|
الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() نظرة عامة حول مفهومي العلاقات الإنسانية والصحة النفسية أحلام يحيى مقدمة: منذ أن وُجد الإنسان على سطح الأرض وهو يسعى لإقامة علاقات مع غيره من بني جنسه، ويتفاعل معهم، ويُحاول أن يتعرَّف على ما عندهم من أفكار، وأن يتفهَّمها، ويحاول أن يَنقل ما عنده من أفكار وآراء، ويتبع شتى الوسائل والطرق لتحقيق ذلك التواصل والتفاهم، إذًا فهي قديمة قِدَم البشريَّة، وإذا أراد المؤرِّخون تأصيلها فلا بدَّ لهم أن يعودوا إلى بداية خلق الله للإنسان وتكاثر البشر على وجه الأرض؛ إذ إنه قد نشأ وزاد عدده ليكوِّن مجتمعًا ثم مجتمعات مُتعدِّدة بسبب التجمُّعات البشرية. ولقد كرَّم الله سبحانه وتعالى الإنسان وميَّزه بما لم يُميِّز به غيره مِن مَخلوقاته، كما جاء في قوله تعالى: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ [التين:4]، وقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات:13]، ولقد اهتمَّ الإسلام ببناء الإنسان الذي هو أصل المدَنيَّة والحضارة، وقد اختص الله الإنسان بالعلم والعقل والتفكُّر، وتطوير العلوم واكتشاف بعض أسرارها، وتكوين العلاقات الإنسانية مع بني البشَر، سواء في الأسرة أو المجتمع أو العمل. والعلاقات الإنسانية تهتم بشكل رئيسٍ بالتفاعلات التي تتمُّ بين الأفراد باعتبارهم بشرًا لهم مشاعرُ وعواطف وقيَمٌ وحاجات نفسية واجتماعية، بمعنى أن هذه العلاقات تتمُّ بين أفراد يتمتعون بمستوى لا بأس به من الوعي والفهم والاتزان النفسي، وهو ما يدخل ضمن مفهوم الصحة النفسية، كما تُعتبَر العلاقات الاجتماعية من مصادر الصحة النفسية؛ وذلك لما تُقدمه من دعم اجتماعي للفرد الذي- بدَوره- يُخفِّف من العناء؛ لتأثيره الفوري على نطاق الذات؛ بحيث يزيد من تقدير الذات والثقة بالنفس، وتُعتبَر هذه الأخيرة عنصرًا هامًّا في حياة الناس عامة، فتحقيقها يُساعد الإنسانَ في مواجَهة مشاقِّ الحياة وصعوباتها، وفي الوصول للعيش الكريم، والحياة الهانئة السعيدة، ويساهم في تحقيق أهداف الحياة وغاياتها، بل إن أهمية الصحة النفسية تتجاوز ذلك بدورها في تحقيق الوصول إلى رضا الله عز وجل، وتحقيق رضوانه؛ ﴿ جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ﴾ [البينة:8]، وإلى الفوز بجنته سبحانه وتعالى؛ ﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴾ [الفجر:27- 30]. ولأهمية الصحة النفسية فقد ذهبَت الدول المتقدمة بعيدًا في بذل الجهد والمال لتحقيق مستوى عالٍ مِن الصحَّة النفسية لأفرادها؛ ذلك إيمانًا منها بدور هذه الأخيرة في توفير فرص أكبر لأفراد المجتمع لتحقيق الإنجاز الأفضل، والوصول لتقدم أكبر. إذًا، ومما لا شك فيه أن لهذَين الموضوعين أهمية كبرى في تطوير المؤسسات على اختلاف وظائفها (اجتماعية، تربوية، اقتصادية...)، لكن قبل أن نغوص في أعماق أهمية كلٍّ مِن الصحة النفسية والعلاقات الإنسانية في تطوير المؤسسات المختلفة، يجب علينا أولاً تقديم وصلة تعريفية عن كلٍّ منهما، فما هي العلاقات الإنسانية؟ وما أهدافها؟ وما أهمية دراستها؟ وماذا نعني بشخص يتمتَّع بصحة نفسية جيدة؟ وفيمَ تتمثَّل أهداف الصحة النفسية؟ وكيف نميز بين فرد سويٍّ وآخر غيرسوي؟ كل هذه العناصر وأكثر سنتطرَّق لها بشيء من التفصيل في هذه الورقة البحثية. أولاً: العلاقات الإنسانية: 1- مفهومها: يتكون هذا المفهوم من كلمتين، هما: العلاقات، والإنسانية؛ فالعلاقات جمع مفردها (علاقة) بفتح العين، وتعني: "علاقة الخصومة وعلاقة الحب"؛ [الدوسري، 2005، (ص:25)]. والإنسانية تعني: جميع الصفات التي تُميِّز الإنسان عن غيره من الكائنات الحية، وهذا يعني أن العلاقات الإنسانية عبارة عن جملة التفاعلات بين الناس، سواء كانت إيجابية؛ ومنها: الاحترام والتسامح، أم سلبيَّة؛ ومنها التكبُّر والقسوة؛ [الحربي، 2007، (ص: 55)]. وفي هذا الصدد يقول الحربي كذلك: إنَّ مصطلح العلاقات الإنسانية ينطبق بصفة عامة على جميع التفاعُلات بين الأفراد في جميع المجالات (الصناعة، التجارة، التعليم، والمجال الاجتماعي)، فيرتبط الأفراد بنظام معيَّن لتحقيق هدف محدد، وهذا ما يُطلَق عليه: تنمية الجهود المُنتجة المُشبعة للجماعة. وعرفها خالد بن حمدي الحميدي الحربي بأنها: "أحد مجالات الإدارة التي تُعنى باندماج الأفراد في مواقف العمل معًا بطريقة تُحفِّزهم للعمل بأكثر إنتاجية، وتحقيق التعاون لإشباع حاجات العاملين"؛ [الحربي، 2003، (ص: 7)]. أما بالنسبة لمفهوم العلاقات الإنسانية في مجال التربية والتعليم، فقد ناقَشَه العديد من التربويِّين؛ فمنهم من يرى أنها ميدان من الإدارة يهدف إلى التكامل بين الأفراد في محيط العمل بالشكل الذي يدفعهم إلى الإنتاج والتعاون مع إشباع حاجاتهم النفسية والاجتماعية، ومنهم مَن أوضح مفهومها على أنها مأخوذة مِن ذات الإنسان، وأنها أرض عميقة الطبقات، خصبة، تتباين صورها من زمن لآخر، ومن مجتمع لآخر، كما عُرِّفت على أنها: سلوك مثالي بين القائد أو المُشرف مع مَن تحت إشرافه؛ من حيث المعاملة الحسنة بما يُحقِّق الأهداف المشتركة؛ [الحربي، 2007، (ص: 55- 56)]. ومن خلال التعاريف التي تمَّ تقديمها، يُمكن تلخيص مفهوم العلاقات الإنسانية في ما يلي: • إنها تركِّز على الإنسان باعتباره العنصر الفعال، وحجر الأساس في بناء أي جماعة. • الدافع الأساسي والمِحوَر الرئيسي للعلاقات الإنسانية هو: تشجيع الأفراد، وإثارة دوافعهم وتحفيزهم. • هدفها الأسمى هو: الاحتِرام بين الأفراد. • تعمل على تحفيز الأفراد العاملين وزيادة إنتاجيتهم في العمل. • تهدف إلى إشباع حاجات الأفراد، وكذلك إنجاز أهداف المنظَّمة. 1- التصور القرآني للعلاقات الإنسانية: يقول ابن خلدون في "مقدمته": "إن الإنسان اجتماعي بطبعه"، وهذا يعني أن الإنسان فُطر على العيش مع الجماعة والتعامل مع الآخرين، فهو لا يستطيع العيش وحيدًا بمعزل عنهم مهما توفَّرت له سبل الراحة والرفاهية، فهو بذلك يَجنح إلى تكوين علاقات وبناء الروابط مع بني جنسه؛ وذلك لتحقيق المصالح المشتركة؛ [ابن خلدون، د. س (ص: 32)]، وهذه الحقيقة جاء بها القرآن الكريم وبيَّن أهدافها، وما تزال الأيام تُثبت لنا صدقها ودقَّة وصفِها للسلوك الإنساني. فقد بيَّن لنا القرآن الكريم أنَّ الناس مهما تعددت أجناسهم وألوانهم فإن أباهم جميعًا هو آدم عليه السلام؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء:1]، فالقرآن يؤكد وحدة أصل الناس وصِلَة القربى بينهم، باعتبارهم إخوة يَنحدِرون من أصل واحد، وبعد هذا بيَّن لنا القرآن كذلك -وفي سياق آخر- أن هذا الأصل تفرَّعت عنه الشعوب والقبائل، وأن الهدف من هذا التنوع بين الناس هو الاتصال والتفاهم والتعاون؛ لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات:13]، فالغاية التي جعل الله الناس لأجلها شعوبًا وقبائل- كما تدلُّ الآية- ليست التناحُر والتنازُع، ولكنها التعاون والوئام، وأما اختلاف الألسنة والألوان والطبائع والأخلاق، فتنوُّع لا يَقتضي النزاع والشقاق، بل يقتضي التعاون للنهوض بجميع التكاليف والوفاء بجميع الحاجات؛ [عودة عبدالله، د. س، (ص: 289- 291)]. 2- نشأة العلاقات الإنسانية: لو أتينا إلى البدايات الأولى للعلاقات الإنسانية، فسنجد أنها قديمة قِدَم وجود الإنسان على وجه الأرض؛ كما سبق وذكرنا، ولكن استخدامها في بيئة العمل أو في مجال التنظيمات الإدارية هو الحديث نسبيًّا؛ حيث برز في الثلاثينيات مِن القرْن الماضي (إلتون مايو Elton Mayo) كرائد لنظرية جديدة في علم الإدارة تُسمَّى بنظرية العلاقات الإنسانية؛ حيث قام هذا الأخير بدِراسات رائدة لمعرفة أهم العوامل المؤثِّرة على زيادة إنتاج العاملين، وتوصل إلى أن الدافع الاقتصادي ليس الدافع الوحيد في زيادة إنتاج العاملين، بل إنَّ العوامل الاجتماعية لها أثر فعال في زيادة الإنتاج، كما وجد أن العمال يتفاعَلون مع الإدارة كمجموعة شبْه رسمية وليس كأفراد، ولعلَّ أهم ما كشفت عنه أفكار العلاقات الإنسانية هو ما يُسمى (بالتنظيم غير الرسمي)، وهو تنظيم غير مُعلَن، يُنشئه أفراد في التنظيمات الإدارية الرسمية فيما بينهم، تُمثِّل لهم تجمعات طبيعية تُساعِدهم على إشباع تلك الرغبات التي لا يَسمَح لهم التنظيم الرسمي بفُرَص كافية للتعبير عنها أو إشباعها؛ [آل ناجي، د. س، (ص: 4- 5)]. 3- أهداف العلاقات الإنسانية: الهدف الأساسي للعلاقات الإنسانية هو إشباع حاجات الفرد النفسية والاجتِماعية المُتمثِّلة في تفاعُل الفرد مع بيئته، وإشباع هذه الحاجات يعدُّ محكًّا أساسيًّا لمدى فهم المُدير أو المُشرف أو القائد لأسلوب العلاقات الإنسانية الناجح للتعامل مع أفراد التنظيم الإداري، فهو يَستطيع تحقيق الأمور التالية: [سليم الزبون ومحمد الزبون وسليمان موسى، 2010، (ص: 668)]. • الشُّعور بالانتماء للمؤسَّسة؛ وذلك عن طريق إشعارهم بأنهم أعضاء في الجماعة، ويُشاركون في عملِها. • التعبير عن الذات؛ وذلك إذا منَح المدير أو القائد الأفراد العاملين معه بعض المسؤوليات، أو أشرَكَهم في القيام ببعض المهام الخاصة. • النجاح والتقدير؛ وذلك حين يتحمَّل الفرد المسؤولية في عمله وما يُنجزه. • الأمن والطمأنينة؛ حيث يمثِّلان نتيجةً حتميةً للاستمرارية في المؤسَّسة. 4- أهمية دراسة العلاقات الإنسانية: تُعتبر العلاقات الإنسانية عاملاً هامًّا، سواء في الحياة الاجتماعية أو في الإدارة؛ فالقدرة على العمل مع الآخرين بطريقة بنَّاءة هي مِن السمات الهامة التي يجب أن تتميَّز بها شخصية الإداري، ولا سيَّما في ميدان التعليم؛ [الزبون وآخرون، 2010، (ص: 669)]. هذا، ويُضيف الحربي في نفس السياق أن من دوافع الاهتمام بالعلاقات الإنسانية في المنظمات ما يلي: [الحربي، 2007، (ص: 57- 58)]. • حرَكة الإدارة العِلمية؛ والتي تهدف إلى تحقيق أكبر قدر من الإنتاجية بالنسبة للعاملين. • ظهور النقابات، وانضمام العديد مِن العُمال إليها. • الإنتاج الصناعي الكبير، وما يُصاحبه من الانحياز إلى التخصُّص وتقسيم العمل. • المنشآت ذات الحجم الكبير، والتي يعمل فيها آلاف العاملين الذين يَختلفون في قدراتهم وخبراتهم وشعور البعض منهم بالضياع في عالم الشُّغل الكبير. • تعدُّد الجماعات التي ينتمي إليها العاملون. • ارتفاع مُستوى العاملين التعليمي والثقافي، وزيادة قوة العمل، وتأثيرهم كمجتمع في المنظَّمة. 5- المبادئ التي تقوم عليها العلاقات الإنسانية: يقول الحربي كذلك حول هذا العنصر: إن ديفز (Davis، 1997) يرى أن هناك أربعة مبادئ أساسية تقوم عليها العلاقات الإنسانية؛ وهي: (الحربي، 2007، (ص: 59). • الكرامة الإنسانية؛ بحيث يجب على رئيس العمل أن يضع في اعتباره أن كل فرد من العاملين له كرامته. • الفُروق الفردية بين العاملين ووضعها في الاعتبار عند التعامل معهم. • المصلحة المشتركة التي تجعل الفرد ميَّالاً للتجمُّع والتعاون مع غيره. • الحوافز؛ وهي: العائد من وراء هذه المشاركة أو التعاون. يتبع
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]()
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |