|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() فوائد الابتلاء بالمرض أحمد بن عبدالله الحزيمي الحمد لله مُولي الإنعام، وشافي الأسقام، والباقي على الدوام، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملكُ القدوس السلام، ونشهد أن نبينا محمدًا عبدالله ورسوله سيد الأنام، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان؛ أما بعد: فاتقوا الله عباد الله حقَّ تقواه؛ قال سبحانه: ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [يونس: 62 - 64]. معاشر المسلمين: إن من أعظم النِّعم التي يغفُل عنها كثير من الناس، ويقصِّرون في شكرها، نعمةً لا يعرف قدرها إلا من حُرمها، ولا يشعر بها حقًّا إلا من ذاق ألمَ الفقد؛ إنها نعمة الصحة والعافية. نعمة عظيمة، لا يلتفت إليها الكثير في وقت السلامة، ولكنها تكون أثمنَ ما يُطلب حين تداهم الأبدانَ الأسقامُ، ويتقلب أصحابها على فُرش المرض في البيوت والمستشفيات، لا يشكون حالهم إلا إلى الله، ولا يعلم ألمهم إلا من ذاق وجعَ المرض، واحتمل مرارة الضعف، وبات محرومًا من لذة النوم، وطِيب الطعام والشراب، خصوصًا من كانت أمراضهم خطيرة، كمن ابتُلوا بالأورام والجلطات والأمراض النفسية الشديدة، أو من أُصيب بقطع طرفٍ منه، أو المقعدين عن الحركة، وغير ذلك من الأمراض، شفى الله الجميع. أيها المؤمنون: كم من مريضٍ كان بالأمس يرفل بثوب الصحة، يأكل ويشرب، ويعمل ويكد، ويذهب ويجيء حيث شاء، ثم إذا به اليوم يشكو ضعفًا وعجزًا، ويتمنى من أعماقه أن يعود كما كان، آلام وأوجاع، مواعيد وعلاجات، تنويم في البيوت والمستشفيات، فالحمد لله على قضائه وقدره، والشكر له في السراء والضراء. أيها المسلمون: المرض بلاء لا يسلَم منه أحد، حتى صفوة الخلق رسل الله عز وجل وأنبياؤه ابتلوا بهذا ابتلاءً عظيمًا؛ لأن هذا من مقتضيات الطبيعة البشرية؛ فالبشر معرَّضون للمرض، فأجسامهم ضعيفة، وقوتهم محدودة، يُضعفها ويُذهبها أدنى سبب وأقل سبب. لكن الحقيقة - أيها الأحباب - أن هذه الأمراض تحمل في طيَّاتها منحًا وهِباتٍ، وفيها هدايا وأعطيات، قد لا يتصورها كثير من الناس، الغالب في الناس أنهم ينظرون إلى هذا الابتلاء من الجانب المظلم فقط، بينما لو نظروا إلى الجانب المشرق فيها، لوجدوا أن الخير الذي فيها أعظمُ من الشر والبلاء الذي فيها. تعالَوا - أيها الأحباب - لنتعرف على شيء من هذه البركات، ومن هذه الخيرات الموجودة في طيات هذا الابتلاء. معاشر المؤمنون: وبعد أن أحصى الإمام ابن القيم أكثر من مائة فائدة للمرض؛ قال: "وانتفاع القلب والروح بالآلام والأمراض، أمر لا يُحِس به إلا من فيه حياة، فصحة القلوب والأرواح موقوفة على آلام الأبدان ومشاقِّها". عباد الله: المؤمن المخلص يؤمن يقينًا أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن كل المصائب هي بتقدير الله سبحانه وتعالى؛ كما قال الله تعالى: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [التغابن: 11]. قد يكون المرض اصطفاءً وعلامةَ خير للعبد، ودليلَ حب الله تعالى له؛ كما في صحيح مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عجبًا لأمر المؤمن؛ إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سرَّاء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له))، وفي صحيح البخاري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من يُرِدِ الله به خيرًا، يصِب منه)). والأمراض والأوجاع - أيها الإخوة - باب من أبواب الأجر، ومطهرة من الذنوب، ورافعة للدرجات؛ يقول صلى الله عليه وسلم: ((ما يصيب المسلم من نصَبٍ ولا وصب، ولا همٍّ ولا حزن، ولا أذًى ولا غم، حتى الشوكةُ يُشاكها، إلا كفَّر الله بها من خطاياه))، فإن من الناس من له ذنوب، وليس له ما يكفِّرها؛ فيبتليه الله بالمرض لتصفيته وتنقيته من الذنوب، إن صبر واحتسب ذلك عند الله تعالى؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله، حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة)). بل تأملوا هذا الموقف النبويَّ العظيم، حين دخل صلى الله عليه ذات مرة على أم السائب وهي تشتكي من الحمَّى؛ فقال لها صلى الله عليه وسلم: ((ما لكِ يا أم السائب ترفرفين؟ - أي ترتعدين من البرد - قالت: الحمى لا بارك الله فيها، فقال صلى الله عليه وسلم: لا تسُبِّي الحُمَّى؛ فإنها تُذهب خطايا ابن آدم، كما يُذهب الكير خبَث الحديد)). وانظروا إلى عِظم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ود أهل العافية يوم القيامة حين يُعطى أهل البلاء الثوابَ، لو أن جلودهم كانت قُرضت في الدنيا بالمقاريض)). إخوة الإسلام، هناك من الناس من كتب الله تعالى له منـزلةً عظيمةً في الجنة، ولكنه لم يصِلها بعمله، فعندها يأتي المرض رحمةً من رب العالمين، ليصل بسببه إلى تلك المنزلة العظيمة؛ قال عليه الصلاة والسلام: ((إن العبد إذا سبقت له من الله منـزلة لم يبلغها بعمله، ابتلاه الله في جسده، أو في ماله، أو في ولده، ثم صبَّره على ذلك حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له من الله تعالى))؛ [رواه أبو داود، وصححه الألباني]. وهنا قد يتبين لنا بعض الحِكم في مرضِ كثير من المسلمين في آخر حياتهم. من فوائد المرض أيها الأحباب: أنه قد يكون تعجيلًا للعقوبة في الدنيا قبل الآخرة، عاد النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا من الصحابة كان مريضًا ومعه أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الصحابي: ((أبشِر؛ فإن الله تعالى يقول: هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن في الدنيا، لتكون حظه من النار يوم القيامة)). ومن فوائد المرض أنه فرصة لزيادة حسنات أهله، وممن يقومون بخدمته ورعايته، لمَّا مرِضت بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمر النبي صلى الله عليه وسلم زوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه أن يبقى عندها ليمرضها، وتخلف عن معركة بدر؛ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن لك أجرَ رجل ممن شهد بدرًا وسهمه))؛ [رواه البخاري]. ومُرافِق المريض لا بد أن يتصف بالصبر والاحتساب؛ لِما يتكبد من مشقة في سهره، ومراقبته وملاطفته للمريض؛ والله تعالى يقول: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10]، وأما أصحابه وذووه، ممن يسألون عنه، ويعودونه في مرضه، فلهم من الأجور العظيمة ما لا يعلمها إلا الله؛ ففي صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم: ((إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم، لم يزل في خُرْفَةِ الجنة حتى يرجع، قيل: يا رسول الله، ما خرفة الجنة؟ قال: جَنَاها))، بل ويعتب سبحانه على من ترك عيادة المريض؛ كما جاء في الحديث: ((إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يا بن آدم، مرضتُ فلم تعُدني، قال: يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟! قال: أمَا علمت أن عبدي فلانًا مرِض فلم تعُده؟ أمَا علمتَ أنك لو عدته لوجدتني عنده؟...)). ومن عجائب المرض - عباد الله - أن صاحبه تُكتب له جميع أعماله التي كان يعملها وهو صحيح، فتستمر حسناته على ما كان يعمل وهو معافًى لا ينقص منها شيء؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا مرِض العبد أو سافر، كُتب له من الأجر مثل ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا)). نسأل الله العظيم، رب العرش الكريم، أن يشفي مرضانا ومرضاكم، وأن يمُنَّ علينا وعليكم بالعافية؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه. أقول قولي هذا، وأستغفر الله. الخطبة الثانية الحمد لله الذي جعل المرض كفارةً للذنوب، ورفعًا للدرجات، ونشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد أيها الكرام:فاعلموا أن المرض يكشف للعبد حقيقته، ويُذهب عنه الغرور والعُجب، والتعاظم والغطرسة، ويذكِّره بضعفه وافتقاره إلى ربه، فلو دامت الصحة لأحد لطغى وتكبَّر، ولكن الله جل جلاله يبتلي عباده ليذكِّرهم أنهم لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًّا، ولا حياةً ولا نشورًا. أيها الإخوة الكرام: يأتي المرض فيذكِّر العبد بذنوبه؛ ليتوب منها ويرجع، الناس في الدنيا منهمكون فيها، منشغلون بها، وربما كانوا بعيدين عن الله، فيأتي المرض ليكون سببًا لرجوعه إلى الله، والتجائه إليه، وانكساره بين يديه، والتوبة من الذنوب، وإعادة الحقوق إلى أصحابها؛ قال تعالى: ﴿ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ ﴾ [الأنعام: 42]. إن المرض - أيها الأحباب - يهذِّب النفس، يهذب القلب، يربي الإنسان، يُشعره بضعفه، يشعره بفقره وحاجاته، الدنيا قد تطغيه، الصحة قد تنسيه، المشاغل قد تُوقعه في الغفلة، فيأتي المرض؛ ليذكِّره بأنه عبدٌ ضعيف، محتاج إلى الله سبحانه وتعالى، أمره بيد الله، وشفاؤه وعافيته بيد الله، تُسد أمامه الأبواب فلا يجد بابًا مفتوحًا إلا باب الله، ولا ملتجأ إلا إلى الكريم الرحيم سبحانه وتعالى: ﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾ [الشعراء: 80]. وكما يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى: "مصيبة تُقبل بها على الله، خير لك من نعمة تنسيك ذكر الله". اللهم إنا نسألك العافية في أبداننا، اللهم إنا نسألك العافية في سمعنا، اللهم إنا نسألك العافية في أبصارنا، لا إله إلا أنت. صلوا وسلموا...
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |