|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() العلم النافع: صفاته وعلاماته وآثاره يحيى سليمان العقيلي معاشر المؤمنين: للعلم فضيلة عظيمة في ديننا؛ قال تعالى: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [المجادلة: 11]. وما طُلبت الاستزادة من شيء إلا العلم؛ قال تعالى: ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [طه: 114]. وقال صلى الله عليه وسلم في بيان فضيلة العلم وطلبه: ((من سلك طريقًا يطلب فيه علمًا، سلك الله به طريقًا من طرق الجنة، وإن الملائكة لَتضع أجنحتها رضًا لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض، والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظٍّ وافر))؛ [صحيح أبي داود]. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الله بزيادة العلم؛ فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه قوله: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم انفعني بما علمتني، وعلمني ما ينفعني، وزدني علمًا، والحمد لله على كل حال، وأعوذ بالله من عذاب النار)). قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "تعلموا العلم تُعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله"، ونلحظ في هذه النصوص - عباد الله - وصف العلم المحمود والمرغوب فيه بأنه العلم النافع؛ قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 18]. قال ابن عباس: "هو الرجل يسمع الحسن والقبيح، فيتحدث بالحسن، وينكف عن القبيح فلا يتحدث به". وقال تعالى: ﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 9]. قال القرطبي رحمه الله: "هم الذين ينتفعون بعلمهم ويعملون به، فأما من لم ينتفع بعلمه ولم يعمل به، فهو بمنزلة من لم يعلم، ﴿ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾؛ أي: أصحاب العقول من المؤمنين". وقال الإمام الشافعي رحمه الله: "ليس العلم ما حُفظ، إنما العلم ما نفع". فإذا كانت تلك هي منزلة العلم النافع عباد الله، فما هو العلم النافع؟ وما هي صفاته؟ وكيف نستدل عليه؟ وما هي علاماته وآثاره؟ نقول وبالله التوفيق: إن العلم النافع هو: العلم الذي ينفع صاحبه في الدنيا والآخرة، ومن علامات ذلك أن يزهده بمتاع الدنيا، ويرغِّبه في نعيم الآخرة؛ كما قال تعالى: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص: 77]. والعلم النافع هو العلم الذي يورث خشية الله في قلب صاحبه؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28]، وكما قيل: ليس العالم من حفظ المتون، ولكن العالم من خشي ريب المنون، فترى صاحبه سليمَ الصدر، يحذر مقالة السوء عن غيره، يتقي الله في كلامه وأفعاله، فليس كل من ادَّعى العلم هو من أهله. نال بعض الأمراء مرةً عند نور الدين زنكي من بعض الفقهاء، وهو قطب الدين النيسابوري، فقال له نور الدين: "ويحك إن كان ما تقول حقًّا، فله من الحسنات الكثيرة الماحية لذلك ما ليس عندك، مما يكفر عنه سيئات ما ذكرت إن كنت صادقًا، على أني والله لا أصدقك، وإن عدت ذكرته أو أحدًا غيره عندي بسوء لأؤدبنك"، فكفَّ عنه ولم يذكره بعد ذلك؛ ا.هـ. العلم النافع - عباد الله - هو الذي يحث على طاعة الله تعالى وتقواه، والإخلاص له جل وعلا، وتزداد به رغبة العبد بالعمل الصالح، وتحري الأعمال الصالحة والفاضلة. العلم النافع هو الذي يجعلك - يا عبدَالله - تؤدي العبادات بإحسان وعلى الوجه المشروع، فتحقق شروطها، وتؤدي أركانها وواجباتها وسُننها، وتحقق مقاصدها التي هي الآثار المبتغاة منها. العلم النافع هو الذي يجعلك تؤدي الأهم من الأعمال قبل المهم، وتؤدي الحقوق الأوجب قبل الأقل وجوبًا؛ قال الصحابة رضي الله عنهم: ((يا رسول الله، فلانة تصوم النهار وتقوم الليل، وتؤذي جيرانها؟ قال: هي في النار، قالوا: يا رسول الله، فلانة تصلي المكتوبات، وتصدَّق بالأثوار من الأقط، ولا تؤذي جيرانها؟ قال: هي في الجنة))، فالعلم النافع هو الذي يبعث في النفس مكارم الأخلاق، ومحاسن الشِّيم، وطيب التعامل مع الناس. وهو العلم الذي يهدي للمواقف الصحيحة والحسنة تجاه العلماء والدعاة، والمجاهدين والصالحين، فيكون صاحبه سليم الصدر، عفَّ اللسان، مؤيدًا ومناصرًا لهم، وللحق الذي يدعون إليه ويجاهدون من أجله. وأخيرًا، فإن العلم النافع هو الذي يثمر في القلب اليقينَ والاطمئنان والسَّكينة، ويبعد عنه الشكوك والهموم والأكدار؛ قال تعالى: ﴿ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الحج: 54]. هذه - عباد الله - منزلة العلم النافع، وتلك هي صفاته وعلاماته وآثاره. جعلنا الله وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ونسأله جل وعلا علمًا نافعًا، وقلبًا خاشعًا، ودعاءً مجابًا، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية معاشر المؤمنين، وكما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم للاستزادة من العلم النافع، فقد استعاذ من علمٍ لا ينفع؛ فعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من أربع، وكان يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من قلبٍ لا يخشع، ودعاء لا يسمع، ومن نفس لا تشبع، ومن علم لا ينفع)).أي: لا نفع فيه لصاحبه ولا لغيره، لا في الدنيا ولا في الآخرة، وهو العلم الذي لا تقترن به التقوى وخشية الله، وتجنُّب الحرمات، وهو العلم الذي لا يعمل به صاحبه ولا يعلِّمه، وهو العلم الذي لا يسهم في تحسين أخلاق صاحبه وأقواله وأفعاله، فلا لسان يُحفظ، ولا طرف يُغض، ولا أذى يُكف، وهو العلم الذي لا يُحتاج إليه، ولا يُرغِّب الشرع في تعلمه؛ كالتنجيم والشعوذة وغيرها. العلم الذي لا ينفع هو الذي يغرس الشك وسوء الظن، ويوغر الصدور على العلماء والدعاة، والصالحين والمجاهدين؛ قال سفيان بن حسين: "ذكرت رجلًا بسوء عند إياس بن معاوية، فنظر في وجهي، وقال: أغزوت الروم؟ قلت: لا، قال: فالسند والهند والترك؟ قلت: لا، قال: أفتسلم منك الروم والسند والهند والترك، ولم يسلم منك أخوك المسلم؟! قال: فلم أعُد بعدها"؛ [البداية والنهاية لابن كثير: 13/121]. قال تعالى: ﴿ لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ﴾ [الحج: 53]. وقانا الله وإياكم علمًا لا ينفع، وقلبًا لا يخشع، ونفسًا لا تشبع، ودعوة لا تُسمع.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |