|
|||||||
| الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
|
واجــب الوقــت (1) يبحث العاقل عن الأهم والمهم إذا تعارضا؛ كأن يكون في ظروف معينة لسبب ما الوقت أو المال أو الجهد المتاح يجعله إن فعل الأولى يترك الثانية من المصطلحات الشائعة الاستعمال بيننا أن نقول: «واجب الوقت هو كذا أو كذا»، فمن أين يأتي هذا المصطلح؟ وما معناه؟ وما واجب الوقت بالنسبة للآونة التي نعيش فيها الآن؟, وقبل أن نتحدث عن واجب الوقت لابد أن نتحدَّث أولًا عن واجب كل وقت «الواجب المستديم»، فواجب كل وقت هو تحقيق عبودية الله تبارك وتعالى، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات:56)، وتطبيق هذه العبودية في كل نواحي الحياة وعلى طول الحياة إلى أن تنتهي {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} (الحجر:99)، {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } (الأنعام:162-163)، فهذا واجب كل وقت؛ العبودية لله تبارك وتعالى. العبودية تشمل العبادات المحضة، وتشمل المعاملات، وهي تستغرق جميع مناحي الحياة، وهذه العبادة يمكن أن نقسمها إلى أنواع باعتبارات مختلفة، لكن الذي يعنينا هاهنا اعتباران مهمان جدًّا؛ الاعتبار الأول: مجالات عمل هذه العبادة في العبادات المحضة والمعاملات، وهذه القضية التي يغفل عنها كثير مِن الناس مبنية على قوله تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}، وقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}، فجعل الغاية من خلق الجن والإنس هي عبودية الله تبارك وتعالى.معنى العبادة ثم إن بحثتَ عن معنى العبادة في أذهان كثير منا؛ تجد أنه يتحدث عن أمور لا تشغل إلا حيزًا يسيرًا جدًّا من الحياة، ولاسيما إذا تكلمت عن العبادات الواجبة؛ فالصلوات المفروضات كم تأخذ مِن الوقت في الأربع وعشرين ساعة؟ وكذلك الصيام المفروض شهراً واحداً من بين اثني عشر شهرًا، والزكاة الواجبة تتراوح بين ٢.٥٪ من المال حداً أدنى في زكاة عروض التجارة وزكاة الأموال، وبين ٢٠٪ من المال حداً أقصى كما في زكاة العسل والخارج من الأرض. العبودة الشاملة فلا يمكن أن يخبرنا الله -تعالى- أن الحكمة مِن خلق الجن والإنس هي عبادته ثم تكون هذه العبادة لا تشغل إلا ١٠٪ أو نحوها مِن وقتنا ومن مالنا ومِن غير ذلك، لكن القضية هنا أن مَن أدرك أن العبودية يدخل فيها العبادات المحضة التي يسميها الناس الشعائر، ويدخل فيها أيضًا المعاملات؛ يعرف أن العبودية تشمل جميع الحياة فعلًا. لذلك في الفقه نقول: إن الأحكام التكليفية خمسة: 1- طلب فعل لازم وهو الواجب. 2- طلب فعل على وجه التخيير والتفضيل وهو المستحب. مِن جهة أخرى: 3- طلب ترك على سبيل اللزوم وهو المحرم. 4- طلب ترك على وجه التخيير والتفضيل وهو المكروه. 5- وبين هذين القسمين (الواجب والمندوب مِن جهة، والمحرم والمكروه مِن جهة أخرى) قسم مستوي الطرفين، وحتى هذا القسم مستوي الطرفين العلماء يدرجونه تحت الحكم التكليفي؛ لأنك ترى أنه يجب عليك طاعة الله عز وجل، ثم تنظر ما طَلب منك فعله، وما طَلب منك تركه، وما أباحه لك؛ فأنت اعتقدت إباحته بعد أن أباحه الله لك، وأنت إنما أقبلت عليه بعد الإذن من الله تبارك وتعالى. مناحي الحياة فإذاً هذه هي القضية «أن العبادة تشمل جميع مناحي الحياة: تشمل العبادات المحضة، وتشمل المعاملات»، تحتاج إلى اهتمام دائم، وأن نلفت أذهاننا دومًا إلى شمول معنى العبادة، وأننا نصلي لله، ونصوم لله، ونحج لله، ونخرج زكاة أموالنا لله، وكذلك نغضُّ أبصارنا لله، وكذلك تحتجب المرأة لله، وكذلك نصدق في البيع والشراء لله «فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا»، إلى آخر هذه المعاملات. ليس من أركان الإسلام الرد على مَن يطعن في أمرٍ مِن الواجبات بدعوى أنه ليس من أركان الإسلام يجب الاهتمام بهذه النقطة؛ لأنه قد صار هناك طعن فيها، ومحاولة حصر الإسلام ليس فقط في العبادات، بل في أعلى العبادات التي هي أركان الإسلام الأربعة بعد الشهادتين، وأي شيء آخر بعدها يقول الطاعن: هل هذه مِن أركان الإسلام؟ فنقول له: لو أردت أن تشتري شقة، هل تقبل أن تكون الأعمدة سليمة، ولكن لا يوجد جدران ولا أي شيء غير الأعمدة، أتقبل الشقة بهذا الوضع؟! بل الأشد مِن ذلك: هل تقبل أن تكون لك شقة كاملة فتقوم بهدم جميع الجدران وكل شيء فيها وتُبقي الأعمدة فقط، وتقول: يكفيني هذه الأعمدة؟! كذلك مَن يدعو إلى خلع الحجاب بحجة أنه ليس مِن الأركان الخمسة، نقول له: وإذا كان الحجاب ليس مِن أركان الإسلام الخمسة، أليس هناك واجبات أخرى غير الأركان الخمسة؟! وأنت حين دعوتَ إلى ترك هذه العبادة لم تعتذر بأنها تأتي في المرتبة الثانية بعد الأركان، بل بالعكس؛ أنت تدعو الناس لهدم هذه الفريضة، كرجل اشترى شقة كاملة، وتأكد أن الأعمدة سليمة ثم انطلق هدمًا في كل ما سوى هذه الأعمدة!! هذا لا يمكن أن يحدث في الأمور المادية؛ لأنه سَفَه، فلماذا يحدث في الأمور المعنوية التي مِن المفترض أن تكون أغلى عندنا مِن الأمور المادية؟ فالناس في الأمور المادية يقيسون الأمور بالعقل والمنطق السليم -وهذا واجب-، وفي الأمور المعنوية الشرعية تجد الحِيَل ومناقضة العقل السليم مما ينكرونه هم في الأمور الدنيوية. هناك ماهو أوجب الرد على مَن يطعن في بعض واجبات الدين بدعوى أن هناك ما هو أوجب وأولى منها ومثل ذلك -والشيءُ بالشيءِ يُذكر-: مَن يريد أن يصدك عن طاعة بحجة أن هناك طاعاتٍ أهم منها. فنقول له: إنما يبحث العاقل عن الأهم والمهم إذا تعارضا؛ كأن يكون في ظروف معينة لسبب ما الوقت أو المال أو الجهد المتاح يجعله إن فعل الأولى يترك الثانية وإن فعل الثانية لا بد وأن يترك الأولى، فحينئذٍ يختار أيهما أولى؛ لأنه مضطر أن يترك واحدة منهما، لكن إذا كان يستطيع أن يقوم بالأمرين معًا والأمران كلاهما حسن -فضلًا عن أن يكونا واجبين- فكيف تنهاه أنتَ عن واجب منهما بدعوى أن الآخر أوجب؟! كطالبٍ في امتحان عرض له سؤالان؛ أحدهما يمثل 60% والآخر 40% مِن درجات الامتحان، فأجاب عن السؤال ذي النسبة الأكبر، فهل يقول له عاقل: احذر أن تجيب عن السؤال ذي النسبة الأقل ما دمتَ قد أجبتَ عن الأكبر؟! فإذا كان الطالب قد عجز عن إجابة السؤال ذي النسبة الأكبر فأجاب عن السؤال الآخر ليحصل على 40% فقد أصاب؛ لأنه فَعَل المتاح، وهذا خير من أن يترك الإجابة بالكلية، ولا يلومه عاقلٌ أبدًا على إجابة السؤال الأقل نسبةً حال عجزه عن الإجابة عن السؤال الأكبر نسبةً. الحاصل أن هناك أناسًا يصلون في أمور دينهم إلى هدم ما هي عليه بقياسات في غاية البطلان، فإذا ذكرتَ له أمرًا مشابهًا في أمور الدنيا تجد الأمور عنده في غاية الوضوح، ولا يمكن أن يقبل مثل هذه الأقيسة في أمور الدنيا. أوجب من الآخر ولذا نقول: لو كان هناك أمران أوجبهما الشرع أحدهما أوجب من الآخر وجب الإتيان بهما جميعًا، ولا يُترَك أحدهما إلا لأمرين: الأمر الأول: عند التعارض وتعذر الجمع بينهما؛ فيقدم الأهم. والأمر الآخر: عند عدم إمكان القيام بأحدهما فيسقط لعدم الاستطاعة، ويبقى عليه وجوب القيام بالواجب الثاني حتى وإن كان غير المستطاع هو الأهم والأوجب، كمثال الامتحانين تمامًا. لذا جاء الشرع بالرُّخَص، كما في تعارض المصالح؛ فإذا تعارضت مصلحتان كالصيام إذا تعارض مع حفظ النفس، كالمريض الذي يزيد مرضه أو يتأخر بُرؤُه بسبب الصيام؛ فالصيام وحفظ النفس كلاهما مصلحة، ولكن لما كان الصيام له بدل وحفظ النفس ليس له بدل، وإذا ضاعت النفس وتلفت ضاع الصيام وضاعت سائر العبادات؛ لذلك قُدِّم حفظُ النفس على الصيام عند التعارض. وهذه مسألة منصوص عليها. وكذلك غير المنصوص عليها يُعمَل فيها بالقاعدة نفسها: «إذا تعارضت مصلحتان قُدمت أعلاهما، وإذا تعارضت مفسدتان دُفعت أكبرهما». الإيمان بضع وسبعون فإذاً علينا أن ندرك أن العبادة تشمل كل العبادات المحضة وكل المعاملات الشاملة لكل مناحي الحياة، وكون أن الأمور تتفاوت في الأهمية لا يعني أن يؤدي العبدُ أهم الواجبات ويترك ما وراءها من واجبات، لكن يقوم بكل ما يستطيعه؛ فالإيمان بضع وسبعون شعبة؛ أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، فسمى إماطة الأذى عن الطريق إيمانًا، وكذا كل ما فوقها؛ فتجد بعض الناس يرى أن إماطة الأذى عن الطريق يعطي مظهرًا حضاريًّا فيهتم به. فنقول له: أنت اهتممت بقضية إماطة الأذى عن الطريق، لاعتباراتك الخاصة أم لأنها مِن شعب الإيمان؟ لو اهتممتَ بها لأنها من شعب الإيمان؛ فقد أحسنتَ، لكن يلزمك ألا تأتي على أية شعبة من الإيمان مهما رأيتها دقيقة فتقول: هي ليست مهمة؛ لأنك مهتم بأدنى شعبة لو كان الباعث عندك هو الاهتمام بشعب الإيمان، فالمفترض أن نهتم بجميع شعب الإيمان، ونأخذ منها ما استطعنا، وعند التعارض نقول: يقدم الواجب على المستحب، واذا وقع التعارض بين الواجبات نأخذ الأوجب. وقد يكون الإنسان حريصًا على الاستزادة من الطاعات الواجبة والمستحبة -بغير تعارض بينها- يريد الفضل والثواب من عند الله. واجبات أبي بكر ولنا في حديث أبي بكر رضي الله عنه مثالًا على ذلك، لما قال النبي صلى الله عليه وسلم : «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا؟» قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه -: أَنَا. قَالَ: «فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً؟». قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه : أَنَا. قَالَ: «فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِينًا؟» قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه : أَنَا. قَالَ: «فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضًا؟». قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه : أَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : «مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ، إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ». فأبو بكر رضي الله عنه كان تاجرًا ولم يترك تجارته إلى أن بويع له بالخلافة، ومِن علو همته -رضي الله عنه - لم يتعارض الصيام عنده مع سائر أنواع البر، فما المانع أن يكون الإنسان صائمًا ويشيع الجنازة، ويعود المريض، ويتصدق على مسكين إذا كان عنده قوة في بدنه ودينه واستطاع أن يفعل كل هذا؟ أما لو وقع تعارض؛ كأن يكون ضعيف البدن والصيام مستحب فيفطر ليقوى على القيام بحق الميت وتشييع جنازته فالنبي صلى الله عليه وسلم سأل مع أنه يعرف حال أبي بكر ليجيب أبو بكر، ويعلمنا النبي أن هذا هو الفضل، وأن أبا بكر سبق الأمة بحرصه على الخير. فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكرام فلاحُ اعداد: عبد المنعم الشحات
__________________
|
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |