حقوق مشتركة بين الزوجين - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         التسويف.. أكــــاذيــب علــــــى النفـــــــس!! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          مشكلات في طريق الدعوة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 143 )           »          أحوال الناس يوم القيامة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          ماذا أعددنا لكشف الضر والبلاء؟! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          الرحمن الرحيم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          أسباب فقدان السمع لدى الأطفال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          صنـائـع المعـروف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          السير من مزدلفة إلى منى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          وقفات مع حجة النبي صلى الله عليه وسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4465 - عددالزوار : 928290 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29-01-2024, 11:46 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,887
الدولة : Egypt
افتراضي حقوق مشتركة بين الزوجين

حقوق مشتركة بين الزوجين
يحيى بن حسن حترش

الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102 ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أما بعد:
فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار، أما بعد:
أيها المسلمون عباد الله، إن في خلق السماوات، والأرض وما أودع الله فيهما من المخلوقات لآياتٍ تدل على عظمته، وقدرته، وعظيم إحسانه بمخلوقاته.

ولقد خص الله بالذكر بعض هذه المخلوقات، وجعلها من آياته التي تدل على وحدانيته، ورحمته، فمن ذلك آية الزواج، التي قال الله عنها: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21].

ولقد ختم الله هذه الآية بالتفكر، ليرينا أن نعمة الزواج لا يعرف قدرها، ولا يستشعر حكمة خالقها إلا من أعمل فكره فيها، فقال: لقوم يتفكرون.

قف وتأمل أيها الرجل، وأيتها المرأة، قف وتأمَّل بسمعك، وقلبك، وبصرك، أيها الزوج، وأيتها الزوجة، إلى جزئيةٍ وإلى جانبٍ من جوانب هذه الآية العظيمة، يوم يجمع الله بينكما، ويؤلف بين قلوبكما، ويجعلكما لباسًا، وسكنًا لبعضكما، ثم يُخرج الله منكما أولادًا ليؤكد العلاقة بينكما، وتُذكران به بعد موتكما، إن في ذلك لآياتٍ لقوم يتفكرون.

ألم تسأل نفسك أيها الزوج، وأنت على فراشك، وبجوار امرأتك، أن هذه المرأة التي تنظر إليها، جاءت من بيت أهلها، وما كنت تعرفها، ولا قد رأيتها، وهي الآن على الحالة التي تراها، ولعلها جاءتك من مكان، ومن مدينة، وربما من دولة غير مدينتك التي تسكن فيها، ولعل طباعها غير طباعك، ولهجتها تختلف عن لهجتك، ولهجة بلدك، ولعلك كنت تظن أنك ستتزوج من بنات جارك، أوحيٍّ من أحيائك التي تسكن فيها، أو من بنات عمك، وأقاربك اللاتي عرفتهن، ولعبت معهن أثناء صغرك، وطفولتك، وإذا بك تزوجت من مكان، أو قريةٍ، أو مدينة لا تعرفها، أو لعلك ما قد سمعت بها، وأخذت منها امرأة لا تعرفها، ولا تعرف صورتها، ولا طبيعتها، ولا أي شيء عنها، فما إن جلست معها، وسكنت إليها، واختليت بها، إلا وينزل الله من الرحمة، والحب، والمودة بينكما ما لم يكن لأحد من أقاربكما الذين عشتما معهم طوال حياتكما، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون.

ألم يخطر ببالكِ، وتعيشي بمشاعركِ أيتها المرأة، وأنت تسكنين في بيت لم تألفيه، وتُظهرين زينتك لرجل لم تعرفيه، وتطلعينه على مواضع من جسمك، لعلك ما أبديتِها طول حياتك في البيت الذي تربيتِ فيه، لعل البنت تتحرج يومًا من نظر أمها إلى عورتها بدون قصدها، وهي التي ربتها، وأرضعتها، وأخرجتها من بطنها، ويعظم حياؤها لو رآها أبوها، أو أحد إخوانها، وقد تلطم خدها، ويجن جنونها إذا ما رآها أجنبيٌّ عنها، كيف لا وهي العذراء في خدرها، ولعل هذا الأجنبي هو زوجها قبل أن يتزوجها.

