تضبطها قيمُ الرحمة وتحكمها مقاصدُ الشريعةِ .. الحروب في الإسلام - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         طرق علاج غازات البطن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          أبرز الأطعمة الغنية باليود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          مضاد حيوي طبيعي للأسنان الملتهبة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          أسباب غازات المهبل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          انتفاخ البطن بعد الأكل: الأسباب، الأعراض وكيفية تفاديه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          أنواع الحليب الخالي من اللاكتوز (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          علاج ألم الأسنان بطرق متنوعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          فوائد الكركم للمعدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          الفرق بين انتفاخ البطن والقولون (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          طرق علاج نقص المعادن في الجسم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم يوم أمس, 12:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,560
الدولة : Egypt
افتراضي تضبطها قيمُ الرحمة وتحكمها مقاصدُ الشريعةِ .. الحروب في الإسلام







تضبطها قيمُ الرحمة وتحكمها مقاصدُ الشريعةِ .. الحروب في الإسلام


  • لحرص الإسلام على السِّلْم جاءت آية الأنفال آمرة بالجنوح له كلما جنح له العدو حتى لا يُسبق المسلمون إلى فضيلة
  • إن الحرب في الإسلام بأهدافها وضوابطها وأخلاقياتها نموذج فريد يدل على مقدار ما وصلت إليه حضارة الإسلام من رقي وسمو ودليل دامغ على سعي هذا الدين الحنيف لنشر السلام والاستقرار في العالم بأسره
  • السلم هو الأصل في الإسلام والحرب استثناء تضبطها قيمُ الرحمة وتحكمها مقاصدُ الشريعةِ في حفظِ النفسِ والدينِ والكرامةِ الإنسانية بعيدًا عن نزواتِ الانتقامِ وسياساتِ الإبادةِ التي عرفها التاريخُ البشري
  • الإسلام يأمر بالوفاء ويجعله من آيات الإيمان وينهى عن الغدر ويجعله شعبة من النفاق يأمر بالوفاء حتى في الحرب التي هي مظنة الترخيص في الأخلاق والتساهل في الفضائل
  • لقد تفرد قادة الإسلام بين عظماء الحضارات كلها بالإنسانية الرحيمة العادلة في أشد المعارك احتداما وفي أحلك الأوقات التي تحمل على الانتقام والثأر وسفك الدماء
  • الدماء في الإسلام محترمة معصومة إلا بحقها وليست عصمة الدماء خاصة بالمسلمين في حكم الإسلام بل تشمل أصنافا من الكتابيين
  • شريعةُ الإسلامِ لا تُلغي الحرب لكنها تُهذِّبها وتضبطُها بضوابطِ العدلِ والإنسانية لتظلَّ أداةً لردعِ الظلمِ وإقامةِ السلم لا وسيلةً لتدميرِ الحياةِ وإهدارِ الكرامة الإنسانية
تُطلّ علينا بين الحين والآخر مشاهد الحروب المدمرة في عالمِ اليوم، بما تحمله من فظائعَ وويلاتٍ، في ظلِّ عجزٍ واضحٍ للقوانينِ الدولية عن محاسبة المسؤولين عن تلك الحروب، ممّا يُحتم علينا الوقوفَ عند الرؤيةِ الإسلاميةِ للحروبِ: أهدافِها، وضوابطِها، وأخلاقياتِها، إنها رؤيةٌ ربانيةٌ سامية، لم تَرقَ إليها البشريةُ رغم ما بلغتْه من مظاهرِ التقدُّم والحضارة؛ فشريعةُ الإسلامِ جاءت بمنظورٍ متميّزٍ يُعلي من قيمةِ الإنسان، ويحفظُ له كرامتَه حتى في ميادينِ القتال؛ إذ جعلت الحربَ وسيلةً لتحقيقِ العدلِ ودفعِ العدوان، لا سبيلًا للظلمِ أو الانتقام، قال الله -تعالى-: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (البقرة:190)، فهذه الآيةُ الكريمةُ تُؤسِّسُ لمبدأٍ عظيمٍ في أخلاقياتِ الحرب، وهو النهيُ عن الاعتداءِ أو تجاوزِ الحدِّ المشروع، وقد أكّد النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه القيمَ في توجيهاتِه لأصحابِه حين قال: «اغزوا باسمِ اللهِ، في سبيلِ اللهِ، قاتِلوا من كفرَ باللهِ، ولا تغلّوا، ولا تغدروا، ولا تُمثِّلوا، ولا تقتلوا وليدًا».
المنهجِ الإسلامي الفريد، جعل السلم هو الأصل، والحرب استثناء تضبطها قيمُ الرحمة، وتحكمها مقاصدُ الشريعةِ في حفظِ النفسِ والدينِ والكرامةِ الإنسانية، بعيدًا عن نزواتِ الانتقامِ وسياساتِ الإبادةِ التي عرفها التاريخُ البشري، فشريعةُ الإسلامِ لا تُلغي الحرب، لكنها تُهذِّبها، وتضبطُها بضوابطِ العدلِ والإنسانية، لتظلَّ أداةً لردعِ الظلمِ وإقامةِ السلم، لا وسيلةً لتدميرِ الحياةِ وإهدارِ الكرامة الإنسانية.
أولاً: أهداف الحرب في الإسلام
لم يكن هدف الحرب في الإسلام السيطرة على الشعوب ونهب مقدراتها، وإنما كانت تستهدف تحريرهم من نير الظلم والاستعباد، والدفاع عن الدعوة إلى الدين الحق، لقد كان هذا هو محور التوجيهات الإسلامية في القرآن والسُنَّة وإجماع العلماء، والتطبيق العملي الواقعي المتمثل في سلوك كثير من القادة العسكريين على مدار التاريخ الإسلامي. ولقد حدد القرآن الكريم الغاية من القتال في كونه مانعًا من الفتنة، كما في قوله -تعالى-: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ للهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} (البقرة:193)، هنا يبين القرآن بوضوح أن القتال أمر محدود، ويسعى لإنهائه بأسرع وقت وأقل تكلفة، وقال -تعالى-: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} (الحج:39). والقتال يكون في سبيل الله تحقيقًا لمراده -تعالى- وتوجيهه، وليس تشهيًّا للقتل والتخريب والتدمير، يقول -تعالى-: {الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} (النساء:76)، ويحذر من قتال من يُسالم ويمتنع عن قتال المسلمين: {فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا} (النساء:90)، فإن حدث العكس فإن الله -تعالى- يبيح قتال هؤلاء المعتدين: {فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا} (النساء:91)، وهذا هو التوازن الذي يمثل جوهر النظر الإسلامي للسعي في هذه الحياة بتطلع إلى مُثُلٍ عُليا، ولكن بواقعية في الوقت ذاته. إن الحرب في الإسلام بأهدافها وضوابطها وأخلاقياتها نموذج فريد يدل على مقدار ما وصلت إليه حضارة الإسلام من رقي وسمو، ودليل دامغ على سعي هذا الدين الحنيف لنشر السلام والاستقرار في العالم بأسره.
ثانيًا: من أخلاقيات الحرب في الإسلام
إن حسن المعاملة في الحرب، والرحمة بالنساء والأطفال والشيوخ، والتسامح مع المغلوبين، لا تستطيع كل أمة أن تفعله، ولا يستطيع كل قائد حربي أن يتصف به؛ فإن رؤية الدم تثير الدم، والعداء يؤجج نيران الحقد والغضب، ونشوة النصر تغري الفاتحين؛ فتوقعهم في أبشع أنواع التشفي والانتقام، ولقد تفرد قادة الإسلام بين عظماء الحضارات كلها بالإنسانية الرحيمة العادلة في أشد المعارك احتداما، وفي أحلك الأوقات التي تحمل على الانتقام والثأر وسفك الدماء، ولو أن التاريخ لم يتحدث عن هذه المعجزة الفريدة في تاريخ الأخلاق الحربية بصدق لا مجال للشك فيه، لظن الناس أنها خرافة من الخرافات، وأسطورة لا ظل لها على الأرض!». فإذا كان السلم هو الأصل في الإسلام، وشرعت الحرب في الإسلام لأسباب وأهداف محددة، فإن الإسلام كذلك لم يترك الحرب هكذا دون قيود أو قانون، وإنما وضع لها ضوابط تحد مما يصاحبها، وبهذا جعل الحروب مضبوطة بالأخلاق ولا تسيرها الشهوات، كما جعلها ضد الطغاة والمعتدين لا ضد البرآء والمسالمين، وتتمثل أبرز هذه القيود الأخلاقية فيما يلي:
عدم قتل الشيوخ والنساء والأطفال
فقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوصي قادة الجند بالتقوى ومراقبة الله -تعالى-؛ ليدفعهم إلى الالتزام بأخلاق الحروب، ومن ذلك أنه يأمرهم بتجنب قتل الولدان؛ فيروي بريدة فيقول: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أمَّر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا، وكان مما يقوله: «ولا تقتلوا وليدا»، وفي رواية أبي داود: «ولا تقتلوا شيخا فانيا، ولا طفلا، ولا صغيرا، ولا امرأة».
عدم قتل المتعبدين
فقد أخبر ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا بعث جيوشه يقول لهم: «لا تقتلوا أصحاب الصوامع»، وكانت وصيته للجيش كما نقلها ابن عباس -رضي الله عنهما-: كانَ رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إذا بَعثَ جيوشَهُ قالَ: «اخرُجوا باسمِ اللَّهِ قاتِلوا في سبيلِ اللَّهِ من كفرَ باللَّهِ، ولا تعتَدوا، ولا تغلُّوا، ولا تُمَثِّلوا، ولا تقتُلوا الوِلدانَ، ولا أصحابَ الصَّوامعِ».
عدم الغدر
فكما مر معنا، كان من وصيته للجيش: (ولا تغدروا) ولم تكن هذه الوصية في معاملات المسلمين مع إخوانهم المسلمين، بل كانت مع عدو يكيد لهم، ويجمع لهم، وهم ذاهبون لحربه! وقد وصلت أهمية هذا الأمر عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه تبرأ من الغادرين، ولو كانوا مسلمين، ولو كان المغدور كافرا؛ فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «من أمَّن رجلا على دمه فقتله فأنا بريء من القاتل وإن كان المقتول كافرا». وقد ترسخت قيمة الوفاء في نفوس الصحابة -رضي الله عنهم- حتى إن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بلغه في ولايته أن أحد المقاتلين قال لمحارب من الفرس لا تخف! ثم قتله، فكتب -رضي الله عنه - إلى قائد الجيش: إنه بلغني أن رجالا منكم يطلبون العلج (الكافر)، حتى إذا اشتد في الجبل وامتنع يقول له: لا تخف! فإذا أدركه قتله، وإني والذي نفسي بيده لا يبلغني أن أحدا فعل ذلك إلا قطعت عنقه.
عدم الإفساد في الأرض
فلم تكن حروب المسلمين حروب تخريب كالحروب المعاصرة التي يحرص فيها المتقاتلون من غير المسلمين على إبادة مظاهر الحياة لدى خصومهم، بل كان المسلمون يحرصون أشد الحرص على الحفاظ على العمران في كل مكان، لو كان ببلاد أعدائهم، وظهر ذلك واضحا في كلمات أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - عندما وصى جيوشه المتجهة إلى فتح الشام، وكان مما جاء فيها: «ولا تفسدوا في الأرض». وهو شمول عظيم لكل أمر حميد، وجاء أيضا في وصيته: (ولا تُغرقُن نخلا ولا تحرقنها، ولا تعقروا بهيمة، ولا شجرة تثمر، ولا تهدموا بيعة)، وهذه تفصيلات توضح المقصود من وصية عدم الإفساد في الأرض؛ لكيلا يظن قائد الجيش أن عداوة القوم تبيح بعض أنواع الفساد؛ فالفساد بشتى أنواعه مرفوض في الإسلام.
الإنفاق على الأسير
إن الإنفاق على الأسير ومساعدته مما يثاب عليه المسلم؛ وذلك بحكم ضعف الأسير وانقطاعه عن أهله وقومه، وشدة حاجته للمساعدة، وقد قرن القرآن الكريم بِر الأسير ببر اليتامى والمساكين؛ {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا}(الإنسان: 8).
عدم التمثيل بالميت
فقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المُثْلَة، فروى عبدالله بن زيد - رضي الله عنه - قال: «نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ النُّهْبَى، وَالمُثْلَةِ»، النُّهْبَى: أَخذ المرء ما ليس له جهارًا، والمُثْلَة: التنكيل بالمقتول، بقطع بعض أعضائه، وقال عمران بن الحصين - رضي الله عنه -: «كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَحُثُّنَا عَلَى الصَّدَقَةِ، وَيَنْهَانَا عَنِ المُثْلَةِ»، ورغم ما حدث في غزوة أُحُد من تمثيل المشركين بحمزة عمِّ الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فإنه - صلى الله عليه وسلم - لم يُغيِّر مبدأه، بل إنه - صلى الله عليه وسلم - هدَّد المسلمين تهديدًا خطيرًا إن قاموا بالتمثيل بأجساد قتلى الأعداء، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ قَتَلَهُ نَبِيٌّ، أَوْ قَتَلَ نَبِيًّا، وَإِمَامُ ضَلاَلَةٍ، وَمُمَثِّلٌ مِنَ الْـمُمَثِّلِينَ»، ولم تَرِدْ في تاريخ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حادثةٌ واحدة تقول بأن المسلمين مثَّلوا بأَحَدٍ من أعدائهم.
ثالثًا: فسلفة الحرب في الإسلام
وقد ذكر العلامة محمد البشير الإبراهيمي في بحث له بعنوان: شرعة الحرب في الإسلام، ذكر فيه فسلفة الحرب في الإسلام؛ فقال: الإسلام في أعلى مقاصده يعتبر الحرب مفسدة لا تُرتكب إلا لدفع مفسدة أعظم منها، ولو أن قريشًا لم يقفوا في طريق الدعوة المحمدية، وتركوها تجري إلى غايتها بالإقناع لما قاتلهم محمد - صلى الله عليه وسلم -، ولكنهم بدؤوها بالعدوان والتقبيح، والحيلولة بينها وبين بقية العرب، والقعود بكل صراط لصدِّ الناس عنها. ومن اللطائف الحكمية أن القتال لم يشرع في القرآن بصيغة (شرع) أو (وجب) أو غيرهما من صيغ الأحكام، وإنما جاءت الآية الأولى فيه بصيغة الإذن المشعرة بأنه شيء معتاد في الاجتماع البشري، ولكنه ليس خيرًا محضًا ولا صلاحًا سرمدًا، وإنما هو شر أحسن حالاته أن يدفع شرًّا آخر.
الشرور لا تُدفع بالخير
ومما وقر في نفوس البشر أن بعض الشرور لا تُدفع بالخير، ولا تنقصم إلا بشرٍّ آخر، وإذا كانت الأحكام على الأشياء إنما هي بعواقبها وآثارها، فإن الشرَّ الذي يدفع شرًّا أعظم منه يكون خيرًا كقطع بعض الأعضاء لإصلاح بقية البدن، وكقتل الثلث لإصلاح الثلثين، كما يؤثر عن الإمام مالك، قال -تعالى-: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ} (الحج)، ففي قوله -تعالى-: {يُقَاتَلُونَ} وفي قوله -تعالى-: {بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} وفي قوله -تعالى-: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ} بيان للشروط المسوغة للحرب في الإسلام، تُحمل عليها نظائرها في كل زمان.
دستور كامل للحدود
ومعنى شرعت الحرب في الإسلام، أي أُذن فيها بدستور كامل للحدود التي تربطها، وتحدُّ أولها وآخرها، وتخفف من شرورها، وتكبح النفوس على الاندفاع فيها إلى الخروج عن الاعتدال وتعدي الحدود، وإذا كان الإسلام الذي هو آخر الأديان السماوية إصلاحًا عامًّا لأوضاع البشر، فإن أحكام القتال فيه إصلاح وتهذيب لمسألة طبيعية فيهم وهي الحرب.
آداب الإسلام في الحرب
حرَّم الإسلام التعذيب والتشويه والمثلة في الحرب، وأوصى بالأسرى خيرًا، حتى جعل إطعامهم والإحسان إليهم قربة إلى الله، وأمر بألَّا يُقتل إلا المقاتل أو المحرض على القتال، أو المظاهر على المسلمين، ونهى عن قتل النساء والصبيان والشيوخ الهرمى والقعدة والرهبان المنقطعين في الصوامع، ونهى عن عقر الحيوان المنتفع به، ونهى عن إتلاف الزرع وإحراق الأشجار وقطعها، ووصية أبي بكر - رضي الله عنه - للجيش هي الكلمة الجامعة في هذا الباب، وهي التطبيق العملي لمجملات النصوص من الكتاب والسُنَّة.
أعظم مظاهر العدل في الإسلام
لو لم يكن من مظاهر العدل في الإسلام إلا قوانينه الحربية، لكان فيها مقنع للمنصفين باعتناقه، ذلك أن الحرب تنشأ عادة عن العداوات والمنافسات على المصالح المادية، والعداوة من عمل الشيطان، يوريها بين أبناء آدم ليرجعوا إلى الحيوانية الضارية التي لا عقل لها، ولا رحمة فيها، ولا عدل معها؛ فجاء الإسلام بتعاليمه السامية المهذبة للفطرة، فحدَّدت أسباب الحرب وأعمالها تحديدًا دقيقًا، وحرَّمت البغي والعدوان، وقيَّدتها بقوانين هي خلاصة العدل ولبابه، حتى كأنها عملية جراحية تؤلم دقائق لتترك الراحة والاطمئنان العمر كله.


اعداد: اللجنة العلمية في الفرقان









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 5 ( الأعضاء 0 والزوار 5)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 60.13 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 58.46 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.77%)]