الغضب من لهيب النيران - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حقيقة الدين الغائبة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          وتفقد الطير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          نحوَ عربيةٍ خالصةٍ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          ما ظننتم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          الخوارج تاريخ وعقيدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 19 - عددالزوار : 155 )           »          قناديلٌ من نور على صفحةِ البريد الخاص (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          ظُلْمُ الْعِبَاد سَبَبُ خراب البلاد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          شخصية المسلم مع مجتمعه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 9 )           »          ومن رباط الخيل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصور والغرائب والقصص > ملتقى القصة والعبرة
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القصة والعبرة قصص واقعية هادفة ومؤثرة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم اليوم, 09:58 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,475
الدولة : Egypt
افتراضي الغضب من لهيب النيران

الغضبْ من لهيب النيران

شعيب ناصري
أما بعد:
فقد قال بعضهم: (الغضب ضد العقل)، وهذه حقيقة؛ فالغضب عبارة عن جمر، والعقل عبارة عن جوهر، والجوهر لا يصلح إذا وقع في الجمر، فتذهب منافعه؛ فكذلك العقل لا يصلح إذا اشتد الغضب، فالغضب باب لكل شر، ولهيب النيران على لسان الإنسان، ومنبع هذه النيران على قسمين؛ وهما: الغضب، والقلق، والفرق بينهما هو أن الغضب عبارة عن شدة الانفعال، وأما القلق فهو توتر مع انزعاج، ومنه ما يظهر على الوجه بعلامات أو دون ظهور لها، فقد يكون هناك كتمان للقلق، وأما الغضب فتظهر علاماته مباشرة ولا يستطيع كتمانه، ويكون برد الاعتبار، إما بالصراخ أو الضرب أو السب...؛ إلخ، وهناك من يكتمه وهم قلة بين الناس، وأما عن الصراخ فهو نوع من التعصب، وأكثره يكون بعد الغضب، وأما القلق فلا يكون بهذه الصفات، وإن كانت فهو غضب، وليس قلقًا، فالغضب يزيد وينقص، وكذلك القلق، وزيادة القلق تكون من الخوف والوساوس، وأما الغضب فزيادته هي عند مواصلة الصراع مع شخص دون تراجع؛ وقد قال ذو النون: "والخوف يقلق"؛ [الحياء للشيخ جار الله رحمه الله، ص (34)].

إذًا فالقلق مصدره الخوف، فإما من شخص ما، أو الخوف من المستقبل، وغيره من المخاوف والقلق يجعل من ضغط السكر يرتفع أكثر فيُصاب به؛ وقد قال تعالى: ﴿ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 7]، وهذا لتخفيف الألم الداخلي كالقلق، فهو داء القلوب، وأما الغضب فهو نوع من الجنون؛ لأنه يسبِّب تغير أحوال الشخص فجأة، والغضب يتنوع من شخص لآخر فهو درجات مئوية، فالقلق متعلق بالقلب، والغضب متعلق بالنفس؛ ولهذا أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ((لا تغضب))؛ [رواه البخاري]؛ لأن الغضب يخلف نتائج سلبية؛ كالقتل والطلاق والعنف، وقطع الرحم، وهجر الناس؛ إلخ، والنميمة ونقل الأخبار هنا وهناك، فهي أحد أسباب داء الغضب، فالغضب كالقنبلة في النفس، إذا انفجر دمر كل الجهود الإيمانية والبذور الإسلامية، والغضب منه نوعان؛ غضب من أمور الدين، وغضب من أمور الدنيا؛ فالأول كالغضب ممن يستهزئ بالدين، والغضب لضياع الحقوق وكثرة الظلم؛ إلخ، فهذا يحتاج إلى حكمة وعلم؛ وقد قال تعالى: ﴿ وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ ﴾ [الأعراف: 154]، فالغضب يسكت وينطق بدليل هذه الآية، عكس القلق فلا ينطق، وهذا الغضب هو على دين الله عز وجل؛ قال الشيخ ابن ناصر السعدي رحمه الله: "أي: سكن غضبه وتراجعت نفسه وعرف ما هو فيه، اشتغل بأهم الأشياء عنده"؛ [تيسير الكريم الرحمن ص (282)]، والسكون في المعجم العربي هو "الطمأنينة"، وقد قال أبو سعيد: "إذا رأيتم الرجل يغضب لنفسه ويرضى لنفسه، فاستعينوا عليه بسوء الظن"؛ [النوادر والنتف للأصبهاني ص (82)]، وهذا نوع من الغضب على أمور الدنيا مثل المال والعمل؛ إلخ، وهذا يحتاج إلى بصيرة وأدب حتى لا يقع فيه؛ لأن الغضب لا يكون إلا من باب التسرع والاستعجال في الأمور.

فإن الغضب في النفس كالبركان الثائر، ومن أجمل ما قاله الإمام ابن القيم رحمه الله في حديث إبليس إلى جنوده وأعوانه فيقول لهم: "فزوجوه بين غضبه وشهوته، وامزجوا أحدهما بالآخر، وادعوه إلى الشهوة من باب الغضب، وإلى الغضب من طريق الشهوة"؛ [الداء والدواء له ص (240)]؛ أي: إن غضب ذهب وشرب الخمر، وإذا ذهب إلى الشهوة والمعصية، وجد من يغضبه حتى يشتد غضبه، فإذا كان سكيرًا في تلك اللحظة فقد يقتل دون أن يشعر، فكم من جريمة قتلٍ كان سببها الخمر ومجالس القمار والزنا! ثم قال رحمه الله: "اعلموا أن الغضب جمرة في قلب ابن آدم، والشهوة نار تثور من قلبه"؛ [المصدر السابق ص (241)]، فإن الذين يقدمون على القتل العمد بنسبة خمسين بالمائة منهم تكون لهم سيرة طيبة مع الناس، والغضب هو ما أوقعهم في ذلك؛ وقد صدق من قال: (الغضب قاتل صاحبه)؛ أي: يقتل فيه الرحمة، ويقتل فيه الحياء، ويقتل فيه الإنسانية، وهذا طبعًا إن كان سريع الغضب باستمرار، بشكل دائم، وليس من يغضب مرة على مرة، وإن كان الغضب كله يُذم ولا يُمدح؛ وقد قال أحدهم: "إذا لم يغضب الرجل لم يحلم؛ لأن الحليم لا يُعرف إلا عند الغضب"، وهنا الغضب الذي ينزل لمستوى القلق فلا يظهر على صاحبه، وهذا لا يكون إلا لمن استطاع التحكم في غضبه قولًا وفعلًا؛ ولهذا يقول بعضهم: (فالعصبية ممقوتة والمحافظة مطلوبة)؛ أي: المحافظة على الهدوء والمواقف، وقد قال أحدهم: (الغضب يؤثر على القدرة على تقييم الأمور بشكل صحيح)؛ [حكم ومواعظ للأستاذ رميته ص (17)]، وقال آخر: (العاصفة تستطيع أن تدمر سفينة، ولكنها لا تستطيع أن تحل عقدة خيط واحد، وهكذا الغضب يدمر، ولكنه لا يقدم حلولًا)؛ [المصدر السابق]، فالغضب له أضرار لا يحس بها المرء حتى يجد نفسه منهزمًا تمامًا؛ ففي البداية يظهر الغضب من باب الشجاعة، لكن النهاية تكون أحزانًا لصاحبه يصحبها الندم، فحقيقة الغضب عند كل إنسان فرصة لإبليس مثل ضربة الجزاء في كرة القدم، فإن تحكم الإنسان في غضبه، ضيَّع إبليس هذه الفرصة، وإن لم يتحكم فيه سجل إبليس الهدف وهو خسارتك أنت، إما بمنصب عملٍ أو شخص كان عزيزًا عليك، أو مالٍ أو أملاك؛ إلخ، فتجد الكثير من الناس عند الغضب يحب الصراخ أي بإخراج الصوت بكل قوة، لكن الحقيقة هو أن الصراخ ليس رجولة أبدًا؛ لأن الرجولة هي السيطرة على النفس في وقت الشدة، والصبر على مشقة الألم ومرارة الحزن، ومنهم إذا غضب ذهب مباشرة إلى سب اسم الجلالة، والله المستعان.

وقد قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله فيمن يسب الله أو رسوله أو دينه: "أما من فعل ذلك غاضبًا وهو لم يمتلك نفسه، ولا يدري ما يقول، فإنه لا يكفر؛ لأنه لا اعتداد بقوله بل هو في حكم المجنون"، ثم قال: "ولكن ينبغي عليه إذا أفاق وذهب عنه الغضب، أن يراجع نفسه ويستغفر الله تعالى، ويطهر لسانه من هذا الشيء القبيح، ويتعود ذكر الله تعالى والثناء عليه، فإذا تعود لسانه ذلك، فلن ينطق بالسباب ولو عند الغضب"؛ [المناهي اللفظية ص (81)]، وقد قال الشيخ ابن ناصر السعدي رحمه الله: "والغضب نتيجة فساد القصد"؛ [أمراض القلوب للشيخ جار الله رحمه الله ص (19)]، فالغضب يقتل القلب بنار الخذلان؛ وقد قال الإمام فخر الدين الرازي رحمه الله: (إذا عرفنا كون الإنسان سريع الغضب في كل شيء، عرفنا أنه لا يكون تام الفكر في الأمور؛ وذلك لأن قوة الغضب تدل على سخونة الدماغ، وهذه السخونة توجب تعذر إتمام الفكر"؛ [الفراسة له ص (23)]، فهذه كلها من سلبيات الغضب فهو ليس من صفات الرجال كما يعتقد البعض، ولعلاج داء الغضب لحظة الإحساس به، أولًا هو الأخذ بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال للذي يغضب: ((إني أعلم كلمة لو قالها، لذهب عنه ما يجد؛ لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ذهب عنه ما يجد))؛ [متفق عليه]، وقال أيضًا: ((إن الغضب جمرة في قلب ابن آدم، أمَا رأيتم من احمرار عينيه وانتفاخ أوداجه؟ فمن أحس بذلك فليتوضأ))؛ [رواه الترمذي وغيره]، وقال أيضًا ((إذا غضب أحدكم وهو قائم، فليجلس، فإذا ذهب عنه الغضب، وإلا فليضطجع))؛ [رواه أبو داود وأحمد]، ومعنى فليضطجع أي ينام، وقال أيضًا: ((إذا غضب أحدكم فليسكت))؛ [صحيح الجامع]، وهذا في لحظة الغضب، وهذه الوصفة النافعة في حالة الغضب، فبأيهما بدأ كان أحسن، فإن لم يذهب الغضب بالأولى، زاد عليها الوصفة الثانية ثم الثالثة ثم الرابعة، وهناك وصفة متعلقة بعلم النفس والتجارب الاجتماعية؛ ومنها الاغتسال أثناء الغضب؛ أي غسل البدن كله بالماء، فهذا إما أن يزيله أو يضعفه ويقلص منه، وهو موافق للسنة؛ حين قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((فليتوضأ))، ومنه أيضًا تغيير المكان الذي غضبت فيه، فإن غضبت في البيت، فاخرج للشارع، وإن غضبت في مكان ما فغيِّر المكان، ولكن هذا مقيد بشرط؛ وهو التعوذ من الشيطان الرجيم؛ لأن تغيير المكان وحده غير كافٍ، فقد رأينا من غضب في الشارع ودخل البيت بغضبه، فأخرج غضبه في وجه أهله، أو العكس، تجده يغضب في البيت ويخرج للشارع، ثم يواجه الناس بغضه ذاك، والله المستعان، وهناك تجربة اجتماعية؛ وهي الذهاب إلى الأكل أو شرب الماء أو العصائر؛ لأن الطعام هنا قد يخمد نار الغضب، ولا يذهب للأطعمة أو المشروبات الساخنة، فتزيده سخونة تجاه الغضب، وهذه النصيحة مقيدة بشرط التعوذ من الشيطان الرجيم أيضًا، وأخيرًا قراءة الحِكم لأنها تساهم في برودة نار الغضب، وهي مقيدة أيضًا بالتعوذ من الشيطان الرجيم، وللعلم أن الغضب هو صفة ثابتة لله عز وجل لا يشبه غضب المخلوقين، وهذا الغضب يليق بجلاله سبحانه وتعالى؛ وهذا لقوله صلى الله عليه وسلم: ((... وصدقة السر تطفئ غضب الرب))؛ [صحيح الجامع]، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 52.27 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 50.60 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (3.19%)]