ولا إله إلا الله فما إن يحصل الإيجاب، والقبول بين وليها وبين من تقدم إليها، ما إن يقول وليها: زوجتكها، ويقول: الزوج قبلتها، إلا ويفيض الله من رحماته، وألطافه عليهما، ويؤنس وحشتها، ويؤلف بين قلوبهما، ولعل المرأة التي كانت ترفض زواجها بمن تقدم إليها، يصبح زوجها أحب خلق الله إلى قلبها، ولعلها لا يقر قرارها، ولا تهنأ في منامها، إذا غاب عنها زوجها، أو ابتعد عن فراشها، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون.

ومع هذه الألفة والمودة، والمحبة التي أودعها الله في قلوب الزوجين، إلا أن الله لم يكل تنظيم أمور الزوجين، واستقرار حياتهما، واستمرار المودة بينهما، إلى الألفة، والمحبة التي في قلوبهما، بل جعل لهما، وعليهما حقوقًا، وواجبات، وجعل بينهما حقوقًا مشتركات.

نعم وإن جعلهما الله لباسًا، وسكنًا لبعضهما، وقذف الألفة، والمحبة بينهما، إلا أن الشيطان عدو الإنسانية، بما في ذلك العلاقة الزوجية، والحياة الأسرية، لهم بالمرصاد، فهو ينشر جنوده للإفساد، والتحريش، والفتنة بين العباد، وأحبهم، وأقربهم منه مجلسًا هو الذي يأتيه ويقول: ما تركته، حتى فرقت بينه، وبين زوجته، كما قال عليه الصلاة والسلام.

فمن أجل هذا، كان لا بد على الزوجين أن يعلما، ويتعرفا على الحقوق التي لهما، وعليهما، والحقوق المشتركة بينهما.

وكنا قد تكلمنا في اللقاءات الماضية، عن حقوق الأزواج، والزوجات، ما لهما وما عليهما.

وحديثنا في هذا اليوم عن الحقوق المشتركة بينهما، التي قال الله عنها: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 228]، وقوله عليه الصلاة والسلام: «إن لنسائكم عليكم حقوقًا، ولكم عليهن حقوقًا».


ولكن قبل أن نتعرف، ونستعرض ما الذي ينبغي للزوجين، لابد أن نعلم أن هذه الحقوق، لابد أن تُؤدى على وجه المحبة، والرحمة، والتسامح، لا على وجه المشاحة، والمقاضاة.

نعم ينبغي للزوجين أن يستشعرا حين أداء الحقوق لبعضهما أن ما يقومان به هو قربة لربهما، وطاعة لخالقهما سبحانه وتعالى لا لإسقاط ذلك عنهما، ليستمتعا بحياتهما، وليترسخ الحب، والود، بينهما.

فأول، وأولى ما يقدم ذكره في الحقوق المشتركة بين الزوجين هو معرفة، أو دراسة، أو تعلم ما ينبغي على كل واحد أن يفعله تجاه الآخر، ليعلم الزوج ما حق زوجته فيؤديه لها، وتعلم الزوجة ما حقوق زوجها عليها فتطيعه فيها.

فكما أننا لا نقدم على عمل من عمل دنيانا إلا ونحسب له حسابه، ونعرف مدخله ومخرجه؛ لكي لا نخسر فيه، فالحياة الزوجية أولى أن نتعلم مطالبها، ولوازمها، ومتعلقاتها، وواجباتها، لأن منبع السعادة الإنسانية ينشأ من استقرار الحياة الأسرية، ولا يكون ذلك إلا بالحياة المتبادلة، وأداء الحقوق المشتركة.

نعم واجب على كل زوج، وعلى كل زوجة، وعلى الرجل، وعلى المرأة، قبل أن يبنيا حياتهما الزوجية، أن يتعرفا على حقوق بعضهما، وما الذي يريده الله منهما، لأن الجهل رأس كلِّ مصيبة، ومن ورائه تحصل كل بلية، فقد يظل الزوجان سنوات من زواجهما، وهما لا يعرفان حق بعضهما، قد تمتنع المرأة - مثلا - عن فراش زوجها، وهي لا تعلم بالعقوبة المغلظة عليها، قد يظل الزوج سنوات في غربته، وهو مبتعد عن زوجته، وهو لا يعلم أنه لا يجوز له أن يغيب عنها فوق أربعة أشهر إلا بإذنها، كما حكم بذلك الملهم الأواب عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه - عندما سأل ابنته عن أقصى مدة تصبر المرأة على فراق زوجها؟ فقالت: أربعة أشهر، فأمر الرجال ألا يتأخروا في الغزو عن أربعة أشهر؛ لأن المرأة لها وعليها، وقد أودع الله فيها ما أودعه في زوجها، وكم وكم هي القضايا، والحقوق التي يجهلها الرجال في حق زوجاتهم، والنساء في حق أزواجهن، ولعلهم لا يعرفون ذلك إلا إذا وصلوا إلى المحكمة، أو أتوا إلى مجلس الذكر، أو المسجد ليسمعوا خطبة أو موعظة، والله المستعان.

إحدى النساء كانت تعصي زوجها، ولا تستجيب له إذا أراد أن يقضي حاجته منها، وهكذا ظلت سنوات معه وهي في عصيانها، وعنادها، فلما حضرت إحدى خطب الجمعة، وسمعت ما أعده الله للممتنعة عن زوجها من اللعن، والسخط، والغضب، اقشعرَّ جلدها، فأعلنت التوبة لربها في عصيانه لحق زوجها.

وماذا عليها لو تعلمت حقوق زوجها عليها؟! وماذا عليك أيها الزوج لو سمحت لها لتأتي مجالس العلم لتتعلم الحقوق التي عليها تجاه زوجها؟!

كذلك أنت أيها الزوج نقول لك مثلما قلنا لها، فهذا رجل حضر لسماع الموعظة، وكان عنوانها عن العلاقات الزوجية، فلما انتهى الواعظ من موعظته، عانق هذا الرجل الواعظ وبكى، ثم قال: لقد كان موعدي اليوم في المحكمة من أجل طلاق زوجتي، لكن بعد سماعي لموعظتك، سأترك طلاقها، وسأصلح علاقتي معها؛ فجزاك الله عنا خيرًا!

فالله الله، أيها الأزواج بتعلم أمور دينكما، ومعرفة الحقوق التي تجب عليكما، تجاه أزواجكما.

كذلك على الآباء، والأمهات قبل أن يزوجوا أولادهم ذكورًا أو إناثًا أن يعلموهم، ويرشدوهم، كما قالت أمامة بنت الحارث التغلبية، في وصيتها الذهبية لابنتها في وقت زفافها، وقد تقدم ذلك معنا في الخطبة الماضية.

كذلك من الحقوق المشتركة بين الزوجين أن يتعرفا على طباع بعضهما، وما الذي يحبه ويكرهه كلٌّ منهما، فقَلَّ أن تجد زوجين متفقين في طباعهما، ورغباتهما.

فعلى المرأة أولًا: أن تتعرف في بداية حياتها عن طبيعة زوجها، وما الذي يحبه، أو يكرهه منها، تتعرف عن رغبته فيما يتعلق بطعامه، وشرابه، ولباسه، وأوقاته، حتى تعامله بما يُحب لا بما تحب.

ولقد ذكرت كتب التاريخ، والسير نموذجًا رائعًا في هذا الباب لإحدى نساء بني تميم، وهي زينب بنت جرير، من بني حنظلة؛ يقول الإمام الشعبي رحمه الله: لقيني شريح القاضي فقال لي: يا شعبي، عليك بنساء بني تميم؛ فإني رأيت لهن عقولًا! قلت: وما رأيت من عقولهن؟! ثم ذكر له شريح ما كان من أمر زواجه بزينب بنت جرير، ثم قال: ولو رأيتني يا شعبي وقد أقبلت نساؤها يهدينها، حتى أُدخلت عليَّ، فقلت إن من السنة إذا دخلت المرأة على زوجها، أن يقوم ويصلي ركعتين، ويسأل الله من خيرها، ويتعوذ بالله من شرها، قال: فتوضأت، فإذا هي تتوضأ بوضوئي، وصليت فإذا هي تصلي بصلاتي، فلما خلا البيت، دنوت منها، ومددت يدي إلى ناصيتها، فقالت: على رسلك يا أبا أمية، ثم قالت: الحمد لله أحمده وأستعينه، وأصلي على محمد، وآله، أما بعد: فإني امرأةٌ غريبة لا علم لي بأخلاقك، فبين لي ما تحب فآتيه، وما تكره فأجتنبه، فإنه قد كان لك منكَحٌ في قومك، ولي في قومي مثل ذلك، ولكن إذا قضى الله أمرًا كان مفعولًا، وقد ملكت فاصنع ما أمرك الله، إما إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولك، ولجميع المسلمين، قال فأحوجتني - والله- يا شعبي إلى الخطبة في ذلك الموضع، فقلت: الحمد لله أحمده وأستعينه، وأصلي على محمد، وآله، أما بعد: فإنك قد قلتِ كلامًا، إن ثبتي عليه يكن ذلك حظًّا لي منك، وإن تدعيه، يكون حجة عليك، أحب كذا، وأكره كذا، وما رأيت من حسنة فبثيها، وما رأيت من سيئة فاستريها، فقالت: كيف محبتك لزيارة الأهل؟ قلت: ما أحب أن يملني أصهاري، قالت: فمن تحب من جيرانك يدخل دارك، لآذن له، ومن تكره أكرهه؟ قلت: بنو فلان قوم صالحون، وبنو فلان قوم سوء، قال: فبت معها -يا شعبي- بأنعم ليلة، فمكثت معي حولًا لا أرى منها إلا ما أحب، فلما كان رأس الحول، جئت من مجلس القضاء، فإذا أنا بعجوز في الدار، تأمر، وتنهى، قلت: من هذه؟ قالوا: فلانة - أم حليلتك - قلت: مرحبًا، وأهلًا، وسهلًا فلما جلستُ، أقبلت العجوز وقالت: السلام عليك يا أبا أمية، قلت: وعليك السلام، ومرحبا بكِ، وأهلًا، قالت: كيف رأيت زوجتك؟ قلت: خير زوجة، وأوفق قرين’، لقد أدبت فأحسنت الأدب، وريضتي فأحسنت الرياضة، فجزاك الله خيرًا، فقالت: يا أبا أمية: إن المرأة لا يُرى أسوأ حالًا منها في حالتين، قلت: وما هما؟ قالت: إذا ولدت غلامًا، أو حظيت عند زوجها، فإن رابك مريب فعليك بالسوط، فو الله ما حاز الرجال في بيوتهم أشرَّ من الروعاء المدللة، فقلت: والله لقد أدبت، وأحسنت الأدب، وريضتي وأحسنتِ الرياضة! قالت: كيف تحب أن يزورك أصهارك؟ قلت: ما شاءوا، فكانت تأتيني في رأس كل حول، فتوصيني بتلك الوصية، فمكثت معها يا شعبي عشرين سنة، لم أعب عليها شيئًا، وكان لي جار من كِندة، يُفزع امرأته، ويضربها: فقلت في ذلك:
رأيت رجالًا يضربون نساءهم
فشُلت يميني يوم أضرب زينبا
أأضربها من غير ذنب أتت به
فما العدل مني ضرب من ليس مذنبَ
فزينب شمس والنساء كواكبٌ
إذا طلعت لم تُبدِ منهن كوكبا[1]


من لنا بهذه المرأة، وحسن كلامها، وطلبها لمعرفة طباع زوجها، هكذا فلتكن الحياة، عشرون سنة، لم يعب عليها شيئٍا، كيف لا وقد عرفت طباعه، وحبه، وكرهه، بل سألت عن ذلك في بداية حياتها، لأن الجهل بذلك، وإهمال ذلك، هو منبع الخلاف كما سيأتينا في أسباب المشاكل الزوجية.

فمعرفة الطباع هي سبب لكسب القلوب، ومحبتها، وقد قيل: اعرف طباعهم، تدخل قلوبهم، ويذكر أن رجلًا قال لصاحبه: إن أمي تحبني أكثر من إخواني، فسألته عن ذلك؟ فقال: إن أمي امرأة كبيرة من عجائز النساء، تحب من الكلام ما يحبه العجائز، من أن فلانة تزوجت، وفلانة طُلقت، وفلانة دخلت، أو خرجت، إلى غير ذلك مما هو معروف من حديث عجائز النساء، فعندما تحدثني أمي بهذه المعلومات أصغي لها، وأتفاعل معها، وأشعرها بأهمية المعلومات التي ترويها، فتشعر والدتي أنها تأتي بمعلومات لا مثيل لها، وإخواني لا يطيقون سماع هذا الأخبار التي معها، فلا يصغون لها، وقد يخرجون ويتركونها، فهذا هو سر حبي، من أمي، وهو أني عرفت طبعها.

فاعرفي أيتها المرأة طباع زوجك؛ لتسعدي به وليسعد بك، فأنت من السعادة التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم، تعرفي على أوقاته، وما يحبه، وما لا يحبه من طعامه وشرابه، إلى غير ذلك من الأشياء التي لا تخفى عليك، فهو سكنكِ، ولباسكِ.

أنت كذلك أيها الرجل، تعرف على طبع زوجتك، وعلى محبوباتها، ورغباتها، لتشتري لها ما يعجبها، ولتختار لها من الكلمات ما يناسبها، وتتجنب ما تضيق منه وما تكرهها.

كذلك تعرف على ما يعتريها وقت حملها، وأيام دورتها، لتتلطف معها، وتُقدر عناءها وتعبها، وتشتري لها من الطعام ما تطلبها وقت حملها، فالذي في بطنها هو ولدك، وولدها، إلى غير ذلك مما يعرفه الزوجان عن بعضهما.

ولا نعني بذلك أن من كانت له عادة سيئة، وطبيعة خاطئة، أن يعذب بها غيره، بحجة أن هذا هو طبعه، وهذه هي عادته، بل لابد عليه ألا يستسلم لها، وأن يعوِّد نفسه على تغييرها، ويدعو الله أن يعافيه منها كأن يكون الرجل كثير النقد لغيره، شديد الغيرة على زوجته، سريع الغضب على أولاده، إلى غير ذلك، والمقصود أيها الزوجان أن تتعرفا على طباعكما؛ لتسعدا في حياتكما.

كذلك من الحقوق المشتركة بين الزوجين الصبر على بعضهما، وتحمل ما يحصل من الأخطاء بينهما، وإن معرفة الزوجين لطباع بعضهما، لا يعني بذلك أن كل واحد منهما سيملأ رغبة الآخر، ويحقق كامل رضاه، فلابد أنه سيبقى هناك أشياء، وأخطاء، ستحصل منهما، أو من أحدهما؛ فينبغي الصبر من الزوجين، والتغافل ما أمكن من الطرفين، وأن يعلم كل منهما قدر الآخر، ومكانته.

ولئن كان الإنسان مطالبًا بأن يصبر على غيره، فالزوجان، أولى من أن يصبرا على بعضهما، ويتحملا ما يحصل ويحدث بينهما.

فإذا جاء الزوج من عمله، أو من خارج بيته، وحصل منه إساءة إلى زوجته بلسانه، أو بعدم إحضار ما طلبته لبيته، وأولاده، فلتعذره زوجته؛ فلعله رأى، أو لاقى في عمله ما عكر مزاجه، أو أتعب جسمه، وأرهقه.

كذلك إذا رجع الرجل إلى بيته، ولم ير حسن استقبال امرأته، فليعذرها بأتعاب بيتها، أو مشاكل وشغب أولادها؛ فقد روي أن رجلًا جاء يشكو زوجته لعمر، فأقبل هذا الرجل إلى عمر ليستشيره في تطليق زوجته، فلما اقترب من الباب سمع صوت امرأة عمر وهي ترفع صوتها على زوجها عمر - وعمر من عمر-!
يهتز كسرى على كرسيه فرقًا
من خوفه وملوك الناس تخشاه




فلما سمعها ترفع صوتها على عمر انصرف، وولى من باب عمر، فشعر به عمر، فقال: ما لك يا رجل؟ فقال: يا أمير المؤمنين، جئت إليك أشتكي من زوجتي، ولسانها، وإذا امرأتك أعظم منها! فقال عمر: يا رجل إنها مربية أولادي، وصاحبتي في فراشي، وغاسلة ثيابي، وطابخة طعامي، ومؤنستي في وحدتي، أفلا أصبر على بعض خلقها لأجل ذلك.

رضي الله عنك أيها الملهم الأواب، هكذا فلنتعلم العدل والإنصاف، وهكذا فليكن شعارنا، إن فعلت، أو قصرت وأخطأت، فهي التي تفعل، وتفعل.

أسأل الله أن يغفر لنا، ولنسائنا، وأن يصلح شأننا، وجميع أمورنا!

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، ولجميع المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

(الخطبة الثانية)
الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله، وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أيها المسلمون عباد الله، إن من أعظم الحقوق، وآكدها بين الزوجين هو حق الوفاء بينهما، في حياتهما، وبعد مماتهما، في صحتهما ومرضهما، في غناهما وفقرهما، في شبابهما وكبرهما، وهرمهما.

إن أولى ما يتجسد الوفاء بين شخصين، وطرفين، هو بين الزوج وزوجته، اللذَين بينهما من المخالطة، والمعاشرة ما ليس لغيرهما فحري بالزوجين أن يكونا وفيين مع بعضهما، في جميع شئون حياتهما، وبعد مماتهما.

وللأسف أصبح هذا الخلق مفقودا عند كثير من الأزواج، والزوجات، فكم من زوج تنكر لزوجته عندما تزوج عليها، ونسي أيام شبابها، وذكرياته معها، وتقلبهما بين حلو الحياة ومرها، وأصبح يقهرها، وينهرها، ويهددها بطلاقها!

كم من زوج تمتع بزوجته في حال صحتها، وعافيتها، فإذا ما قدر الله عليها علةً بجسدها، أو مسًّا، أو سحرًا في عقلها، صبر عليها الأيام الأولى من مرضها، ثم طلقها، أو استثقلها، وملها، أو أرسلها إلى بيت والدها، وأشعرهم بعدم رغبته فيها، إذا استمر مرضها. الله المستعان، الله المستعان!

أهذا هو الوفاء؟! أهذه هي العشرة؟! أهذا هو جزاء السنوات التي قضيتها معها؟! الآن تتنكر لها، ولمرضها الذي جاءها بغير رضاها، واختيارها؟! الآن تهددها بطلاقها، أو تعيرها بمرضها، وتعاملها كأنك أجنبي عنها، وهي أحوج ما تكون إلى رفقك بها، ومواساتك لها، وتعويضها بحنانك عن صحتك التي فقدتها. الله المستعان!! أين قول الله: ﴿ وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [البقرة: 237]، أين الوفاء، أين الكرماء، أين الكريم الذي يراعي وداد لحظة، كيف بسنوات مليئات بالذكريات، والبنين والبنات؟!

قل مثل ذلك في الزوجات كم من امرأة تنكرت لزوجها حين قدر الله عليه بانقطاع عمله، وقلة ما في يده، فأصبحت تحتقره، وبفقره تُعيِّره، ولعلها تشتكيه إلى أهلها، وتطالبهم بطلاقها، أو خلعها، وهو الذي كان يطعمها، ويكسوها، وهو الذي كان يتعب من أجلها طوال حياته معها، كم من امرأة ملت زوجها، وتركت رعايتها، وخدمتها لزوجها، حين كبر سنه، وضعفت قوته، فأصبحت تنهره، وتستفزه، وهو أحوج ما يكون إليها؟!

فالوفاء الوفاء أيتها الزوجات، الوفاء الوفاء أيتها الأمهات، ولتكونوا أيها الأزواج، والزوجات من الأوفياء الذين ضربوا لنا أروع الأمثلة في وفائهما مع زوجاتهما، ولتكوني- كذلك- أيتها الزوجة الوفية.

قال ابن الجوزي رحمه الله: « قيل لأبي عثمان النيسابوري: ما أرجى عمل عملته يا أبا عثمان؟ قال: لما كنت في صبوتي، اجتهد أهلي في تزويجي، فأبيت، فجاءتني امرأة، وقالت: يا أبا عثمان، إني قد هويتك، فأستحلفك بالله أن تتزوجني، فأحضرت أباها، وكان فقيرًا، ففرح بزواجها، فلما دخلت إليَّ رأيتها عوراء، وعرجاء، ومشوهة، وكانت لمحبتها لي تمنعني من الخروج، فأقعد في البيت حفظا لقلبها، وتطيبا لخاطرها، وكنت لا أظهر شيئا من بغضي لها، وكأني على جمر الغضى من بغضها، فعشت معها على هذا الحال خمس عشرة سنة، حتى ماتت، هذا أرجى عمل عندي أحتسبه عند الله تبارك وتعالى ».

فأين - بالله عليكم- مثل هؤلاء؟! نسأل الله أن يرزقنا هذا الخلق العظيم!

وهذه قصة معاصرة، لامرأة ضربت أروع الأمثلة في وفاء النساء مع أزواجهن، عاشت هذه المرأة مع زوجها مدة من الزمن، ولم تحمل هذه المرأة من زوجها، فذهب بها زوجها ففحص على نفسه، وعليها، وقبل أن يذهب الرجل لاستلام نتيجة الفحص سبقته زوجته لاستلام النتيجة، وإذا بنتيجة الفحص تقول: بأن في زوجها عقم نهائي، فما كانت من هذه المرأة الوفية إلا أن عزمت على الطبيبة، واستحلفتها أن تخبر زوجها بأن العقم منها وليس من زوجها، حتى لا يصدم بهذا الخبر، ويحزن، ويصاب بالهم، والغم، إلى غير ذلك، ثم لما جاء الزوج وعلم أن العقم من زوجته، وصل الخبر إلى أهله، ثم أشاروا عليه أن يتزوج فوق زوجته، فذهب ليتزوج من أحد أقاربه، فقالوا لا نزوجك ما دامت زوجتك معك، فإما أن تطلقها، أو نعتذر لك بتزويج ابنتنا، فما كان منه إلا أن طلق زوجته، ثم عاش مع زوجته الجديدة عامًا كاملا، ولكنها لم تحمل منه، ثم ذهب ليفحص وليتأكد من عقمها، ففحص على نفسه وعليها، ثم ظهرت الحقيقة، وهي أن العقم منه لا من زوجتيه، فلما رجع إلى الطبيبة الأولى التي قالت له: إن العقم من زوجته فأخبرته بالحقيقة، وأن زوجته الأولى هي التي أحرجتها بذلك، وفاءً منها لزوجها!

ثم انتشر الخبر عند أهل الزوجة الثانية، فألزموه، وأجبروه أن يطلق ابنتهم، فطلقها، ثم ذهب ليبحث عن زوجته الأولى، وإذا بها قد تزوجت، فحزن عليها حزنًا شديدًا، ثم كتب أبياتًا بلهجته، يعبر عن ندامته، ووفاء زوجته والتي كان اسمها نوف، فبحث عنها، واستأذن زوجها أن يسمعها أبياته التي قالها فيها، وأن يعطيها جزاء وفائها هديةً لها، فأذن له الزوج فقال في أبياته الشعبية:
يا نوف حالتي حالة مالها ثاني
يا جرح قلبي يا وجد حالي
يا نوف فعلك صار ضرب للامثال
وهذا سبب همي وهذا خمالي
طبتِ وانا ما طبت يا بنت الأبطال
ولا لي على رد الجمايل مجال
وما بي سوى مطلب محدد ولا زال
يصفق بقلبي من جنوبي وشمالي
لو عشت طول العمر يا نوف رحال
طاريك والله ما يفارق خيالي
تكفين قولي لي مسامح وبالحال
على الأقل شوي يرتاح بالي


ثم أعطاها هديته، وكانت هديته هي العمارة التي كانت تسكن فيها، سبحان الله ما أجمل الوفاء، وما أجمل هذه المواقف التي تعبر عن الصدق، والصفاء!

ثم لنعلم أيها الناس، وأيها الأزواج أن الوفاء ليس قاصرا على حياتكما أيها الزوجان، بل وأنتما أحوج ما تكونان إليه بعد مماتكما، وأنتما في قبوركما، وذلك أن تستغفرا وتدعوا لبعضكما، فلا يزال هناك لقاء يجمع الله به بينكما.

وقد كان حبيبنا عليه الصلاة والسلام وقدوتنا، وسيد الأوفياء والأصفياء، كثيرا ما كان يتذكر زوجته خديجة، وهي التي عاشت معه ريعان شبابه، فكان يكثر ذكرها، ويتصدق على صدائقها، ويقول: إني رزقت حبها! وكان يدافع عنها، ويقول: والله ما أبدلني الله خيرًا منها، إنها كانت، وكانت، وكان لي منها ولد.

ومن جميل التراجم، وصور الوفاء في الحياة الزوجية بعد الفراق، ما خطه المؤرخ المقريزي، وهو يترجم لزوجته، ويحكي رؤيته لها في منامه، فقال: واتفق لي أني كنت أكثر من الاستغفار لها، بعد موتها فرأيتها – أي: في بعض الليالي- في المنام وقد دخلت علي بهيئتها التي كفنتها بها، فقلت لها - وأنا أعرف أنها ميتة - يا أم محمد: الذي أرسله إليك يصل؟ - أعني: استغفاري لها- قالت: نعم، في كل يوم تصل هديتك إليَّ، ثم بكت! وقالت: قد علمتَ أني عاجزةٌ عن مكافأتك، فقلت لها: لا عليك عما قليل نلتقي، وكانت غفر الله لها- مع صغر سنها - من خير نساء زمانها، ما عوضت بعدها مثلها!

اللهم ارحمنا، وار زقنا الوفاء مع زوجاتنا، وأمهاتنا وأصحابنا، ومن له حق علينا، وقبل ذلك الوفاء معك يا ربنا، يامن خلقتنا، ورزقتنا، وحفظتنا، وهديتنا، يا رب العالمين!

[1] انظر: أحكام النساء لابن الجوزي ص (134 - 135)، وأحكام القرآن لابن العربي (1 /417).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 66.92 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 65.25 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.50%)]