متى تزداد الطيبة في القلوب؟
شعيب ناصري
بسم الله الرحمن الرحيم، وأما بعد:
فإن الجواب عن هذا السؤال يحتاج إلى تفصيل، فإن الزيادة في الخير لا تكون إلا من آثار الخير نفسه، وطيبة القلب هي منبع الخير في الإنسانية كلها، ولا يتراحم الناس فيما بينهم إلا إذا كانت القلوب تعرف طريق الخير، وطريق الخير على حقيقته هو الإسلام الصحيح الذي جاء به النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ودعا أمته إليه لقبوله أولًا، ثم العمل به اعتقادًا وقولًا وفعلًا، فيكون أول ما يزيد القلب طيبة محبة الله عز وجل، وهذه المحبة تكون في طاعته فيما أمر ونهى، ثم محبة دينه؛ ألا وهو الإسلام، ولا تتم هذه المحبة إلا بكراهية الكفر والشرك وأهلهما، وكذلك كراهية المعصية والبدع، وإن وقع فيها، ثم محبة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهذه المحبة تكون في اتِّباع سُنَّته ودراسة سيرته، والصلاة عليه، والإكثار منها، ومحبة الأنبياء والرُّسُل عليهم السلام كلهم هي جزء من محبة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ثم محبة الملائكة، وهذه المحبة تُثْمر قوة الإيمان بهم، فيستحي المسلم في خلواته منهم، فيمنع نفسه من الوقوع في الذنوب، ثم محبة الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وأهل بيت النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وهذه المحبة لا تتم إلا بالدفاع عنهم وبُغْض من يشتمهم، ثم محبة العلماء الثقات، فهم ورثة الأنبياء في العلم، فقد أدوا الأمانة، ونشروا التوحيد دون خيانة، ثم محبة الصالحين من المسلمين، فهم أهلٌ للاقتداء في كل ما هو خير، ثم محبة الوالدين، ورأس هذه المحبة هي الإحسان لهما في حياتهما، والدعاء لهما بعد موتهما، إن كانوا من المسلمين، ومن ثمار هذه المحبة عامة هي لين القلب كما يلين الحديد من أثر النار، ثم إن القلب يزداد طيبة عند قراءة القرآن الكريم كل يوم، وعند ذِكْر الله عز وجل في كل ساعة، والرضا بأقدار الله، والقناعة بما يملك وبما لا يملك، وترويض النفس على الصبر، ودعوة الناس إلى الخير من باب النصيحة، ومن ثمارهم هو أن القلب هنا سيستعد لقبول الحق مهما كان، وبعد كل هذه الأسباب على المسلم أن يُطهِّر قلبه من الحسد، وأن يُحب للناس ما يحب لنفسه، وأن يتمنَّى لهم الخير كما يتمنَّاه لنفسه، وأن يدعو لإخوانه المسلمين في السر بالبركة في أرزاقهم والنصر على أعدائهم، والدعاء لهم بالهداية لمن وقع في ذنب، وأن يدعو لهم بما يحتاجون إليه في دنياهم، وأن يفرح بأفراحهم ونجاحهم، وأن يحزن بأحزانهم، وأن يكون عونًا لهم في حاجاتهم، وأن ينصر المظلوم ولو بكلمة حق، وأن يشعر بآلامهم، فهذه الصفات هي من كمال الإنسانية، والمسلم أوْلَى بها من غيره؛ لأن الإسلام هو الذي حثَّنا عليها، فهذه المرتبة هي التي تجعل من القلب أن يكون طيبًا بين قومه، لا غِل فيه ولا حِقد، فيلينُ القلب أولًا، ثم يستعد لقبول الحق، وبعد ذلك يكون طيِّب المنال، مُسْتشرق الآمال، في أعلى قمة للجمال، ولا يتم له الكمال إلا بالمرتبة الرابعة؛ ألا وهي الإخلاص لله ربِّ العالمين، في كل صغير وكبير، مع النية الطيبة في تعاملاته تُجاه الآخرين، وحُسْن ظنه بخالقه، وتوكُّله عليه في كل شيء، مع الإكثار من النوافل والسُّنَن، وطلب العلم الشرعي حتى يتمكَّن منه، فهنا سيُصْبح القلب "أبيض مثل الصفا"، كما ثبت في السُّنَّة، واعلم أن حلاوة القلب تكون في صِدْقه عند الإقبال على الله عز وجل، وتكون في حُسْن النية في تعاملاته مع الآخرين، فهذا هو القلب الذي يبحث عنه كل مسلم في هذه الحياة لمن أراد أن يعيش حقيقة الإيمان في دُنْياه، وأنا أقصد عندما يلينُ القلب، ثم يتقبَّل الحق مهما كان، ثم يكون طيِّب الاعتقاد، طيِّب الروح، طيِّب النفس، طيِّب التفكير، طيِّب النية، ثم يكون أبيض كالحليب، وحلاوته كالعسل، فينفع نفسه، وينفع غيره من الناس، في أمر دينهم ودنياهم، ويُذكِّرهم باليوم الذي لا تنفع فيه أموالهم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.