|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() نفحات...وأشواق محمد موسى واصف حسين الحمد لله الذي اطمأنَّتِ القلوب بذكره، ووجب على الخلائق جزيل حمده وشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فضله عظيم، ورحمته واسعة، وخيره عميم، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وقدوتنا محمدًا خاتم رسله، مَن خُلقه الكتاب، ورأيه الصواب، وقوله فصل الخطاب، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى الآل والأصحاب، ما هبَّت الرياح بالبشرى، وجرى بالخير السحاب؛ أما بعد، أيها الكرام: فها هي الأيام تمر لتهب علينا هذه النفحات العطِرات من تلك البقاع المقدَّسات، وما تحمله في طياتها من صور وذكريات، وما تبعثه في نفوسنا من حنين وأشواق، إلى بيت الله المعظَّم ومدينة نبيه صلى الله عليه وسلم، وتهيج قلوب المؤمنين، وتبعث العَبَرات عندما يدوي في الأرجاء صدى تلبية المُلبِّين: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك. إنها الاستجابة الطبيعية لنداء خليل الرحمن إبراهيم؛ الذي تحدث عنه القرآن الكريم: ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾ [الحج: 27]. قال ابن كثير في تفسيرها: "أي: نادِ في الناس داعيًا لهم إلى الحج إلى البيت الذي أمرناك ببنائه، فذكر أنه قال: يا ربِّ، كيف أبلغ الناس وصوتي لا ينفذهم؟ فقال: نادِ وعلينا البلاغ، فقام على مقامه، وقيل: على الحجر، وقيل: على الصفا، وقيل: على أبي قُبيس (جبل قريب من الكعبة)، وقال: يا أيها الناس، إن ربكم قد اتخذ بيتًا فحجُّوه، فيُقال: إن الجبال تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض، وأسمع من في الأرحام والأصلاب، وأجابه كل شيء سمِعه من حجر ومدَر وشجر، ومن كتب الله أنه يحج إلى يوم القيامة: لبيك اللهم لبيك". وهي كذلك من آثار استجابة الله لدعوته عليه السلام؛ حين قال: ﴿ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ﴾ [إبراهيم: 37]. وتلحظ في التعبير بـ "أفئدة" هنا إشارة إلى أن قلوب المؤمنين نحو البيت متوقدة بالمشاعر، متحرِّقة بالأشواق. وكذلك في تعبيره: "تهوي" إشارة إلى أنها عظيمة الميل إليه، لا تستطيع لمشاعرها هذه دفعًا، وكأنها تهوي؛ أي: تسقط لا يصدها شيء. وقد كان، فجعل الله قلوب خلقه إلى البيت توَّاقة، ونفوسهم إليه مشتاقة، ولمَ لا وهي أحب بلاد الله إلى الله، وأحب بلاد الله إلى رسوله؟ فلا تعجب أن تحنَّ إلى تلك البقاع روحُك، ويخفق من أجلها قلبك، بل وتهفو إليها ذرات جسمك؛ فاللهم لا تحرمنا حج بيتك، وزيارة نبيك عن قريب، يا قريبُ. يحن إلى أرض الحجاز فؤادي ![]() ويحدو اشتياقي نحو مكة حادي ![]() ولي أمل ما زال يسمو بهمة ![]() إلى البلدة الغرَّاء خير بلادِ ![]() بها كعبة الله التي طاف حولها ![]() عبادٌ هم لله خير عبادِ ![]() هو شوق عارم، وهو في الوقت ذاته حق لله لازم: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 97]. بل هو كما جاء في حديث نبينا الأمين، ركنٌ ركين من أركان ذلك الدين؛ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بُنِيَ الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان))؛ [أخرجه البخاري وغيره]. وقال رسول الله محذرًا لكل بخيل أو متكاسل، أو متباطئ متشاغل، فيما يرويه أبو سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يقول ربي تبارك وتعالى: إن عبدًا صححت له جسمه، وأوسعت عليه في رزقه، يأتي عليه خمس سنين لا يفِد إليَّ، لَمحرومٌ))؛ [صحيح ابن حبان]. فاعزم على الحج عامك القادمَ، وأعدَّ له العُدة من الآن، واعلم أنه في حقيقته زيادة في مالك لا نقصان؛ عن عبدالله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خَبَثَ الحديد، والذهب، والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة))؛ [سنن الترمذي]. وإلى أولئك الذين حنَّت قلوبهم للبيت ومنعهم العذر، أسلِّيهم وأسلي نفسي بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك؛ غزوة العسرة: ((إن بالمدينة لَرجالًا ما سِرتم مسيرًا، ولا قطعتم واديًا، إلا كانوا معكم؛ حبسهم المرض، وفي رواية: إلا شركوكم في الأجر))؛ [رواه مسلم]. وكما قال القائل: يا واصلين إلى المختار من مضر ![]() زرتم جسومًا وزرنا نحن أرواحا ![]() إنا أقمنا على عذر وعن قدر ![]() ومن أقام على عذر كمن راحا[1] ![]() الخطبة الثانية حمدًا لله، وصلى الله على رسول الله؛ أما بعد أيها الأحبة:فإني لأذكركم ونفسي بفضل ذلك اليوم الأغر؛ يوم عرفة، قالت عائشة رضي الله عنها: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من يوم أكثر من أن يُعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه لَيدنو، ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟))؛ [رواه مسلم]. فاغتنموه بالصيام، فقد صحَّ فيه قول خير الأنام عليه الصلاة والسلام: ((صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفِّر السنة التي قبله، والسنة التي بعده، وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله))؛ [رواه مسلم]. واغتنموه بالذكر والدعاء، واملؤوا قلوبكم بالثقة في الله والرجاء؛ فقد قال خاتم الأنبياء: ((خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير))؛ [مسند أحمد]. قال ابن المبارك: جئت إلى سفيان الثوري عشية عرفة، وهو جاثٍ على ركبتيه، وعيناه تهمُلان، فالتفت إليَّ، فقلت له: من أسوأ هذا الجمع حالًا؟ قال: الذي يظن أن الله لا يغفر لهم. ورُوِيَ عن الفضيل أنه نظر إلى نشيج الناس وبكائهم عشية عرفة، فقال: أرأيتم لو أن هؤلاء صاروا إلى رجل فسألوه دانقًا، يعني سدس درهم، أكان يردهم؟ قالوا: لا، قال: والله، لَلمغفرة عند الله أهون من إجابة رجل لهم بدانق. وإني لأدعو الله أسأل عفوه ![]() وأعلم أن الله يعفو ويغفرُ ![]() لئن أعظم الناس الذنوب فإنها ![]() وإن عظمت في رحمة الله تصغُرُ[2] ![]() [1] وفيَات الأعيان (1/ 169). [2] لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف ص500، ت: عوض الله.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |