|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() من أسرار خاتمة سورة المؤمنون ﴿وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ﴾ [المؤمنون: 118] د. محمد أحمد صبري النبتيتي الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد: فمن علامات توفيق العبد أن يهتم بأدعية القرآن والسُّنة ذكرًا وفهمًا وخشوعًا وخضوعًا، يكررها في سجوده وقنوته وأوقات الإجابة، فكم من دعاء ذي فضل وقد هجره أكثر الناس، قال تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: 186]، وقال: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: 60]. مغبون من هجر الأدعية التي سطرها الله في كتابه، بل وأثنى على أصحابها، والموفق من وفقه ربه. قال تعالى: ﴿وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ﴾ [المؤمنون: 118]. أهمية هذا الدعاء: 1- أن الله كرَّره مرتين في نفس السورة، وفي نفس الصفحة، بعدما ذكر أنه من دعاء الفائزين، أمر به النبي الأمين في آخر سورة المؤمنون. قال الشنقيطي رحمه الله: وَقَوْلُهُ تَعالى في خاتِمَةِ هَذِهِ السُّورَةِ الكَرِيمَةِ: ﴿وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وارْحَمْ وأنْتَ خَيْرُ الرّاحِمِينَ﴾ فِيهِ الدَّلِيلُ عَلى أنَّ ذَلِكَ الفَرِيقَ، الَّذِينَ كانُوا يَقُولُونَ: ﴿رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ﴾ [المؤمنون: 109] مُوَفَّقُونَ في دُعائِهِمْ ذَلِكَ؛ ولِذا أثْنى اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِهِ، وأمَرَ بِهِ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم لِتَقْتَدِيَ بِهِ أُمَّتُهُ في ذَلِكَ. 2- أن المأمور به هو النبي صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق، قال أبو السعود رحمه الله: ثُمَّ أُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالِاسْتِغْفارِ والِاسْتِرْحامِ فَقِيلَ: ﴿وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ﴾ [المؤمنون: 118] إيذانًا بِأنَّهُما مِن أهَمِّ الأُمُورِ الدِّينِيَّةِ حَيْثُ أُمِرَ بِهِ من قَدْ غُفِرَ لَهُ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ وما تَأخَّرَ، فَكَيْفَ بِمَن عَداهُ؟! 3- أنه جاء بعد ذكر فلاح المؤمنين في صدر السورة، وعدم فلاح الكافرين في آخرها؛ ففيه إشارة إلى أن هذا الدعاء من علامات الفلاح والفوز. قال البقاعي رحمه الله: فَمَنْ رحمته أفْلَحَ بِما تُوَفِّقُهُ لَهُ مِنِ امْتِثالِ ما أشَرْت إلَيْهِ أوَّلَ السُّورَةِ، فَكانَ مِنَ المُؤْمِنِينَ، فَكانَ مِنَ الوارِثِينَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الفِرْدَوْسَ هم فِيها خالِدُونَ، فَقَدِ انْطَبَقَ عَلى الأوَّلِ هَذا الآخِرُ بِفَوْزِ كُلِّ مُؤْمِنٍ، وخَيْبَةِ كُلِّ كافِرٍ، نَسْألُ اللَّهَ تَعالى أنْ يَكُونَ لَنا أرْحَمَ راحِمٍ وخَيْرَ غافِرٍ، إنَّهُ المُتَوَلِّي لِلسَّرائِرِ، والمَرْجُوُّ لِإصْلاحِ الضَّمائِرِ، آمِينَ. 4- أنه آخر آية في السورة، فهو كالتذييل والنتيجة، فينبغي الاهتمام به، قال ابن عاشور رحمه الله: وهَذا الكَلامُ مُؤْذِنٌ بِانْتِهاءِ السُّورَةِ، فَهو مِن بَراعَةِ المَقْطَعِ. وقال الرازي رحمه الله: "لِأنَّهُ سُبْحانَهُ لَمّا شَرَحَ أحْوالَ الكُفّارِ في جَهْلِهِمْ في الدُّنْيا وعَذابِهِمْ في الآخِرَةِ أمَرَ بِالِانْقِطاعِ إلى اللَّهِ تَعالى والِالتِجاءِ إلى دَلائِلِ غُفْرانِهِ ورَحْمَتِهِ، فَإنَّهُما هُما العاصِمانِ عَنْ كُلِّ الآفاتِ والمَخافاتِ". 5- أن الأمر به للرسول فيه إشعار بأن الإجابة معه، قال ابن عاشور: "وأمْرُهُ بِأنْ يَدْعُوَ بِذَلِكَ يَتَضَمَّنُ وعْدًا بِالإجابَةِ". 6- أن الأمر للرسول أمر لأُمَّته إلا أن يدل دليل على التخصيص، فنحن مأمورون كما أن النبي صلى الله عليه وسلم مأمور، قال تعالى: ﴿اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ [الأنعام: 106]، ﴿وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ﴾ [يونس: 109]، وقال: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: 21]. 7- أن النبي أفضل البشر أخبر أفضل الأمة بعده بمثل هذا الدعاء، قال الألوسي: "وفي تَخْصِيصِ هَذا الدُّعاءِ بِالذِّكْرِ ما يَدُلُّ عَلى أهَمِّيَّةِ ما فِيهِ، وقَدْ عَلَّمَ صلى الله عليه وسلم أبا بَكْرٍ الصَّدِيقَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ أنْ يَقُولَ نَحْوَهُ في صِلاتِهِ. فَقَدْ أخْرَجَ البُخارِيُّ ومُسْلِمٌ والتِّرْمِذِيُّ وابْنُ ماجه وابْنُ حِبّانَ وجَماعَةٌ «عَنْ أبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ أنَّهُ قالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، عَلِّمْنِي دُعاءً أدْعُو بِهِ في صَلاتِي قالَ: قُلِ اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وأنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنْتَ، فاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِن عِنْدِكَ، وارْحَمْنِي، إنَّكَ أنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ». شيء من أسرار هذا الدعاء: أولًا: ما معنى الغفران والرحمة؟ وما الفرق بينهما؟ قال الطبري: يقول تعالى ذكره لنبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم: وقل يا محمد: ربِّ استر عليَّ ذنوبي بعفوك عنها، وارحمني بقبول توبتك، وتركك عقابي على ما اجترمت. قال ابن كثير رحمه الله: وَقَوْلُهُ: ﴿وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ﴾ [المؤمنون: 118]، هَذَا إِرْشَادٌ مِنَ اللَّهِ إِلَى هَذَا الدُّعَاءِ، فالغَفْرُ- إِذَا أطلِق- مَعْنَاهُ مَحْوُ الذَّنْبِ وَسَتْرُهُ عَنِ النَّاسِ، وَالرَّحْمَةُ مَعْنَاهَا: أَنْ يُسَدِّدَهُ وَيُوَفِّقَهُ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ. وكان ابن كثير يقول: إن الغفران هو ستر ما فات من الذنوب ومحوه، والرحمة هي التوفيق والسداد في المستقبل، وهذا هو ما يرجوه أي عاقل؛ محو ما فات، والسداد وترك المعاصي فيما بقي من العمر. أما السعدي فيذكر نتيجة الغفران والرحمة فيقول: ﴿رَبِّ اغْفِرْ﴾ لنا حتى تنجينا من المكروه، وارحمنا، لتوصلنا برحمتك إلى كل خير. ثانيًا: (اغفر لمن واغفر ماذا)؟ المغفرة للنبي وأتباعه، والغفران للذنوب جميعًا، والرحمة كذاك. قال الألوسي: والظَّاهِرُ أنَّ طَلَبَ كُلٍّ مِنَ المَغْفِرَةِ والرَّحْمَةِ عَلى وجْهِ العُمُومِ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ولِمُتَّبِعِيهِ. قال الشنقيطي: ومَعْمُولُ اغْفِرْ وارْحَمْ حُذِفَ هُنا، لِدَلالَةِ ما تَقَدَّمَ عَلَيْهِ في قَوْلِهِ: ﴿فاغْفِرْ لَنا وارْحَمْنا﴾ [الأعراف: 155]. ففيه اختصار وإيجاز جميل. ثالثًا: لماذا يأتي الغفران عادة قبل الرحمة؟ قال ابن عثيمين رحمه الله: وباجتماع المغفرة والرحمة يزول المرهوب، ويحصل المطلوب، يزول المرهوب بالمغفرة؛ يعني: المغفرة من الذنب التي حصلت، واستحق العقوبة عليها، ثم غفر له، والرحمة تحصيل المطلوب، وهي فوق المغفرة؛ ولهذا تأتي المغفرة سابقة للرحمة في الغالب؛ لأنه كما يقال: التخلية قبل التحلية. رابعًا: هل هنالك توسُّل في هذا الدعاء؟ وما هي دلائله؟ نعم توسُّل بالربوبية في قوله: ﴿رَبِّ﴾، وتوسُّل بالرحمة في قوله: ﴿وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ﴾. خامسًا: ما دلالة قوله تعالى: ﴿وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ﴾؟ قال السعدي: ﴿وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ﴾ فكل راحم للعبد، فالله خير له منه، أرحم بعبده من الوالدة بولدها، وأرحم به من نفسه. وقال الشنقيطي رحمه الله: وصِيغَةُ التَّفْضِيلِ في قَوْلِهِ: ﴿وَأنْتَ خَيْرُ الرّاحِمِينَ﴾؛ لِأنَّ المَخْلُوقِينَ قَدْ يَرْحَمُ بَعْضُهم بَعْضًا، ولا شَكَّ أنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ تُخالِفُ رَحْمَةَ خَلْقِهِ، كَمُخالَفَةِ ذاتِهِ وسائِرِ صِفاتِهِ لِذَواتِهِمْ، وصِفاتِهِمْ. روى البخاري عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيٌ؛ فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ قَدْ تَحْلُبُ ثَدْيَهَا تَسْقِي، إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ، فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَتُرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ؟". قُلْنَا: لَا، وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَلَّا تَطْرَحَهُ. فَقَالَ: "لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا". قال ابن حجر رحمه الله: وفيه إشارة إلى أنه ينبغي للمرء أن يجعل تعلُّقه في جميع أموره بالله وحده، وأن كل من فرض أن فيه رحمة ما حتى يقصد لأجلها، فالله سبحانه وتعالى أرحم منه، فليقصد العاقل لحاجته من هو أشد له رحمة. سادسًا: لماذا قال في الأعراف: ﴿وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ﴾ [الأعراف: 155] ولم يقل: "وأنت خير الراحمين"؟ ﴿وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ﴾ [الأعراف: 155]. قال ابن عاشور رحمه الله: وقَدَّمَ المَغْفِرَةَ عَلى الرَّحْمَةِ؛ لِأنَّ المَغْفِرَةَ سَبَبٌ لِرَحَماتٍ كَثِيرَةٍ، فَإنَّ المَغْفِرَةَ تَنْهِيةٌ لِغَضَبِ اللَّهِ المُتَرَتِّبِ عَلى الذَّنْبِ، فَإذا انْتَهى الغَضَبُ تَسَنَّى أنْ يَخْلُفَهُ الرِّضا. والرِّضا يَقْتَضِي الإحْسانَ. و﴿خَيْرُ الغافِرِينَ﴾ الَّذِي يَغْفِرُ كَثِيرًا، وإنَّما عَطَفَ جُمْلَةَ ﴿وأنْتَ خَيْرُ الغافِرِينَ﴾؛ لِأنَّهُ خَبَرٌ في مَعْنى طَلِبِ المَغْفِرَةِ العَظِيمَةِ، فَعُطِفَ عَلى الدُّعاءِ، كَأنَّهُ قِيلَ: فاغْفِرْ لَنا وارْحَمْنا واغْفِرْ لَنا جَمِيعَ ذُنُوبِنا؛ لِأنَّ الزِّيادَةَ في المَغْفِرَةِ مِن آثارِ الرَّحْمَةِ. المقام مقام ذنب عظيم يحتاج إلى غفران كبير، فناسب أن يقول سبحانه على لسان موسى: ﴿وأنْتَ خَيْرُ الغافِرِينَ﴾. قال أبو السعود رحمه الله: وقوله: ﴿وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ﴾ اعتراض تذييلي مقرر لما قبله من الدعاء، وتخصيص المغفرة بالذكر؛ لأنها الأهم بحسب المقام. وقال الألوسي: وتَخْصِيصُ المَغْفِرَةِ بِالذِّكْرِ؛ لِأنَّها الأهَمُّ. وفَسَّرَ بَعْضُهم ما ذُكِرَ بِغُفْرانِ السَّيِّئَةِ وتَبْدِيلِها بِالحَسَنَةِ لِيَكُونَ تَذْيِيلًا لِـ ﴿اغْفِرْ وارْحَمْ﴾ مَعًا. قال أبو حيان في البحر المحيط: سَألَ الغُفْرانَ لَهُ ولَهم والرَّحْمَةَ، لَمَّا كانَ قَدِ انْدَرَجَ قَوْمُهُ في قَوْلِهِ: ﴿أنْتَ ولِيُّنا﴾، وفي سُؤالِ المَغْفِرَةِ والرَّحْمَةِ لَهُ ولَهم- وكانَ قَوْمُهُ أصْحابَ ذُنُوبٍ- أكَّدَ اسْتِعْطافَ رَبِّهِ تَعالى في غُفْرانِ تِلْكَ الذُّنُوبِ، فَأكَّدَ ذَلِكَ ونَبَّهَ بِقَوْلِهِ: ﴿وأنْتَ خَيْرُ الغافِرِينَ﴾، ولَمَّا كانَ هو وأخُوهُ هارُونُ عَلَيْهِ السَّلامُ مِنَ المَعْصُومِينَ مِنَ الذُّنُوبِ، فَحِينَ سَألَ المَغْفِرَةَ لَهُ ولِأخِيهِ وسَألَ الرَّحْمَةَ لَمْ يُؤَكِّدِ الرَّحْمَةَ بَلْ قالَ: ﴿وأنْتَ أرْحَمُ الرّاحِمِينَ﴾، فَنَبَّهَ عَلى أنَّهُ تَعالى أرْحَمُ الرّاحِمِينَ، ألا تَرى إلى قَوْلِهِ: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف: 156]، وكانَ تَعالى خَيْرَ الغافِرِينَ؛ لِأنَّ غَيْرَهُ يَتَجاوَزُ عَنِ الذَّنْبِ طَلَبًا لِلثَّناءِ أوِ الثَّوابِ، أوْ دَفْعًا لِلصِّفَةِ الخَسِيسَةِ عَنِ القَلْبِ، وهي صِفَةُ الحِقْدِ، والبارِي سُبْحانَهُ وتَعالى مُنَزَّهٌ عَنْ أنْ يَكُونَ غُفْرانُهُ لِشَيْءٍ مِن ذَلِكَ. قلت: ولعل التوسُّل بقوله: ﴿وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ﴾ الغفران ذنوب سابقة قد فعلوها وتوطئة لرحمات مطلوبة في الآية التالية؛ وهي قوله تعالى: ﴿وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: 156]. فكأنها إعادة للتخلية قبل التحلية، والله أعلم. من فوائد هذا الدعاء في آخر سورة المؤمنون والتي ذُكرت في مقال على موقع الكلم الطيب تأملات قرآنية: 1- أهمية هذه الدعوة؛ لأنها بصيغة الأمر. 2- فيه بيان أهمية التوسل إلى اللَّه تعالى بربوبيته التي من مقتضياتها إجابة الدعاء. 3- ينبغي للداعي أن يقدم طلب المغفرة قبل سؤاله الرحمة، كما هي عامة الأدعية. 4- أهمية هذين المطلبين: المغفرة، والرحمة؛ فالمغفرة تندفع بها جميع المكروهات، والرحمة التي تحصل بها جميع المحبوبات. 5- إن من آثار وثمرات المغفرة حصول الرحمة. 6- إن التوسُّل بأسماء اللَّه تعالى المضافة من أعظم الممادح التي يُمدح بها ربُّ العزَّة والجلال، ومن أهم الأسباب الموجبة لقبول الدعاء؛ لأنه تعالى علَّمنا بهذا الدعاء كيف ندعوه، وكيف نتوسَّل إليه. والحمد لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحات.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 4 ( الأعضاء 0 والزوار 4) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |