لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         أصول بلا تأصيل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب (مطوية) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          حديث: سُئِلَ ابنُ عُمرَ عن صومِ عرفةَ بعرفةَ ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          الرزق ليس المال فقط! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          صور رائعة من المسارعة إلى الخيرات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          قيمنا في العشر من ذي الحجة: قيمة تعظيم شعائر الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          هل مع حب لذة المعصية توبة؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          التبصر والبصيرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          الإجازة الصيفية للأبناء .. خطة لتحويل القراءة إلى متعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          وقفات مع حجة النبي صلى الله عليه وسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصور والغرائب والقصص > ملتقى القصة والعبرة
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القصة والعبرة قصص واقعية هادفة ومؤثرة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 01-04-2024, 11:53 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,878
الدولة : Egypt
افتراضي لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة

لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة (1)



الرد على من زعم أن الجنة ليست حكرًا على المسلمين!

كتبه/ محمود أمين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد زعم أحد مقدمي البرامج: أن الجنة ليست حكرًا على المسلمين، وهي كلمة رددها أكثر من شخص في الآونة الأخيرة من المسارعين في إرضاء الغرب، وممَّن يروج للدعوة إلى الدين الإبراهيمي، ومع وضوح المسألة وكونها من القطعيات؛ إلا أنه كان لزامًا دحض هذه الشبهة، وبيان ما يشكل على البعض فيها.
والرد عليه يكون من خلال ثلاث مُسَلَّمَات:
الأولى: (لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة)، وهو نص حديث نبوي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ ولذلك فالقول بأن الجنة ليست حكرًا على المسلمين مصادم لنص هذا الحديث ومضاد له، وإن المرء ليتعجب! كيف ساغ للبعض أن يصادم النص الصريح إلى هذا الحدِّ؟!
فأما نص هذا الحديث، فقد جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَمَرَ بِلَالًا فَنَادَى بِالنَّاسِ: إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ) (متفق عليه).
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَسْنَدَ ظَهْرَهُ إِلَى قُبَّةِ أَدَمٍ، فَقَالَ: (أَلَا لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ، أَتُحِبُّونَ أَنَّكُمْ رُبُعُ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟) فَقُلْنَا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ : (أَتُحِبُّونَ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟) قَالُوا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: (إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، مَا أَنْتُمْ فِي سِوَاكُمْ مِنَ الْأُمَمِ إِلَّا كَالشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ فِي الثَّوْرِ الْأَبْيَضِ، أَوْ كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي الثَّوْرِ الْأَسْوَدِ).
وعند الترمذي عَنْ زَيْدِ بْنِ أُثَيْعٍ، قَالَ: "سَأَلْتُ عَلِيًّا: بِأَيِّ شَيْءٍ بُعِثْتَ؟ قَالَ: بِأَرْبَعٍ: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَلَا يَجْتَمِعُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُون َ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا، وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَهْدٌ فَعَهْدُهُ إِلَى مُدَّتِهِ، وَمَنْ لَا مُدَّةَ لَهُ فَأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ" (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
إذًا فأنت ترى أن هذا مِن قول النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد قاله في موضع البيان والإعلام في خطبته -صلى الله عليه وسلم- كما في رواية مسلم، وكان ذلك في مِنَى كما في الرواية التي في مسند أحمد: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمِنًى، وَهُوَ مُسْنِدٌ ظَهْرَهُ إِلَى قُبَّةٍ حَمْرَاءَ، قَالَ: (أَلَمْ تَرْضَوْا أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟) قُلْنَا: بَلَى. قَالَ : (أَلَمْ تَرْضَوْا أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟) قَالُوا: بَلَى. قَالَ: (وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَسَأُحَدِّثُكُ مْ عَنْ ذَلِكَ، عَنْ قِلَّةِ الْمُسْلِمِينَ فِي النَّاسِ يَوْمَئِذٍ: مَا هُمْ يَوْمَئِذٍ فِي النَّاسِ إِلَّا كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي الثَّوْرِ الْأَسْوَدِ، أَوْ كَالشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ فِي الثَّوْرِ الْأَبْيَضِ، وَلَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ) (رواه أحمد بسند صحيح).
وفي رواية مسلم أنه أشهدهم على الإبلاغ بذلك فقال: (اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ).
قال النووي -رحمه الله-: "معناه: أن التبليغ واجب عليَّ وقد بلغت فاشهد لي به".
وأمر بلالًا وعليًّا أن يناديا في الناس بذلك، وهاتان واقعتان مختلفتان فنداء بلال غير نداء علي؛ لأن نداء بلال بذلك كان في غزوة حنين، بينما كان نداء علي في الحَجَّة التي أمَّر فيها أبا بكر -رضي الله عنه- على الناس، وهذا ليعلم الناس جميعًا بذلك، وفيهم المشركون.
ونادى علي بذلك بصوت عالٍ حتى بح صوته كما في رواية النسائي قال: "فَكُنْتُ أُنَادِي حَتَّى صَحِلَ صَوْتِي" (رواه النسائي، وصححه الألباني). وصحل أي: بح صوته.
وجاء في رواية ابن ماجه: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خطب بذلك في الناس في حجة الوداع في خطبته أيام التشريق، فعن بِشْر بن سُحَيْمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ، فَقَالَ: (لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَإِنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ) (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني).
فهذه عدة مواضع مختلفة جاء فيها بيان النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك، منها خطبته في حجة الوداع في أيام التشريق، وأمر بلالًا أن ينادي بذلك في غزوة حنين، وأمر عليًّا أن ينادي بذلك سنة تسع في الحجة التي أمر فيها أبا بكر الصديق.
وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أرسل أبا بكر سنة تسع أميرًا على الناس في الحج، وكان المشركون إلى ذلك الوقت يحجون ويطوفون بالبيت عراة، فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا بكر أن يعلمهم بنبذ العهود، وأنه لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، وأنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن؛ فهذه كلمات أربعة أرسل بها أبا بكر ثم أتبعه عليًّا لينادي بنفس هذه الكلمات، فكان إذا عيي علي قام أبو بكر فنادى بها، كما في رواية الترمذي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "بَعَثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبَا بَكْرٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يُنَادِيَ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ عَلِيًّا، فَبَيْنَا أَبُو بَكْرٍ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ، إِذْ سَمِعَ رُغَاءَ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْقَصْوَاءِ، فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ فَزِعًا، فَظَنَّ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَإِذَا هُوَ عَلِيٌّ، فَدَفَعَ إِلَيْهِ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَأَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يُنَادِيَ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ، فَانْطَلَقَا فَحَجَّا، فَقَامَ عَلِيٌّ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ فَنَادَى: ذِمَّةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بَرِيئَةٌ مِنْ كُلِّ مُشْرِكٍ، فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَلَا يَحُجَّنَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفَنَّ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مُؤْمِنٌ". وَكَانَ عَلِيٌّ يُنَادِي، فَإِذَا عَيِيَ قَامَ أَبُو بَكْرٍ فَنَادَى بِهَا. (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
وبهذا نعلم أن هذا النداء أمر به أبو بكر أيضًا قبل علي، وأن النداء بأنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة نودي به في الحج سنة تسع، ونادى به أبو بكر وعلي، وفي الحج سنة عشر خطبهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك في حجة الوداع في خطبته أيام التشريق، وتكرار النداء به في الحج لعامين سنة تسع وسنة عشر في آخر حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- يدل على تأكيده وأهميته.
ومعلوم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خص في خطبته في حجة الوداع الحديث عن أهم الأمور التي تحتاجها الأمة بعد وفاته، كما أن تكرار النداء به في الحج يدل على أن المقصود إعلام الجميع بذلك، والمراد بقوله -صلى الله عليه وسلم-: (نفس مسلمة) أي: مؤمنة، كما هو مفسَّر بالرواية الأخرى في مسلم: (يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، اذْهَبْ، فَنَادِ فِي النَّاسِ: أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ) قَالَ: فَخَرَجْتُ، فَنَادَيْتُ: "أَلَا إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ" (رواه مسلم). وفي رواية عند النسائي: (إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُؤْمِنَةٌ)، وكذلك في مسند أحمد.
فمَن لم يؤمن بالله ربًّا وإلهًا لا شريك له، لا يدخل الجنة؛ فأهل الجنة هم أهل التوحيد، وهم أهل لا إله إلا الله، وأما مَن عَبَد غير الله أو جعل معه شركاء؛ فهو مشرك لا يدخل الجنة.
ومن الإيمان بالله: الإيمان برسله، وكتبه؛ ولذلك مَن كفر بالأنبياء كفر بالله الذي أرسلهم، ومَن كفر بما أنزل الله من الكتب، كفر بالله -سبحانه وتعالى-.
ولذلك حكم الله في القرآن بكفر اليهود لما كفروا بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، مع معرفتهم به وإخبار كتبهم بصفته، فقال -سبحانه وتعالى- عنهم: (*وَلَمَّا *جَاءَهُمْ *رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) (البقرة: 101).
قال ابن جرير الطبري: "فأخبر الله -جل ثناؤه- أن اليهود لما جاءهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الله بتصديق ما في أيديهم من التوراة، أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- نبي لله، (نَبَذَ فَرِيقٌ) يعني بذلك: أنهم جحدوه ورفضوه بعد أن كانوا به مقرين، حسدًا منهم له وبغيًا عليه" (تفسير الطبري).
وقال -سبحانه وتعالى-: (*وَلَمَّا *جَاءَهُمْ *كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ) (البقرة: 89).
قال ابن جرير الطبري: "ولما جاء اليهود من بني إسرائيل الذين وصف -جل ثناؤه- صفتهم- (*كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) يعني بـ"الكتاب" القرآن الذي أنزله الله على محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، (مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ) يعني مصدق للذي معهم من الكتب التي أنزلها الله من قبل القرآن" (تفسير الطبري).
فحكم الله عليهم بالكفر لما كفروا بمحمدٍ -صلى الله عليه وسلم- وبالقرآن فقال: (فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ).
قال ابن جرير الطبري: "فخزي الله وإبعاده على الجاحدين ما قد عرفوا من الحق عليهم لله ولأنبيائه، المنكرين لما قد ثبت عندهم صحته من نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم-. وفي إخبار الله -عز وجل- عن اليهود بما أخبر الله عنهم بقوله: (فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ)، البيان الواضح أنهم تعمدوا الكفر بمحمدٍ -صلى الله عليه وسلم- بعد قيام الحجة بنبوته عليهم، وقطع الله عذرهم بأنه رسوله إليهم" (تفسير الطبري).
كما أن عيسى -عليه السلام- بَشَّر بالنبي -صلى الله عليه وسلم- ودعا إلى الإيمان به، كما في قوله -تعالى-: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي *مِنْ *بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ) (الصف: 6).
وقد حكم الله في كتابه بكفر النصارى؛ لأنهم قالوا: إن الله هو المسيح ابن مريم، كما قال -تعالى- عنهم: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا *إِنَّ *اللَّهَ *هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) (المائدة: 72).
نقول هذا؛ حتى لا يدعي بعض أهل الزيغ والضلال أنه قد يكون أهل ملة أخرى في زماننا غير ملة الإسلام مؤمنين؛ لأنه معلوم أن كل الملل الأخرى لا تعبد الله وحده، بل إما تعبد غيره، أو أنهم يكفرون بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وبالقرآن، أو كلاهما معًا، وكل هذا من الكفر بالله -عز وجل-، ولا يسمى صاحبه مؤمنًا؛ ولذلك لا يصح أن يقال: "الجنة ليست حكرًا على المسلمين!"، ويقصد بذلك الملل الأخرى في زماننا؛ لأن كل الملل الأخرى غير الإسلام في زماننا على الشرك، ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة.
وأما قبل بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد كان هناك مؤمنون على التوحيد لا يعبدون إلا الله وحده، وهم أتباع الأنبياء: كأتباع موسى -عليه السلام- قبل تحريف التوراة، وأتباع عيسى -عليه السلام- قبل تحريف الإنجيل، فهؤلاء المؤمنون من أهل الكتاب قبل بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وغيرهم من أهل التوحيد سيدخلون الجنة؛ ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث السابق الذي عند مسلم: (إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ)؛ فدلَّ على أن أمة النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يدخلون الجنة وحدهم، بل يدخل الجنة أيضًا كلُّ مَن كان على التوحيد والإيمان مِن الأمم قبلهم، وإن كانت أمة النبي -صلى الله عليه وسلم- أكثر أهل الجنة عددًا.
وأما بعد بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- فلا يصح أن يدعي أحدٌ أنه متبع لنبي سابق؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- بُعِث إلى الناس كافة، وشريعته ملزمة لجميع الثقلين إلى يوم القيامة.
ولكن حتى قبل بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يصح أن يقال: "الجنة ليست حكرًا على المسلمين!"؛ لأن الإسلام هو دين جميع الأنبياء والمرسلين، وهو الدين المقبول عند الله وجميع الأنبياء جاءوا بالإسلام؛ لأن الإسلام هو إسلام الوجه لله، والخضوع والاستسلام، وعبادة الله وحده لا شريك له، فكل مَن يدخل الجنة هم أهل التوحيد وهم مسلمون (وهذه هي المسلمة الثانية، وسيأتي تفصيلها في مقال قادم -بإذن الله-).
ومن هنا تعلم أن قول مَن قال: "الجنة ليست حكرًا على المسلمين!" خطأ بإطلاق؛ سواء قبل بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو بعد بعثته؛ لأن الإسلام هو دين جميع الأنبياء والمرسلين.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 24-05-2024 الساعة 04:58 AM.
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 24-05-2024, 04:58 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,878
الدولة : Egypt
افتراضي رد: لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة

لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة (٢)



الرد على من زعم أن الجنة ليست حكرًا على المسلمين

كتبه/ محمود أمين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد تكلمنا في المقال السابق أن مسألة عدم دخول الجنة لغير المسلمين مسألة قطعية لا خلاف فيها، وأن مَن يدعي أن الجنة ليست حكرًا على المسلمين يرد عليه بثلاث مُسَلَّمَات قطعية لا يصح الخلاف فيها.
وذكرنا أول مسلمة وهي: (أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة)، وهي نص نبوي جاء في صحيح البخاري ومسلم، وكتب السنن والمسانيد، وأن دلالة هذا الحديث قطعية؛ لعدة أمور:
?- أنه جاء بصيغة النفي والاستثناء، وهي تفيد الحصر والقصر، فتفيد أنه لا يدخل الجنة غيرهم.
?- أنه جاء في صحيح البخاري ومسلم بعدة أسانيد وروايات مختلفة، كما أنه جاء في كتب السنن والمسانيد؛ فهو في أعلى درجات الصحة.
?- أنه بيان من السنة القولية من قول النبي -صلى الله عليه وسلم-.
?- أنه تكرر في مواضع وأوقات مختلفة.
?- أنه كان في خطبة وجمع من الناس، وفي بعضها أنه كان في حجة الوداع في أيام التشريق.
?- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد أن بلَّغ بذلك أكد عليه، فقال: (اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ) (رواه مسلم).
?- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بلالًا وعمر وعليًّا وأبا بكر، أن ينادوا بذلك كما جاء في الأحاديث في أوقات ووقائع مختلفة.
?- أن نداء علي كان في الحج في مجمع كبير من الناس، وفي حضور المشركين.
?- أن عليًّا نادي في الناس بذلك بأعلى صوته حتى بح صوته من النداء، وكان أبو بكر الصديق إذا عيَّ -أي: تعب- عليٌّ مِن النداء، نادى هو.
وذكر النووي أن هذا الحديث نص في أنه لا يدخل الجنة كافر، ونقل الإجماع على ذلك، فقال: "هَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ لَا يَدْخُلِ الْجَنَّةَ أَصْلًا وَهَذَا النَّصُّ عَلَى عُمُومِهِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ" (شرح النووي على مسلم).
ومن المسائل التي يلبِّس بها البعض على الناس في هذه المسألة، مسألة اتباع غير المسلمين لأنبياء ورسل آخرين غير النبي -صلى الله عليه وسلم- وإيمانهم بكتب خاصة بهم: كالتوراة، والإنجيل، ومِن ثَمَّ يزعم أنهم مؤمنون، والبعض ربما استدل على ذلك بقوله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ ‌هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة: 62).
ولذلك سنبيِّن أولًا مسألة الإيمان بالرسل والكتب، ثم نذكر كلام أهل العلم في معنى الآية.
أولًا: الفهم الصحيح لقضية الإيمان بالرسل والكتب:
مسألة الإيمان بالرسل والكتب والشرائع -كما هو معلوم لكل طالب علم، بل لكل مسلم- على نوعين:
الأول: قبل بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فكان كل رسول يبعث إلى قومه خاصة وكل الرسل جاءوا بعقيدة واحدة، وهي "اعبدوا الله ما لكم من إله غيره"، فجميعهم جاء بعقيدة التوحيد: "لا إله إلا الله".
وأما الشرائع؛ فقد اختلفت شرائعهم كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ) (رواه البخاري).
والعلات: جمع عَلَّة وهي الضَّرة، وبنو العلات: الإخوة من أب واحد وأمهاتهم مختلفة، والمراد: أن أصل دين الأنبياء واحد وإن كانت شرائعهم مختلفة.
وبالتالي فقبل بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- مَن بلغه دعوة نبي يلزمه أن يؤمن بالله ويدخل في دعوة التوحيد، وأما الشريعة فلا تلزمه إلا إذا كان من قوم النبي الذي جاء بهذه الشريعة.
الثاني: بعد بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فكان من خصائصه -صلى الله عليه وسلم- أنه بعث إلى الناس عامة، وبالتالي أصبحت شريعته ملزمة لجميع الخلق إلى يوم القيامة، ونسخت شريعته الشرائع السابقة؛ قال -تعالى-: (قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ ‌إِلَيْكُمْ ‌جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (الأعراف: 158)، وقال -تعالى-: (‌وَمَا ‌أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (سبأ: 28).
وبالتالي فلا يسع أحدًا ألا يؤمن بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، أو يترك اتباع شريعته، ولا يسع أحدًا أن يكذب بالقرآن، أو أن يترك العمل بما فيه، ولو كان من أتباع نبي سابق؛ لأن شريعة الإسلام الخاتمة التي بعث بها النبي -صلى الله عليه وسلم- نسخت ما قبلها من الشرائع، وهذا أمر مجمع عليه متواتر عند جميع أهل العلم؛ قال -تعالى-: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ ‌وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ) (المائدة: 48)، فكان نزول القرآن مصدقًا لما أخبرت به الكتب السابقة عنه، كما أنه مهيمن عليها؛ أي: أمين وشاهد وحاكم عليها، فلا حاجة للعمل بها مع نزول القرآن.
قال ابن كثير -رحمه الله-: "(مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ) أي: من الكتب المتقدمة المتضمنة ذكره ومدحه، وأنه سينزل من عند الله على عبده ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-، فكان نزوله كما أخبرت به، مما زادها صدقًا عند حامليها من ذوي البصائر، الذين انقادوا لأمر الله واتبعوا شرائع الله، وصدقوا رسل الله، كما قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ ‌أُوتُوا ‌الْعِلْمَ ‌مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا . وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا) (الإسراء: 107-108)، أي: إن كان ما وعدنا الله على ألسنة الرسل المتقدمين من مجيء محمد -عليه السلام-، (لَمَفْعُولًا) أي: لكائنًا لا محالة ولا بد".
وقال: "وقوله: (‌وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ) قال سفيان الثوري وغيره، عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس، أي: مؤتمنًا عليه. وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: المهيمن: الأمين، قال: القرآن أمين على كل كتاب قبله. وروي عن عكرمة، وسعيد بن جبير، ومجاهد، ومحمد بن كعب، وعطية، والحسن، وقتادة، وعطاء الخراساني، والسدي، وابن زيد، نحو ذلك.
وقال ابن جريج: القرآن أمين على الكتب المتقدمة، فما وافقه منها فهو حق، وما خالفه منها فهو باطل. وعن الوالبي، عن ابن عباس: (‌وَمُهَيْمِنًا) أي: شهيدًا. وكذا قال مجاهد، وقتادة، والسدي. وقال العوفي عن ابن عباس: (‌وَمُهَيْمِنًا) أي: حاكمًا على ما قبله من الكتب.
وهذه الأقوال كلها متقاربة المعنى، فإن اسم "المهيمن" يتضمن هذا كله؛ فهو أمين وشاهد وحاكم على كل كتاب" (تفسير ابن كثير).
والعجب أن بعض أهل الزيغ والضلال يعلمون ذلك -وهو الموجود في جميع كتب أهل العلم وفي المدارس والجامعات الدينية-، لكن يتركون بيان هذا الفرق لكي يلبسوا على الناس دينهم.
عدم التفريق بين الرسل:
يدخل في قضية الإيمان بالرسل عدم التفريق بينهم؛ بمعنى أن على جميع المؤمنين أن يؤمنوا بجميع الأنبياء والرسل ويصدقوهم، ويشهدوا لهم بالنبوة والرسالة، ولا يجوز تكذيب واحد منهم؛ لأن الله أرسلهم جميعًا؛ ولأنهم كلهم يصدق بعضهم بعضًا في الدعوة إلى التوحيد وعبادة الله وحده لا شريك له وإن اختلفت شرائعهم، وهذه مسألة أخرى غير مسألة لزوم شريعة النبي -صلى الله عليه وسلم- كشريعة خاتمة ناسخة لما قبلها، فيجب الإيمان بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وتصديقه في رسالته، ثم يلزم اتباع شريعته؛ لأنها ناسخة لما قبلها.
إذًا مسألة الإيمان بجميع الأنبياء والرسل مما لم تختلف فيه الشرائع، فقد أمرنا بأن نؤمن بالرسل جميعًا ولا نفرِّق بينهم في الإيمان، كما قال الله -سبحانه وتعالى-: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ ‌لَا ‌نُفَرِّقُ ‌بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (البقرة: 136)، وتكرر الأمر بذلك في قوله -تعالى-: (قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ ‌لَا ‌نُفَرِّقُ ‌بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ . وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران: 84-85).
قال ابن جرير الطبري: "وأن جَميع من ذكر الله من أنبيائه كانوا على حق وهدى، يُصدِّق بعضهم بعضًا، على منهاج واحد في الدعاء إلى توحيد الله، والعمل بطاعته (‌لَا ‌نُفَرِّقُ ‌بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ)، يقول: لا نؤمن ببعض الأنبياء ونكفر ببعض، ونتبرَّأ من بعضٍ ونتولى بعضًا، كما تبرأت اليهودُ من عيسى ومحمد -عليهما السلام- وأقرَّت بغيرهما من الأنبياء، وكما تبرأت النصارى من محمد -صلى الله عليه وسلم- وأقرّت بغيره من الأنبياء، بل نشهد لجميعهم أنهم كانوا رسلَ الله وأنبياءَه، بعثوا بالحق والهدى" (تفسير الطبري).
وسمى الله من كفر ببعض الرسل وآمن ببعض كافرًا، بل أخبر أن هذا هو الكافر حقًّا، كما قال -سبحانه وتعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا . أُولَئِكَ هُمُ ‌الْكَافِرُونَ ‌حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا) (النساء: 150-151).
قال ابن جرير الطبري: "يعني بقوله جل ثناؤه: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ)، من اليهود والنصارى = (وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ)، بأن يكذبوا رسل الله الذين أرسلهم إلى خلقه بوحيه، ويزعموا أنهم افتروا على ربهم. وذلك هو معنى إرادتهم التفريقَ بين الله ورسله، بنِحْلتهم إياهم الكذب والفريةَ على الله، وادِّعائهم عليهم الأباطيل = (وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ)، يعني أنهم يقولون: "نصدِّق بهذا ونكذِّب بهذا"، كما فعلت اليهود من تكذيبهم عيسى ومحمدًا -صلى الله عليهما وسلم-، وتصديقهم بموسى وسائر الأنبياء قبله بزعمهم، وكما فعلت النصارى من تكذيبهم محمدًا -صلى الله عليه وسلم-، وتصديقهم بعيسى وسائر الأنبياء قبله بزعمهم".
إلى أن قال: "فقال -جل ثناؤه- لعباده منبهًا لهم على ضلالتهم وكفرهم: (أُولَئِكَ هُمُ ‌الْكَافِرُونَ ‌حَقًّا)، يقول: أيها الناس، هؤلاء الذين وصفت لكم صفتهم، هم أهل الكفر بي، المستحقون عذابي والخلود في ناري حقًّا. فاستيقنوا ذلك، ولا يشككنَّكم في أمرهم انتحالهم الكذب، ودعواهم أنهم يقرُّون بما زعموا أنهم به مقرُّون من الكتب والرسل، فإنهم في دعواهم ما ادعوا من ذلك كَذَبَةٌ؛ وذلك أن المؤمن بالكتب والرسل هو المصدّق بجميع ما في الكتاب الذي يزعم أنه به مصدق، وبما جاء به الرسول الذي يزعم أنه به مؤمن؛ فأما من صدّق ببعض ذلك وكذَّب ببعض، فهو لنبوة من كذب ببعض ما جاء به جاحد، ومن جحد نبوة نبي فهو به مكذب. وهؤلاء الذين جحدوا نبوة بعض الأنبياء، وزعموا أنهم مصدقون ببعض، مكذبون من زعموا أنهم به مؤمنون، لتكذيبهم ببعض ما جاءهم به من عند ربهم، فهم بالله وبرسله = الذين يزعمون أنهم بهم مصدقون، والذين يزعمون أنهم بهم مكذبون = كافرون، فهم الجاحدون وحدانية الله ونبوّة أنبيائه حق الجحود، المكذبون بذلك حق التكذيب؛ فاحذروا أن تغتروا بهم وببدعتهم، فإنا قد أعتدنا لهم عذابًا مهينًا" (تفسير الطبري).
إذًا فالحاصل من هذا: أنه الآن بعد بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يصح أن يدعي أحدٌ أن هناك مؤمنين من ملل وأديان أخرى غير دين الإسلام؛ لأنهم أولًا لا يعبدون الله وحده، ثم هم يكذِّبون بالنبي -صلى الله عليه وسلم- ولا يؤمنون به، ثم هم ثالثًا لا يؤمنون بالقرآن ولا بشريعة الإسلام الخاتمة، وكل هذا من أصول الكفر.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 75.39 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 73.22 كيلو بايت... تم توفير 2.16 كيلو بايت...بمعدل (2.87%)]