إن المراد من هؤلاء الذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً اثنا عشر رجلاً من أهل المدينة كانوا قد أتوا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو شاخص إلى تبوك فقالوا يا رسول الله إنا قد بنينا مسجداً للعاجز منا والمريض واللّيلة المطيرة فَصَلِّ لنا فيه فقال لهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنا الآن على جناح سفر وإن عدنا نصلي لكم فيه إن شاء الله أو كما قال. فلما عاد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من تبوك ووصل إلى مكان قريب من المدينة يقال له ذواوان وهو بلد بينه وبين المدينة ساعة من نهار نزل عليه الوحي بشأن مسجد الضرار فبعث مالك بن الدخشم أخا بني سالم بن عوف ومعن بن عدي أو أخاه عاصماً أخا بني العجلان فقال انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه وحرقاه فخرجا مسرعين حتى أتيا بني سالم بن عوف وهم رهط مالك بن الدخشم فقال لمعن أنظرني حتى أخرج إليك بنار فخرج بسعف نخل قد أضرم فيه النار وأتيا المسجد وأهله فيه فأضرما فيه النار وهدماه وتفرق أهله ونزل فيهم قوله تعالى: {والذين اتخذوا مسجداً ضراراً} أي لأجل الإضرار المسجد النبوي ومسجد قباء حتى يأتيهما أهل الحي وقوله {كفراً} أي لأجل الكفر بالله ورسوله وقوله {وتفريقاً بين المؤمنين} علة ثالثة لبناء مسجد الضرار إذ كان أهل الحي مجتمعين في مسجد قباء فأرادوا تفرقتهم في مسجدين حتى يجد هؤلاء المنافقون مجالاً للتشكيك والطعن وتفريق صفوف المؤمنين على قاعدة: (فرق تسد) {وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله من قبل} وهو أبو عامر الراهب الفاسق لأنه عليه لعائن الله هو الذي أمرهم أن يبنوه ليكون وكراً للتآمر والكيد وهذا الفاسق قال للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما وجدت قوماً يقاتلونك إلا قاتلتك معهم فكان مع المشركين في حروبهم كلها إلى أن أنهزم المشركون في هوازن وأيس اللعين ذهب إلى بلاد الروم يستعديهم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومن هنا أمر المنافقين ببناء مسجد الضرار ليكون كما ذكر تعالى حتى ينزل به مع جيوش الروم التي قد خرج يستعديها ويؤلَّبها إلا أنه خاب في مسعاه وهلك بالشام إلى جهنم وبئس المصير فهذا معنى قوله تعالى {وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله من قبل} أي قبل بناء مسجد الضرار الذي هُدم وحُرق وأصبح موضع قمامة تلقى فيه الجِيَفْ والقمائم.
وقوله تعالى {وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى} هذا قولهم لما حرق عليهم المسجد وهدم وانفضح أمرهم حلفوا ما أرادُوا ببنائه إلا الحالة التي هي حسنى لا سوء فيها إذ قالوا بنيناه لأجل ذي العلة ولليلة المطيرة. وقوله تعالى {والله يشهد إنهم لكاذبون} تفيد لقولهم وتقرير لكذبهم. وقوله تعالى {لا تقم فيه أبداً} 4 نهيٌ للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يصلى لهم فيه كما واعدهم وهو ذاهب إلى تبوك. وقوله تعالى {لمسجد أسس5 على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه} وهو مسجده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومسجد قباء إذ كل منهما أسس من أول يوم على تقوى من الله ورضوان أي على خوف من الله وطلب رضاه، وقوله تعالى {فيه رجال يحبون أن يطهروا والله يحب المطهرين} ثناء على أهل قباء بخير وإخبار أنهم يحبون أن يتطهروا6من الخبث الحسِّي والمعنوي فكانوا يجمعون في الاستنجاء بين الحجارة والماء فأثنى الله تعالى عليهم بذلك، وقوله تعالى {أفمن أسّس بنيانه على تقوى من الله ورضوان} أي على مخافة من الله وطلب لرضاه خير أمن أسس بنيانه على شفا أي طرف جرف هار أي مشرف على السقوط، والجرف7 ما يكون في حافة الوادي من أرض يجرف السيل من تحتها التراب وتبقى قائمة ولكنها مشرفة على السقوط، وقوله تعالى {فانهار به في نار جهنم} أي سقط به ذلك الجرف في نار جهنم والعياذ بالله تعالى، هذا حال أولئك المنافقين الذين بنوا مسجد الضرار. وقوله تعالى {والله لا يهدي القوم الظالمين} أي لا يهديهم إلى ما يكمُلون به ويسعدون أي يحرمهم هدايته فيخسرون دنيا وأُخرى وقوله تعالى {لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم8} أي شكاً واضطراباً في نفوسهم {إلا أن تقطع 9 قلوبهم} فيهلكوا والشك في قلوبهم أي فكان هذا البناء الظالم سبباً في تأصل النفاق
والكفر في قلوبهم حتى يموتوا كافرين وقوله {والله عليم حكيم} تذييل للكلام بما يقرر مضمونه ويثبته فكونه تعالى علمياً حكيماً يستلزم حرمان أولئك الظلمة المنافقين من الهداية حتى يموتوا وهم كافرون إلى جهنم وذلك لتوغلهم في الظلم والشر والفساد.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- بيان أكبر مؤامرة ضد الإسلام قام بها المنافقون بإرشاد الفاسق أبي عامر الراهب.
2- بيان أن تنازع الشرف هو سبب البلاء كل البلاء فابن أُبَيّ حاربَ الإسلام لأنه كان يُؤمِّلُ في السُّلطة على أهل المدينة فحُرِمَها بالإسلام. وأبو عامر الراهب ترهَّب لأجل الشرف على أهل المدينة والسلطان الروحى فلذا لما فقدها حارب من كان سبب حرمانه وهو الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى قال له مواجهة: ما قاتلك قوم إلا قاتلتك معهم. بل ذهب إلى الروم يؤلِّبهم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واليهود ما حاربوا الإسلام إلا من أجل المحافظة على أملهم في مملكة إسرائيل.
3- لا يصح الاغترار بأقوال أهل النفاق فإنها كذب كلها.
4- أيما مسجد بُني للإضرار والتفرقة بن المسلمين إلا ويجب هدمه وتحرم الصلاة فيه.
5- فضل التطهر والمبالغة في الطهارتين الروحية والبدنية.
6- التحذير من الظلم والإسراف فيه فإنه يحرم صاحبه هداية الله فيهلك وهو ظالم فيخسر دنيا وأُخرى.
__________
1 روي أن رأس الفتنة كان أبا عامر الراهب الذي ذهب يستعدي الروم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه.
2 {ضرارا} مفعول لأجله أي: لأجل مضارة أهل الإسلام بتفرقة المسلمين وإيجاد عداوات بينهم.
3 هو أبو عامر الراهب، وسمي الراهب: لأنه تنصّر وتعبد على دين النصارى ولما انهزمت ثقيف التحق بالروم ومات كافراً نالته دعوة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
4 أي: {لا تقم فيه} للصلاة. يقال: فلان قائم يصلي. و {أبداً} ، معناه في أي وقت من الأوقات مطلقاً. فأبداً: لفظ يفيد التأبيد المطلق.
5 {أسّس} أي: وضعت أسسه وبنيت جدره ورفت قواعده إذ الأس: أصل البناء، وكذلك الأساس، والجمع أسس وآساس جمع إساس. قال الشاعر:
أصح الملك ثابت الآساس ... في البهاليل من بني العباس
6لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أهل قباء إن الله سجانه قد أحسن الثناء عليكم في التطهر فما تصنعون؟ قالوا: إنّا نغسل أثر الغائط والبول بالماء". رواه أبو داود. فكانوا يجمعون بين الاستجمار والاستنجاء مبالغة في التطهر، إن كان الاستجمار مجزئاً تخفيفاً على الأمة المسلمة.
7 الحرف: بالضم والإسكان كالرسْل والرسْل، وأصله من الجرف والإجتراف وهو اقتلاع الشيء من أصله.
8 وقيل: الريبة هنا: الحسرة والندامة، وحزازة وغيظاً والكل صالح لدلالة اللفظ عليه.
9 أي: إلى أن تقطع قلوبهم بالموت أي: إلا أن يموتوا.
*******************************


يتبع

ابوالوليد المسلم
16-03-2022, 04:30 PM
إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112)
شرح الكلمات:
الجنة: هي دار السلام التي أعدها الله تعالى للمتقين.
يقاتلون: أي الكفار والمشركين.
وعداً: أي وعدهم وعداً حقاً.
في التوراة: أي مذكوراً في التوراة والإنجيل والقرآن.
ومن أوفى بعهده: أي لا أحد أوفى بعهده من الله تعالى.
ذلك هو الفوز العظيم: أي ذلك البيع هو الفوز العظيم.
التائبون: أي من الشرك والنفاق والمعاصي.
العابدون: أي المطيعون لله في تذلل وخشوع مع حبهم لله وتعظيمهم له.
السائحون: أي الصائمون والخارجون في سبيل الله لطلب علم أو تعليمه أو جهاد لأعدائه.
الآمرون بالمعروف: أي بعبادة لله الله تعالى وتوحيده فيها.
الناهون عن المنكر: أي عن الشرك والمعاصي.
والحافظون لحدود الله: أي القائمون عليها العاملون بها.
وبشر المؤمنين: أي بالجنة دار السلام.
معنى الآيات:
لما ذكر تعالى حال المتخلفين عن الجهاد ذكر فضل الجهاد ترغيباً فيه وفيما أعد لأهله
فقال {إن الله اشترى1 من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن2 لهم الجنة} وهذا هو المُثَّمَن الذي أعطى الله تعالى فيه الثمن وهو الجنة، وقوله {يقاتلون في سبيل الله فيقتُلون} أي أعداء الله المشركين {ويقتلون} 3 أي يستشهدون في معارك القتال وقوله {وعداً عليه حقاً4 في التوراة والإنجيل والقرآن} أي وعدهم بذلك وعداً وأحقه حقاً أي أثبته في الكتب الثلاثة التوراة والإنجيل والقرآن تقريراً له وتثبيتاً وقوله {ومن أوفى بعهده من الله} استفهام بمعنى النفي أي لا أحد مطلقاً أوفى بعهده إذا عاهد من الله تعالى وقوله {فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به} فبناء على ذلك فاستبشروا5 أيها المؤمنون ببيعكم الذي بايعتم الله تعالى به أي فسروا6 بذلك وافرحوا وذلك البيع والاستبشار هو الفوز العظيم الذي لا فوز خير ولا أعظم منه.
وقوله {التائبون} 7 قوله: {والحافظون لحدود الله} هو ذكر لأوصاف أهل البيع وتحديد لهم فهم الموصوفون بتسع صفات الأولى التائبون أي من الشرك والمعاصي والثانية العابدون وهم المطيعون لله طاعة ملؤها المحبة لله تعالى والتعظيم له والرهبة منه والثالثة الحامدون لله تعالى في السراء والضراء وعلى كل حال والرابعة السائحون وهم الصائمون كما في الحديث8 والذين يخرجون في سبيل الله لطلب علم أو غزو أو تعليم أو دعوة إلى الله تعالى ليُعْبد ويوحَّد ويُطاع في أمره ونهيه والخامسة والسادسة الراكعون الساجدون أي المقيمون الصلاة المكثرون من نوافلها كأنهم دائماً في ركوع وسجود والسابعة والثامنة الآمرون بالمعروف وهو الإيمان بالله وتوحيده وطاعته وطاعة رسوله
والناهون عن المنكر وهو الكفر به تعالى والشرك في عبادته ومعصية رسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والتاسعة الحافظون لحدود الله بالقيام عليها9 وعملها بعد العلم بها وقوله تعالى: {وبشر المؤمنين} وهم أهل الإيمان الصادق الكامل المستحقون لبشرى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالنصر والتأييد في الدنيا والنجاة من النار ودخول الجنة يوم القيامة اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- بيان فضل الله تعالى ومننه على عباده المؤمنين حيث وهبهم أرواحهم وأموالهم واشتراها منهم.
2- فضل الجهاد والاستشهاد في سبيل الله.
3- على المؤمن أن يشعر نفسه أن بدنه وماله لله تعالى وأن عليه رعايتهما وحفظهما حتى ترفع راية الجهاد ويطالب إمام المسلمين بالنفس والمال فيقدم نفسه وماله إذ هما وديعة الله تعالى عنده.
4- على المؤمن أن لا يدخل الضرر على نفسه ولا على ماله بحكم أنهما لله تعالى.
5- على المؤمن أن يتعاهد نفسه ليرى هل هو متصف بهذه الصفات التسع أولاً فإن رأى نقصاً كمله وإن رأى كمالاً حمد الله تعالى عليه وحفظه وحافظ عليه.
__________
1 حصل هذا لبعض أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيعة العقبة، إذ قال عبد الله بن رواحة للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "اشترط لربك ولنفسك ما شئت فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اشترط لربي أن تعبده ولا تشركوا به شيئاً، واشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم قالوا: فإذا فمنا ذلك فما لنا؟ قال: الجنة. قالوا: ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل".
2 الباء في الشراء تدخل على الثمن تقول: بعتك الدار بكذا ألفاً، ولذا قال هنا: {بأن لهم الجنة} فالجنة هي الثمن المشتري به الأنفس والأموال.
3 قوله تعالى {يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون} بيَّن فيه مكان تسليم البضاعة المشتراه وهي الأنفس.
4 {وعدا} و {حقا} مصدران مؤكدان.
5 أي: أظهروا السرور على بشرة وجوهكم.
6 فسُرُّوا: أي أظهروا السرور.
7 {التائبون} هم الراجعون من الحالة المذمومة إلى الحالة المحمودة والتائب: الراجع، والراجع إلى الطاعة أفضل من الراجع عن المعصية لجمعه بين الأمرين.
8 روى الطبراني عن عائشة رضي الله عها أنها قالت: سياحة هذه الأمة الصيام، ورواه أبو هريرة مرفوعاً إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سياحة أمتي الصيام" وروي أيضاً عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله".
9 أي: القائمون بما أمر الله به، والمنتهون عمّا نهى عنه فحدود الله شرعه وهو فعل وترك، ففعل الأمر وترك النهي هو الحفظ.

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
16-03-2022, 04:32 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة التوبة - (19)
الحلقة (469)
تفسير سورة التوبة مدنية
المجلد الثانى (صـــــــ 432الى صــــ 435)

مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113) وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114) وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (115) إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (116)
شرح الكلمات:
أن يستغفروا للمشركين: أي يسألون الله تعالى لهم المغفرة.
أولي قربى: أصحاب قرابة كالأُبَّوة والبُنَّوة والأُخوة.
موعدة: أي وعدٌّ وعده به.
تبرأ منه.: أي قال: إني بريء منك.
أواه حليم: الأواه: كثير الدعاء والشكوى إلى الله تعالى والحليم الذي لا يغضب ولا يؤاخذ بالذنب.
ما يتقون: أي ما يتقون الله تعالى فيه فلا يفعلوه أو لا يتركوه.
من ولي: الولي من يتولى أمرك فيحفظك ويعينك.
معنى الآيات:
لما مات أبو طالب1 على الشرك بعد أن عرض عليه الرسول كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) فأبى أن يقولها وقال هو على ملة عبد المطلب قال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأستغفرنَّ لك ما لم أُنْهَ عن ذلك، واستغفر بعض المؤمنين أيضاً لأقربائهم الذين ماتوا على الشرك، أنزل الله تعالى قوله {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم} إذ ماتوا على الشرك ومن مات على الشرك قضى الله تعالى بأنه في النار أي ما صح ولا انبغى2 للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا أي ما صح ولا انبغى استغفارهم. ولما قال بعضٌ إن إبراهيم قد استغفر لأبيه وهو مشرك قال تعالى جواباً {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه} وهي قوله: {سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفياً} لكنه عليه السلام لما تبين له أن أباه عدو لله أي مات على الشرك تبرأ منه ولم يستغفر له، وقوله {إن إبراهيم لأواه حليم} 3 تعليل لمواعدة إبراهيم أباه بالاستغفار له لأن إبراهيم كان كثير الدعاء والتضرع والتأسف والتحسر فلذا واعد أباه، بالاستغفار له وقوله تعالى {وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون} هذه الآية نزلت رداً على تساؤلات الذين قالوا متندمين لقد كنا استغفرنا لأقاربنا المشركين فخافوا فأخبرهم تعالى أنه ليس من شأنه تعالى أن يضل قوماً بعد إذ هداهم إلى الصراط المستقيم حتى يبين لهم ما يتقون وأنتم استغفرتم لأقربائكم قبل أن يبين لكم أنه حرام. ولكن إذا أراد الله أن يضل قوماً4 بيّن لهم ما يجب أن يتقوه فيه فإذا لم يتقوه أضلهم. وقوله تعالى {إن الله بكل شيء عليم} فلا يضل إلا من يستحق الضلال كما أنه يهدي من يستحق الهداية وذلك لعلمه بكل شيء وقوله تعالى {له ملك السموات والأرض} أي خلقاً وملكاً وتصرفاً فهو يضل من يشاء ويهدي من يشاء يحيى ويميت يحيي بالإيمان ويميت بالكفر ويحيى الأموات ويميت الأحياء لكامل قدرته وعظيم سلطانه وقوله {وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير} أي ليس لكم من يتولاكم إذا تخلى عنكم وليس لكم من ينصركم إذا خذلكم فلذا وجبت طاعته والاتكال عليه، وحرم الالتفات إلى غيره من سائر خلقه.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- حرمة الاستغفار لمن مات على الشرك لأن الله لا يغفر أن يشرك به فلذا لا يطلب منه شيء أخبر أنه لا يفعله.
2- وجوب الوفاء بالوعود والعهود.
3- ليس من سنة الله تعالى في الناس أن يضل عباده قبل أن يبين لهم ما يجب عليهم عمله أو اتقاؤه.
4- ليس للعبد من دون الله من ولي يتولاه ولا نصير ينصره ولذا وجبت ولاية الله بطاعته واللجوء إليه بالتوكل عليه.
__________
1 روى مسلم أنه لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية فقال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يا عم قل "لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله فقال أبو جهل وعبد الله بن أمية يا أبا طالب: أترغب عن ملة عبد المطلب فلم يزل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعرضها عليه ويعيد له تلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما تكلم به: هو على ملّة عبد المطلب وأبي أن يقول لا اله إلا الله. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أما والله لأستغفرن لك مالم أُنه عنك".
2 فإن قيل: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال يوم أحد "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون" وهو طلب مغفرة، وطلب المغفرة هو الاستغفار. فالجواب: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ما قاله على سبيل الحكاية لا غير. إذ ذكر البخاري أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر نبيا قبله شجه قومه فجعل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخبر عنه بأنَّه قال: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.
3 ذكروا لكملة أواه عشرة تأويلات وما ذُكر في التفسير أولى بها كلها ولو قلنا إن الأواه كثير قول: أوّاه تأسفا وتحسرا وشفقة ورحمة لكان أولى بدلالة اللفظ عليه.
4 شاهد هذا قوله تعالى: {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول} : فإنه يأمرهم أولا وينهاهم فإن لم يمتثلوا استحقوا العذاب.
**************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
16-03-2022, 04:32 PM
النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (117) وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ (119)
شرح الكلمات:
المهاجرين: الذين هجروا ديارهم من مكة وغيرها ولحقوا برسول الله بالمدينة.
الأنصار: هم سكان المدينة من الأوس والخزرج آمنوا ونصروا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ساعة العسرة 1: هي أيام الخروج إلى تبوك لشدة الحر والجوع والعطش.
يزيغ قلوب: أي تميل عن الحق لشدة الحال وصعوبة الموقف.
الثلاثة الذين خلفوا: هم كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية.
بما رحبت: أي على اتساعها ورحابتها.
أن لا ملجأ: أي إذ لا مكان للُّجوء فيه والهرب إليه.
الصادقين: في نياتهم وأقوالهم وأعمالهم والصدق ضد الكذب.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في أحداث غزوة تبوك وفي هذه الآيات الثلاث إعلان عن شرف وكرامة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه البررة من الأنصار والمهاجرة إذ قال تعالى {لقد تاب الله2 على النبي والمهاجرين والأنصار} أي أدامها (التوبة) وقبلها وقوله {الذين اتبعوه في ساعة العسرة} 3 أي عند خروجه إلى تبوك في الحر الشديد والفاقة الشديدة وقوله {من بعد ما كاد يزيغ قلوبك4 فريق منهم} وذلك لصعوبة الحال وشدة الموقف لقد عطشوا يوماً كما قال عمر رضي الله عنه كان أحدنا يذبح بعيره ويعصر فرثه فيشرب ماءه ويضع بعضه على كبده فخطر ببعض القوم خواطر كادت القلوب تزيغ أي تميل عن الحق ولكن الله تعالى ثبتهم فلم يقولوا سوءاً ولم يعملوه لأجل هذا أعلن الله تعالى في هذه الآيات عن كرامتهم وعلو مقامهم ثم تاب عليهم إنه هو التواب الرحيم وقوله {وعلى الثلاثة الذين خلفوا} وهم كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية ومعنى خلفوا أرجئوا في البت في توبتهم إذ تقدم قوله تعالى {وآخرون مرجون لأمر الله} فقد تخلفت توبتهم خمسين يوماً {حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت5 وضاقت عليهم أنفسهم6 وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه} فصبروا على شدة ألم النفس من جراء المقاطعة التي أعلنها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهم انتظاراً لحكم الله لأنهم تخلفوا عن الخروج مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى تبوك ولم يكن لهم عذر، فلذا لما قدم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تقدم المخلفون فاعتذروا فقبل منهم رسول الله وتاب الله على المؤمنين منهم ولم يتقدم هؤلاء الثلاثة ليعتذروا خوفاً من الكذب فآثروا جانب الصدق فأذاقهم الله ألم المقاطعة ثم تاب عليهم وجعلهم مثلاً للصدق فدعا المؤمنين أن يكونوا معهم فقال {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} أي اتقوا الله بإتباع أوامره واجتناب نواهيه وكونوا من الصادقين7 في نياتهم وأقوالهم وأعمالهم تكونوا مع الصادقين في الآخرة مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما وسائر النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- بيان فضل أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
2- بيان فضل غزوة العسرة على غيرها من الغزوات "وهي غزوة تبوك".
3- بيان فضل الله على المؤمنين بعصمة قلوبهم من الزيغ في حال الشدة.
4- بيان فضل كعب بن مالك وصاحبيه في صبرهم وصدقهم ولجوئهم إلى الله تعالى حتى فرج عليهم وتاب عليهم وكانوا مثالاً للصدق.
5- وجوب التقوى والصدق في النيات والأقوال والأحوال والأعمال.
__________
1 لفظ الساعة يطلق على ظرف الزمان يطول ويقصر فقد أطلق على يوم القيامة وأطلق على ستين دقيقة، والمراد بالساعة: أيام غزوة تبوك.
2 قال ابن عباس رضي الله عنهما كانت التوبة على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأجل إذنه للمنافقين في القعود دليله قوله تعالى: {عفا الله عنك لم أذنت لهم} ؟ وعلى المؤمنين من ميل قلوب بعضهم إلى التخلف عنه.
3(العسرة) صعوبة الأمر، قال جابر: اجتمع عليهم عسرة الظهر أي: (المركوب) وعسرة الزاد وعسرة الماء قال ابن عرفة: سمي جيش غزوة تبوك جيش العسرة: لأنّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ندب الناس إلى الغزو في حمارة الغيظ فغلظ عليهم وعسر.
4 تدارك قلوبهم حتى لم تزغ، وتلك سنته مع أوليائه إذا أشرفوا على العطب أمطر عليهم سحائب رحمته فأحيا قلوبهم.
5 {رحبت} بمعنى: اتسعت، وما: مصدرية، أي ضاقت عليهم الأرض برحبها: أي: على رحبها لأنهم كانوا مهجورين لا يكلمون ولا يعاملون حتى من اقرب الناس إليهم، وفي هذا دليل على مشروعية هجران أهل المعاصي حتى يتوبوا.
6 أي: ضاقت صدورهم بالهمّ.
7 فسّر (الصادقين) : بأنهم الذين استوت ظواهرهم وبواطنهم قال ابن العربي: هذا القول هو الحقيقة والغاية التي إليها المنتهى.

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
16-03-2022, 04:34 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة التوبة - (20)
الحلقة (470)
تفسير سورة التوبة مدنية
المجلد الثانى (صـــــــ 436الى صــــ 440)

مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (121) وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122)
شرح الكلمات:
ومن حولهم من الأعراب: وهم مزينة وجهينة وأشجع وغفار وأسلم.
ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه: أي يطلبون لأنفسهم الراحة ولنفس رسول الله التعب والمشقة.
ظمأ.: أي عطش.
ولا نصب: أي ولا تعب.
ولا مخمصة: أي مجاعة شديدة.
يغيظ الكفار: أي يصيبهم بغيظ في نفوسهم يحزنهم.
نيلا: أي منالاً من أسر أو قتل أو هزيمة للعدو.
وادياً: الوادي: مسيل الماء بين جبلين أو مرتفعين.
لينفروا كافة.: أي يخرجوا للغزو والجهاد جميعاً.
طائفة.: أي جماعة معدودة.
ليتفقهوا في الدين: أي ليعلموا أحكام الدين وأسرار شرائعه.
ولينذروا قومهم: أي ليخوفوهم عذاب النار بترك العمل بشرع الله.
لعلهم يحذرون: أي عذاب الله تعالى بالعلم والعمل.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في آثار أحداث غزوة تبوك فقال تعالى {ما كان لأهل المدينة} 1
أي سكانها من المهاجرين والأنصار {ومن حولهم من الأعراب} أي ومن النازلين حول المدينة من الأعراب كمزينة وجهينة وغفار وأشجع وأسلم {أن يتخلفوا عن رسول الله} إذا خرج إلى جهاد ودعا بالنفير العام وفي هذا عتاب ولوم شديد لمن تخلفوا عن غزوة تبوك وقوله {ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه} أي بأن يطلبوا لأنفسهم الراحة دون نفس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقوله {ذلك} أي النهي الدال عليه بصيغة ما كان لأهل المدينة وهي أبلغ من النهي بأداته (لا) لأنه نفي للشأن أي هذا مما لا ينبغي أن يكون أبداً. وقوله {بأنهم لا يصيبهم} بسبب أنهم لا يصيبهم {ظمأ} أي عطش {ولا نصب} أي تعب {ولا مخمصة} 2 أي جوع شديد في سبيل الله أي في جهاد أهل الكفر لإعلاء كلمة الإسلام التي هي كلمة الله {ولا يطأون موطئا يغيظ الكفار} أي ولا يطأون أرضاً من أرض العدو يغتاظ لها العدو الكافر ويحزن {ولا ينالون من عدو} 3 أي لله تعالى {نيلاً} أي منالاً أي أسرى أو قتلى أو غنيمة منه أو هزيمة له {إلا كتب لهم به عمل صالح} فلهذا لا ينبغي لهم أن يتخلفوا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى لا يفوتهم هذا الأجر العظيم. وقوله {إن الله لا يضيع أجر المحسنين} تعليل لتقرير الأجر وإثباته لهم إن هُم خرجوا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأحسنوا الصحبة والعمل وقول تعالى {ولا ينفقون نفقة} أي في سبيل الله الذي هو هنا الجهاد {صغيرة ولا كبيرة} أي قليلة ولا كثيرة {ولا يقطعون وادياً} ذاهبين إلى العدو أو راجعين {إلا كتب لهم} 4 أي ذلك المذكور من النفقة والسير5 في سبيل الله. وقوله تعالى {ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون} أي جزاء أحسن عمل كانوا يعملونه قبل خروجهم في سبيل الله. وقوله تعالى {فلولا نفر من كل فرقة} 6أي قبيلة منهم طائفة أي جماعة {ليتفقهوا في الدين} بما
يسمعون من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويتعلمونه منه {ولينذروا قومهم} عواقب الشرك والشر والفساد {لعلهم يحذرون} ذلك فينجون من خزى الدنيا وعذاب الآخرة هذه الآية نزلت لما سمع المسلمون ورأوا نتائج التخلف عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا لن نتخلف بعد اليوم عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبداً ولا نتخلف عن غزو ما حيينا فأنزل الله تعالى هذه الآية يرشدهم إلى ما هو خير وأمثل فقال {فلولا} أي فهلا نفر من كل فرقة منهم أي قبيلة أو حيّ من أحيائهم طائفة فقط وتبقى طائفة منهم بدل أن يخرجوا كلهم ويتركون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحده فإن خروجهم على هذا النظام أنفع لهم فالذين يبقون مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو يخرجون معه إذا خرج يتفقهون في الدين لصحبتهم لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والباقون هم في مهام دينهم أيضاً ودنياهم فإذا رجع أولئك المتفقهون علموا إخوانهم ما فاتهم من العلم وأسرار الشرع كما أن الذين ينفرون إلى الجهاد قد يشاهدون من نصر الله لأوليائه وهزيمته لأعدائه ويشاهدون أيضاً ضعف الكفار وفساد قلوبهم وأخلاقهم وسوء حياتهم فيعودون إلى إخوانهم فينذرونهم ما عليه أهل الكفر والفساد فيحذرون منه ويتجنبونه وفي هذا خير للجميع وهو معنى قوله تعالى {ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون} .
هداية الآيات.
من هداية الآيات:
1- وجوب إيثار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على النفس بكل خير بل بالحياة كلها.
2- بيان فضل السير في سبيل الله، وما فيه من الأجر العظيم.
3- فضل الإحسان وأهله.
4- تساوي فضل طلب العلم والجهاد على شرط النية الصالحة في الكل وطالب العلم لا ينال هذا الأجر إلا إذا كان يتعلم ليعلم فيعمل فيعلم مجاناً في سبيل الله والمجاهد لا ينال هذا الأجر إلا إذا كان لإعلاء كلمة الله خاصة.
5- حاجة الأمة إلى الجهاد والمجاهدين كحاجتها إلى العلم والعلماء سواء بسواء.
__________
1 هذه الآية نزلت تحمل العتاب للمؤمنين أهل المدينة والأحياء المجاورة لها كمزينة وجهينة وأشجع وغفار وأسلم على التخلف عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة تبوك.
2 أصل المخمصة: ضمور البطن يقال: رجل خمص الباطن أي: ضامره وامرأة خمصانة.
3 يقال: نال الشيء يناله: إذا أصابه، فينالون: بمعنى يصيبون.
4 قال ابن عباس بكل روعة تنالهم في سبيل الله سبعون ألف حسنة. وجاء في الصحيح في شأن الخيل وفيه: "وأمّا التي هي له أجر فرجلٌ ربطها في سبيل الله لأهل الإسلام في مرج أو روضة فما أكلت من ذلك المرج أو الروضة إلا كتب عدد ما أكلت حسنات، وكتب له عدد أرواثها وأبوالها حسنات".
5 روى مسلم وأبو داود أنّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لقد تركتم بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً ولا أنفقتم من نفقة ولا قطعتم وادياً إلا وهم معكم فيه قالوا يا رسول الله وكيف يكونون معنا وهم في المدينة؟ قال حبسهم العذر".
6 هذه الآية دليل على أن الجهاد فرض كفاية ولا يتعين إلا إذا عيّنة الإمام أو هاجم العدو دار قوم مؤمنين فيجب عليهم قتاله كافة كما هي نص في وجوب طلب العلم وهو بالرحلة الطويلة إليه. وفي الحديث "طلب العلم فريضة على كل مسلم" وهذا الحديث دليل على أن طلب العلم يكون فرض عين ويكون فرض كفاية.
****************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
16-03-2022, 04:34 PM
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123)
شرح الكلمات:
آمنوا: أي بالله ورسوله ووعد الله ووعيده.
الذين يلونكم: أي يلون بلادكم وحدودها.
من الكفار: من: بيانية، أي الكافرين.
وليجدوا فيكم غلظة: أي قوة بأس وشدة مراس ليرهبوكم وينهزموا أمامكم.
مع المتقين: أي بنصره وتأييده والمتقون هم الذين اتقوا الشرك والمعاصي والخروج عن السنن الإلهية في النصر والهزيمة.
معنى الآية الكريمة:
لما طهرت الجزيرة من الشرك وأصبحت دار إسلام وهذا في أخريات حياة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذلك بعد غزوة تبوك أمر الله تعالى المؤمنين بأن يواصلوا الجهاد في سبيله بعد وفاة نبيه وأرشدهم إلى الطريقة التي يجب أن يتبعوها في ذلك وهي: أن يبدأوا بدعوة وقتال أقرب كافر منهم والمراد به الكافر المتاخم لحدودهم كالأردن أو الشام أو العراق مثلاً فيعسكروا على مقربة منهم ويدعونهم إلى خصلة من ثلاث: الدخول في دين الله الإسلام أو قبول حماية المسلمين لهم بدخولهم البلاد وضرب الجزية على القادرين منهم مقابل حمايتهم وتعليمهم وحكمهم بالعدل والرحمة الإسلامية أو القتال حتى يحكم الله بيننا وبينكم فإذا ضمت أرض هذا العدو إلى بلادهم وأصبحت لهم حدود أخرى فعلوا كما فعلوا أولاً وهكذا حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، فتسعد البشرية في دنياها وآخرتها. وأمرهم أن يعلموا أن الله ما كلفهم بالجهاد إلا وهو معهم وناصرهم ولكن على شرط أن يتقوه في أمره ونهيه فهذا ما دلت عليه الآية الكريمة {يا أيها الذين آمنوا1 قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة} 2 أي قوة بأس وشدة مراس في الحرب {واعلموا3 أن الله مع المتقين} أي بنصره وتأييده.
هداية الآية الكريمة
من هداية الآية الكريمة
1- وجوب الجهاد واستمراريته إلى أن لا تبقى فتنة أو شرك أو اضطهاد لمؤمن ويكون الدين والحكم كلاهما لله تعالى.
2- مشروعية البداءة في الجهماد بأقرب الكفار إلى بلاد المسلمين من باب (الأقربون أولى بالمعروف) .
3- إذا اتسعت بلاد الإسلام تعين على أهل كل ناحية قتال من يليهم الأقرب فالأقرب.
4- وعد الله بالنصر والتأييد لأهل التقوى العامة والخاصة.
__________
1 توجيه الخطاب للذين آمنوا دون النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه إيماء إلى أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يغزو لله بعد ذلك وأن أجله الشريف قد اقترب، وفعلا فإنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما غزا بعد تبوك وإنما حجّ حجة الوداع وبعدها بواحد وثمانين يوماً استأثر الله تعالى بروحه الطاهرة الشريفة.
2 {غلظة} مثلثة الغين غُلظة الكسر لغة الحجاز، والضم لغة بني تميم، والمراد الجرأة على القتال والصبر عليه مع العنف. والشدة في القتل والقصد من هذا إلقاء الرعب في قلوب الكافرين حتى يخشوا قتال المسلين.
3 افتتاح الجملة بـ اعلموا: للاهتمام بما يراد العلم به، وفي الجملة تسلية للمؤمنين بعد فقد نبيهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن الله معهم بالنصر والتأييد فاتقوه بلزوم طاعته وطاعة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أمرهما ونهيهما في السلم والحرب.

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
16-03-2022, 04:37 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة التوبة - (21)
الحلقة (471)
تفسير سورة التوبة مدنية
المجلد الثانى (صـــــــ 441الى صــــ 443)

وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ (125) أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126) وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُم مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُواْ صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُون (127)
شرح الكلمات:
سورة: أي قطعة من القرآن وسواء كانت آيات من سورة أو سورة بكاملها وحدها.
زادته إيماناً: أي السورة قَوَّت إيمانه وزادت فيه لأنها كالغيث النافع.
يستبشرون: فرحين بفضل الله تعالى عليهم.
في قلوبهم مرض: أي شك ونفاق وشرك.
فزادتهم رجساً: أي نجساً إلى نجس قلوبهم ونفوسهم.
يفتنون: أي يمتحنون.
ولا هم يذكرون: أي لا يتعظون لموات قلوبهم.
صرف الله قلوبهم: دعاء عليهم بأن لا يرجعوا إلى الحق بعد انصرافهم عنه.
لا يفقهون: أي لا يفهمون أسرار الخطاب لظلمة قلوبهم وخبث نفوسهم.
معنى الآيات..
هذا آخر حديث عن المنافقين في سورة براءة الفاضحة للمنافقين يقول تعالى {وإذا ما أنزلت سورة} 1 أي من سور القرآن التي بلغت 114 سورة نزلت وتليت وهم غائبون عن المجلس الذي تليت فيه، فمنهم أي من المنافقين من يقول: {أيكم زادته هذه إيماناً} 2 وقولهم هذا تهكم منهم وازدراء قال تعالى {فأما الذين آمنوا} بحق وصدق {فزادتهم إيماناً} لأنها نزلت بأحكام أو أخبار لم تكن عندهم فآمنوا بها لما نزلت فزاد بذلك إيمانهم وكثر كما كان أن إيمانهم يقوى حتى يكون يقيناً بما يتنزل من الآيات وقوله {وهم يستبشرون} أي فرحون مسرورون بالخبر الذي نزل والقرآن كله خير كما هم أيضاً فرحون بإيمانهم وزيادة يقينهم {وأما الذين في قلوبهم مرض} أي شك ونفاق {فزادتهم رجساًَ} 3 أي شكاً ونفاقاً {إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون} . وقوله تعالى {أو لا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين} 4 أي أيستمر هؤلاء المرضى بالنفاق على نفاقهم ولا يرون أنهم يفتنون أي من أجل نفاقهم مرة أو مرتين أي يختبرون بالتكاليف والفضائح وغيرها {ثم لا يتوبون} من نفاقهم {ولا هم يذكرون} فيتعظون فيتوبون هذا ما دلت عليه الآيات الأولى (124) والثانية (125) والثالثة (126) أما الآية الرابعة (127) فقد تضمنت سوء حال هؤلاء المنافقين وقبح سلوكهم فسجَّلت عليهم وصمة عار وخزي إلى يوم القيامة إذ قال تعالى {وإذا ما أُنزلت سورة} 5 أي وهم في المجلس وقرئت على الجالسين وهم من بينهم. {نظر بعضهم إلى بعض} وقال في سرية ومُخافَتَه هيا نقوم من هذا المجلس الذي نعير فيه ونشتم {هل يراكم من أحد} أي من أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإن كان الجواب: لا يرانا أحد انصرفوا متسللين لواذاً قال تعالى في دعاء عليهم: {صرف الله قلوبهم} 6 أي عن الهدى {بأنهم قوم لا يفقهون} أي لا يفقهون أسرار الآيات وما تهدي إليه، فعلتهم سوء فهمهم وعلة سوء فهمهم ظلمة قلوبهم وعلة تلك الظلمة الشك والشرك والنفاق والعياذ بالله تعالى.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- تقرير مبدأ زيادة الإيمان ونقصانه زيادته بالطاعة ونقصانه بالعصيان.
2- جواز الفرح بالإيمان وصالح الأعمال.
3- مريض القلب يزداد مرضاً وصحيحه يزداد صحة سنة من سنن الله في العباد.
4- كشف أغوار المنافقين وفضيحتهم في آخر آية من سورة التوبة تتحدث عنهم.
5- يستحب أن لا يقال انصرفنا7 من الصلاة أو الدرس ولكن يقال انقضت الصلاة أو انقضى الدرس ونحو ذلك.
__________
1 {ما} صلة لتقوية الكلام حسب الأسلوب العربي البليغ.
2 الإيمان لغة: التصديق. وشرعاً: تصديق الله ورسوله في كل ما أخبرا به وأركانه ستة ويزيد بالطاعة وينقص بالعصيان.
3 شكّاً إلى شكّهم، وكفراً إلى كفرهم، وإثما إلى إثمهم إذ الشك والكفر من أعظم الآثام.
4 قال قتادة والحسن ومجاهد: بالغزو والجهاد مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويرون ما وعد الله من النصر يُريد يتحقق أمامهم وكأنهم لا يعقلون.
5 {ما} صلة لتقوية الكلام.
6 هذه الجملة خبرية أخبر تعالى أنه جزاهم على انصرافهم من مجلس الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بصرف قلوبهم عن الهدى فهم لا يهتدون إذاً أبدا وضمّن الخبر الدعاء عليهم، وقد تحقق معناه وهو صرف قلوبهم.
7 لأنّ الله ذمّ المنافقين لانصرافهم ودعا عليهم بصرف قلوبهم وصرفها ولو قيل انقلبنا من الصلاة أو من الجنازة لكان خيراً لقوله تعالى: {فانقلبوا برحمة من الله وفضل} الآية من سورة آل عمران.
****************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
16-03-2022, 04:37 PM
لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)
شرح الكلمات:
رسول من أنفسكم: أي محمد بن عبد الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من جنسكم عربي.
عزيز عليه: أي شاق صعب.
ما عنتم: أي ما يشق عليكم ويصعب تحمله.
حريص عليكم: أي حريص على هدايتكم وما فيه خيركم وسعادتكم.
رؤوف: شفيق.
رحيم: برق ويعطف ويرحم.
فإن تولوا: أي أعرضوا عن دين الله وما جئت به من الهدى.
حسبي الله: أي كافيّ الله.
لا إله إلا هو.: أي لا معبود بحق إلا هو.
توكلت: أي فوضت أمري إليه واعتمدت عليه.
رب العرش العظيم: عرش الله تعالى لا أعظم منه إلا خالقه عز وجل إذ كرسيه تعالى وسع السموات والأرض ونسبة الكرسي إلى العرش كحلقة ملقاة في أرض فلاة.
معنى الآيتين الكريمتين:
في ختام سورة التوبة يقول الله تعالى لكافة العرب: {لقد جاءكم رسول} 1 أي كريم عظيم {من أنفسكم} 2 عدناني قرشي هاشمي مُطًَّلِبي تعرفون نسبه وصدقه وأمانته. {عزيز عليه ما عنتم} 3 أي يشق عليه ما يشق عليكم ويؤلمه ما يؤلمكم لأنه منكم ينصح لكم نصح القومي لقومه. {حريص عليكم} أي على هدايتكم وإكمالكم وإسعادكم
{بالمؤمنين} منكم ومن غيركم من سائر الناس {رؤوف رحيم} أي شفوق عطوف يحب رحمتهم وإيصال الخير لهم. إذا فآمنوا به واتبعوا النور الذي جاء به تهتدوا وتسعدوا ولا تكفروا فتضلوا وتشقوا. وقوله تعالى {فإن تولوا} أي أعرضوا عن دعوتك فلا تأْسَ وقل حسبي الله أي يكفيني ربي كل ما يهمني {لا إله إلا هو} أي لا معبود بحق سواه لذا فإني أعبده وأدعو إلى عبادته، {عليه توكلت} 4 أي في شأني كله {وهو رب العرش العظيم} ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وهو على كل شيء قدير.
هداية الآيتين.
من هداية الآيتين:
1- بيان مِنَّه الله تعالى على العرب خاصة وعلى البشرية عامة ببعثه خاتم أنبيائه محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
2- بيان كمال أخلاقه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
3- وجوب التوكل على الله تعالى والاعتماد عليه في كل شيء يقوم به العبد.
4- عظمة عرش الرحمن عز وجل.
__________
1 روي عن أبي أنه قال: هاتان الآيتان أقرب القرآن بالسماء عهدا وهذا لا ينافي أنّ آخر ما نزل من القرآن: {واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله} .
2 قرىء: {من أنفسكم} أي: أشرفكم وأفضلكم إذ هو من النفاسة وهي تعلّق نفوس البشر بما هو أجمل وأكمل. وقراءة الجمهور أولى وهي الضم أي: من أنفسكم إذ ما من قبيلة من فبائل العرب إلا وولدت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاله ابن عباس رضي الله عنهما. وشاهده قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رواية مسلم: "إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشاً من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم " وفي لفظ: "فأنا خيار من خيار" وهو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كذلك.
3 {ما} مصدرية تُسبكُ مع الفعل بمصدر فيكون الكلام عزيز عليه ما عنتكم والعنت: التعب، وهو مصدر عنت يعنت عنتا. كأنّه يشير إلى أنّ ما لاقاه أصحابه من عنت أيام كانوا يحاربون أهليهم، وذويهم وما نالهم من الغربة والفاقة، والحرب كل ذلك كان يعزّ عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويألم له فصلى الله وسلم عليه ما أرحمه وأوفاه!!
4 عن أبي الدرداء أنّ من قال: إذا أصبح وإذا أمسى: "حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم: سبع مرات كفاه الله ما أهمّه صادقاً كان أو كاذباً"

ابوالوليد المسلم
16-03-2022, 04:42 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة يونس - (1)
الحلقة (472)
تفسير سورة يونس مدنية
المجلد الثانى (صـــــــ 444الى صــــ 449)

سورة يونس
مكية1
وآياتها مائة وتسع آيات
بسم الله الرحمن الرحيم
الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1) أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ (2)
شرح الكلمات:
الر: هذه السورة الرابعة من السور المفتتحة بالحروف المقطعة نكتب الر وتقرأ ألفْ. لام. را.
الكتاب: أي القرآن العظيم.
الحكيم: القائل بالحكمة والقرآن مشتمل على الحِكَم فهو حكيم ومحكم أيضاً.
عجباً: العجب ما يتعجب منه.
رجل منهم: هو محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قدم صدق: أي أجراً حسناً بما قدموا في حياتهم من الإيمان وصالح الأعمال.
إن هذا: أي القرآن.
لسحر2 مبين: أي بين ظاهر لا خفاء فيه في كذبهم وادعائهم الباطل.
معنى الآيتين:
مما تعالجه السور المكية قضايا التوحيد والوحي والبعث الآخر وسورة يونس افتتحت بقضية الوحي أي إثباته وتقريره من الله لرسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال تعالى {آلر تلك آيات3 الكتاب الحكيم} 4 أي هذه آيات القرآن الكريم المحكم آياته المشتمل على الحكم الكثيرة حتى لكأنه الحكيم الذي يضع كل شيء في موضعه وقوله تعالى {أكان للناس5 عجباً أن أوحينا إلى رجل منهم} أي أكان ايحاؤنا إلى محمد عبدنا ورسولنا وهو رجل من قريش عجباً لأهل مكة يتعجبون منه؟ والموحى به هو: {أن أنذر الناس} ، أي خوفهم عاقبة الشرك والكفر والعصيان {وبشر الذين آمنوا} أي بأن لهم قدم6 صدق عند ربهم وهو
الجزاء الحسن لما قدموا من الإيمان وصالح الأعمال يتلقونه يوم يلقون ربهم في الدار الآخرة فلما أنذر وبشر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال الكافرون هذا سحر مبين ومرة قالوا: ساحر مبين وقولهم هذا لمجرد دفع الحق وعدم قبوله لا أن ما أنذر به وبشر هو سحر، ولا المنذر المبشر هو ساحر وإنما هو المجاحدة والعناد والمكابرة من أهل الشرك والكفر والباطل والشر والفساد.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- تقرير عقيدة الوحي بشهادة الكتاب الموحى به.
2- إثبات نبوة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتقريرها بالوحي إليه.
3- بيان مهمة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهي النذارة والبشارة.
4- بشرى أهل الإيمان والعمل الصالح، بما أعد لهم عند ربهم.
5- عدم تورع أهل الكفر عن الكذب والتضليل.
__________
1 ذكر بعضهم أن منها آيات قليلة مدنية، والظاهر أنها كلها مكية ومن تدبر آياتها من أوله إلى آخره لم ير ما يدعو إلى خلافه.
2 هذه قراءة نافع.
3 يذكر المفسرون عن السلف توجيهات عدة لهذه الحروف منها: ما رووه عن ابن عباس أن الر: معناها. أنا الله.. وكل ما ذكروه قول بالظن وإنّ الظن أكذب الحديث، ومن الخير تفويض أمر معناها إلى من أنزلها وقد ذكرنا في التفسير، فائدتين عظيمتين فلنكتف بهما.
4 قال مقاتل: الحكيم بمعنى: المحكم من الباطل لا يدخله ففعيل بمّعنى مُفعل واستشهد بقول الأعشى بذكر قصيدته التي قالها:
وغريبة تأتي الملوك حكيمة ... قد قلتها ليقال من ذا قالها
5 {أكان للناس عجباً} : الاستفهام للتقريع والتوبيخ، وعجباً: خبر كان والاسم: أن أوحينا، والتقدير: أكان عجباً للناس إيحاؤونا.
6 ذكر القرطبي في تفسير {قدم صدق} أقوالا متعددة منها: سبق السعادة في الأزل، ومنها: أجر حسن، ومنها: منزل صدق، ومنها: ولد صالح قدّموه ومنها: يؤثر ذلك عن السلف، وما في التفسير هو الراجح إذ رجّحه إمام المفسرين ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى.
*********************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
16-03-2022, 04:42 PM
إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (3) إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (4) هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5) إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (6)
شرح الكلمات:
إن ربكم الله: أي معبودكم الحق الذي يجب أن تعبدوه وحده هو الله.
خلق السموات والأرض: أي أوجدها من العدم حيث كانت عدماً فأصبحت عوالم.
في ستة أيام: هي الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس، والجمعة.
ثم استوى على العرش: أي استوى استواء يليق به عز وجل فلا يقال كيف؟
ما من شفيع إلا من بعد إذنه: أي لا يشفع أحد يوم القيامة إلا من بعد أن يأذن له.
أفلا تذكرون: أي أتستمرون في جحودكم وعنادكم فلا تذكرون.
ثم يعيده: أي بعد الفناء والبلى وذلك يوم القيامة.
شراب من حميم: أي من ماء أُحمى عليه وغلى1 حتى أصبح حميماً يشوي الوجوه.
جعل الشمس ضياء2: أي جعلها تضيء على الأرض.
والقمر نوراً.: أي جعل القمر بنور الأرض وهو الذي خلق ضوء الشمس ونور القمر.
وقدره منازل: أي قدر القمر منازل والشمس كذلك.
لتعلموا: أي قدرهما منازل ليعلم الناس عدد السنين والحساب.
يتقون: أي مساخط الله وعذابه وذلك بطاعته وطاعة رسوله.
معنى الآيات:
هذه الآيات في تقرير الألوهية بعد تقرير الوحي وإثباته في الآيتين السابقتين فقوله تعالى {إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر} إخبار منه تعالى أنه عز وجل هو رب أي معبود أولئك المشركين به آلهة أصناماً يعبدونها معه وهي لم تخلق شيئاً أما الله فإنه الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام بمقدار أيامنا هذه إذ لم تكن يومئذ أياماً كأيام الدنيا هذه، ثم استوى على عرشه استواء يليق بجلاله وكماله يدبر3 أمر السماء والأرض. هذا هو الإله الحق الذي يجب أن يعبد ويتقرب إليه. وقوله: {ما من4 شفيع إلا من بعد إذنه} أي وأنه لعظمته وعزة سلطانه لا يقدر أحد أن يشفع لآخر إلا بعد إذنه له فكيف إذاً تعبد هذه الأصنام رجاء شفاعتها لعابديها، والله لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه؟ وقوله تعالى {ذلكم الله ربكم فاعبدوه} أي هذا الموصوف بهذه الصفات المعرَّف بهذه النعوت من الجلال والكمال هو ربكم الحق فاعبدوه بما شرع لكم من أنواع العبادات تكملوا وتسعدوا وقوله {أفلا تذكرون} هر توبيخ للمشركين لهم لِمَ لا تتعظون بعد سماع الحق. وقوله تعالى {إليه مرجعكم بعد موتكم جميعاً وعد الله حقاً} 5 تقرير لمبدأ البعث الآخر أي إلى الله تعالى ربكم الحق مُرجعكم بعد موتكم جميعاً إذ وعدكم وعد الحق بالرجوع إليه والوقوف بين يديه وقوله {ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط} 6 أي بالعدل: بيان لعلة الحياة بعد الموت إذ هذه الدار دار عمل والآخرة دار جزاء على هذا العمل فلذا كان البعث واجباً حتماً لا بد منه ولا معنى لإنكاره لأن القادر على البدء قادر على الإعادة من باب أولى وأحرى وقوله تعالى {والذين كفروا لهم شراب من حميم} أي ماء حار قد بلغ المنتهى في حرارته وعذاب أليم أي موجع إخبار منه تعالى بجزاء أهل الكفر يوم القيامة وهو علة أيضاً للحياة بعد الموت والبعث بعد الفناء وبهذا تقرر مبدأ البعث كما تقرر قبله مبدأ التوحيد ومن قبل مبدأ الوحي إذ على هذه القضايا تدور السور المكية وقوله تعالى {هو الذي جعل الشمس ضياء} أي ذات ضياء والقمر نوراً ذا نور وقدر القمر منازل7 وهي ثمانية وعشرون منزلة يتنقل فيها القمر، فعل ذلك {لتعلموا عدد السنين والحساب} 8 فتعرفون عدد السنوات والشهور والأيام والساعات إذ حياتكم تحتاج إلى ذلك فهذا الرب القادر على هذا الخلق والتدبير هو المعبود الحق الذي يجب أن تعبدوه ولا تعبدوا سواه فهذا تقرير للتوحيد وتأكيد له. وقريه {ما خلق الله ذلك إلا بالحق} أي لم يخلق هذه الحياة الدنيا وهذه العوالم فيها عبثاً فتفنى وتبلى بعد حين ولا شيء وراء ذلك بل ما خلق ذلك إلا بالحق أي من أجل أن يأمر وينهى ثم يجزي المطيع بطاعته والعاصي بعصيانه وفي هذا تأكيد لقضية البعث والجزاء أيضاً وقوله {يفصل الآيات} أي هذا التفصيل المشاهد في هذا السياق {لقوم يعلمون} إذ هم الذين ينتفعون به أما الجهلة فلا ينتفعون بهذا التفصيل والبيان وقوله تعالى في الآية الأخيرة {إن في اختلاف الليل والنهار} أي بالطول والقصر والضياء والظلام {وما خلق الله في السموات والأرض} 9 من أفلاك وكواكب ورياح وأمطار وما خلق في الأرض من إنسان وحيوان وبر وبحر وأنهار وأشجار وجبال وَوِهاد {لآيات} أي علامات واضحة دالة على الخالق المعبود بحق وعلى جلاله وجماله وكماله وعظيم قدرته وقوة سلطانه فيُعبد لذلك بحبه غاية الحب وبتعظيمه غاية التعظيم وبرهبته والخشية منه غاية الرهبة والخشية ويذكر فلا يُنسى ويشكر فلا يُكفر ويطاع فلا يُعصى وقوله تعالى {لقوم يتقون} 10 خص أهل التقوى بالآيات فيما ذكر من مظاهر خلقه وقدرته لأنهم هم الذين حقاً يبصرون ذلك ويشاهدونه لصفاء أرواحهم وطهارة قلوبهم ونفوسهم أما أهل الشرك والمعاصي فهم في ظلمة لا يشاهدون معها شيئاً والعياذ بالله.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- تقرير ألوهية الله تعالى وأنه الإله الحق.
2 - تقرير عقيدة البعث والجزاء في الدار الآخرة.
3- بيان الحكمة في خلق الشمس والقمر وتقدير منازلهما.
4- مشروعية تعلم الحساب وعلم الفلك لما هو نافع للمسلمين؟
__________
1 غلى الماء يغلي غليانا إذا اشتدت حرارته ففار دخاناً.
2 الضياء: نور ساطع يضيء للرائي الأشياء وهو اسم مشتق من الضوء فالضياء أقوى من الضوء.
3 قال مجاهد: يقضيه ويقدره وحده، وقيل: يأمر به ويمضيه. قال القرطبي: والمعنى متقارب.
4 {ما من شفيع} أي: لا شفيع يشفع إلا بعد إذنه له بالشفاعة.
5 {وعدا} و {حقا} : مصدران بمعنى وعدكم وعدا وأحقه حقا. أي: صدقا لا خلف فيه.
6 الجملة: {انه يبدؤ الخلق} : واقعة موقع الدليل على إنجاز وعده تعالى لأن الذي خلق من تراب وماء قادر على البعث والجزاء.
7 المنازل: جمع منزل، وهو مكان النزول والمراد بها سُمُوتُ بلوغ القمر فيها للناس كل ليلة في سمت منها كأنه ينزل بها، وللشمس منازل تسمى بروجاً وهي اثنا عشر برجا تحل فيها الشمس في فصول السنة لكل برج منزلتان وثلث.
8 {الحساب} مصدر حسُب يحسُب لضم السين حسابا بمدد عدَّ أما حسِب بكسر السين فهو بمعنى ظن ومضارعه يحسب بفتح السين وكسرها لغتان فصيحتان. وبهما قرىء: أيحسب الإنسان وكل يحسب بمعنى يظن.
9 قوله: {وما خلق الله في السموات والأرض} شمل الأجسام والأحوال معاً أي: الذوات والصفات، والأقوال والأعمال أيضاً إذ قال تعالى: {والله خلقكم وما تعملون} .
10 خصهم بالآيات لأنهم هم الذين ينتفعون بها أما أهل الشرك والفجور والمعاصي فلا ينتفعون بها فهي إذاً ليست لهم بل هي لغيرهم ممن ينتفعون بها.

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
16-03-2022, 04:44 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة يونس - (2)
الحلقة (473)
تفسير سورة يونس مدنية
المجلد الثانى (صـــــــ 450الى صــــ 455)


إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (7) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (8) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10)
5- فضل العلم والتقوى وأهلهما من المؤمنين.
شرح الكلمات:
لا يرجون لقاءنا: أي لا ينتظرون ولا يؤملون في لقاء الله تعالى يوم القيامة.
ورضوا بالحياة الدنيا: أي بدلاً عن الآخرة فلم يفكروا في الدار الآخرة.
واطمأنوا بها: أي سكنوا إليها وركنوا فلم يروا غيرها حياة يُعمل لها.
غافلون: لا ينظرون إليها ولا يفكرون فيها.
مأواهم النار: أي النار هي المأوى الذي يأوون إليه وليس لهم سواها.
يهديهم ربهم بإيمانهم1: أي بأن يجعل لهم بإيمانهم نوراً يهتدون به إلى الجنة.
دعواهم فيها سبحانك اللهم2: أي يطلبون ما شاءوا بكلمة سبحانك اللهم.
وآخر دعواهم أن الحمد لله: أي آخر دعائهم: الحمد لله رب العالمين.
معنى الآيات:
بعد تقرير الوحي والأُلوهية في الآيات السابقة ذكر تعالى في هذه الآيات الثلاث الكريمة بيان جزاء كل ممن كذب بلقاء الله فلم يرجُ ثواباً ولم يخشَ عقاباً ورضيَ بالحياة الدنيا واطمأن بها، وممن آمن بالله ولقائه ووعده ووعيده فآمن بذلك وعمل صالحاً فقال تعالى {إن الذين لا يرجون3 لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها} 4 أي سكنت نفوسهم إليها وركنوا فعلاً إليها {والذين هم عن آياتنا غافلون} أي آياته الكونية في الآفاق والقرآنية وهي حُجج الله تعالى وأدلته الدالة على وجوده وتوحيده ووحيه وشرعه غافلون عنها لا ينظرون فيها ولا يفكرون فيما تدل لإنهماكهم في الدنيا حيث أقبلوا عليها وأعطوها قلوبهم ووجوههم وكل جوارحهم. هؤلاء يقول تعالى في جزائهم {أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون} أي من الظلم والشر والفساد. ويقول تعالى في جزاء من آمن بلقائه ورجا ما عنده {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم} أي إلى طريق الجنة {بإيمانهم} أي بنور إيمانهم فيدخلونها {تجري من تحتهم5 الأنهار في جنات النعيم} . ونعيم الجنة روحاني وجسماني فالجسماني يحصلون عليه بقولهم: سبحانك اللهم، فإذا قال أحدهم هذه الجملة "سبحانك اللهم"6 حضر لديه كل مُشتهى له. والروحاني يحصلون عليه بسلام الله تعالى عليهم وملائكته {وتحيتهم فيها سلام} وإذا فرغوا من المآكل والمشارب قالوا: الحمد لله رب العالمين. وهذا معنى قوله {دعواهم فيها سبحانك اللهم} أي دعاؤهم أي صيغة طلبهم {وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم} أي دعائهم {أن} أي أنه: {الحمد لله رب العالمين} 7
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- التحذير من نسيان االآخرة والإقبال على الدنيا والجري وراء زخارفها.
2- التحذير من الغفلة بعدم التفكر بالآيات الكونية والقرآنية إذ هذا التفكير هو سبيل الهداية والنجاة من الغواية.
3- الإيمان والعمل الصالح مفتاح الجنة والطريق الهادي إليها.
4- نعيم الجنة روحاني وجسماني وهو حاصل ثلاث كلمات هي:
سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام. وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين.
__________
1 قال مجاهد: {يهديهم ربهم} بالنور على الصراط إلى الجنة بأن يجعل لهم نوراً يمشون به، وشاهده قوله تعالى: {يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات الخ} .
2 الدعوى هنا: بمعنى الدعاء يقال: دعوة بالهاء ودعوى بألف التأنيث وسبحان: مصدر بمعنى التسبيح الذي هو التنزيه.
3 {لا يرجون لقاءنا} معناه أنهم لا يطلبونه ولا يتوقعونه، ولازم ذلك أنهم لا يخافون عقاباً أخرويا ولا ثوابا.
4 أي: سكنت نفوسهم إليها وصرفوا كل همهم لها طلباً لتحصيل منافعها فلم يسعوا لتحصيل ما ينفع في الآخرة لأنهم سكنوا إلى الدنيا، والساكن لا يتحرّك ووصف بأنه لها يرضى لها يغضب ولها يفرح ولها يهتم ويحزن.
5 {من تحتهم} من تحت بساتنهم ومن تحت أسرّتهم كذلك وهو أحسن قي النزهة والفرجة.
6 إنه ثناء مسوق للتعرض إلى إفاضة النعيم من طعام وشراب وهو كما قال ابن أبي الصلت:
إذا أثنى عليك المرء يوما ... كفاه من تعرّضه الثناء
7 في الآية دليل على إطلاق لفظ التسبيح على الدعاء وشاهده: دعوة ذي النون: {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} وفيها دليل على مشروعية بل سنية بدء الطعام والشراب ببسم الله. وإنهائه بحمد الله تعالى كما هي السنة في ذلك.
****************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
16-03-2022, 04:45 PM
وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11) وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (12) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13) ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14)
شرح الكلمات:
الشر: كل ما فيه ضرر في العقل أو الجسم أو المال والولد، والخير عكسه: ما فيه نفع يعود على الجسم أو المال أو الولد.
لقضي إليهم أجلهم: لهلكوا وماتوا.
فنذر: أي نترك.
في طغيانهم يعمهون: أي في ظلمهم وكفرهم يترددون لا يخرجون منه كالعميان.
الضر: المرض وكل ما يضر في جسمه، أو ماله أو ولده.
مر كأن لم يدعنا: مضى في كفره وباطله كأن لم يكن ذاك الذي دعا بكشف ضره.
كذلك زين 1: مثل ذلك النسيان بسرعة لما كان يدعو لكشفه، زين للمسرفين إسرافهم في الظلم والشر.
القرون: أي أهل القرون.
بالبينات: بالحجج والآيات على صدقهم في دعوتهم.
خلائف: أي لهم، تخلفونهم بعد هلاكهم.
معنى الآيات:
هذه الفترة التي كانت تنزل فيها هذه السورة المكية كان المشركون في مكة في هيجان واضطراب كبيرين حتى إنهم كانوا يطالبون بنزول العذاب عليهم إذ ذكر تعالى ذلك عنهم في غير آية من كتابه منها {سأل سائل بعذاب واقع} ومنها {ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب} وفي هذا الشأن نزل قوله تعالى {ولو يعجِّل الله للناس الشر} 2 أي عند سؤالهم إياه3، أو فعلهم ما يقتضيه كاستعجاله الخير لهم {لقضي إليهم أجلهم} أي لهلكوا الهلاك العام وانتهى أجلهم في هذه الحياة، وقوله تعالى {فنذر الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون} أي لم نعجل لهم العذاب فنذر الذين لا يرجون لقاءنا أي لا يؤمنون بلقائنا وما عندنا من نعيم وجحيم نتركهم في طغيانهم في الكفر والظلم والشر والفساد يعمهون حيارى يترددون لا يعرفون مُتجهاً ولا مخرجاً لما هم فيه من الضلال والعمى.
هذا ما دلت عليه الآية الأولى (11) أما الآية الثانية (12) فقد تضمنت بيان حقيقة وهي أن الإنسان الذي يعيش في ظلمة الكفر ولم يستنر بنور الإيمان إذا مسه الضر وهو المرض والفقر وكل ما يضر دعا ربه على الفور لجنبه أو قاعداً أو قائماً يا رباه يا رباه فإذا استجاب الله له وكشف ما به من ضر مرَّ كأن لم يكن مرض ولا دعا واستجيب له واستمر في كفره وظلمه وغيِّه. وقوله تعالى {كذلك زُين للمسرفين ما كانوا يعملون} أي كما أن الإنسان الكافر سرعان ما ينسى ربه الذي دعاه ففرج ما به كذلك حال المسرفين في الظلم والشر فإنهم يرون ما هم عليه هو العدل والخير ولذا يستمرون في ظلمهم وشرهم وفسادهم. هذا ما دل عليه قوله تعالى {كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون} .
وقوله تعالى في الآية الثالثة {ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا} هذا خطاب لأهل مكة يخبرهم تعالى مهدداً إياهم بإمضاء سنته فيهم بأنه أهلك أهل القرون من قبلهم لَمَّا ظلموا أي أشركوا وجاءتهم رسلهم بالبينات4 أي بالآيات والحجج، وأبوْا أن يؤمنوا لِما ألفوا من الشرك والمعاصي فأهلكهم كعاد وثمود وأصحاب مدين وقوله تعالى {كذلك نجزي القوم المجرمين} أي مثل ذلك الجزاء بالإهلاك العام نجزي القوم المجرمين في كل زمان ومكان إن لم يؤمنوا ويستقيموا. وقوله تعالى {ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون} أي يقول لمشركي العرب من أهل مكة وغيرها، ثم جعلناكم خلائف5 في الأرض بعد إهلاك من قبلكم لننظر6 كيف تعملون فإن كان عملكم خيراً جزيناكم به وإن كان سوءاً جزيناكم به وتلك سنتنا في عبادنا وما الله بغافل عما يعمل الظالمون.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- مظاهر رحمة الله بعباده إذ لو عجل لهم ما يطلبون من العذاب كما يعجل لهم الخير عندما يطلبونه لأهلكهم وقضى إليهم أجلهم فماتوا.
2- يعصي الله العصاةُ ويكفر به الكافرون وبتركهم في باطلهم وشرهم فلا يعجل لهم العذاب لعلهم يرجعون.
3- بيان أن الإنسان الكافر يعرف الله عند الشدة ويدعوه ويضرع إليه فإذا نجاه عاد إلى الكفر به كأن لم يكن يعرفه.
4- استمرار المشركين على إسرافهم في الكفر والشر والفساد مُزين لهم7 حسب سنة الله تعالى. فمثلهم مثل الكافر يدعو عند الشدة وينسى عند الفرج.
5- وعيد الله لأهل الإجرام بالعذاب العاجل أو الآجل إن لم يتوبوا.
6- كل الناس أفراداً وأمماً مُمهَلُون مُراقَبُون في أعمالهم وسلوكهم ومَجزيون بأعمالهم خيرها وشرها لا محالة.
__________
1 قال القرطبي وهو صادق، كما زيّن لهذا الدعاء عند البلاء والإعراض عند الرخاء زيّن للمسرفين في الشرك والمعاصي أعمالهم في دلك.
2 فسّر الشرّ بالعقوبة إذ الشر كل ما يلحق الضرر بالإنسان عاجلاً أو آجلاً، والعقوبة كلها شر إذ هي عذاب انتقام ينزل بصاحبه.
3 قال مجاهد: هذه الآية نزلت في الرجل يدعر على نفسه أو ماله أو ولده إذا غضب. اللهم أهلكه اللهم لا تبارك فيه اللهم العنه فلو استجيب ذلك منه كما يستجاب الخير لقضى إليهم أجلهم. ولا أحسب أنّ الآية نزلت في هذا وإنما هي شاهد لما قال فقط، وشاهد آخر رواه البزار وأبو داود وهو قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لا تدعوا على أنفسكم لا تدعوا على أولادكم لا تدعوا على أموالكم لا توافقوا من الله ساعة فيها إجابة فيستجيب لكم".
4 أي: بالمعجزات الواضحات كالتي آتى بها موسى وعيسى عليهما السلام.
5 الخلائف: جمع خليفة وحرف ثم مُؤذن ببعد ما بين الزمانين، والأرض: هي أرض العرب إذ هم الذين خلفوا عاداً وثموداً وقبلهما طسما وجديساً.
6 هذا التعليل كقوله تعالى: {هو الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيّكم أحسن عملا} إذ علَّة الوجود هي أن يذكر الله ويشكر، فمن ذكره وشكره أكرمه وأسعده ومن كفره ونساه عذّبه وأشقاه.
7 شاهده قوله تعالى: {كذلك زيّنا لكلّ أمة عملهم} من سورة الأنعام.

ابوالوليد المسلم
16-03-2022, 04:46 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة يونس - (3)
الحلقة (474)
تفسير سورة يونس مدنية
المجلد الثانى (صـــــــ 456الى صــــ 459)


وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (16) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18)
شرح الكلمات:
لا يرجون لقاءنا: أي لا يؤمنون بالبعث والدار الآخرة.
من تلقاء نفسي: أي من جهة نفسي.
ولا أدراكم به: أي لا أعلمكم به.
عمراً من قبله: أي أربعين سنة قبل أن يوحى إليّ.
المجرمون: المفسدون لأنفسهم بالشرك والمعاصي.
ما لا يضرهم: أي إن لم يعبدوه.
ومالا ينفعهم: أي إن عبدوه.
أتنبئون: أي أتعلمون وتخبرون الله.
سبحانه: أي تنزيها له.
عما يشركون: أي به معه من الأصنام.
معنى الآيات:
ما زال السياق في تقرير قضايا أصول الدين الثلاث: التوحيد والوحي والبعث فقوله تعالى {وإذا تتلى عليهم آياتنا} أي إذا قرئت عليهم آيات الله عز وجل {قال الذين لا يرجون لقاءنا} 1 وهم المنكرون للبعث إذ به يتم اللقاء مع الله تعالى للحساب والجزاء. {إئت بقرآن غير هذا} أي بأن يكون خالياً من عيب آلهتنا وانتقاصها. أو أبَقه ولكن بدل كلماته بما لا يسوءنا فاجعل مكان آية فيها ما يسوءنا آية أخرى لا إساءة فيها لنا وقولهم هذا إما أن يكون من باب التحدي أو الاستهزاء والسخرية2 ولكن الله تعالى علَّم رسوله طريقة الرد عليهم بناء على ظاهر قولهم فقال له {قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي} أي إنه لا يتأتَّى لي بحال أن أبدله من جهة نفسي لأني عبد الله ورسوله ما اتبع إلا ما يوحى إلى {إني3 أخاف إن عصيت ربي} بتبديل كلامه {عذاب يوم عظيم} أي عذاب يوم القيامة وقوله {قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به} أي قل لهم رداً على طلبهم: لو شاء الله أن لا أتلوه عليكم ما تلوته عليكم، ولا أدراكم هو به أي ولا أعلَمكم فالأمر أمره وأنا لا أعصيه ويدل لكم على صحة ما أقول: إني لبثت فيكم عمراً4 أي أربعين سنة قبل أن آتيكم به {أفلا تعقلون} : معنى ما أقول لكم من الكلام وما أذكر لكم من الحجج؟.
هذا ما دلت عليه الآيتان الأولى والثانية (15- 16) أما الآية الثالثة فقد تضمنت التنديد بالمجرمين الذين يكْذِبون على الله تعالى بنسبة الشريك إليه ويكذِّبون بآياته ويجحدونها فقال تعالى {فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً} 5 أي لا أحد أظلم منه {أو كذب بآياته} بعدما جاءته أي لا أحد أظلم من الاثنين، وقوله تعالى {إنه لا يفلح المجرمون} دل أولاً على أن المذكورين مجرمون وأنهم لا يفلحون شأنهم شأن كل المجرمين. وإذا لم يفلحوا فقد خابوا وخسروا. وقوله تعالى في الآية الرابعة {ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم} أي من الأصنام {ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله} 6 وهم في ذلك كاذبون مفترون فلذا أمر الله أن يرد عليهم بقوله {قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض} إذ لو كان هناك من يشفع عنده لعلِمَهُم وأخبر عنهم فلم الكذب على الله والافتراء عليه ثم نزه الله تعالى نفسه عن الشرك به والشركاء له فقال {سبحانه وتعالى عما يشركون} .
هداية الآلات
من هداية الآيات
1- من الدعوة إلى الله تعالى تلاوة آياته القرآنية على الناس تذكيراً وتعليماً.
2- بيان ما كان عليه المشركون من تعنت وجحود ومكابرة.
3- كون النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عاش أربعين سنة لم يعرف فيها علماً ولا معرفة ثم برز في شيء من العلوم والمعارف فتفوق وفاق كل أحد دليل على أنه نبي يوحى إليه قطعاً.
4 - لا أحد أظلم من أحد رجلين رجل يكذب على الله تعالى وآخر يكذِّب الله تعالى.
5- إبطال دعوى المشركين أن آلهتهم تشفع لهم عند الله يوم القيامة.
6- بيان سبب عبادة المشركين لآلهتهم وهو رجاؤهم شفاعتها لهم.
__________
1 عن مجاهد: أن المطالبين بهذا هم خمسة أنفار: عبد الله بن أميّة والوليد بن المغيرة، ومكرز بن حفص، وعمرو بن عبد الله بن أبي قيس والعاصي بن عامر قالوا للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إئت بقرآن ليس فيه ترك عبادة الأصنام واللاّت والعزّى ومناة وهبل وليس فيه عيبها.
2 وإمّا أن يكون من باب توهمهم أن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأتي به من تلقاء نفسه إلاّ أنّ هذا الاحتمال ضعيف.
3 جملة: {إنّي أخاف} جملة تعليلية لجملة: {إن أتبع إلا ما يوحى إليّ} .
4العمر: الحياة مشتق من العمران، لأنّ مدة الحياة يعمر بها الحي العالم الأرضي، ويطلق العمر على المدة الطويلة التي لو عاش الإنسان مقدارها لكان أخذ حظه من البقاء. والمراد من قوله {عمراً} أي: لبثت بينكم مدة عمر كامل. إذ هي أربعون سنة.
5 في هذه الآية زيادة ردَّ على المطالبين بتبديل القرآن إذ تبديله ظلم والزيادة فيه كذب على الله تعالى ولا أحد أظلم ممن يفترى على الله الكذب، فكيف يسوغ لي أن افتري على الله الكذب أو أبدل كلامه.
6 إن قولهم: هؤلاء {شفعاؤنا} لأصنام لا تنفع ولا تضر ولا تسمع ولا تبصر هو غاية الجهل، ومرادهم من شفاعتها أنها تشفع لهم عند الله في إصلاح معاشهم في الدنيا.
******************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
16-03-2022, 04:47 PM
وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19) وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلّهِ فَانْتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ (20)
شرح الكلمات:
أمة واحدة: أي على دين واحد هو الإسلام.
فاختلفوا: أي تفرقوا بأن بقى بعض على التوحيد وبعض على الشرك.
كلمة سبقت: بإبقائهم إلى آجالهم ومجازاتهم يوم القيامة.
آية: خارقة كناقة صالح عليه السلام.
إنما الغيب لله: أي إن علم الآية متى تأتي من الغيب والغيب لله وحده فلا أنا ولا أنتم تعلمون إذاً فانتظروا إنا معكم من المنتظرين.
معنى الآيتين:
يخبر تعالى رسوله بحقيقة علمية تاريخية من شأن العلم بها المساعدة على الصبر والتحمل فيقول {وما كان الناس إلا أمة واحدة} أي في زمن سابق أمة واحدة على دين التوحيد دين الفطرة ثم حدث أن أحدثت لهم شياطين الجن والإنس البدع والأهواء والشرك فاختلفوا فمنهم من ثبت على الإيمان والتوحيد ومنهم من كفر بالشرك والضلال. وقوله تعالى {ولولا كلمة سبقت من ربك} 1 وهي أنه لا يعجل العذاب للأمم والأفراد بكفرهم وإنما يؤخرهم إلى آجالهم ليجزيهم في دار الجزاء بعذاب النار يوم القيامة لولا كلمته والتي هي {لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين} لعجل لهم العذاب فحكم بينهم بأن أهلك الكافر وأنجى المؤمن.
هذا ما دلت عليه الآية الأولى (19) أما الآية الثانية (20) فيخبر تعالى عن المشركين أنهم قالوا {لولا أنزل عليه آية من ربه} 2 أي هلاَّ أُنزل على محمد آية خارقة من ربه لنعلم ونستدل بها على أنه رسول الله وقد يريدون بالآية عذاباً فلذا أمر الله رسوله أن يرد عليهم بقوله {إنما الغيب لله} فهو وحده يعلم متى يأتيكم العذاب وعليه {فانتظروا إني معكم3 من المنتظرين} ولم تطل مدة الانتظار ونزل بهم العذاب ببدر فهلك رؤساؤهم وأكابر المستهزئين.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- الأصل هو التوحيد والشرك طارىء.
2- الشر والشرك هما اللذان يحدثان الخلاف في الأمة والتفرق فيها أما التوحيد والخير فلا يترتب عليهما خلاف ولا حرب ولا فرقة.
3- بيان علة بقاء أهل الظلم والشرك يظلمون ويفسدون إلى آجالهم.
4- الغيب كله لله فلا أحد يعلم الغيب إلا الله ومن علَّمه الله شيئاً منه وهذا خاص بالرسل لإقامة الحجة على أممهم.
__________
1 في الآية إشارة إلى القضاء والقدر أي: لولا ما سق في حكمه أنه لا يقضي بينهم فيما اختلفوا فيه بالثواب والعقاب قبل يوم القيامة.
2 يريدون معجزة كمعجزات صالح وموسى وعيسى عليهم السلام أو آية غير القرآن كأن يحيي لهم الموتى أو يجعل الجبل ذهباً أو يكون له بيت من زخرف.
3 في الجملة تعريض بتهديدهم على جراءتهم على الله ومطالبتهم بالآيات، والآيات القرآنية معرضون عنها وهي أعظم مما يطلبون.

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
16-03-2022, 04:49 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة يونس - (4)
الحلقة (475)
تفسير سورة يونس مدنية
المجلد الثانى (صـــــــ 460الى صــــ 465)

وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (21) هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23)
شرح الكلمات:
رحمة: أي مطر بعد قحط أو صحة بعد مرض أو غنى بعد فاقة.
ضراء: حالة من الضر بالمرض والجدب والفقر.
مكر في آياتنا: أي استهزاء بها وتكذيب.
إن رسلنا: أي الحفظة من الملائكة.
يسيركم1: أي يجعلكم تسيرون بما حولكم من مراكب وما يسر لكم من أسباب.
بريح طيبة.: أي مناسبة لسير السفن موافقة لغرضهم.
ريح عاصف: أي شديدة تعصف بالشجر فتقتلعه والبناء فتهدمه.
وأحيط بهم: أي أحدق بهم الهلاك من كل جهة.
يبغون بغير الحق2: أي يظلمون مجانبين للحق والاعتدال.
معنى الآيات:
ما زال السياق في دعوة أهل مكة إلى توحيد الله والإيمان برسوله والدار الآخرة فيقول
تعالى {وإذا أذقنا الناس} أي كفار مكة {رحمة من بعد ضراء مستهم} أي أذقناهم طعم الرحمة التي هي المطر بعد الجفاف والغنى بعد الفاقة والصحة بعد المرض وهي الضراء التي مستهم فترة من الزمن. يفاجئونك3 بالمكر بآيات الله وهو استهزاؤهم بها والتكذيب بها وبمن أُنزلت عليه. وقوله تعالى {قل الله أسرع مكراً} أي قل يا رسولنا لهؤلاء الماكرين من المشركين الله عز وجل أسرع مكراً منكم فسوف يريكم عاقبة مكره بكم وهي إذلالكم وخزيكم في الدنيا وعذابكم في الآخرة إن متم على كفركم وقوله {إن رسلنا يكتبون ما تمكرون} تقرير لما أعلمهم به من مكر الله تعالى بهم إذ كتابة الملائكة ما يمكرون دليل على تبييت الله تعالى لهم المكروه الذي يريد أن يجازيهم به على مكرهم.
هذا ما تضمنته الآية الأولى (21) أما الآية الثانية (22) فهي تُري المشركين ضعفهم وعجزهم وحاجتهم إلى الله تعالى، ومن كان كذلك فكيف يستهزىء بربه ويسخر من آياته ويكذب رسوله إن أمرهم لعجب فيقول تعالى هو أي الله الذي تمكرون بآياته الذي يسيركم في البر بِما خلق لكم من الظهر الإبل والخيل والحمير، وفي البحر بما سخر لكم من الفلك تجري في البحر بأمره. حتى إذا كنتم في البحر وجرين4 أي السفن بهم أي بالمشركين بريح طيبة مناسبة لسير السفن وفرحوا بها على عادة ركاب5 البحر يفرحون بالريح المناسبة لسلامتهم من المَيَدَان6 والقلق والاضطراب. جاءتها أي السفن ريح عاصف أي شديدة الهبوب تضطرب لها السفن ويخاف ركابها الغرق، وجاءهم أي الكفار الراكبين عليها الموج من كل مكان من جهات البحر والموج هو ارتفاع ماء البحر وتموجه كزوابع الغُبور في البر. وظنوا أي أيقنوا أو كادوا أنهم أحيط بهم أي هلكوا {دعوا الله مخلصين
له الدين} أي الدعاء يا رب يا رب7 نجنا ويَعِدُونَه قائلين {لئن أنجيتنا من هذه} أي الهلكة {لنكونن من الشاكرين} لك أي المطيعين المعترفين بنعمتك علينا الموحدين لك بترك الآلهة لعبادتك وحدك لا شريك لك. فلما أنجاهم من تلك الشدة يفاجئونك ببغيهم في الأرض بغير الحق شركاً وكفراً وظلماً وفساداً فعادوا لما كانوا وإنهم لكاذبون وقوله تعالى {يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا} يخبرهم تعالى بقوله يا أيها الناس الباغون في الأرض بغير الحق في أي زمان كنتم وفي أي مكان وجدتم إنما بغيكم8 أي عوائده عائدة على أنفسكم إذ هي التي تتأثم وتخبث في الدنيا وتفسد وتصبح أهلاً لعذاب الله يوم القيامة وقوله {متاع الحياة الدنيا} أي ذلك متاع9 الحياة الدنيا شقاء كان أو سعادة {ثم إلينا مرجعكم} أي لا إلى غيرنا وذلك بعد الموت يوم القيامة {فننبئكم بما كنتم تعملون} من خير وشر ونجزيكم به الجزاء العادل في دار الجزاء.
هداية الآيات
من هداية الآيات
1- من مكر مكر الله به والله أسرع مكراً وأكبر أثراً وضرراً.
2- بيان ضعف الإنسان وفقره إلى الله وحاجته إليه عز وجل في حفظ حياته وبقائه إلى أجله.
3- إخلاص العبد الدعاء في حال الشدة آية أن التوحيد أصل والشرك طارىء.
4- المشركون الأولون أحسن حالاً من جهلة هذه الأمة إذ يشركون في الرخاء ويخلصون في الشدة أما جهال المسلمين اليوم فشركهم دائم في الرخاء والشدة على السواء.
5- بَغْيُ الإنسان عائد على نفسه كمكره ونكثه وفى الحديث "ثلاث على أصحابها رواجع: البغي والمكر والنكث".
6- تقرير مبدأ البعث والجزاء يوم القيامة.
__________
1 قرأ ابن عامر ينشركم بالنون والشين أي يبثكم ويفرقكم والفلك: يطلق على الواحد والجمع ويذكر ويؤنث.
2 البغي: الاعتداء والظلم مأخوذ من بغا الجرح إذا فسد فهو من الفساد.
3 قيل: إنّ أبا سفيان قال: قحطنا بدعائك فإن سقيتنا صدّقناك فسُقوا باستسقائه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يؤمنوا وهذا من مكرهم.
4 وجرين بهم: فيه خروج من الخطاب إلى الغيبة وهو ضرب من الأساليب البلاغية وهر في القرآن كثير، وكذا في أشعار العرب قال النابغة:
لا دار مية بالعلياء فالسند ... أقوت وطال عليها سالف الأمد
ويقال له: التفات من كذا إلى كذا.
5 في الآية دليل على جواز ركوب البحر مطلقاً، وشاهده من السنة حديث: "إنّا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فقال: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته" وحديث أم حرام يدلّ على جواز ركوبه في الغزو.
6 الميدان: دوّار أو غشيان بصيب راكب البحر.
7 روي أنهم قالوا في دعائهم هذا يا حي يا قيوم.
8 مصداقه من الحديث الشريف: "ما من ذنب أحق أن يعجّل الله عقوبته في الدنيا مع ما يدخر الله لصاحبه في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم".
9 المتاع: ما يتمتع به انتفاعاً غير دائم.
****************************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
16-03-2022, 04:49 PM
إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (25)
شرح الكلمات:
مثل الحياة الدنيا: أي صفتها المنطبقة عليها المُتَّفِقة معها.
ماء: أي مطر.
فاختلط1 به: أي بسببه نبات الأرض أي اشتبك بعضه ببعض.
مما يأكل الناس: كالبر وسائر الحبوب والفواكه والخضر.
والأنعام: أي من الكلأ والعشب عادة وإلا قد يعلف الحيوان الشعير.
زخرفها2: أي نضرتها وبهجتها.
وازينت3: أي تجملت بالزهور.
وظن أهلها أنهم قادرون عليها: أي متمكنون من تحصيل حاصلاتها الزراعية.
أتاها أمرنا: أي قضاؤنا بإهلاكها وتدميرها عقوبة لأصحابها.
حصيداً: أي كأنها محصودة بالمنجل ليس فيها شيء قائم.
كأن لم تغن بالأمس4: أي كان لم تكن موجودة غانية بالأمس.
نفصل الآيات: أي نبينها.
والله يدعو إلى دار السلام5: دار السلام. الجنة والله يدعو إليها عباده ليأخذوا بالأهبة لدخولها وهى الإيمان والعمل الصالح وترك الشرك والمعاصي.
معنى الآيتين:
ما زال السياق الكريم يعرض الهدايات الإلهية على الناس لعلهم يهتدون ففي هذه الآية يضرب تعالى6 مثلا للحياة الدنيا التي يتكالب الغافلون عليها ويبيعون آخرتهم بها فيكذبون ويظلمون من أجلها إنما مثلها في نضارتها الغارة بها وجمالها الخادعة به كمثل ماء نزل من السماء فاختلط بالماء نبات الأرض فسقى به ونما وازدهر وأورَق وأثمر وفرح به أهله وغلب على ظنهم أنهم منتفعون به فائزون به وإذا بقضاء الله فيه تأتيه فجأة في ساعة من ليل أو نهار فإذا هو حصيد ليس فيه ما هو قائم على ساق، هشيم تذروه الرياح كأن لم لم يغْن بالأمس أي كأن لم يكن موجوداً أمس قائماً يعمُر مكانه أتاه أمر الله لأن أهله ظلموا فعاقبهم بجائحة أفسدت عليهم زرعهم فأمسوا يائسين حزينين. هذه الصورة المثالية للحياة الدنيا فهلا يتنبه الغافلون أمثالي!! أو هلا يستيقظ النائمون من حالهم كحالي؟؟
وقوله تعالى في الآية الثانية (25) {والله يدعو إلى دار السلام} 7 أي بترك الشرك والمعاصي والإقبال على الطاعات والصالحات ودار السلام الجنة إذ هي الخالية من الكدر والتنغيص فلا مرض ولا هرم، ولا موت ولا حزن. ودعاة الضلالة يدعون إلى الدنيا والتي صورتها ومآلها. أنها دار الكدر والتنغيص والهم والحزن فأي الدعوتين تجاب؟ {ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} فلتطلب هدايته بصدق فإنه لا يهدي إلا هو والصراط المستقيم هو الإسلام طريق الجنة وسُلَّم الوصول إليها رزقنا الله تعالى السير فيه والثبات عليه.
هداية الآيتين.
من هداية الآيتين:
1- بيان الصورة الحقيقية للحياة الدنيا في نضرتها وسرعة زوالها.
2- التحذير من الاغترار بالدنيا والركون إليها.
3- التحذير من الذنوب فإنها سبب الشقاء وسلب النعم.
4- فضيلة التفكر وأهله.
__________
1 أي: اختلط النبات بالمطر أي: شرب منه فتندى وحسن واخضر والاختلاط هو: تداخل الشيء في الشيء.
2 الزخرف: اسم للذهب، ويطلق على كل ما يزيّن به مما فيه ذب وتلوين من الثياب والحلي وأنواع الزينة.
3 {وازينت} أصلها: تزينت فقلبت ألتاء زايا وأدغمت في الزاء لقرب مخرجيهما وجلبت همزة الوصل لأجل النطق بالساكن.
4 كأن لم تكن عامرة يقال غني بالمكان إذا قام به وعمره والمغاني النازل التي يعمرها الناس قال لبيد
وغنيت سبتاً قبل مجرى داحس ... لو كان للنفس اللجوج خلود
5 وقبل المعنى والله يدعو إلى دار السلام إذ السلام والسلامة بمعنى كالرضاعة والرضاع، قال الشاعر:
تحيي بالسلامة أم بكر ... وهل لك بعد قومك في سلام
6 المثل الصفة وعليه فصفة الحياة الدنيا المنطبقة عليها أنها في سرعة انقضائها وزوال نعيمها بعد البهجة والنضرة الحسنة كنبات أخضر وازدهر ثم يبس فصار هشيماً تذروه الرياح.
7 روي أن الني صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج يوماً على أصحابه فقال: "رأيت في المنام كأن جبريل عند رأسي وميكائيل عند رجلي فقال أحدهما لصاحبه: اضرب له مثلاً فقال له اسمع سمعت أذناك واعقل عقل عقلك إنما مثلك ومثل أمتك كمثل ملك اتخذ داراً ثم بنى فيها بيتاً ثم جعل فيها مأدبة ثم بعث رسولاً يدعو الناس إلى طعامه فمنهم من أجاب الرسول ومنهم من تركه فالله الملك والدار الإسلام والبيت الجنة وأنت يا محمد الرسول فمن أجابك دخل في الإسلام ومن دخل في الإسلام دخل الجنة ثم تلا: {والله يدعو إلى دار السلام} إلى قوله {مستقيم} .

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
16-03-2022, 04:52 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة يونس - (5)
الحلقة (476)
تفسير سورة يونس مدنية
المجلد الثانى (صـــــــ 465الى صــــ 465)

لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ1 وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26) وَالَّذِينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ جَزَاء سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُم مِّنَ اللهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (27) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُم مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ (28) فَكَفَى بِاللهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ (29)هُنَالِكَ تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ وَرُدُّواْ إِلَى اللهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ (30)
شرح الكلمات:
الحسنى وزيادة: الحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله الكريم.
ولا يرهق وجوههم: أي لا يغشى وجوههم.
قتر: غَبرة من الكآبة والحزن.
السيآت: جمع سيئة ما يُسيء إلى النفس من ذنوب الشرك والمعاصي.
مكانكم: أي الزموا مكانكم لا تفارقوه.
فزيلنا بينهم: فرقنا بينهم.
هنالك: أي ثَمَّ.
تبلو كل نفس: أي تَختبر.
ما أسلفت: أي ما قدمت.
وضل عنهم ما كانوا يفترون: أي غاب عنهم ما كانوا يكذبون.
معنى الآيات:.
بعد أن ذكر تعالى في الآية السابقة أنه يدعو إلى دار السلام ذكر جزاء من أجاب الدعوة ومن لم يجبها فقال للذين أحسنوا فآمنوا وعبدوا الله بما شرع ووحدوه تعالى في عبادته وربوبيته وأسمائه وصفاته فهؤلاء جزاؤهم الحسنى وهي الجنة وزيادة وهي النظر إلى وجهه الكريم في دار السلام، وأنهم إذا بعثوا لا يرهق2 وجوههم قتر ولا ذلة كما يكون ذلك لمن لم يجب دعوة الله تعالى، وقرر جزاءهم ووضحه بقوله: {أولئك أصحاب الجنة هم3 فيها خالدون} وذكر جزاء من أعرض عن الدعوة ورفضها فأصر على الكفر والشرك والعصيان
فقال {والذين كسبوا السيآت جزاء سيئة بمثلها} فالذين كسبوا سيآت الشرك4 والمعاصي فأساء ذلك إلى نفوسهم فدساها وخبثها جزاؤهم جهنم وترهقهم ذلة في عرصات القيامة وليس لهم من الله من عاصم يعصمهم من عذاب الله. كأنما وجوههم لسوادها قد أغشيت قطعاً من5 الليل مظلماً وقوله تعالى {أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} تقرير لمصيرهم والعياذ بالله وهو ملازمة النار وعدم الخروج منها بخلودهم فيها.
هذا ما دلت عليه الآيتان الأولى (26) والثانية (27) أما الآيات الثالثة والرابعة والخامسة فإنها تضمنت عرضاً سريعاً لحشر الناس يوم القيامة، والمراد بذلك تقرير عقيدة الإيمان باليوم الآخر فقال تعالى: {ويوم نحشرهم جميعاً} 6 أي في عرصات القيامة {ثم نقول للذين أشركوا} أي بِنا آلهة عبدوها دوننا {مكانكم} أي قفوا لا تبرحوا مكانكم {أنتم وشركاؤكم} ، ثم يزايل الله تعالى أي يفرق بينهم وهو معنى قوله تعالى {فزيلنا بينهم} ولا شك أنهم يقولون ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين ندعو من دونك فلذا ذكر تعالى ردهم عليهم في قوله {وقال شركاؤهم7 ما كنتم إيانا تعبدون} أي لأننا ما كنا نسمعكم ولا نبصركم ولا أمرناكم بعبادتنا وهذا قول كل من عُبد من دون الله من سائر الأجناس {فكفى بالله شهيداً بيننا وبينكم إن كنا} أي والله {إن كنا عن عبادتكم لغافلين} غير شاعرين بحال من الأحوال بعبادتكم. قال تعالى {هنالك} أي في ذلك الموقف الرهيب {تبلو كل نفس ما أسلفت} أي تَختبر ما قدمت في دنياها وتعرفه هل هو ضارٌ بها أو نافع لها {وردوا إلى الله مولاهم8 الحق9 وضل عنهم ما كانوا يفترون} هكذا يجدون أنفسهم أمام مولاهم ومالك
أمرهم ومعبودهم الحق والذي طالما كفروا به وتنكروا له وجحدوا آياته ورسله وضل10 أي غاب عنهم ما كانوا يفترونه من الأكاذيب والترهات والأباطيل من تلك الأصنام التي سموها آلهة وعبدوها وندموا يوم لا ينفع الندم وجزاهم بما لم يكونوا يحتسبون.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- بيان فضل الحسنة وما تعقبه من نيل الحسنى.
2- بيان سوء السيئة وما تورثه من حسرة وندامة وما توجبه من خسران.
3- تقرير معتقد البعث والجزاء بعرض صادق وأضح له.
4- تبرؤ ما عُبد من دون الله من عابديه وسواء كان المعبود ملكاً أو إنساناً أو جاناً أو شجراً أو حجراً الكل يتبرأ من عابديه ويستشهد الله تعالى عليه.
5- في عرصات القيامة تعلم كل نفس ما أحضرت، وما قدمت وأخرت وتبلو ما أسلفت فتعرف وأنى لها أن تنتفع بما تعرف؟.
__________
1 القول بأن الزيادة هما النظر إلى وجه الله الكريم هو قول أنس بن مالك وأبي بكر الصديق وعليّ بن أبي طالب وحذيفة وابن عباس وعامة الصحابة رورى مسلم أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا دخل أهل الجنة الجنة قال الله تبارك وتعالى تريدون شيئاً أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار قال فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل".
2 الرهق: الغشيان، يقال رهقه يرهقه رهقاً: إذا غشيه من باب خرج.
3 اسم الإشارة عائد إلى الذين أحسنوا.
4 ذكرنا في التفسير: كسبوا الشرك والمعاصي لأن الشرك هو الموجب للخلود في النار لا المعاصي، بدليل الحكم عيهم بالخلود في النار في آخر السياق.
5 جمع قطعة، وهي الجزء من الشيء فهي فعلة بمعنى مفعولة إذ هي مقطوعة من شيء كامل. والمظلم: الإظلام لا كواكب فيه ولا قمر.
6 أي: سعداء وأشقياء أهل الحسن وأهل الذلة، إذ الحشر يكون لسائر الخلائق لا يتخلف أحد من الخلق.
7 الشركاء: يكونون من الأصنام والأوثان والملائكة والإنس والجنّ والتبرؤ حاصل إذ ليس هناك من يقوى على الاعتراف بجريمة الشرك، إمّا الملائكة والأنبياء والصالحون فإنهم لم يكونوا راضين بعبادة المشركين لهم فتبرّؤهم صحيح، وأمّا الأصنام والأوثان فإنها لم تأمر بعبادتها وإنما الذي أمر بعبادتها الشياطين فتبرؤها صحيح.
8 مولاهم: الخالق، الرازق، المدبر لأمررهم وشؤون حياتهم والمستوجب لعبادتهم هو الله جل جلاله، فهو مولاهم الحق، لا الذي اختلقوه كذبا وعبدوه من دون الله فذاك مولىً باطل وإله مكذوب.
9 الحق: هو الموافق للواقع والصدق، فالمولوية الحقة لله تعالى لا لمخلوقاته، وكلها مخلوقة له مربوبة.
10 ضلّ: بمعنى ضاع وغاب ولم يجدوه ولم ينتفعوا به، فما كانوا يختلقونه من الآلهة الباطلة وما كانوا يقدّمونه لها من أنواع العبادات قد ضاع وغاب عنهم فلم يروه.
****************************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
16-03-2022, 04:52 PM
قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ (31) فَذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32) كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُواْ أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (33)
شرح الكلمات:
من السماء: أي بالغيث والمطر.
والأرض: أي بالنبات والحبوب والثمار.
أمّن يملك السمع والأبصار: أي يملك أسماعكم وأبصاركم إن شاء أبقاها لكم وإن شاء سلبها منكم.
ومن يخرج الحي من الميت: أي الجسم الحي من جسم ميت والعكس كذلك.
ومن يدبر الأمر: أي أمر الخلائق كلها بالحياة والموت والصحة والمرض والعطاء والمنع.
أفلا تتقون: أي الله فلا تشركوا به شيئاً ولا تعصوه في أمره ونهيه.
فأنى تصرفون: أي كيف تصرفون عن الحق بعد معرفته والحق هو أنه لا اله إلا الله.
حقت: أي وجبت.
أنهم لا يؤمنون: وذلك لبلوغهم حداً لا يتمكنون معه من التوبة البتة.
معنى الآيات:
ما زال السياق في تقرير عقيدة التوحيد فيقول تعالى لرسوله {قل} يا رسولنا لأولئك المشركين مستفهماً إياهم {من يرزقكم من السماء والأرض} بإنزال المطر وبانبات الحبوب والثمار والفواكه والخضر التي ترزقونها، وقل لهم {أم من يملك السمع والأبصار} أي أسماعكم وأبصاركم بحيث إن شاء أباقاها لكم وأمتعكم بها، وإن شاء أخذها منكم وسلبكم إياها فأنتم عمي لا تبصرون وصم لا تسمعون {ومن يخرج الحي من الميت} كالفرخ من البيضة {ويخرج الميت من الحي} كالبيضة من الدجاجة، والنخلة من النواة، والنواة من1 النخلة. {ومن يدبر الأمر} في السماء والأرض كتعاقب الليل والنهار ونزول الأمطار، وكالحياة والموت والغنى والفقر والحرب والسلم والصحة والمرض إلى غير ذلك مما هو من مظاهر التدبير الإلهي في الكون. {فسيقولون الله} ، إذ لا جواب لهم إلا هذا إذاً فما دام الله هو الذي يفعل هذا ويقدر عليه دون غيره كيف لا يُتَّقى عز وجل بتوحيده وعدم الإشراك به، فلم لا تتقونه؟2
وقوله تعالى {فذلكم الله ربكم الحق} 3 أي فذلكم الذي يرزقكم من السماء والأرض ويخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويدبر الأمر هو ربكم4 الحق الذي لا رب لكم سواه إذاً {فماذا بعد الحق إلا الضلال، 5 فأنى تصرفون} أي كيف يصرفون عن الحق بعد معرفته إلى الضلال؟ إنه أمر يدعو إلى الاستغراب والتعجب!
وقوله تعالى {كذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون} أي مثل ذلك الصرف الذي يصرفه المشركون عن الحق بعد معرفته إلى الضلال أي كما حق ذلك حقت كلمة ربك وهي أن الله لا يهدي القوم الفاسقين فهم لا يهتدون، وذلك أن العبد إذا توغل في الشر والفساد بالإدمان والاستمرار عليه يبلغ حداً لا يتأتَّى له الرجوع منه والخروج بحال فهلك على فسقه لتحق عليه كلمة العذاب وهي {لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين} .
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- مشركوا العرب كانوا يشركون في الألوهية ويوحدون في الربوبية.
2- وليس بنافع أن يوحد العبد في الربوبية ويشرك في الألوهية.
3- ليس بعد الحق6 إلا الضلال فلا واسطة بينهما فمن لم يكن على حق فهو على ضلال.
4- التوغل في الشر والفساد يصبح طبعاً لصاحبه فلا يخرج منه حتى يهلك به.
__________
1 وكالنطفة من الإنسان، والإنسان من النطفة، ومثلها نطفة الحيوان مخرجها من حيوان حي، ومن الحيوان الحي تخرج نطفة ميتة.
2 أي: فقل لهم يا رسولنا: أفلا تتقون: أي: أفلا تخافون عقابه ونقمه في الدنيا والآخرة.
3 في الصحيح من دعاء الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قام من جوف الليل يقول "اللهم أنت الحق ووعدك الحق ولقاؤك حق.." في حديث طويل هذا من وسطه، والشاهد في قوله: "أنت الحق".
4 أي: إلهكم ومعبودكم الحق لا ما تعبدون من أصنام وأوثان فإذا عرفتم إلهكم الحق فإنّ ما بعده من آلهة هو الضلال.
5 روي عن مالك في قوله تعالى: {فماذا بعد الحق إلا الضلال} قال: اللعب بالشطرنج والنرد: هو الضلال، وسئل عن الغناء فقال: هل هو حق؟ قالوا: لا. قال فما بعد الحق إلاّ الضلال. وفي صحيح مسلم: "من لعب بالنرد شير فكأنما غمس يده في لحم خنزير ودمه".
6 روي عن عمر رضي الله عنه أنه رخّص فيما كان فيه دربة على الحرب من أنواع اللعب، إذ الغرض صحيح، وهو تعلم فنون الحرب، وحذق أساليبها.

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
16-03-2022, 04:56 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة يونس - (6)
الحلقة (477)
تفسير سورة يونس مدنية
المجلد الثانى (صـــــــ 471الى صــــ 475)


قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (34) قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35) وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (36)
شرح الكلمات:
من شركائكم1: جمع شريك وهو من أشركوه في عبادة الله تعالى.
من يبدأ الخلق: أي ينشيء الإنسان والحيوان أول ما ينشئه فذلك بدء خلقه.
فأنى تؤفكون: أي كيف تصرفون عن الحق بعد معرفته.
أمَّن لا يَهِدِّي: أي لا يهتدي.
كيف تحكمون: أي هذا الحكم الفاسد وهو إتباع من لا يصح اتباعه لأنه لا يهدي.
معنى الآيات:
ما زال السياق في حجاج المشركين لبيان الحق لهم ودعوتهم إلى اتباعه فيقول تعالى لرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قل لهؤلاء المشركين {قل هل من شركائكم2 من يبدأ الخلق ثم يعيده؟} أي هل يوجد من بين آلهتكم التي تعبدونها من يبدأ خلق إنسان من العدم ثم يميته، ثم يعيده؟ وجوابهم معروف وهو لا يوجد إذاً فكيف تؤفكون أي تصرفون عن الحق بعد معرفته والإقرار به؟ وقل لهم أيضاً {قل هل3 من شركائكم من يهدي إلى الحق} أي يوجد من آلهتكم من يهدي إلى الحق؟ والجواب لا يوجد لأنها لا تتكلم ولا تعلم إذاً فقل لهم الله يهدي إلى الحق أي بواسطة نبيه ووحيه وآياته.
وقل لهم {أفمن يهدي إلى4 الحق أحق أن يتبع أمَّن لا يهدي إلا أن يهدى} 5 والجواب معروف الذي يهدي إلى الحق أحق بأن يتبع ممن لا يهتدي إلا أن يُهدى، إذاً لم لا تتقون
الله فتوحدوه وتؤمنوا برسوله وكتابه فتهتدوا، وتتركوا آلهتكم التي لا تهدي إلى الحق؟ {فما لكم} أي أيُّ شيء ثبت لديكم في ترك عبادة الله لعبادة غيره من هذه الأوثان، {كيف تحكمون} أي حكم هذا تحكمون به وهو اتباع من لا يهدي وترك عبادة من يهدي إلى الحق. وقوله تعالى {وما يتبع أكثرهم إلا ظناً} 6 أي أن أكثر هؤلاء المشركين لا يتبعون في عبادة أصنامهم إلا الظن فلا يقين عندهم في أنها حقاً آلهة تستحق العبادة، {إن الظن لا يغني من الحق شيئاً} أي إن الظن لا يكفي عن العلم ولا يغني عنه أي شيء من الإغناء، والمطلوب في العقيدة العلم لا الظن7. وقوله تعالى {إن الله عليم بما يفعلون} هذه الجملة تحمل الوعيد الشديد لهم على إصرارهم على الباطل وعنادهم على الحق فسيجزيهم بذلك الجزاء المناسب لظلمهم وعنادهم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- تقرير التوحيد بإبطال الآلهة المزعومة حيث اعترف عابدوها بأنها لا تبدأ خلقاً ولا تعيده بعد موته، ولا تهدي إلى الحق، والله يبدأ الخلق ثم يعيده ويهدي إلى الحق.
2- إبطال الأحكام الفاسدة وعدم إقرارها ووجوب تصحيحها.
3- لا يقبل الظن في العقائد بل لا بد من العلم اليقيني فيها.
4- كراهية القول بالظن والعمل به وفي الحديث (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث) .
__________
1 أي: آلهتكم ومجوداتكم من الأصنام والأوثان.
2 يقول لهم: (هل) على جهة التوبيخ والتقرير، فان أجابوك فذاك وإلا فقل الله يبدأ الخلق.
3 هذا الاستفهام كالأول للتوبيخ والتقرير فان أجابوا فذاك المطلوب لهان لم يجيبوا فأجب أنت بقولك: الله يبدأ الخلق.
4 هذا الاستفهام؟ كسابقيه للتوبيخ والتقرير ثم إقامة الحجة.
5 في: {أمّن لا يهدي} قراءات منها: (لا يهدي) ، بالتخفيف. (لا يهدّي) بتشديد الدال، وفتح الهاء وهي قراءة ورش، و (لا يَهدي) بكسر الهاء، وتشديد الدال وهي قراءة حفص.
6 في الآية دليل على أن عابدي غير الله تعالى ليسوا سواء في الاعتقاد الباعث لهم على عبادتها بل أكثرهم لا يتبعون في عبادتها إلا مجرّد الظن، والبعض الآخر القليل لا اعتقاد لهم إلا اتباع غيرهم وتقليد سواهم من رؤسائهم، وأهل الكلمة فيهم، فكلا الفريقين هالك.
7 الظن يطلق على مراتب الإدراك، فيطلق على الاعتقاد الجازم الذي لا شك فيه كقوله تعالى: {إني ظننت أني ملاق حسابيه} ويطلق على الاعتقاد المشكوك فيه كقول قوم نوح لنوح: {وإنا لنظنّك من الكاذبين} ويطلق على الاعتقاد المخطىء كآية: {إن بعض الظن إثم} وحديث: "فإن الظن أكذب الحديث".
*************************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
16-03-2022, 04:56 PM
وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (37) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38) بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39)
شرح الكلمات:
أن يفترى من دون الله: أي افتراء أي لم يكن هذا القرآن افتراء.
وتفصيل الكتاب: أي بيان ما فرض الله تعالى على هذه الأمة وما أحل لها وما حرم.
أم يقولون افتراه.: أي اختلقه من نفسه وَتَقوَّلَه من عنده.
بما لم يحيطوا بعلمه: أي بما توعدهم الله تعالى به من العذاب.
ولما يأتهم تأويله: أي ولما يأتهم بعد ما يؤول إليه ذلك الوعيد من العذاب.
كذلك كذب الذين من قبلهم: أي كتكذيب هؤلاء بوعد الله لهم كذب الذين من قبلهم.
معنى الآيات:
هذه الآيات في تقرير عقيدة الوحي وإثبات نبوة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال تعالى: {وما كان هذا1 القرآن} أي لم يكن من شأن هذا القرآن العظيم {أن يفترى من دون الله} أي يُختلق من غير الله تعالى من سائر خلقه، {ولكن تصديق الذي بين يديه} 2 أي ولكنه كلام الله ووحيه أوحاه إلى رسوله وأنزله تصديق الذي بين يديه أي من الكتب التي سبقت نزوله وهي التوراة والإنجيل {وتفصيل الكتاب} الذي كتبه الله تعالى على أمة الإسلام من الفرائض والشرائع والأحكام. وقوله تعالى {لا ريب فيه} أي لا شك في أنه وحي الله وكلامه نزل من رب العالمين، وهو الله مربي الخلائق أجساماً وعقولاً وأخلاقاً وأرواحاً ومن مقتضى ربوييته إنزال كتاب فيه تبيان كل شيء يحتاج إليه العبد في تربيته وكماله البدني والروحي والعقلي والخلقي.
وقوله تعالى في الآية الثانية (38) {أم يقولون افتراه} 4 أي بل يقول هؤلاء المشركون المجاحدون وهو قول في غاية السُّخّف والقباحة يقولون القرآن افتراه محمد ولم يكن بوحي أُنزل عليه، قل يا رسولنا متحدياً إياهم أن يأتوا بسورة مثله5. فإنهم لا يستطيعون وبذلك تبطل دعواهم، وقل لهم ادعوا لمعونتكم على الإتيان بسورة مثل سور القرآن من استطعتم الحصول على معونتهم إن كنتم صادقين في دعواكم أن القرآن لم يكن وحياً من الله، وإنما هو اختلاق اختلقه محمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقوله تعالى {بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه6 ولما يأتهم تأويله} أي إن القضية ليست قضية أنهم ما استطاعوا أن يدركوا أن القرآن كلام الله، وإنما القضية هي أنهم كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه من وعيد الله تعالى لهم بالعذاب، ولما يأتهم بعد ما يؤول إليه الوعيد إذ لو رأوا العذاب ما كذبوا، ولذا قال تعالى: {كذلك كذب الذين من قبلهم} أي {حتى ذاقوا بأسنا} كما في آية الأنعام. وهو قال تعالى: {فانظر كيف كان عاقبة الظالمين} فقد أهلك تعالى الظلمة من قوم نوح بالغرق ومن قوم هود بريح صرصر ومن قوم صالح بالصيحة ومن قوم شعيب بالرجفة ومن أمم أخرى بما شاء من أنواع العذاب فهؤلاء إن لم يتوبوا واستمروا في تكذيبهم فسوف يحل بهم ما حل بغيرهم {وما الله بغافل عما يعمل الظالمون} .
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- تقرير عقيدة الوحي وإثبات نبوة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
2- من أدلة أن القرآن كلام الله تصديقه للكتب السالفة وعدم التناقض معها إذ هما من مصدر واحد وهو الله رب العالمين.
3- من أدلة القرآن على أنه وحي الله تحدي الله العرب بالإتيان بسورة واحدة في فصاحته.
وبلاغته وإعجازه وعجزهم عن ذلك.
4- استمرار المشركين في العناد والمجاحدة علته أنهم لم يذوقوا ما توعدهم الله به من العذاب إذ لو ذاقوا لآمنوا ولكن لا ينفعهم حينئذ الإيمان.
__________
1 علم الله تعالى أنّ غيره تعالى لا يتأتى له الإتيان بمثل هذا القرآن كما قال تعالى: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً} .
2 أي: أنزله مصدقاً لما بين يديه أي: لما تقدمه من الكتب الإلهية. هذا كقوله تعالى: {نزل عليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه} . ونصب (تصديق) على أنه اسم كان، والتقدير: ولكن كان تصديق الذي.
4 {أم يقولون} أم هنا: هي المنقطعة التي تفسَّر ببل، والهمزة: أي بل أيقول افتراه، والاستفهام هنا للتقريع والتوبيخ.
5 هذا دليل على أن القرآن الكريم معجز، وهو كذلك معجز بألفاظه ومعانيه معاً.
6 {بل كذّبوا بما لم يحيطوا يعلمه ولما يأتهم تأويله} . هذا الكلام الإلهي يحتمل معنيين صحيحين. الأول: هو ما في التفسير، والثاني: المراد بما لم يحيطوا بعلمه: القرآن الكريم، فهم لم يتدبروه، ولم يفهموا ما يدعو إليه وكذبوا به عن جهل مع العناد والمكابرة فما في قوله: {بما لم يحيطوا بعلمه} اسم موصول المراد به: القرآن الكريم أمّا على المعنى الأول فإن المراد به العذاب الذي كذّبوا به، ولم يحل بهم بعد.

ابوالوليد المسلم
16-03-2022, 05:00 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة يونس - (7)
الحلقة (478)
تفسير سورة يونس مدنية
المجلد الثانى (صـــــــ 476الى صــــ 479)

وَمِنهُم مَّن يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُم مَّن لاَّ يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (40) وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ (41) وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ (42) وَمِنهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ (43) إِنَّ اللهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (44)
شرح الكلمات:
ومنهم من يؤمن به: أي من أهل مكة المكذبين بالقرآن من يؤمن به مستقبلاً.
وربك أعلم بالمفسدين: وهم دعاة الضلالة الذين يفسدون العقول والقلوب والجملة تهديد لهم.
وإن كذبوك: أي استمروا على تكذيبك.
ومنهم من يستمعون إليك: أي إذا قرأت القرآن.
ومنهم من ينظر إليك: أي يبصر ويشاهد آيات النبوة وأعلام صدقك، ولا يهتدي إلى معرفة أنك رسول الله لأن الله تعالى حرمه ذلك.
معنى الآيات:
ما زال السياق في تقرير نبوة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال تعالى في خطاب رسوله ليُسلِّيه ويصبِّره على عدم إيمان قومه مع ظهور الأدلة وقوة البراهين {ومنهم من يؤمن به} أي بالقرآن وبالنبيأيضاً إذ الإيمان بواحد يستلزم الإيمان بالثاني، {ومنهم من لا يؤمن به} 1، وهذا إخبار غيب فتم كما أخبر تعالى فقد آمن من المشركين عدد كبير ولم يؤمن عدد آخر. وقوله {وربك أعلم بالمفسدين} أي الذين لا يؤمنون وفي الجملة تهديد لأولئك الذين يصرفون الناس ويصدونهم عن الإيمان والتوحيد. وقوله تعالى: {وإن كذبوك} أي استمروا في تكذيبهم لك فلا تحفل بهم وقل {لي عملي2 ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل، وأنا بريء مما تعملون} فإذا كان هناك عقاب دنيوي فإنك تسلم منه ويهلكون هم به.
وقوله تعالى في الآية (42) {ومنهم من يستمعون إليك} 3 إلى قراءتك القرآن وإلى قولك إذا قلت داعياً أو آمراً أو ناهياً، ومع هذا فلا يفهم ولا ينتفع بما يسمع، ولا لوم عليك في ذلك لأنك لا تسمع الصم، وهؤلاء صم لا يسمعون، ومنهم من ينظر إليك بأعين مفتحة ويرى علامات النبوة وآيات الرسالة ظاهرةً في حالك ومقالك ومع هذا لا يهتدي ولا لوم عليك فإنك لا تهدي العمى ولو كانوا لا يبصرون4. وقوله تعالى {إن الله لا يظلم الناس شيئاً، ولكن الناس أنفسهم يظلمون} بيان لسنة الله تعالى في أولئك الذين يسمعون ولا ينتفعون بسماعهم، ويبصرون ولا ينتفعون بما يبصرون، وهي أن من توغل في البغض والكراهية لشيء يصبح غير قادر على الانتفاع بما يسمع منه ولا بما يبصر فيه. ولذا قيل حبك الشيء يُعمي ويُصم، والبغض كذلك كما أن الاسترسال في الشر والفساد مدة من الزمن يحرم صاحبه التوبة إلى الخير والصلاح، ومن هنا قال تعالى {إن الله لا يظلم5 الناس شيئاً، ولكن الناس أنفسهم يظلمون} .
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- إخبار القرآن بالغيب وصدقه في ذلك.
2- تقرير معنى آية {فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} .
3- تعليم رسول الله طريق الحِجاج والرد على الخصوم المشركين.
4- انتفاء الظلم عن الله تعالى، وإثباته للإنسان لنفسه.
__________
1 كأبي طالب وأبي لهب وأبي جهل وغيرهم.
2 أي لي ثواب عملي على التبليغ والطاعة لله تعالى ولكم جزاء عملكم الذي هو الشرك والكفر والتكذيب.
3 أي: في ظواهرهم أمّا قلوبهم فلا تعي شيئا مما تقول من الحق وتتلوه من القرآن.
4 أي: ولو انظمّ إلى عدم البصر عدم البصيرة.
5 في هذا إشارة إلى أنّ عدم هدايتهم يكن خارجاً عن إرادتهم ولكن كان باستحبابهم العمى على الهدى وإيثارهم للدنيا على الآخرة.
*************************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
16-03-2022, 05:00 PM
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللهِ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ (45) وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ (46) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَاء رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ (47) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (48)
شرح الكلمات:
يحشرهم: أي نبعثهم من قبورهم ونجمعهم لساحة فصل القضاء.
كأن لم يلبثوا: أي في الدنيا أحياء في دورهم وأمواتاً في قبورهم.
أو نتوفينك: أي نميتك قبل ذلك.
فإذا جاء رسولهم: أي في عرصات القيامة.
بالقسط: أي بالعدل.
متى هذا الوعد: أي بالعذاب يوم القيامة.
معنى الآيات:
ما زال السياق في تقرير عقيدة البعث والجزاء فقال تعالى {ويوم يحشرهم} أي اذكر لهم يوم نحشرهم من قبورهم بعد بعثهم أحياء {كأن لم يلبثوا} 1 في الدنيا أحياء في دورهم وأمواتاً في قبورهم. {إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم} 2 أي ليرى بعضهم بعضاً
ساعة ثم يحول بينهم هول الموقف، وقوله تعالى {قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله3 وما كانوا مهتدين} يخبر تعالى أن الذين كذبوا بالبعث الآخر والحساب والجزاء الأخروي فلم يرجوا لقاء الله فيعملوا بمحابه وترك مساخطه قد خسروا في ذلك اليوم أنفسهم وأهليهم في جهنم، وقوله {وما كانوا مهتدين} أي في حياتهم حيث انتهوا إلى خسران وعذاب أليم.
وقوله تعالى {وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك} 4 أي إن أريناك بعض الذي نعدهم من العذاب في الدنيا فذاك، أو نتوفينك قبل ذلك فعلى كل حال مرجعهم إلينا جميعاً بعد موتهم، فنحاسبهم ونجازيهم بحسب سلوكهم في الدنيا الخير بالخير والشر بمثله، وقوله تعالى {ثم الله شهيد على ما يفعلون} 5 تقرير وتأكيد لمجازاتهم يوم القيامة لأن علم الله تعالى بأعمالهم وشهادته عليها كافٍ في وجوب تعذيبهم. وقوله تعالى {ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون} أي ولكل أمة من الأمم رسول أرسل إليها وبلغها فأطاع من أطاع وعصى من عصى فإذا جاء رسولها في عرصات القيامة قضي بينهم أي حوسبوا أو جوزوا بالقسط أي بالعدل وهم لا يظلمون بنقص حسنات المحسنين ولا بزيادة سيئآت المسيئين. وقوله تعالى {ويقولون} أي المشركون للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه، {متى هذا الوعد} 6 أي بالعذاب يوم القيامة. {إن كنتم صادقين} يقولون هذا استعجالاً للعذاب لأنهم لا يؤمنون به. والجواب في الآية التالية.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- تقرير مبدأ المعاد والدار الآخرة.
2- الإعلان عن خسران منكري البعث يوم القيامة.
3- تسلية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحمله على الصبر حتى يؤدي رسالته بإعلامه بأنه سيعذب أعداءه.
4- بيان كيفية الحساب يوم القيامة بأن يأتي الرسول وأمته ثم يجزي الحساب بينهم فينجي الله المؤمنين ويعذب الكافرين.
__________
1 أصلها: كأنهم ثم خففت: أي كأنهم لم يلبثوا في قبورهم.
2 الجملة في موضع نصب على الحال. وتعارفهم هذا في عرصات القيامة إنما هو تعارف توبيخ وافتضاح فيقول بعضهم لبعض: أنت أضللتني وحملتني على الكفر، ثم تنقطع المعرفة عند معاينتهم العذاب يوم القيامة.
3 أي: يوم العرض عليه بين الخلائق.
4 وإما أصلها إن الشرطة وما الزائدة لتقوية الكلام و {بعض الذي نعدهم} هو عذاب الدنيا كما هو إظهار الدين ونصرته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
5 أي: بعد وفاتك، فالله عز وجل خليفتك فيهم وسوف يجزيهم بحسب كسبهم خيراً وشراً.
6 أي: متى العذاب، أو متى القيامة التي يعدنا بها محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
16-03-2022, 05:02 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة يونس - (8)
الحلقة (479)
تفسير سورة يونس مدنية
المجلد الثانى (صـــــــ 480الى صــــ 484)


قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا إِلاَّ مَا شَاء اللهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ (49) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (50) أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُم بِهِ آلآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (51) ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ (52) وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ (53)
شرح الكلمات:
لنفسي ضراً.: أي لا أقدر على دفع الضر إذا لم يُعِنِّي الله تعالى.
ولا نفعاً: أي لا أقدر على أن أجلب لنفسي نفعاً إذا لم يُرده الله تعالى لي.
لكل أمة أجل: أي وقت معين لهلاكها.
فلا يستأخرون ساعة: أي عن ذلك الأجل.
ولا يستقدمون: أي عليه ساعة.
قل أرأيتم: أي قل لهم أخبروني.
أثم إذا ما وقع: أي حل العذاب.
عذاب الخلد: أي الذي يخلدون فيه فلا يخرجون منه.
ويستنبئونك: أي ويستخبرونك.
قل إي: أي نعم.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في الرد على المشركين فقد طالبوا في الآيات السابقة بالعذاب فقالوا {متى هذا الوعد} أي بالعذب {إن كنتم صادقين} فأمر الله تعالى رسوله في هذه الآيات أن يقول لهم إني {لا أملك لنفسي ضراً} أي لا أملك دفع الضر عني، ولا جلب النفع لي إذا لم يشأ الله تعالى ذلك، فكيف أعلم الغيب وأعرف متى يأتيكم العذاب كما لا أقدر على تعجيله إن كان الله يريد تأجيله، واعلموا أنه لكل أمة من الأمم أجل أي وقت محدد لهلاكها وموتها فيه، فلا يتأخرون عنه ساعة ولا يتقدمون عليه بأخرى فلذا لا معنى لمطالبتكم بالعذاب. وشيء آخر أرأيتم أي أخبروني إن أتاكم العذاب الذي تستعجلونه بياتاً1 أي ليلاً أو نهاراً أتطيقونه وتقدرون على تحمله إذاً فماذا تستعجلون منه أيها المجرمون2 إنكم تستعجلون أمراً عظيماً. وقوله تعالى {أثم إذا ما وقع آمنتم به؟} 3 أي اتستمرون على التكذيب والعناد، ثم إذا وقع آمنتم به، وهل ينفعكم إيمانكم يومئذ؟ فقد يقال لكم توبيخاً وتقريعاً آلآن مؤمنون به، وقد كنتم به تستعجلون.
وقوله تعالى {ثم4 قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون} ؟ يخبر تعالى أنه إذا دخل المجرمون النار وهم الذين ظلموا أنفسهم بالشرك والمعاصي ذوقوا- تهكماً بهم- عذاب الخلد أي العذاب الخالد الذي لا يفني ولا يبيد إنكم ما تجزون أي ما تثابون إلا بما كنتم تكسبونه من الشرك والمعاصي. وقوله تعالى: {ويستنبؤنك أحق هو؟} أي ويستخبرك المشركون المعاندون قائلين لك أحق ما تعدنا به من العذاب يوم القيامة؟ أجبهم بقولك {قل إي وربي5 إنه لحق، وما أنتم بمعجزين} الله ولا فائتينه بل لا بد وأن يلجئكم إلى العذاب إلجاءً، ويذيقكموه عذاباً أليماً دائماً وأنتم صاغرون.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- لا يملك أحد من الخلق لنفسه فضلاً عن غيره ضراً يدفعه ولا نفعاً يجلبه إلا بإذن الله تعالى ومشيئته، وخاب الذين يُعولون على الأولياء في جلب النفع لهم ودفع الشر عنهم.
2- الآجال محدودة لا تتقدم ولا تتأخر فلذا لا معنى للجبن من العبد.
3- لا ينفع الإيمان ولا التوبة عند معاينة العذاب أو مَلَك الموت.
4- جواز الحلف بالله إذا أريد تأكيد الخبر.
5- إي حرف إجابة وتقترن دائماً بالقسم نحو إي والله، إي وربي.
__________
1 البيات: اسم مصدر ليلا كالسلام للتسليم.
2 المجرمون: أصحاب الجرم الذي هو الشرك والقائلون متى هذا الوعد من كفار مكة.
3 {أثم} الهمزة للاستفهام وقدمت على ثم العاطفة، لأنّ لها حق الصدارة والتقدير: ثم إذا وقع، والمستفهم عنه هو حصول الإيمان في وقت وقوع العذاب، وهو غير نافع لصاحبه فكيف ترضونه أنتم لأنفسكم.
4 {ثم} : حرف عطف، وهي هنا للتراخي الرتبي فهذا يقال للمشركين عند دخولهم النار وهو من باب التهكم بهم والتقريع لهم، وإعلامهم بمالا يستطيعون دفعه بحال: {هل تجزون إلا ما كنتم تعملون} والقائلون هم خزنة جهنم.
5 {إي} : كلمة تحقيق وإيجاب، وتأكيد هي بمعنى (نعم) {وربى} قسم جوابه: {إنه لحق} أي: هو كائن لا شك فيه ولا محالة من وقوعه.
**************************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
16-03-2022, 05:03 PM
وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الأَرْضِ لاَفْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّواْ النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ (54) أَلا إِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَلاَ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (55) هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (56) يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (58)
شرح الكلمات:
لافتدت به: لقدمته فداء لها.
وأسروا الندامة: أخفوها في أنفسهم على ترك الإيمان والعمل الصالح.
وقضي بينهم بالقسط: أي حكم الله بينهم بالعدل.
وعد الله حق: أي ما يعدهم الله به هو كائن حقاً.
موعظة من ربكم: أي وصية من ربكم بالحق والخير، وباجتناب الشرك والشر.
وهدى: أي بيان لطريق الحق والخير من طريق الباطل والشر.
فضل الله ورحمته: ما هداهم إليه من الإيمان والعمل الصالح، واجتناب الشرك والمعاصي.
فبذلك فليفرحوا: أي فبالإيمان والعمل الصالح بعد العلم والتقوى فليسروا وليستبشروا.
هو خير مما يجمعون: أي من المال والحطام الفاني.
معنى الآيات:
ما زال السياق في بيان أن ما وعد الله تعالى به المشركين من العذاب هو آت لا محالة إن لم يؤمنوا وإنه عذاب لا يطاق فقال تعالى {ولو أن لكل نفس ظلمت} أي نفسها بالشرك والمعاصي، لو أن لها ما في الأرض من مال صامت وناطق وقبل منها لقدمته فداء1 لها من العذاب، وذلك لشدة العذاب. وقال تعالى عن الكافرين وهم في عرصات القيامة وقد رأوا النار {وأسروا الندامة لما رأوا العذاب} 2 أي أخفوها في صدورهم ولم ينطقوا بها وهى ندمهم الشديد على عدم إيمانهم وإتباعهم للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقوله تعالى {وقضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون} أي وقضى الله تعالى أي حكم بين الموحدين والمشركين والظالمين والمظلومين3 بالقسط الذي هو العدل الإلهي والحال أنهم لا يظلمون بأن يؤاخذوا بما لم يكتسبوا. وقوله تعالى {ألا إن4 لله ما في السموات والأرض} أي انتبهوا واسمعوا أيها المشركون إن لله ما في السموات والأرض من سائر المخلوقات ملكاً حقيقياً لا يملك معه أحد شيئا من ذلك فهو يتصرف في ملكه كما يشاء يعذب ويرحم يشقي ويسعد لا اعتراض عليه ألا أن وعد الله حق أي تنبهوا مرة أخرى واسمعوا إن وعد الله أي ما وعدكم به من العذاب حق ثابت لا يتخلف. وقوله تعالى: {ولكن أكثرهم لا يعلمون} .
إذ لو علموا أن العذاب كائن لا محالة وعلموا مقدار هذا العذاب ما كفروا به وقوله تعالى {هو يحي ويميت وإليه ترجعون} يخبر تعالى عن نفسه أنه يحيي ويميت ومن كان قادراً على الإحياء والإماتة فهو قادر على كل شيء، ومن ذلك إحياء الكافرين بعد موتهم وحشرهم إليه ومجازاتهم على ما كسبوا من شر وفساد وقوله {وإليه ترجعون} تقرير مبدأ المعاد الآخر. بغد هذه التقريرات لقضايا العقيدة الثلاث: التوحيد، والنبوة، والبعث والجزاء نادى الله تعالى العرب والعجم سواء قائلاً {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة1 من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين} وكل من الموعظة التي هي الأمر والنهي بأسلوب الترغيب والترهيب والشفاء والهدى والرحمة قد حواها القرآن الكريم كأنه قال يا أيها الناس وفيكم الجاهل والفاسق والمريض بالشرك والكفر والضال عن الحق، والمعذب في جسمه ونفسه قد جاءكم القرآن يحمل كل ذلك لكم فآمنوا به واتبعوا النور الذي يحمله وتداووا به واهتدوا بنوره تشفوا وتكملوا عقلاً وخلقاً وروحاً وتسعدوا في الحياتين معاً.
وقوله تعالى {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك2 فليفرحوا هو خير مما يجمعون} أي بلِّغهم يا رسولنا آمراً إياهم بأن يفرحوا3 بالإسلام وشرائعه والقرآن وعلومه فإن ذلك خير مما يجمعون من حطام الدنيا الفاني، وما يعقب من آثار سيئة لا تحتمل ولا تطاق.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- عظم عذاب يوم القيامة حتى إن الكافر ليود أن يفتدى منه بما في الأرض جميعاً.
2- تقرير ربوبية الله تعالى لسائر المخلوقات في العالمين العلوي والسفلي.
3- الإشادة بفضل القرآن وعظمته لما يحمله من المواعظ والهدى والرحمة والشفاء.
4- يستحب الفرح بالدين ويكره الفرح بالدنيا.
__________
1 ولكن لا يقبل منها كما قال تعالى: {إن الذين كفروا وماتوا وهم كفّار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به} .
2 إسرارهم الندامة كان عند معاينة العذاب، وقبل الدخول فيه، والندامة: الحسرة على وقوع مكروه أو فوات محبوب.
3 وبين الرؤساء والمرؤوسين، أي: بين المتبوعين والتابعين لهم.
4 {ألا} : كلمة استفتاح وتنبيه يؤتى بها في أوّل الكلام، معناها: انتبهوا لما أقول لكم.
5 المراد بالموعظة وما بعدما من الصفات القرآن الكريم إذ هو الجامع لكل ما ذكر، وإنما عطفت المذكورات لتأكيد المدح. كقول الشاعر:
إلى الملك القرم وابن الهمام ... وليث الكتيبة في المزدحم
6 قال أبو سعيد الخدري وابن عباس: فضل الله: القرآن، ورحمته الإسلام، وصحّت الإشارة بذلك إلى الاثنين لأنّ العرب تشير بذلك إلى المفرد والمثنى والجمع.
7 روي أن من هداه الله للإسلام وعلمه القرآن ثم شكا الفاقة (الفقر) كتب الله الفقر بين عينيه إلى يوم يلقاه ثم تلا: {قل بفضل الله} الآية.

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
16-03-2022, 05:04 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة يونس - (9)
الحلقة (480)
تفسير سورة يونس مدنية
المجلد الثانى (صـــــــ 484الى صــــ 488)

قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (59) وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (60) وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (61)
شرح الكلمات:
أرأيتم: أي أخبروني.
ما أنزل الله لكم من رزق: أي الذي خلق لكم من رزق كلحوم الأنعام.
ءآلله أذن لكم: أي في التحريم حيث حرمتم البحيرة والسائبة وفي التحليل حيث أحللتم الميتة.
يفترون على الله الكذب: أي يختلقون الكذب تزويراً له وتقديراً في أنفسهم.
وما تكون في شأن: أي في أمر عظيم.
شهوداً إذْ تفيضون فيه: أي تأخذون في القول أو العمل فيه.
وما يعزب عن ربك: أي يغيب.
من مثقال ذرة: أي وزن ذرة والذرة أصغر نملة.
إلا في كتاب مبين: أي اللوح المحفوظ ومبين أي واضح.
معنى الآيات:
سياق الآيات في تقرير الوحي وإلزام المنكرين له من المشركين بالدليل العقلي قال
تعالى لرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قل لهؤلاء المشركين1 {أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق} أي أخبروني عما خلق الله لكم من نبات وطعام وحرث فجعلتم منه حراماً كالبحيرة والسائبة والثياب التي تحرِّمون الطواف بها والحرث الذي جعلتموه لالهتكم، وحلال كالميتة التي تستبيحونها {ءالله أذن لكم} 2 في هذا التشريع بوحي منه {أم على الله تفترون} فإن قلتم الله أذن لنا بوحي فلم تنكرون الوحي وتكذبون به، وإن قلتم لا وحي ولكننا نكذب على الله فموقفكم إذاً شر موقف إذ تفترون على الله الكذب والله تعالى يقول: {وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة} أي إذا هم وقفوا بين يديه سبحانه وتعالى ما ظنهم أيغفر لهم ويعفى عنهم لا بل يلعنون وفي النار هم خالدون وقوله تعالى {إن الله لذو فضل على الناس} في كونه لا يعجل لهم العقوبة وهم يكذبون عليه ويشركون به ويعصونه ويعصون رسوله، {ولكن أكثرهم لا يشكرون} 3 وذلك لجهلهم وسوء التربية الفاسدة فيهم، وإلا العهد بالإنسان أن يشكر لأقل معروف وأتفه فضل.
وقوله تعالى {وما تكون في شأن4 وما تتلو منه من قرآن} أي وما تكون يا رسولنا في أمر من أمورك الهامة وما تتلو من القرآن من آية أو آيات في شأن ذلك الأمر {إلا كنا} أي نحن رب العزة والجلال {عليكم شهوداً} أي حضوراً {إذ تفيضون فيه5} أي في الوقت الذي تأخذون فيه، وقوله تعالى {وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة6 في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين} يخبر تعالى عن سعة علمه تعالى وإحاطته بسائر مخلوقاته بحيث لا يعزب أي لا يغيب عن علمه تعالى مثقال ذره أي وزن ذرة وهي النملة الصغيرة وسواء كانت في الأرض أو في السماء، وسواء كانت أصغر من النملة أوأكبر منها. بالإضافة إلى أن ذلك كله في كتاب مبين أي في اللوح المحفوظ. لهذا العلم والقدرة والرحمة استوجب التأليه والعبادة دون سائر خلقه.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- تقرير الوحي وإثباته للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
2- التحريم والتحليل من حق الله تعالى دون سائر خلقه.
3- حرمة الكذب على الله، وإن صاحبه مستوجب للعذاب.
4- ما أعظم نعم الله تعالى على العباد ومع هذا فهم لا يشكرون إلا القليل منهم
5- وجوب مراقبة الله تعالى، وحرمه الغفلة في ذلك.
6- إثبات اللوح المحفوظ وتقريره كما صرحت به الآيات والأحاديث.
__________
1 من كفّار قريش.
2 الاستفهام تقريري مشوب بالإنكار عليهم أيضاً. وعبر عن إعطائهم الرزق بإنزاله لهم، لأنّ أرزاقهم من حبوب وثمار وأنعام كلها متوفقة على المطر النازل من السماء حتى سمى العرب ببني ماء السماء. وشاهده قوله تعالى {فلينظر الإنسان إلى طعامه أنّا صببنا الماء صبّا..} الآية.
3 بذكره وعبادته وحده بما شرع أن يعبد به، وعلّة عدم الشكر، انظرها في التفسير.
4 الشأن والجمع شؤون: الخطب والأمر الهام، والخطاب للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والأمّة معه وقدم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعلو شأنه وسمو مقامه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
5 الإفاضة في العمل: الشروع والدخول فيه.
6 الذرة: النملة الصغيرة، أو الهباءة التي تُرى في ضوء الشمس.
********************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
16-03-2022, 05:05 PM
أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)
شرح الكلمات:
ألا: أداة استفتاح وتنبيه.
إن أولياء الله: جمع وليّ وهو المؤمن التقي بشرط أن يكون إيمانه وتقواه على نور من الله.
لا خوف عليهم: أي لا يخافون عند الموت ولا بعده، ولا هم يحزنون على ما تركوا بعد موتهم.
آمنوا: أي صدقوا بالله وبماء جاء عن الله وبرسول الله وبما أخبر به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
يتقون: أي ما يسخط الله تعالى من ترك واجب أو فعل حرام.
لهم البشرى: أي بالجنة في القرآن الكريم وعند الموت وبالرؤيا الصالحة يراها أو ترى له.
لا تبديل لكلمات الله: أي لوعده الذي يعده عباده الصالحين، لأن الوعد بالكلمة وكلمه الله لا تبدل.
الفوز: النجاة من النار ودخول الجنة.
معنى الآيات:
يخبر تعالى مؤكداً الخبر بأداة التنبيه {ألا} وأداة التوكيد {إن} فيقول: {ألا إن أولياء1 الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} أي لا يخافون عند الموت ولا في البرزخ ولا يوم القيامة ولا هم يحزنون على ما يتركون وراءهم بعد موتهم ولا في الدار الآخرة وبين تعالى أولياءه وعرف بهم فقال: {الذين آمنوا وكانوا يتقون} 2 أي آمنوا به وبرسوله وبكل ما جاء به رسوله عن ربه، وكانوا يتقون طوال حياتهم وسائر ساعاتهم سخط الله تعالى فلا يتركون واجباً هم قادرون على القيام به، ولا يغشون محرماً لم يُكرهوا عليه. وقوله تعالى: {لهم البشرى} في الحياة الدنيا3 وفي الآخرة: أي لهم بشرى ربهم في كتابه برضوانه ودخول الجنة ولهم البشرى بذلك عند الاحتضار تبشرهم الملائكة برضوان الله وجنته وفي الآخرة عند قيامهم من قبورهم تتلقاهم الملائكة بالبشرى.
وقوله تعالى: {لا تبديل لكلمات الله} 4 وهو تأكيد لما بشرهم، إذ تلك البشرى كانت بكلمات الله وكلمات الله لا تتبدل فوعد الله إذاً لا يتخلف.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- ولاية الله تعالى بطاعته وموافقته في محابه ومكارهه فمن آمن إيماناً يرضاه الله، واتقى الله في أداء الفرائض واجتناب المناهي فقد صار ولي الله والله وليه.
2- البشرى هي ما يكرم الله به برؤيا صالحة يراها الولي أو تُرى له.
3- الأولياء هم أهل الإيمان والتقوى فالكافر والفاجر لا يكون وليا أبداً، إلا إذا آمن الكافر، وبَرَّ الفاجر بفعل الصالحات وترك المنهيات.
4- صدق إخبار الله تعالى وعدالة أحكامه، وسر ولايته إذ هي تدور على موافقة الرب تعالى فيما يجب من الاعتقادات والأعمال والأقوال والذوات والصفات وفيما يكره من ذلك فمن وافق ربه فقد والاه ومن خالفه فقد عاداه.
__________
1 الولي: مشتق من الولي بسكون اللام الذي هو القرب، ومتى زكت نفس المؤمن بالإيمان والعمل الصالح، وتخلّيها عن الشرك، والمعاصي قُرب من الله تعالى فوالاه، ومن آيات الولاية: استجابة الدعاء وهرمن الكرامات التي يكرم الله تعالى بها أولياءه وفي الحديث: "الذين يُذْكَرُ الله برؤيتهم" وفي لفظ. "الذين إذا رُؤوا ذُكر الله" وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إن من عباد الله عبادا يغبطهم الأنبياء، والشهداء. قيل من هم يا رسول الله؟ لمنا نحبّهم؟ قال: هم قوم تخابوا في الله من غير أموال ولا أنساب وجوههم نور على منابر من نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس ثم قرأ: {ألا إن أولياء الله} الآية.
2 الجملة مستأنفة استئنافا بيانيا أي: كأنّما سائل قال: مَنْ هم أولياء الله؟ فأجيب: الذين آمنوا وكانوا يتقون".
3 لحديث: "انقطع الوحي ولم يبق إلاّ المبشرات قالوا: وما المبشرات يا رسول الله؟ قال: الرؤيا الصالحة يراها البد المؤمن أو تُرى له".
4 كلمات الله هي: التي بها مواعيده ولذا فما يباشر الله تعالى به أولياءه هو كائن لا محالة إذ مواعيده لا تتبدل ووعوده لا تخلف.

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
25-03-2022, 08:05 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة يونس - (10)
الحلقة (481)
تفسير سورة يونس مدنية
المجلد الثانى (صـــــــ 488الى صــــ 492)


وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (65) أَلا إِنَّ لِلّهِ مَن فِي السَّمَاوَات وَمَن فِي الأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ شُرَكَاء إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (66) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (67)
شرح الكلمات:
لا يحزنك: أي لا يجعلك قولهم تحزن.
إن العزة لله: العزة الغلبة والقهر.
شركاء: أي شركاء بحق يملكون مع الله لعابديهم خيراً أو يدفعون عنهم ضراً.
إلا الظن: الظن أضعف الشك.
يخرصون: أي يحزرون ويكذبون.
لتسكنوا فيه: أي تخلدوا فيه إلى الراحة والسكون عن الحركة.
مبصراً: أي مضيئاً ترى فيه الأشياء كلها.
في ذلك: أي من جَعْلِهِ تعالى الليل سكناً والنهار مبصراً لآيات.
يسمعون: أي سماع إجابة وقبول.
معنى الآيات:
ما زال السياق في تقرير قضايا التوحيد الثلاث التوحيد والنبوة والبعث قال تعالى مخاطباً رسوله محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {ولا يحزنك قولهم} أي لا يجعلك قول المشركين المفترين {لست مرسلاً} وأنك {شاعر مجنون} تحزن فإن قولهم هذا ينتج لهم إلا سوء العاقبة والهزيمة المحتمة، {إن العزة لله جميعاً} 1 فربك القوى القادر سيهزمهم وينصرك عليهم. إذا فاصبر على ما يقولون ولا تأس ولا تحزن. إنه تعالى هو السميع لأقوال عباده العليم بأعمالهم وأحوالهم ولا يخفى عليه شيء من أمرهم. {ألا إن لله من في السموات ومن في الأرض} خلقاً وملكاً وتصرفاً، كل شيء في قبضته وتحت سلطانه وقهره فكيف تبالي بهم يا رسولنا فتحزن لأقوالهم {وما يتبع الذين يدعون من دون ألله شركاء} أي آلهة حقاً بحيث تستحق العبادة لكونها تملك نفعاً أو ضراً، موتاً أو حياة لا بل ما هم في عبادتها متبعين إلا الظن {وإن هم إلا يخرصون} أي يتقولون ويكذبون. وقوله تعالى {هو الذي2 جعل لكم الليل لتسكنوا فيه، والنهار مبصراً} أي الإله الحق الذي يجب أن يدعى ويعبد الله الذي جعل لكم أيها الناس ليلاً مظلماً لتسكنوا فيه فتستريحوا من عناء العمل في النهار. وجعل لكم النهار مبصراً3 أي مضيئاً لتتمكنوا من العمل فيه فتوفروا لأنفسكم ما تحتاجون إليه في حياتكم من غذاء وكساء وليست تلك الآلهة من أصنام وأوثان بالتي تستحق الألوهية فتُدْعى وتُعبد. وقوله {إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون4} أي إن فيما ذكر تعالى من كماله وعزته وقدرته وتدبيره لأمور خلقه آيات علامات واضحة على أنه لا إله إلا هو ولا رب غيره، ولكن يرى تلك الآيات من يسمع سماع قبول واستجابة لا من يسمع الصوت ولا يفكر فيه ولا يتدبر عانيه فإن مثله أعمى لا يبصر وأصم لا يسمع.
هداية الآيات.
من هداية الآيات:
1- على المؤمن الداعي إلى الله تعالى أن لا يحزنه أقوال أهل الباطل وأكاذيبهم حتى لا ينقطع عن دعوته، وليعلم أن العزة لله جميعاً وسوف يعزه بها، ويذل أعداءه.
2- ما يُعبد من دون الله لم يقم عليه عابدوه أي دليل ولا يملكون له حجة وإنما هم مقلدون يتبعون الظنون والأوهام.
3- مظاهر قدرة الله تعالى في الخلق والتدبير كافية في إثبات العبادة له ونفيها عما سواه.
__________
1 أي: القوة الكاملة، والغلبة الشاملة، والقدرة التامة لله وحده، والعزيز هو الغالب الذي لا يُغلب، والقوي الذي لا يُحال بينه وبين مراده. و {جميعاً} منصوب على الحال، وعزّة المؤمنين هي بعزّة الله فلا منافاة إذاً.
2 من الآية استدلال على عزته تعالى وملكه لكل شيء وقدرته وتصرفه في كل شيء وهو ما أوجب له العبادة دون ما سواه.
3 يقال أبصر النهار، إذا صار ضياء، وأظلم الليل إذا صار ذا ظلام.
4 الجملة المستأنفة، والآيات: الدلائل الدالة على وحدانية الله تعالى في ربوبيته وألوهيته، والدلالة تكون مرئية ومسموعة ومعقولة، وعليه فالأعمى والأصم وغير العاقل لا يستفيدون منها فهذه علّة عدم استفادة المشركين من الآيات لفقدهم آلات العقل والسمع والبصر، إذ فسدت بالجهل والتقليد والعناد والمكابرة والجحود.
**************************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
25-03-2022, 08:05 PM
قَالُواْ اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (68) قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ (69) مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ (70)
شرح الكلمات:
سبحانه: أي تنزه عن النقص وتعالى أن يكون له ولد.
الغَنِيُّ: أي الغِنَى المطلق بحيث لا يفتقر إلى شيء.
إن عندكم من سلطان: أي ما عندكم من حجة ولا برهان.
بهذا: أي الذي تقولونه وهو نسبة الولد إليه تعالى.
متاع في الدنيا: أي ما هم فيه اليوم هو متاع لا غير وسوف يموتون ويخسرون
كل شيء.
يكفرون: أي بنسبة الولد إلى الله تعالى، وبعبادتهم غير الله. سبحانه وتعالى.
معنى الآيات:
ما زال السياق في تحقيق التوحيد وتقريره بإبطال الشرك وشبهه فقال تعالى: {قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه} أي قال المشركون أن الملائكة بنات الله1 وهو قول مؤسف محزن للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كقولهم له {لست مرسلاً} ، وقد نهي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الحزن من جراء أقوال المشركين الفاسدة الباطلة. ونزه الله تعالى نفسه عن هذا الكذب فقال سبحانه، وأقام الحجة على بطلان قول المشركين بأنه هو الغَنيُّ الغِنَى الذاتي الذي لا يفتقر معه إلى غيره فكيف إذاً يحتاج إلى ولد أو بنت فيستغني به وهو الغني الحميد، وبرهان آخر على غناه أن له ما في السموات وما في الأرض الجميع خلقه وملكه فهل يعقل أن يتخذ السيد المالك عبداً من عبيده ولداً له. وحجة أخرى هل لدى الزاعمين بأن لله ولداً حجة تثبت ذلك والجواب لا، لا. قال تعالى مكذباً إياهم: {إن عندكم من سلطان بهذا} 2 أي ما عندكم من حجة ولا برهان بهذا الذي تقولون ثم وبخهم وقرعهم بقوله: {أتقولون على3 الله ما لا تعلمون؟} وأمر رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقول معلناً عن خيبة الكاذبين وخسرانهم: {إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون} 4 إن قيل كيف لا يفلحون وهم يتمتعون بالأموال والأولاد والجاه والسلطة أحياناً فالجواب في قوله تعالى {متاع في الدنيا} 5 أي ذلك متاع في الدنيا، يتمتعون به إلى نهاية أعمارهم، ثم إلى الله تعالى مرجعهم جميعاً، ثم يذيقهم العذاب الشديد الذي ينسون معه كل ما تمتعوا به في الحياة الدنيا، وعلل تعالى ذلك العذاب الشديد الذي أذاقهم بكفرهم فقال: {بما كانوا يكفرون} 6 أي يجحدون كمال الله وغناه فنسبوا إليه الولد والشريك.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- كفر من ينسب إلى الله تعالى أي نقص كالولد والشريك أو العجز مطلقاً.
2- كل دعوى لا يقيم لها صاحبها برهاناً قاطعاً وحجة واضحة فلا قيمة لها ولا يحفل بها.
3- أهل الكذب على الله كالدجالين والسحرة وأهل البدع والخرافات لا يفلحون ونهايتهم الخسران.
4- لا ينبغي للمؤمن أن يغتر بما يرى عليه أهل الباطل والشر من المتع وسعة الرزق وصحة البدن فإن ذلك متاع الحياة الدنيا، ثم يؤول أمرهم إلى خسران دائم.
__________
1 وقال اليهود: عزير بن الله وقال النصارى عيسى بن الله والكل مفتر كذَّاب، ولا شك أن الشيطان هو الذي زيّن لهم هذا الباطل ليغويهم فيضلهم ويهلكهم.
2 إن نافية بمعنى: (ما) كما هي في التفسير أي: ما عندكم من حجة تثبت ما ادعيتموه وتُلزم به لقوتها كقوة ذي السلطان.
3 الاستفهام للتوبيخ والتقريع بجهلهم وكذبهم إذ الولد يتطلب المجانسة والمشابهة بينه وبين من ينسب إليه وأين ذلك؟ والله ليس كمثله شيء إذ هو خالق كل شيء.
4 الفلاح: الفوز، والفوز هي السلامة من المرهوب والظهر بالمحبوب المرغوب، والمفترون على الله الكذب لا ينجون من النار ولا يدخلون الحنة فهم إذا خاسرون غير مفلحين.
5 هذه الجملة مستأنفة استئنافاً بيانياً لأنها جواب سؤال هو: كيف لا يفلحون وهم في عزّة وقدرة وسلطان فيجاب السائل: بأن هذا متاع في الدنيا زائل لا قيمة له، بالمقابلة بالفلاح المنتفي عنهم وهو فلاح الآخرة.
6 الباء في {بما كانوا يكفرون} للتعليل الذي هو السببيّة أي: بسبب كفرهم، إذ الكفر خبث نفوسهم فاستوجبوا النار وعذابها.

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
25-03-2022, 08:07 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة يونس - (11)
الحلقة (482)
تفسير سورة يونس مدنية
المجلد الثانى (صـــــــ 492الى صــــ 497)


وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللهِ فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ (71) فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (72) فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ (73)
شرح الكلمات:
واتل عليهم نبأ نوح: أي اقرأ على المشركين نبأ نوح أي خبره العظيم الخطير.
كبر عليكم مقامي: أي عظم عليكم مقامي بينكم أدعو إلى ربي.
فأجمعوا أمركم: أي اعزموا عزماً أكيداً.
غمّة: أي خفاء ولبساً لا تهتدون منه إلى ما تريدون.
ثم اقضوا إلي: أي انفذوا أمركم.
ولا تنظرون: أي ولا تمهلون رحمة بي أو شفقة علي.
فإن توليتم: أي أعرضتم عما أدعوكم إليه من التوحيد.
في الفلك: أي في السفينة.
خلائف: أي يخلف الآخر الأول جيلاً بعد جيل.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في طلب هداية المشركين بالرد على دعاواهم وبيان الحق لهم وفي هذه الآيات يأمر الله تعالى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقرأ عليهم طرفاً من قصة نوح مع قومه المشركين الذين كانت حالهم كحال مشركي العرب سواء بسواء وفي قراءة هذا القصص فائدتان الأولى تسلية الرسول وحمله على الصبر، والثانية تنبيه المشركين إلى خطإهم، وتحذيرهم من الاستمرار على الشرك والعصيان فيحل بهم من العذاب ما حل بغيرهم قال تعالى: {واتل عليهم نبأ نوح} 1 أي خبره العظيم الشأن وهو قوله لهم {يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي} 2 أي عظم وشق عليكم وجودي بينكم أدعوكم إلى الله، وتذكيري إياكم بآيات الله، فإني3 توكلت على الله فأجمعوا أمركم أي اعزمرا عزماً أكيداً وادعوا أيضاً شركاءكم للاستعانة بهم، ثم أحذركم أن يكون أمركم عليكم غمة أي4 خفياً ملتبساً عليكم فيجعلكم تترددون في إنفاذ ما عزمتم عليه، ثم اقضوا5 إليَّ ما تريدون من قتلي أو نفعي ولا
تنظرون أي لا تؤخروني أي تأخير. وقوله تعالى: {فإن توليتم} أي أعرضتم عن دعوتي وتذكيري ولم تقبلوا ما أدعوكم إليه من عبادة الله تعالى وحده، فما سألتكم عليه من أجر أي ثواب، حتى تتولوا. إن أجري إلا على ربي الذي أرسلني وكلفني. وقد أمرني أن أكون من المسلمين له قلوبهم ووجوههم وكل أعمالهم فأنا كذلك كل عملي له فلا أطلب أجراً من غيره قال تعالى: {فكذبوه} أي دعاهم واستمر في دعائهم إلى الله زمناً غير قصير وكانت النهاية: أن كذبوه، ودعانا لنصرته فنجيناه ومن معه من المؤمنين في السفينة وجعلناهم خلائف6 لبعضهم بعضاً أي يخلف الآخر الأول، وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا التي أرسلنا بها عبدنا نوحاً فانظر يا رسولنا كيف كان عاقبة المنذرين الذين لم يقبلوا النصح ولم يستجيبوا للحق إنها عاقبة وخيمة إذ كانت إغراقاً في طوفان وناراً في جهنم وخسراناً قال تعالى في سورة نوح: {مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا ناراً فلم يجدوا لهم من دون الله أنصاراً} .
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- تسلية الدعاة بمثل موقف نوح العظيم إذ قال لقومه: أجمعوا أمركم ونفذوا ما تريدون إني توكلت على الله.
2- ثمرة التوكل شجاعة واطمئنان نفس وصبر وتحمل مع مضاء عزيمة.
3- دعوة الله لا ينبغي أن يأخذ الداعي عليها أجراً إلا للضرورة.
4- بيان سوء عاقبة المكذبين بعد إنذارهم وتحذيرهم.
__________
1 {اتل} فعل أمر حذفت منه الواو لبنائه على حذفها إذ ماضيه تلا ومضارعه يتلو، والأمر: اتل بمعنى اقرأ، والتلاوة: موالاة الكلمات والقراءة جمعها.
2 المقام: بفتح القاف، موضع القيام، والمُقام بالضمّ الإقامة، ومعنى كبُر: ثقل وعظم.
3 هذه الجملة {فعلى الله توكلت} هي جواب الشرط الذي هو: فان كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله التي هي دلائل فضله ودلائل وحدانيته تعالى.
4 الغمّة والغمَ بمعنى واحد، ومعناه التغطية والستر ومنه: غم الهلال إذا استتر، قال الشاعر:
لعمرك ما أمري عَليّ بغمّة ... نهاري ولا ليلي عليَّ بسرمد
وأصل الغمّ: مشتق من الغمامة، وكل أمر مبهم ملتبس فهو غمّة.
5 أي: أنفذوا ما حكتم به عليَّ من قتلي إن أردتم ذلك.
6 جمع خليفة وهو اسم لمن يخلف غيره.
************************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
25-03-2022, 08:07 PM
فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (74) ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (75) فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (76) قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (77) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ (78)
شرح الكلمات:
بالبينات: أي بالحجج الواضحات على صدق دعوتهم، وما يدعون إليه من توحيد الله تعالى.
نطبع: الطبع على القلب عبارة عن تراكم الذنوب على القلب حتى لا يجد الإيمان إليه طريقاً.
المعتدين: الذين تجاوزوا الحد في الظلم والاعتداء على حدود الشرع.
الحق.: الآيات التي جاء بها موسى عليه السلام وهي تسع.
لتلفتنا: لتصرفنا وتحول وجوهنا عما وجدنا عليه آباءنا.
الكبرياء: أي العلو والسيادة والملك على الناس.
معنى الآيات:
لما ذكر تعالى طرفاً من قصة نوح عليه السلام وأبرز فيها مظهر التوكل على الله تعالى من نوح ليُقتدى به، ومظهر نصرة الله تعالى لأوليائه وهزيمته أعدائه ذكر هنا سنة من سننه في خلقه وهي أنه بعث من بعد نوح رسلاً كثيرين1 إلى أممهم فجاؤوهم بالبينات أي بالحجج والبراهين على صدقهم وصحة ما جاءوا به ودعوا إليه من توحيد الله، فما كان أولئك الأقوام ليؤمنوا بما كذب به من سبقهم من أمة نوح. قال تعالى: {كذلك نطبع على2
قلوب المعتدين} هذا بيان سنة الله تعالى في البشر وهي أن العبد إذا أذنب وواصل الذنب بدون توبة يصبح الذنب طبعاً من طباعه لا يمكنه أن يتخلى عنه، وما الذنب إلا اعتداء على حدود الشارع فمن اعتدى واعتدى وواصل الاعتداء حصل له الطبع وكان الختم على القلب فيصبح لا يقبل الإيمان ولا يعرف المعروف ولا ينكر المنكر. وقوله تعالى: {ثم بعثنا من بعدهم موسى وهرون} 3 أي من بعد الأمم الهالكة بعثنا رسولينا موسى وهرون ابني عمران إلى فرعون وملئه بآياتنا المتضمنة الدليل على صحة مطلب رسولينا وهو توحيد الله وإرسال بني إسرائيل معهما، {فاستكبروا} أي فرعون وملؤه {وكانوا قوماً مجرمين} حيث أفسدوا القلوب4 والعقول وسفكوا الدماء وعذبوا الضعفاء يقول تعالى عنهم {فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا إن هذا لسحر مبين} أي لما بهرتهم المعجزات وهي آيات موسى وأبطلت إفكهم قالوا إن هذا لسحر مبين تخلصاً من الهزيمة التي لحقتهم، فرد موسى عليهم بقوله {أتقولون للحق لما جاءكم} هذا سحر5 ثم بعد توبيخهم استدل على بطلان قولهم بكونه انتصر عليهم فأفلح بينهم وفاز عليهم فقال: {أسحر هذا ولا يفلح الساحرون} فلو كان ما جئت به سحراً فكيف أفلحت في إبطال سحركم وهزيمة سحرتكم. فلما أفحمهم بالحجة قالوا مراوغين: {أجئتنا لتلفتنا} أي تصرفنا {عما وجدنا عليه آباءنا، وتكون لكما الكبرياء في الأرض} أي وتكون لكما السيادة والملك في أرض مصر فسلكوا مسلك الاتهام السياسي. وقالوا {وما نحن لكما بمؤمنين} أي بمصدقين ولا متبعين.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- بيان سنة الله في البشر وهي أن التوغل في الشر والفساد والظلم يوجب الختم على القلوب فيحرم العبد الإيمان والهداية.
2- ذم الاستبكار وأنه سبب كثير من الإجرام.
3- تقرير أن السحر صاحبه لا يفلح أبداً ولا يفوز بمطلوب ولا ينجو من مرهوب.
4- الاتهامات الكاذبة من شأن أهل الباطل والظلم والفساد.
__________
1 كهود وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب وغيرهم.
2 {نطبع} نختم، إذ الختم والطبع واحد، والطبع يكون بالخاتم.
3 أي: من بعد الرسول والأمم إذ لكل امّة رسول.
4 أفسدوا القلوب بالشرك والكفر والعقول بالسحر والأباطيل وسفكوا الدماء بقتل ذكران بني إسرائيل الصغار (المواليد) .
5 مفعول {أتقولون} محذوف لدلالة الكلام عليه وهو: إن هذا لسحر مبين وتقدير الكلام أنهم لما قالوا في الآيات لسحر مبين رد عليهم موسى بقوله: أتقولون للحق لما جاءكم هذا. أسحر هذا؟ أي كيف يكون هذا الذي جئتكم به من الآيات سحراً؟ والساحر لا يفلح وقد أفلحت فبطل أن يكون ما جئتكم به من الآيات سحراً للحق: اللام يسميهم بعضهم لام المجاوزة فهي بمعنى عن أي: تقولون عن الحق كذا. والظاهر أنها لام التعليل.


(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
25-03-2022, 08:08 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة يونس - (12)
الحلقة (483)
تفسير سورة يونس مدنية
المجلد الثانى (صـــــــ 497الى صــــ 501)


وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (79) فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُواْ مَا أَنتُم مُّلْقُونَ (80) فَلَمَّا أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81) وَيُحِقُّ اللهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (82)
شرح الكلمات:
ساحر عليم: أي ذو سحر حقيقي له تأثير عليم بالفن.
ألقوا: أي ارموا في الميدان ما تريدون إلقاءه من ضروب السحر.
إن الله سيبطله: أي يظهر بطلانه أمام النظارة من الناس.
ويحق الله الحق: أي يقرر الحق ويثبته.
بكلماته: أي بأمره إذ يقول للشيء كن فيكون.
المجرمون: أهل الإجرام على أنفسهم وعلى غيرهم وهم الظلمة المفسدون.
رجال دولته أن يحضروا له علماء السحر1 ليبارى موسى في السحر فجمع سحرته فقال لهم موسى {ألقوا ما أنتم ملقون} 2 فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون، فنظر إليه موسى وقال: {ما جئتم3 به السحر إن الله سيبطله4 إن الله لا يصلح عمل المفسدين ويحق الله الحق بكلماته ولوكره المجرمون} 5 وألقى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- للسحر طرق يتعلم بها وله علماء به وتعلمه حرام واستعماله حرام.
2- حد الساحر القتل لأنه إفساد في الأرض.
3- جواز المبارزة للعدو والمباراة له إظهاراً للحق وإبطالاً للباطل.
4- عاقبة الفساد وعمل أصحابه الخراب والدمار.
5- متى قاوم الحق الباطل انهزم الباطل وانتصر الحق بأمر الله تعالى ووعده الصادق.
__________
1 طلب فرعون بإتيانه بالسحرة إذ قال: أئتوني بكل ساحر عليم قال هذا لما شاهد العصا واليد البيضاء فاعتقد أنها سخر فأراد أن يقابله بسحر قومه.
2 أي: اطرحوا ما معكم من حبالكم وعصّيكم.
3 أي: ما أظهرتموه لنا من هذه الحبال والعصي، وقد تراءت وكأنها حيّات وثعابين هو السحر وعلّل لذلك. بقوله إنّ الله سيبطله وعلة أخرى وهو أن الله لا يصلح عمل المفسدين، وإظهار اسم الجلالة في التعليلين: {إن الله سيبطله} {إنّ الله لا يصلح عمله المفسدين} لإلقاء الروع وتربية المهابة في النفوس.
4 قال ابن عباس رضي الله عنه من أخذ مضجعه من الليل ثم تلا هذه الآية. {ما جئتم به السحر إنّ الله سيبطله إنّ الله لا يصلح عمل المفسدين} لم يضرّه كيد ساحر.
5 أراد بالمجرمين: فرعون وملأه، وفي الكلام تعريض بهم، وعدل عن وصفهم بالإجرام لأنّه مأمور أن يقول قولاً ليّنأ فاستغنى بالتعريض بدل التصريح.
**************************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
25-03-2022, 08:09 PM
وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (82) فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (83) وَقَالَ مُوسَى يَاقَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84) فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (86) وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (87)
شرح الكلمات:
فما آمن لموسى: أي لم يَنْقَدْ له ويتبعه.
إلا ذرية: أي طائفة قليلة من أولاد بني إسرائيل.
وملائهم: أي أشرافهم ورؤسائهم.
أن يفتنهم: أن يضطهدهم ويعذبهم.
لعال في الأرض: قاهر مُستبدّ.
مسلمين: مذعنين منقادين لأمره ونهيه.
فتنة للقوم الظالمين: أي لا تفتنهم بنا بأن تنصرهم علينا فيروا أنهم خير منا فيزدادوا كفراً.
أن تبوَّءا: اتخذا لقومكما بمصر بيوتا تبوءون إليها وترجعون.
قبلة: أي مساجد تصلون فيها.
معنى الآيات:
بعد ذلك الانتصار الباهر الذي تم لموسى على السحرة، والهزيمة المرة التي لحقت فرعون ولم يؤمن لموسى ويتابعه إلا ذرّيّة من بني إسرائيل، وعدد قليل من آل فرعون كامرأته ومؤمن آل فرعون والماشطة قال تعالى: {فما آمن لموسى إلا ذرية1 من قومه على خوف من فرعون} أي مع خوف من فرعون أن يفتنهم وقوله: {وملائهم} عائد إلى مؤمنى آل فرعون أي مع خوف من ملائهم أي رؤسائهم وأشرافهم أن يفتنوهم أيضاً، وقوله تعالى {وإن فرعون لعال في الأرض} أي إنه قاهر متسلط مستبد ظالم، {وإنه لمن المسرفين} 2 في الظلم فلذا خافوه لما آمنوا، ولما ظهر الخوف علي بني إسرائيل قال لهم موسى {يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين} 3 ففوضوا أمركم إليه إن كنتم حقاً مسلمين لله منقادين لأمره ونهيه، فأجابوا قائلين: {على الله توكلنا} وسألوا الله تعالى أن لا يفتن قوم فرعون بهم بأن ينصرهم عليهم فيزدادوا كفراً وظلماً، وضمن ذلك أن لا تسلط الظالمين علينا فيفتونا في ديننا بصرفنا عنه بقوة التعذيب {ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين، ونجنا برحمتك من القوم الكافرين} وهذا حسن توسل منهم إذا قالوا برحمتك فتوسلوا إلى الله برحمته ليستجيب دعاءهم، والمراد من القوم الكافرين هنا فرعون وملأه. وقوله تعالى: {وأوحينا إلى موسى وأخيه} أي هارون {أن تبوءا لقومكما} 4 أي من بني إسرائيل {بمصر} أي بأرض مصر5 {بيوتاً، واجعلوا بيوتكم قبلة} 6 أي متقابلة ومساجد7 تصلون فيها {وأقيموا الصلاة} على الوجه الذي شرع لكم. وهذا بناء على أن بني إسرائيل بعد الانتصار على فرعون أخذوا ينحازون من مجتمع فرعون فأمروا أن يكونوا حياً مستقلاً استعداداً للخروج من أرض مصر فأمرهم الرب تبارك وتعالى أن يجعلوا بيوتهم قبلة أي متقابلة ليعرفوا من يدخل عليهم ومن يخرج منهم وليصلوا فيها كالمساجد حيث منعوا من المساجد إما بتخريبها وإما بمنعهم منها ظلماً وعدواناً وقوله تعالى {وبشر المؤمنين} أي وبشر يا رسولنا8 المؤمنين الصادقين في إيمانهم الكاملين فيه بحسن العاقبة بكرامة الدنيا وسعادة الآخرة بدخول دار السلام.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- تسلية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيث أراه كيف انتصر موسى بالمعجزات ومع ذلك لم يتابعه إلا القليل من قومه.
2- التنديد بالعلو في الأرض والإسراف في الشر والفساد وبأهلهما.
30- وجوب التوكل على الله تعالى لتحمل عبء الدعوة إلى الله تعالى والقيام بطاعته.
4- مشروعية الدعاء والتوسل إلى الله تعالى بأسمائه وصفاته.
5- اتخاذ المساجد في المنازل للصلاة فيها عند الخوف.
6- وجوب إقام الصلاة.
7- بشرى الله تعالى للمؤمنين والمقيمين للصلاة بحسن العاقبة في الدارين.
__________
1 المراد بالذرية أولاد بني إسرائيل الشبان الذين آمنوا عند مشاهدّة المباراة وانتصار موسى فيها.
2 {المسرفين} : أي المجاوزين الحد في الكفر لأنه كان عبداً فادعى الربوبية.
3 كرر جملة الشرط تأكيداً، مبيّناً أن كمال الإيمان يقتضي التوكل على الله تعالى.
4 أي: اتخذا، يقال: بوّاه الدار: انزله إيَّاها وأسكنه فيها. وفي الحديث "من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار" أي: فلينزله ملازما له.
5 قيل: المراد بمصر: الأسكندرية.
6 في الآية دليل علي جواز صلاة الخائف المكتوبة في بيته، أمّا النافلة فهي في البيوت أفضل لقول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "فعليكم بالصلاة في بيوتكم فإن خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة".
7 في هذا جمع بين رأيين الأول: أن المراد من كلمة قبلة: أنها مساجد والثاني: أنها متقابلة ليتم لهم بذلك حمايتهم من عدوهم بعد أن استقلوا عنه.
8 هو موسى علبه السلام، بدليل السياق الكريم.

ابوالوليد المسلم
25-03-2022, 08:10 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة يونس - (13)
الحلقة (484)
تفسير سورة يونس مدنية
المجلد الثانى (صـــــــ 501الى صــــ 507)

وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ (88) قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ (89)
شرح الكلمات:
زينة: أي حلياً وحللاً ورياشاً ومتاعاً.
أموالاً: أي كثيرة من الذهب والفضة والأنعام والحرث.
اطمس: أي أزل أثرها من بينهم بإذهابها.
واشدد على قلوبهم: اربط عليها حتى لا يدخلها إيمان ليهلكوا وهم كافرون.
أجيبت دعوتكما:. أي استجابها الله تعالى.
فاستقيما: على طاعة الله بأداء رسالته والدعوة إليه والصبر على الأذى فيه.
سبيل الذين لا يعلمون: أي طريق الجهلة الذي لا يعرفون محاب الله ومساخطه ولا يعلمون شرائع الله التي أنزل لعباده.
معنى الآيتين:
ما زال السياق في قصة موسى مع فرعون وبني إسرائيل فبعد أن لج فرعون في العناد والمكابرة بعد هزيمته سأل موسى ربه قائلاً {ربنا إنك آتيت فرعون وملأه} أي أعطيتهم {زينة} أي ما يتزين به من الملابس والفرش والأثاث وأنواع الحلي والحلل وقوله {وأموالاً} 1 أي الذهب والفضة والأنعام والحرث {في الحياة الدنيا} أي في هذه الحياة الدنيا وقوله: {ربنا ليضلوا عن سبيلك} 2 أي فيسبب ذلك لهم الضلال إذاً {ربنا اطمس3 على أموالهم} أي أذهب أثرها بمسحها وجعلها غير صالحة للانتفاع بها، {واشدد على4 قلوبهم} أي اطبع على قلوبهم واستوثق منها فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم الموجع أشد الإيجاع، قال تعالى: {قد أجيبت دعوتكما، فاستقيما} 5 على طاعتنا بالدعوة إلينا وأداء عبادتنا والنصح لعبادنا والعمل على إنقاذ عبادنا من ظلم الظالمين، {ولا تتبعانِّ سبيل الذين لا يعلمون} أي فتستعجلا وقوع العذاب فإن الذين لا يعلمون ما لله من حكم وتدابير وقضاء وقدر يستعجلون الله تعالى في وعده لهم فلا تكونوا مثلهم بل انتظروا وعدنا واصبروا حتى يأتي وعد الله وما الله بمخلف وعده.
أجيبت دعوتكما:. أي استجابها الله تعالى.
فاستقيما: على طاعة الله بأداء رسالته والدعوة إليه والصبر على الأذى فيه.
سبيل الذين لا يعلمون: أي طريق الجهلة الذي لا يعرفون محاب الله ومساخطه ولا يعلمون شرائع الله التي أنزل لعباده.
هداية الآيتين
من هداية الآيتين:
1- مشروعية الدعاء بالهلاك على أهل الظلم.
2- كثرة المال وأنواع الزينة، والانغماس في ذلك والتلهي به يسبب الضلال لصاحبه.
3- الذين بلغوا حداً من الشر والفساد فطبع على قلوبهم لا يموتون إلا على الكفر فيخسرون.
4- المؤمِّن داع فهو شريك في الدعاء6 فلذا أهل المسجد يؤمِّنون على دعاء الإمام في الخطبة فتحصل الإجابة للجميع، ومن هنا يخطيء الذين يطوفون أو يزورون إذ يدعون بدعاء المطوف ولا يؤمِّنون.
5- حرمة إتباع طرق أهل الضلال، وتقليد الجهال والسير وراءهم.
__________
1 قيل: إنه كان لهم من فسطاط مصر إلى ارض الحبشة جبال فيها معادن الذهب والفضة والزبرجد والزمرد، والياقوت.
2 في هذه اللام أقوال: أصحها: أنها لام العاقبة، والصيرورة. أي: يا رب إنك آتيت فرعون وقومه أموالاً ليؤول أمرهم بسبب تلك الأموال إلى ضلالهم.
3 أي: عاقبهم على كفرهم بإهلاك أموالهم. وفعلا أصبحت حجارة لا ينتفع لها وكان ذلك عقوبة منه تعالى لهم على كفرهم وعنادهم.
4 قد استشكل العلماء وجه دعاء موسى على فرعون وقومه بالهلاك إذ المفروض أن يدعو لهم بالهداية. وأجيب بأنه قد علم بإعلام الله تعالى له أنهم لا يؤمنون فلذا دعا عليهم، كما أعلم الله تعالى نوحاً بعدم إيمان قومه فلذا دعا عليهم، إذ قال له ربَّه: {إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن} وهنا دعا عليهم قائلاً: {ربِّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّاراً} .
5 كان موسى يدعو، وهارون يؤمن أي: يقول: آمين فاعتبر داعيا مع أخيه. لأنّ قول آمين معناه: اللهم استجب دعاءنا.
6 روى الترمذي الحكيم عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "إن الله قد أعطى أمتي ثلاثاً لم تعط أحداً قبلهم: السلام، وهي تحية أهل الجنة، وصفوف الملائكة وآمين إلاَّ ما كان من موسى وهارون" وعلى هذا فموسى كان يدعو وهارون يؤمن فاعتبر داعياً.
**********************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
25-03-2022, 08:11 PM
وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92)
شرح الكلمات:
وجاوزنا ببني إسرائيل: أي قطعنا بهم البحر حتى تجاوزوه.
البحر: بحر القلزم.
بغيا وعدوا 1: أي بغيا على موسى وهرون واعتداء عليهما.
الآن: أي أفي هذا الوقت تقر بالوحدانية وتعترف له بالذلة؟!.
ببدنك: أي بجسدك لا روح فيه.
آية: علامة على أنك عبد وليس برب فيعتبروا بذلك.
معنى الآيات:
ما زال السياق في قصة موسى وهرون مع فرعون وبني إسرائيل قال تعالى: {وجاوزنا2 ببني إسرائيل البحر} وذلك بداية استجابة الله تعالى دعوة موسى وهرون ومعنى {جاوزنا} أي قطعنا بهم البحر حتى تجاوزوه، وذلك بأن أمر موسى أن يضرب بعصاه البحر فضرب فانفلق البحر فكان كل فرق كالطود العظيم ويَبِسَت الأرض ودخل موسى مع بني إسرائيل يتقدمهم جبريل عليه السلام على فرس حتى تجاوزوا البحر إلى الشاطىء، وجاء فرعون على فرسه ومعه ألوف3 الجنود فتبعوا موسى4 وبني إسرائيل فدخلوا البحر فلما توسطوه أطبق5 الله تعالى عليهم البحر فغرقوا أجمعين إلا ما كان من فرعون فإنه لما أدركه الغرق أي لحقه ووصل الماء إلى عنقه أعلن عن توبته فقال: {آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل} ولكبريائه لم يقل لا إله إلا الله ولو قالها لتاب الله عليه فأنجاه بل قال: {لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل} وهو يعرف أنه الله. وقوله: {وأنا من المسلمين} مبالغة في طلب النجاة من الغرق بالتوبة حيث أعلن أنه من المسلمين أي المستسلمين المنقادين لأمره. فرد الله تعالى بقوله: {آلآن} أي وقت التوبة6 والإسلام بعد الإيمان،
{وقد عصيت قبل} وتمردت على الله وشرعه وكفرت به وبرسوله {وكنت من المفسدين} للبلاد والعباد بالظلم والشر والفساد، {فاليوم ننجيك} أي نجعلك على نجوة من الأرض أي مرتفع منها {ببدنك} أي يجسمك دون روحك، وبذلك {لتكون لمن خلفك} أو بعده من الناس {آية} أي علامة على أنك عبد مربوب وليس كما زعمت أنك رب وإله معبود، وتكون عبرة لغيرك فلا يطغى طغيانك ولا يكفر كفرانك فيهلك كما هلكت، وقوله تعالى: {وإن كثيراً من الناس عن آياتنا لغافلون} إخبار منه بواقع الناس ومن أولئك الغافلين عن آيات الله وهي تتلى عليهم أهل مكة من كفار قريش وما سيق هذا القصص إلا لأجل هدايتهم. لو كانوا يهتدون.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- لا تقبل التوبة عند معاينة العذاب وفي الحديث "تقبل توبة العبد ما لم يغرغر".
2- أكمل الأديان وأفضلها الإسلام ولهذا أهل اليقين يسألون الله تعالى أن يتوفاهم مسلمين ولما أيقن فرعون بالهلاك زعم أنه من المسلمين.
3- فضل لا إله إلا الله فقد ورد أن جبريل كان يحول بين فرعون وبين أن يقول: لا إله إلا الله فينجو فلم يقلها فغرق وكان من الهالكين.
4- تقرير حقيقة وهي أن أكثر الناس في هذه الحياة غافلون عما يراد بهم ولهم ولم ينتبهوا حتى يهلكوا.
__________
1 {بغياً} منصوب على الحال. و {عدوا} معطوف عليه، وكان اتباع فرعون بني إسرائيل بغيا وعدوا لأنه ليس له شائبة حق في منعهم من الخروج من بلاده إلى بلادهم.
2 جاوزنا وجوّزنا: بمعنى واحد.
3 قال القرطبي: كان بنو إسرائيل ستمائة وعشرين ألفاً، وكان جيش فرعون ألفي ألف وستمائة ألف. أي مليونين ونصفاً وزيادة.
4 تبع واتبع بمعنى واحد إذا لحقه وأدركه، وأمّا اتبع بالتشديد فإن معناه: سار خلفه.
5 روى الترمذي وحسّنه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال "لما أغرق الله فرعون قال: آمنت انه لا إله إلاّ الذي آمنت به بنو إسرائيل، قال جبريل يا محمد فلو رأيتني وأنا آخذ من وحل البحر فأدسه في فيه مخافة أن تدركه الرحمه" وحل البحر: الطين الأسود الذي بكون في أسفله، ومعنى تدركه الرحمة: أي يقول لا اله إلا الله.
6 لأنّ التوبة تقبل من العبد ما لم يرَ علامات الموت بمشاهدة الملائكة، وفي الحديث الصحيح: "إن الله يقبل توبة العبد ما لم يُغرغر".
******************************************
وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُواْ حَتَّى جَاءهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (93)
شرح الكلمات:
مبوأ صدق: أي أنزلناهم منزلاً صالحاً طيباً مرضياً.
من الطيبات: أي من أنواع الأرزاق الطيبة الحلال.
حتى جاءهم العلم: وهو معرفتهم أن محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو النبي المنتظر وأنه المنجي.
يقضي بينهم: يحكم بينهم.
فيما كانوا في يختلفون: وأي في الذي اختلفوا من الحق فيدخل المؤمنين الجنة والكافرين النار.
معنى الآية الكريمة:
هذه خاتمة الحديث عن موسى وبني إسرائيل بعد أن نجاهم الله من عدوهم بإهلاكه في اليم قال تعالى: {ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق} أي أنزلناهم مبوأ صالحاً طيباً وهو بلاد فلسطين من أرض الشام المباركة1، وذلك بعد نجاتهم من التيه ودخولهم فلسطين بصحبة نبي الله يوشع بن نون عليه السلام، وقوله {ورزقناهم من الطيبات} إذ أرض الشام أرض العسل والسمن والحبوب والثمار واللحم والفحم وذكر هذا إظهار لنعم الله تعالى ليشكروها. وقوله: {فما اختلفوا حتى جاءهم العلم} يريد أن بني إسرائيل الذين أكرمهم ذلك الإكرام العظيم كانوا قبل مبعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متفقين على دين واحد منتظرين النبي المنتظر المبشر به في التوراة الذي سينقذ بني إسرائيل مما حل بهم من العذاب والاضطهاد على أيدي أعدائهم الروم، فلما جاءهم وهو العلم وهو القرآن والمنزل عليه محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اختلفوا فمنهم من آمن به2، ومنهم من كفر. وقوله تعالى في خطاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إن ربك يقضي3 بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون} من أمر الإيمان لك واتباعك واتباع ما جئت به من الهدى ودين الحق، فيدخل المؤمنين الجنة ويدخل الكفار النار.
هداية الآية الكريمة:
من هداية الآية الكريمة:
1- بيان إكرام الله تعالى لبني إسرائيل.
2- الرزق الطيب هو ما كان حلالاً لا ما كان حراماً.
3- إذا أراد الله هلاك أمة اختلف بسبب العلم الذي هو في الأصل سبب الوحدة الوئام.
4- حرمة الاختلاف في الدين إذ كان يؤدي إلى4 الانقسام والتعادي والتحارب.
5- يوم القيامة هو يوم الفصل الذي يقضي الله تعالى فيه بين المختلفين بحكمه العادل.
__________
1 وروي ان ابن عباس رضي الله عنهما قال: في المبوأ الصدق: هو بنو قريظة وبنو النضير، وأهل عصر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقرينة: {فما اختلفوا حتى جاءهم العلم} الذي هو القرآن يحمله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقرينة ما في التفسير هي أنّ الحديث كان في إنجاء بني إسرائيل وإهلاك فرعون وهو يناسبه أن يكون المبوأ: أرض فلسطين والشام.
2 كعبد الله بن سلام وأمثاله.
3 يقضي: معناه يحكم، فيحكم لأهل الإيمان والاستقامة بدخول الجنة ويحكم لأهل الكفر والضلال النار.
4 مثال الاختلاف الذي لا يؤدي إلى الانقسام والتعادي والتحارب: الخلاف الفقهي بين الأئمة الأربعة، ومثال الخلاف المفضي إلى التعادي والتحارب الخلاف بين أهل السنة والفرق الضالة كالخوارج والروافض وأمثالهما.

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
25-03-2022, 08:12 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة يونس - (14)
الحلقة (485)
تفسير سورة يونس مدنية
المجلد الثانى (صـــــــ 507الى صــــ 512)

فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (94) وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ اللهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (95) إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جَاءتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ (97)
شرح الكلمات:
شك:. ما قابل التصديق فالشاك غير المصدق.
مما أنزلنا إلبك: أي في أن بني إسرائيل لم يختلفوا إلا من1 بعد ما جاءهم العلم.
الكتاب: أي التوراة والإنجيل.
فلا تكونن من الممترين: أي لا تكونن من الشاكين.
حقت عليهم: أي وجبت لهم النار بحكم الله بذلك في اللوح المحفوظ.
حتى يروا العذاب: أي يستمرون على تكذيبهم حتى يروا العذاب يؤمنوا حيث لا ينفع الإيمان2.
معنى الآيات:
يقرر تعالى نبوة رسوله {فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل3 الذين يقرأون الكتاب من قبلك} أحبار اليهود ورهبان النصارى فإنهم يعرفون نعوتك وصفاتك في التوراة والإنجيل وإنك النبي الخاتم والمنقذ وأن من آمن بك نجا ومن كفر هلك وهذا من باب الفرض وليكون تهييجاً للغير ليؤمن وإلا فهو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد قال: {لا أشك ولا أسأل" وقوله {لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين} ، يقسم تعالى لرسوله بأنه قد جاءه الحق من ربه وهو الحديث الثابت بالوحي الحق وينهاه أن يكون من الممترين أي الشاكين في صحة الإسلام، وأنه الدين الحق الذي يأبى الله إلا أن يظهره على الدين كله ولو كره المشركون. وقوله {ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين} أي وينهاه أيضاً أن يكون من الذين كذبوا بوحي الله وشرعه ورسوله المعبر عنها بالآيات لأنها حاملة لها داعية إليها، فتكون من الخاسرين يوم القيامة. وهذا كله من باب ("إياك أعني واسمعي يا جاره") وإلا فمن غير الجائز أن يشك الرسول أو يكذب بما أنزل عليه من الآيات الحاملة من الشرائع والأحكام. وقوله تعالى: {إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية} هو كما أخبر عز وجل فالذين قضى4 الله بعذابهم يوم القيامة فكتب ذلك في كتاب المقادير عنده هؤلاء لا يؤمنون أبداً مهما بذل في سبيل إيمانهم من جهد في تبيين الحق وإقامة الأدلة وإظهار الحجج عليهم وفي هذا تسلية لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من جراء ما يألم له ويحزن من إعراض كفار قريش وعدم استجابتهم وقوله {ولو جاءتهم كل آية} تأكيد للحكم السابق وهو أن الذي حكم الله بدخولهم النار لا يؤمنون ولا يموتون إلا كافرين لينجز الله ما وعد ويمضي ما قضى وحكم. وقوله: {حتى يروا العذاب الأليم} أي يستمرون على كفرهم بك وبما جئت به حتى يشاهدوا العذاب الأليم وحينئذ يؤمنون كما آمن فرعون عندما أدركه الغرق ولكن لم ينفعه إيمانه فكذلك هؤلاء المشركون من
قومك الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون حتى يروا العذاب الأليم وعندئذ لا ينفعهم إيمانهم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- تقرير نبوة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
2- سؤال من لا يعلم من يعلم.
3- التكذيب بآيات الله كفر وصاحبه من الخاسرين.
4- الشك والافتراء في أصول الدين وفروعه كفر.
5- تقرير عقيدة القضاء والقدر، وإن الشقي من شقي في كتاب المقادير5 والسعيد من سعد فيه.
6- عدم قبول توبة من عاين العذاب في الدنيا بأن رأى ملك الموت وفي الآخرة بعد أن يبعث ويشاهد أهوال القيامة.
__________
1 هذا وجه من جملة أوجه فَسّرت بها الآية.
2 لا خلاف في أن الإيمان كالتوبة لا يقبلان عند معاينة الموت ففي سورة النساء قال تعالى: {وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا جاء أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفّار} . وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر.
3 لا حاجة إلى طلب حلول بعيدة لحلّ ما في ظاهر الآية من إشكال، إذ لهذه الآية نطير وهو قوله تعالى: {لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين} معنى الآية: أنّ الله تعالى يوجه الخطاب إلى رسوله، وأحبّ الخلق إليه ليكون غيره من باب أولى ألف مرة ومرّة وإلا فالرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يشك ولا يسأل وكيف يشك ويسأل وهو يتلقى الوحي من ربّه؟ وقد قال وقت ما نزلت الآية: "لا أشك ولا أسأل"، وتوجيهنا للآية في التفسير في غاية الوضوح، والحمد لله.
4 إن قيل: كيف يعذبهم لمجرد أن كتب ذلك عليهم؟ قلنا في الجواب إنه ما كتب شقوة نفس أو سعادة أخرى حتى علم ما ستفعله النفس باختيارها من كفر أو إيمان أو خير أو شر.
5 طالع النهر، فقد أوردنا سؤالاً عن هذه المسألة وأجبنا عنه تحت رقم (3) بما يكفي ويغني بإذن الله تعالى.
*****************************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
25-03-2022, 08:12 PM
فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (98) وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ (99) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ (100)
شرح الكلمات:
فلولا: أداة تحضيض هنا بمعنى هلاّ وفيها معنى التوبيخ والنفي.
قرية آمنت: أي أهل قرية آمنوا.
يونس: هو يونس بن مَتَّى نبي الله ورسوله1.
إلى حين: أي إلى وقت انقضاء آجالهم.
أفأنت تكره الناس: أي إنك لا تستطيع ذلك.
إلا بإذن الله.: أي بإرادته وقضائه.
الرجس: أي العذاب
معنى الآيات:
بعد أن ذكر تعالى في الآيات السابقة أن الخسران لازم لمن كذب بآيات الله، وأن الذين وجب لهم العذاب لإحاطة ذنوبهم بهم لا يؤمنون لفقدهم الاستعداد للإيمان ذكر هنا ما يحض به أهل مكة على الإيمان وعدم الإصرار على الكفر والتكذيب فقال: {فلولا2 كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها} أي فهلا أهل قرية آمنوا فانتفعوا بإيمانهم فنجوا من العذاب اللازم لمن لم يؤمن أي لِمَ لا يؤمنون وما المانع من إيمانهم وهذا توبيخ لهم.
وقوله {إلا قوم3 يونس4 لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا} فلم نهلكهم بعذاب استئصال وإبادة شاملة لأنهم لما رأوا أمارات العذاب بادروا إلى التوبة قبل نزوله بهم فكشف الله تعالى عنهم العذاب، ومتعهم بالحياة إلى حين انقضاء آجالهم فما لأهل أم القرى لا يتوبون كما تاب أهل نَيْنَوى من أرض الموصل وهم قوم يونس عليه السلام.
وقوله تعالى: {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً} يحمل دلالتين الأولى أن عرض الله تعالى الإيمان على أهل مكة وحضهم عليه وتوبيخهم على تركه لا ينبغي
أن يفهم منه أن الله تعالى عاجز عن جعلهم يؤمنون بل لو شاء إيمانهم لآمنوا كما لو شاء إيمان أهل الأرض جميعاً لآمنوا والثانية تسلية الرسول والتخفيف عنه من ألم وحزن عدم إيمان قومه وهو يدعوهم بجد وحرص ليل نهار فأعلمه ربه أنه لو شاء إيمان كل من في الأرض لآمنوا، ولكنه التكليف المترتب عليه الجزاء فيعرض الإيمان على الناس عرضاً لا إجبار معه فمن آمن نجا، ومن لم يؤمن هلك وبدل على هذا قوله له {أفأنت تكره5 الناس حتى يكونوا مؤمنين} أي إن هذا ليس لك، ولا كلفت به، وقوله تعالى: {وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله} تقرير وتأكيد لما تضمنه الكلام السابق من أن الإيمان لا يتم لأحد إلا بإرادة الله وقضائه، وقوله تعالى: {ويجعل الرجس6 على الذين لا يعقلون} أي إلا أنه تعالى يدعو الناس إلى الإيمان مبيناً لهم ثمراته الطيبة ويحذرهم من التكذيب مبيناً لهم آثاره السيئة فمن آمن نجاه وأسعده ومن لم يؤمن جعل الرجس الذي هو العذاب عليه محيطاً به جزاء له لأنه لا يعقل إذ لو عقل لما كذب ربه وكفر به وعصاه وتمرد عليه وهو خالقه ومالك أمره.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- من مظاهر رحمة الله تعالى بعباده دعوته إياهم إلى الإيمان به وحضهم عليه.
2- قبول التوبة قبل معاينة العذاب، ورؤية العلامات لا تمنع من التربة.
3- إرادة الله الكونية التي يكون بها الأشياء لا تتخلف أبداً، وإرادته الشرعية التكليفية جائزة التخلف.
لا إيمان إلا بإذن الله وقضائه فلذا لا ينبغي للداعي أن يحزن على عدم إيمان الناس إذا دعاهم ولم يؤمنوا لأن الله تعالى كتب عذابهم أزلاً وقضى به.
__________
1 احد أنبياء بني إسرائيل.
2 لولا حرت الأصل فيها أنها للتحضيض، وهو طلب الفعل بحثّ، ولكن إذا دخلت على ماض لم تصبح للتحضيض قطعاً بل للتغليط والتنديم والتوبيخ، وهي هنا لتغليط أهل مكة وتوبيخهم وتنديمهم على إصرارهم على الكفر وعدم توبتهم كما تاب قوم يونس حتى ينجوا من العذاب كما نجوا.
3 كان هؤلاء القوم خليطاً من الأشوريين واليهود الذين كانوا في أسر ملوك بابل بعد بختنصر، وكانت بعثة يونس عليه السلام إليهم في بداية القرن الثامن قبل المسيح عليه السلام.
4 إن قوم يونس كانوا بقرية تسمّى نينوي من أرض الموصل وكانوا يعبدون الأصنام، أقام في قومه يدعوهم إلى التوحيد وترك الشرك تسع سنين فيئس من إيمانهم فتوعدهم بالعذاب وخرج من بين أظهرهم وتركهم فلمّا رأوا ذلك خافوا نزول العذاب بهم فجأروا إلى الله تعالى بالاستغفار والدعاء والضراعة يا حي حين لا حي يا حي محيي الموتى يا حي لا إله إلا أنت ارفع عنا العذاب وقد ظهرت أماراته، فكشف الله عنهم العذاب كما قال تعالى: {إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين} .
5 الاستفهام: إنكاري ينكر تعالى على رسوله شدّة حرصه على إيمان قومه، حتى لكأنه يريد إكراههم على الإيمان به وبما جاء به من التوحيد.
6 الرجس: بضم الراء وكسرها: العذاب.

ابوالوليد المسلم
25-03-2022, 08:14 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة يونس - (15)
الحلقة (486)
تفسير سورة يونس مدنية
المجلد الثانى (صـــــــ 512الى صــــ 516)

قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (101) فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (102) ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (103)
شرح الكلمات:
ماذا في السموات والأرض: أي من عجائب المخلوقات، وباهر الآيات.
وما تغني الآيات والنذر: أي ما تغني أيِّ إغناء إذا كان القوم لا يؤمنون.
فهل ينتظرون.: أي ما ينتظرون.
خلوا من قبلهم: أي مضوا من قبلهم من الأمم السابقة.
قل فانتظروا: أي العذاب.
ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا: أي من العذاب المنتظر.
كذلك: أي كذلك الإنجاء ننج المؤمنين.
معنى الآيات:
ما زال السياق في دعوة قريش إلى الإيمان والتوحيد والطاعة لله ولرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد أمر تعالى رسوله أن يقول لهم: {قل انظروا1 ماذا في السموات والأرض} من سائر المخلوقات وما فيها من عجائب الصنعة، ومظاهر الحكمة والرحمة والقدرة فإنها تدعو إلى الإيمان بالله رباً وإلهاً لا إله غيره ولا رب سواه، وتفند دعوى ألوهية الأصنام والأحجار.
ثم قال تعالى: {وما تغني الآيات والنذر} أي الرسل في هداية قوم قضى الله تعالى أزلاً أنهم لا يؤمنون حتى ينتهوا إلى ما قدر لهم وما حكم به عليهم من عذاب الدنيا والآخرة ولكن لما كان علم ذلك إلى الله تعالى فعلى النذر أن تدعو وتبلغ جهدها والأمر لله من قبل ومن بعد. وقوله: {فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين2 خلوا من قبلهم} أي إنهم ما ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلفوا من قبلهم من قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم دعتهم رسلهم وبلغتهم دعوة ربهم إليهم إلى الإيمان والتوحيد والطاعة فاعرضوا فأخذهم الله إنه قوي شديد العقاب.
ثم أمر الله تعالى رسوله أن يقول لهم {فانتظروا3} أي ما كتب عليكم من العذاب إن لم تتوبوا إليه وتسلموا {إني معكم من المنتظرين} فإن كان العذاب فإن سنة الله فيه أن يهلك الظالمين المشركين المكذبين وينجي رسله والمؤمنين وهو معنى قوله تعالى4 في الآية الأخيرة (103) {ثم ننجى5 رسلنا والذين آمنوا، كذلك} أي الإنجاء {حقاً علينا6 ننج المؤمنين} .
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- لا تنفع الموعظة مهما بولغ فيها عبداً كُتب أزلاً أنه من أهل النار.
2- ما ينتظر الظلمة في كل زمان ومكان إلا ما حل بمن ظلم من قبلهم من الخزي والعذاب.
3- وعد الله تعالى ثابت لأوليائه بإنجائهم من الهلاك عند إهلاكه الظلمة المشركين.
__________
1 الفاء للتفريغ فالكلام متفرّع على جملة ما تغني الآيات والنذر. والاستفهام إنكاري تهكمي، وفيه معنى النفي أيضاً، والنكات لا تتزاحم.
2 المراد من الأيام: العذاب الذي يقع فيها، ويقال فيها الوقائع وهو نحو قولهم: أيام العرب، فلان عالم بأيام العرب أي: ما جرى فيها من أحداث ومنه قوله تعالى: {وذكرهم بأيّام الله} أي: بالعذاب الذي وقع فيها.
3 الجملة مستأنفة استئنافاً بيانياً لأنها واقعة موقع جواب سؤال تقديره: نحن أولاء منتظرون وأنت ماذا تفعل؟
4 {حقا علينا} جملة معترضة لأن المصدر يدل على الفعل، والتقدير أي: حق ذلك علينا حقا أي: أحققناه حقا علينا.
5 {ننجي} قرىء بالتخفيف، والتشديد، والمعنى واحد، وفي المصحف ننج بدون ياء لالتقاء الساكنين.
6 إن انتظار العذاب منذر بنزوله قريباً بديارهم والرسول معهم فمن هنا عطف جملة {ثم ننجي رسلنا} فأعلمهم بنجاة الرسل فكانت بشرى للرسول والمؤمنين.
************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
25-03-2022, 08:15 PM
قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (104) وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (105) وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ (106) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107)
شرح الكلمات:
من دينى: أي الإسلام في أنه حق.
يتوفاكم: أي يقبض أرواحكم فيميتكم.
وأن أقم وجهك للدين حنيفاً: أي أمرني ربى أن أقم وجهي للدين الإسلامي حنيفاً أي مائلاً عن كل الأدبان إليه دون غبره.
مالا ينفعك ولا يضرك: أي آلهة لا تنفع ولا تضر وهي أصنام المشركين وأوثانهم.
إنك إذاً من الظالمين: أي انك إذا دعوتها من المشركين الظالمين لأنفسهم.
فلا كاشف له إلا هو: أي لا مزيل للضُّر ومبعده عمن أصابه إلا هو عز وجل.
يصيب به: أي بالفضل والرحمة.
وهو الغفور الرحيم: أي لذنوب عباده التائبين الرحيم بعباده المؤمنين.
معنى الآيات:
بعد أن بين تعالى طريق الهدى وطريق الضلال وأنذر وحذر وواعد وأوعد في الآيات السابقة بما لا مزيد عليه أمر رسوله هنا أن يواجه المشركين من أهل مكة وغيرهم بالتقرير التالي فقال: {قل يا أيها الناس} أي مشركي مكة والعرب من حولهم {إن كنتم في شك} وريب1 في صحة ديني الإسلام الذي أنا عليه وأدعو إليه، {فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله} فمجرد شككم في صحة ديني لا يجعلني أعبد أوثاناً وأصناماً لا تنفع ولا تضر، {ولكن أعبد الله} الذي ينفع ويضر، يحيى ويميت، الله الذي يتوفاكم أي يميتكم بقبض أرواحكم فهو الذي يجب أن يعبد ويخاف ويرهب {وأمرت أن أكون من المؤمنين} أي أمرني ربي أن أومن به فأكون من المؤمنين فآمنت وأنا من المؤمنين. وقوله تعالى: {وأن أقم وجهك للدين حنيفاً ولا تكونن من المشركين} أي وأوحى إليّ ربي آمراً إياي بأن أقيم وجهي لدينه2 الحق فلا ألتفت إلى غيره من الأديان الباطلة، ونهاني مشدداً عليّ أن أكون من المشركين الذين يعبدون معه آلهة أخرى بعد هذا الإعلان العظيم والمفاصلة الكاملة والتعريض الواضح بما عليه أهل مكة من الضلال والخطأ الفاحش، واجه الله تعالى رسوله بالخطاب وهو من باب "إياك أعنى واسمعي يا جاره" فنهاه بصريح القول أن يدعو من دون الله ما لا ينفعه ولا يضره وهو كل المعبودات ما سوى الله عز وجل فقال: {ولا تدع من دون ما لا ينفعك} أي لا يجلب لك نفعاً ولا يدفع عنك ضراً، ولا يضرك بمنع خير عنك، ولا بإنزال شربك فإن فعلت بأن دعوت غير الله فإنك إذاً من الظالمين، ولما كان دعاء النبي غير الله ممتنعاً فالكلام إذاً تعريض بالمشركين وتحذير للمؤمنين، وقوله تعالى: في خطاب رسوله: {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له} 3 عنك {إلا هو} عز وجل، {وإن يردك بخير} من الخيور عافية وصحة رخاء ونصر {فلا راد لفضله} أي ليس هناك من يرده عنك بحال من الأحوال، وقوله: {يصيب} 4 أي بالفضل والخير والنعمة {من يشاء من عباده} إذ هو الفاعل المختار، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وقوله: {وهو الغفور الرحيم} بيان لصفات الجلال والكمال فيه فإنه تعالى يغفر ذنوب التائبين إليه مهما بلغت في العظم، ويرحم عباده المؤمنين مهما كثروا في العدد، وبهذا استوجب العبادة بالمحبة والتعظيم والطاعة والتسليم.
هداية الآيات
من هداية الآيات
1- على المؤمن أن لا يترك الحق مهما شك وشكك فيه الناس.
2- تحريم الشرك ووجوب تركه وترك أهله..
3- دعاء غير الله مهما كان المدعو شرك محرم فلا يحل أبداً، وإن سموه توسلاً.
4- لا يؤمن عبد حتى يوقن أن ما أراده الله له من خير أو شر لا يستطيع أحد دفعه ولا تحويله بحال من الأحوال، وهو معنى حديث5: "ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك".
__________
1 أي: إن كنتم في شك من صحة ديني فأنا غير شاكٍ في صحته وبطلان دينكم فلذا لا أعبد الذين تعبدون. من دون الله.
2 الأمر بإقامة الوجه لله كناية عن توجه النفس والإقبال بها على الله تعالى فلا تلتفت راغبة ولا راهبة إلى غير الله تعالى، وهذا كإسلام الوجه لله تعالى في آية: {ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن} ولازمه ترك كل دين إلى دين الله عزّ وجل.
3 تنكير ضرّ، كتنكير خير يُراد به النوعية الصالحة للقلة والكثرة.
4 يقال: أصابه بكذا: إذا أورده عليه ومسّه به.
5 هذا الكلام مستأنف يحمل إعلاناً عظيماً لأهل مكة أوّلاً، وللناس كافّة ثانياً مفاده: مجيئهم الرسول محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحق من ربهم وهو الدين الإسلامي فمن دخل فيه اهتدى إلى طريق سعادته ومن أعرض عنه ضل طريق نجاته وسعادته.

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
25-03-2022, 08:19 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة يونس - (16)
الحلقة (487)
تفسير سورةهود مكية
المجلد الثانى (صـــــــ 516الى صــــ 521)


قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ (108) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (109)
شرح الكلمات:
يا أيها الناس: أي يا أهل مكة.
قد جاء الحق: أي الرسول يتلو القرآن ويبين الدين الحق.
من اهتدى: أي آمن بالله ورسوله وعبد الله تعالى موحداً له.
ومن ضل: أي أبى إلا الإصرار على الشرك والتكذيب والعصيان.
فعليها: أي وبال الضلال على نفس الضال كما أن ثواب الهداية لنفس المهتدي.
وما أنا عليكم بوكيل: أي بمجبر لكم على الهداية وإنما أنا مبلغ ونذير.
واصبر حتى يحكم الله: أي في المشركين بأمره.
خير الحاكمين: أي رحمة وعدلاً وإنفاذاً لما يحكم به لعظيم قدرته.
معنى الآيتين:
هذا الإعلان الأخير في هذه السورة يأمر الله تعالى رسوله أن ينادى المشركين بقوله:
{يا أيها الناس} وهو نداء عام يشمل البشرية كلها وإن أريد به ابتداء أهل مكة {قد جاءكم الحق من ربكم} وهو القرآن يتلوه رسول الله وفيه بيان الدين الحق الذي لا كمال للإنسان له إلا بالإيمان به والأخذ الصادق بما تضمنه من هدى. وبعد فمن اهتدى بالإيمان والاتباع فإنما ثواب هدايته لنفسه إذ هي التي تزكو وتَطْهُر وتتأهل لسعادة الدارين، ومن ضل بالإصرار على الشرك والكفر والتكذيب فإنما ضلاله أي جزاء ضلاله عائد على نفسه إذ هي التي تَتَدَسَّى وتخبُث وتتأهل لمقت الله وغضبه وأليم عقابه. وما على الرسول المبلغ من ذلك شيء، إذ لم يوكل إليه ربه هداية الناس بل أمره أن يصرح لهم بأنه ليس عليهم بوكيل {وما أنا عليكم بوكيل} 1 وقوله تعالى: {واتبع ما يوحى إليك} 2 أمر للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالتزام الحق باتباع ما يوحى إليه من الأوامر والنواهي وعدم التفريط في شيء من ذلك، ولازم هذا وهو عدم اتباع ما لا يوحى إليه به ربه وقوله: {واصبر حتى يحكم الله3 وهو خير الحاكمين} أمر للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالصبر على اتباع الوحي والثبات على الدعوة وتحمل الأذى من المشركين إلى غاية أن يحكم الله فيهم وقد حكم فأمره بقتالهم فقتلهم في بدر وواصل قتالهم حتى دانوا لله بالإسلام ولله الحمد والمنَّة، وقوله {وهو خير الحاكمين} 4 ثناء على الله تعالى بأنه خير من يحكم وأعدل من يقضي لكمال علمه وحكمته، وعظيم قدرته، وواسع رحمته.
هداية الآيات
من هداية الآيات
1- تقرير أن القرآن والرسول حق والإسلام حق.
2- تقرير مبدأ أن المرء يشفى ويسعد بكسبه لا بسكب غيره. 5
3- وجوب اتباع الوحي الإلهي الذي تضمنه القرآن والسنة الصحيحة.
4- فضيلة الصبر وانتظار الفرج من الله تعالى.
__________
1 هذه الجملة داخلة ضمن الإعلان، وهي أن يعلم أهل مكة والناس من حولهم أن الرسول المبلّغ الإسلام لهم غير موكل بهدايتهم وأنّ أمر ذلك متروك لهم، فمن شاء اهتدى، ومن شاء ضلّ، وما عليه إلا البلاغ. وقد بلّغ.
2 هذا إرشاد للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن يلزم المنهج الذي وضعه له بطريق الوحي ولا يخرج عنه بحال فإِنه سبيل نجاته ونجاة المؤمنين معه.
3 هذا إرشاد آخر له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالصبر على إبلاغ أهل مكة ومن حولهم دعوة الله حتى يحكم الله بينه وبينهم بنصر رسوله والمؤمنين، وخذلان الكفر والكافرين.
4 خير هنا بمعنى أخير اسم تفضيل، وإنما عدل عن أخير إلى خير لكثيرة الاستعمال كاسم شرّ أيضاً، وقد يأتي لفظ شر وخير لغير تفضيل.
5 شواهد هذه الحقيقة في المراد كثيرة منها: {من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها} ومنها: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} ومنها: {لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} .
*******************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
25-03-2022, 08:19 PM
سورة هود
مكية 2


الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3) إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (4) أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (5)
أحكمت: أي نظمت نظماً متقناً ورصفت ترصيفاً لا خلل فيه.
فصلت: أي ببيان الأحكام، والقصص والمواعظ، وأنواع الهدايات.
من لدن: أي من عند حكيم خبير وهو الله جل جلاله.
متاعاً حسناً: أي بطيب العيش وسعة الرزق.
إلى أجل مسمى.: أي موت الإنسان لأجله الذي كتب له.
ويؤت كل ذي فضل: أي ويعط كل ذي عمل صالح فاضل جزاءه الفاضل.
عذاب يوم كبير: هو عذاب يوم القيامة.
يثنون صدورهم: أي يطأطئون رؤوسهم فوق صدورهم ليستتروا عن الله في زعمهم.
يستغشون ثيابهم: يغطون رؤوسهم ووجوههم حتى لا يراهم الله في نظرهم الباطل.
معنى الآيات:
قوله تعالى {آلر} هذا الحرف مما هو متشابه ويحسن تفويض معناه إلى الله فيقال: الله أعلم بمراده بذلك. وإن أفاد فائدتين الأولى: أن القرآن الكريم الذي تحداهم الله بالإتيان بمثله أو بسورة من مثله قد تألف من مثل هذه الحروف: آلم، آلر، طه، طس حم، ق، ن، فألفوا مثله فإن عجزتم فاعلموا أنه كتاب الله ووحيه وأن محمداً عبده ورسوله فآمنوا به، والثانية أنهم لما كانوا لا يريدون سماع القرآن بل أمروا باللغو عند قراءته، 1 ومنعوا الاستعلان به جاءت هذه الحروف على خلاف ما ألفوه في لغتهم واعتادوه في لهجاتهم العربية فاضطرتهم إلى سماعه فإذا سمعوا تأثروا به وآمنوا ولنعم الفائدة أفادتها هذه الحروف المقطعة.
وقوله تعالى {كتاب2 أحكمت آياته} أي المؤلف من هذه الحروف كتاب عظيم أحكمت آياته أي رصفت ترصيفاً ونظمت تنظيماً متقناً لا خلل فيها ولا في تركيبها ولا معانيها، وقوله: {ثم فصلت} أي بين ما تحمله من أحكام وشرائع، ومواعظ وعقائد وآداب وأخلاق بما لا نظير له في أي كتاب سبق، وقوله: {من لدن حكيم خبير} أي تولى تفصيلها حكيم خبير، حكيم في تدبيره وتصرفه، حكيم في شرعه وتربيته وحكمه وقضائه، خبير بأحوال عباده وشؤون خلقه، فلا يكون كتابه ولا أحكامه ولا تفصيله إلا المثل الأعلى في كل ذلك.
وقوله: {ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير} أي أنزل الكتاب وأحكم آيَةُ وفصَّل أحكامه وأنواع هدايته بأن3 لا تعبدوا إلا الله إذ لا معبود حق إلا هو ولا عبادة تنفع إلا عبادته. وقوله {إنني لكم منه نذير وبشير} هذا قول رسوله المبلغ عنه يقول أيها الناس إني لكم منه أي من ربكم الحكيم العليم نذير بين يدي عذاب شديد إن لم تتوبوا فتؤمنوا وتوحدوا. وبشير أي أبشر من آمن ووحد وعمل صالحاً بالجنة في الآخرة {وأن استغفروا4 ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعاً حسناً إلى أجل مسمى} أي وبأن تستغفروا ربكم باعترافكم بخطأكم بعبادة غيره، ثم تتوبوا إليه أي ترجعوا إليه بالإيمان به وبرسوله ووعده ووعيده وطاعته في أمره ونهيه، ولكم جزاء على ذلك وهو أن يمتعكم في هذه الحياة متاعاً حسناً بالنعم الوفيرة والخيرات الكثيرة إلى نهاية آجالكم المسماة لكل واحد منكم. وقوله {ويؤت كل ذي فضل فضله} 5 أي ويعط سبحانه وتعالى كل صاحب فضل في الدنيا من بر وصدقة وإحسان فضله تعالى يوم القيامة في دار الكرامة الجنة دار الأبرار. وقوله: {وإن تولوا} أي تعرضوا عن هذه الدعوة فتبقوا على شرككم وكفركم {فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير} وهو عذاب يوم القيامة. وقوله تعالى: {إلى الله مرجعكم} يخبرهم تعالى بعد أن أنذرهم عذاب يوم القيامة بأن مرجعهم إليه تعالى لا محالة فسوف يحييهم بعد موتهم ويجمعهم عنده ويجزيهم بعدله ورحمته {وهو على كل شيء قدير} ومن ذلك إحياؤهم بعد موتهم ومجازاتهم السيئة بمثلها والحسنة بعشر أمثالها وهذا هو العدل والرحمة اللذان لا نظير لهما.
وقوله تعالى: {ألا إنهم يثنون6 صدورهم ليستخفوا منه} هذا النوع من السلوك الشائن الغبي كان بعضهم يثني صدره أي يطأطىء رأسه ويميله على صدره حتى لا يراه الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبعضهم يفعل ذلك ظناً منه أنه يخفي نفسه عن الله تعالى وهذا نهاية الجهل، وبعضهم يفعل ذلك بغضاً للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى لا يراه فرد تعالى هذا بقوله: {ألا حين يستغشون ثيابهم} أي يتغطون بها {يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور} فلا معنى لاستغشاء الثياب استتاراً بها عن الله تعالى فإن الله يعلم سرهم وجهرهم ويعلم ما تخفي صدورهم وإن كانوا يفعلون ذلك بغضاً7 للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبئس ما صنعوا وسيجزيهم وصفهم إنه حكيم عليم.
هداية الآيات.
من هداية الآيات:
1- مظهر من مظاهر إعجاز القرآن وهو أنه مؤلف من الحروف المقطعة ولم تستطع العرب الإتيان بسورة مثله.
2- بيان العلة في إنزال الكتاب وأحكام آية وتفصيلها وهي أن يعبد الله تعالى وحده وأن تستغفره المشركون ثم يتوبون إليه ليكملوا ويسعدوا في الدنيا والآخرة.
3- وجوب التخلي عن الشرك أولا، ثم العبادة الخالصة ثانياً.
4- المعروف لا يضيع عند الله تعالى إذا كان صاحبه من أهل التوحيد {ويؤت8 كل ذي فضل فضله} .
5- بيان جهل المشركين الذين كانوا يستترون عن الله برؤوسهم وثيابهم9.
6- مرجع الناس إلى ربهم شاءوا أم أبوا والجزاء عادل ولا يهلك على الله إلا هالك.
__________
1 شاهده في قوله تعالى من سورة (فصلت) : {وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون} .
2 التنكير في {كتاب} للتفخيم والتعظيم، والأحكام أصله: إتقان الصنعة مشتق من الحكمة التي هي وضع الشيء في موضعهء فإحكام الآيات: سلامتها من الأخلال: التي تعرض لنوعها كمخالفة الواقع، والخلل في اللّفظ أو في المعنى.
3 فالباء سببية، وأن: تفسيرية، إذ لو سأل سائل فقال: لم أحكمت الآيات ثم فُصلت؟ لكان الجواب: بأن لا يعبد إلا الله وأن يُستغفر وان يتاب إليه تعالى.
4 إن قيل: لم قدّم الاستغفار عن التوبة؟ فالجواب: بأن العبد لا يستغفر إلاّ إذا علم أنه أذنب، ولا يتوب العبد حتى يعلم أنه مذنب وعندها يتوب فهذا سرّ تقديم الاستغفار عن التوبة.
5 هذا كقوله تعالى: {ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله} فالفضل الأوّل من العبد، وهو العمل الصالح، والفضل الثاني من الرّب وهو دخول الجنة.
6 روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: يخفون ما في صدورهم من الشحناء والعداوة ويظهرون خلافه، ونزلت في الأخنس بن شريق وكان رجلاً حلو الكلام حلو المنطق يلقى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما يحب وينطوي له بقلبه على ما يسوء، وقيل نزلت في بعض المنافقين كان أحدهم إذا مرّ به الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثنى صدره وظهره وطأطأ رأسه وغطّى وجهه كي لا يراه الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيدعوه إلى الإيمان.
7 لا مانع من توجيه الآية إلى هذا إذ مازال الناس إلى اليوم، إذا كرهوا الداعية إلى الله تعالى لا يحبون أن يروه أو يسمعوا صوته وقد يثنون صدورهم ويغطون وجوههم حتى لا يروه بغضاً له وكرهاً. والله عليم خبير.
8 الثني: الطيّ، طوى الثوب إذ ثناء، وهو مأخوذ من جعل الواحد اثنين.
9 أي: يطأطئون رؤوسهم على صدورهم ويتغطون بثيابهم إذ روي أن المشرك كان يدخل بيته ويرخي الستر عليه، ويستغشي ثوبه ويحنى ظهره ويقول: هل يعلم الله ما في قلبي؟ وذلك لجهلهم بعظمة الله تعالى وقدرته وعلمه.

ابوالوليد المسلم
25-03-2022, 08:21 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة يونس - (1)
الحلقة (488)
تفسير سورة هود مكية
المجلد الثانى (صـــــــ 522الى صــــ 526)


الجزء الثاني عشر
وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (6) وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ (7) وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ (8)
شرح الكلمات:
من دابّة: أي حيّ يدبّ على الأرض أي يمشي من إنسان وحيوان.
مستقرها: أي مكان استمرارها من الأرض.
ومستودعها: أي مكان استيداعها قبل استقرارها كأصلاب الرجال وأرحام النساء.
في كتاب مبين: أي اللوح المحفوظ.
في ستة أيام: أي الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة.
وكان عرشه على الماء: إذ لم يكن قد خلق شيئاً من المخلوقات سواه، والماء على الهواء.
ليبلوكم: أي ليختبركم ليرى أيكم أحسن عملاً.
إلى أمة معدودة: أي إلى طائفة من الزمن معدودة.
وحاق بهم: أي نزل وأحاط بهم.
معنى الآيات:
لما أخبر تعالى في الآية السابقة انه عليم بذات الصدور ذكر في هذه مظاهر علمه وقدرته تقريراً لما تضمنته الآية السابقة فقال عز وجل {وما من دابّة في الأرض} 1 من إنسان يمشي على الأرض أو حيوان يمشي عليها زاحفاً أو يمشي على رجلين أو أكثر أو يطير في السماء إلا وقد تكفّل الله برزقها أي بخلقه وإيجاده لها وبتعليمها كيف تطلبه وتحصل عليه، وهو تعالى يعلم كذلك مستقرها أي مكان استقرار تلك الدابة في الأرض، كما يعلم أيضاً مستودعها بعد موتها إلى أن تبعث بيوم القيامة.
وقوله تعالى {كل في كتاب مبين} أي من الدابة ورزقها ومستقرها ومستودعها قد دوّن قبل خلقه في كتاب المقادير اللوح المحفوظ، وقوله تعالى في الآية (7) {وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء} أي أوجد السموات السبع والأرض وما فيها في ظرف ستة أيام وجائز أن تكون كأيام الدنيا، وجائز أن تكون كالأيام التي عنده وهي ألف سنة لقوله في سورة الحج {وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون} وقوله {وكان عرشه على الماء} 2 أي خلق العرش قبل خلق السموات والأرض، والعرش: سرير المُلك ومنه يتم تدبير كل شيء في هذه الحياة، وقوله {على الماء} إذ لم يكن أرض ولا سماء فلم يكن إلا الماء كالهواء. وقوله تعالى {ليبلوكم أيكم أحسن3 عملاً} أي خلقكم وخلق كل شيء لأجلكم، ليختبركم أيكم أطوع له وأحسن عملا أي بإخلاصة لله تعالى وحده وبفعله على نحو ما شرعه الله وبيّنه رسوله.
هذه مظاهر علمه تعالى وقدرته وبها استوجب العبادة وحده دون سواه وبها عُلم أنه لا يخفى عليه من أمر عباده شيء فكيف يحاول الجهلة إخفاء ما في صدورهم وما تقوم به جوارحهم بثني صدورهم واستغشاء ثيابهم ألا ساء ما يعملون.
وقوله تعالى {ولئن قلت} - أي أيها الرسول للمشركين- إنكم مبعوثون من بعد الموت،
أي مخلوقون خلقاً جديداً ومبعوثون من قبوركم لمحاسبتكم ومجازاتكم بحسب أعمالكم في هذه الحياة الدنيا {ليقولن الذين كفروا} أي عند سماع أخبار الحياة الثانية وما فيها من نعيم مقيم، وعذاب مهين {إن هذا إلا سحر مبين} أي ما يقوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من هذا الكلام ما هو إلا سحر مبين يريد به صرف الناس عن ملذاتهم، وجمعهم حوله ليترأس عليهم ويخدموه، وهو كلام باطل وظن كاذب وهذا شأن الكافر، وقوله تعالى في الآية (8) {ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة} 4 أي ولئن أخرنا أي أرجأنا ما توعدناهم به من عذاب ألى أوقات زمانية معدودة الساعات والأيام والشهور والأعوام {ليقولن ما يحبسه} أي شيء حبس العذاب يقولون هذا إنكاراً منهم واستخفافاً قال تعالى {ألا يوم يأتيهم ليس مصروفاً عنهم} أي ليس هناك من يصرفه ويدفعه عنهم بحال من الأحوال، {وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون} أي ونزل بهم العذاب الذي كانوا به يستهزئون بقولهم: ما يحبسه!!؟
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- سعة علم الله تعالى وتكفله بأرزاق5 مخلوقاته من إنسان وحيوان.
2- بيان خلق الأكوان، وعلة الخلق.
3- تقرير مبدأ البعث الآخر بعد تقرير الألوهية لله تعالى.
4- لا ينبغي الاغترار بإمهال الله تعالى لأهل معصيته، فإنه قد يأخذهم فجأة وهم لا يشعرون.
__________
1 {وما من دابّة} : ما: نافية، ومن: مزيدة لتقوية النفي ليكون أكثر شمولاً، والتقدير: وما دابة في الأرض إلاّ على الله رزقها أي: تكفّل الله برزقها فضلا منه ومنّة.
2 روى البخاري في حديث منه: قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كان الله ولم يكن شيء غيره وكان عرشه على الماء ثم خلق السماوات والأرض وكتب في الذكر كل شيء".
3 قال مقاتل: أيكم اتقى لله، وقال ابن عباس رضي الله عنه أيكم أعمل بطاعة الله عزّ وجلّ، وروي عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تلا {أيكم أحسن عملا} قال: أيّكم أحسن عقلا وأروع عن محارم الله وأسرع في طاعة الله، ولو صحّ هذا الخبر لكان أتمّ وأجمع، وقال الفضيل: أحسن العمل: أخلصه وأصوبه. وهو كما قال.
4 (إلى أمّة) : أي: إلى أجل معدود وحين معلوم، فالأمّة هنا: المدّة، ولفظ الأمة يطلق على معانٍ منها: الجماعة، وسميت مجموعة السنين أمّة لاجتماعها. والأمّة: أتباع أحد الأنبياء والأمّة، الملّة والدين، والأمّة: الرجل الجامع للخير الذي يقتدى به.
5 قيل لحاتم الأصمّ: من أين تأكل؟ فقال من عند الله، فقيل له: الله ينزل لك دنانير ودراهم من السماء؟ فقال: كأنّ ماله إلاّ السماء! يا هذا: الأرض له والسماء له، فإن لم يؤتني رزقي من السماء ساقه لي من الأرض، وأنشد يقول:
وكيف أخاف الفقر والله رازقي ... ورازق هذا الخلق في العسر واليسر
تكفل بالأرزاق للخلق كلهم ...
وللضب في البيداء وللحوت في البحر
***********************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
25-03-2022, 08:21 PM
وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (9) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10) إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11)
شرح الكلمات:
أذقنا الإنسان: أي أنلناه رحمة أي غنى وصحة.
ثم نزعناها منه: أي سلبناها منه.
يؤوس كفور: أي كثير اليأس أي القنوط شديد الكفر.
نعماء بعد ضراء: أي خيراً بعد شر.
السيئات: جمع سيئة وهي ما يسوء من المصائب.
فرح فخور: كثير الفرح والسرور والبطر.
صبروا: أي على الضراء والمكاره.
مغفرة: أي لذنوبهم.
وأجر كبير: أي الجنة دار الأبرار.
معنى الآيات:
يخبر تعالى أن الإنسان1 الذي لم يستنر بنور الإيمان ولم يتحل بصالح الأعمال إن أذاقه الله تعالى رحمة منه برخاء وسعة عيش وصحة بدن، ثم نزعها منه لأمر أراده الله تعالى {إنه} أي ذلك الإنسان {ليؤوس} 2 أي كثير اليأس والقنوط {كفور} لربه الذي أنعم عليه جحود لما كان قد أنعم به عليه.
وقوله {ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء} أي أذقناه طعم نعمة ولذاذة رخاء وسعة عيش وصحة بدن بعد ضراء كانت قد أصابته من فقر ومرض {ليقولن} بدل أن يحمد الله ويشكره على إسعاده بعد شقاء وإغنائه بعد فقر وصحة بعد مرض يقول متبجحاً {ذهب السيئات عني
إنه لفرح} أي كثير السرور {فخور} كثير الفخر والمباهاة، وهذا علته ظلمة النفس بسبب الكفر والمعاصي، أما الإنسان المؤمن المطيع لله ورسوله فعلى العكس من ذلك إن أصابته سراء شكر، وإن أصابته ضراء صبر، وذلك لما في قلبه من نور الإيمان وفي نفسه من زكاة الأعمال.
هذا ما تضمنه قوله تعالى {إلا الذين3 صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة} 4 أي لذنوبهم {وأجر كبير} عند ربهم وهو الجنة دار السلام.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- أن الإنسان قبل أن يطهر بالإيمان والعمل الصالح يكون في غاية الضعف والانحطاط النفسي.
2- ذم اليأس والقنوط5 وحرمتهما.
3- ذم الفرح بالدنيا والفخر بها.
4- بيان كمال المؤمن الروحي المتمثل في الصبر والشكر وبيان جزائه بالمغفرة والجنة.
__________
1 الإنسان هنا: اسم جنس يشمل كل إنسان كافر، وإن قيل: إن الآية في كافر معيّن، وهو الوليد بن المغيرة، أو عبد الله بن أبي أميّة، إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
2 هو من باب: فحل بفعل يئس ييأس بأساً فهو آيس، وللمبالغة: يؤوس أي: كثير اليأس الذي هو: القنوط بانقطاع الرجاء، وجمله: {إنه ليؤوس كفور} : جواب القسم في قوله: {ولئن أذقنا الإنسان} الخ.
3 يعني المؤمنين مدحهم بالصبر على الشدائد وهو استثناء من لفظ الإنسان الذي هو بمعنى الناس، فالاستثناء متصل وليس بمنقطع.
4 {أولئك لهم مغفرة} مبتدأ وخبر، {وأجر كبير} أجر: معطوف، وكبير: نعت.
5 لقول الله تعالى: {إنه لا ييأس من روح الله إلاّ القوم الكافرون} .

ابوالوليد المسلم
25-03-2022, 08:22 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة هود - (2)
الحلقة (489)
تفسير سورة هود مكية
المجلد الثانى (صـــــــ 527الى صــــ 531)

فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (12) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14)
شرح الكلمات:
فلعلك: للاستفهام الإنكاري أي لا يقع منك ترك ولا يضق صدرك.
ضائق به صدرك: أي بتلاوته عليهم كراهية أن يقولوا كذا وكذا.
كنز: مال كثير تنفق منه على نفسك وعلى أتباعك.
وكيل: أي رقيب حفيظ.
افتراه: اختلقه وكذبه.
من استطعتم: من قدرتم على دعائهم لإعانتكم.
فهل أنتم مسلمون: أي أسلموا لله بمعنى انقادوا لأمره وأذعنوا له.
معني الآيات:
بعد أن كثرت مطالبة المشركين الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن يحول لهم جبال مكة ذهباً في اقتراحات منها لولا أنزل عليه ملك فيكون معه نذيراً أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها قال تعالى لرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {فلعلك نارك بعض ما يوحى إليك} 1 أي لا تتلوه على المشركين ولا تبلغهم إياه لتهاونهم به وإعراضهم عنه {وضائق به صدرك} أي بالقرآن، كراهة أن تواجههم به فيقولوا {لولا أنزل عليه كنز} 2 أي مال كثير يعيش عليه فيدل ذلك على إرسال الله له {أو جاء معه ملك} يدعو بدعوته ويصدقه فيها ويشهد له بها فلا ينبغي أن يكون ذلك منك أي فبلغ ولا يضق صدرك {إنما أنت3 نذير} أي محذر عواقب الشرك والكفر والمعاصي، والله الوكيل على كل شيء أي الرقيب الحفيظ أما أنت فليس عليك من ذلك شيء.
وقوله تعالى {أم يقولون افتراه} أي بك يقولون افتراه أي افترى القرآن وقاله من نفسه بدون ما أوحي إليه، قل في الرد عليهم {فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم} 4 دعوتهم لإعانتكم {إن كنتم صادقين} في دعواكم أني افتريته، فإن لم تستطيعوا ولن
تستطيعوا فتوبوا إلى ربكم وأسلموا له.
وقوله {فإن لم يستجيبوا لكم} 5 أي قل لهم يا رسولنا فإن لم يستجب لنصرتكم من دعوتموه وعجزتم {فاعلموا أنما أنزل بعلم الله} 6 أي أنزل القرآن متلبساً بعلم الله وذلك أقوى برهان على أنه وحيه وتنزيله {وأن لا إله إلا هو} 7 أي وأنه لا إله إلا الله ولا معبود بحق سواه، وأخيراً {فهل أنتم مسلمون} أي أسلموا بعد قيام الحجة عليكم بعجزكم، وذلك خير لكم.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- بيان ولاية الله لرسوله وتسديده له وتأييده.
2- بيان ما كان عليه المشركون من عناد في الحق ومكابرة.
3- بيان أن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُكَلَّفْ هداية الناس وإنما كلف إنذارهم عاقبة كفرهم وعصيانهم، وعلى الله تعالى بعد ذلك مجازاتهم.
4- تحدي الله تعالى منكري النبوة والتوحيد بالإتيان بعشر سور من مثل القرآن فعجزوا وقامت عليهم الحجة وثبت أن القرآن كلام الله ووحيه وأن محمداً عبده ورسوله وأن الله لا إله إلا هو.
مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ (15) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (16) أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إَمَامًا وَرَحْمَةً أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ8
__________
1 {فلعلك..} الخ كلام معناه: الاستفهام أي: هل أنت تارك ما فيه سبّ آلهتهم كما سألوك؟ إذ ورد أنهم قالوا له: لو أتيتنا بكتاب ليس فيه سبّ آلهتنا لاتبعناك.
2 أي: هلا فهي للتحضيض وليست للامتناع.
3 القصر هنا إضافي إذ معناه أنه مقصور على الإنذار وليس عليه هداية القلوب.
4 أي: كالكهنة والأعوان والأصنام إذ يعتقدون أنها تنصرهم وتدفع عنهم وإلا لما عدوها مع الله تعالى.
5 الاستجابة هنا: بمعنى الإجابة والسين والتاء فيه للتأكيد.
6 العلم: الاعتقاد اليقيني، أي: فأيقنوا أنّ القرآن ما أنزل إلاَّ بعلم الله أي: ملابساً له.
7 معطوف على جملة: {فاعلموا أنما أنزل بعلم الله} أي: واعلموا أيضاً موقنين أنه لا إله إلا الله. حيث قامت الحجة عليهم بعجز آلهتهم عن الإتيان بعشر سور من مثل القرآن.
8 روى مسلم أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ولا يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار".
*************************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
25-03-2022, 08:22 PM
مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (16) أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (17)
شرح الكلمات:
زينة الحياة الدنيا: المال والولد وأنواع اللباس والطعام والشراب.
توفّ إليهم: نعطهم نتاج أعمالهم وافياً.
لا يبخسون: أي لا ينقصون ثمرة أعمالهم.
وحبط: أي بطل وفسد.
على بينة من ربه.: أي على علم يقيني.
ويتلوه شاهد منه: أي يتبعه.
كتاب موسى: أي التوراة.
ومن يكفر به: أي بالقرآن.
فالنار موعده: أي مكان وعد به فهو لا محالة نازل به.
في مرية منه: أي في شك منه.
معنى الآيات:
لما أقام الله تعالى الحجة على المكذبين بعجزهم عن الإتيان بعشر سور من مثل القرآن مفتريات حيث ادعوا أن القرآن مفترى وأن محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد افتراه ولم يبق إلا أن يختار المرء أحد الطريقين طريق الدنيا أو الآخرة الجنة أو النار فقال تعالى {من كان يريد الحياة1 الدنيا وزينتها} من مال وولد وجاه وسلطان وفاخر اللباس والرياش. {نوف2 إليهم أعمالهم فيها} 3 نعطهم نتاج عملهم فيها وافياً غير منقوص فعلى قدر جهدهم وكسبهم فيها يعطون ولا يبخسهم عملهم لكفرهم وتركهم، ثم هم بعد ذلك إن لم يتوبوا
إلى ربهم. هلكوا كافرين ليس لهم إلا النار {وحبط ما صنعوا} 4 في هذه الدار من أعمال وبطل ما كانوا يعملون.
هذا ما دلت عليه الآية الأولى (15 والثانية 16) وهو قوله تعالى {من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوفّ إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون، أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون} وقوله تعالى في الآية الثالثة (17) {أفمن كان على بينة من ربه} 5 بما أوحى إليه من القرآن وما حواه من الأدلة والبراهين على توحيد الله ونبوة رسوله، وعلى المعاد الآخر، وقوله {ويتلوه شاهد منه} أي ويتبع ذلك الدليل دليل آخر وهو لسان الصدق الذي ينطق به وكمالاته الخُلُقَيَّة والروحية حيث نظر إليه إعرابي فقال والله ما هو بوجه كذّاب، ودليل ثالث في قوله {ومن قبله كتاب موسى} أي التوراة {إماماً ورحمة} شاهد له حيث حمل نعوت الرسول وصفاته ونعوت أمته وصفاتها في غير موضع منه أفمن هو على هذه البينات والدلائل والبراهين من صحة دينه، كمن لا دليل له ولا برهان إلا التقليد للضلال والمشركين، وقوله {أولئك يؤمنون به} أي أولئك الذين ثبتت لديهم تلك البيّنات والحجج والبراهين {يؤمنون به} أي بالقرآن الحق والنبي الحق والدين الحق. وقوله تعالى {ومن يكفر به} أي بالقرآن ونبيه ودينه من الأحزاب6 أي من سائر الطوائف والأمم والشعوب فالنار موعده، وحسبه جهنم وبئس المصير7وقوله تعالى {فلا تك في مرية منه} 8 أي فلا تك في شك منه أي في أن موعد من يكفر به من الأحزاب النار. وقوله {إنه الحق من ربك} أي9 القرآن الذي كذّب به المكذبون وما تضمنه من الوعد والوعيد، والدين الحق كل ذلك هو الحق الثابت من ربك، إلا أن {أكثر الناس لا يؤمنون} 10 وإن ظهرت الأدلة ولاحت الأعلام وقويت البراهين.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- بيان حقيقة وهي أن الكفر غير مانع من أن ينتج الكافر بحسب جهده من كسب يده فيحصد إذ زرع، ويربح إذا اتجر، وينتج إذا صنع.
2- بيان أن الكافر لا ينتفع من عمله في الدنيا ولو كان صالحاً وأن الخسران لازم له.
3- المسلمون على بينة من دينهم، وسائر أهل الأديان الأخرى لا بينة لهم وهم في ظلام التقليد وضلال الكفر والجهل.
5- بيان سنة الله في الناس وهي أن أكثرهم لا يؤمنون.
__________
1 أي: ممن رفضوا الإسلام وأبوه بعد قيام الحجة على بطلان ما هم عليه من الكفر ورضوا بالكفر بإرادة الحياة الدنيا.
2 التوفية: إعطاء الشيء وافياً، وعُدي نوف: بإلى لأنه مضمن معنى: نوصل.
3 لفظ {أعمالهم} يشمل الأعمال الخيرية والأعمال الدنيوية فالأعمال الخيرية كصلة الرحم، وقرى الضيف، والإحسان إلى الفقراء والمساكين، فهذه لا يحرمها الكافر بل يجد جزاءها في الدنيا: بركة في ماله وولده وحياته، وأمّا الأعمال الدنيوية كالصناعة والزراعة والتجارة فهذه يوفى قدر جهده فيها، فبقدر ما يبذل من طاقة يحصل له من الكسب والربح والإنتاج فكفره لا يمنعه نتاج عمله بقدر ما يبذل فيه.
4 أعمال الكفار في الدنيا خيرية كانت أو دنيوية تذهب في الدار الآخرة هباء كقوله تعالى: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا} .
5 اختلف في عود الضمائر في هذه الآية اختلافاً كثيراً، وقد اخترنا في التفسير عودها إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا مانع من عودها على كل مؤمن صادق الإيمان، بقرينة الخبر وهو قوله: {أولئك يؤمنون به} وهم الفريق الذين أسلموا لمّا شاهدوا الحجج والبراهين.
6 أظهرهم: المشركون واليهود، والنصارى والصابئة والمجوس.
7 لأنهم لم يزكوا أنفسهم بالإيمان والعمل الصالح فلذا فلا مأوى لهم إلاّ النّار.
8 الخطاب للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولكل مؤمن أي: لا يشكنّ مؤمن في أن القرآن حق وأنّ ما أخبر به عن الكافرين مِن أنّ مأواهم النار حق.
9 جملة: {انه الحق من ربك} ، مستأنفة مؤكدة لجملة: {فلا تك في مرية منه} .
10 لما سبق في علم الله وما قضى به قوله: {لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين} .

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
25-03-2022, 08:24 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة هود - (3)
الحلقة (490)
تفسير سورة هود مكية
المجلد الثانى (صـــــــ 531الى صــــ 535)

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19) أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20)
شرح الكلمات:
ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً: أي لا أحد فالاستفهام للنفي.
يعرضون على ربهم: أي يوم القيامة.
الأشهاد: جمع شاهد وهم هنا الملائكة.
لعنة الله: أي طرده وإبعاده.
على الظالمين: أي المشركين.
سبيل الله: أي الإسلام.
عوجاً: أي معوجة.
معجزين في الأرض: أي الله عز وجل أي فائتين بل هو قادر على أخذهم في أيّة لحظة.
من أولياء: أي أنصار يمنعونهم من عذاب الله.
وما كانوا يبصرون: ذلك لفرط كراهيتهم للحق فلا يستطيعون سماعه، ولا رؤيته.
معنى الآيات:
بعد أن قرر تعالى مصير المكذبين بالقرآن ومن نزل عليه وما نزل به من الشرائع ذكر نوعاً من إجرام المجرمين الذين استوجبوا به النار فقال عز وجل {ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً} أي لا أحد في الناس أعظم ظلماً من أحد افترى على الله كذباً ما من أنواع1 الكذب وإن قل وقوله {أولئك يعرضون على ربهم} أي أولئك الكذبة يعرضون يوم القيامة على ربهم جل جلاله في عرصات القيامة، ويقول الأشهاد من الملائكة شاهدين2 عليهم {هؤلاء الذين كذبوا على ربهم} ثم يُعْلِنُ مُعْلِنٌ قائلاً {ألا لعنة الله على3 الظالمين} أي ألا بعداً لهم من الجنة وطرداً لهم منها إلى نار جهنم.
ثم وضح تعالى نوع جناياتهم التي استوجبوا بها النار فقال {الذين يصدون عن سبيل الله} 4 أي يصرفون أنفسهم وغيرهم عن الدين الإسلامي، {ويبغونها} أي سبيل الله {عوجاً} أي معوجه كما يهوون ويشتهون فهم يريدون الإسلام أن يبيح لهم المحرمات من الربا والزنى والسفور، ويريدون من الإسلام أن يأذن لهم في عبادة القبور والأشجار والأحجار إلى غير ذلك، ويضاف إلى هذا ذنب أعظم وهو كفرهم بالدار الآخرة. قال تعالى {أولئك} أي المذكورون {لم يكونوا معجزين في الأرض} أي لم يكن من شأنهم
ومهما رأوا أنفسهم أقوياء أن يعجزوا الله تعالى في الأرض فإنه مدركهم مهما حاولوا الهرب5 ومنزل بهم عذابه متى أراد ذلك لهم، وليس لهم من دون الله من أولياء أي أنصار يمنعونهم من العذاب متى أنزله بهم، وقوله تعالى {يضاعف لهم العذاب} إخبار منه بأن هؤلاء الظالمين يضاعف لهم العذاب يوم القيامة لأنهم صدوا غيرهم عن سبيل الله فيعذبون بصدهم أنفسهم عن الإسلام، وبصد غيرهم عنه، وهذا هو العدل وقوله تعالى فيهم {ما كانوا يستطيعون6 السمع وما كانوا يبصرون} إخبار بحالهم في الدنيا أنهم كانوا لشدة كراهيتهم للحق ولأهله من الداعين إليه لا يستطيعون سماعه ولا رؤيته ولا رؤية أهله القائمين عليه والداعين إليه.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- عظم ذنب من يكذب على الله تعالى بنسبة الولد أو الشريك إليه أو بالقول عليه بدون علم منه.
2- عظم جرم من يصد عن الإسلام بلسانه أو بحاله، أو سلطانه.
3- عظم ذنب من يريد إخضاع الشريعة الإسلامية لهواه وشهواته بالتأويلات الباطلة والفتاوى غير المسؤولة ممن باعوا آخرتهم بدنياهم.
4- بيان أن من كره قولاً أو شخصاً لا يستطيع رؤيته ولا سماعه7.
__________
1 من أنواع كذبهم على الله تعالى: زعمهم أنّ له شريكاً وولداً، وقولهم في الأصنام هؤلاء شفعاؤنا عند الله، وتحريمهم ما أحل الله ونسبة ذلك إليه تعالى.
2 ومن الأشهاد: الأنبياء والعلماء والمبلغون لدعوة الله تعالى لعباده وفي صحيح مسلم. "وأما الكفار والمنافقون فينادى بهم على رؤوس الخلائق هؤلاء الذين كذبوا على ربّهم".
3 لعنة الله: أي: بعده وسخطه وإبعاده من رحمته على الذين وضعوا العبادة في غير موضعها.
4 يجوز أن يكون: {الذين} مجروراً لمحل نعتاً للظالمين، ويجوز أن يكون في محل رفع على أنه خبر، والمبتدأ محذوف. أي: هم الذين يصدّون.
5 قال ابن عباس رضي الله عنه: لم يعجزوني أن آمر الأرض فتنخسف بهم، وفي سورة سبأ {أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفاً من السماء} .
6 {ما كانوا يستطيعون السمع..} قال القرطبي ما: في موضع نصب على أن يكون المعنى بما كانوا يستطيعون السمع. يُريد أن الباء المحذوفة سببية أي: يُضاعف لهم العذاب بسبب أنهم كانوا لا يستطيعون السمع لما ران على قلوبهم من الآثام فحجب الإثم أسماعهم وأبصارهم، وفي المثل: حبّك الشيء يعمي ويصم، فحبّهم للكفر والشرك والآثام عطّل حواسهم.
7 أقول: ما كنت أدرك المعنى الحقيقي لقوله تعالى: {ما كانوا يستطيعون السمع} حتى كان صوت العرب على عهد بطل الاشتراكية "عبد الناصر" وأخذ يسبّ ويشتم ويعيّر ويقبّح سلوك كل من لم يوال الاشتراكيين فكنت-والله-لا أستطيع سماع ما يذيعه، وثَمَّ فهمت معنى الآية على حقيقته.
**************************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
25-03-2022, 08:24 PM
أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (21) لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (22) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (23) مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (24)
شرح الكلمات:
وضل عنهم ما كانوا يفترون: أي غاب عنهم ما كانوا يدعونه من شركاء الله تعالى.
لا جرم: أي حقاً وصدقاً أنهم في الآخرة هم الأخسرون.
وأخبتوا إلى ربهم: أي تطامنوا أو خشعوا لربهم بطاعته وخشيته.
مثل الفريقين: أي فريق المؤمنين وفريق الكافرين.
أفلا تذكرون: أي تتعظون، فتستغفروا ربكم ثم تتوبوا إليه.؟
معنى الآيات:
مازال السياق في تحديد المجرمين وبيان حالهم في الآخرة فقال تعالى {أولئك} أي البعداء {الذين خسروا أنفسهم} حيث استقروا في دار الشقاء فخسروا كل شيء حتى أنفسهم، {وضل عنهم ما كانوا يفترون} أي وغاب عنهم ما كانوا يزعمون أن لهم شركاء، وأنهم يشفعون لهم وينصرونهم قال تعالى: {لا جرم} 1 أي حقاً {أنهم في الآخرة} أي في دار الآخرة {هم الأخسرون} أي الأكثر خسراناً من غيرهم لأنهم أضافوا إلى جريمة كفرهم جريمة تكفير غيرهم ممن كانوا يدعونهم إلى الضلال، ويصدونهم عن الإسلام سبيل الهدى والنجاة من النار. ولما ذكر تعالى حال الكافرين وملأ انتهوا إليه من خسران. ذكر تعالى حال المؤمنين فقال {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات} 2 أي آمنوا بالله وبوعده ووعيده. وآمنوا برسول الله وبما جاء به، وعملوا الصالحات التي شرعها الله
تعالى لهم من صلاة وزكاة {وأخبتوا إلى ربهم} أي أسلموا له وجوههم وقلوبهم وانقادوا له بجوارحهم فتطامنوا وخشعوا أولئك أي السامون أصحاب الجنة أي أهلها {هم فيها خالدون} أي لا يبرحون منها ولا يتحولون عنها، هذا ما دلت عليه الآيات الثلاث أما الآية الرابعة (24) وهي قوله تعالى {مثل الفريقين كالأعمى3 والأصم والسميع والبصير هل يستويان مثلا} ؟ فقد ذكر تعالى مقارنة بين أهل الشرك وأهل التوحيد توضيحاً للمعنى وتقريراً للحكم فقال {مثل الفريقين} أي صفة الفريقين الموضحة لهما هي كالأعمى والأصم وهذا فريق الكفر والظلم والسميع والبصير. وهذا فريق أهل الإيمان والتوحيد فهل يستويان مثلا أي صفة الجواب لا، لأن بين الأعمى والبصير تبايناً كما بين الأصم والسميع تبايناً فأي عاقل يرضى أن يكون العمى والصمم وصفاً له ولا يكون البصر والسمع وصفاً له؟ والجواب لا أحد إذاً {أفلا تذكرون} أي أفلا تتعظون بهذا المثل4 وتتوبوا إلى ربكم فتؤمنوا به وتوحدوا وتؤمنوا برسوله وتتبعوه، وبكتابه وتعملوا بما فيه؟
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- استحسان المقارنات بين الأشياء المتضادة للعبرة والاتعاظ.
2- الكافر ميت موتاً معنوياً فلذا هو لا يسمع ولا يبصر، والمسلم حيُّ فلذا هو سميع بصير.
3- بيان ورثة دار النعيم وهم أهل الإيمان والطاعة، وورثة دار الخسران وهم أهل الكفر والظلم.
__________
1 {لا جرم} كلمة: جزم ويقين، واختلف في تركيبها وأطهر أقوالهم فيها: أن تكون لا: حرف نفي، وجزم: بمعنى محالة. ويصح معنى الكلمة. لا محالة أو: لا بدّ أن يكون كذا وكذا، أو لتفسّر بحقاً، ولا محالة ولابد، إذ جرم مأخوذ من الجرم الذي هو القطع.
2 الموصول: اسم إنَّ، وآمنوا: صلة {وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربّهم} معطوفان على الاسم، والخبر: {أولئك أصحاب الجنة} وجملة {هم فيها خالدون} جملة بيانية أي مبيّنة لحال أهل الجنة.
3 فريق الإيمان وفريق الكفر والشرك.
4 المثل الذي كشف الحقيقة وبيّن أنّ الكفار عمي صم، وأنّ المؤمنين يبصرون ويسمعون، فأي عاقل يرضى أسوأ الوصفين؟!


(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
25-03-2022, 08:27 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة هود - (4)
الحلقة (491)
تفسير سورة هود مكية
المجلد الثانى (صـــــــ 536الى صــــ 540)


وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25) أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26) فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (27)
شرح الكلمات:
نوحا: هو العبد الشكور أبو البشرية الثاني نوح عليه السلام.
إني لكم نذير مبين: أي مخوف لكم من عذاب الله بَيِّنُ النذارة.
عذاب يوم أليم: هو عذابه يوم القيامة.
الملأ: الأشراف وأهل الحل والعقد في البلاد.
أراذلنا 1: جمع أرذل وهو الأكبر خسة ودناءة.
بادي الرأي: أي ظاهر الرأي، لا عمق عندك في التفكير والتصور للأشياء.
معنى الآيات:
هذه بداية قصة نوح عليه السلام وهي بداية لخمس قصص2 جاءت في هذه السورة سورة هود عليه السلام قال تعالى {ولقد أرسلنا نوحاً3 إلى قومه إني لكم نذير4 مبين} أي قال لهم إني لكم نذير مبين أي بين النذارة أي أخوفكم عاقبة كفركم بالله وبرسوله وشرككم في عبادة ربكم الأوثان والأصنام. وقوله {أن لا تعبدوا5 إلا الله} أي نذير لكم بأن لا تعبدوا إلا الله، وتتركوا عبادة غيره من الأصنام والأوثان وقوله {إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم} علل لهم أمرهم بالتوحيد ونهيهم عن الشرك بأنه يخاف عليهم إن أصروا على كفرهم وتركهم عذاب يوم أليم6 وهو عذاب يوم القيامة {فقال الملأ الذين كفروا من قومه} أي فرد على نوح ملأ قومه اشرافهم وأهل الحل والعقد فيهم ممن كفروا بالله ورسوله فقالوا {ما نراك إلا بشراً مثلنا} 7 أي لا فضل لك علينا فكيف تكون رسولاً لنا ونحن مثلك هذا
أولاً وثانياً {وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا} أي سفلتنا من8 أهل المهن المحتقرة كالحياكة والحجامة والجزارة ونحوها وقولهم9 بادي الرأي أي ظاهر الرأي لا عمق في التفكير ولا سلامة في التصور عندك وقولهم {وما نرى لكم علينا من فضل} أي وما نرى لكم علينا من أي فضل تستحقون به أن نصبح أتباعاً لكم فنترك ديننا ونتبعكم على دينكم بل نظنكم كاذبين فيما تقولون.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- إن نوحاً واسمه عبد الغفار أول رسول إلى أهل الأرض بعد أن أشركوا بربهم وعبدوا غيره من الأوثان والآلهة الباطلة.
2- قوله أن لا تعبدوا إلا الله هو معنى لا إله إلاّ الله
3- التذكير بعذاب يوم القيامة.
4- اتباع الرسل هم الفقراء والضعفاء وخَصُوُمهم الأغنياء والأشراف والكبراء.
5- احتقار أهل الكبر لمن دونهم. وفي الحديث "الكبر10 بطر الحق وغمط الناس".
__________
1 الأرذل: اسم تفضيل والمفضّل عنه يقال له: رذْل ككلب ويجمع على أرذل كأكلب.
2 هذا العطف من باب عطف قصّة على قصّة: الواو: تسمى الواو الابتدائية.
3 كُسرت: إنّ لأنّ الإرسال فيه معنى القول وإن تكسر بعد القول.
4 الِقصّة: بكسر القاف والجمع: قصص كحجّة وحجج: الخبر يروى وتُتَتّبع أجزاؤه بعناية، والقصص بفتح القاف: مصدر قصّ الحديث يقصّه قصاً.
5 هذه الجملة مفسّرة لجملة {أرسلنا نوحاً} أو لقوله: {إني لكم نذير مبين} .
6 وجائز أن يكون {عذاب يوم أليم} في الدنيا وهو عذاب الطوفان وقد كان.
7 مثلنا: منصوب على الحال.
8 قال القرطبي: اختلف في السفلة فقيل: هم الذين يتقلسون ويأتون أبواب القضاء والسلاطين يطلبون الشهادات، وقال مالك: السفلة: الذين يسبون الصحابة. وقال آخر: الذين يأكلون على حساب دينهم.
9 ومنه البادية وهي الأراضي الظاهرة لا تحوطها مبانٍ ولا بساتين ولا مصانع.
10 الحديث في الصحيح فقد قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إنّ الله لا يدخل الجنة مَنّ كان في قلبه مثقال ذرّة من كبر" فسئل عن الكبر فقال: الكبر: بطر الحق وغمط الناس" وبطر الحق: عدم قبوله، وغمط الناس: احتقارهم.
****************************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
25-03-2022, 08:27 PM
قَالَ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (28) وَيَاقَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (29) وَيَاقَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (30) وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (31)
شرح الكلمات:
أرأيتم: أي أخبروني.
على بينة من ربي: أي على علم علمنيه الله فعلمت أنه لا إله إلا الله.
فعميت عليكم:. أي خفيت عليكم فلم تروها.
أنُلزِمُكمُوها: أي أجبركم على قبولها.
بطارد الذين آمنوا: أي بمبعدهم عني ومن حولي.
خزائن الله: التي فيها الفضل والمال.
تزدري أعينكم: تحتقر أعينكم.
معنى الآيات:
مازال السياق في قصة نوح مع قومه فأخبر تعالى أن نوحاً قال لقومه أرأيتم أي أخبروني إن كنت على بيَّنة من ربي أي على علم يقيني تعالى وبصفاته وبما أمرني به من عبادته وتوحيده والدعوة إلى ذلك. وقوله {وآتاني رحمة من عنده} وهي الوحي والنبوة والتوفيق لعبادته. {فعميت عليكم} أنتم1 فلم تروها. فماذا أصنع معكم {أنلزمكموها} أي2 أنجبركم أنا ومن آمن بي على رؤيتها والإيمان بها والعمل بهداها، {وانتم لها كارهون} 3 أي والحال أنكم كارهون لها والكاره للشيء لا يكاد يراه ولا يسمعه، هذا ما دلت عليه الآية الأولى (27) أما الآية الثانية فإن الله تعالى يخبر أيضاً عن قيل نوح لقومه: {ويا قوم لا أسألكم عليه مالا} أي لا أطلب منكم أجراً على إبلاغكم هذه الرحمة التي عميت عليكم فلم تروها. {إن أجري إلا على الله} أي ما أجري إلا على الله إذ هو الذي كلفنى
بالعمل بها والدعوة إليها وواعدني بالأجر عليها. وقوله {وما أنا بطارد المؤمنين} أي وما أنا بمطيعكم في طرد المؤمنين من حولي كما اقترحتم عليّ، إنهم ملاقو ربهم، ومحاسبهم ومجازيهم على أعمالهم فكيف يصح مني ابعادهم عن سماع الحق وتعلمه والأخذ به ليكملوا ويسعدوا إذ العبرة بزكاة النفوس وطهارة الأرواح بواسطة الإيمان والعمل الصالح لا بالشرف والمال والجاه كما تتصورون ولذا فإني أراكم قوما تجهلون هذا ما دلت عليه الآية الثانية (28) ثم قال لهم في الآية الثالثة {ويا قوم من ينصرني4 من الله إن طردتهم} أي من هو الذي يرد عنى عذاب الله ويمنعني منه إن أنا عصيته فطردت أي أقصيت وأبعدت عباده المؤمنين عن سماع الهدى وتعلم الخير ولا علة لذلك إلا لأنهم فقراء ضعفاء تزدريهم أعينكم المريضة التي لا تقدر على رؤية الحق وأهله والداعين إليه. ثم قال لهم {أفلا تذكرون5} أي تتفكرون فتعلمون خطأكم وجهلكم فتثوبوا إلى رشدكم. وتتوبوا إلى ربكم فتؤمنوا به وبرسوله وتعبدوه وحده لا شريك له ثم قال لهم في الآية الأخيرة (31) {ولا أقول لكم عندي خزائن الله6} رداً على قولهم: {وما نرى لكم علينا من فضل} {ولا أعلم الغيب} فأعرف ما تخفيه صدور الناس فأطرد هذا وأبقي هذا، ولا أقول إني ملك حتى تقولوا ما نراك إلا بشراً مثلنا {ولا أقول للذين تزدري أعينكم} 7 لفقرهم وضعفهم {لن يؤتيهم الله خيراً الله أعلم بما في أنفسهم} أي من صدق أو نفاق ومن حب لي أو بغض كأنهم طعنوا في المؤمنين واتهموهم بأنهم ينافقون أولهم أغراض فاسدة أو أطماع مادية من أجلها التفوا حول نوح، وقوله {إني إذاً لمن الظالمين} أي إني إذا قلت للمؤمنين من الضعفاء لن يؤتيكم الله خيراً كنت بعد ذلك من الظالمين8 الذين يعتدون على الناس بهضمهم حقوقهم وامتهان كرامتهم.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1) كُرهُ الشيء يجعل صاحبه لا يراه ولا يسمعه ولا يفهم ما يقال له فيه.
2) كراهية أخذ الأجرة على الدعوة والتربية والتعليم الديني.
3) وجوب احترام الضعفاء وإكرامهم وحرمة احتقارهم وازدرائهم.
4) علم الغيب استأثر الله تعالى به دون سائر خلقه إلا من علمه الله شيئاً منه فإنه يعلمه.
5) حرمة غمط الناس وازدرائهم والسخرية منهم
__________
1 قرىء: {عميت} بتشديد الميم، وقرأ ورش بتخفيفها، ومعناه: إنّ الرسالة عميت عليكم فلم تفهموها. يقال: عميت عن كذا، وعمي عليّ كذا: أي: لم أفهمه.
2 {أنلزمكموها} أي: الرحمة التي هي عبادة الله وحده وترك عبادة سواه والاستفهام إنكاري. أي: ما كان لي ذلك والحال أنكم كارهون لها.
3 قال قتادة: والله لو استطاع نبي الله نوح عليه السلام لألزمها قومه. ولكنّه لم يملك ذلك.
4 أي: مَنْ يرد عنّي عذابه أن استوجبته بطرد عباده المؤمنين؟ والجواب: لا أحد فكيف إذاً يسوغ لي أن أطردهم كما ترغبون.
5 {أفلا تذكرون} قرىء: تذكرون بحذف إحدى التائين وقرىء تذّكرون: بتشديد الذال، بإدغام إحدى التائين في الأخرى. والاستفهام للإنكار أي: ينكر عليهم غفلتهم وجهلهم وعدم تذكرهم ليتّعظوا.
6 اخبر عليه السلام بتذلله وتواضعه لربّه عزّ وجلّ فنفى عن نفسه القدرة على امتلاك خزائن الفضل والمال كما نفي عن نفسه علم الغيب وأن يكون ملكاً من الملائكة.
7 أي: تحتقر أعينكم. والأصل: تزدريهم، حذفت الهاء والميم لطول الاسم، والازدراء: افتعال من الزري الذي هو الاحتقار، وإلصاق العيب فالازدراء أصله الازتراء فقلبت فيه التاء دالاً فصار: الازدراء كما قلبت في: الازدياد.
8 في قوله: {من الظالمين} : تعريض بقومه، فوصفهم بالظلم من حيث لا يشعرون.

ابوالوليد المسلم
25-03-2022, 08:29 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة هود - (5)
الحلقة (492)
تفسير سورة هود مكية
المجلد الثانى (صـــــــ 540الى صــــ 543)


قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32) قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُم بِهِ اللهُ إِن شَاء وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ (33) وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (34)
شرح الكلمات:
جادلتنا: أي خاصمتنا تريد إسقاطنا وعدم اعتبارنا في ديننا وما نحن عليه.
بما تعدنا: أي من العذاب إن لم نؤمن بما تدعونا إليه.
إن كنت من الصادقين: أي في دعواك النبوة والإخبار عن الله عز وجل.
بمعجزين: أي بغالبين ولا فائتين الله تعالى متى أراد الله عذابكم.
نصحي: أي بتخويفي إياكم عذاب ربكم إن بقيتم على الكفر به وبلقائه ورسوله.
أن يغويكم: أي يوقعكم في الضلال ويبقيكم فيه فلا يهديكم أبدا.
معنى الآيات:
ما زال السياق في قصة نوح عليه السلام مع قومه فأخبر تعالى عن قول قوم نوح له عليه السلام: فقال: {قالوا يا نوح قد جادلتنا1} أي خاصمتنا وأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين أي فعجل العذاب وأنزله علينا إن كنت من الصادقين فيما تقول وتدعو وتعد. فأخبر تعالى عن قول نوح لهم ردا على مقالتهم وهو ما علمه ربه تعالى أن يقوله: فقال {قل إنما يأتيكم به الله} أي بالعذاب الله إن شاء ذلك. {وما أنتم بمعجزين} أي فائتين الله ولا هاربين منه. وقوله: {ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم 2 هو ربكم واليه ترجعون} . أي إن نصحي لا شفعكم بمعنى أنكم لا تقبلونه مهما أردت ذلك وبالغت فيه إن كان الله جل جلاله يريد أن يغويكم لما فرط منكم وما أنتم عليه من عناد وكفر ومجاحدة ومكابرة إذ مثل هؤلاء لا يستحقون هداية الله تعالى بل الأولى بهم الضلالة حتى3 يهلكوا ضالين فيشقوا في الدار الآخرة. وقوله تعالى: {هو ربكم وإليه ترجعون} أي فالأمر له ألستم عبيده وهو ربكم إن يشأ يرحمكم وإن يشأ يعذبكم وإن كانت حكمته تنفي أن يعذب الصالحين ويرحم الغواة الظالمين.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- مشروعية الجدال لإحقاق الحق وإبطال الباطل بشرط الأسلوب الحسن.
2- إرادة الله تعالى قبل كل إرادة وما شاءه الله يكون وما لم يشأه لم يكن.
3- لا ينفع نصح الناصحين ما لم يرد الله الخير للمنصوح له.
4- ينبغي عدم إصدار حكم على عبد لم يمت فيعرف بالموت مآله. إلاَّ قول الله أعلم به.
__________
1 {جادلتنا} أي: خاصمتنا فأكثرت خصومتنا وبالغت فيها، والجدل في لغة العرب: المبالغة في الخصومة. مأخوذ من الجدل: الذي هو شدّة الفتل، وقالوا في الصقر أجدل: لشدته في الطيران.
2 فيه الرد على بطلان مذهب المعتزلة، والقدرية إذ زعموا أن الله لا يريد أن يعصي العاصي ولا أن يكفر الكافر ولا أن يغوي الغاوي وتجاهلوا أنه لا يقع في ملك الله إلا ما يريد، ولا يقع شيء إلاّ بإذنه فهو الهادي لمن شاء هدايته، والمضل لمن شاء إضلاله، ولكن كُلاَّ من هدايته وإضلاله يتمان حسب سنته في الهداية والإضلال فلم يظلم ربّك أحداً.
3 ومن فسّر {أن يغويكم} : يهلككم: أراد أنّ الهلاك سبب للإغواء، فمن أغواه أهلكه، إذ لا يُهلك إلاَّ الغاوي.
4 شرح هذه الآية في (ص 545) وأخرت على أنها معترضة لقصة نوح عليه السلام.
*************************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
25-03-2022, 08:29 PM
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (35) وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (37) وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (39)
شرح الكلمات:
وأوحى إلى نوح: أي اعلم بطريق الوحي الذي هو الإعلام السريع الخفي.
فلا تبتئس: لا تحزن ولا يشتد بك الحزن فإني منجيك ومهلكهم.
الفلك: أي السفينة التي أمرناك بصنعها لحمل المؤمنين عليها.
سخروا منه: أي استهزئوا به كقولهم: تحمل هذا الفلك إلى البحر أو تحمل البحر إليه.
يخزيه: أي يذله ويهينه.
ويحل عليه عذاب مقيم: أي وينزل به عذاب النار يوم القيامة فلا يفارقه.
معنى الآيات:
عاد السياق بعد الاعتراض بالآية (35) إلى الحديث عن نوح وقومه فقال تعالى {وأوحى إلى نوح أنه1 لن يؤمن من قومك إلا من2 قد آمن} . وهذا بعد دعوة دامت قرابة ألف سنة إلا خمسين عاماً أي فلم يؤمن بعد اليوم أحد من قومك وعليه فلا تبتئس3 أي لا تغتم ولا تحزن بسبب ما كانوا يفعلون من الشر والفساد والكفر والمعاصي فإني منجيك ومن معك من المؤمنين ومهلكهم بالغرق. وقوله تعالى في الآية الثانية (37) {واصنع الفلك بأعيينا ووحينا} أي وأمرناه أن يصنع الفلك أي السفينة تحت بصرنا وبتوجيهنا وتعليمنا. إذ لم يكن يعرف السفن ولا كيفية صنعها وقوله {ولا تخاطبني في الذين ظلموا} أي لا تسألني لهم صرف العذاب ولا تشفع لهم في تخفيفه عليهم، لأنا قضينا بإهلاكهم بالطوفان فهم لا محالة مغرقون قوله تعالى {ويصنع الفلك4 وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه} يخبر تعالى عن حال نوح وهو يصنع الفلك بقطع الخشب ونجره وتركيبه وقومه يمرون عليه وكلما مرّ عليه أشراف القوم وعليتهم يسخرون منه كقولهم يا نوح أصبحت نجاراً أو وهل تنقل البحر إليها، أو تنقلها إلى البحر فيرد عليهم نوح عليه السلام بقوله {إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون} أي منا فسوف تعلمون أي مستقبلاً من يأتيه عذاب يخزيه أي يذله ويهينه ويكسر أنف كبريائه، ويحل5 عليه عذاب مقيم وهو عذاب النار يوم القيامة وهو عذاب دائم لا ينتهى أبداً.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- كراهية الحزن والأسى والأسف على ما يقوم به أهل الباطل والشر والفساد.
2- بيان تاريخ صنع السفن وانها بتعليم الله لنوح عليه السلام.
3- بيان سنة البشر في الاستهزاء والسخرية بأهل الحق ودعاته لظلمة نفوسهم بالكفر والمعاصي.
4 بيان صدق وعد الله رسله.
__________
1 {أنّه} في موضع رفع نائب فاعل لأوحي أي: أوحي إلى نوح عدم إيمان قومه ومعنى الكلام: الإِياس من إيمانهم، واستدامة كفرهم تحقيقاً للوعيد بنزول العذاب بهم.
2 روي أنَّ رجلاً من قوم نوح مرّ بنوح وهو يحمل طفلهُ فلما رأى الطفل نوحاً قال لأبيه ناولني حجراً فناوله إياها فرمى بها نوحاً فأدماه، فأوحى الله تعالى إلى نوح: {أنه لن يؤمن من قومك إلاّ من قد آمن..} .
3 الابتئاس: افتعال من البؤس الذي هو الهمّ والحزن. قال الشاعر:
وكم من خليل أو حميم رزأته
فلم ابتئس والرزء فيه جليل
4 اختلفت الأقوال في مدّة صنع السفينة، أكثرها أنها: أربعون سنة. وجائز أن تكون أكثر، لأن عمل فرد واحد في صنع سفينة يتطلب وقتاً طويلاً أمّا حجمها فيدل على كبره ما حمل فيها، إذ حمل فيها كل مؤمن ومؤمنة ومن كل زوجين اثنين، فحجمها لا شك أنه واسع كبير، وقيل: كانت السفينة ثلاث طبقات: السفلى للدواب والوحوش، والوسطى للإنس، والعليا للطيور. والله اعلم، والحديث عن طول السفينة وعرضها ومادتها كله من باب علم لا ينفع وجهالة لا تضر.
5 أي: يجب عليه وينزل به.

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
25-03-2022, 08:31 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة هود - (6)
الحلقة (493)
تفسير سورة هود مكية
المجلد الثانى (صـــــــ 544الى صــــ 550)

حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (40) وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41) وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَابُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43) وَقِيلَ يَاأَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44)
شرح الكلمات:
فار التنور: أي خرج الماء وارتفع من التنور وهو مكان طبخ الخبز.
زوجين اثنين: أي من كل ذكر وأنثى من سائر أنواع المخلوقات اثنين.
وأهلك: أي زوجتك وأولادك.
مجريها ومرساها: أي إجراؤها وإرساؤها.
في موج كالجبال: الموج ارتفاع ماء البحر وكونه كالجبال أي في الارتفاع.
يعصمني من الماء: يمنعني من الماء أن يغرقني.
وغيض الماء: أي نقص بنضوبه في الأرض.
على الجودي: أي فوق جبل الجودي وهو جبل بالجزيرة غرب الموصل.
بعدا للقوم الظالمين: أي هلاكاً لهم.
شرح الكلمات:.
أم يقولون: أي بل يقولون افتراه.
افتراه: أي اختلقه وقال من نفسه ولم يوح به إليه.
فعلى إجرامي1: أي عاقبة الكذب الذي هو الإجرام تعود عليَّ لا على غيري.
وأنا بريء: أي أتبرأ وأتنصل من إجرامكم فلا أتحمل مسؤوليته.
مما تجرمون: أي على أنفسكم بإفسادها بالشرك والكفر والعصيان.
معنى الآية:
هذه الآية الكريمة أوقعها الله مُنَزِلُها سبحانه وتعالى بين أجزاء الحديث عن نوح وقومه، وحسن موقعها هنا لأن الحديث عن نوح وقومه لا يتأتى لأحد إلا لنبي يوحى إليه، وذلك لبعده في الحاريخ فَقَصُّ النبي له اليوم دليل على أنه نبي يُوحى إليه، فلذا قال أم يقولون افتراه2 أي يقولون افترى القرآن وكذبه ولم يوح إليه قل إن افتريته كما زعمتم فعليّ إجرامي أي أثم كذبي وأنا بريء مما تجرمون أنتم بتكذيبكم إياي وكفركم بربكم ورسوله ووعده ووعيده.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- جواز الاعتراض في الكلام إذا حسن موقعه لإقامته حجة أو إبطال باطل أو تنبيه على أمر مهم.
1- قص القصص أكبر دليل على صدق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في دعوى النبوة ودعوته إلى الله تعالى.
3- تقرير مبدأ تحمل كل إنسان مسؤولية عمله وأن لا تزر وازرة وزر أخرى.
معنى الآيات:
ما زال السياق في الحديث عن نوح وقومه قال تعالى {حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور} أي واصل صنع السفينة حتى إذا جاء أمرنا أي بإهلاك المشركين، وفار3 التنور أي خرج الماء من داخل التنور وفار وتلك علامة بداية الطوفان فاحمل فيها أي في السفينة التي صنعت من كل زوجين4 اثنين أي من كل نوع من أنواع الحيوانات زوجين أي ذكراً وأنثى. وأهلك أي واحمل أهلك من زوجة وولد كسام وحام ويافث إلا من سبق عليه القول أي بالإهلاك كامرأته واعلة وولده كنعان. ومن آمن5 أي واحمل من آمن من سائر الناس، {وما آمن معه إلا قليل} أي نحو من ثمانين رجلاً وامرأة هذا ما دلت عليه الآية الأولى (40) أما الثانية فقد أخبر تعالى فيها أن نوحاً قال لجماعة المؤمنين {اركبوا فيها} أي في السفينة {باسم الله مجراها6ومرساها} أي باسم الله تجري وباسم الله ترسو أي تقف {إن ربي لغفور رحيم7} أي فهو لا يهلكنا بما قد يكون لنا من ذنب ويرحمنا فينجينا ويكرمنا. وقوله تعالى في الآية الثالثة (42) {وهي تجري بهم في موج كالجبال} وصف للسفينة وهي تغالب الماء وتمخر عبابه وأمواج الماء ترتفع حتى تكون كالجبال في ارتفاعها وقبلها نادى نوح ابنه كنعان، وهو في هذه الساعة في معزل8 أي من السفينة حيث رفض الركوب فيها لعقوقه وكفره9 فقال له {يا بني اركب10 معنا ولا تكن مع الكافرين} فتغرق كما يغرقون فأجاب الولد قائلاً{سآوي إلى جبل يعصمني من الماء} أي يمنعني منه حتى لا أغرق، فأجابه نوح قائلاً {لا عاصم اليوم من أمر الله} أي بعذاب الكافرين {إلا من رحم} أي الله فهو المعصوم. قال تعالى {وحال بينهما الموج} أي بين الولد العاق والوالد الرحيم {فكان} أي الولد {من المغرقين} . وقوله تعالى {وقيل يا أرض ابلعي ماءك} أي اشربيه وابتلعيه، ويا سماء اقلعي أي من الصب والإمطار، والآمر للأرض والسماء هو الله تعالى. {وغيض الماء} أي نقص ونضب. {واستوت على الجودي11} أي ورست السفينة بركابها على الجودي وهو جبل بالجزيرة قرب الموصل {وقيل بعداً للقوم الظالمين} أي هلاكاً لهم فلم يبق منهم أحداً إذ أخذهم الطوفان وهم ظالمون بدأ الطوفان أول يوم من رجب واستمر ستة أشهر حيث رست السفينة في أول محرم.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- الإيمان ينجي، والكفر يهلك ويردي.
- 2- مشروعية التسمية عند الركوب في سفينة أو غيرها.
3- عقوق الوالدين كثيراً ما يسبب الهلاك في الدنيا، أما عذاب الآخرة فهو لازم له.
- 4- مظهر من مظاهر رحمة الوالد بولده.
5- مظاهر عظمه الرب تعالى وإطاعة الخلق أمره حتى الأرض والسماء.
__________
1 الإجرام: مصدر أجرم يجرم إجراماً: إذا اقترف السيئات وجرم الثلاثي كأجرم الرباعي، قال الشاعر وهو أحد لصوص بني سعد:
طريد عشيرة ورهين جرم
بما جرمت يدي وجنى لساني
2 فسرت الآية في التفسير بالقول الراجح وهو: أنّ المراد بمن يقول افتراه: النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والآية معترضة أحاديث قصة نوح وذهب بعضهم نقلاً عن ابن عباس أنها من محاورة نوح عليه السلام مع قومه: واستظهروها من أجل السياق السابق واللاحق والله أعلم.
3 الفوران: غليان القدر، ويطلق على نبع الماء بشدة تشبيها بفوران ماء في القدر إذا غلى، والتنور: اسم لموقد النار للخبز.
4 قرأ حفص {من كلٍ} بتنوين كل فالتنوين عوض عن مضاف إليه أي: من كل المخلوقات، و {زوجين} مفعول لـ (احمل) ، واثنين: نعت له وقرأ الجمهور بإضافة كل إلى زوجين، والمراد بالزوجين هنا: الذكر والأنثى من كل نوع من أنواع الحيوانات.
5 ومن آمن: أي: كل المؤمنين.
6 جائز أن يكون القائل: {اركبوها} الله جلّ جلاله، وجائز أن يكون نوحاً عليه السلام والركوب: العلو على ظهر شيء، وقال: فيها، ولم يقل عليها لأنها ظرفٌ لهم يدخلون فيها.
7 قرأ الجمهور بضم الميم في كل من مجراها، ومرساها، وهما مصدران من: أجرى وأرسى، وقرأ عاصم بفتح ميم مجراها، وضم ميم مرساها كالجمهور، ولم يفتح ميم مرساها لاشتباهه. حينئذ المرسى مكان الرسو، وقرىء مجريها، ومرسيها باسم الفاعل أي: بسم الله مجريها ومرسيها.
8 روي أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "أمان لأمتي من الغرق إذا ركبوا في الفلك بسم الله الرحمن الرحيم" {وما قدروا الله حق قدره، والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عمّا يشركون. {بسم الله مجراها ومرساها إن ربى لغفور رحيم} .
9 وقيل: في معزل أي: من دين أبيه.
10 قرأ حفص: {يا بنيَّ} بفتح الياء المشددة وكسرها غير عاصم.
11 {الجودي} أحد جبال ثلاثة أكرمهم الله تعالى، الجودي بإرساء السفينة عليه، وطور سينا: بمناجاة موسى عليه، وحراء بتعبد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه ونزول جبريل عليه فيه.
************************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
25-03-2022, 08:31 PM
وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (47) قِيلَ يَانُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (48) تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49)
شرح الكلمات:
من أهلي: أي من جملة أهلي من أزواج وأولاد.
وإن وعدك الحق: أي الثابت الذي لا يخلف.
إنه عمل غير صالح: أي إن سؤالك هذا إياي عمل غير صالح.
أعظك: أي أنهاك وأخوفك من أن تكون من الجاهلين.
من الجاهلين: أي من الذين لا يعرفون جلالي وصدق وعدي ووفائي فتسألني ما ليس لك به علم.
سنمتعهم: أي بالأرزاق والمتع إلى نهاية آجالهم ثم يحل بهم عذابي وهم الكفرة.
للمتقين: أي الذين يتقون الله فيعبدونه ولا يشركون به شيئاً.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في الحديث عن نوح وقومه قال تعالى، {ونادى نوح ربه} أي دعاه سائلاً {ربّ إن ابني من أهلي1 وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين} ، وهذا كان منه حال الإركاب في الفلك، وامتناع ولده كنعان من الركوب أي رب إن ولدي كنعان من زوجتي ومن جملة أولادي، وقد وعدتني أن تنجيني وأهلي ومن معي من المؤمنين، {وإن وعدك الحق} أي الذي لا خلف فيه أبداً، {وأنت أحكم الحاكمين} أعلمهم وأعدلهم، وهذا ابني قد استعصى عنّي ولم يركب معي وسيهلك مع الهالكين إن لم ترحمه يا رب.
العالمين فأجابه الرب تبارك وتعالى بقوله الحق: {إنه ليس من أهلك} أي الذين وعدتك بإنجائهم لأنه على غير دينك وعلى خلاف منهجك، {إنه عمل2 غير صالح} أي إن سؤالك هذا إليّ بإنجاء ولدك وهو كافر على غير ملتك، وقد أعلمتك إني مغرق الكافرين. سؤالك هذا عمل غير صالح يصدر عنك: {إني أعظك} أي أنهاك وأخوفك {أن تكون من الجاهلين} فتسألني ما ليس لك به علم. قال نوح {ربّ} أي يا رب إنّي أعوذ بك أي استجير وأتحصن بك أن أسألك بعد الآن ما ليس لي به علم. وإلا تغفرلي وترحمني أكن من الخاسرين أي الذين غبنوا أنفسهم حظوظها فهلكوا، فأجابه الرب3 تعالى {يا نوح أهبط} من السفينة أنت ومن ومعك من المؤمنين بسلام منا أي بأمن منا وتحيات، وبركات عليك وعلى أمم ممن معك أي من ذريّة من معك، فلا تخافوا جوعاً ولا شقاء، وأمم من ذريّة من معك سنمتعهم متاع الحياة الدنيا بالأرزاق ثم يمسهم منا عذاب أليم يوم القيامة لأنهم ينحرفون عن الإسلام ويعيشون على الشرك والكفر. وهذا من علم الغيب الذي أخبر الله تعالى به فكان كما أخبر فقد نشأت أجيال وأجيال من ذريّة نوح منهم الكافر ومنهم المؤمن وفي الجميع ينفذ حكم الله ويتم فيهم وعده ووعيده. وقوله تعالى في الآية (49) وهي الأخيرة في هذا السياق يقول تعالى {تلك من أنباء الغيب4 نوحيها} أي هذه القصة التي قصصناها عليك من أنباء الغيب الذي لا يعلم تفصيله إلا الله نوحيها إليك ضمن آيات القرآن ما كنت تعلمها أنت ولا قومك على وجه التفصيل من قبل هذا القرآن إذاً فاصبر يا رسولنا على أذى قومك مبلغاً دعوة ربك حتى يأتيك نصرنا فإن العاقبة5 الحسنى الحميدة وإنما للمتقين ربهم بطاعته والصبر عليها حتى يلْقوهُ مؤمنين صابرين محتسبين.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- رابطة الإيمان والتقوى أعظم من رابطة النسب.
2- حرمة العمل بغير علم فلا يحل القدوم على أمر حتى يعلم حكم الله فيه.
3- ذم الجهل وأهله.
4- شرف نوح عليه السلام وانه أحد أولى العزم من الرسل.
5- بيان العبرة من القصص القرآني وهي تسلية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمؤمنين.
6- تقرير نبوة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإثباتها ببرهان عقلي وهو الإخبار بالغيب الذي لا يعلم إلا من طريق الوحي.
7- بيان فضل الصبر، وأن العاقبة الحميدة للمتقين وهم أهل ألتوحيد والعمل الصالح.
__________
1 أي: الذين وعدتهم أن تنجيهم من الغرق. سأل نوح ربّه نجاة ولده لقوله تعالى {وأهلك} وكان كنعان يظهر الإيمان ويبطن الكفر.
2 قرأ ابن عباس، وعروة وعكرمة، ويعقوب، والكسائي: {إنه عَمِل غيرَ صالح} أي: إن ابنك عمل عملاً غير صالح، وهو الكفر والتكذيب وقرأ الباقون {عملٌ غير صالح} أي: ابنك ذو عمل غير صالح فحذف المضاف كقول الشاعر:
ترتع ما رتعت حتى إذا ادّكرت
فإنما هي إقبال وإدبار
أي: ذات إقبال وإدبار.
3 وجائز أن يكون القائل: {اهبط} : الملائكة عليهم السلام بإذن الله تعالى.
4 اشتملت الآية على ثلاثة أمور هي: الامتنان والصبر، والتسلية، فالامتنان في قوله: {ما كنت تعلمها أنت ولا قومك} والموعظة في قوله {فاصبر} الخ.. والتسلية في قوله، {إن العاقبة للمتقين} .
5 العاقبة في الدنيا بالظفر، وفي الآخرة بالفوز وهو النجاة من النار، ودخول الجنة.

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
25-03-2022, 08:33 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة هود - (7)
الحلقة (494)
تفسير سورة هود مكية
المجلد الثانى (صـــــــ 550الى صــــ 554)

وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ (50) يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (51) وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ (52)
شرح الكلمات:
وإلى عاد أخاهم هودا: أي وأرسلنا إلى قبيلة عاد أخاهم في النسب لا في الدين أخاهم هوداً. وهود من قبيلة عاد وعاد من ولد سام بن نوح عليه السلام.
اعبدوا الله: أي اعبدوه وحده ولا تعبدوا معه غيره.
ما لكم من إله غيره: أي ليس لكم معبود بحق يستحق عبادتكم غيره.
إن أنتم إلا مفترون: أي ما أنتم في تأليه غير الله من الأوثان إلا كاذبون.
لا أسألكم عليه أجراً: أي لا أطلب منكم أجراً على إبلاغي دعوة التوحيد إليكم.
فطرني: أي خلقني.
مدرارا: أي كثيرة الدرور للمطر النازل منها.
ولا تتولوا مجرمين: أي ولا تعرضوا عن دعوة التوحيد مجرمين على أنفسكم بالشرك بالله.
معنى الآيات:
هنا شروع في قصة هود مع قومه عاد بعد قصة نوح عليه السلام ومغزى القصة تقرير توحيد الله ونبوة رسول الله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال تعالى {وإلى عاد أخاهم1 هوداً} أي وأرسلنا إلى قبيلة عاد2 أخاهم هوداً وهو أخوهم في النسب وأول من تكلم بالعربية فهو أحد أربعة أنبياء من العرب وهم هود، وصالح، وشعيب، ومحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقوله {قال يا قوم اعبدوا الله} أي قال هود لقومه بعد أن أرسله الله إليهم يا قوم اعبدوا الله أي وحدوه في عبادته فلا تعبدوا معه غيره فإنه ما لكم من إله غير3 الله سبحانه وتعالى. وقوله {إن أنتم إلا مفترون} أي ما أنتم في عبادة غير الله من الأصنام والأوثان إلا كاذبون، إذ لم يأمركم الله تعالى ربكم بعبادتها، وإنما كذبتم عليه في ذلك. وقوله {يا قوم لا أسألكم عليه أجراً} يريد لا أسألكم على دعوتي إياكم إلى توحيد ربكم لتكملوا بعبادته وتسعدوا أجراً أي مالاً {إن أجرى إلا على الله الذي فطرني} أي ما أجري إلا على الله الذي خلقني. وقوله {أفلا تعقلون4} أي أفلا تعقلون أني لو كنت أبغي بدعوتي إلى التوحيد أجراً لطلبت ذلك منكم، غير أني لم أطلب من غير ربي أجراً فبان بذلك صدقي في دعوتكم ونصحي لكم.
وقوله تعالى عن قيل هود {يا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه} يخبر تعالى أن هوداً نادى قومه فقال يا قوم استغفروا ربكم أي آمنوا به واطلبوا منه المغفرة لذنوبكم، ثم توبوا إليه أي ارجعوا إلى عبادته وحده بما شرع لكم على لسان نبيكم، واتركوا عبادة غيره يكافئكم بأن يرسل السماء عليكم مدرارا5 أي بالأمطار المتتالية بعد الذي أصابكم من الجفاف والقحط والجدب، ويزدكم قوة روحية إلى قوتكم المادية، وقوله {ولا تتولوا مجرمين} ينهاهم ناصحاً لهم أن يرفضوا نصيحته ويرجعوا إلى عبادة الأوثان فيُجْرِمُوا على أنفسهم بإفسادها بأوضار الشرك والعصيان.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- دعوة الرسل من نوح إلى محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واحدة وهي أن يُعبَدَ الله وحده.
2- تقرير مبدأ لا إله إلا الله.
3- المشركون والمبتدعون الكل مفترون على الله كاذبون حيث عبدوه بما لم يشرع لهم.
4- وجوب الإخلاص في الدعوة.
5- فضل الاستغفار ووجوب التوبة.
6- تقديم الاستغفار على التوبة مشعر بأن العبد إذا لم يعترف أولاً بذنبه لا يمكنه أن يتوب منه.
__________
1 وجائز أن تكون أخوة بني آدم إذ الكل من آدم عليه السلام.
2 هما: عادان، الأولى والثانية لقوله تعالى: {وأنه أهلك عاداً الأولى} فهؤلاء هم عاد الأولى، وأمَّا الأخرى فالله أعلم بها.
3 يصح في: {غير} الجر والرفع والنصب، فالجرّ على اللفظ، والرفع على الموضع والنصب على الاستثناء.
4 وجائز أن يكون {أفلا تعقلون} لما جرى لقوم نوح لمّا كذّبوا الرسل، وما في التفسير أولى وأكثر فائدة.
5 أي: كثيرة المطر المتتابع الذي يتلو بعضهُ بعضاً، يقال: درّت السماء تدرّ فهي مدرار، وكان قوم هود أهل بساتين وزروع حياتهم متوقفة على المطر.
*********************************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
25-03-2022, 08:34 PM
قَالُوا يَاهُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53) إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (57)
شرح الكلمات:
بيّنة: أي بحجة وبرهان على صحة ما تدعونا إليه من عبادة الله وحده.
وما نحن بتاركي آلهتنا: أي عبادة آلهتنا لأجل قولك إنها لا تستحق أن تعبد.
إلاّ اعتراك: أي أصابك.
بسوء: أي بِخَبَل فأنت تهذي وتقول مالا يقبل ولا يعقل.
ثم لا تنظرون: أي لا تمهلون.
آخذ بناصيتها: أي مالكها وقاهرها ومتصرف فيها. فلا تملك نفعاً ولا ضراً إلا بإذنه.
إن ربي على صراط مستقيم: أي على طريق الحق والعدل.
فإن تولوا: أصلها تتولوا فعل مضارع حذفت منه إحدى التائين ومعناه تُدبروا.
على كل شيء حفيظ: أي رقيبٌ ولا بد انه يجزي كل نفس بما كسبت.
معنى الآيات:
مازال السياق في قصة هود مع قومه إذ أخبر تعالى عن قيل قوم هود إلى هود فقال {قالوا يا هود ما جئتنا ببيّنة} أي بحجة أو برهان على صحة ما تدعونا إليه من عبادة الله وترك عباده آلهتنا والاعتراف بنبوتك {وما نحن بتاركي آلهتنا} أي عبادتها {عن قولك} أي من أجل قولك إنها لا تستحق أن تعبد لكونها لا تنفع ولا تضر، {وما نحن لك بمؤمنين} أي بمتابعين لك على دينك ولا مصدقين لك فيما تقول {إن نقول إلا اعتراك1 بعض آلهتنا بسوء} أي ما نجد ما نقول فيك إلا أن بعض آلهتنا التي تسبها وتشتمها قد أصابتك بسوء بخبل وجنون فأنت تهذر وتهذي ولا تدري ما تقول. فأجابهم قائلا {إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون} فأعلن براءته في وضوح من آلهتهم وأنه لا يخافها إبطالا لدعواهم أنَّها أصابته بسوء وأعلمهم أنه يشهد الله على ذلك، ثم أمرهم أن يشهدوا هم كذلك2. وقوله {من دونه} أي من دون الله من سائر الآلهة والشركاء ثم تحداهم مستخفا
بهم وبآلهتهم، فقال {فكيدوني3 جميعا} أي احتالوا على ضري ثم لا تنظرون أي لا تؤخرون ولا تمهلون، ثم كشف لهم عن مصدر قوته وهو توكله على ربّه فقال {إني توكلت على الله ربي وربكم} أي فوضت أمري إليه وجعلت كل ثقتي فيه فهو لا يسلمني إليكم ولا يخذلني بينكم. ثم أعلمهم بإحاطة قدرة الله بهم وقهره لهم فقال {وما من4 دابّة إلا هو آخذ بناصيتها5} أي قاهر لها متحكم فيها يقودها حيث شاء وينزل بها من العذاب ما يشاء، ثم أعلمهم أن ربّه تعالى على طريق العدل والحق فلا يُسلط أعداءه على أوليائه، فقال {إن ربّي على صراط مستقيم} فلذا أنا لست بخائف ولا وجل ثم قال لهم {فإن تولوا} أي فإن تدبروا عن الحق وتعرضوا عنه فغير ضائري ذلك إذ أبلغتكم ما أرسلني به ربي إليكم وسيهلككم ويستخلف قوماً غيركم6، ولا تضروه شيئاً من الضرر لا قليلاً ولا كثيراً، {إن ربّي على كل شيء حفيظ} أي رقيب، وسيجزي كلا بما كسب بعدله ورحمته. وله الحمد والمنة.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- بيان مدى مجاحدة ومكابرة المشركين في كل زمان ومكان.
2- تشابه الفكر الشركي وأحوال المشركين إذ قول قوم هود {إن نقول إلا اعتراك} .. الخ. يردده جهلة المسلمين وهو فلان ضربه الولي الفلاني.
3- مواقف أهل الإيمان واحدة فما قال نوح لقومه متحدياً لهم قاله هود لقومه.
4- تقرير مبدأ أن كل شيء في الكون خاضع لتدبير الله لا يخرج عما أراده له أو به.
__________
1 عراه واعتراه بممنى واحد، وهو: أصابك، يقال: اعتراني كذا، أي، أصابني، كما يقال: عراني نعاس أو تفكير أي: أصابني.
2 ما أمرهم بالشهادة لكونهم أهلا لها، وإنما زيادة في التقرير، وخالف بين الفعلين حتى لا يسوي بين شهادة الله تعالى وشهادتهم.
3 في قوله: {فكيدوني جميعاً ثم لا تنظرون} علم من أعلام النبوة إذ لا يقدر فرد أن يقول لأمّة بكاملها: افعلي بي من الشر والأذى ما تستطيعين إلاّ أن يكون نبياً عالما بقدرة الله تعالى على حفظه وحمايته، وقد وقف هذا الموقف نوح من قبل ووقفه محمد بعد صلى الله عليهم أجمعين وسلم تسليماً.
4 كل ما فيه روح يقال له دابّ، والتاء فيه: للمبالغة، فيقال. دابة بالغة في الدبيب.
5 الناصية: ما انسدل من شعر الرأس على الجبهة، والأخذ: الإمساك، وهذا كناية عن التمكن والقدرة الكاملة على التصرف في المخلوقات.
6 أي: يخلق من هم أطوع لله تعالى منكم فيعبدونه ويوحدّونه.


(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
25-03-2022, 08:35 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة هود - (8)
الحلقة (497)
تفسير سورة هود مكية
المجلد الثانى (صـــــــ 555الى صــــ 558)


وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (58) وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ (60)
شرح الكلمات:
ولما جاء أمرنا: أي بعذابهم وهي الريح الصرر.
برحمة منا: أي بفضل منا ونعمة.
جبار عنيد: أي مستكبر عن الحق لا يذعن له ولا يقبله.
ويوم القيامة: أي ولعنة في يوم القيامة.
ألا بعداً لعاد: أي هلاكاً لعاد وإبعاداً لهم من كل رحمه.
معنى الآيات:
مازال السياق في هود وقومه قال تعالى {ولما جاء أمرنا} أي عذابنا1 {نجينا هوداً والذين آمنوا معه برحمة2 منا} أي بلطف وفضل ونعمة {ونجيناهم3 من عذاب غليظ} هو عذاب يوم القيامة فهما نجاتان نجاة في الدنيا من عذاب الريح العقيم الصرر التي دمرت كل شيء بأمر ربها ونجاة من عذاب النار يوم القيامة وهي أعظم. وقوله تعالى {وتلك عاد} أي هذه عاد قوم هود جحدوا بآيات4 ربهم فلم يؤمنوا وعصوا رسله أي هوداً وجمُع لأن من كذب برسول كأنما كذب بكل الرسل {واتبعوا أمر كل جبار عنيد5} أي اتبعوا أمر دعاة الضلالة من أهل الكبر والعناد للحق فقادوهم إلى سخط الله وأليم عقابه وقوله {واتبعوا في هذه الدنيا لعنة} أي اتبعهم الله غضبه وسخطه وهلاكه، ويوم القيامة كذلك وأشد. ويختم الحديث عن هذه القصة بقول الله تعالى {ألا إن عاداً كفروا ربهم} أي جحدوه فلم يعترفوا بألوهيته وعبادته {ألا6 بعداً} أي هلاكاً لعادٍ قوم هود. فهل يعتبر مشركو قريش بهذه القصة فيؤمنوا ويوحدوا فينجوا ويفلحوا.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- تقرير التوحيد إذ القصة كلها مسوقة لذلك.
2- بيان سنة الله في الأولين وهي انه لبعث الرسل مبشرين ومنذرين فَإنِ استجابَ المرسل إليهم سعدوا، وإن لم يستجيبوا يمهلهم حتى تقوم الحجة عليهم ثم يهلكهم، وينجي المؤمنين.
3- التنديد بالكبر والعناد إذ هما من شر الصفات الخلقية في الإنسان.
4- اتباع الطغاة والظلم والكفر والفساد لا تقود إلا إلى الدمار والخسار.
__________
1 بهلاك عاد.
2 في صحيح مسلم قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لن ينجي أحداً منكم عمله قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلاّ أن يتغمدني الله بفضل منه ورحمة".
3 قبل: كانوا ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف نسمة ما بين رجل وامرأة.
4 المراد من الآيات: المعجزات وأنكروها.
5 العنيد والعنود، والعاند والمعاند: المعارض، المخالف.
6 والبعد: التباعد عن الخير أيضاً.
*******************************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
25-03-2022, 08:35 PM
وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ (61) قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (63)
شرح الكلمات:
وإلى ثمود: أي وأرسلنا إلى قبيلة ثمود.
أخاهم صالحاً: أي في النسب لأنه من قبيلة ثمود، بينه وبين ثمود أبي القبيلة خمسة أجداد.
واستعمركم: أي جعلكم عماراً فيها تعمرونها بالسكن والإقامة فيها.
قريب مجيب: أي من خلقه، إذ العوالم كلها بين يدله ومجيب أي لمن سأله.
مرجوا قبل هذا: أي قبل أن تقول ما قلت كنا نرجو أن تكون سيداً فينا.
أرأيتم: أي أخبروني.
على بيّنة من ربي: أي على علم بربي علمنيه سبحانه وتعالى فهل يليق بي أن أعبد غيره.
غير تخسير: أي خسار وهلاك.
معنى الآيات:
هذه بداية قصة صالح مع قومه إذ قال تعالى مخبراً عن إرساله إلى قومه {وإلى ثمود1 أخاهم صالحا! أي وأرسلنا إلى قبيلة ثمود بالحجر بين الحجاز والشام أخاهم في القبيلة لا في الدين صالحاً. فقال {يا قوم أعبدوا الله ما لكم من إله غيره} فناداهم بعنوان القومية جمعا لقلوبهم على ما يقول لهم فقال {يا قوم اعبدوا الله} أي آمنوا به ووحدوه في عبادته فلا تعبدوا معه أحداً. إذ ليس لكم من إله غيره. إذ هو ربكم أي خالقكم ورازقكم ومدير أمركم. {أنشأكم من الأرض} أي ابتدأ خلقكم بخلق أبيكم آدم منها {واستعمركم2 فيها} أي جعلكم تعمرونها بالسكن فيها والعيش عليها، إذا فاستغفروه بالاعتراف بألوهيته ثم توبوا إليه فاعبدوه وحده ولا تشركوا في عبادته أحداً. وقوله {إنّ ربّي قريب مجيب} أخبرهم بقرب الربّ تعالى من عباده وإجابته لسائليه ترغيباً لهم في الإيمان والطاعة، وترك الشرك والمعاصي. هذا ما تضمّنته الآية الأولى (61) أما الآية الثانية فقد تضمنت رد القوم عليه عليه السلام إذ قالوا بما اخبر تعالى عنهم {يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا} أي كنا نأمل فيك الخير ونرجو أن تكون سيداً فينا حتى فاجأتنا بما تدعونا إليه من ترك آلهتنا لإلهك ثم أنكروا عليه دعوته فقالوا {أتنهانا3 أن نعبد ما يعبد آباؤنا} وأخبروه أنهم غير مطمئنين إلى صحة ما يدعوهم إليه من توحيد الله تعالى فقالوا {وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب} أي موقع في الريب وهو اضطراب النفس وعدم سكونها إلى ما قيل لها أو أخبرت به هذا ما تضمنه الآية الثانية (62) أما الآية الثالثة (63) فقد تضمنت دعوة صالح لقومه بأسلوب رفيع رغبة منه في إقامة الحجة عليهم لعلهم يؤمنون ويوحدون إذ قال بما أخبر الله تعالى في قوله: {قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بيّنة من ربي} أي على علم يقيني بالإيمان بربي ووجوب عبادته وتوحيده وآتاني منه رحمة وهي النبوة والرسالة، فمن ينصرني4 من الله إن عصيته اللهم إنه لا أحد أبداً إذاً فإنكم ما تزيدونني إن أنا أطعتكم في ترك عبادة ربي والرضا بعبادة آلهتكم إلا خساراً5 وضلالاً في هذه الحياة وفي الحياة الآخرة..
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- وحدة الوسيلة والغاية عند كافّة الرسل فالوسيلة عبادة الله وحده، والغاية رضا الله والجنة.
2- تقديم الاستغفار على التوبة في الآية سره إن المرء لا يقلع عن ذنبه حتى يعترف به.
3- بيان سنة في الناس وهي أن المرء الصالح يرجى في أهله حتى إذا دعاهم إلى الحق وإلى ترك الباطل كرهوه وقد يصارحونه بما صارح به قوم صالح نبيّهم إذ قالوا {قد كنت فينا مرجواً قبل هذا} .
4- حرمة الاستجابة لأهل الباطل بأي نوع من الاستجابة، إذ الاستجابة لا تزيد العبد إلا خساراً.
__________
1 اختلف في صرف ثمود فمن القراء من صرفه أبداً وإلى ثمود بالجر والتنوين ومنهم من صرفه في موضع من القرآن ومنه في موضع آخر ولكل فيما رآه وجه صحيح.
2 استعمر بمعنى أعمر كاستجاب بمعنى أجاب أعمركم جعلكم تعمرونها فأنتم عمارها إلى نهاية آجالكم المحددة لكم، وليس هذا من باب استسهل الشيء إذا وجده سهلاً واستصعبه إذا وجده صعباً فإن الله تعالى لا يعجزه شيء وفي الآية دليل على العمري وهو أن يقول مالك لآخر أعمرتك داري فتصبح له واختلف هل تبقى لذريته بعد موته أو هي له ما دام حياً فإذا مات عادت لمن أعمره إياها مذهبان مشهوران وفي الحديث العمري جائزة والعُمري لمن وهبت له.
3 الاستفهام للإنكار.
4 الاستفهام للنفي أي لا أحد ينصرني.
5 اختلف في توجيه قوله عليه السلام فما تزيدونني غير تخسير فمن قائل: غير بصيرة بخسارتكم ومن قائل التخسير لهم لا له عليه السلام وأوجه الأقوال ما في التفسير وأشكل لفظ زيادة التخسير والخروج منه أنه يعرض بهم فأفهمهم أنهم في خسران كقوله تعالى: {إن الإنسان لفي خسر} ثم بشركهم يزدادون خسراناً وتخسيراً أعظم.

(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابوالوليد المسلم
17-06-2022, 02:36 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة هود - (9)
الحلقة (498)
تفسير سورة هود مكية
المجلد الثانى (صـــــــ 558الى صــــ 563)

وَيَاقَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ (64) فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ (68)
شرح الكلمات:
آية.: أي علامة على صدقي فيما جئتكم به من أنه لا إله إلا الله.
فذروها تأكل في أرض الله: أي اتركوها ترعى في المراعي غير المحميّة لآحد.
بسوء: أي كضربها أو قتلها، أو منعها من الماء الذي تشرب منه.
فعقروها: أي قتلوها بالعقر الذي هو قطع قوائمها بالسيف.
تمتعوا في دياركم: أي ابقوا في دياركم تأكلون وتشربون وتتمتعون في الحياة ثلاثة أيام.
وعد غير مكذوب: أي صادق لم أكذبكم فيه ولم يكذبني ربي الذي وعدكم به.
في ديارهم جاثمين.: أي ساقطين على ركبهم ووجوههم.
كأن لم يغنوا فيها: أي كأن لم يكونوا بها أمس ولم تعمر بهم يوما.
معنى الآيات:
مازال السياق في الحديث عن صالح وقومه. إنه لما دعاهم صالح إلى توحيد الله تعالى كذبوه وطالبوه بما يدل على صدق ما دعا إليه فأجابهم صالح بما أخبر تعالى به في هذه الآية {ويا قوم1 هذه ناقة الله لكم آية} وذلك أنهم سألوا أن يخرج لهم ناقة من جبل أشاروا
إليه فدعا صالح ربّه فاستجاب الله تعالى له وتمخض الجبل عن ناقة عشراء هي عجب في خلقتها وكمالها فقال عندئذ {يا قوم هذه ناقة الله} أضافها إلى الله لأنها كانت بقدرته ومشيئته {لكم آية} أي علامة لكم على صدق ما دعوتكم إليه من عبادة الله وحده وترك عبادة الأوثان، فذروها2 تأكل في أرض الله أي خلّوها تأكل من نبات الأرض من المراعي العامة التي ليست لأحد، ولا تمسوها بسوء كعقرها أو ذبحها وقتلها فيأخذكم عذاب قريب3 قد لا يتأخر أكثر من ثلاثة أيام. فكذبوه فعقروها فلما رأى ذلك قال لهم بأمر الله {تمتعوا في داركم4 ثلاثة أيام} أي عيشوا فيها. {ذلك وعد غير مكذوب} أي ذلك الوعد وعد صادق غير مكذوب فيه. هذا ما دلت عليه الآيتان (64- 65) وقال تعالى: {فلما جاء أمرنا نجينا صالحاً والذين آمنوا معه برحمة منا} أي لما اكتملت المدة التي حددت لهم وجاء أمر الله بعذابهم نجى الله تعالى رسوله صالحاً والمؤمنين برحمة منه أي بلطف ونعمة منه عز وجل وقوله {ومن خزي5 يومئذ} أي ونجاهم من ذل ذلك اليوم وعذابه، وقوله {إن ربك قوي عزيز} أي إن ربك يا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوي إذا بطش عزيز غالب لا يٌغلب على أمر يريده. هذا ما دلت عليه الآية الثالثة (66) وأما الآيتان بعد فقد أخبر تعالى فيهما عن هلاك ثمود بقوله {وأخذ الذين ظلموا الصيحة6 فأصبحوا في ديارهم جاثمين} أي إنّ الذين أشركوا بربهم وكذبوا بآياته أخذتهم الصيحة فانخلعت لها قلوبهم فهلكوا وأصبحوا في ديارهم جاثمين على ركبهم كأن لم يغنوا بديارهم ولم يعمروها قال تعالى {ألا إن ثموداً كفروا ربّهم ألا بعداً لثمود} أي هلاكاً لثمود، وبهذا التنديد والوعيد بعد الهلاك والعذاب المخزي انتهت قصة صالح مع قومه ثمود الذين آثروا الكفر على الإيمان والشرك على التوحيد
هداية الآيات:
هن هداية الآيات:
1- إعطاء الله تعالى الآيات للمطالبين بها لا يستلزم الإيمان بها.
2- آية صالح عليه السلام من أعظم الآيات ولم يؤمن عليها قومه.
3- إقامة ثلاثة أيام لا يعد صاحبها مقيما وعليه أن يقصر الصلاة.
4- شؤم الظلم وسوء عاقبة أهله.
__________
1 هذه ناقة الله لكم آية مبتدأ وخبر وآية منصوب على الحال.
2 ذروها أمر، وماضيه وذر شاذ وكذا اسم الفاعل فلا يقال وذر فهو واذر، والمستعمل منه المضارع والأمر لا غير. ومعناه ترك وبه استغنى عن وذر.
3 أي من يوم قتلها وهو كذلك فلم يتأخر.
4 ليتمتع كل واحد منكم في داره عن ثلاثة أيام إذ عقروا الناقة يوم الأربعاء فأصبحوا يوم الخميس وهو اليوم الأول من أيام النظرة ووجوههم مصفرة وأصبحوا يوم الجمعة وهو اليوم الثاني من أيام التمتع في ديارهم ووجوههم محمرة وأصبحوا يوم السبت ووجوههم مسودة وأخذوا صباح الأحد.
5 من فضيحته وذلته وقرأ نافع بنصب يومئذ وقرأ غيره بكسرها على الإضافة.
6 جاءتهم صيحة من السماء ورجفة من الأرض فخروا على الأرض جاثمين جثوم الطير على الأرض إذا الصقت بطونها بها وسكنت لا تتحرك.
****************************** ********
يتبع

ابوالوليد المسلم
17-06-2022, 02:37 PM
وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُواْ سَلاَمًا قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70) وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ (71) قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ (73)
شرح الكلمات:
بالبشري: أي بإسحاق ومن وراء اسحق يعقوب.
فما لبث: أي ما أبطأ.
بعجل حنيذ: أي مشوي على الحجارة.
معنى الآيات:
هذه بشارة إبراهيم عليه السلام التي بشره الله تعالى بها إذ قال تعالى {ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى1} والمراد بالرسل جبريل وميكائيل وإسرافيل، إذ دخلوا عليه داره فسلموا عليه فرد عليهم السلام وهو معنى قوله تعالى {قالوا سلاما2 فقال سلام} وقوله تعالى {فما لبث أن جاء3 بعجل حنيذ} أي لم يبطأ حتى جاء بعجل4 مشوي فحنيذ بمعنى محنوذ وهو المشوي على الحجارة. فقربه إليهم وعرض عليهم الأكل بقوله {ألا تأكلون5} فلما رأى أيديهم لا تصل إليه أي لم يتناولوه نكرهم بمعنى أنكرهم وأوجس منهم خيفة لأن العادة أن الضيف إذا نزل على أحد فقدم إليه طعاماً فلم يأكل عرف أنه ينوي شراً ولما رأت الملائكة ذلك منه قالوا له لا تخف وبينوا له سبب مجيئهم فقالوا إنا أرسلنا إلى قوم لوط أي لإهلاكهم وتدميرهم بسبب إجرامهم. وكانت امرأته قائمة وراء الستار تخدمهم مع إبراهيم. فلما سمعت بنبأ هلاك قوم لوط ضحكت فرحاً بهلاك أهل الخبث فعندئذ بشرها الله تعالى على لسان الملائكة بإسحق ومن بعده يعقوب أي بولد وولد ولد، فلما سمعت البشرى صكت وجهها تعجباً على عادة النساء وقالت {ياويلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلي} تشير إلى زوجها إبراهيم {شيخا} أي كبير السن إذ كان سنه يومئذ مائة سنة وسنها فوق التسعين. {إن هذا لشيء عجيب} أي ولادتي في هذه السن أمر يتعجب منه. قالوا أتعجبين من أمر6 الله {رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت} أي بيت إبراهيم، {إنه حميد مجيد} أي محمود بإفضاله وإنعامه عليكم {مجيد} أي ذو مجد وثناء وكرم. وامرأة إبراهيم المبشرة هي سارة بنت عم إبراهيم عليه السلام، والبشارة هنا لإبراهيم {إنه حميد مجيد} أي محمود بإِفضاله وإنعامه عليكم {مجيد} أي ذو مجد وثناء وكرم. وامرأة ابراهيم المبشرة هي سارة بنت عم إبراهيم عليه السلام، والبشارة هنا لإبراهيم، وزوجه سارة معاً وهي مزدوجة إذ هي بهلاك الظالمين، وبإسحاق ويعقوب.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- استحباب تبشير المؤمن بما هو خير له ولو بالرؤيا الصالحة.
2- مشروعية السلام7 لمن دخل على غيره أو وقف عليه أو مرّ به ووجوب رد السلام.
3- مشروعية خدمة أهل البيت8 لضيوفهم ووجوب إكرام الضيف وفي الحديث الصحيح "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه".
4- شرف أهل بيت إبراهيم عليه السلام.
__________
1 قيل أن البشرى كانت بإسحاق وقيل بإهلاك قوم لوط والظاهر أنها بإسحق.
2 سلاماً نصب بوقوع فعل قالوا نحو قال فلان خيراً ويجوز عربيّة الرفع والنصب في قوله تعالى {قالوا سلاماً قال سلام} ، والرفع يكون على تقدير مبتدأ أي هو سلام، وسلام عليكم وجاز الابتداء بالنكرة لكثرة تكرار هذا اللفظ نظيره لا هم حيث حذفوا الألف واللام لكثرة استعمال اللهم.
3 إن هنا بمعنى حتى قاله كبراء النحو أي فما لبث حتى جاءهم.
4 في الآية دليل على فضل الضيافة ومشروعيتها والندب إليها إذ هي من خلق البشر وفي الحديث، "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه والضيافة ثلاثة أيام".
5 ذكر الطبري رحمه الله تعالى أن إبراهيم عليه السلام لما قدم العجل وقال للملائكة ألا تأكلون! قالوا لا نأكل طعاماً إلا بثمن قال كلوه بثمنه قالوا وما ثمنه؟ قال أن تسموا الله في أوله وتحمدوه في آخره فقال جبريل لأصحابه حق للرجل أن يتخذه ربّه خليلا.
6 من أمر الله أي قضائه وقدره.
7 في الآية دليل على أن لفظ السلام ينتهي بكلمة وبركاته.
8 في الآية دليل على أن امرأة الرجل تعد من أهل بيته.

ابوالوليد المسلم
17-06-2022, 02:37 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة هود - (10)
الحلقة (499)
تفسير سورة هود مكية
المجلد الثانى (صـــــــ 564الى صــــ 566)

فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74) إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ (75) يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاء أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (76)
شرح الكلمات:
الروع1: الفزع والخوف.
البشرى: أي الخبر السار المفرح للقلب.
يجادلنا: أي يخاصمنا.
في قوم لوط: أي في شأن هلاك قوم لوط، ولوط هو رسول الله لوط بن هاران بن عم إبراهيم.
حليم أواه: الحليم الذي لا يعامل بالعقوبة والأواه كثير التأوه مما يسيء ويحزن.
أعرض عن هذا: أي اترك الجدال في قوم لوط.
غير مردود: أي لا يستطيع أحد رده لأن الله تعالى قد قضى به فهو واقع لا محالة.
معنى الآيات:
مازال السياق الكريم في الحديث عن بشارة إبراهيم قال تعالى فلما ذهب عن إبراهيم الروع أي الفزع والخوف من الملائكة قبل أن يعرفهم وجاءته البشرى بالولد وبهلاك قوم لوط أخذ يجادل الملائكة في شأن هلاك قوم لوط لأجل ما بينهم من المؤمنين فقال إن فيها لوطاً فأجابوه بقولهم الذي ذكر تعالى في سورة العنكبوت {نحن أعلم بمن فيها لننجيّنه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين} وقوله تعالى {إن إبراهيم لحليم أواه منيب} 2 تعليل لمجادلة إبراهيم الملائكة في قوم لوط، وذلك أن إبراهيم رقيق القلب حليم لا يعامل بالعقوبة فأراد تأخير العذاب عنهم لعلهم يتوبون، وكان أواهاً ضارعا قانتا يكثر من قول آه إذا رأى أو سمع3 ما يسوء ومنيباً أي توابا رجاعاً إلى ربّه في كل وقت. ولما الحّ إبراهيم في مراجعة الملائكة قالوا له يا إبراهيم أعرض عن هذا الجدال إنه قد جاء4 أمر ربك أي بهلاك القوم. {وإنهم آتيهم عذاب غير مردود} أي غير مدفوع من أحد وهو ما سَيُذْكَرُ في السياق بعد.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- مشروعية الجدال عمن يُرجى له الخير من الناس، وذلك في غير الحدود الشرعية إذا رفعت إلى الحاكم.
2- فضيلة خلق الحلم.
3- فضل الإنابة إلى الله تعالى.
4- قضاء الله لا يرد أي ما حكم الله به لابد واقع.
__________
1 يقال ارتاع يرتاع من كذا إذا خاف قال النابغة.
فارتاع من صوت كلاّب فبات له
طوع الشوامت من خوف ومن ضرر
الشاعر يصف ثوراً وحشياً والكلاب: صاحب الكلاب.
2 المنيب: الراجع يقال أناب إذا رجع وإبراهيم كان راجعاً إلى ربه في أموره كلها والأواه الكثير لقول أوّه وأواه اسم فعل. نائب مناب اتوجع.
3 جائز أن يكون هذا وحياً أوحاه الله تعالى إلى إبراهيم وجائز أن يكون قول الملائكة، وأمر الله قضاؤه بإهلاك قوم لوط.
4 في هذا دليل على رحمة إبراهيم القلبية فما أن يرى أو يسمع ما يضر أو يسيء إلاّ أخذ في التأوه والتحسر والتحزن، وقيل اسم إبراهيم مركب من كلمتين: أب رحيم، وظهر هذا في سلوكه ورحمته.
****************************** ***************
يتبع

ابوالوليد المسلم
17-06-2022, 02:38 PM
وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَاقَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (79) قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80)
شرح الكلمات
سيء بهم: أي حصل له غم وهم بمجيئهم إليه.
وضاق بهم ذرعا1: أي عجزت طاقته عن تحمل الأمر.
يوم عصيب: أي شديد لا يحتمل.
يهرعون إليه: أي مدفوعين بدافع الشهوة يمشون مسرعين في غير اتزان.
السيئات: أي كبائر الذنوب بإتيان الذكور.
ولا تخزون في ضيفي: أي لا تذلوني ولا تهينوني بالتعرض لضيفي.
رجل رشيد: أي ذو رشد وعقل ومعرفة بالأمور وعواقبها.
أو آوى إلى ركن شديد: أي إلى عشيرة قوية تمنعني منكم. ولم تكن له عشيرة لأنه من غير ديارهم.
معنى الآيات:.
هذه فاتحة حديث لوط عليه السلام مع الملائكة ثم مع قومه قال تعالى {ولما جاءت رسلنا} وهم ضيف إبراهيم عليه السلام {لوطاً سيىء بهم} أي تضايق وحصل له هم وغم خوفا عليهم من مجرمي قومه. وقال هذا يوم عصيب أي شديد لما قد يحدث فيه من تعرض ضيفه للمذلة والمهانة وهو بينهم هذا ما دلت عليه الآية الأولى (77) أما الثانية (78) فقد أخبر تعالى عن مجيء قوم لوط إليه وهو في ذلك اليوم الصعب والساعة الحرجة فقال عز وجل {وجاءه قومه يهرعون إليه2} أي مدفوعين بدافع الشهوة البهيمية مسرعين ومن قبل3 كانوا يعملون السيئات أي من قبل مجيئهم كانوا يأتون الرجال في أدبارهم فأراد أن يصرفهم عن الضيف فقال {يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم4} أي هؤلاء نساء الأمة هن أطهر لكم فتزوجوهن. واتقوا الله أي خافوا نقمته ولا تخزوني في ضيفي أي لا تهينوني ولا تذلوني فيهم. أليس منكم رجل رشيد؟ يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؟ فأجابوه لعنهم الله قائلين: لقد علمت ما لنا في بناتك من حق أي من رغبة وحاجة5، وإنك لتعلم ما نريد أي من إتيان الفاحشة في الرجال. وهنا قال لوط عليه السلام: {لو أن لي بكم قوة} أي أنصاراً ينصرونني وأعواناً يعينوني لحلت بينكم وبين ما تشتهون، أو آوي إلى ركن شديد يريد عشيرة قوية يحتمي بها فتحميه وضيفه من قومه المجرمين.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- فضيلة إكرام الضيف وحمايته من كل ما يسوءه..
2- فظاعة العادات السيئة وما تحدثه من تغير في الإنسان.
3- بذل ما يمكن لدفع الشر لوقاية لوط ضيفه ببناته6.
4- أسوأ الحياة أن لا يكون فيها من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
5- إظهار الرغبة في القوة لدفع الشر وإبعاد المكروه ممدوح.
__________
1 أي ضاق صدره بمجيئهم وكرهه، ويقال ضاق وسعه وطاقته وأصله أن يذرع البعير بيديه في سيره ذرعاً على قدر سعة خطوه فإذا عمل عليه أكثر من طوقه ضاق عن ذلك وضعف ومد عنقه فضيق الذرع عبارة عن ضيق الوسع.
2 الاهراع السرعة في المشي مع رعدة. يقال أهرع الرجل إهراعاً إذا أسرع في رعدة من برد أو غضب أو حُمَّى فهو مهرع وفعله على صيغة المبني للمجهول دائماً لأن أصله من مشى الأسير الذي يسرع به.
3 جائز أن يكون من قبل مجيء لوط إليهم، وجائز أن يكون من قبل مجيء الضيف وهم الرسل عليهم السلام.
4 أراد نساء الأمة إذ نبي القوم أب لهم شاهده قراءة ابن مسعود، وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم الآية من سورة الأحزاب.
5 قيل أنهم كانوا خطبوا بناته ولم يزوجهم بهن إذ سنتهم أن الرجل إذا خطب امرأة ثم لم يعطها لا تحل له بعد ولذا قالوا: لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وما في التفسير أوجه.
6 هذا بناء على أن المراد من قوله هؤلاء بناتي: إنهن بناته لصلبه لا بنات أمته وحتى ولو كان المراد بنات القوم فإن فيه معنى دفع الشر بشر أخف.

ابوالوليد المسلم
17-06-2022, 02:39 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة هود - (11)
الحلقة (500)
تفسير سورة هود مكية
المجلد الثانى (صـــــــ 566الى صــــ 571)


قَالُوا يَالُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)
شرح الكلمات:
فأسر بأهلك: أي اخرج بهم من البلد ليلا.
بقطع من الليل: أي بجزء وطائفة من الليل.
الصبح: هو من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.
جعلنا عاليها: أي عالي القرية سافلها.
من سجيل: أي من طين متحجر.
منضود: أي منظم واحدة فوق أخرى بانتظام.
مسومة: أي معلمة بعلامة خاصة.
عند ربك: أي معلمة من عند الله تعالى.
معنى الآيات:
ما زال السياق في الحديث عن ضيف لوط مع قومه إنه بعد أن اشتد بلوط الخوف وتأسف من عدم القدرة على حماية الضيف الكريم وقال متمنياً لو أنّ لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد. هنا قالت له الملائكة1 {يا لوط إنا رسل ربك إليك لنُنَجِيّنَّكَ ونهلك قومك لن يصلوا إليك أي بأي سوء أو بأدنى أذى فأسر2 بأهلك أي فاخرج بهم بقطع من الليل أي بطائفة وجزء من الليل ولا يلتفت3 منكم أحد كراهة أن يرى ما ينزل بالقوم من العذاب فيصيبه كرب من ذلك إلا امرأتك وهي عجوز السوء فخلفها في القرية وإن خرجت دعها تلتفت فإنها مصيبها ما أصابهم. وسأل لوط عن موعد نزول العذاب بالقوم فقالوا إن موعدهم الصبح، وكان لوط قد استبطأ الوقت فقالوا له: أليس الصبح بقريب؟ وقول تعالى: {فلما جآء أمرنا جعلنا عاليها سافلها} 4 أي فلما جاء أمر الله بعذاب القوم أمر جبريل عليه السلام فقلبها على أهلها فجعل عالي القرية سافلها، وسافلها عاليها وأمطر الله عليهم حجارة من سجيل فمن كان خارج القرية أصابه حجر فأهلكه وقوله تعالى {منضود مسومة} أي مركب بعضها فوق بعض معلمة كل حجر عليها اسم من يرمى به، وقوله {عند ربك} أي معلمة من عند ربك يا رسول الله، وما هي من الظالمين ببعيد أي وما تلك القرية الهالكة من الظالمين وهم مشركو العرب ببعيد، أو وما تلك الحجارة التي أهلك بها قوم لوط ببعيد نزولها بالظالمين.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- استحباب السير في الليل لما فيه من البركة بقطع المسافات البعيدة بدون تعب.
2- كراهة التأسف لهلاك الظالمين.
3- مظاهر قدرة الله تعالى في قلب أربع مدن في ساعة فكان الأعلى أسفل5 والأسفل أعلى.
4- وعيد الظالمين في كل زمان ومكان بأشد العقوبات وأفظعها.
__________
1 أي بعد أن رأت حزنه واضطرابه.
2 فأسر بقطع الهمزة واسر بوصلها قراءتان سبعيتان وقيل يقال أسرى إذا مشى أول الليل، وسرى يسري إذا مشى آخر الليل.
3 ألاّ ينظر وراءه منكم أحد، أو لا يتخلف منكم أحد، أو لا يشتغل منكم أحد بما يخلفه من مال أو متاع وما في التفسير أوجه وإلا امرأتك بالنصب على الاستثناء أي فأسر بأهلك إلا امرأتك فاتركها فإنها من الغابرين أي الهالكين.
4 جعلنا عاليها سافلها قيل أن جبريل ادخل جناحه تحت قرى قوم لوط وهي خمس، سدوم وعامورا ودادوما وضعوه وقتم فرفعها من تخوم الأرض حتى أدناها من السماء بما فيها.
5 في الآية بيان عقوبة من عمل عمل قوم لوط وهي الإرسال من أعلى جبل ثم الرمي بالحجارة وهذا مذهب أبي حنيفة. وعند الشافعي أن يقتل الفاعل والمفعول به سواء من احصن ومن لم يحصن، وقيل غير المحصن يجلد، وفي الحديث "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به".
****************************** ********
يتبع

ابوالوليد المسلم
17-06-2022, 02:39 PM
وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84) وَيَاقَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85) بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (86)
شرح الكلمات:
وإلى مدين: أي أرسلنا إلى مدين1 إلى أهل مدين.
المكيال والميزان: أي إذا بعتم لأحد فلا تنقصوا المكيال والميزان.
عذاب يوم محيط: أي يحيط بكم من جميع جهاتكم فلا ينجو منه أحد منكم.
بالقسط: أي بالعدل أي بالمساواة والتساوي في البيع والشراء على حد سواء.
ولا تبخسوا: أي لا تنقصوهم حقوقهم التي هي لهم عليكم في الكيل والوزن وفي غير ذلك.
ولا تعثوا في الأرض: أي ولا تعثوا في الأرض بالفساد.
بقية الله خير لكم: أي ما يبقى لكم بعد توفية المكيال والميزان خير لكم من الحرام الذي حرم الله عليكم.
وما أنا عليكم بحفيظ: أي رقيب أراقب وزنكم وكيلكم وإنما أنا واعظ لكم وناصح لا غير.
معنى الآيات:
هذا بداية قصص شعيب عليه السلام مع قومه أهل مدين قال تعالى {وإلى مدين أخاهم شعيبا} أي وأرسلنا إلى قبيلة مدين أخاهم في النسب شعيباً {قال يا قوم اعبدوا الله ما2 لكم من إله غيره} أي وحّدوا الله تعالى ليس لكم إله تعبدونه بحق إلا هو إذ هو ربكم الذي خلقكم ورزقكم ويدبر أمركم. وقوله {ولا تنقصوا المكيال والميزان} أي لا تنقصوا المكيال إذا كلتم لغيركم، والميزان إذا وزنتم لغيركم. وقوله {إني أراكم بخير} أي في رخاء وسعة من الرزق، {واني أخاف عليكم عذاب يوم محيط3} إن أصررتم على الشرك والنقص والبخس4 وهو عذاب يحيط بكم فلا يفلت منكم أحد. وقوله {يا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط} أمر بتوفية المكيال والميزان بالعدل بعد أن نهاهم عن النقص تأكيداً لما نهاهم عنه وليعطف عليه نهيا آخر وهو النهي عن بخس الناس أشياءهم إذ قال {ولا تبخسوا الناس أشياءهم} أي تنقصوهم حقوقهم وما هو لهم بحق من سائر الحقوق.
ونهاهم عما هو أعم من ذلك فقال {ولا تعثوا في الأرض مفسدين} أي ولا تسعوا في الأرض بالفساد وهو شامل لكل المعاصي والمحرمات. وقوله {بقية الله خير لكم إن كنتم5 مؤمنين} أي وما يبقى لكم بعد توفية الناس حقوقهم خير لكم مما تأخذونه بالنقص والبخس لما في الأول من البركة ولما في الثاني من المحق إن كنتم مؤمنين بشرع الله ووعده ووعيده وقوله {وما أنا عليكم بحفيظ} أي بمراقب لكم حين تبيعون وتشترون، ولا بحاسب مُحصرٍ عليكم ظلمكم فأجازيكم به، وإنما أنا واعظ لكم ناصح ليس غير.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- وحدة دعوة الرسل وهي البداية بتوحيد الله تعالى أولا ثم الأمر والنهي لإكمال الإنسان وإسعاده بعد نجاته من الخسران.
2- حرمة نقص الكيل والوزن أشد حرمة6.
3- وجوب الرضا بالحلال وإن قل، وسخط الحرام وإن كثر.
4- حرمة بخس الناس حقوقهم كأجور العمال، وأسعار البضائع ونحو ذلك.
5- حرمة السعي بالفساد في الأرض بأي نوع من الفساد وأعظمه تعطيل شرائع الله تعالى.
__________
1 مدين أبو القبيلة وهو مدين بن إبراهيم عليهما السلام وكان متزوجاً بإحدى بنات لوط عليه السلام.
2 ناداهم بعنوان القومية، لأن القومي عادة لا يخون قومه وأرشدهم إلى ما يلي:
أ- عبادة الله وحده وفيه إصلاح عقائدهم وبصلاح عقائدهم تصلح جميع أمورهم.
ب- صلاح أعمالهم في تصرفاتهم في أمور دنياهم.
3 جائز أن يكون عذاب إبادة واستئصال وهو ما تم لهم بعد اصرارهم على الشرك والعصيان وجائز أن يكون عذاب يوم القيامة وهو كائن لا محالة.
4 في الحديث: "ما أظهر قوم البخس في المكيال والميزان إلا ابتلاهم الله بالقحط والغلاء".
5 قال مجاهد: بقية الله خبر لكم يريد طاعته، وقال الربيع: وصية الله وقال الفراء: مراقبة الله وقال ابن زيد: رحمة الله، وقال ابن عباس: رزق الله خير لكم، وقال الحسن: حظكم من ربكم خير لكم. كل هذا بشرط الإيمان والتوحيد وأرجح هذه الأقوال ما في التفسير.
6 وشاهده من القرآن {ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون} .

ابوالوليد المسلم
17-06-2022, 02:40 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة هود - (12)
الحلقة (501)
تفسير سورة هود مكية
المجلد الثانى (صـــــــ 571الى صــــ 576)


قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) وَيَا قَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ (89) وَاسْتَغْفِرُوا ْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90)
شرح الكلمات:
أصلاتك1: أي كثرة الصلاة التي تصليها هي التي أثرت على عقلك فأصبحت تأمرنا بما لا ينبغي من ترك عبادة آلهتنا والتصرف في أموالنا.
الحليم الرشيد: أي ذو الحلم والرشد، والحلم ضد الطيش والرشد ضد السفه ولم يكن قولهم هذا مدحاً له وإنما هو استهزاء به.
أن أخالفكم: أي لا أريد أن أنهاكم عن الشيء لتتركوه ثم أفعله بعدكم.
إن أريد إلا الإصلاح:: أي ما أريد إلا الإصلاح لكم.
وما توفيقي إلا بالله:: أي وما توفيقي للعمل الإصلاحي والقيام به إلا بفضل الله عليّ.
وإليه أنيب:: أي ارجع في أمري كله.
لا يجرمنكم شقاقي: أي لا تكسبنكم مخالفتي أن يحل بكم من العذاب ما حل بقوم نوح والأقوام من بعدهم.
وما قوم لوط منكم ببعيد:: أي في الزمن والمكان إذ بحيرة لوط قريبة من بلاد مدين التي هي بين معان والأردن.
رحيم ودود:: أي رحيم بالمؤمنين ودود محب للمتقين.
معنى الآيات:
مازال السياق الكريم في الحديث عن شعيب عليه السلام مع قومه أهل مدين إنه لما أمرهم بعبادة الله تعالى وحده ونهاهم نقص الكيل والوزن وبخس الناس أشياءهم والسعي في الأرض بالفساد، إذ كانوا يكسرون الدراهم وينشرونها ويقطعون الطريق. فردوا عليه قوله بما أخبر تعالى به عنهم في قوله: {قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في2 أموالنا ما نشاء} ؟ إنهم بهذا الخطاب ينكرون عليه نهيه لهم عن عبادة الأوثان والأصنام التي كان يعبدها آباؤهم من قبلهم كما ينكرون عليه نهيه لهم عن نقص المكيال والميزان وبخس الناس أشياءهم وأمره إياهم بالتزام الحق والعدل في ذلك، ينكرون عليه نهيه لهم وأمره إياهم وينسبون ذلك إلى كثرة صلاته فهي التي في نظرهم قد أصابته بضعف العقل وقلة الإدراك، وقولهم له {إنك لأنت الحليم الرشيد} إنما هو تهكم3.
واستهزاء منهم لا أنهم يعتقدون حلم شعيب ورشده وإن كان في الواقع هو كما قالوا حليم رشيد إذ الحليم هو الذي لا يحمله الغضب أن يفعل مالا يفعله في حال الرضا والرشيد خلاف السفيه الذي لا يحسن التصرف في المال وغيره هذا ما تضمنته الآية الأولى (87) وأما الآيات الثلاث بعدها فقد تضمنت رد شعيب عليه السلام على مقالتهم السابقة إذ قال {يا قوم أرأيتم} أي أخبروني {إن كنت على بيّنة من ربي} أي على برهان وعلم يقيني بألوهيته ومحابه ومساخطه ووعده لأوليائه ووعيده لأعدائه، ورزقي منه رزقاً حسناً أي حلالاً طيباً أخبروني فهل يليق بي أن أتنكر لهذا الحق والخير وأٌجَارِيكًمْ على باطلكم. اللهم لا، وشيء آخر وهو أني ما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه فإني لا آمركم بتوفية الكيل والوزن وأنقصها ولا بترك عبادة الأوثان وأعبدها، ولا أنهاكم عن كسر الدراهم4 وأكسرها فأكون كمن يأمر بالشيء ولا يفعله، وينهى عن الشيء ويفعله فيستحق اللوم والعتاب ونزع الثقة منه، وعدم اعتباره فلا يؤخذ بقوله ولا يعمل برأيه. وأمر آخر هو أني ما أريد بما أمرتكم به ولا بما نهيتكم عنه إلا الإصلاح لكم ما استطعت ذلك وقدرت عليه.
وما توفيقي في ذلك إلا بالله ربّي وربكم عليه توكلت في أمري كله وإليه وحده أنيب أي أقبل بالطاعة وأرجع بالتوبة. ثم ناداهم محذراً إياهم من اللجاج والعناد فقال: ويا قوم لا يجرمنكم أي لا يحملنكم شقاقي أي خلافي على الاستمرار في الكفر والعصيان فيصيبكم عذاب مثل عذاب قوم نوح وهو الغرق أو قوم هود وهو الريح المدمرة أو قوم صالح وهو الصيحة المرجفة {وما قوم لوط منكم ببعيد} في الزمن والمكان وقد علمتم ما حل بهم من دمار وخراب. أي لا يحملنكم شقاقي وعداوتي على أن ينزل بكم العذاب، واستغفروا ربكم مما أنتم عليه من الشرك والمعاصي، ثم توبوا إليه بالطاعة، {إن ربي رحيم} لا يعذب من تاب إليه ودود5 يحب من أناب إليه.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- التعريض القريب يُعطي حكم القذف الصريح.
2- كراهية إتيان الشيء بعد النهى عنه، وترك الشيء بعد الأمر به والحث عليه.
3- كراهية اللجاج والعناد لما يمنع من الاعتراف بالحق والالتزام به.
4- وجوب لاستغفار والتوبة من الذنوب.
5- وصف الرب تعالى بالرحمن والمودة.
__________
1 قُرئ بالإفراد أصلاتك وبالجمع أصلواتك، والمعنى واحد إذ الإفراد اسم جنس شمل كل صلاة له فهو كالجمع.
2 روي أنهم كانوا يحذفون الدراهم أي يقطعونها من أطرافها وهو تصرف فاسد ظالم حملهم علبه حب الدنيا والمال.
3 هو كقول خزنة جهنم لأبي جهل: ذق إنك أنت العزيز الكريم وقيل إنهم وصفوه بالحلم والرشد لمعرفتهم بحلمه ورشده ولم يكن تهكماً واستهزاء منهم. وجائز أن يكون هذا وذاك إذ ما بعد الكفر ذنب كما يقال.
4 لا خلاف في أن من كسر الدراهم أو بردها ليأخذ منها قد أفسد واقترف ما يستوجب العقوبة وهل هي ضرب وتعزير أو قطع يد خلاف وما يراه الحاكم كافياً في الردع اجزأ ولا فرق في الكسر والبرد بين الدنانير والدراهم.
5 مأخوذ من قول شعيب له: {إنك لأنت الحليم الرشيد} وهم يعنون الأحمق السفيه، فمن قال لرجل في حال النزاع أنت الطيب الطاهر فإنه يعرض به بأنه الخبيث الزاني فيحد حد القذف.
****************************** *********
يتبع

ابوالوليد المسلم
17-06-2022, 02:40 PM
قَالُوا يَاشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ (91) قَالَ يَاقَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُو هُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (92) وَيَاقَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (93) وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ (95)
شرح الكلمات:
ما نفقه: أي ما نفهم بدقة كثيراً من كلامك.
ولولا رهطك: أي أفراد عشيرتك.
وما أنت علينا بعزيز: أي بقوي ممتنع.
ظهرياً1: أي لم تأبهوا به ولم تلتفتوا إليه كالشيء الملقى وراء الظهر.
على مكانتكم: أي على ما أنتم عليه من حال التمكن والقدرة.
الصيحة: أي صحة العذاب التي أخذتهم.
جاثمين: أي على ركبهم.
كأن لم يغنوا فيها: أي كأن لم يقيموا بها يوماً.
ألا بعداً لمدين: أي هلاكاً لمدين قوم شعيب
معنى الآيات:
ما زال السياق في الحديث عن شعيب وقومه إنه بعد الحوار الذي دار بين شعيب وقومه يقول ويقولون وكان عليه السلام فصيحاً مؤيداً من الله تعالى فيما يقول فأفحمهم وقطع الحجة عليهم لجأوا إلى أسلوب القوة والتهديد بل والشتم والإهانة وكان هذا منهم إيذاناً بقرب ساعة هلاكهم فقالوا فيما قص تعالى عنهم في هذه الآيات {يا شعيب2 ما نفقه كثيراً مما تقول} فقد نادوه ليسمع منهم ثم أعلموه أنهم لا يفقهون كثيراً من كلامه مع أنه يخاطبهم بلغتهم، ولكنه الصلف والكبرياء فإن صاحبها لا يفهم ما يقوله الضعفاء. وقالوا له: وإنا لنراك فينا ضعيفاً وهو احتقار منهم له، وقالوا: ولولا رهطك لرجمناك3 أي ولولا وجود جماعة من عشيرتك نحترمهم لرجمناك أي لقتلناك رمياً بالحجارة، وأخيراً وما أنت علينا بعزيز أي بممتنع لو أردناك. وهنا رد شعيب عليه السلام علمهم بقوله فقال ما أخبر تعالى به عنه {قال يا قوم أرهطي4 أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريّاً} أي غير مبالين بأمره ولا نهيه كما جعلتموه وراء ظهوركم لا تلتفتون إليه ولا تسمعون منه ولا تطيعونه، يا ويلكم {إنّ ربّي بما تعملون محيط} أي علمه فأعمالكم معلومة له لا يخفى منها عليه شيء ولسوف يجزيكم بها عاجلا أو آجلا وقابل تهديدهم له بمثله فقال لهم {ويا قوم اعملوا على مكانتكم} أي على تمكنكم من عملكم {إني عامل} أي على تمكني من العمل الذي أعمله {سوف تعلمون بعد من يأتيه عذاب يخزيه} يذله ويهينه ومن هو كاذب منا فيعذب ويخزى ويذل ويهان أيضاً وعليه فارتقبوا يومذاك {وارتقبوا فإني
معكم رقيب} منتظر قال تعالى {ولما جاء أمرنا} أي بالعذاب {نجيّنا شعيباً والذين آمنوا معه برحمة منا} أي بفضل منا ونعمة من عندنا، {وأخذت الذين ظلموا} أي بالشرك والعصيان {الصيحة} أي صيحة العذاب5 التي ارتجفت لها قلوبهم وانخلعت فبركوا على ركبهم جاثمين هلكي لا يتحركون. قال تعالى في بيان حالهم {كأن لم يغنوا فيها} أي كأن لم يقيموا في تلك الديار ويعمروها زمنا طويلا. ثم لعنهم فقال: {ألا بعداً لمدين} بعداً لها من الرحمة وهلاكاً، كما بعدت6 قبلها ثمود وهلكت.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- بيان ما أوتي نبي الله شعيب العربي من فصاحة وبيان حتى قيل فيه خطيب الأنبياء.
2- اشتداد الأزمات مؤذن بقرب انفراجها7.
3- بيان فساد عقل من يهتم بتنفيذ أوامر الناس ويهمل أوامر الله تعالى ولا يلتفت إليها.
4- فضل انتظار الفرج من الله تعالى وهو الرجاء المأمور به.
5- صدق وعد الله رسله وعدم تخلفّه أبداً.
__________
1 الظهري نسبة إلى الظهر إلى غير قياس وهو منصوب على الحال المؤكدة.
2 الاستفهام: إنكاري.
3 إما أن يكون قولهم هذا استخفافاً وتجاهلاً منهم وإما أن يكون ثقل عليهم فهم البعث الآخر والحساب فيه والجزاء بالجنة والنار.
4 رهط الرجل عشيرته وقولهم لرجمناك جائز أن يراد به حقيقته وهو القتل رجماً بالحجارة إذ كانوا يقتلون من أرادوا قتله كذلك، وجائز أن يكون لرجمناك بالقول سباً وشتماً كما قال الشاعر:
تراجمنا بمُر القول حتى
نصير كأننا فرسا رهان
5 قيل كانت الصيحة صيحة جبريل عليه السلام والله أعلم.
6 قرأ السلميّ بعدت بضم العين ووجه بأنه لغة وتستعمل في الخير وفي الشر وأما بعدت بكسر العين فإنها في الشر خاصة يقال بعد يبعد بعداً كفرح يفرح فرحاً إذا أبعد وهلك.
7 شاهده من القرآن {إن مع العسر يسرا} .

ابوالوليد المسلم
17-06-2022, 02:41 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة هود - (13)
الحلقة (502)
تفسير سورة هود مكية
المجلد الثانى (صـــــــ 577الى صــــ 580)

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (96) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (99)
شرح الكلمات:
موسى: هو موسى بن عمران كليم الله ورسوله إلى بني إسرائيل.
بآياتنا: هي التسع الآيات التي ذكر أكثرها في آية الأعراف.
وسلطان مبين: أي بحجة قوية على عدو الله فرعون فهزمه بها.
وملئه: أي أشرف رجال دولة فرعون.
وما أمر فرعون برشيد: أي بذي رشد بل هو السفه كله.
يقدم قومه: أي تقدمهم إلى النار فأوردهم النار.
بئس الورد المورود: أي قبح وساء ورداً يورد النار.
وأتبعوا في هذه لعنة: أي ألحقتهم في دار الدنيا لعنة وهي غرقهم.
بئس الرفد المرفود: أي قبح الرفد الذي هو العطاء المرفود به أي المعطى لهم. والمراد لعنة الدنيا ولعنة الآخرة.
معنى الآيات:
هذه لمحة خاطفة لقصة موسى عليه السلام مع فرعون تضمنتها أربع آيات قصار قال تعالى {ولقد أرسلنا موسى} أي بعد إرسالنا1 شعيباً إلى أهل مدين أرسلنا موسى بن عمران مصحوباً بآياتنا الدالة2 على إرسالنا له وصدق ما يدعوا إليه ويطالب به وسلطان مبين3 أي وحجة قوية ظاهرة على وجوب توحيد الله تعالى وبطلان أولوهية من عداه كفرعون عليه لعائن الله {إذ قال ما علمت لكم من إله غيري} وقوله تعالى {إلى فرعون وملئه} أرسلناه بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وأشراف جنده وزعماء دولته فأمرهم موسى بإتباع الحق وترك الباطل فأبوا واتبعوا أمر فرعون فأضلهم. {وما أمر فرعون برشيد} حتى يهدي إلى الفلاح من اتبعه. قال تعالى (يقدم قومه4 يوم القيامة} أي لتقدمهم إلى النار فيوردهم حياضها {وبئس الورد المورود} أي نار جهنم قوله تعالى {واتبعوا في هذه لعنة} أي فرعون وقومه لعنوا في الدنيا، ويوم القيامة يلعنون أيضاً {فبئس الرفد المرفود5} وهما لعنة الدنيا ولعنة الآخرة، والرفد العون والعطاء والمرفود به هو المعان به والمعطى لمن يرفد من الناس
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- من كتب الله شقاءه لا يؤمن بالآيات بل يردها ويكذب بها حتى يهلك.
2- قوة الحجج وكثرة البراهين لا تستلزم إذعان الناس وإيمانهم.
3- التحذير من اتباع رؤساء الشر وأئمة الفساد والضلال.
4- ذم موارد الباطل والشر والفساد.
5- شر المعذبين من جمع له بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة.
__________
1 تابع الحق عز وجل إرسال الرسل بياناً للمحجة وإقامة للحجة.
2 التوراة والمعجزات أيضاً إذ كلاهما آيات.
3 هي العصا فإنها أكبر برهان وأعظم حجة وأقوى سلطان.
4 يقال قدمه يقدمه إذا تقدمه وأما قدم يقدم فإنه بمعنى أتى وجاء ووفد.
5 رفده يرفده رفداً إذا أعانه وأعطاه واسم العطية الرفد بكسر الراء وسكون الفاء.
****************************** ********
يتبع

ابوالوليد المسلم
17-06-2022, 02:41 PM
ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ (100) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ مِن شَيْءٍ لِّمَّا جَاء أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (101) وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102)
شرح الكلمات:
ذلك: الإشارة إلى قصص الأنبياء الذي تقدم في السورة.
من أنباء القرى: أي أخبار أهل القرى قوم نوح، وعاد، وثمود، وقوم لوط وأصحاب مدين وفرعون.
منها قائم وحصيد: منها مدن بقيت آثارها كمدائن صالح، ومنها مدن لم يبق منها شيء كديار عاد.
التي يدعون: أي يعبدونها بالدعاء وغيره كالذبح لها والنذور والحلف بها.
غير تتبيب: أي تخسير وهلاك.
إذا أخذ القرى: أي عاقبها بذنوبها.
أليم شديد: أي موجع شديد الإيجاع.
معنى الآيات:
لما قص تعالى على رسوله في هذه السورة ما قص من أخبار الأمم السابقة خاطبه قائلا {1ذلك} أي ما تقدم في السياق {من أنباء القرى} أي أهلها نقصه عليك تقريراً لنبوتك وإثباتاً لرسالتك وتثبيتاً لفؤادك وتسلية لك. وقوله تعالى {منها قائم وحصيد2} أي ومن تلك القرى البائدة منها آثار قائمة من جدران وأطلال، ومنها ما هو كالحصيد ليس فيه قائم ولا شاخص لاندراسها وذهاب آثارها. وقوله تعالى {وما ظلمناهم} بإهلاكنا إياهم ولكن هم ظلموا أنفسهم بالشرك والمعاصي والمجاحدة لآياتنا والمكابرة لرسولنا. وقوله تعالى {فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء3} أي لم تغن عنهم أصنامهم التي اتخذوها آلهة فعبدوها بأنواع العبادات من دعاء ونذر وذبح وتعظيم إذ لم تغن عنهم شيئاً من الإغناء {لما جاء أمر ربك} بعذابهم {وما زادوهم غير تتبيب4} أي تخسير ودمار وهلاك. ثم في الآية الأخيرة قال تعالى لرسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وكذلك أخذ ربك} أي وكذلك الأخذ المذكور أخذ ربك {إذا أخذ القرى} أي العواصم والحواضر بمن فيها والحال5 أنها ظالمة بالشرك والمعاصي. {إن أخذه أليم شديد} أي ذو وجع شديد لا يطاق فهل يعتبر المشركون والكافرون والظالمون اليوم فيترك المشركون شركهم والكافرون كفرهم والظالمون ظلمهم قبل أن يأخذهم الله كما أخذ من قبلهم؟.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- تقرير نبوة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونشر رسالته وتسليته بما يقص الله عليه من أنباء السابقين.
2- تنزه الله تعالى عن الظلم في إهلاك أهل الشرك والمعاصي.
3- آلهة المشركين لم تغن عنهم عند حلول النقمة بهم شيئاً.
4- التنديد بالظلم وسوء عاقبة الظالمين.
__________
1 ذلك مبتدأ أي ذلك النبأ المتقدم من أنباء القرى، ونقصه في محل رفع خبر ورجح أن يكون ذلك خبراً والمبتدأ محذوف تقديره الأمر ذلك.
2 شاهده من قول الشاعر:
والناس في قسم المنية بينهم
كالزرع منه قائم وحصيد
3 من شيء نكرة في سياق النفي ومؤكده بمن الزائدة فدل هذا على أن آلهتهم لم تدفع عضهم ما أراد الله بهم من الهلاك أدنى شيء.
4 شاهده في قول لبيد:
فلقد بليت وكل صاحب جدة
يبلى يعود وذاكم التتبيب
أي التخسير والتباب الهلاك والخسران.
5 قوله وهي ظالمة الجملة في محل نصب حال من المفعول.

ابوالوليد المسلم
17-06-2022, 02:44 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة هود - (14)
الحلقة (503)
تفسير سورة هود مكية
المجلد الثانى (صـــــــ 581الى صــــ 584)

إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ (103) وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لِأَجَلٍ مَّعْدُودٍ (104) يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ (107) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108) فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاء مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم مِّن قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ (109)
شرح الكلمات:
لآية: أي علامة على أن الذي عذب في الدنيا قادر على أن يعذب في الآخرة.
يوم مشهود: أي يشهد جميع الخلائق وهو يوم القيامة.
إلا لأجل معدود: أي أجل الدنيا المعدود الأيام والساعات.
إلا بإذنه: أي إلا بإذن الله تعالى.
شقي وسعيد: أي فمن أهل الموقف من هو شقي أزلاً وسيدخل النار، ومنهم سعيد أزلاً وسيدخل الجنة.
زفير وشهيق: أي صوت شديد وهو الزفير وصوت ضعيف وهو الشهيق.
عطاء غير مجذوذ: أي غير مقطوع بل هو دائم أبداً.
فلا تك شك في مرية مما يعبد هؤلاء: أي في شك من بطلان عبادة هؤلاء المشركين.
نصيبهم غير منقوص: ما قدر لهم من خير أو شر رحمة أو عذاب.
معنى الآيات:
قوله تعالى {إن في ذلك لآية} أي إن في أخذ الله تعالى للأمم الظالمة وتعذيبها بأشد أنواع العذاب آية أي علامة واضحة على أن من عذّب في الدنيا قادر على أن يعذب في الآخرة فالمؤمنون بلقاء الله تعالى يجدون فيما أخبر تعالى به من إهلاك الأمم الظالمة آية هي عبرة لهم فيواصلون تقواهم لله تعالى حتى يلاقوه وهم به مؤمنون ولأوامره ونواهيه مطيعون. وقوله تعالى {ذلك يوم مجموع1 له الناس وذلك يوم مشهود} أي ذلك التي فيه عذاب الآخرة هو يوم القيامة حيث يجمع فيه الناس لفصل القضاء {وذلك يوم مشهود} إذ تشهده الخلائق كلها وقوله تعالى {وما نؤخره إلا لأجل معدود} أي وما يؤخر يوم القيامة إلا لإكمال عمر الدنيا المعدود السين والأيام بل والساعات. وقوله تعالى {يوم يأتي} أي2 يوم القيامة {لا تكلّم نفس3 إلا بإذنه} أي4 بإذن الله تعالى وقوله {فمنهم شقي وسعيد} أي والناس فيه ما بين شقي وسعيد، وذلك عائد إلى ما كتب لكل إنسان من شقاوة أو سعادة في كتاب المقادير، أولاً، ولما كسبوا من خير وشر ثانياً. وقوله تعالى {فأما الذين شقوا} أي في حكم الله وقضائه ففي النار لهم فيها زفير وهو صوت شديد وشهيق5 وهو صوت ضعيف والصوتان متلازمان إذ هما كأول النهيق وآخره عند الحمار. وقوله تعالى {خالدين فيها} أي في النار {ما دامت السموات والأرض} أي مدة دوامهما، وقوله {إلا ما شاء ربك} أن لا يخلد فيها وهم أهل التوحيد ممن ماتوا على كبائر الذنوب. وقوله تعالى {إن ربك فعال لما يريد} أي إن ربك أيها الإنسان فعال لما يريد إذا أراد شيئا فعله لا يحال بينه وبين فعله6. وقوله {وأما الذين سعدوا} أي حكم الله تعالى بسعادتهم لما وفقهم الله من الإيمان والعمل الصالح وترك الشرك والمعاصي {ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات7 والأرض إلا ما شاء رَبَّك} إذ إرادة الله مطلقة لا تحد إلا بمشيئته العليا وقوله {عطاء غير مجذوذ} أي عطاء من ربك لأهل طاعته غير مقطوع أبداً وهذا دليل خلودهم فيها أبداً. وقوله تعالى {فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء} هو خطاب لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينهاه ربه تعالى أن يشك في بطلان عبادة المشركين أصنامهم فإنهم لا دليل لهم على صحة عبادتها وإنما هم مقلدون لآبائهم يعبدون ما كانوا يعبدون من الأصنام والأوثان، وقوله تعالى {وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص} يخبر تعالى انه موفي المشركين ما كتب لهم من خير وشر أو رحمة وعذاب توفية كاملة لا نقص فيها بحال.
هداية الآيات:.
من هداية الآيات:
1- فضل وفضيلة الإيمان بالآخرة.
2-حتمية البعث الآخر وأنه لا شك فيه.
3- الشقاوة والسعادة مضى بهما القضاء والقدر قبل وجود الأشقياء والسعداء.
4- عجز كل نفس عن الكلام يوم القيامة حتى يؤذن لها به.
5- إرادة الله مطلقة، لو شاء أن يخرج أهل النار لأخرجهم منها ولو شاء أن يخرج أهل الجنة لأخرجهم إلا أنه حكم بما أخبر به وهو العزيز الحكيم.
__________
1 الجمع أصله لمّ الشتات والمتفرق منه يكون واحداً والجمع حشر الناس يوم القيامة في صعيد فصل القضاء.
2 قرىء يوم يأت بدون ياء لأن الياء تحذف إذا كان قبلها كسرة.
3 لا تحلم الأصل لا تتكلم بتائين وحذفت إحداهما للتخفيف وقرىء يأتي بالياء وهو الأصل والحذف للتخفيف لا غير كقول الرجل لا أدر فيما لا يدري.
4 وردت آيات فيها نفي الكلام عن أهل الموقف إلا بإذن الله تعالى وأخرى تثبت ذلك والجمع أن للمحشر مواقف وأحوالا فيؤذن لهم فيها أحياناً ولا يؤذن لهم أحياناً أخرى ولا خلاف في أنه لا يتكلم أحد إلا بإذن الله تعالى له بالكلام.
5 اختلف في تحديد معنى كل من الزفير والشهيق وما في التفسير خلاصته وهما أصوات المحزونين والزفير مأخوذ من الزّفر وهو الحمل على الظهر لشدته، والشهيق النفس
6 أي لا يرد قضاؤه ولا يوقف فعله ولا يحال بينه وبين مراده.
7 قيل إن هذا تعبير عربي معتاد المقصود منه التأييد كقولهم لا أكلمك ما طلع نجم أو ما نبح كلب وما إلى ذلك وما في التفسير أوجه وهو الذي عليه المحققون.
****************************** *****
يتبع

ابوالوليد المسلم
17-06-2022, 02:44 PM
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (110) وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّه ُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (111) فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (113)
شرح الكلمات:
الكتاب: أي التوراة.
ولولا كلمة سبقت: أي لولا ما جرى به قلم القدر من تأخير الحساب والجزاء إلى يوم القيامة.
لفي شك منه مريب: أي موقع في الريب الذي هو اضطراب النفس وقلقها.
فاستقم كما أمرت: أي على الأمر والنهي كما أمرك ربك بدون تقصير.
ولا تطغوا: أي لا تجاوزوا حدود الله.
ولا تركنوا إلى الذين ظلموا: أي لا تميلوا إليهم بموادة أو رضا بأعمالهم.
فتمسكم النار: أي تصيبكم ولازم ذلك دخولها.
معنى الآيات:
مازال السياق الكريم في تسلية النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحمله على الصبر والثبات وهو يبلغ دعوة الله تعالى ويدعو إلى توحيده مواجها صلف المشركين وعنادهم فيقول له {ولقد آتينا موسى الكتاب1} أي التوراة كما أنزلنا عليك القرآن. فاختلفت اليهود في التوراة فمنهم من آمن بها ومنهم من كفر كما اختلف قومك في القرآن فمنهم من آمن به ومنهم من كفر إذاً فلا تحزن. وقوله تعالى {ولولا كلمة سبقت من ربك} وهي تأخير الجزاء على الأعمال في الدنيا إلى يوم القيامة {لقضي بينهم} فنجى المؤمنين وأهلك الكافرين. وقوله تعالى {وإنهم لفي شك منه مريب} وإن قومك من مشركي العرب لفي شك من القرآن هل هو وحي الله وكلامه أو هو غير ذلك مريب أي موقع في الريب الذي هو شك مع اضطراب النفس وقلقها وحيرتها وقوله تعالى {وإن كلاّ لما ليوفينهم2 ربك
أعمالهم} أي وان كل واحد من العباد مؤمناً كان أو كافراً باراً أو فاجراً ليوفيّنه جزاء عمله يوم القيامة ولا ينقصه من عمله شيئاً وقوله {إنه بما يعملون خبير} تقرير لما أخبر به من الجزاء العادل إذ العلم بالعمل والخبرة التامة به لابد منهما للتوفية العادلة. وقوله تعالى {فاستقم3 كما أمرت ومن تاب معك} أي بناء على ذلك فاستقم كما أمرك ربك في كتابه فاعتقد الحق واعمل الصالح واترك الباطل ولا تعمل الطالح أنت ومن معك من المؤمنين لكون جزاؤكم خير جزاء يوم الحساب والجزاء. وقوله {ولا تطغوا} أي لا تتجاوزوا ما حد لكم في الاعتقاد والقول والعمل وقوله {إنه بما تعملون بصير} تحذير لهم من الطغيان الذي نهوا عنه، وتهديد لمن طغى فتجاوز منهج الاعتدال المأمور بالتزامه. وقوله تعالى {ولا تركنوا4 إلى الذين ظلموا فتمسكم النار} أي لا تميلوا إلى المشركين بمداهنتهم أو الرضا بشركهم فتكونوا مثلهم فتدخلوا النار مثلهم فتمسكم النار كما مستهم، وقوله تعالى {وما لكم من دون الله من5 أولياء ثم لا تنصرون} أي إن أنتم ركنتم إلى الذين ظلموا بالشرك بربهم فكنتم في النار مثلهم فإنكم لا تجدون من دون الله وليّاً يتولى أمر الدفاع عنكم ليخرجكم من النار ثم لا تنصرون بحال من الأحوال، وهذا التحذير وإن وجه إلى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابتداء فإن المقصود به أمته إذ هي التي يمكنها فعل ذلك أما الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو معصوم من أقل من الشرك فكيف بالشرك.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- تسلية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والتخفيف عنه مما يجده من جحود الكافرين.
2- بيان سبب تأخر العذاب في الدنيا، وهو أن الجزاء في الآخرة لا في الدنيا.
3- الجزاء الأخروي حتمي لا يتخلف أبداً إذ به حكم الحق عز وجل.
4- وجوب الاستقامة على دين الله تعالى عقيدة وعبادة وحكماً وأدباً.
5- حرمة الغلو وتجاوز ما حد الله تعالى في شرعه.
6- حرمة مداهنة المشركين6 أو الرضا بهم أو بعملهم، لأن الرضا بالكفر كفر.
__________
1 ظاهر البيان أن اله تعالى يبتلي رسوله ويخفف عنه ما يجده من ألم من جراء كفر قريش بما جاءها به من الهدى ودين الحق فقال تعالى: {ولقد آتينا موسى الكتاب} أي التوراة فاختلف الناس في ذلك فآمن بعض وكفر بعض واليهود ما زالوا مختلفين في التوراة أي فيما تحمله من أحكام فهذا يحلل وهذا يحرّم.
2 قرئ وإن كلا بتخفيف إن وأعمالها على أنها المخففة من الثقيلة وقالوا سمع من يقول إن زيداً لمنطلق وشددها آخرون ونصبوا بها كلاً، وقرأ عاصم وحمزة وابن عامر لما بالتشديد وقرأ نافع وغيره بالتخفيف بناء على أن ما صلة واللام هي لام الابتداء التي تدخل على الخبر واللام الثانية لام القسم وفصل بين اللامين بما كراهية توالي لامين وعلى قراءة تشديد لما فقد خرجوها على أن الأصل لمن ما فأدغمت النون في الميم فصارت لما فاجتمع ثلاث ميمات فحذفت الميم الأولى تخفيفاً فصارت لمّا وتوجيه الكلام وإن جميعهم للاقون جزاء إعمالهم.
3 قال ابن عباس ما نزل على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آية هي أشد ولا أشق من هذه الآية ولذا قال وقد سأله أبو بكر عن إسراع الشيب إليه شيبتني هود وأخواتها، وليس الرسول وحده مأموراً بالاستقامة بل كل مؤمن ومؤمنة لقوله {ومن تاب معك} فاللهم أعنا على ذلك.
4 حقيقة الركون هي الاستناد والاعتماد والسكون إلى الشيء والرضا به قال قتادة معناه لا تودوهم ولا تطيعوهم ولا ترضوا أعمالهم.
5 في الآية دليل على وجوب هجران أهل الكفر والمعاصي وأهل البدع والأهواء فإن صحبتهم كفر أوْ مَعصية إذ الصحبة لا تكون إلا عن مودة قال حكيم:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه
فكل قرين بالمقارن يقتدي
6 المداهنة هي أن يتنازل العبد عن دينه لأجل دنياه وهي محرمة والمداراة جائزة وهي أن يتنازل العبد عن دنياه ليحفظ دينه.

ابوالوليد المسلم
17-06-2022, 02:45 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة هود - (15)
الحلقة (504)
تفسير سورة هود مكية
المجلد الثانى (صـــــــ 584الى صــــ 588)

وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114) وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115)
شرح الكلمات:
وأقم الصلاة: أي صل الصلاة المفروضة.
طرفي النهار: أي الصبح، وهي في الطرف الأول، والظهر والعصر وهما في الطرف الثاني.
وزلفاً من الليل: أي ساعات الليل والمراد صلاة المغرب وصلاة العشاء.
إن الحسنات يذهبن السيئات: أي حسنات الصلوات الخمس يذهبن صغائر الذنوب التي تقع بينهن.
ذلك ذكرى للذاكرين: أي ذلك المذكور من قوله وأقم الصلاة عظة للمتعظين.
المحسنين: أي الذين يحسنون نياتهم وأقوالهم وأعمالهم بالإخلاص فيها لله وأدائها على نحو ما شرع الله وبيّن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
معنى الآيتين:
ما زال السياق الكريم في توجيه الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمؤمنين وهدايتهم إلى ما فيه كمالهم وسعادتهم فقال تعالى {وأقم الصلاة طرفي1 النهار وزلفاً من الليل2} أقمها في
هذه الأوقات الخمس وهي الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء، ومعنى أقمها أدها على الوجه الأكمل لأدائها، فيكون ذلك الأداء حسنات يمحو3 الله تعالى بها السيئات4، وقوله تعالى: {ذلك} أي المأمور به وما يترتب عليه {ذكرى} أي عظة {للذاكرين} أي المتعظين وقوله {واصبر} أي على الطاعات فعلاً وتركاً وعلى أذي المشركين ولا تجزع {فإن الله لا يضيع أجر المحسنين} أي جزاءهم يوم القيامة، والمحسنون هم الذين يخلصون أعمالهم لله تعالى ويؤدونها على الوجه الأكمل في أدائها فتنتج لهم الحسنات التي يذهب الله بها السيئات.
هداية الآيتين:
من هداية الآيتين:
1- بيان أوقات الصلوات الخمس إذ طرفي النهار هما الصبح وفيها صلاة الصبح والعشيّ وفيها صلاة الظهر والعصر كما أن زلفاً من الليل هي ساعاته فيها صلاة المغرب والعشاء.
2- بيان سنة الله تعالى في أن الحسنة تمحو السيئة وفي الحديث " الصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينها ما لم تغش الكبائر".
3- وجوب الصبر والإحسان وأنهما من أفضل الأعمال.
__________
1 طرف النهار- أوله- وهو من طلوع الفجر وآخره من العصر إلى غروب الشمس.
2 الزلف جمع زلفة كغرفة وغرف وير الساعة القريبة من أختها والمراد بها صلاة المغرب والعشاء، وهذه الآية إحدى ثلاث آيات ذكرت أوقات الصلوات الخمس. الثانية آية الإسراء {وأقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهود} والثانية آية الروم {فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون، وله الحمد في السموات والأرض وعشياً وحين تظهرون} .
3 قوله تعالى: {إن الحسنات يذهبن السيئات} جملة تعليلية للأمر بإقام الصلاة وكون الحسنات يذهبن السيئات يتناول أمرين: الأول وهو الظاهر أن الحسنات يمحو الله تعالى بها السيئات وهي الصغائر والثاني أن فعل الحسنات يمنع من فعل السيئات وهو إذهابها.
4 روى البخاري عن عبد الله بن مسعود أن رجلاً أصاب من امرأة قبلة حرام فأتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكر ذلك فنزلت عليه {وأقم الصلاة} الآية فقال الرجل أليّ هذا؟ قال "لمن عمل بها من أمتي".
******************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
17-06-2022, 02:45 PM
فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116) وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117) وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)
شرح الكلمات:
فلولا: لولا كلمة تفيد الحض على الفعل والحث عليه.
من القرون: أي أهل القرون والقرن مائة سنة.
أولو بقية: أي أصحاب بقيّة أي دين وفضل.
ما أترفوا فيه: أي ما نعموا فيه من طعام وشراب ولباس ومتع.
وكانوا مجرمين: أي لأنفسهم بارتكاب المعاصي ولغيرهم بحملهم على ذلك.
بظلم: أي منه لها بدون ما ذنب اقترفته.
أمة واحدة: أي على دين واحد وهو الإسلام.
ولذلك خلقهم: أي خلق أهل الاختلاف للاختلاف وأهل الرحمة للرحمة.
معنى الآيات:
يقول تعالى لرسوله {فلولا كان من القرون} من قبلكم أيها الرسول والمؤمنون {أولو1 بقيّة} من فهم وعقل وفضل ودين ينهون عن الشرك والتكذيب والمعاصي أي فهلاّ كان ذلك إنه لم يكن اللهم إلا قليلا ممن أنجى الله تعالى من إتباع الرسل عند إهلاك أممهم وقوله تعالى {واتبع الذين ظلموا ما أُترفوا فيه وكانوا مجرمين2} أي لم يكن بينهم أولو بقيّة ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجى الله وما عداهم كانوا ظالمين لأنفسهم بالشرك والمعاصي متبعين ما اترفوا فيه من ملاذ الحياة الدنيا وبذلك كانوا مجرمين فأهلكهم الله تعالى ونجى رسله والمؤمنين كما تقدم ذكره في قصة نوح وهود وصالح وشعيب عليهم السلام. وقوله تعالى {وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون3} أي لم يكن من شأن ربّك أيها الرسول أن يهلك القرى بظلم منه وأهلها مصلحون، ولكن يهلكهم بسبب ظلمهم لأنفسهم بالشرك والتكذيب والمعاصي. وما تضمنته هذه الآية هو بيان لسنة الله تعالى في إهلاك الأمم السابقة ممن قص تعالى أنباءهم في هذه السورة. وقوله تعالى {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة4} أي على الإسلام بأن خلق الهداية في قلوبهم وصرف عنهم الموانع. ولما لم يشأ ذلك لا يزالون مختلفين على أديان شتى من يهودية ونصرانية ومجوسية وأهل الدين الواحد يختلفون إلى طوائف ومذاهب مختلفة وقوله {إلا من رحم ربك5} أيها الرسول فإنهم لا يختلفون بل يؤمنون بالله ورسوله ويعملون بطاعتهما فلا فرقة ولا خلاف بينهم دينهم واحد وأمرهم واحد. وقوله {ولذلك خلقهم} أي وعلى ذلك خلقهم فمنهم كافر ومنهم مؤمن، والكافر شقي والمؤمن سعيد، وقوله {وتمت كلمة} أي حقت ووجبت وهي {لأملأن جهنم6 من الجنة والناس7 أجمعين} ولذا كان اختلاقهم مُهيّئاً لهم لدخول جهنم حيث قضى الله تعالى بامتلاء جهنم من الجن والإنس أجمعين فهو أمر لابد كائن.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- ما يزال الناس بخير ما وجد بينهم أولو الفضل والخير يأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن الفساد والشر.
2- الترف كثيراً ما يقود إلى الإجرام على النفس بإتباع الشهوات وترك الصالحات.
3- متى كان أهل القرى صالحين فهم آمنون من كل المخاوف.
4- الاتفاق رحمة والخلاف عذاب.
__________
1 أصحاب بقية والبقية أهل فضل ودين وصلاح يوجدون كبقية باقية في وسط أمة ضالة فاسدة غلب عليها الضلال والفساد فتوجد بقية صالحة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.
2 أترفوا أي أترفهم الله بما وسع عليهم من الأرزاق ولم يشكروه هؤلاء المترفون اتبعوا ما أترفوا فيه وانقطعوا إليه فلا هم لهم إلا متاع الحياة الدنيا، وبذلك أجرموا على أنفسهم وعقولهم فأصبحوا بذلك مجرمين، في الآية ذم الترف إن اتبعه صاحبه وانقطع به عن طاعة الله ورسوله.
3 في الآية إشارة إلى مصداق مثل سائر بين الناس وهو قولهم يدوم الكفر ولا يدوم الظلم. فالأمة إذا كان أفرادها مصلحين لا يفسدون ولا يرضون الفساد ولا يقرونه فتطول حياتها ويعظم شأنها ولو كانت كافرة.
4 في الآية تقرير مشيئة الله تعالى التي لا يقع في الكون شيء إلا بها فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. يخبر تعالى أنه لو شاء لجعل الناس كلهم على ملة الإسلام أو ملة الكفر أمة واحدة ولكن حكمته اقتضت اختلاف الناس لتتجلى في ذلك قدرته ورحمته وعدله وعفوه ومغفرته.
5 اجتماع الأمة وعدم اختلافها مظهر من مظاهر رحمة الله تعالى واختلافها مظهر من مظاهر عذابها وشقائها وحرمانها.
6 جملة لأملان جهنم تفسير للكلمة التي أتمها الله تعالى وهي قوله {لأملان جهنم..} .
7 أي من الفريقين فمن تبعيضبة فيدخل بعض الجن والإنس الجنة ويدخل بعض الجن والإنس النار.

ابوالوليد المسلم
17-06-2022, 02:46 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة هود - (16)
الحلقة (505)
تفسير سورة هود مكية
المجلد الثانى (صـــــــ 589الى صــــ 591)


وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (121) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (122) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)
شرح الكلمات:
وكلاً نقص: أي وكل ما تحتاج إليه من أنباء الرسل نقصه علبك تثبيتاً لفؤادك.
ما نثبت به فؤادك: أي نقص عليك من القصص ما نثبت به قلبك لتصبر على دعوتنا وتبليغها.
وجاءك في هذه الحق: أي في هذه السورة الحق الثابت من الله تعالى كما جاءك في غيرها.
وموعظة وذكرى: أي وجاءك فيها موعظة وذكرى للمؤمنين إذ هم المنتفعون بها.
ولله غيب السموات والأرض: أي ما غاب علمه فيهما فالله يعلمه وحده وليس لغيره فيه علم.
فاعبده: أي وَحِّدْهُ في العبادة ولا تشرك به شيئاً.
وتوكل عليه: أي فوض أمرك إليه وثق تمام الثقة فيه فإنه يكفيك.
معنى الآيات:
لما قص تعالى على رسوله في هذه السورة الشريفة ما قصه من أنباء الرسل مع أممهم مبيناً ما لاقت الرسل من أفراد أممهم من تكذيب وعناد ومجاحدة وكيف صبرت الرسل
حتى جاءها النصر أخبر تعالى رسوله بقوله {وكلاً1 نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك} أي ونقص عليك كل ما تحتاج إليه في تدعيم موقفك وقوة عزيمتك من أنباء الرسل أي من أخبارها مع أممها الشىء الذي نثبت به قلبك حتى تواصل دعوتك وتبلغ رسالتك. وقوله {وجاءك في هذه} أي السورة الحق2 من الأخبار كما جاءك في غيرها {وموعظة} لك3 تعظ بها غيرك، {وذكرى} يتذكر بها المؤمنون فيثبتون على الحق ويصبرون على الطاعة والبلاء فلا يجزعوا ولا يملوا، وقوله {وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا عاملون وانتظروا إنا منتظرون} أي وقل يا رسولنا للذين لا يؤمنون من قومك ممن هم مصرون على التكذيب والشرك والعصيان اعملوا على حالكم وما أننم متمكنون منه إنا عاملون على حالنا كذلك، وانتظروا أينا ينتصر في النهاية أو ينكسر. وقوله ولله غيب4 السموات والأرض فهو وحده يعلم متى يجيء النصر ومتى تحق الهزيمة. وإليه برجع الأمر كله أمر الانتصار والانكسار كأمر الهداية والاضلال والإسعاد والاشقاء، وعليه فاعبده يا رسولنا وحده وتوكل5 عليه وحده، فإنه كافيك كل ما يهمك من الدنيا والآخرة، وما ربك بغافل عما تعملون أيها الناس وسيجزي كلاّ بما عمل من خَيْرٍ أو غيرٍ وهو على كل شيء قدير.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- بيان فائدة القصص القرآني وهي أمور منها:
أ) تثبيت قلب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ب) إيجاد مواعظ وعبر للمؤمنين.
جـ) تقرير نبوة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
2- علم الغيب لله وحده لا يعلمه غيره.
3- مرد الأمور كلها لله بدءاً وعوداً ونهاية.
4- وجوب6 عبادة الله تعالى والتوكل عليه.
__________
1 نصب كلاّ بفعل نقص أي نقص عليك كلا والتنوين عوض عن كلمة محذوفة تقديرها كل ما نحتاج إليه من أنباء الرسل.
2 لاشتمالها على خمس قصص. قصة نوح وقصة هود وقصة صالح وقصة لوط وقصة شيب، مع الإشارة إلى قصتي إبراهيم وموسى عليهما السلام.
3 الموعظة اسم مصدر الوعط وهي التذكير بما يصرف العبد عما يضره ويسيء إليه في سائر المحرمات فعلاً وتركاً.
4 أي له علمه وحده دون سواه أي غيره لا في السماء ولا في الأرض.
5 أي ثق فيه وفوض أمر نصرك إليه ولا تلتفت إلى غيره فإنه كافيك دون سواه.
6 إذ لأجلها خلق الخلق كله، قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} الآية وفي الحديث القدسي: "يا ابن آدم لقد خلقت كل شيء من أجلك وخلقتك من أجلي". إذاً فِعلُهُ الحياة كلها ليُعْبَدَ الله تعالى.

ابوالوليد المسلم
17-06-2022, 02:47 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة يوسف - (1)
الحلقة (506)
تفسير سورة يوسف مكية
المجلد الثانى (صـــــــ 592الى صــــ 595)

سورة يوسف
مكية
وآياتها مائة وإحدى عشرة
بسم الله الرحمن الرحيم
الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3)
شرح الكلمات:
ألر: تكتب آلر وتقرأ: ألف، لام، را، والله أعلم بمراده بذلك.
الكتاب المبين: أي القرآن المظهر للحق في الاعتقادات والعبادات والشرائع.
قرآنا عربيا: أي بلغه العرب العدنانيّون والقحطانيون سواء.
نحن نقص: نحدثك متتبعين آثار الحديث على وجهه الذي كان عليه وتم به.
بما أوحينا: أي بإيحائنا إليك فالوحي هو أداة القصص.
من قبله: أي من قبل نزوله عليك.
لمن الغافلين: أي من قبل إيحائنا إليك غافلا عنه لا تذكره ولا تعلم منه شيئاً.
معنى الآيات:
إن المناسبة بين سورتي هود ويوسف عليهما السلام أن الثانية تتميم للقصص الذي اشتملت عليه الأولى إذ سورة يوسف اشتملت على أطول قصص في القرآن الكريم أوله {إذ قال يوسف لأبيه} رابع آية وآخره {وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم} الآية الثانية بعد المائة وأما سبب نزول هذه السورة فقد قيل للرسول1 صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لو قصصت علينا فأنزل الله تعالى {ألر تلك آيات الكتاب المبين} إلى قوله {وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم} فقص أحداث أربعين سنة تقريباً، فقوله تعالى {ألر} من هذه الحروف المقطعة تألفت آيات القرآن الكريم، فأشار إليها بقوله {تلك آيات الكتاب المبين} أي المبيّن للحق المُظهر له ولكل ما الناس في حاجة إليه مما يصلح دينهم ودنياهم. وقوله تعالى {إنا أنزلناه} أي القرآن {قرآنا عربيّاً} 2 أي بلسان العرب ليفهموه ويعقلوا معانيه فيهتدوا عليه فيكملوا ويسعدوا. وقوله {لعلكم تعقلون3} أي ليمكنكم فهمه ومعرفة ما جاء فيه من الهدى والنور. وقوله تعالى {نحن نقص عليك} يا رسول الله {أحسن القصص4} أي أصحه وأصدقه وأنفعه وأجمله {بما أوحينا إليك هذا القرآن} أي بواسطة إيحائنا إليك هذا القرآن، {وإن كنت من قبله} أي من قبل إتيانه إليك {لمن الغافلين} عنه لا تذكره ولا تعلمه.
هداية الآيات:.
من هداية الآيات:
1- تقرير إعجاز القرآن إذ هو مؤلف من مثل ألر، وطس، وق، ومع هذا لم يستطع العرب أن يأتوا بسورة مثله.
2- بيان الحكمة في نزول القرآن باللغة العربية وهي أن يعقله العرب ليبلغوه إلى غيرهم.
3- القرآن الكريم أشتمل على أحسن القصص فلا معنى لسماع5 قصص غيره.
4- تقرير نبوة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإثباتها بأقوى برهان عقليّ وأعظم دليل نقليّ.
__________
1 روى ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما: قالوا يا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لو قصصت علينا فنزلت: {نحن نقص عليك أحسن القصص} الآية.
2 قرآناً عربياً حال من الضمير في أنزلناه وعربياً صفة له فلم يكن على نهج الأشعار- والقصص التي تقص وإنما هو كتاب منظم يقرأ ويحفظ ويعلم ما فيه ويعمل به لسعادة الدارين.
3 أي جعلناه قرآناً عربياً بلغتكم التي تتخاطبون بها وتفهمون أساليبها الكلامية ومعانيها الإفرادية والتركيبية رجاء أن تتمكنوا من فهمه ومعرفة ما يدعو إليه من الحق والصراط المستقيم.
4 القصص منقول من قص الأثر إذا تتبع آثار الأقدم ليعرف منتهى سير صاحبها فالقصص تتبع الأخبار للمعرفة والعظة والاعتبار.
5 روى الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فغضب وقال "أمتهوِّكُون فيها يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبونه أو بباطل فتصدقونه، والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حياً ما وسعه إلا أن يتبعني.
****************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
17-06-2022, 02:47 PM
إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4) قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (5) وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6)
شرح الكلمات
لأبيه: أي يعقوب بن اسحق بن إبراهيم الخليل عليه السلام.
إني رأيت: أي في منامي.
أحد عشر كوكبا: أي من كواكب السماء.
ساجدين: أي نزل الكل من السماء وسجدوا ليوسف وهو طفل.
فيكيدوا لك: أي يحتالوا عليك بما يضرك.
عدو مبين: أي بين العداوة ظاهرها.
يجتبيك ربك: أي يصطفيك له لتكون من عباده المخلصين.
من تأويل الأحاديث: أي تعبير الرؤيا.
ويتم نعمته عليك: أي بأن ينبّئك ويرسلك رسولاً.
معنى الآيات:
قوله تعالى {إذ قال يوسف} 2 هذا بداية القصص أي اذكر أيها الرسول إذ قال يوسف بن
يعقوب لأبيه يعقوب {يا أبتِ1} أي يا أبى {إني رأيت أحد عشر كوكباً} أي من كواكب السماء {والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين3} أي نزلوا من السماء وسجدوا له تحيّة وتعظيماً. وسيظهر تأويل هذه الرؤيا بعد أربعين سنة حيث يجمع الله شمله بأبويه وإخوته الأحد عشر ويَسجدُ الكل له تحيّة وتعظيماًَ. وقوله تعالى {قال يا بنيّ} أي قال يعقوب لولده يوسف {لا تقصص رؤياك على إخوتك} 4 وهم إخوة له من أبيه دون أمه {فيكيدوا لك كيداً} أي يحملهم الحسد على أن يكيدوك بما يضرك بطاعتهم للشيطان حين يغريهم بك {إن الشيطان للإنسان عدو مبين} إذ أخرج آدم وحواء من الجنة بتزيينه لهما الأكل من الشجرة التي نهاهما الله تعالى عن الأكل منها. وقوله {وكذلك يجتبيك ربّك} وكما أراك ربك الكواكب والشمس والقمر ساجدين لك يجتبيك أي يصطفيك له لتكون من عباده المخلصين.
وقوله {ويعلمك من تأويل الأحاديث} أي ويعلمك معرفة ما يزول إليه أحاديث الناس ورؤياهم5 المنامية، ويتم نعمته عليك بالنبوة وعلى آل يعقوب أي أولاده. {كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم واسحق} اسحق جد يوسف الأدنى وإبراهيم جده الأعلى حيث أنعم عليهما بانعامات كبيرة أعظمها النبوة والرسالة، وقوله تعالى {إن ربك عليم} أي بخلقه {حكيم} أي في تدبيره فيضع كل شيء في موضعه فيكرم من هو أهل للإكرام، ويحرم من هو أهل للحرمان.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- ثبوت الرؤيا شرعاً ومشروعية تعبيرها6.
2-قد تتأخر الرؤيا فلا يظهر مصداقها إلا بعد السنين العديدة.
3- مشروعية الحذر والأخذ بالحيطة في الأمور الهامة.
5- بيان إفضال الله على آل إبراهيم بما أنعم عليهم فجعلهم أنبياء آباء وأبناء وأحفاداً.
__________
1 إذ ظرف في محل نصب والعامل فيه أذكر أي اذكر لهم حين قال يوسف الخ.
2 في يا أبت لغات كسر التاء وفتحها وضمها، والأصل يا أبي فزيدت التاء عوضاً عن الياء فلذا لا يجمع بينهما فلا يقال يا أبتي.
3 ساجدين جمع ساجد وهو للعاقل، والشمس والقمر والنجوم من غير العقلاء. فلم ما قال ساجدة؟ والجواب لما كان السجود وهو طاعة لا يصدر إلا من عاقل ذكر الفعل فقال ساجدين.
4 الرؤيا ما يراه المرء في منامه من أمور وأحوال، وهي ثلاثة أنواع لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرؤيا ثلاثة منها أهاويل الشيطان ليحزن ابن آدم، ومنها ما يهتم به في يقظته فيراه في منامه ومنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرؤيا من الله والحلم من الشيطان.
5 قيل لمالك أيعبر الرؤيا كل أحد؟ فقال: بالنبوة تلعب؟ لا يعبر الرؤيا إلا من يحسنها فإن رأى خيراً أخبر به وان رأى مكروهاً فليقل خيراً أو ليصمت.
6 روى البخاري عن أبي قتادة أنه قال كنت أرى الرؤيا فتمرضني حتى سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "الرؤيا الحسنة من الله فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث به إلا من يحب وإذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها وليتفل ثلاث مرات ولا يحدث بها أحداً فإنها لن تضره" وروى: "أن الرؤيا على رجل طائر مالم تعبّر فإذا عُبرت وقعت".

ابوالوليد المسلم
17-06-2022, 02:48 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة يوسف - (2)
الحلقة (507)
تفسير سورة يوسف مكية
المجلد الثانى (صـــــــ 595الى صــــ 598)


لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ (7) إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ (8) اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ (9) قَالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ (10)
شرح الكلمات:
آيات للسائلين1: عبر للسائلين عن أخبارهم وما كان لهم من أحوال غريبة.
ونحن عصبة: أي جماعة إذ هم أحد عشر رجلا.
أو اطرحوه أرضا: أي ألقوه في أرض بعيدة لا يعثر عليه.
يخل لكم وجه أبيكم: أي من النظر إلى يوسف فيقبل عليكم ولا يلتفت إلى غيركم.
في غيابة الجب: أي ظلمة البئر.
بعض السيارة: أي المسافرين السائرين في الأرض.
معنى الآيات:
ما زال السياق في قصة يوسف عليه السلام قال تعالى {لقد كان في يوسف وإخوته} أي
في شأن يوسف وإخوته وما جرى لهم وما تم من أحداث جسام عبر وعظات للسائلين2 عن ذلك المتطلعين إلى معرفته. {إذ قالوا} أي إخوة يوسف {ليوسف وأخوه} بنيامين وهو شقيقه3 دونهم {أحب إلى أبينا منّا ونحن عصبة} أي جماعة فكيف يفضل4الاثنين على الجماعة {إن أبانا} أي يعقوب عليه السلام {لفي ظلال مبين} أي في خطأ بيّن بإيثاره يوسف وأخاه بالمحبة دوننا. وقوله {اقتلوا يوسف5 أو اطرحوه أرضاً يخل لكم وجه أبيكم} يخبر تعالى عما قاله إخوة يوسف وهم في خلوتهم يتآمرون على أخيهم للتخلص منه فقالوا {اقتلوا يوسف} بإزهاق روحه، {أو اطرحوه} في أرض بعيدة ألقوه فيها فيهلك وتتخلصوا منه بدون قتل منكم، وبذلك {يخل لكم وجه أبيكم} حيث كان مشغولاً بالنظر إلى يوسف، ويحبكم وتحبونه وتتوبوا إلى الله من ذنب إبعاد يوسف عن أبيه، وتكونوا بعد ذلك قوماً صالحين حيث لم يبق ما يورثكم ذنباً أو يكسبكم إثماً. وقوله تعالى: {قال قائل منهم} يخبر تعالى عن قيل إخوة يوسف لبعضهم البعض وهم يتشاورون في شأن يوسف وكيف يبعدونه عن أبيهم ورضاه عنهم قال قائل منهم هو يهودا أو روبيل وكان أخاه وابن خالته وكان أكبرهم سناً وأرجحهم عقلا قال: لا تقتلوا يوسف، لأن القتل جريمة لا تطاق ولا ينبغي ارتكابها بحال، والقوة في غيابة الجب6 أي في ظلمة البئر، وهي بئر معروفة في ديارهم بأرض فلسطين يلتقطه7 بعض السيارة من المسافرين إن كنتم فاعلين شيئاً إزاء أخيكم فهذا أفضل السبل لذلك.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- الميل إلى أحد الأبناء بالحب يورث العداوة بين الإخوة.
2- الحسد8 سبب لكثير من الكوارث البشرية.
3- ارتكاب أخف الضررين قاعدة شرعية عمل بها الأولون.
4- الشفقة والمحبة في الشقيق أكبر منها في الأخ للأب.
__________
1 الآيات: الدلائل على ما تُطلبُ معرفتهُ من الأمور الخفية ذات الشأن وهي مأخوذة من آيات الطريق وهي علامات توضع على جنبات الطريق ترشد السائرين.
2 السائلون: من يتوقع منهم السؤال عن المواعظ والعبر، والحكم والعرب يستعملون هذا في أساليبهم للتشويق قال السمؤل:
سلي إن جهلت الناس عنا وعنهم
فليسوا سواء عالم وجهول
3 مهما يقال لها راحيل بنت لابان وباقي الأخوة منهم الأشقاء لبعضهم ومنهم لأب إذا لم تكن أمهم واحدة.
4 نظرتهم هذه مادية بحتة إذ رأوا أن نفع الجماعة لأبيهم أكثر من نفع الواحد والاثنين وهو ما فَضُلَ يوسفَ للمادة ولكن للكمال الروحي المهيأ له الدال عليه رؤياه. والعصبة الجماعة ولا واحد لها من لفظها.
5 الجملة مستأنفة استئنافاً بيانياً كأن سائلاً قال فماذا قالوا في تآمرهم وتشاورهم فأجيب قالوا أقتلوا الخ.
6 غيابة الجب والجمع غيابات وهي ما غاب عن البصر من شيء والمراد هنا قعر الجب وسمي الجب جباً لأنه مقطوع من الأرض ويجمع على جياب وجيبة.
7 في الآية دليل على مشروعية التقاط اللقطة وقد أذن فيها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يأذن في ضالة الإبل إذ قال في اللقطة: "اعرف عقاصها (وعاءها) ووكاءها ثم عرَفها سنة فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها. وقال في ضالة الغنم هي لك أو لأخيك أو للذئب وقال في الإبل مالك ولها معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها.
8 شاهدها حسد إبليس آدم فكانت كارثة الهبوط في الأرض والفتنة فيها وآخر حسد قابيل هابيل فقتله لذلك وثالث حسد اليهود للإسلام والمسلمين فجرّ حروباً وويلات لا حد لها على الإسلام والمسلمين.
******************************
يتبع

ابوالوليد المسلم
17-06-2022, 02:48 PM
قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ (11) أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (12) قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ (13) قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَّخَاسِرُونَ (14)
شرح الكلمات:
لناصحون: لمشفقون عليه نحب له الخير كما نحبه لأنفسنا.
يرتع ويلعب1: أي يأكل ويشرب ويلعب بالمسابقة والمناضلة.
إني ليحزنني: أي يوقعني في الحزن الذي هو ألم النفس أي ذهابكم به.
الذئب: حيوان مفترس خداع شرس.
ونحن عصبة: أي جماعة قوية.
لخاسرون: أي ضعفاء عاجزون عرضة للخسران بفقدنا أخانا.
معنى الآيات:
ما زال السياق في قصة يوسف إنهم بعد ائتمارهم واتفاقهم السري على إلقاء يوسف في غيابة الجب طلبوا من أبيهم أن يترك يوسف يخرج معهم إلى البر كعادتهم للنزهة والتنفه
وكأنهم لاحظوا عدم ثقة أبيهم فيهم فقالوا له {ما لك لا تأمنا2 على يوسف وإنا له لناصحون} أي محبون له كل خير مشفقون عليه أن يمسه أدنى سوء. {أرسله معنا غداً يرتع ويلعب} أي يرتع في البادية يأكل الفواكه ويشرب الألبان ويأكل اللحوم ويلعب بما نلعب به من السباق والمناضلة، والمصارعة، {وإنا له لحافظون} من كل ما قد يضره أو يُسيءُ إليه. فأجابهم عليه السلام قائلاً {إني ليحزنني3 أن تذهبوا به} أي إنه ليوقعني في الحزن وآلامه ذهابكم به. {وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون} في رتعكم ولعبكم. فأجابوه قائلين والله {لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون} أي لا خير في وجودنا ما دمنا نُغلب على أخينا فيأكله الذئب بيننا. ومع الأسف فقد اقنعوا بهذا الحديث والدهم وغداً سيذهبون بيوسف لتنفيذ مؤامرتهم الدنية.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- تقرير قاعدة: لا حذر مع القدر أي لا حذر ينفع4 في ردّ المقدور.
2- صدق المؤمن يحمله على تصديق من يحلف له ويؤكد كلامه.
3- جواز الحزن وأنه لا إثم فيه وفي الحديث "وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون".
4- أكل الذئب5 للإنسان إن أصاب منه غفلة واقع وكثير أيضاً.
__________
1 قرأ نافع يرتِعَ بكسر العين مجزوم في جواب الطلب بحذف الياء من ارتعى يرتعي الغنم ليتدرب بذلك وقرأها حفص بإسكان العين. جزماً من رتع يرتع في المكان إذا أكل كيف شاء قال الشاعر:
ترتع ما غفلت حتى إذا ادّكرت
فإنما هي إقبال وإدبار
2 قرئت لا تأمنا بالإدغام وبدون إشمام وقرئت بالإدغام مع الإشمام وقرئت لا تأمننا بنونين ظاهرتين وقرئت لا تمنّا بكسر التاء لغة تميم.
3 أي يشق على مفارقته مدة ذهابكم له وذلك لفرط محبته له لما يتوسم فيه من الخير العظيم وشمائل النبوة ومخائل الكمال.
4 وينفع في ما لم يقدر بإذن الله تعالى.
5 الذنب مأخوذ من تذاءبت الريح إذا جاءت من كل وجه والذئب مهموز لأنه يجيء من كل وجه. وقرأ ورش عن نافع الذيب بدون همز لأن الهمزة ساكنة وقبلهما كسرة فحذفت تخفيفاً.

ابوالوليد المسلم
17-06-2022, 02:49 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة يوسف - (3)
الحلقة (508)
تفسير سورة يوسف مكية
المجلد الثانى (صـــــــ 599الى صــــ 603)

فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّه ُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (15) وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ (16) قَالُوا يَاأَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (17) وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (18)
شرح الكلمات:
وأجمعوا: أي أمرهم على إلقائه في غيابة الجب.
في غيابة الجب: أي في ظلمة البئر.
وأوحينا إليه: أي أعلمناه بطريق خفي سريع.
عشاء: أي بعد غروب الشمس أول الليل.
نستبق: أي بالمناضلة.
عند متاعنا: أي أمتعتنا من ثياب وغيرها.
وما أنت بمؤمن لنا: أي بمصدّق لنا.
بدم كذب: أي بدم مكذوب أي دم سخلة وليس دم يوسف.
بل سولت لكم: أي زينت وحسنت.
على ما تصفون: أي من الكذب.
معنى الآيات:
مازال السياق الكريم في الإخبار عما عزم عليه إخوة يوسف أن يفعلوه فقد أقنعوا والدهم يوم أمس على إرسال يوسف معهم إلى البر وها هم أولاء وقد أخذوه معهم وخرجوا به، وما إن بعدوا به حتى تغيرت وجوههم عليه وصار يتلقى الكلمات النابية والوكز والضرب أحياناً، وقد أجمعوا أمرهم على إلقائه في بئر معلومة لهم في الصحراء، ونفذوا مؤامرتهم وألقوا أخاهم وهو يبكي بأعلى صوته وقد انتزعوا منه قميصه وتركوه مكتوفاً في قعر البئر. وهنا أوحى الله تعالى إليه أي أعلمه بما شاء من وسائط العلم انه سينبئهم في يوم من الأيام بعملهم الشنيع هذا وهو معنى قوله تعالى في السياق {وأوحينا1 إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون} وبعد أن فرغوا من أخيهم ذبحوا سخلة ولطخوا بدمها قميصه، وعادوا إلى أبيهم مساء يبكون يحملون الفاجعة إلى أبيهم الشيخ الكبير قال تعالى {وجاءوا أباهم عشاء} أي ليلا {يبكون} 2 وقالوا معتذرين {يا أبانا إنا ذهبنا نستبق3 وتركنا يوسف عند متاعنا4 فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا} أي بمصدق لنا {ولو كنا صادقين} وقد دلت عباراتهم على كذبهم قال تعالى {وجاءوا على قميصه بدم كذب5} أي ذي كذب أو مكذوب إذ هو دم سخلة ذبحوها فأكلوها ولطخوا ببعض دمها قميص يوسف أخيهم ونظر يعقوب إلى القميص وهو ملطخ بالدم الكذب ولم يكن به خرق ولا تمزيق فقال إن هذا الذئب لحليم إذ أكل يوسف ولم يخرق ثوبه. ثم قال ما أخبر تعالى عنه بقوله {قال بل سولت لكم أنفسكم أمراً} أي لم يكن الأمر كما وصفتم وادعيتم وإنما سولت لكم أنفسكم أمراً فنفذتموه. {فصبر جميل6} أي فأمري صبر جميل والصبر الجميل هو الذي لا جزع فيه ولا شكوى معه. {والله المستعان7 على ما تصفون} أي من الكذب.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- جواز صدور الذنب الكبير من الرجل المؤمن المهيء للكمال مستقبلا8.
2- لطف الله تعالى بيوسف وإكرامه له بإعلامه إياه أنه سينّبىء إخوته بفعلتهم هذه وضمن ذلك بشره بسلامة الحال وحسن المآل.
3- اختيار الليل للاعتذار دون النهار لأن العين تستحي من العين كما يقال. وكما قيل "كيف يرجو الحياء منه صديق ... ومكان الحياء منه خراب" يريد عينيه لا تبصران.
4- فضيلة الصبر الجميل وهو الخالي من الجزع والشكوى معاً.
__________
1 هذا دليل على نبوته وأنه نبىء وهو صغير إذ النبوة لا يشترط لها بلوغ الرشد كالرسالة. وقيل الهاء في إليه تعود إلى يعقوب وعليه فلا إشكال إذ هو نبي ورسول عليه السلام.
2 في الآية دليل على أن بكاء المرء لا يكون دليلاً على صدق قوله لاحتمال أن يكون تصنعاً كما حصل لأولاد يعقوب.
3 هو المسابقة وقيل ننتضل وهو نوع من المسابقة وهو في السهام لا في الأقدام وفي الآية دليل على مشروعية السباق وقد سابق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين الخيل التي أضمرت من الحفياء وكان أمدها ثنية الوداع، وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق، والحفياء تبعد من ثنية الوداع ستة أميال أو سبعة، أجمع المسلمون أنه لا يجوز الرهان في السباق إلا في الخيل والإبل والنصل وهي الرماية بالسهام لإصابة الهدف.
4 أي ثيابنا وأمتعتنا.
5 استدل الفقهاء بهذه الآية في إعمال الامارات في مسائل من الفقه كالقسامة وغيرها إذ يعقوب عليه السلام استدل على كذب بنيه بصحة القميص وعدم تمزقه بأنياب الذئب.
6 فصبر جميل أولى به فصبر جميل مبتدأ وأولى به الخبر وهو محذوف وما في التفسير واضح كذلك.
7 والله مبتدأ والمستعان خبر وعلى ما تصفون متعلق به، والمعنى والله المستعان به على احتمال ما تصفون من الكذب.
8 لأن إخوة يوسف بعد فعلتهم تلك بأخيهم تاب الله عليهم ونجاهم ومن ألطافه بهم أنه حال بينهم وبين جريمة القتل ونجا يوسف وهم يعلمون.
****************************** ***************
يتبع

ابوالوليد المسلم
17-06-2022, 02:50 PM
وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلاَمٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (19) وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (20) وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (21) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22)
شرح الكلمات:
سيارة: رُفْقَة من الناس تسير مع بعضها بعضا.
واردهم: أي الذي يرد لهم الماء.
فأدلى دلوه: أي دلى دلوه في البئر.
وأسروه بضاعة: أي أخفوه كبضاعة من البضائع.
وشروه بثمن بخس: أي باعوه بثمن ناقص.
وقال الذي اشتراه: أي الرجل الذي اشتراه واسمه قطفير ولقبه العزيز.
أكرمي مثواه: أي أكرمي موضع إقامته بمعنى أكرميه وأحسني إليه.
أو نتخذه ولدا: أي نتبناه فقال ذلك لأنه لم يكن يولد له.
من تأويل الأحاديث: أي تعبير الرؤيا.
ولما بلغ أشده: أي قوته البدنية والعقلية.
حكماً وعلماً: أي حكمة ومعرفة أي حكمة في التدبير ومعرفة في الدين.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في الحديث عن يوسف وإخوته إنه لما ألقى يوسف في الجب وترك هناك جاءت قافلة من بلاد مدين تريد مصر فأرسلوا وارداً لهم1 يستقي لهم الماء فأدلى دلوه في البئر فتعلق به يوسف فخرج معه وما إن رآه المدلي حتى صاح قائلاً يا بشراي2 هذا غلام وكان إخوة يوسف يترددون على البئر يتعرفون على مصير أخيهم فلما رأوه بأيدي الوارد ورفقائه قالوا لهم هذا عبد لنا أبق، وإن رأيتم شراءه بعناه لكم فقالوا ذاك الذي نريده فباعوه لهم بثمن ناقص وأسره3 الذين اشتروا أي أخفوه عن رجال القافلة حتى لا يطالبونهم بالاشتراك فيه معهم، وقالوا هذه بضاعة كلفنا أصحاب الماء بإيصالها إلى صاحبها بمصر. هذا ما دل عليه قوله تعالى {وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه قال يا بشرى هذا غلام وأسروه بضاعة} {وشروه بثمن بخس دراهم معدودة} .
وكونها معدودة غير موزونة دال على قلتها {وكانوا فيه من الزاهدين} أي إخوته لا الذين اشتروه4. ولما وصلوا به مصر باعوه من وزير يقال له قطفير العزيز فتفرس فيه الخير فقال لامرأته زليخا أكرمي مقامه بيننا رجاء أن ينفعنا في الخدمة أو نبيعه بثمن غال، أو نتخذه ولداً حيث نحن لا يولد لنا. هذا معنى قوله تعالى {وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً} قال تعالى {وكذلك مكّنا ليوسف في الأرض} أي وكما نجيناه من القتل والجب وعطفنا عليه العزيز مكّنا له في الأرض فيما بعد فصار ملك مصر بما فيها يحكمها ويسوسها بالعدل والرحمة. وقوله تعالى {ولنعلمه من تأويل الأحاديث} أي ولنعلمه5 تعبير الرؤا من أحاديث الناس وما يقصونه منه. وقوله تعالى {والله غالب على أمره} 6 أي على أمر يوسف فلم يقدر إخوته أن يبلغوا منه مرادهم
كما هو تعالى غالب على كل أمر أراده فلا يحول بينه وبين مراده أحد وكيف وهو العزيز الحكيم. وقوله {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} إذ لو علموا لفوضوا أمرهم إليه وتوكلوا عليه ولم يحاولوا معصيته بالخروج عن طاعته. وفي هذا تسلية لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ما يجد من أقربائه من أذى إذ يوسف ناله الأذى من إخوته الذين هم أقرب الناس إليه بعد والديه. وقوله تعالى {ولما بلغ أشده آتيناه حكماً وعلماً7 وكذلك نجزي المحسنين} أي ولما بلغ يوسف اكتمال قوته البدنية بتجاوز سن الصبا إلى سن الشباب وقوته العقلية بتجاوزه سن الشباب إلى سن الكهولة آتيناه حكماً وعلماً أي حكمة وهي الإصابة في الأمور وعلماً وهو الفقه في الدين، وكما آتينا يوسف الحكمة والعلم نجزي المحسنين8 طاعتنا بالصبر والصدق وحسن التوكل وفي هذا بشارة لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحسن العاقبة وأن الله تعالى سينصره على أعدائه ويمكن له منهم.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- جواز الفرح بما يسر9 والإعلان عنه.
2- جواز الاحتياط لأمر الدين والدنيا.
3- إطلاق لفظ الشراء على البيع.
4- شمخ التبنّي في الإسلام.
5- معرفة تعبير الرؤيا كرامة لمن علّمه الله ذلك.
6- من غالب الله غُلِبَ.
7- بلوغ الأشد يبتدى بانتهاء الصبا والدخول في البلوغ.
8- حسن الجزاء مشروط بحسن القيد والعمل.
__________
1 الوارد الذي يرد الماء يستقي للقوم.
2 قرأ ورش بُشْرَايَ، وقرأ حفص بُشْرَى.
3 اختلف فيمن أسروا يوسف بضاعة. فقيل إنهم إخوة يوسف وقيل هم التجار الذين اشتروه وقيل هم الوارد وأصحابه وذهب ابن عباس رضي الله عنهما إلى أنهم إخوة يوسف لما استخرج الوارد يوسف أدركهم إخوته وقالوا لهم هذا عبدنا أبق وإن شئتم بعناكموه فقالوا نود ذلك فباعوهم إياه كبضاعة لأنّ العبد يباع ويشترى كالبضاعة وما في التفسير وهو اختيار ابن جرير أصوب والله أعلم.
4 لفظ الزاهدين وصف للذين باعوا يوسف ومن هنا قيل هم إخوة يوسف وقيل الواردة وقيل السيارة فالخلاف عائد إلى الأول حيث اختلف فيمن أسروا يوسف بضاعة. واستدل مالك بالآية على جواز شراء الشيء الخطير بالثمن اليسير ويكون البيع لازماً.
5 قال القرطبي: أي فعلنا ذلك تصديقاً لقول يعقوب ويعلمك من تأويل الأحاديث.
6 اختلف في عود الضمير في قوله (على أمره) هل هو عائد إلى الله تعالى فهو الغالب على أمره دون سواه، إذ لا يغلب الله شيء بل هو الغالب على أمره وقيل الضمير يعود إلى يوسف أي أن الله غالب على أمر يوسف يدبره ويحوطه ولا يكله إلى غيره.
7 أي وليناه حكم مصر فصار الحاكم فيها وآتيناه النبوة والعقل والفهم والعلم بالدين.
8 هذا الجزاء عام في كل مؤمن أحسن فبقدر إحسان العبد يكون جزاء الرب له فالخطاب يتناول يوسف ومحمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويتناول غيرهما لأن القرآن كتاب هداية فعمومه لا يخصص بالواحد والاثنين.
9 مأخوذ من قول الوارد، يا بشرى هذا غلام.

ابوالوليد المسلم
17-06-2022, 02:50 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة يوسف - (4)
الحلقة (509)
تفسير سورة يوسف مكية
المجلد الثانى (صـــــــ 604الى صــــ 607)


وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25)
شرح الكلمات:
راودته: أي طالبته لحاجتها تريد أن ينزل عن إرادته لإرادتها وهو يأبى.
التي هو في بينها: أي زليخا امرأة العزيز.
وغلقت الأبواب: أغلقتها بالمغّاليق.
هيت لك: أي تعال عندي.
معاذ الله: أي أعوذ بالله أي أتحصن وأحتمي به من فعل مالا يجوز.
أحسن مثواي: أي إقامتي في بيته.
همت به: أي لتبطش به ضرباً.
وهم بها: أي ليدفع صولتها عليه.
برهان ربّه: ألهمه ربّه أن الخير في عدم ضربها.
السوء والفحشاء: السوء ما يسوء وهو ضربها، والفحشاء الخصلة القبيحة.
المخلصين: أي الذين استخلصناهم لولايتنا وطاعتنا ومحبتنا.
وقدت قميصه: أي قطعته من وراء.
وألفيا سيدها: أي وَجَدا العزيز زوجها وكانوا يطلقون على الزوج لفظ السيد لأنه يملك المرأة.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في الحديث عن يوسف وما جرى له من أحداث في بيت العزيز الذي اشتراه إنه ما إن أوصى العزيز امرأته بإكرام يوسف حتى بادرت إلى ذلك فأحسنت طعامه وشرابه ولباسه وفراشه، ونظراً إلى ما تجلبه الخلوة بين الرجل والمرأة من إثارة
الغريزة الجنسية لا سيما إذا طالت المدة، وأمن الخوف وقلت التقوى حتى راودته بالفعل عن نفسه أي طلبت منه نفسه ليواقعها بعد أن اتخذت الأسباب المؤمّنة حيث غلّقت أبواب الحجرة والبهو والحديقة، وقالت تعال إلي. وكان رد يوسف على طلبها حازماً قاطعاً للطمع وهذا هو المطلوب في مثل هذا الموقف قال تعالى مخبراً عما جرى في القصر حيث لا يعلم أحدٌ من الناس ما جرى وما تم فيه من أحداث. {وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلّقت1 الأبواب وقالت هيت2 لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون} . إنها بعد أن اتخذت كل ما يلزم للحصول على رغبتها منه أجابها قائلاً {إنه ربي3 أحسن مثواي} يريد العزيز أحسن إقامتي فكيف أخونه في أهله. وفي نفس الوقت أن سيده الحق الله جل جلاله قد أحسن مثواه بما سخّر له فكيف يخونه فيما حرم عليه.
وقوله إنه لا يفلح الظالمون تعليل ثان فالظالم بِوَضْعِ الشيء في غير موضعه يخيب في سعيه ويخسر في دنياه وأُخراه فكيف أرضى لنفسي ولك بذلك وقوله تعالى {ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه4} أي همت بضربه لامتناعه عن إجابتها لطلبها بعد مراودات طالت مدتها، وهم هو بها أي بضربها دفعاً لها عن نفسه إلا إنه أراه الله برهاناً في نفسه فلم يضربها وآثر الفرار إلى خارج البيت، ولحقته تجري وراءه لترده خشية أن يعلم أحد بما صنعت معه. واستبقا الباب هو يريد الخروج وهي تريد رده إلى البيت خشيه الفضيحة وأخذته من قميصه فقدته أي شقته من دُبر أي من وراء لأنه أمامها وهي وراءه. وقوله تعالى: {كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء5} أي هكذا نصرف عن يوسف السوء فلا يفعله والفحشاء فلا يقربها، وعلل لذلك بقوله إنه من عبادنا المخلصين أي الذين استخلصناهم لعبادتنا ومحبتنا فلا نرضى لهم أن يتلوثوا بآثار الذنوب والمعاصي. يقوله تعالى {وألفيا سيّدها لدى الباب6} أي ووجدا زوجها عند الباب جالساً في حال هروبه منها وهي تجرى وراءه حتى انتهيا إلى الباب وإذا بالعزيز جالس عنده فخافت المعرة على نفسها فبادرت بالاعتذار قائلة ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً إلا أن يسجن أي يوما أو يومين، أو عذاب أليم يكون جزاءاً له كأن يضرب ضرباً مبرحاً.
__________
1 أي أحكمت إغلاقها متحققة من ذلك وقد قيل إنها سبعة أبواب يقال غلق الباب وأغلقه وإذا أريد الكثرة قيل غلّق الأبواب.
2 أي هلم وأقبل وتعال ولا مصدر له ولا تصريف. كأنه اسم فعل أمر بمعنى أقبل وتعال وفيه سبع قراءات أفصحها وأجلها هَيْتَ لك بفتح الهاء وسكون الياء وفتح التاء ونظيرها هيت بكسر الهاء وفتح التاء وهي قراءة نافع وروي أن عكرمة قال إنها لغة عربية تدعو بها إلى نفسها. قال الجوهري يقال هرّت وهيّت به إذا صاح به ودعاه. قال الشاعر:
قد رابني أن الكرىّ أسكتا
لو كان معنيا بها لهيّتا
(أي لصاح) ، وقال آخر: يحدو بها كل فتى هيّاتِ.
3 يعني بقوله ربي زوجها أي سيده.
4 جواب لولا محذوف لعلم السامع به وتقديره لضربها أو لكان ما كان.
5 السوء هو ضرب وقدم في الذكر عن الفحشاء لأنه الحادث الأخير وأما الفحشاء فكانت قبل.
****************************** **********
يتبع

ابوالوليد المسلم
17-06-2022, 02:51 PM
قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (29)
شرح الكلمات:
وشهد شاهد من أهلها: أي ابن عمها.
قْدَّ من قُبل: أي من قدام.
قدَّ من دبُر: أي من وراء أي من خلف.
إنه من كيدكن: أي قولها، ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً.
يوسف أعرض عن هذا: أي عن هذا الأمر ولا تذكره لكيلا يشيع.
من الخاطئين: المرتكبين للخطايا الآثمين.
معنى الآيات:
ما زال السياق في الحديث كل يوسف وأحداث القصة فقد ادعت زليخا أن يوسف راودها عن نفسها وطالبت بعقوبته فقالت {ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً إلا أن يسجن أو عذاب أليم} وهنا رد يوسف ما قذفته به، ولولا أنها قذفته ما أخبر عن مراودتها إياه فقال ما أخبر تعالى به في هذه الآيات {هي راودتني عن نفسي} وهنا انطق الله جل جلاله طفلاً رضيعاً 1
إكراماً لعبده وصفيّه يوسف فقال هذا الطفل والذي سماه الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شاهد يوسف {إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين، وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين} هذا ما قضى به الشاهد الصغير. {فلما رأى قميصه قد من دبر قال} . {إنه} أي قولها {ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً} {من2 كيدكن} أي من صنيع النساء {إن كيدكن عظيم} ، ثم قال ليوسف3 يا يوسف {أعرض عن هذا} الأمر ولا تذكره لأحد لكيلا يفشو فيضر. وقال لزليخا {استغفري لذنبك} أي اطلبي العفو من زوجك ليصفح عنك ولا يؤاخذك بما فرط منك من ذنب إنك كنت من الخاطئين أي الآثمين من الناس هذا ما تضمنته الآيات الأربع في هذا السياق الكريم.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- مشروعية الدفاع عن النفس ولو بما يُسيُّ إلى الخصم.
2- إكرام الله تعالى لأوليائه حيث أنطق طفلا في المهد فحكم ببراءة يوسف.
3- تقرير أن كيد النساء عظيم وهو كذلك.
4- استحباب الستر على المسيء وكراهية إشاعة الذنوب بين الناس.
__________
1 وقيل إنه كان رجلاً حكيماً ذا عقل كان الوزير يستشيره في أموره وكان من أهل المرأة ورجح هذا غير واحد وما في التفسير أصحّ لصحة الحديث الشريف: تكلم أربعة وهم صغار ابن ماشطة بنت فرعون، وشاهد يوسف، وصاحب جريج، وعيسى بن مريم.
2 الكيد: المكر والاحتيال وقال إن كيدكن عظيم، لعظم فتنتهن واحتيالهن في التخلص من الورطة.
3 القائل هو الشاهد وقيل الزوج، والراجح حسب السياق والعادة أنه الشاهد الذي أصبح حكماً بينهما.

ابوالوليد المسلم
17-06-2022, 02:51 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة يوسف - (5)
الحلقة (510)
تفسير سورة يوسف مكية
المجلد الثانى (صـــــــ 608الى صــــ 612)

وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (30) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ (32) قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34)
شرح الكلمات:
في المدينة: أي عاصمة مصر يومئذ.
نراود فتاها: أي عبدها الكنعاني.
قد شغفها حبا: أي دخل حبّه شغاف قلبها أي أحاط بقلبها فتملكه عليها..
إنا لنراها في ضلال مبين: أي في خطأ بيّن بسبب حبها إياه.
فلما سمعت بمكرهن: أي بما تحدثن به عنها في غيبتها.
وأعتدت لهن متكئا: أي وأعدت لهن فراشاً ووسائد للاتكاء عليها.
أكبرنه: أي أعظمنه في نفوسهن.
فذلك الذي لمتنني فيه: أي قلتن كيف تحب عبداً كنعانياً.
فاستعصم: أي امتنع مستمسكا بعفته وطهارته.
الصاغرين: الذليلين المهانين.
أصب إليهن: أمل إليهن.
وأكن من الجاهلين: أي المذنبين إذ لا يذنب إلا من جهل قدرة الله وإطلاعه عليه.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في قصة يوسف إنه بعد الحكم الذي أصدره شاهد يوسف عليه السلام انتقل الخبر إلى نساء بعض الوزراء فاجتمعن في بيت إحداهن وتحدثن بما هو لوم لامرأة العزيز حيث راودت عبداً لها كنعانياً عن نفسه وهو ما أخبر تعالى عنه في الآيات الآتية قال تعالى {وقال نسوة1 في المدينة} أي عاصمة مصر يومئذ {امرأة العزيز تراود
فتاها} 2 أي عبدها {عن نفسه قد شغفها حبا} أي قد بلغ حبها إياه شغاف قلبها أي غشاءه3. {إنا لنراها} أي نظنها {في ضلال مبين} أي خطأ واضح: إذ كيف تحب عبداً وهي من هي في شرفها وعلّو مكانتها. قوله تعالى {فلما سمعت بمكرهن} 4 أي ما تحدثن به في غيبتها {أرسلت إليهن5 وأعتدت لهن6 متكئا وآتت كل واحدة منهن سكينا} أي فقابلت مكرهن بمكر أعظم منه فأعدت لهن حفلة طعام وشراب فلما أخذن في الأكل يقطعن بالسكاكين الفواكه كالأترج وغيره أمرته أن يخرج عليهن ليرينه فيعجبن برؤيته فيذهلن عن أنفسهن ويقطعن7 أيديهن بدل الفاكهة التي يقطعنها للأكل وبذلك تكون قد دفعت عن نفسها المعرة والملامة، وهذا ما جاء في قوله تعالى {وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاشا لله8 ما هذا بشرا} أي إنسان من الناس. {إن هذا إلا ملك} أي ما هذا إلا ملك {كريم} وذلك لجماله وما وهبه الله تعالى من حسن وجمال في خلقه وخلقه. وهنا قالت ما أخبر تعالى به في قوله {قالت فذلكن الذي لمتنني فيه} أي هذا هو الفتى الجميل الذي لمتنني في حبه ومراودته عن نفسه {ولقد راودته عن نفسه فاستعصم} أي راودته فعلا وامتنع عن إجابتي. {ولئن لم يفعل ما آمره} أي به مما أريده منه {ليسجنن وليكونا من الصاغرين} أي الذليلين المهانين. وهكذا اسمعته تهديدها أمام النسوة المعجبات به. ومن هنا فزع يوسف إلى ربّه ليخلصه من مكر هذه المرأة وكيدها فقال ما أخبر تعالى به عنه {قال ربّ السجن أحب إليّ مما يدعونني إليه} أي يا رب فلذا عد كلامه هذا سؤالاً لربه ودعاء السجن أحب إلي مما يدعونني إليه من الإثم، {وألاّ تصرف عني كيدهن} أي كيد النسوة {أصب إليهن} أي أَملْ إليهن {وأكن} أي بفعل ذلك {من الجاهلين} أي الآثمين بارتكاب معصيتك.
وهذا ما لا أريده وهو ما فررت منه {فاستجاب له ربه} أي أجابه في دعائه وصرف عنه كيدهن إنه تعالى هو السميع لأقوال عباده ودُعَاءِ عبده وصفيه يوسف عليه السلام العليم بأحوال وأعمال عباده ومنهم عبده يوسف. ولذا استجاب له فطمأنه وأذهب الألم ألم الخوف من نفسه، وله الحمد والمنة.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- بيان طبيعة الإنسان في حب الإطلاع وتتبع الأخبار.
2- رغبة الإنسان في الثأر لكرامته، وما يحميه من دم أو مال أو عرض.
3- ضعف النساء أمام الرجال، وعدم قدرتهن على التحمل كالرجال.
4- إيثار يوسف عليه السلام السجن على معصية الله تعالى وهذه مظاهر الصديقية.
5- الجهل بالله تعالى وبأسمائه وصفاته ووعده ووعيده وشرعه هو سبب كل الجرائم في الأرض.
__________
1 نسوة بكسر النون وضمها والجمع الكثير نساء. ولا واحدة من لفظه إذ مفرد النسوة امرأة من غير لفظه.
2 {فتاها} نسب إليها وهو لزوجها باعتبار أنه يخدمها بملك زوجها له فصحّ نسبته إليها، وقيل: إن زوجها وهبه إيّاها كما وهبت سارة هاجر لإبراهيم عليه السلام.
3 شغاف القلب: غلافه، وهو: جلدة عليه، وقرىء: شعفها بالعين المهملة أي: أحرق حبّه قلبها، يقال: شعفه الحب: إذا أحرق قلبه.
4 وجه مكرهن: أنهن لما سمعن بجمال يوسف وحسنه، رغبن في النظر إليه فاحتلن لذلك بالحديث عن زليخا وانتقادها في حبها لخادمها.
5 في الكلام حذف تقديره: فأرسلت إليهن تدعوهنّ إلى وليمة لتوقعن فيما وقعت فيه. أعتدت: هذا من العتاد وهو ما جعل عدّة لشيء ومنه العتاد الحربي وهو ما أعدّ للحرب من أنواع السلاح.
6 أصل: {متكأ} موتكأ، حذفت منه الواو كمتزن من وزنت، ومتعدّ من وعدت وقرىء: متكاً غير مهموز وهو الأترج وأمّا مهموزاً فهو: كل ما اتكىء عليه عند الجلوس.
7 قال مجاهد: ليس قطعاً تبينُ به اليد، وإنما خدش وحزر وهو معروف في كلام العرب، يقال قطع يده إذا جرحها.
8 قرىء: {حاش لله} و {حاشا لله} ، وفيه أربع لغات، ويقال: حاشا زيداً وحاشاً زيداً، ومعناه هنا: معاذ الله.
****************************** *******
يتبع

ابوالوليد المسلم
17-06-2022, 02:52 PM
ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35) وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36) قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (38)
شرح الكلمات:
ثم بدا لهم: أي ظهر لهم.
الآيات: أي الدلائل على براءة يوسف.
أعصر خمرا: أي أعصر عنباً ليكون خمرا.
واتبعت ملة: أي دين.
ما كان لنا: أي ما انبغى لنا ولا صح منّا.
أن نشرك بالله من شيء: أي أن أشرك بالله شيئا من الشرك وإن قل ولا من الشركاء وإن عظموا أو حقروا.
ذلك من فضل الله علينا: أي ذلك التوحيد والدين الحق.
وعلى الناس: إذ جاءتهم الرسل به ولكنهم ما شكروا فلم يتبعوا.
معنى الآيات:
ما زال السياق في الحديث عن يوسف عليه السلام وما حدث له بعد ظهور براءته من تهمة امرأة العزيز قال تعالى {ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين} أي ثم ظهر للعزيز ومن معه من بعد ما رأوا الدلائل الواضحة على براءة يوسف وذلك كقدّ القميص من دُبر ونطق الطفل وحكمه في القضية بقوله {إن كان قميصه} الخ وهي أدلة كافية في براءة يوسف إلا أنهم رأوا سجنه إلى حين1 ما، أي ريثما تسكن النفوس وتنسى الحادثة ولم يبق لها ذكر بين الناس. وقوله تعالى {ودخل معه السجن2 فتيان} أي فقرروا سجنه وادخلوه السجن ودخل معه فتيان أي خادمان كانا يخدمان ملك البلاد بتهمة وجهت3 إليهما. وقوله تعالى {قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا ومال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزاً تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين} وكان هذا الطلب منهما بعد أن أعجبا بسلوكه مع أهل السجن وحسن معاملته وسألاه عن معارفه فأجابهم بأنه يعرف تعبير الرؤيا فعندئذ قالا هيا نجربه فندعي4 أنا رأينا كذا وكذا وسألاه فأجابهما بما أخبر تعالى به في هذه الآيات: {قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل5 أن يأتيكما} واللفظ محتمل لما يأتيهما في المنام أو اليقظة وهو لما علمه الله تعالى يخبرهما به قبل وصوله إليهما وبما يؤول إليه. وعلل لهما مبيّناً سبب علمه هذا بقوله {ذلكما مما علّمني ربّي إني6 تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة كافرون} وهم الكنعانيون والمصريون إذ كانوا مشركين يعبدون الشمس وغيرها، تركت ملة الكفر واتبعت ملة الإيمان بالله واليوم الآخر ملة آبائي إبراهيم وإسحق ويعقوب، ثم واصل حديثه معهما دعوة لهما إلى الإيمان بالله والدخول في الإسلام فقال {ما كان لنا} أي ما ينبغي لنا أن نشرك بالله من شيء فنؤمن به ونَعْبُدُه معه، ثم أخبرهما أن هذا لم يكن باجتهاد منهم ولا باحتيال، وإنما هو من فضل الله تعالى عليهم، فقال ذلك من فضل الله علينا7، وعلى الناس إذ خلقهم ورزقهم وكلأهم ودعاهم إلى الهدى وبيّنه لهم ولكن أكثر الناس لا يشكرون8 فهم لا يؤمنون ولا يعبدون.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- دخول يوسف السجن بداية أحداث ظاهرها محرق وباطنها مشرق.
2- دخول السجن ليس دائما دليلا على أنه بيت المجرمين والمنحرفين إذ دخله صفيٌ لله تعالى يوسف عليه السلام.
3- تعبير الرؤى تابع لصفاء الروح وقوة الفراسة وهي في يوسف علم لدني خاص.
4- استغلال المناسبات للدعوة إلى الله تعالى كما استغلها يوسف عليه السلام.
5- وجوب البراءة من الشرك وأهله.
6- اطلاق لفظ الآباء على الجدود إذ كل واحد هو أب لمن بعده.
__________
1 ذُكر للحين آماد مختلفة: فقد قيل: ستة أشهر، وقيل: ثلاثة عشر شهراً وقيل: تسع سنين، وما في التفسير أصح تلك الأقوال.
2 رضي بالسجن ولم يرض ارتكاب الفاحشة لعصمة الله تعالى له، ومن هنا قال العلماء: لو أكره مؤمن على الفاحشة أو السجن لتعيّن عليه أن يدخل السجن ولا يرتكب الفاحشة.
3 هذه التهمة هي: تآمرهما على قتل الملك بوضع سمّ في طعامه أو شرابه، وفعلاً كان الطاهي قد وضع سماً في الطعام وأعطى حيواناً فمات لفوره، ومن ثمّ أدخلا السجن معاً نظراً للحكم عليهما.
4 روي أنه قال لهما: فما رأيتما؟ فقال الخباز: رأيت كأنّي اختبزت في ثلاثة تنانير وجعلته في ثلاث سلال فوضعته على رأسي فجاء الطير فأكل منهن، وقال الآخر رأيت كأني أخذت ثلاثة عناقيد من عنب أبيض فعصرتهن في ثلاث أوانٍ، ثمّ صفيته فسقيت الملك كعادتي فيما مضى هذا معنى قوله: {إني أراني أعصر خمرا} .
5 أي: بتفسيره في اليقظة، فقالا له: هذا من فعل العرّافين والكهنة فردّ عليهما قائلا: {ذلكما مما علّمني ربّي} .
6 لمّا ردّ عليهما بقوله: {ذلكما مما علمني ربي} علل له بقوله: {إني تركت ملة قوم..} .
7 إذ جعلنا أنبياء ورسلا ندعوا الناس إلى عبادة ربهم، وتوحيده فيها ليكملوا عليها ويسعدوا في الدارين.
8 أي: لا يعرفون نعمة الله تعالى عليهم بإرسال الرسل إليهم مبشرين ومنذرين فلذا هم لا يعبدون الله ولا يوحدونه فيها.